-
التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم ،
هذا بحث كنت قد كتبته منذ قرابة السنة في هذه المسألة ، وأرى أن أضعه بين أيديكم لعلّه يفيدكم ، إن شاء الله .
مسألتنا هي : سؤال الميت دعاء الله تعالى .. كأن يقول : يا وليّ الله ، اسأل الله أن يرزقني ويشفيني .
وهذه النقول من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - كلها من مجموع الفتاوى ، وسأردّ على شبهة اعترضت بعض الإخوة فنبذوا جميع كلامه الواضح في هذه المسألة وتعلقوا بها ، وظنوا أنها المخرج لهم في إثبات أن ابن تيمية - رحمه الله - يرى هذا الفعل شركاً أكبر .
-----------
يقول ابن تيمية [1/330-331]:
اقتباس:
وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، وَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً فِي قُبُورِهِمْ ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْأَحْيَاءِ ، وَإِنْ وَرَدَتْ بِهِ آثَارٌ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ بِخِلَافِ الطَّلَبِ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ ؛ وَلِأَنَّ مَا تَفْعَلُهُ الْمَلَائِكَةُ وَيَفْعَلُهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ هُوَ بِالْأَمْرِ الْكَوْنِيِّ ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ سُؤَالُ السَّائِلِينَ ، بِخِلَافِ سُؤَالِ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ إجَابَةُ السَّائِلِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ انْقَطَعَ التَّكْلِيفُ عَنْهُمْ .
لم يفعله أحد من السلف .. وذلك ذريعة إلى الشرك .. يدل كلامه هنا على أن هذا الفعل من الشرك الأصغر ، لأنه لا يقال مثلاً : لا يجوز عبادة الأصنام لأنه لم يفعلها السلف !! أو لأن ذلك ذريعة إلى الشرك .
وقال أيضاً في [1/332-333]:
اقتباس:
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْهُ ، وَدُعَائِهِ هُوَ ، وَالتَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ ضَرَرٌ ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ بِلَا شَرٍّ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ وَلَا مَفْسَدَةٌ ؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَمْ يُعْبَدْ فِي حَيَاتِهِ بِحُضُورِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْهَى مَنْ يَعْبُدُهُ وَيُشْرِكُ بِهِ ، وَلَوْ كَانَ شِرْكًا أَصْغَرَ ، كَمَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَجَدَ لَهُ عَنْ السُّجُودِ لَهُ ، وَكَمَا قَالَ : { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَخَافُ الْفِتْنَةَ وَالْإِشْرَاكَ بِهِ ، كَمَا أَشْرَكَ بِالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ .
وهذا نص آخر يفيد أنه يرى أن ذلك ذريعة إلى الشرك ، وهذا يقال فقط في الشرك الأصغر .
نأتي الآن إلى تقسيمات ابن تيمية - رحمه الله - لأنواع دعاء الأموات .. وهذه مسألة مهمة هنا ، فإنه عندما يذكر التقسيم ، لا يدرج مسألتنا في باب الشرك الأكبر ، بل يجعلها في باب مستقل ويصفها بالبدعة فقط .
يقول في [27/72-75]:
اقتباس:
وَأَمَّا مَنْ يَأْتِي إلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ ، أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَنْجِدُه ُ ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ :
إحْدَاهَا : أَنْ يَسْأَلَهُ حَاجَتَهُ ، مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُزِيلَ مَرَضَهُ ، أَوْ مَرَضَ دَوَابِّهِ ، أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ ، أَوْ يَنْتَقِمَ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ ، أَوْ يُعَافِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَدَوَابَّهُ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : فَهَذَا شِرْكٌ صَرِيحٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .
وَإِنْ قَالَ أَنَا أَسْأَلُهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ مِنِّي لِيَشْفَعَ لِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ لِأَنِّي أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِهِ ، كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى السُّلْطَانِ بِخَوَاصِّهِ وَأَعْوَانِهِ ، فَهَذَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ شُفَعَاءَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِمْ فِي مَطَالِبِهِمْ ، وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } . فَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ . فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَسْتَشْفِعُوا إلَى الْكَبِيرِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِمَنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِ ، فَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ الشَّفِيعُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ، إمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً ، وَإِمَّا حَيَاءً وَإِمَّا مَوَدَّةً ، وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ هُوَ لِلشَّافِعِ ، فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ ، وَشَفَاعَةُ الشَّافِعِ مِنْ إذْنِهِ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ .
إلى أن قال ..
وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الضُّلَّالِ : هَذَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنِّي ، وَأَنَا بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ ، لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَدْعُوَهُ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } . وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيه ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ ، وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا ، بَلْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا ؛ إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ } وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَمُنَاجَاتِهِ ، وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } . ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْمُشْرِكِ : أَنْتَ إذَا دَعَوْت هَذَا ، فَإِنْ كُنْت تَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِك وَأَقْدَرُ عَلَى عَطَاءِ سُؤَالِك ، أَوْ أَرْحَمُ بِك ، فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَكُفْرٌ . وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ وَأَرْحَمُ ، فَلِمَ عَدَلْت عَنْ سُؤَالِهِ إلَى سُؤَالِ غَيْرِهِ ؟
إلى أن قال ..
وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْك ، وَأَعْلَى دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْك ، فَهَذَا حَقٌّ ؛ لَكِنْ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنْك ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُثِيبَهُ وَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيك ، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّك إذَا دَعَوْته كَانَ اللَّهُ يَقْضِي حَاجَتَك أَعْظَمَ مِمَّا يَقْضِيهَا إذَا دَعَوْت أَنْتَ اللَّهَ تَعَالَى : فَإِنَّك إنْ كُنْت مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ وَرَدِّ الدُّعَاءِ - مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدْوَانِ - فَالنَّبِيُّ وَالصَّالِحُ لَا يُعِينُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ، وَلَا يَسْعَى فِيمَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ ، فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ .
وَإِنْ قُلْت : هَذَا إذَا دَعَا اللَّهَ أَجَابَ دُعَاءَهُ ، أَعْظَمَ مِمَّا يُجِيبُهُ إذَا دَعَوْته . فَهَذَا هُوَ (الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ : أَلَّا تَطْلُبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَلَا تَدْعُوَهُ ، وَلَكِنْ تَطْلُبُ أَنْ يَدْعُوَ لَك . كَمَا تَقُولُ لِلْحَيِّ : اُدْعُ لِي ، وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَطْلُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -الدُّعَاءَ ، فَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الْحَيِّ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا الْمَيِّتُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ ، فَلَمْ يُشْرَعْ لَنَا أَنْ نَقُولَ : اُدْعُ لَنَا ، وَلَا اسْأَلْ لَنَا رَبَّك ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ ، وَلَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ ، بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْدَبُوا زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ . وَلَمْ يَجِيئُوا إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَائِلِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اُدْعُ اللَّهَ لَنَا ، وَاسْتَسْقِ لَنَا ، وَنَحْنُ نَشْكُو إلَيْك مِمَّا أَصَابَنَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ . لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطُّ ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ .
ففي القسم الأول قال : هذا شرك صريح يستتاب عليه صاحبه وإلا قتل .. ولم يدرج مسألتنا في هذا القسم الذي هو شرك صريح .
وجعل مسألتنا في قسم آخر ، وقال : لم يفعله أحد من الصحابة ، ولم يرد به حديث ، ولم يأمر به أحد من الأئمة .. وهذه الأقوال لا يقولها فقيه في الشرك الأكبر .. بل يقولها في البدعة التي هي دون الشرك الأكبر ..
فلا يُقال : إن عبادة الأصنام لم يرد بها حديث ، ولم يفعلها أحد من الصحابة .. لذلك فهي حرام !!
ثم هو وصفها بالبدعة ، ولم يقل كما قال في الأولى : شرك صريح يستتاب عليه صاحبه وإلا قتل .
ومن تقسيماته أيضاً لمراتب الدعاء قوله في : [1/350-351]:
اقتباس:
وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ الْأَدْعِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ ، وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَدْعِيَةِ الْبِدْعِيَّةِ ، فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُ ذَلِكَ . وَالْمَرَاتِبُ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ :
- إحْدَاهَا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ ، وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ ، فَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَغِثْنِي ، أَوْ أَنَا أَسْتَجِيرُ بِك ، أَوْ أَسْتَغِيثُ بِك ، أَوْ اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي ، وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ .
إلى أن قال ..
وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ كَمَا يَفْعَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجُهَّالِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْجُدَ لِقَبْرِهِ وَيُصَلِّيَ إلَيْهِ ، وَيَرَى الصَّلَاةَ أَفْضَلَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ : هَذِهِ قِبْلَةُ الْخَوَاصِّ ، وَالْكَعْبَةُ قِبْلَةُ الْعَوَامِّ . وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَرَى السَّفَرَ إلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْحَجِّ ، حَتَّى يَقُولَ إنَّ السَّفَرَ إلَيْهِ مَرَّاتٌ يَعْدِلُ حَجَّةً . وَغُلَاتُهُمْ يَقُولُونَ : الزِّيَارَةُ إلَيْهِ مَرَّةً أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْبَيْتِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ . وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَهَذَا شِرْكٌ بِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي بَعْضِهِ .
- الثَّانِيَةُ أَنْ يُقَالَ لِلْمَيِّتِ أَوْ الْغَائِبِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ : اُدْعُ اللَّهَ لِي ، أَوْ اُدْعُ لَنَا رَبَّك ، أَوْ اسْأَلْ اللَّهَ لَنَا ، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى لِمَرْيَمَ وَغَيْرِهَا ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَسْتَرِيبُ عَالِمٌ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ .
انظر كيف في القسم الأول ذكر أنواعاً متعددة من الشرك الأكبر ، وجعلها كلها في قسم واحد .. وما فتئ يقول : وأعظم من ذلك .. حتى إن أتى على مسألتنا ، جعلها من البدع .. وهذا هو كتقسيمه السابق .
ويقول في [1/179]:
اقتباس:
يَنْهَى أَنْ يُدْعَى غَيْرُ اللَّهِ ، لَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَا الْأَنْبِيَاءِ ، وَلَا غَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَذَا شِرْكٌ أَوْ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ ؛ بِخِلَافِ مَا يُطْلَبُ مِنْ أَحَدِهِمْ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالشَّفَاعَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لَمْ يُعْبَدْ فِي حَيَاتِهِ بِحَضْرَتِهِ ، فَإِنَّهُ يَنْهَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ دُعَائِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ ، فَإِنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ ، وَكَذَلِكَ دُعَاؤُهُمْ فِي مَغِيبِهِمْ هُوَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ . فَمَنْ رَأَى نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَ لَهُ " اُدْعُ لِي " ، لَمْ يُفْضِ ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، بِخِلَافِ مَنْ دَعَاهُ فِي مَغِيبِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، كَمَا قَدْ وَقَعَ . فَإِنَّ الْغَائِبَ وَالْمَيِّتَ لَا يَنْهَى مَنْ يُشْرِكُ ، بَلْ إذَا تَعَلَّقَتْ الْقُلُوبُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الشِّرْكِ بِهِ ، فَدَعَا وَقَصَدَ مَكَانَ قَبْرِهِ أَوْ تِمْثَالِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ، كَمَا قَدْ وَقَعَ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
أولاً .. جعل دعاء غير الله تعالى قسمان : شرك وذريعة إلى الشرك .. ثم باقي كلامه في مسألتنا أوضح من أن أبينها .
في هذه النقول كفاية ..
ويستدل الذين يرون أن ابن تيمية يرى أن هذا الفعل من الشرك الأكبر ، بشبهة من كلامه يطعنون بها في هذه النصوص الواضحة الصريحة .. فيستدلون بقوله :
قال في [1/155-159]:
[QUOTE]
اقتباس:
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ جَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى مُقِرِّينَ بِأَنَّ آلِهَتَهُمْ مَخْلُوقَةٌ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَهُم ْ شُفَعَاءَ ، وَيَتَقَرَّبُون َ بِعِبَادَتِهِمْ إلَيْهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، وَقَالَ تَعَالَى : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (*) إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (*) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } ، وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك ، إلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ . وَقَالَ تَعَالَى : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (*) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (*) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (*) مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (*) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } . بَيَّنَ - سُبْحَانَهُ - بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ ، فَقَالَ : { هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } . يَخَافُ أَحَدُكُمْ مَمْلُوكَهُ كَمَا يَخَافُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ؟ فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكُهُ شَرِيكَهُ ، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِكُمْ ؟ . وَهَذَا كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ : لَهُ بَنَاتٌ فَقَالَ تَعَالَى : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (*) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (*) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
وَالْمُشْرِكُون َ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالشِّرْكِ ، أَصْلُهُمْ صِنْفَانِ : قَوْمُ نُوحٍ . وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ : فَقَوْمُ نُوحٍ كَانَ أَصْلُ شِرْكِهِمْ الْعُكُوفَ عَلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ ، ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ . وَقَوْمُ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَصْلُ شِرْكِهِمْ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ . وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ تُخَاطِبُهُمْ وَتُعِينُهُمْ عَلَى أَشْيَاءَ ، وَقَدْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ ، وَإِنْ كَانُوا فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ، فَإِنَّ الْجِنَّ هُمْ الَّذِينَ يُعِينُونَهُمْ وَيَرْضَوْنَ بِشِرْكِهِمْ ، قَالَ تَعَالَى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (*) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } . وَالْمَلَائِكَة ُ لَا تُعِينُهُمْ عَلَى الشِّرْكِ ، لَا فِي الْمَحْيَا وَلَا فِي الْمَمَاتِ ، وَلَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ . وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ قَدْ تُعِينُهُمْ وَتَتَصَوَّرُ لَهُمْ فِي صُوَرِ الْآدَمِيِّينَ ، فَيَرَوْنَهُمْ بِأَعْيُنِهِمْ ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَنَا إبْرَاهِيمُ ، أَنَا الْمَسِيحُ ، أَنَا مُحَمَّدٌ ، أَنَا الْخَضِرُ ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ ، أَنَا عُمَرُ ، أَنَا عُثْمَانُ ، أَنَا عَلِيٌّ ، أَنَا الشَّيْخُ فُلَانٌ . وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ : هَذَا هُوَ النَّبِيُّ فُلَانٌ ، أَوْ هَذَا هُوَ الْخَضِرُ ، وَيَكُونُ أُولَئِكَ كُلُّهُمْ جِنًّا يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ . وَالْجِنُّ كَالْإِنْسِ فَمِنْهُمْ الْكَافِرُ ، وَمِنْهُمْ الْفَاسِقُ ، وَمِنْهُمْ الْعَاصِي ، وَفِيهِمْ الْعَابِدُ الْجَاهِلُ . فَمِنْهُمْ مَنْ يُحِبُّ شَيْخًا فَيَتَزَيَّا فِي صُورَتِهِ وَيَقُولُ : أَنَا فُلَانٌ . وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي بَرِّيَّةٍ وَمَكَانٍ قَفْرٍ ، فَيُطْعِمُ ذَلِكَ الشَّخْصَ طَعَامًا ، وَيَسْقِيهِ شَرَابًا ، أَوْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ أَوْ يُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الْغَائِبَةِ ، فَيَظُنُّ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَنَّ نَفْسَ الشَّيْخِ الْمَيِّتِ أَوْ الْحَيِّ فَعَلَ ذَلِكَ . وَقَدْ يَقُولُ : هَذَا سِرُّ الشَّيْخِ ، وَهَذِهِ رَقِيقَتُهُ و، َهَذِهِ حَقِيقَتُهُ . أَوْ هَذَا مَلَكٌ جَاءَ عَلَى صُورَتِهِ . وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ جِنِّيًّا ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تُعِينُ عَلَى الشِّرْكِ وَالْإِفْكِ وَالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (*) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } . قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَانَ أَقْوَامٌ يَدْعُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاء َ ، كَالْعُزَيْرِ وَالْمَسِيحِ ، فَبَيَّنَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاء َ عِبَادُ اللَّهِ ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ، وَيَتَقَرَّبُون َ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ سَائِرُ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ . وَالْمُشْرِكُون َ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يَقُولُونَ : إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِهِمْ ، أَيْ نَطْلُبُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ أَنْ يَشْفَعُوا ، فَإِذَا أَتَيْنَا قَبْرَ أَحَدِهِمْ طَلَبْنَا مِنْهُ أَنْ يَشْفَعَ لَنَا ، فَإِذَا صَوَّرْنَا تِمْثَالَهُ - وَالتَّمَاثِيلُ إمَّا مُجَسَّدَةٌ وَإِمَّا تَمَاثِيلُ مُصَوَّرَةٌ ، كَمَا يُصَوِّرُهَا النَّصَارَى فِي كَنَائِسِهِمْ - قَالُوا : فَمَقْصُودُنَا بِهَذِهِ التَّمَاثِيلِ تَذَكُّرُ أَصْحَابِهَا وَسِيَرِهِمْ ، وَنَحْنُ نُخَاطِبُ هَذِهِ التَّمَاثِيلَ ، وَمَقْصُودُنَا خِطَابُ أَصْحَابِهَا لِيَشْفَعُوا لَنَا إلَى اللَّهِ . فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ ، أَوْ يَا سَيِّدِي جرجس ، أَوْ بِطَرْسِ ، أَوْ يَا سِتِّي الْحَنُونَةُ مَرْيَمُ ، أَوْ يَا سَيِّدِي الْخَلِيلُ ، أَوْ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ : اشْفَعْ لِي إلَى رَبِّك . وَقَدْ يُخَاطِبُونَ الْمَيِّتَ عِنْدَ قَبْرِهِ : سَلْ لِي رَبَّك . أَوْ يُخَاطِبُونَ الْحَيَّ وَهُوَ غَائِبٌ كَمَا يُخَاطِبُونَهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا حَيًّا ، وَيُنْشِدُونَ قَصَائِدَ يَقُولُ أَحَدُهُمْ فِيهَا : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَنَا فِي حَسَبِك ، أَنَا فِي جِوَارِك ، اشْفَعْ لِي إلَى اللَّهِ ، سَلْ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَنْصُرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا ، سَلْ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنَّا هَذِهِ الشِّدَّةَ ، أَشْكُو إلَيْك كَذَا وَكَذَا ، فَسَلْ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ هَذِهِ الْكُرْبَةَ . أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : سَلْ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي . وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى { وَلَوْ أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وَيَقُولُونَ : إذَا طَلَبْنَا مِنْهُ الِاسْتِغْفَارَ بَعْدَ مَوْتِهِ كُنَّا بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ طَلَبُوا الِاسْتِغْفَارَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَيُخَالِفُونَ بِذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ ، وَلَا سَأَلَهُ شَيْئًا ، وَلَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُتُبِهِمْ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ ، وَحَكَوْا حِكَايَةً مَكْذُوبَةً عَلَى مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيَأْتِي ذِكْرُهَا وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - . فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَفِي مَغِيبِهِمْ ، وَخِطَابِ تَمَاثِيلِهِمْ ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِين َ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ الشِّرْكِ وَالْعِبَادَاتِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } .
قالوا ، فقوله التالي دليل على أنه يرى أن سؤال الأموات دعاء الله تعالى شرك أكبر ، حيث قال :
اقتباس:
فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَفِي مَغِيبِهِمْ ، وَخِطَابِ تَمَاثِيلِهِمْ ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الْمَوْجُودِ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَفِي مُبْتَدِعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِين َ الَّذِينَ أَحْدَثُوا مِنْ الشِّرْكِ وَالْعِبَادَاتِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى .
والجواب عن ذلك بأن يقال : لا يمكن أن يُطعن بكل هذه النصوص الصريحة الواضحة في بيان كون هذا الفعل من الشرك الأصغر ، بكلمة متشابهة يمكن حملها على أكثر من وجه ، كما سيتبيّن لاحقاً إن شاء الله .
والاحتمالات في تأويل كلام ابن تيمية الآنف هي :
الأول : إما أن يكون لشيخ الإسلام قولان في المسألة ، كما هو حال كثير من الفقهاء ، وهو احتمال وارد ولكنه ضعيف .
الثاني : إما أنه يعني المشركين الذين اتخذوا من دون الله شفعاء وأشركوهم في ملك الله وربوبيته ، لأنه قال في وصفهم : والمشركون الذين جعلوا معه آلهة أخرى .. والمشركون من هؤلاء .. ومنهم ، .. إلخ .. بما يدل على أنه عنى الذين ذكرهم في صدر حديثه ، وهم الذين اتخذوا معه آلهة أخرى يعبدونها .. ثم بعد ذلك ، كشف عن أفعالهم في تحقيق مرادهم من الشفاعة الشركية .. وهو احتمال قوي ، لكن ما بعده أرجح منه .
وثالثاً : إما أنه جمع الأجلى والأعم والأغلب من أنواع الشرك في الدعاء في موضع واحد ، فجمع كل ما له علاقة به ، سواء أكان من الأكبر أم الأصغر ، ثم بيّن أن أصل هذه الأنواع قائم على الشرك الأكبر ، وهو دعاء غير الله تعالى .
لذلك تراه عند ذكر الأنواع جميعها في موضع واحد ، يقول عنها أعظم أنواع الشرك .. أي أن أصلها الذي بنيت عليه هو الشرك الأكبر .. أو يعني هي أعظمها انتشاراً وفشواً بين المسلمين .. وأكثرها ظهوراً .
وعندما يأتي إلى التقسيم ، فإنه يفرّق ولا يقول : إن دعاء الميت هو شرك أكبر بكافة أنواعه .. بل يفرّق بين ما كان لا يقدر عليه إلا الله ، ويقول صراحة أنه كفر أكبر وشرك أكبر ، وصاحبه كافر .. وما كان من جنس طلب الدعاء فقط ، فلا يصفه إلا بالبدعة .. ولا يصف صاحبه بالشرك الأكبر أو أنه كافر .
وهذه نقطة مهمة جداً يجب أخذها بالاعتبار .. ففي كل المواضع التي قسّم فيها أنواع دعاء الأموات ، لم يذكر أن طلب الدعاء شرك أكبر .. بل اكتفى بقوله بدعة .. لماذا ؟؟ .. ولماذا يذكر في القسم الأول أنه شرك أكبر صراحة ، ولا يقول بدعة ؟؟ مع أنه بدعة شركية كذلك ، وهو في طائفة من المنتسبين للإسلام ..
وعند جمع أنواع الدعاء لغير الله تعالى ، للميت أو الغائب ، يقول في مجموعها إنها أعظم أنواع الشرك .. مع أن كلمة "أعظم" يمكن أن تؤول إلى "أظهر" أو "أفشى" أو "أغلب" .. أو غير ذلك .
وأخيراً .. يذكر ابن تيمية علّة تحريم دعاء الميت بما يدعا به الحي .. فقال في [27/80-81]:
اقتباس:
وَأَمَّا التَّمَسُّحُ بِقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْبِيلُهُ فَكُلُّهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا قَصَدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَهَذَا مَا يُظْهِرُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ ، وَبَيْنَ سُؤَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي مَغِيبِهِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَعْبُدُهُ أَحَدٌ بِحُضُورِهِ ، فَإِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَالصَّالِحُونَ أَحْيَاءً لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يُشْرِكُ بِهِمْ بِحُضُورِهِمْ ؛ بَلْ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُونَه ُمْ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (*) وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت فَقَالَ : أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ } وَقَالَ : { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } ، وَلَمَّا قَالَتْ الجويرية : وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَعْلَمُ مَا فِي غَد . قَالَ : { دَعِي هَذَا قُولِي بِاَلَّذِي كُنْت تَقُولِينَ } . وَقَالَ : { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ؛ إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } . وَلَمَّا صُفُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا قَالَ : { لَا تُعَظِّمُونِي كَمَا تُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا } . وَقَالَ أَنَسٌ : لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ ؛ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ .
وَلَمَّا سَجَدَ لَهُ مُعَاذٌ نَهَاهُ وَقَالَ : " { إنَّهُ لَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ ، وَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا - مَنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا } . وَلَمَّا أُتِيَ عَلِيٌّ بِالزَّنَادِقَة ِ الَّذِينَ غَلَوْا فِيهِ وَاعْتَقَدُوا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ أَمَرَ بِتَحْرِيقِهِمْ بِالنَّارِ . فَهَذَا شَأْنُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ ، وَإِنَّمَا يُقِرُّ عَلَى الْغُلُوِّ فِيهِ وَتَعْظِيمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا ، كَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ ، وَمَشَايِخِ الضَّلَالِ الَّذِينَ غَرَضُهُمْ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادُ ، وَالْفِتْنَةُ بِالْأَنْبِيَاء ِ وَالصَّالِحِينَ وَاِتِّخَاذُهُم ْ أَرْبَابًا وَالْإِشْرَاكُ بِهِمْ مِمَّا يَحْصُلُ فِي مَغِيبِهِمْ وَفِي مَمَاتِهِمْ ، كَمَا أُشْرِكُ بِالْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ . فَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ وَحُضُورِهِ ، وَبَيْنَ سُؤَالِهِ فِي مَمَاتِهِ وَمَغِيبِهِ . وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِي التَّابِعِينَ يَتَحَرَّوْنَ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَيَسْأَلُونَهُ مْ وَلَا يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ ؛ لَا فِي مَغِيبِهِمْ وَلَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَكَذَلِكَ الْعُكُوفُ .
فالعلة في مشروعية دعاء الأحياء في حضورهم وحرمة دعائهم بعد موتهم ، هو أنه بعد موتهم لا يوجد من ينهاهم عن الشرك والغلو ، فيفضي ذلك إلى تعلق القلب بهم وتعظيمهم ثم الشرك بالله تعالى ، كما ذكرته في بداية هذا البحث .
وبعد هذه الصفحة ، سأعلل كون هذا الفعل من الشرك الأصغر وليس من الأكبر .. فللحديث بقية إن شاء الله تعالى .
-
رد: التحقيق في معتقد ابن تيمية في سؤال الأموات سؤال الله تعالى .
هذا نقاش طويل قديمٌ، دار بيني وبين مجموعةٍ من الإخوة قبل قرابة الـ(4) سنين، حول هذه المسألة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16527
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
جزاك الله خيراً .. كنت قد قرأت موضوعك هذا بعد أن عملت بحثي بشهر أو شهرين .. ولم أفد منه كثيراً ، حيث إن أكثر من فيه كانوا متعصبة لأقوال مشايخهم .. فمن تعصب لقول ابن عثيمين الذي يراه شركاً أصغر ، ومن تعصب لقول ابن باز الذي يراه شركاً أكبر .. ولم أرَ طرحاً موضوعياً يستحق الوقوف عنده ..
ولعلّ ما فعلته يغني عن ذلك كله ، ويوضّح حقيقة معتقد ابن تيمية في هذه المسألة .. خاصة وأنني سأوضح في مشاركة لاحقة علّة كونه من الشرك الأصغر ، وأنه لا يستقيم بحال إدراجه في الشرك الأكبر ، وسأرد على الشبهات الواردة ، إن شاء الله .
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
/// ما هذا التعليق؟!
/// أكثر من فيه متعصِّبةٌ؟!
/// ولم تفد كثيرًا من البحث، مع أنَّه موعبٌ بالنقول الكثيرة التي تزيد كثيرًا على ما نقلته! ولم ترَ طرحًا موضوعيًّا فيه؟! ماشاء الله على إطلاقاتك! أهكذا تبدأ تجردك في البحث والإنصاف! سبحان الله!
/// على كلٍّ سنرى ما تأتينا به..
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
هدّئ من روعك أخي ، رعاك الله .. فلم أقصد بذلك إساءة لأحد ، ولم أقصد تزكية هذا البحث .. أعاذنا الله وإياك من الكبر والغرور .
لعلّي تسرّعت في الحكم على أهل ذاك الموضوع ، لمشاكلته لموضوع طرح سابقاً في أحد المنتديات (أنا المسلم) ، وكان أكثر من فيه من الجهلة والمتعصبة ، فاختلط عليّ الأمر .. وأستغفر الله من ذلك .. وجزاك الله خيراً لتنبيهك .
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
/// آمين.
/// ولكن من قال إني غاضب أونحوه؟! أنا أتكلم عن إطلاقاتك التعميمية التي باشرتها على ما تقدم، ولعلك تحتاج إلى نصيحتك بأن تهدأ في البحث أكثر مني (ابتسامة)
/// أنت لم تقصد ما ذكرته -كما عبَّرتَ- ولكنك كتبت ذلك بنفسك.
/// وتراجعك بداية طيبة..
وفقك الله
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
جزاك الله خيراً ، وبارك فيك .
------------------------
نأتي الآن إلى الرد على الشبهات المثارة حول هذه المسألة في كونها من الشرك الأكبر .
قالوا : قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { الدعاء هو العبادة } ، وتوافر النصوص في الكتاب والسنة على كون الدعاء عبادة .
قالوا : فمن صرف هذه العبادة لغير الله ، فهو مشرك .
قلت : في هذه الشبهة نظر .. حيث إنه ليس كل أنواع الدعاء عبادة .. فإن هناك دعاء يجوز صرفه للخلق ، ودعاء لا يجوز صرفه إلا لله تعالى ، وهو فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .
والدعاء هو ما كان مصدّراً بياء النداء ، كقوله تعالى : { وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ } [آل عمران : 153] .
فليس كل الدعاء شرك .
والدليل على كون هذا الضرب من الدعاء ليس شركاً ، هو جواز صرفه للحيّ .. فجاز لنا أن نقول للحيّ الحاضر : يا فلان ، ادع الله لي .. فلو كان عبادة لما جاز صرفه للحيّ أصلاً .
وأمر آخر في هذه المسألة هو .. أن هذا الدعاء مختص بالمخلوقين ، ولا يجوز صرفه لله تعالى ..
فلا يجوز لنا أن نقول : يا ربّ ادع الله لي .. فهذا الدعاء مختص فقط بالمخلوقين ، ولا يصرف لله تعالى بحال من الأحوال .
فإن علمنا ذلك ، قيل : ما وجه العبادة هنا إذن ؟
قالوا : لأن في ذلك إثبات صفة السمع لهم ، وصفة الإجابة ، وصفة الدعاء ، وهذا كله داخل في قوله تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر : 14]
قلت : يتكلم الله - عز وجل - عن المشركين الذين يدعون غيره .. فقال في الآية السابقة : { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } [فاطر : 13] .
فهم اختصوا غير الله تعالى بالدعاء الذي يستحقه الله تعالى .. وكما ذكرنا في الشبهة الأولى ، فإن هذا الدعاء لا يجوز صرفه لله تعالى بحال ، بل لا يختص به إلا المخلوقين .. فكيف ندرج هذا النوع من الدعاء في هذه الآية ؟
وثانياً .. الله - عز وجل - أراد - والله أعلم - من ذكر عدم قدرتهم على السمع أو الإجابة إبطال معتقدهم في هذه الآلهة المعبودة من دونه .
كقول إبراهيم - عليه السلام - : { فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ } [الأنبياء : 63]
وكقوله - عليه السلام - : { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (*) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } [الشعراء : 72-73]
وثانياً .. اعتقاد سماع الأموات أو كلامهم أو نظرهم ، أو غيرها ، هي من المسائل الاجتهادية عند السلف ..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 24/362]:
اقتباس:
هَلْ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ كَلَامَ زَائِرِهِ وَيَرَى شَخْصَهُ ؟ وَهَلْ تُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَمْ تَكُونُ تُرَفْرِفُ عَلَى قَبْرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ ؟ وَهَلْ تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ نَاحِلِيهِ وَغَيْرِهِمْ ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ ؟ وَهَلْ تُجْمَعُ رُوحُهُ مَعَ أَرْوَاحِ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ ، سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا قَرِيبًا مِنْهُمْ أَوْ بَعِيدًا ؟ وَهَلْ تُنْقَلُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، أَوْ يَكُونُ بَدَنُهُ إذَا مَاتَ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ وَدُفِنَ بِهَا يُنْقَلُ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا ؟ وَهَلْ يَتَأَذَّى بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟ وَالْمَسْئُولُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْفُصُولِ - فَصْلًا فَصْلًا - جَوَابًا وَاضِحًا مُسْتَوْعِبًا لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَا نُقِلَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَشَرْحَ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ : أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ وَاخْتِلَافِهِم ْ ، وَمَا الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَأْجُورِينَ ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، نَعَمْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : { يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ حِينَ يُوَلُّونَ عَنْهُ } . وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : { أَنَّهُ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَالَ : يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عتبة بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَلِكَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُونَ وَأَنَّى يُجِيبُونَ وَقَدْ جُيِّفُوا فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتَ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا } . ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ . وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : { أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ : هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ وَقَالَ : إنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الْآنَ مَا أَقُولُ } . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ . وَيَقُولُ : { قُولُوا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِين َ ، وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِ ينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِ رِين ، نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ . اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ } . فَهَذَا خِطَابٌ لَهُمْ ، وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ مَنْ يَسْمَعُ ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ، إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك ؟ وَقَدْ أَرَمْت - يَعْنِي صِرْت رَمِيمًا - فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ } . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ } . فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ فِي الْجُمْلَةِ كَلَامَ الْحَيِّ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ لَهُ دَائِمًا ، بَلْ قَدْ يَسْمَعُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، كَمَا قَدْ يَعْرِضُ لِلْحَيِّ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ أَحْيَانًا خِطَابَ مَنْ يُخَاطِبُهُ ، وَقَدْ لَا يَسْمَعُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ ، وَهَذَا السَّمْعُ سَمْعُ إدْرَاكٍ لَيْسَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ ، وَلَا هُوَ السَّمْعُ الْمَنْفِيُّ بِقَوْلِهِ : { إنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ سَمْعُ الْقَبُولِ وَالِامْتِثَالِ ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْكَافِرَ كَالْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَاهُ ، وَكَالْبَهَائِم ِ الَّتِي تَسْمَعُ الصَّوْتَ وَلَا تَفْقَهُ الْمَعْنَى ، فَالْمَيِّتُ وَإِنْ سَمِعَ الْكَلَامَ وَفَقِهَ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إجَابَةُ الدَّاعِي ، وَلَا امْتِثَالُ مَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ ، فَلَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَإِنْ سَمِعَ الْخِطَابَ وَفَهِمَ الْمَعْنَى ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ . } . وَأَمَّا رُؤْيَةُ الْمَيِّتِ : فَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا .
فخلاصة الأمر أنه من أثبت صفة أو قدرة مخلوقة للميت ، فإنه لا يكفر بذلك .. وإنما يكفر إن أثبت له صفة إلهية ، كعلم الغيب مثلاً .
هذا ، مع ورود الآثار التي تدلّ على أن الميّت يدعو الله تعالى في قبره ..
قال ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى : 1/330]:
اقتباس:
وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ ، وَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً فِي قُبُورِهِمْ ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْأَحْيَاءِ ، وَإِنْ وَرَدَتْ بِهِ آثَارٌ ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى الشِّرْكِ بِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى
فهم قادرون على السماع عند بعض السلف .. وقد وردت الآثار أنهم أحياء في قبورهم .. ويدعون للأحياء ..
ومن هذه الآثار :
قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون }
وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث عذاب القبر ، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - وفيه : { فيقول المؤمن رب عجل قيام الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي }
وروي عن أبي أيوب الأنصاري موقوفاً : { إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا ، فيقبلون عليه ليسألوه ، فيقول بعضهم لبعض : أنظروا أخاكم حتى يستريح ؛ فإنه كان في كرب ، فيقبلون عليه ؛ فيسألونه : ما فعل فلان ؟ ما فعلت فلانة ؟ هل تزوجت ؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم : إنه قد هلك ، فيقولون : إنا لله و إنا إليه راجعون ، ذهب به إلى أمه الهاوية ، فبئست الأم وبئست المربية . قال : فيعرض عليهم أعمالهم ، فإذا رأوا حسناً استبشروا وقالوا : هذه نعمتك على عبدك فأتمها ، و إن رأوا سوءاً قالوا : اللهم راجع بعبدك } [صححه الألباني] .
وروي عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : { إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات ، فإن كان خيراً استبشروا به ، و إن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا } [صححه الألباني].
فهذه الآثار ونحوها تثبت قدرة الميت على الدعاء ..
بل حتى وإن لم يكن هناك آثار ، فإثبات صفة مخلوقة للميت .. كالنطق والسمع والدعاء .. تترجح بين الاجتهاد والبدعة .
فإن كان كذلك ، فما وجه الشرك الأكبر هنا ؟
قالوا : طلب الشفاعة من الميت ، واتخاذهم شفعاء ..
وهذا سأرد عليه في مشاركة لاحقة بإذن الله
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
/// اسمح لي يا أخي الكريم أنت الآن في مجال تحرير الأقوال وإضافة التحقيق والإتيان بالجديد، فلا نقبل منك سرد الأقوال والنصوص ((بالجملة)) دون تمحيصها هكذا!
/// ولْنتناول بعض ما ذكرت -لضيق الوقت الآن- بتنبيهات مهمَّة.
/// قد ذكرتَ أوفهمتَ من كلام ابن تيمية أنَّ ثم آثارًا في سماع الأموات في قبورهم مطلقًا على العموم، وأن بعض السلف يثبت ذلك! ولكنك لم تسق لنا هذه الآثار عن السلف، ولم تبين لنا صحَّتها!
/// فأين أقوال القائلين ((من السلف)) بسماع الأموات لكلام الأحياء عمومًا ((وليس جملة))؟
/// وثالثًا.. هل الأحاديث التي سقتها وقلدَّت فيها الألباني صحيحة، أم تكتفي بالتقليد؟ ثم لم أرَ في واحدٍ منها حجَّةً لك في المسألة غير الحديث الأخير، ويبقى فيه أمران:
الأول: التحقق من تصحيح الحديث، وعدم الاكتفاء بالتقليد.
الثاني: أنَّه لا حُجَّة فيه فكل ما تسوقه إنما هو في سماع الأموات في الجملة وليس العموم. فكونهم يسمعون قرع النعال، و((تُعرض)) عليهم الأعمال لا يعني أنَّهم يسمعون كل شيءٍ، وحتى دعاء أقاربهم..
/// فأين التحقيق والجديد؟؟!
/// ونصيحة علمية لك ما دامت متحمسًا للموضوع فالقليل المركَّز الذي فيه التحقيق والتدقيق خير من السرد الكثير الذي يعدم ذلك.
/// فأنصحك بدل إضافة الكلام الكثير دون تمحيصٍ له أن ترجع إلى مشاركاتك السابقة فتمحِّصها.
/// حتى نستطيع مناقشتك فيما تذكر بصورة أحسن.
/// أعانك الله.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
السلام عليكم ،
لعلّك لم تفهم المقصود من العنوان أخي الكريم ..
فإني لم أقل : تحقيق أقوال ابن تيمية .. حتى يُفهم من الكلام أنني سأقوم بضبطها وتخريج أحاديثها . بل قلت (التحقيق في معتقد ابن تيمية) .. أي كشف حقيقة معتقده ، والفحص عنه ..
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري
فأين أقوال القائلين ((من السلف)) بسماع الأموات لكلام الأحياء عمومًا ((وليس جملة))؟
القائلين من السلف أمامك .. وهو ابن تيمية ومن تابعه .. لكن لعلّك ظننت بالسلف : سلف القدوة .. وهذا ما لم أعنه .. كل ما عنيته أن الاجتهاد جائز في هذه المسائل ، فلا يصح أن تكون شركاً إن ثبت عنهم قولهم بالسماع .
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري
وثالثًا.. هل الأحاديث التي سقتها وقلدَّت فيها الألباني صحيحة، أم تكتفي بالتقليد؟ ثم لم أرَ في واحدٍ منها حجَّةً لك في المسألة غير الحديث الأخير، ويبقى فيه أمران:
الأول: التحقق من تصحيح الحديث، وعدم الاكتفاء بالتقليد.
الثاني: أنَّه لا حُجَّة فيه فكل ما تسوقه إنما هو في سماع الأموات في الجملة وليس العموم. فكونهم يسمعون قرع النعال، و((تُعرض)) عليهم الأعمال لا يعني أنَّهم يسمعون كل شيءٍ، وحتى دعاء أقاربهم..
لم أسق أحاديث الألباني لإثبات أن الموتى يسمعون .. فلو أنك تقرأ كلامي جيداً ، لرأيت أنني أحاول إثبات أن المسألة مسألة اجتهادية ، وقد ورد فيها أحاديث صححها بعض أئمة الحديث وذكروها في كتبهم .. كالألباني وغيره .. فلو كانت شركاً أكبر ، لما صححوها أو ذكروها .
وهذه الأحاديث التي ذكرتها كان الشاهد منها هو : أن من أثبت صفة أو قدرة للحيّ في الميت ، فإن ذلك ليس من الشرك .. خاصة إن وردت في ذلك آثار .. سواء أأخطأ في تصحيحها أم لا .. فلا وجه للشرك هنا .. فإنه يعتقد أن هذه الصفات مخلوقة ، وهي صفات ليست كصفات الله تعالى .. فأين وجه الشرك هنا ؟
أما قولك :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري
إنما هو في سماع الأموات في الجملة وليس العموم
لم أفهم حقيقة معنى هذا الكلام .. فما الفرق بين العموم والجملة ؟؟ .. ولكن يبدو لي أنك أخطأت وعنيت : الإطلاق .
فإنه لا يقول أحد بالسمع المطلق لأحد سوى لله تعالى ..
فخلاصة القول هو :
هل من أثبت قدرة أو صفة مخلوقة للميت ، يكون قد أشرك بالله تعالى ؟
وهل من يرى سماع الميت لخطابه وكلامه إذا تحدث به عند قبره ، يكون قد أشرك بالله تعالى ؟
وجزاك الله خيراً
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
/// يا أخي الكريم.. بل أجزم أنِّي فهمتك جيدًا قبل أن أعقِّب عليك!
/// فموضوعك هذا كما يظهر من مشاركاتك الأولى السابقة على شقين:
1- تحقيق معتقد ابن تيمية في المسألة. وهذا ليس في الأهمية بمكان كبير عندي.
2- بيان أنَّ الصَّحيح في المسألة كونها شركًا أصغر، لا أكبر، ثم سياق العلة في ذلك وإبطال الشبهات المخالفة له.
/// وبناء على الثاني.. أنا أناقشك في حججك وعللك التي تريد أن تتحقق بها أن المسألة شرك أصغر، وبس.
/// وإلا فما فائدة اشتغال الباحث بقوله: ورُوِي كذا، وقيل كذا، وعند فلان كذا؟! وهو نوعٌ من التقليد -لأنَّه بلا حُجَّة ظاهرة- السائق للتعصُّب، والذي ضجرتَ منه في أوَّل مقالك وعتبتَه على غيرك.
/// فهذا -بورك فيك- ليس بتحقيق في البحث، بل سرد مجرد.
/// ولم أقل إن المسألة ليست اجتهادية! بل أثبتُّ الخلاف فيها، ولكنَّي أناقشك في كونك ترى أنَّ الصواب فيها هو القول بالشركية الصغرى.. فلذا أناقشك. هل يزعجك ذلك؟
/// وأودُّ تنبيهك إلى أنَّ القائلين بالشركية الصغرى يرون أنَّه ذريعة للشرك الأكبر، وباقي القضية يأتي مناقشتها تباعًا.
/// وفَّقك الله وأعانك.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
قلت : في هذه الشبهة نظر .. حيث إنه ليس كل أنواع الدعاء عبادة .. فإن هناك دعاء يجوز صرفه للخلق ، ودعاء لا يجوز صرفه إلا لله تعالى ، وهو فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .
الأخ شعيب:
من قال أن عموم الدعاء عبادة رتّب قوله على عموم الحديث (الدعاء هو العبادة) و الحديث مخرجه مجرج العموم
و من أخرج صورة من صور الدعاء من معنى العبادة فقد خصص عموم الحديث فعليه بدليل شرعي يعضّد
هذا التخصيص و إلا كان كلامه مجرد تحكم على النص بدون دليل هذا أولا
ثانيا يقال لك طلب الانسان الدعاء من الانسان الحي أن يدعو له لا تدخل في صور صرف العبادة لغير
الله حتى نحتاج الى استثناء بعض أنواع الدعاء من مفهوم العبادة ، فمن طلب من غيره أن يدعو له
خلاصة أمره أن غيره قام بعبادة الدعاء لأجله و مثله مثل من صام عن غيره أو تصدّق عنه أو حج عنه
فالعبادة فيهذه الصورة صٌرفت له غاية ما في الأمر أنها عبادة قام به شخص نيابة عن غيره و لأجله
ثالثا إذا تقرر هذا يقال إذا كان دعاء الحي للحي جائز شرعا و لا يندرج في معاني الشرك فهل
طلب الحي من الميت أن يدعو الله له شرك أكبر ؟ بمعنى كيف صار شركا أكبرا في الأموات
و لم يكن كذلك في الأحياء؟ و هذا السؤال مبني على أن صور الشرك الأكبر لا يختلف حكمها
بحق الأحياء أو الأموات ، فمن طلب من الأحياء الأنبياء فما دونهم مغفرة الذنبوب أو أسند اليهم التصرف
في الكون و غير ذلك مما لا يقدرون عليه كان قوله شركا سواء قاله في حق الأحياء أو حق الأموات أم ما جاز
فعله في الشرع مع الحي كطلب الدعاء منه فلا يصير بموته شركا بل بدعة و هي في هذه المسألة دريعة
الى الشرك لا هي نفسها شرك فان من طلب من الميت يدعو له لم يصرف عبادة لغير الله حتى يصير بذلك
مشركا بل أراد من الميت أن يدعو الله له و هذا ليس بشرك إلا عند من يرى من العلماء إن من
اعتقد في شيء كونه سببا شرعيا و هو ليس بسبب في الحقيقة فقد اشرك شرك أكبر لا شرّع مع الله
كمن يقول ذلك فمن علّق تميمة معتقدا أنها تنفع بإذن الله
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
إننى أفتقد الأخ أبو شعيب منذ زمن.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
الأخ (عدنان البخاري) ،
جزاك الله خيراً وبارك فيك .. اعذرني من انقطاعي الطويل ، فقد كنت أبحث وأتعلم ، وقد وجدت جواباً شافياً - في نظري - عن الإشكالات التي قد يوردها من يرى هذا الفعل من الشرك الأكبر ، وسأوردها قريباً بإذن الله .
----------------
الأخ (ابو رشاد) ،
بارك الله فيك .
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو رشاد
و من أخرج صورة من صور الدعاء من معنى العبادة فقد خصص عموم الحديث فعليه بدليل شرعي يعضّد
هذا التخصيص و إلا كان كلامه مجرد تحكم على النص بدون دليل هذا أولا
حدد لي معنى الدعاء ، وهل يدخل فيه هذا المعنى المذكور في قوله تعالى : {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران : 153]
هل هذا داخل في معنى الدعاء الذي هو العبادة ؟
أم أنّ لذلك شروط وقواعد ؟
وهل نداء الحيّ القريب والطلب منه يُسمى "دعاء" في اللغة ؟
فإن كان الأمر كذلك ، ما الضابط الذي يتحدد به دعاء العبادة في الشرع من غيره من الدعاء في اللغة ؟
إن عرفت الضابط ، سيسهل عليك معرفة الجواب ، بإذن الله .
------------
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو رشاد
ثانيا يقال لك طلب الانسان الدعاء من الانسان الحي أن يدعو له لا تدخل في صور صرف العبادة لغير
الله حتى نحتاج الى استثناء بعض أنواع الدعاء من مفهوم العبادة ، فمن طلب من غيره أن يدعو له
خلاصة أمره أن غيره قام بعبادة الدعاء لأجله و مثله مثل من صام عن غيره أو تصدّق عنه أو حج عنه
فالعبادة فيهذه الصورة صٌرفت له غاية ما في الأمر أنها عبادة قام به شخص نيابة عن غيره و لأجله
حدد لي مفهوم العبادة حتى نضبط هذه الصورة .
الطلب المصحوب بالنداء هو دعاء في اللغة .. كأن تقول : يا فلان افعل ، ومن أجل ذلك جعل طائفة من العلماء طلب الدعاء من الميت شركاً أكبر .. لأنه داخل في معنى "الدعاء" لغة .
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو رشاد
ثالثا إذا تقرر هذا يقال إذا كان دعاء الحي للحي جائز شرعا و لا يندرج في معاني الشرك فهل
طلب الحي من الميت أن يدعو الله له شرك أكبر ؟ بمعنى كيف صار شركا أكبرا في الأموات
و لم يكن كذلك في الأحياء؟ و هذا السؤال مبني على أن صور الشرك الأكبر لا يختلف حكمها
بحق الأحياء أو الأموات ، فمن طلب من الأحياء الأنبياء فما دونهم مغفرة الذنبوب أو أسند اليهم التصرف
في الكون و غير ذلك مما لا يقدرون عليه كان قوله شركا سواء قاله في حق الأحياء أو حق الأموات أم ما جاز
فعله في الشرع مع الحي كطلب الدعاء منه فلا يصير بموته شركا بل بدعة و هي في هذه المسألة دريعة
الى الشرك لا هي نفسها شرك فان من طلب من الميت يدعو له لم يصرف عبادة لغير الله حتى يصير بذلك
مشركا بل أراد من الميت أن يدعو الله له و هذا ليس بشرك إلا عند من يرى من العلماء إن من
اعتقد في شيء كونه سببا شرعيا و هو ليس بسبب في الحقيقة فقد اشرك شرك أكبر لا شرّع مع الله
كمن يقول ذلك فمن علّق تميمة معتقدا أنها تنفع بإذن الله
إذن نتفق بإذن الله تعالى .. ومن أجل ذلك فتحت هذا الموضوع ، لأثبت معنى ما تقول به .
جزاك الله خيراً .
---------------
الأخ (عبد فقير) ،
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً .. أسأل الله أن يثيبك خيراً على حسن طويّتك .
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
أخي أبو شعيب وإن كانت هذه المسألة جزئية في النقاش
الفرق بين السماع جملة والسماع عموماً أن السماع جملة صفة ذاتية أي إثبات السماع ولو لمرة واحدة، أي أننا نثبت سماع الأموات لبعض الأشياء كقرع النعال، وهذا الإثبات من حيث الجملة لا يعني سماعهم للأشياء الأخرى، وإنما نقتصر على ما ثبت ولا نقيس عليه، فلا نقول مثلاً: ما دام أنه يسمع قرع النعال فهو إذن يسمع الدعاء، وما دام أنه يسمع الدعاء والسلام عن طريق الملائكة فهو يسمعه منا مباشرة... وإنما نقتصر على ما ثبت دون قياس على غيره، فسماع الميت أمر غيبي لا تدركه العقول والحواس، والأصل في علوم الغيب قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، وأمور الغيب لا قياس فيها، إذ العلة الجامعة غائبة عنا كغياب المقيس عليه، ولو استخدمنا القياس في سماع الميت لقرع النعال كدليل على سماعه للأمور الأخرى لادعينا قدرة الميت على الأكل والشرب والكلام ونبش القبر والخروج إلى الدنيا، إذ القياس سوف يطرد من السماع إلى الدعاء إلى صلاة إلى نبش القبر إلى الحياة معنا وكأنه لم يمت.
ولذا يجب أن يعلم أن هناك فرقاً بين الحياة الدنيا والحياة البرزخية، إذ نستطيع أن نقيس على سمع قرع النعل سماع غيره في حق الأحياء في الدنيا، وأما أحياء البرزخ فلا قياس فيه لاختلاف خصائص الحياتين.
وذلك لأن السمع في الحياة البرزخية يختلف عن السمع في الحياة الدنيا وكذلك باقي القدرات المخلوقة، فقدرة الميت وحياته ودعاؤه البرزخية تختلف عن حياته الدنيا وقدراته الدنيوية، والله أعلم.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
أخشى أخي الفاضل (أبو شعيب) أن هذا التحقيق المزعوم الذي توصلت إليه أساسه وهمٌ وتسرعٌ وعدم تمييز مرادٍ من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
ومذهب الشيخ رحمه الله معروف لا يجهل.. وكتبه مشحونة ببيان هذه المسألة وتقريرها.. ولو وقفت على كتابه (الرد على البكري) واطلعت على ما فيه بتؤدة لعرفت مذهب الشيخ المعروف عنه.
وجميع ما استشهدت به مما زعمت أنه يؤيد تحقيقك هذا في مذهب الشيخ في هذه المسألة؛ تجد نقضه وهدمه في كلام الشيخ نفسه في نفس الموضع المستشهد به.. فتأمل
ولا أعتقد أن الشيخ ممن يحتاج إلى تحقيق مذهبه في مسألة ما.. فليس أوضح ولا أدق من اسلوب الشيخ رحمه الله تعالى، وعبارته في كتبه ورسائله لا تكاد تختلف، وذلك لثبات منهجه رحمه الله.
من الخلل الذي لا يقبل في دراسة ما لشخصية ما = الاقتصار على كتابٍ واحد من كتب هذه الشخصية _ إن استوعب أيضاً هذا الكتاب وإلا الظن أنه خلاف ذلك _ وترك باقي كتبه، أو الاقتصار على عموميات ألفاظه ومجملها وترك خاصها ومقيدها.
فإن وجد من القبيل الأول عشرات، فإنه يوجد من القبيل الثاني مئات. فتأمل
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سماحة
أخي أبو شعيب وإن كانت هذه المسألة جزئية في النقاش
الفرق بين السماع جملة والسماع عموماً أن السماع جملة صفة ذاتية أي إثبات السماع ولو لمرة واحدة، أي أننا نثبت سماع الأموات لبعض الأشياء كقرع النعال، وهذا الإثبات من حيث الجملة لا يعني سماعهم للأشياء الأخرى، وإنما نقتصر على ما ثبت ولا نقيس عليه، فلا نقول مثلاً: ما دام أنه يسمع قرع النعال فهو إذن يسمع الدعاء، وما دام أنه يسمع الدعاء والسلام عن طريق الملائكة فهو يسمعه منا مباشرة... وإنما نقتصر على ما ثبت دون قياس على غيره، فسماع الميت أمر غيبي لا تدركه العقول والحواس، والأصل في علوم الغيب قوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، وأمور الغيب لا قياس فيها، إذ العلة الجامعة غائبة عنا كغياب المقيس عليه، ولو استخدمنا القياس في سماع الميت لقرع النعال كدليل على سماعه للأمور الأخرى لادعينا قدرة الميت على الأكل والشرب والكلام ونبش القبر والخروج إلى الدنيا، إذ القياس سوف يطرد من السماع إلى الدعاء إلى صلاة إلى نبش القبر إلى الحياة معنا وكأنه لم يمت.
ولذا يجب أن يعلم أن هناك فرقاً بين الحياة الدنيا والحياة البرزخية، إذ نستطيع أن نقيس على سمع قرع النعل سماع غيره في حق الأحياء في الدنيا، وأما أحياء البرزخ فلا قياس فيه لاختلاف خصائص الحياتين.
وذلك لأن السمع في الحياة البرزخية يختلف عن السمع في الحياة الدنيا وكذلك باقي القدرات المخلوقة، فقدرة الميت وحياته ودعاؤه البرزخية تختلف عن حياته الدنيا وقدراته الدنيوية، والله أعلم.
أحسنت .. وأضيف إلى ذلك أن هناك فرقا دقيقا بين أن يقف الرجل عند قبر الميت ويقول له يا فلان ادع الله لي أن يفعل كذا وكذا، يقيس حاله في ذلك على حال الحي القريب الذي يغلب على ظنه أنه يسمعه لقربه منه (وهو قياس بدعي كما تفضلتَ)، وبين من يكون في مكان بعيد عن القبر أو في بلد آخر ثم يخاطب المقبور يقول له يا فلان سل الله لي كذا وكذا! فإن هذا الأخير يعتقد - ولا بد - في هذا الميت قدرة على السماع والإحاطة بدعاء من يدعوه تخرق ما يكون من عادة الأحياء في ذلك!
فإن قلنا إن صورة الأولى ذريعة للشرك، فإن الصورة الثانية فيها ما فيها، والله أعلم!
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم ،
الأخ (أبو سماحة) ،
جزاك الله خيراً .. لقد وعيت مقصدك ، ولا أخالفك فيه البتة .. لكن موضع الخلاف بيني وبين الأخ عدنان هو معنى كلمة "جملة" ..
أليست هذه الكلمة من ألفاظ العموم ؟ ..
جاء في لسان العرب :
اقتباس:
والجُمْلة : جماعي الشيء ؛ وأَجْمَل الشيءَ جَمَعه عن تفرقة ؛ وأَجْمَل له الحساب كذلك . والجُمْلة : جماعة كل شيء بكماله من الحساب وغيره ، يقال : أَجْمَلت له الحساب
وفي تفسير القرطبي :
اقتباس:
والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء
والمقصود بـ جملة الشيء : عامة الشيء .
وعند إعذار الذي أوصى أهله أن يحرقوه ، يقول ابن تيمية في [مجموع الفتاوى : 12/491]:
اقتباس:
ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة ، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة ، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت ، وقد عمل عملاً صالحاً - وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه - ؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح
فاستعمل لفظ "جملة" للدلالة على العموم .
وعلى ما أتيت أنت به من تفصيل لغة لمعنى الجملة والعموم ، فالحيّ كذلك يسمع في الجملة ، لا في العموم ! .. (هذا لغة) ..
أما تأصيلك الشرعي ، فأتفق معك فيه تماماً .
جزاك الله خيراً .
================
الأخ (السكران التميمي) ،
جزاك الله خيراً ..
تحقيق معتقد شيخ الإسلام - رحمه الله - في هذه المسألة ، اختلف فيه كثير من الناس (ولست أنا فقط) .. بل ومن المشايخ أنفسهم (على الأقل من قرأت لهم وسمعت) .
فإن كنت تستطيع أحسن من ذلك تحقيقاً ، فآتنا به مشكوراً ، حتى لا يغتر بكلامي بعض الجهلة .. أو على الأقل ، أورد لنا النصوص الصريحة التي تفيد أنها شرك أكبر في معتقده .. ولو أنّ عندك فضلة من وقت (ولا أثقل عليك) ، فادحض فهمي لكلامه المشتبه .
وبارك الله فيك .
================
الأخ (أبو الفداء) ،
جزاك الله خيراً ..
تقول :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
فإن هذا الأخير يعتقد - ولا بد - في هذا الميت قدرة على السماع والإحاطة بدعاء من يدعوه تخرق ما يكون من عادة الأحياء في ذلك!
ما رأيك في من لبّس عليه مشايخ الصوفية وقالوا له إن الملائكة تنقل كلامه للميت إلى قبره حتى يسمعه ، كما تنقل صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وهو في قبره فيسمعه ؟
فهل نقول في مثل هذا أنه لا بد يعتقد بإحاطة سمع الميت ؟
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
توقعتُ أن تتعقبني بهذا..
والذي أقصده - بارك الله فيك - أن باب الذريعة والخطر على التوحيد أوسع بكثير في هذه الحالة مما يكون في حال مخاطبة الميت عند القبر مباشرة.. فإن سؤال الميت بالغيب بمبعدة عن قبره (دون تقيد بسبب حسي = مجاورة القبر حيث يرقد الميت رجاء سماعه) يضع السائل في حال الذي يسأل الرب تبارك وتعالى بالغيب.. وهذا أخطر ولا شك وأوسع ذريعة للشرك (إن لم نقل إنه من الشرك) - أيا كان اعتقاده في سبب بلوغ الدعاء للميت - من رؤية هذا السائل للقبر أمامه حال السؤال حيث يرقد المقبور، وتوجيه الخطاب إليه بمقربة منه.
ويكفي أن ترى الرجل يرفع يديه للسماء للدعاء فإذا به يسأل البدوي والجيلاني وغيرهما (أيا كان صيغة سؤاله) ولا يسأل الله عز وجل، فأنى يأمن هذا السائل على نفسه من الشرك؟
هذا مرادي من التفريق بين الصورتين (وفي كل شر على أي حال) والله أعلم.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
أحسنت .. وأضيف إلى ذلك أن هناك فرقا دقيقا بين أن يقف الرجل عند قبر الميت ويقول له يا فلان ادع الله لي أن يفعل كذا وكذا، يقيس حاله في ذلك على حال الحي القريب الذي يغلب على ظنه أنه يسمعه لقربه منه (وهو قياس بدعي كما تفضلتَ)، وبين من يكون في مكان بعيد عن القبر أو في بلد آخر ثم يخاطب المقبور يقول له يا فلان سل الله لي كذا وكذا! فإن هذا الأخير يعتقد - ولا بد - في هذا الميت قدرة على السماع والإحاطة بدعاء من يدعوه تخرق ما يكون من عادة الأحياء في ذلك!
فإن قلنا إن صورة الأولى ذريعة للشرك، فإن الصورة الثانية فيها ما فيها، والله أعلم!
كما تفضلتم الفرق بين المسألتين كبير، وأزيدك أن في هذا التصرف اعتقاد سماع الميت لأصوات كثيرة في وقتٍ واحد، دام أنه سيسمع من في الشرق والغرب، ولا يبقى إلا أن يقول عن معبوده أنه وسع سمعه الأصوات على اختلاف اللغات!!! نعوذ بالله من الشرك.
لكن هنا صورة ذكرتها أخي الكريم أبو شعيب سلمك الله
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب
ما رأيك في من لبّس عليه مشايخ الصوفية وقالوا له إن الملائكة تنقل كلامه للميت إلى قبره حتى يسمعه ، كما تنقل صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وهو في قبره فيسمعه ؟
فهل نقول في مثل هذا أنه لا بد يعتقد بإحاطة سمع الميت ؟
الفرق أخي الكريم أننا نخاطب الله تعالى لكي يوصل سلامنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأما هنا فالمبتدع يخاطب الميت مباشرة، فلو قال المبتدع: اللهم اجعل الميت فلان يدعو لي لكان أهون، أما أن يقول يا فلان ادعو لي، وكأن الملائكة مسخّرة لنقل الطلبات إليه، فالذي يملك الملائكة هو الله وليس هذا الميت الذي شبع موتاً!! وإن كانت هذه الصورة أهون ممن يعتقد إحاطة سماع الميت للأصوات إلا أنها قريبة منها.
أمر آخر:
أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها طلب منه، وإنما دعاء الله أن يصلي ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى ينقل دعاءنا له ولا ينقل طلبنا المباشر للرسول فيما ثبت من الأحاديث، فلم يرد في حديث صحيح أن الملائكة مسخرة لنقل الطلبات إلى أي ميت من البشر حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما تسأل الله وتدعوه والله تعالى ينقل سؤالك ودعاءك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والملائكة خلقوا لتطبيق أوامر الله تعالى، ولم يخلقوا لتوصيل الطلبات بين البشر!!
قد يقول قائل فما معنى الكاف في "السلام عليك أيها النبي" فأقول أنها للاستحضار الذهني لا للطلب المباشر، وإلا فالصلاة كلها لله بقيامها وركوعها وأذكارها وتشهدها وليس منها شيء للنبي صلى الله عليه وسلم البتة، ولا يجوز مخاطبة الإنسان في الصلاة بدليل حديث الذي شمت العاطس في الصلاة وأنكر عليه الصحابة ووافقهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان لا يجوز أن تشمت العاطس بقولك "يرحمك الله" وأنت في الصلاة، فلا يجوز أن تنوي مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بقولك "السلام عليك"، وإنما هي مثل: رحمك الله يا فلان.
فائدة:
ذكر ابن تيمية رحمه الله أنه لم يرد في الشرع طلب النصرة والدعاء من الملائكة مع أنهم حولنا ويسمعوننا، وإنما نطلب من الله أن يمدنا بالملائكة، وهي فائدة جليلة لمن تدبرها.
أخي أبو شعيب جزاك الله خيرا
اتفقنا في سماع الأموات أنها فيما ورد ولا يقاس على الوارد، وأظن أن ابن تيمية يقصد بقوله جملة هذا المعنى الذي اتفقنا عليه، فإن كان لا يقصد هذا المعنى فما الذي يقصده إذاً؟
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
اللهم اجعل الميت فلان يدعو لي لكان أهون
بارك الله فيكم، بل الإشكال في هذا المعنى كبير أيضا.. إذ هو حينئذ يطلب من الله - الذي هو غاية الرجاء والدعاء - أن يجعل فلانا يرفع إليه مسألته ليقبلها منه بعد ذلك! وليس هذا كالتوسل المشروع، ففي التوسل المشروع نبتهل إلى الله نقول له: "لقد جئناك يا رب بدعاء رجل نظنه من أهل الصلاح فينا ولا نزكيه عليك، فاقبل يا رب دعاءه لنا".. أما هذا فكأنما يقول: "يا رب أسألك أن تجعل فلانا الذي هو في غيب مني، والذي له عندك من المنزلة كذا وكذا، يسمع دعائي وتبلُغه حاجتي، فيرفعها لك لتقبلها!" فهناك فرق دقيق من هذه الجهة..
وهذا الصنف من الدعاء تراه عند الرافضة في بعض صلواتهم (زياراتهم) يطلبون من الله تعالى أن يُرَضِّي عنهم المهدي ويوصل إليه عملهم ودعاءهم حتى يتكرم عليهم بالخروج من السرداب!! فبدلا من أن يستشفعوا بالمخلوق عند الله يطلبوا رضا الله، صاروا كأنما يستشفعون بالله عند المخلوق يطلبون رضا المخلوق، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
بل الإشكال في هذا المعنى كبير أيضا.. إذ هو حينئذ يطلب من الله - الذي هو غاية الرجاء والدعاء - أن يجعل فلانا يرفع إليه مسألته ليقبلها منه بعد ذلك! ... فبدلا من أن يستشفعوا بالمخلوق عند الله يطلبون رضا الله، صاروا كأنما يستشفعون بالله عند المخلوق يطلبون رضا المخلوق، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قصدت بقولي (أهون) أي أهون من الشرك الأكبر ولم أقصد مشروعية الفعل أبداً.
ما رأيك أخي لو أني ذهبت إلى أحد العباد في قريتي ليدعو لي، وطرقت بابه فلم يجب، فقلت يا الله أسمعه طرق الباب حتى يفتح ويدعو لي، أظن أنه لا إشكال هنا مع أنه خلاف الأولى، لأن الأفضل للإنسان أن يدعو لنفسه ولا يطلب الدعاء من أحد.
لو أني قلت: يا الله اجعل الملائكة تدعو لي وتستغفر لي. لا إشكال أيضاً، لأنه ثبت شرعاً أن الملائكة تدعو للصالحين من بني آدم، ولا ضير أن تطلب الله تعالى أن يسخر لك عباده لحبك والدعاء لك.
إنما الإشكال في مسألة الميت أنك تطلب من الله أمراً غير ثابت شرعاً، وهو دعاء الميت لك، إذ لا دليل عليه، ولذا فهو لا يرقى إلى الشرك الأكبر، وإنما هو شرك أصغر من باب اعتبار ما ليس بسبب سبباً، وأنه ذريعة إلى الشرك وكما تفضلتم أنه سيتمادى به الأمر إلى أن يستشفع بالله عند المخلوق وهكذا خطوة خطوة إلى أن يدعو الميت من دون الله، وأيضاً من مساوئ هذا الدعاء أن فيه جفاء مع الله في الدعاء فبدلاً من أن يدعوه مباشرة علّق مسألته بدعاء ميت؛ مع أن الأفضل للإنسان أن يدعو بنفسه ولا يطلب من أحد أن يدعو له، فكيف إذا تعلق بدعاء الأموات الذين جاء الشرع بالدعاء والاستغفار لهم.
الله غاية الرجاء والدعاء، ولكن الداعي مع دعائه لله مباشرة، يريد أن يضيف أيضاً دعاء الآخرين من الملائكة والصالحين، وإنما يخطئ إذا اعتقد وجود ما لم يثبت وجوده، أو أدخل نفسه في ذرائع الشرك التي جرّت قوم نوح إلى عبادة الأصنام.
والدعاء عبادة نقتصر فيها على ما ورد من الأحوال والصيغ، ومن خرج عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه فلا يلومن إلا نفسه، سواء كان دعاؤه بدعة مكفرة أو غير مكفرة {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}
ملاحظة: كلامي داخل تحت طاولة الحوار والنقاش والاستفهام وأعوذ بالله من القول عليه بغير علم.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
بارك الله فيك، لا أخالفك في شيء مما ذكرتَ.. وما ذكرتَه هنا:
اقتباس:
لو أني قلت: يا الله اجعل الملائكة تدعو لي وتستغفر لي. لا إشكال أيضاً، لأنه ثبت شرعاً أن الملائكة تدعو للصالحين من بني آدم، ولا ضير أن تطلب الله تعالى أن يسخر لك عباده لحبك والدعاء لك.
هذا ليس له علاقة بالصورة التي وصفتُها في مشاركتي الآنفة.
فقد قلتُ:
اقتباس:
"يا رب أسألك أن تجعل فلانا الذي هو في غيب مني، والذي له عندك من المنزلة كذا وكذا، يسمع دعائي وتبلُغه حاجتي، فيرفعها لك لتقبلها!
وهذا ليس كالتوسل المشروع ولا كسؤال العبد لله تعالى أن يحبب عباده الصالحين فيه فضلا عن ملائكته، فيدعون له ويشفعون فيه (وهذا مشروع أيضا ولا شك، كما تفضلتَ ببيانه)
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
هذا ليس له علاقة بالصورة التي وصفتُها في مشاركتي الآنفة.
أشكرك على سعة صدرك وكأنه قلة من قلال هجر، أعلم أن الصورة لا علاقة لها بما ذكرتُ جزاك الله خيرا
-
1 مرفق
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم ،
الأخ (أبو الفداء) ،
في مشاركة رقم #18 ، أتفق معك ولا أخالفك .. فإن التعاطي في الغيب مع المخلوق ، أحسن أحواله هو الشرك الأصغر .. لذلك ترى أن كثيراً من الأفعال التي وصفها الر سول - صلى الله عليه وسلم - بأنها من الشرك الأصغر ، هي مما يتعاطاه المرء في الغيب ..
فالطيرة .. إثبات سبب غيبي لا وعي للمرء به .
والتمائم والتولة من جنس ذلك .
ولو بنى على هذا الاعتقاد الغيبي الفاسد خوفاً ورجاءً ومحبة ، لكان الأمر أخطر .
----------------
الأخ (أبو سماحة) ،
تقول في مشاركة رقم : #19 :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو سماحة
أخي أبو شعيب جزاك الله خيرا
اتفقنا في سماع الأموات أنها فيما ورد ولا يقاس على الوارد، وأظن أن ابن تيمية يقصد بقوله جملة هذا المعنى الذي اتفقنا عليه، فإن كان لا يقصد هذا المعنى فما الذي يقصده إذاً؟
ابن تيمية - رحمه الله - يقول بأن للميت سمعاً يسمع به خطاب الحيّ له .. وقد أوردت فتواه كاملة في مشاركة رقم #7 .
وهذا بيان يثبت ما فهمته من كلامه ..
السائل يسأله :
اقتباس:
هَلْ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ كَلَامَ زَائِرِهِ وَيَرَى شَخْصَهُ ؟
فيجيبه بـ نعم :
اقتباس:
نَعَمْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ فِي الْجُمْلَةِ
ثم يقول :
اقتباس:
فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ فِي الْجُمْلَةِ كَلَامَ الْحَيِّ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّمْعُ لَهُ دَائِمًا ، بَلْ قَدْ يَسْمَعُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، كَمَا قَدْ يَعْرِضُ لِلْحَيِّ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ أَحْيَانًا خِطَابَ مَنْ يُخَاطِبُهُ ، وَقَدْ لَا يَسْمَعُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ ، وَهَذَا السَّمْعُ سَمْعُ إدْرَاكٍ لَيْسَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ
ومعنى كلامه - حسبما فهمت - هو أنه يسمع كسمع الحي ، إلا في أحوال قد تعرض له ، كما تعرض للحي .
وقد كتب أحد الإخوة رسالة أسماها : (التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء) في ملتقى أهل الحديث ما يثبت كلامي هذا ، وقال إنه قول جمهور العلماء (وضمّن ابن تيمية فيهم) ، في أن الحي يسمع مطلقاً .. وقد عزا ذلك إلى مصادره ، فراجع هذه الرسالة ، هي على هذا الرابط :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...&d=1083015374&
وإن لم تستطع تنزيلها ، فإنها في المرفقات .
وستجد في الصفحة الخامسة من قال بهذا القول ، وعزواً لمقالاتهم إلى مصادرها .
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب
ابن تيمية - رحمه الله - يقول بأن للميت سمعاً يسمع به خطاب الحيّ له .. وقد أوردت فتواه كاملة في مشاركة رقم #7 .
وهذا بيان يثبت ما فهمته من كلامه ..
السائل يسأله :
فيجيبه بـ نعم :
ثم يقول :
ومعنى كلامه - حسبما فهمت - هو أنه يسمع كسمع الحي ، إلا في أحوال قد تعرض له ، كما تعرض للحي .
وقد كتب أحد الإخوة رسالة أسماها : (التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء) في ملتقى أهل الحديث ما يثبت كلامي هذا ، وقال إنه قول جمهور العلماء (وضمّن ابن تيمية فيهم) ، في أن الحي يسمع مطلقاً .. وقد عزا ذلك إلى مصادره
وستجد في الصفحة الخامسة من قال بهذا القول ، وعزواً لمقالاتهم إلى مصادرها .
أفهم ما تعنيه.
المهم أن ابن تيمية وغيره لم يثبتوا ولم ينفوا سماع الميت لجميع الأصوات التي يسمعها الحي، لأنه أمر غيبي لا يُعلم إلا بالدليل، وإنما أثبتوا أنواعاً من سماع الميت حسب ما وصلهم من الأدلة، ولم ينفوا الأنواع الأخرى، إذ يحتاج النفي أيضاً إلى دليل وهنا ظُن إنكارهم للنفي إثباتاً وليس كذلك.
ففرق أخي بين من يثبت جميع أنواع السماع ويجوِّز قياس ما ثبت على ما لم يثبت، وبين من ينكر النفي بغير دليل ويقتصر على ما ثبت دون قياس عليه.
ولذا ينبغي أن يكون تقسيم الخلاف على هذه الصيغة:
اختلاف العلماء حول سماع الميت لجميع الأصوات التي يسمعها الحي:
1- القائلون بالسماع مطلقاً قياساً على ما ثبت من سماعٍ لبعض الأصوات.
2- المقتصرون على ما ثبت سماعه (ومنهم ابن تيمية رحمه الله الذي يقول: "فهكذا الموتى الذين ضُرب لهم المثل لا يجب أن يُنفى عنهم جميع السماع المعتاد ، أنواعَ السماع ، كما لم يُنْفَ ذلك عن الكفار ; بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به ، وأما سماعٌ آخر فلا يُنفى عنهم" (منقول من نفس البحث الذي أشرت إليه) وكأنه يقول ولا يثبت لهم أيضاً، فهو ضد النفي وضد الإثبات.
نحتاج أخي إلى قراءة أقوال جمهور العلماء الذين نُسب إليهم القول بالسماع مطلقاً في البحث الذي أتحتفتنا به، وأتوقع أن النتيجة ستكون عكسية وأن جمهور العلماء متفقون على بدعية القول بسماع الأموات لما لم يرد فيه نص من الأصوات؟ ويبقى علينا قراءة أقوالهم وفحصها.
وجزاكم الله خيرا
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
بارك الله فيكم.
مسأله سماع الأموات الخلاف فيها مشهور وليس ههنا محل بسطه.. وتحرير موقف شيخ الإسلام في هذه المسألة في هذه الصفحة لا أراه يؤثر في مادة الحوار.. فإن سؤال الأموات الدعاء بدعة وذريعة للشرك - على أحسن الأحوال - سواء أثبتنا لهم سماعا عاما لكل صوت يحيط بهم أم اقتصرنا على ما جاء به النص، والله أعلم.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
........................ز
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حمزة مأمون السوري
أين أجد كلام الشيخ العثيمين في المسالة؟
تجد كلام الشيخ رحمه الله فيما ذكره الإخوة في الرابط الذي أحلتُ إليه (في ملتقى أهل الحديث) في أولى المشاركات.
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
قال البعض
اقتباس:
ابن عثيمين يرى جواز سماع الأموات في قبورهم وقد نوقش فيها غير مرة ، ففتواه المنقولة مبنية على هذا الرأي
ما وقفت عليه من فتاوي الشيخ ابن عثيمين أنه يتوقف في سماع الموتى إلا فيما دلت عليه الأدلة فهل الشيخ رجع عنه هذا القول؟
فقد قال ((فنقول: ما جاءت به السنة نعتقده، وما لم تجئ به السنة نقول: الله أعلم))
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
حكم سؤال المقبور الشفاعة (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، كالمبتدعة والمشركين ؛ والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين ، وعلى آله وصحبه والتابعين .
أما بعد …
فهذا بحث في حكم مسألة وهي : أن يسأل الحي ميتا بحضرة قبره بأن يدعو الله له ، أو يسأل الله له ؛ فقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا السؤال بدعةٌ ولا يصل إلى الشرك الأكبر ، وإنما هو وسيلةٌ إليه ، ونُسِبَ هذا القول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
وقد تبين لي من خلال الدراسة أن هذه الصورة شرك أكبر ، وأن نسبة هذا القول لشيخ الإسلام غير صحيحة.
وقبل الدخول في صلب الموضوع ينبغي التنبيه على أمور :
أولاً : لا خلاف أن هذا الفعل مبتدع ومحرم غير مشروع ، وإنما النزاع في كون هذه الصورة شركاً أكبر أم لا .
يقول شيخ الإسلام رحمه الله(1) : ( وأيضا فإن طلب شفاعته ، ودعائه ، واستغفاره بعد موته ، وعند قبره ، ليس مشروعاً عند أحد من أئمة المسلمين ، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة ، وأصحابهم القدماء ) .
ثانياً : لا خلاف أيضاً ، أن سؤال الحي للمقبور بأن يدعو الله له ونحوه ، وهو غائب أو بعيد عن القبر ،أنه شرك أكبر .
يقول الشيخ السهسواني رحمه الله(2) : ( وإن كان ذلك المدعو حياً غير حاضر ، أو ميتاً وينادى من مكان بعيد من القبر ، فهذا أيضاً شرك ، فإن فيه إثبات علم الغيب لغير الله تعالى ، وهو من الصفات المختصة به تعالى ) .
ويقول الشيخ بكر أبوزيد رحمه الله(3): ( سؤال حي لميت ، وهو غائب عن قبره ، بأن يدعو الله له . وهذا النوع لا يختلف المسلمون بأنه شرك أكبر ، وأنه من جنس شرك النصارى في مريم وابنها – عليهما السلام – بدعائهما ، وأنهما يعلمان ما يفعله العباد حسب مزاعم النصارى ) .
ثالثاً : ثبت أن بعض الصحابة طلبوا من رسول الله صلى الله عليه أن يدعو لهم في حياته ، وهو معنى أن يشفع لهم ، وأما بعد موته ، فأهل السنة مجمعون على أمرين :
الأول : عدم مشروعية طلب الشفاعة ( الدعاء ) منه في قبره .
الثاني : أن للنبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من الشفاعات ، ولم يذكروا منها طلبها منه في قبر .
رابعاً : أن دعاء العبادة ودعاء المسألة متلازمان ، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله(4) : ( ولفظ الدعاء في القرآن يتناول هذا وهذا ، الدعاء بمعنى العبادة ، أو الدعاء بمعنى المسألة ، وإن كان كل منهما يستلزم الآخر ) .
خامسا : ينبغي لمن أراد نسبة قول لعالم في مسألة معينة ، أن يجمع كلام هذا العالم في هذه المسألة المراد بحثها في جميع مواردها من كتبه ، حتى يتضح قوله ويتبين مراده ، وحتى لا ينسب إليه ما لا يعتقده ، خصوصا إذا كان هذا العالم معروفا بكثرة التأليف ، وتنوع عباراته العلمية ، كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
( الفصل الأول )
( سؤال الحي للميت بحضرة قبره شرك أكبر)
وبيانه من وجوه :
الأول : أن سؤال الحي للميت وطلبه منه أن يدعو الله له ، هو حقيقة الدعاء لغة وشرعا ، من حيث إنه سأل وطلب ، والسؤال والطلب دعاء ، والدعاء عبادة ، وصرف العبادة لغير الله شرك ؛
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله(5) : ( وأكثر ما يستعمل الدعاء في الكتاب والسنة واللغة ولسان الصحابة ومن بعدهم من العلماء في السؤال والطلب ) ؛
وقال(6) : ( فمن جحد كون السؤال والطلب عبادة فقد صادم النصوص وخالف اللغة واستعمال الأمة سلفا وخلفا ) .
وسيأتي في كلام شيخ الإسلام ما يؤكد هذه الحقيقة ، حيث إنه في كثير من المواضع وهو يتكلم عن دعاء غير الله يذكر هذه الصورة التي هي محل البحث .
الثاني : إذا تقررت المقدمة الأولى ، فإن هذا السؤال والطلب ، داخل في عموم النصوص الدالة على النهي عن دعاء غير الله ، وأن من فعل ذلك فقد أشرك بربه ، كقوله تعالى : { ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعآءِهم غافلون ، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعدآءً وكانوا بعبادتهم كافرين } ، وقوله عز وجل : { والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير } .
الثالث : على تقرير أن دعاء العبادة ودعاء المسألة متلازمان ، وأن هذا السؤال والطلب من دعاء المسألة ، فعليه يكون طلبه من الميت كفراً وشركاً .
الرابع : أن حقيقة هذا السؤال والطلب ( الدعاء )، هو طلب شفاعة هذا المقبور عند الله لمن سأله الدعاء ، وهذه هي عقيدة المشركين ؛
يقول شيخ الإسلام رحمه الله(7) : (لكن هذا الاستسقاء والاستشفاع والتوسل به وبغيره كان يكون في حياته بمعنى أنهم يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم فكان توسلهم بدعائه والاستشفاع به طلب شفاعته والشفاعة دعاء ) ؛
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله(8) : ( وكل من أعان غيره على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له والشفاعة للمشفوع هذا أصلها فإن الشافع يشفع لصاحب الحاجة فيصير له شفعا في قضائها لعجزه عن الاستقلال بها ) ؛
قال مقيده :وهذه الأمور التي ذكرها ابن القيم - ويدخل فيها أيضاً طلب الدعاء – مشروع طلبها من الحي الحاضر القادر عليها ، أما الميت فلا يشرع سؤاله شيئاً ؛
ومما يوضح أن هذه الصورة من جنس الشفاعة الشركية ، أنه لو سئل لماذا تدعو المقبور أن يدعو لك ؟ لماذا لا تدعو الله مباشرة ؟ فلن يكون جوابه زائداً على قوله : أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ، ليشفع لي في ما أريد .
والشفاعة ملك لله تعالى ، ولا تكون إلا بشرطين : إذن الله للشافع أن يشفع ، ورضاه عن المشفوع فيه ، فمن سأل ميتاً أن يدعوا الله له أو نحو ذلك ، فقد سأل هذا الميت الشفاعة ، وسؤال الشفاعة على هذا النحو غير مأذون فيه شرعاً ، وعليه يكون السائل قد سأل ما لا يقدر عليه الميت ، وهذا هو الشرك ، وهو داخل في قوله تعالى عن المشركين : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى }.
الخامس : أن هذا الداعي لم يسأل هذا الميت إلا لاعتقادٍ فيه أنه قادر على الفعل وإجابة من سأله ، وإلا لما قصده ، وهذا الاعتقاد شرك ؛
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله(9)، في القسم الثالث من أقسام دعاء المخلوق : ( أن تدعو مخلوقاً ميتاً ، لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة ، فهذا شرك أكبر أيضاً ، لأنه لا يدعو من كان هذا حاله حتى يعتقد أن له تصرفاً خفياً في الكون ).
السادس : أن من لازم هذا السؤال والطلب ( الدعاء ) أن يكون هذا السائل راغبا راجيا ، فيه من الذل والافتقار والخضوع بحسبه ، لا ينفك عن ذلك ، وهذه عبادات قلبية لا تصرف إلا لله وحده ، وصرفها لغير الله شرك أكبر ؛
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله(10): ( فإن عباد القبور يقصدونها مع التعظيم والاحترام والخشوع ورقة القلب ، والعكوف بالهمة على الموتى ، بما لا يفعلونه في المساجد ولا يحصل لهم فيها نظيره ولا قريب منه ) ،
ويقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله(11): ( لا يتصور أن يخلو داع لله دعاء عبادة أو دعاء مسألة من الرغب والرهب والخوف والطمع له ) .
السابع : يلزم على القول بأن هذه الصورة بدعة فقط ، لوازم باطلة ، منها : أن يطلب الحي – لا من الميت – بل من أحياءَ وهم الملائكة أن يدعوا الله له ؛
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(12): ( فالملائكة يستغفرون للمؤمنين من غير أن يسألهم أحد ، وكذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء والصالحين يدعو ويشفع للأخيار من أمته ، هو من هذا الجنس ، هم يفعلون ما أَذن الله لهم فيه بدون سؤال أحد ، وإذا لم يشرع دعاء الملائكة ، لم يشرع دعاء من مات من الأنبياء والصالحين ، ولا أن نطلب منهم الدعاء والشفاعة ، وإن كانوا يدعون ويشفعون ، لوجهين :
أحدهما : أن ما أمر الله به من ذلك هم يفعلونه وإن لم يطلب منهم ، وما لم يؤمروا به لا يفعلونه ولو طلب منهم ، فلا فائدة في الطلب منهم .
الثاني : أن دعاءهم وطلب الشفاعة منهم في هذه الحال يفضي إلى الشرك بهم ، ففيه هذه المفسدة ، فلو قدر أن فيه مصلحة لكانت هذه المفسدة راجحة ، فكيف ولا مصلحة فيه ، بخلاف الطلب منهم في حياتهم وحضورهم ، فإنه لا مفسدة فيه ، فإنهم ينهون عن الشرك بهم ) ،
وقال رحمه الله(13): ( قال طائفة من السلف : كان أقوام يدعون الملائكة والأنبياء ، فقال الله تعالى : هؤلاء الذين تدعونهم هم عبادي كما أنتم عبادي ، يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي ، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي ، ويتقربون إليّ كما تتقربون إليّ ، فنهى سبحانه عن دعاء الملائكة والأنبياء مع إخباره لنا أن الملائكة يدعون لنا ويستغفرون ، ومع هذا فليس لنا أن نطلب ذلك منهم ، وكذلك الأنبياء والصالحون وإن كانوا أحياء في قبورهم ، وإن قدر أنهم يدعون للأحياء ، وإن وردت به آثار ، فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك ، ولم يفعل ذلك أحد من السلف ، لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله ، بخلاف الطلب من أحدهم في حياته ، فإنه لا يفضي إلى الشرك ، ولأن ما تفعله الملائكة ويفعله الأنبياء والصالحون بعد الموت هو بالأمر الكوني ، فلا يؤثر فيه سؤال السائلين ، بخلاف سؤال أحدهم في حياته ، فإنه يشرع إجابة السائل ، وبعد الموت انقطع التكليف عنهم ) ؛
ومن اللوازم الباطلة أيضاً – وهي الطامة الكبرى - : أن يُسأل المقبور سؤالاً مباشراً على جهة الاستقلال ؛
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله(14): ( والمقصود : أن الشيطان بلطف كيده يحسن الدعاء عند القبر ، وأنه أرجح منه في بيته ومسجده ، وأوقات السحر ، فإذا تقرر ذلك عنده ، نقله درجة أخرى من الدعاء عنده إلى الدعاء به ، والإقسام على الله به ، وهذا أعظم من الذي قبله ؛ فإن شأن الله أعظم من أن يقسم عليه ، أو يُسأل بأحد من خلقه ، وقد أنكر أئمة الإسلام ذلك ؛… فإذا قرر الشيطان عنده أن الإقسام على الله به ، والدعاء به أبلغ في تعظيمه واحترامه ، وأنجع في قضاء حاجته ؛ نقله درجة أخرى إلى دعائه بنفسه من دون الله ، ثم ينقله بعد ذلك درجة أخرى إلى أن يتخذ قبره وثناً ، يعكف عليه ، ويوقد عليه القنديل ، ويعلق عليه الستور ، ويبني عليه المسجد ، ويعبده بالسجود له ، والطواف به ، وتقبيله واستلامه ، والحج إليه ، والذبح عنده ، ثم ينقله درجة أخرى إلى دعاء الناس إلى عبادته ، واتخاذه عيداً ومنسكاً ، وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وآخرتهم ) .
كتبه : سالم بن سعيد المقبالي
(1) التوسل والوسيلة (160) ، ط : مكتبة الفرقان .
(2) صيانة الإنسان (238).
(3) تصحيح الدعاء (250).
(4) اقتضاء الصراط المستقيم (2/312).
(5) فتح المجيد (204) .
(6) الرجع السابق (206).
(7) التوسل (274).
(8) روضة المحبين (429) .
(9) القول المفيد(1/260).
(10) إغاثة اللهفان(1/370).
(11) الدرر السنية(11/11).
(12) التوسل (53-54).
(13) الفتاوى (1/331).
(14) إغاثة اللهفان (1/396-398).
منقول
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
حكم سؤال المقبور الشفاعة (2)
( الفصل الثاني )
( تحقيق نسبة هذه المقالة لشيخ الإسلام رحمه الله )
وبيان ذلك في قسمين :
( القسم الأول )
أن وصف الشيخ لهذه الصورة بالبدعة ، لا يعارض كونها شركاً أكبر ، وهو كلام مستقيم ، وبيانه في ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن البدعة هي : كل ما أحدث في الدين مما ليس منه ، ولا نزاع أن هذه المسألة من البدع باعتبار المعنى اللغوي والشرعي للبدعة ، وعليه يحمل كلام الشيخ ، خصوصا وأنه قد استعمل هذا الوصف في الشرك الأكبر في مواضع من كتبه ، منها :
قوله رحمه الله في رده على البكري(1) : ( وإذا كان كذلك ، فما قال هذا المفتري وأمثاله هو بدعة لم تشرعها الرسل ) ؛
وقال(2) : ( ومن هنا أدخل أهل النفاق في الإسلام ما أدخلوه ، فإن الذي ابتدع دين الرافضة كان زنديقاً يهودياً ) ؛
وقال(3) : ( وابتدعوا الشرك المنافي للتوحيد ) ؛
وقال(4) : ( وهذه الأمور ونحوها ، هي من الزيارة البدعية ، وهي من جنس دين النصارى والمشركين ، وهو أن يكون قصد الزائر أن يستجاب دعاؤه عند القبر ،أو أن يدعو الميت ويستغيث به ، ويطلب منه ، أو يقسم به على الله في طلب حاجاته وتفريج كرباته ، فهذه كلها من البدع التي لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فعلها أصحابه ) ؛
وقال(5) : ( فإن دعاء الملائكة والأنبياء بعد موتهم وفي مغيبهم ، وسؤالهم والاستغاثة بهم ، والاستشفاع بهم في هذه الحال ، ونصب تماثيلهم ، بمعنى طلب الشفاعة منهم ، هو من الدين الذي لم يشرعه الله ، ولا ابتعث به رسولاً ، ولا أنزل به كتاباً ، وليس هو واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين ، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين ، وإن كان ذلك مما يفعله كثير من الناس ممن له عبادة وزهد ، ويذكرون فيه حكايات ومنامات ، فهذا كله من الشيطان ، وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميت والاستشفاع به والاستغاثة ، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصالحين ، فهذا كله ليس بمشروع ، ولا واجب ولا مستحب باتفاق أئمة المسلمين ، ومن تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة ، فهو ضال مبتدع بدعة سيئة لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين ، فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب ) ؛
وقال(6) : ( وكان أصحابه يبتلون بأنواع البلاء بعد موته ، فتارة بالجدب ، وتارة بنقص الرزق ، وتارة بالخوف وقوة العدو ، وتارة بالذنوب والمعاصي ، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر الخليل ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول : نشكو إليك جدب الزمان ، أو قوة العدو ، أو كثرة الذنوب ، ولا يقول : سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم ، أو ينصرهم ، أو يغفر لهم ، بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التي لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين ، فليست واجبة ولا مستحبة باتفاق أئمة المسلمين ، وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة فهي بدعة سيئة ، وهي ضلالة باتفاق المسلمين ) ؛
وقال(7) : ( واتفق أيضاً أئمة المسلمين على أنه لا يشرع لأحد أن يدعو ميتاً ولا غائباً ، فلا يدعوه ولا يسأله حاجة ، ولا يقول : اغفر لي ذنبي وانصر ديني وانصرني على عدوي أو غير ذلك من المسائل ولا يشتكي إليه ولا يستجير به كما يفعله النصارى بمن يصورون التماثيل على صورته ، ويقولون : مقصودنا دعاء أصحاب التماثيل والاستشفاع بهم ، فمثل هذا ليس مشروعاً : لا واجباً ولا مستحباً في دين المسلمين باتفاق المسلمين ومن فعل ذلك معتقداً أنه يستحب فهو ضال مبتدع ) ؛
وقال(8) : ( والشرك بدعة ) .
قال مقيده : فاستعمال الشيخ لمصطلح البدعة في ما هو كفر وشرك جارٍ على مقتضى اللغة والشرع ، فلا إشكال فيه .
الأمر الثاني : أن البدع تنقسم إلى قسمين : بدع مكفرة ، وبدع غير مكفرة ، وكلام الشيخ محمول على القسم الأول .
الأمر الثالث : أن أهل السنة مجمعون أن للنبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من الشفاعات ، ولم يذكروا منها سؤاله إياها في قبره ، فهي بدعة باعتبار إحداثها بعد القرون الفاضلة ، وأول من أحدث بدع القبور ونشرها ، ومنها : سؤال المقبورين هم العبيديون ؛
يقول شيخ الإسلام رحمه الله(9) : ( وإنما حدثت هذه المشاهد بعد القرون المفضلة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم القرن الذي بعث فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، وإنما انتشرت في دولة بني بويه ونحوهم من أهل البدع والجهل ).
( القسم الثاني )
وفيه نصوص شيخ الإسلام الدالةِ على أن هذه الصورة المذكورة شركٌ أكبر :
قال في كلامه عن مراتب دعاء المخلوق(10): ( أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين : ادع الله لي ، أو ادع لنا ربك ، أو اسأل الله لنا ، كما تقول النصارى لمريم وغيرها ، فهذا أيضا لا يستريب عالم أنه غير جائز ، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة ) .
وقال(11) : ( وإن قلت هذا إذا دعا الله أجاب دعاءه أعظم مما يجيبه إذا دعوته ، فهذا هو القسم الثاني : وهو : ألا تطلب منه الفعل ولا تدعوه ، ولكن تطلب أن يدعو الله لك ، كما تقول للحي ادع لي ، وكما كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون من النبي صلى الله عليه الدعاء ، فهذا مشروع في الحي كما تقدم ، وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم ، فلم يشرع لنا أن نقول : ادع لنا ، ولا اسأل لنا ربك ، ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ، ولا أمر به أحد من الأئمة ، ولا ورد فيه حديث ، بل الذي ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون ، ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلين : يا رسول الله ادع الله لنا واستسق لنا ونحن نشكوا إليك مما أصابنا ونحو ذلك ، لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط ، بل هو بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ).
قال مقيده : هذان النقلان هما ما اعتمده القائلون بأن سؤال الحي للميت بحضرة قبره بأن يدعو الله له ، أو يسأل الله له ، بدعة فقط وليست شركا أكبر ، وليس فيهما ما يدل على ذلك ، بل كلامه ظاهر في أن هذه الصورة شرك وكفر ، وبيان ذلك من وجوه :
الأول : تقدم أن الشيخ يستعمل مصطلح البدعة فيما هو شرك وكفر ، كما سبق ، وكما في هذين النصين ، فلا إشكال .
الثاني : أن كلام الشيخ عام في كل ميت ، لم يفرق بين سؤاله بحضرة القبر ، أو وهو بعيد عن القبر ، وله من النصوص في إثبات ذلك كثير ، والمنازعون يفرقون بين الصورتين ، فالأولى بدعة والثانية شرك أكبر ، مع أن النص الذي اعتمدوه واحد ن فأين هذا التفريق في كلام الشيخ ؟ .
يقول رحمه الله(12) : (وهذا المقام مما يظهر به ضلال هؤلاء المشركين خلقا وأمرا ، فإنهم مطالبون بالأدلة الشرعية على أن الله شرع لخلقه أن يسألوا ميتا أو غائبا أو يستغيثوا به ، سواء كان ذلك عند قبره ، أو لم يكن عند قبره ، وهم لا يقدرون على ذلك ) ؛
وفيه(13) : ( ولا أحد من الصحابة استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ولا بغيره من الأنبياء ، لا عند قبورهم ولا إذا بعدوا عنها ) ؛
ويقول(14) : ( وهذا ونحوه مما يبين أن الذين يدعون الأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وغير قبورهم من المشركين الذين يدعون غير الله ) ؛ قال مقيده : فالشيخ لا يفرق بين سؤال الميت بحضرة قبره أو وهو بعيد عن القبر ، وعليه يلزمهم تعميم الحكم بالبدعة على كلتا الحالتين وهم لا يقولون بذلك .
الثالث : أن الشيخ قرن الغائب بالميت في الحكم بالبدعة على هذا الفعل ، وقد سبق أنه لا خلاف أن سؤال الغائب شرك أكبر ، فيلزم من قال بأن سؤال الحي للميت بحضرة القبر بدعة فقط معتمدا على هذا النقل في قوله ، وفي نسبته لشيخ الإسلام ، أن يكون دعاء الغائب بدعةً أيضاً وليس بشرك عنده وعند شيخ الإسلام ، ولا قائل بذلك من أهل التوحيد والسنة ، وكثيراً ما يقرن الشيخ بين دعاء الميت والغائب ن مما يؤكد أنه لا يفرق في الحكم عليهما .
يقول رحمه الله(15) في كلامه عن مراتب دعاء المخلوق : ( أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب … ) ؛
ويقول(16) : ( وقد مضت السنة أن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر ما يقدر عليه ، وأما المخلوق الغائب والميت فلا يطلب منه شئ ) ؛
ويقول(17) : ( سؤال الميت والغائب نبيا كان أو غيره ، من المحرمات المنكرة باتفاق أئمة المسلمين ) ؛
ويقول(18) : ( وذلك أن من الناس الذين يستغيثون بغائب أو ميت تتمثل له الشياطين ) .
الرابع : نص الشيخ في الفقرة الأولى بأن السؤال والطلب بهذه الصورة من جنس ما تقوله النصارى في مريم وغيرها ، وما تقوله النصارى هو الشرك الأكبر ، ويحكي الشيخ رحمه الله اعتقادهم فيقول(19): ( وإن أثبتهم وسائط بين الله وبين خلقه – كالحجاب الذين بين الملك ورعيته – بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم ، فالخلق يسألونهم ، وهم يسألون الله ، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس لقربهم منهم ، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك ، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك ، لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج ، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، وهؤلاء مشبهون لله ، شبهوا المخلوق بالخالق وجعلوا له أنداداً ، وفي القرآن من الرد على هؤلاء ما لم تتسع له هذه الفتوى ) ، ثم يبين أن هذا من شرك النصارى فيقول(20): ( والمقصود هنا أن من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية ، فهو مشرك ، بل هذا دين المشركين عباد الأوثان ، كانوا يقولون إنها تماثيل الأنبياء والصالحين ، وإنها وسائل يتقربون بها إلى الله ، وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى ) .
الخامس : قوله في الفقرة الثانية : ( ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قائلين : يا رسول الله ادع الله لنا واستسق لنا ونحن نشكو إليك ما أصابنا ونحو ذلك ) ، لا خلاف أن الطلب من المقبور بياء النداء دعاء صريح ، سواء طُلب منه أن يدعو أو غير ذلك وهذا من الشرك الأكبر .
نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح(21): ( وقال الراغب : الدعاء والنداء واحد لكن قد يتجرد النداء عن الاسم والدعاء لا يكاد يتجرد ) ؛ وكلام الراغب في المفردات يقول(22) : ( الدعاء كالنداء ، إلا أن النداء قد يقال بيا ، أو أيا ، ونحو ذلك من غير أن يُضم إليه الاسم ، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم ، نحو : يا فلان ، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ) ؛
وقال الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ رحمه الله(23): ( سمى النداء دعاء لأن مدلولها واحد من باب الترادف على معنى واحد ) ؛
يقول شيخ الإسلام رحمه الله(24): ( والمشركون من هؤلاء قد يقولون : إنا نستشفع بهم ، أي نطلب من الملائكة والأنبياء أن يشفعوا ، فإذا أتينا قبر أحدهم طلبنا منه أن يشفع لنا ، فإذا صورنا تمثاله – والتماثيل إما مجسدة وإما تماثيل مصورة كما يصورها النصارى في كنائسهم – قالوا : فمقصودنا بهذه التماثيل تذكر أصحابها وسيرهم ، ونحن نخاطب هذه التماثيل ومقصودنا خطاب أصحابها ليشفعوا لنا إلى الله ، فيقول أحدهم : يا سيدي فلان ، أو يا سيدي جرجس ، أو بطرس ، أو يا ستي الحنونة مريم ، أو يا سيدي الخليل ، أو موسى بن عمران ، أو غير ذلك ن اشفع لي إلى ربك ، وقد يخاطبون الميتعند قبره : سل لي ربك ، أو يخاطبون الحي وهو غائب كما يخاطبونه لو كان حاضراً حياً ، وينشدون قصائد ، يقول أحدهم فيها : يا سيدي فلان أنا في حسبك أنا في جوارك اشفع لي إلى الله سل اللهلنا أن ينصرنا على عدونا سل الله أن يكشفعنا هذه الشدة أشكو إليك كذا وكذا فسل الله أن يكشف هذه الكربة ، أو يقول أحدهمسل الله أن يغفر لي … ) ثم قال : ( فهذه الأنواع من خطاب الملائكة والأنبياء والصالحين بعد موتهم عند قبورهم وفي مغيبهم وخطاب تماثيلهم ، هو من أعظم أنواع الشرك الموجود في المشركين من غير أهل الكتاب ن وفي مبتدعة أهل الكتاب والمسلمين الذين أحدثوا من الشرك والعبادات ما لم يأذن به الله ) ، قال مقيده : فهذا نص صريح في كون الصورة التي هي محل البحث شركاً أكبر .
وقال رحمه الله(25): ( وعلم أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ولا أحد من الأنبياء قبله ، شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين ويستشفعوا بهم ، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم ، فلا يقول أحد : يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله ، سلوا الله لنا أن ينصرنا ، أو يرزقنا أو يهدينا ، وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين : يا نبي الله ، يا رسول الله ادع الله لي ، سل الله لي ، استغفر الله لي ، سل الله لي أن يغفر لي أو يهديني أو ينصرني أو يعافيني ، ولا يقول أشكو إليك ذنوبي أو نقص رزقي ، أو تسلط العدو علي ، أو أشكو إليك فلاناً الذي ظلمني ) .
وقال(26): ( ومثل هذا كثير في القرآن ، ينهى أن يُدعى غير الله ، لا من الملائكة ، ولا من الأنبياء ، ولا غيرهم ، فإن هذا شرك أو ذريعة إلى الشرك ، بخلاف ما يطلب من أحدهم في حياته من الدعاء والشفاعة ، فإنه لا يفضي إلى ذلك ، فإن أحداً من الأنبياء والصالحين لم يعبد في حياته بحضرته فإنه ينهى من يفعل ذلك ، بخلاف دعائهم بعد موتهم ، فإن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم ، وكذلك دعاؤهم في مغيبهم ، هو ذريعة إلى الشرك ، فمن رأى نبياً أو ملكا من الملائكة وقال له : ادع لي ، لم يفض ذلك إلى الشرك به ، بخلاف من دعاه في مغيبه ، فإن ذلك يفضي إلى الشرك به كما قد وقع ، فإن الغائب والميت لا ينهى من يشرك ، بل إذا تعلقت القلوب بدعائه وشفاعته أفضى ذلك إلى الشرك به فدعي وقصد مكان قبره أو تمثاله أو غير ذلك ، كما قد وقع فيه المشركون ومن ضاهاهم من أهل الكتاب ومبتدعة المسلمين ) .
وقال(27): ( وأما دعاء الرسول وطلب الحوائج منه وطلب شفاعته عند قبره ، أو بعد موته ، فهذا لم يفعله أحد من السلف ، ومعلوم أنه لو كان قصد الدعاء عند القبر مشروعاً لفعله الصحابة والتابعون ، وكذلك السؤال به ، فكيف بدعائه نفسه وسؤاله بعد موته ، فدل ذلك على أن ما في الحكاية المنقطعة من قوله [ استقبله واستشفع به ] كذب على مالك ، مخالف لأقواله وأقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم التي نقلها مالك وأصحابه ، ونقلها سائر العلماء ، إذ كان أحد منهم لم يستقبل القبر للدعاء لنفسه ، فضلاً عن أن يستقبله ويستشفع به ، يقول له : يا رسول اللهاشفع لي ، أو ادع لي ، أو يشتكي إليه المصائب في الدين والدنيا ، أو يطلب منه أو من غيره من الموتى من الأنبياء والصالحين ، أو من الملائكة الذين لا يراهم أن يشفعوا له ، أو يشتكي إليهم المصائب ، فإن هذا كله من فعل النصارى وغيرهم من المشركين ومن ضاهاهم من مبتدعة هذه الأمة ) .
وقال(28): ( وفي الجملة فقد نُقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به ، بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين ، والاستغاثة بهم ، والشكوى إليهم ، فهذا مما لم يفعله أحد من السلف ) .
وقال(29): ( ولهذا ذكر الفقهاء في كتبهم في الاستسقاء ما فعلوه دون ما تركوه ، وذلك أن التوسل به حياً هو من جنس مسألته أن يدعو لهم ، وهذا مشروع ، فما زال المسلمون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو لهم ، وأما بعد موته فلم يكن الصحابة يطلبون منه الدعاء ، لا عند قبره ، ولا عند غير قبره ، كما يفعله كثير من الناس عند قبور الصالحين ، يسأل أحدهم الميت حاجته ، أو يقسم على الله به ونحو ذلك ) .
وقال(30): ( وقد مضت السنة أن الحي يطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر ما يقدر عليه ، وأما المخلوق الغائب والميت ، فلا يطلب منه شئ ) .
وقال(31): ( فأما قول القائل عند ميت من الأنبياء والصالحين : اللهم إني أسألك بفلان ، أو بجاه فلان ، أو بحرمة فلان ، فهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن الصحابة ، ولا عن التابعين ، وقد نص غير واحد من العلماء أنه لا يجوز ، ونقل عن بعضهم جوازه ، فكيف يقول القائل للميت : أنا استغيث بك و أستجير بك ، أو أنا في حسبك ، أو سل لي الله ، ونحو ذلك ، فتبين أن هذا ليس من الأسباب المشروعة ، ولو قدر أن له تأثيراً ، فكيف إذا لم يكن له تأثيرٌ صالحٌ بل مفسدته راجحة على مصلحته ، كأمثاله من دعاء غير الله ) .
قال مقيده : جمع الشيخ هنا بين الصورة التي هي محل البحث ، وبين ما لا نزاع في كونه شركاً أكبر ، ثم أكد ذلك بكونه من دعاء غير الله ، ولو كان سؤال المقبور بأن يدعو الله للسائل بدعة فقط ، لذكرها في أول كلامه مع السؤال بالجاه والحرمة مما هو بدعة بالاتفاق .
وقال(32): ( فليس لأحد أن يسأل غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله ، لا نبياً ولا غيره ولا يستغيث بمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الخالق ، وليس لأحدٍ أن يسأل ميتاً أو يستغيث به في شئ من الأشياء ، سواءً كان نبياً أو غيره ) .
وقال(33): ( فلا يشرع لهم أن يدعوا ميتاً ولا يسألوه ، ولا يدعوا إليه ، ولا أن يستجيروا به ، ولا يدعوه لا رهبةً ولا رغبةً ، ولا يقول أحد لميت : أنا في حسبك ، أو أنا في جوارك ، أو أنا أريد أن تفعل كذا وكذا ، ولا أن يخطوا إلى جهة قبرٍ ويسأله كما يفعل كثير من النصارى وأشباه النصارى من ضلال هذه الأمة بكثير من شيوخهم وغير شيوخهم ، ولايشرع لأحد أن يقول لميت : سل الله لي أو ادع لي ، ولا يشرع لهم أن يشكوا إلى ميت ، فيقول أحدهم مشتكيا إليه : عليّ دَيْنٌ ، أو آذاني فلان ، أو قد نزل بنا العدو ، أو أنا مريض ، أو أنا خائف ونحو ذلك من الشكاوى ، سواء كان هذا السائل عند قبر الميت ن أو كانبعيدا منه ، وسواء كان الميت نبياً أو غيره ) .
وقال(34): ( فإن ما نُفِيَ عنه وعن غيره من الأنبياء والمؤمنين ، وهو أنهم لا يُطلب منهم بعد الموت شئ ، ولا يطلب منهم في الغيبة شئ ، لا بلفظ الاستغاثة ولا غير ذلك ، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله حكم ثابت بالنص وإجماع علماء الأمة مع دلالة العقل على ذلك ) .
وقال(35): ( ومن رحمة الله تعالى ، أن الدعاء المتضمن شركاً ، كدعاء غيره أن يفعل ، أو دعائه أن يدعو ، ونحو ذلك ، لا يحصل غرض صاحبه ، ولا يورث حصول الغرض شبهة إلا في الأمور الحقيرة ، فأما الأمور العظيمة ، كإنزال الغيث عند القحوط ، أو كشف العذاب النازل ، فلا ينفع فيه هذا الشرك ) .
وقال(36): ( فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة التي تتضمن الدعاء لله خالصا عند القبور ، لئلا يفضي ذلك إلى نوع من الشرك بربهم ، فكيف إذا وجد ما هو نوع الشرك من الرغبة إليهم ، سواء طلب منهم قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، أو طلب منهم أنيطلبوا ذلك من الله تعالى ) .
قال مقيده : وجه بعضهم هذا النص بقوله : ( علق الطلب هنا على الرغبة إليهم ، بخلاف كلامه السابق ، وهو يرى أن الرغبة خاصة لله لا تصرف لغيره ، وصرفها لغير الله شرك ، فبسبب وجود الرغبة وصف هذا الدعاء بالشرك ) ، وجوابه أن يقال :
أولا : من خلال جمع كلام الشيخ في هذه المسألة يتبين أن الصورة – محل البحث – شرك أكبر ، وإذا كان الشيخ في هذا الموضع قد نبه على قدر زائد من مجرد الطلب وهو الرغبة ، فله من النصوص الكثير لا يقيد هذا السؤال بذلك ، لسبب وهو :
ثانيا : أن كلام الشيخ لا إشكال فيه ، فإن من لازم هذا السؤال والطلب أن يكون السائل والطالب راغبا إلى المسؤول أن يجيب سؤاله وطلبه(37) .
وقال(38): (والمقصود هنا : أنه إذا كان السلف والأئمة قالوا في سؤاله بالمخلوق ما قد ذكر ، فكيف بسؤال المخلوق الميت ؟ سواء سئل أن يسأل الله ، أو سئل قضاء الحاجة ، ونحو ذلك ، مما يفعله بعض الناس ، إما عند قبر الميت ، وإما مع غيبته ، وصاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حسم المادة وسد الذريعة ، بلعنه من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ، وأن لا يصلى عندها لله ، ولا يسأل إلا الله ، وحذر أمته ذلك ، فكيف إذا وقع نفس المحذور من الشرك وأسباب الشرك ) .
قال مقيده : فبمجموع هذه النصوص يتبين أن سؤال الحي للميت بأن يدعو الله له ، أو يسأل الله له ، أو نحو ذلك من الأمور ، سواء كان بحضرة قبره ، أو بغير حضرة قبره أنه شرك أكبر ، وأن هذا ما يقوله شيخ الإسلام رحمه الله ، فلا تصح النسبة إليه بأن هذه الصورة بدعة فقط .
كتبه : سالم بن سعيد المقبالي
(1) (269) .
(2) الفتاوى (27/161).
(3) الفتاوى (27/162).
(4) الفتاوى (27/32).
(5) الفتاوى(1/160-161).
(6) التوسل(27-28).
(7) قاعدة في الوسيلة(213) . ط : الرشد ، وجامع الرسائل – المجموعة الخامسة (109) ، وهي غير القاعدة المعروفة.
(8) الاقتضاء (2/375)..
(9) جامع المسائل – المجموعة الرابعة (163).
(10) الفتاوى (1/352).
(11) المرجع السابق (27/76-77).
(12) الرد على البكري (221).
(13) المرجع السابق (222).
(14) التوسل (51).
(15) الفتاوى (1/351).
(16) الفتاوى (1/345).
(17) الرد على البكري (221).
(18) المرجع السابق (226).
(19) الفتاوى (1/127).
(20) (1/135-136).
(21) (11/113).
(22)(315) .
(23) كشف ما ألقاه إبليس (71).
(24) الفتاوى (1/159-160).
(25) التوسل (26-27).
(26) المرجع السابق (52).
(27) المرجع السابق(141).
(28) المرجع السابق(201).
(29) المرجع السابق(284).
(30) المرجع السابق(306).
(31) الرد على البكري (225-226).
(32) المرجع السابق (239).
(33) المرجع السابق (404-405).
(34) الاقتضاء (2/224).
(35) المرجع السابق(2/224).
(36) المرجع السابق(2/304-305).
(37) يراجع الوجه السادس صفحة(4).
(38) الاقتضاء (2/330).
منقول
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
حكم سؤال المقبور الشفاعة (3)
( الفصل الثالث )
( الإجابة عما استدل به من قال بأن هذه الصورة بدعة فقط )
لم يذكر أحد ممن قال بأن سؤال الميت بحضرة قبره بدعة – على ما وقفت عليه – دليلاً يصح أن يعتمد عليه في إخراج هذه الصورة من الشرك الأكبر ، بل أكثرهم يذكرون المسألة من دون تدليل عليها ، والظاهر من حالهم – والله أعلم – أنهم اعتمدوا على ما فهموه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وقد سبق بيان حقيقة قوله ، إضافة إلى ذكر بعضهم لشيئ من الأدلة عنده وهي كالتالي :
( الدليل الأول )
( طلب الدعاء من الآخرين ليس خاصاً بالله ، فلذا يجوز طلبه من الحي ، ولو كان خاصاً بالله لما جاز طلبه من الحي لكونه خاصاً بالله ) هذا بنصه ما علل به أحدهم سبب الحكم على هذه الصورة بالبدعة فقط ، وجوابه من وجوه :
الأول : أن هذا كلام مضطرب أراد كاتبه إيصال معنىً إلى القارئ ولكنه أخطأ في عبارته ، لأن ظاهره أنه يجوز أن يسأل العبد ربه بأن يطلب من فلان أن يدعو الله له ، وهذا الظاهر الباطل لم يرده الكاتب ، ولكنه عبر بعبارة غير مستقيمة .
الثاني : أن طلب الدعاء من الحي هو من جنس الأسباب الحسية المعلومة التي أقدره الله عليها ، بخلاف الطلب من الميت ، فإن هذه الأسباب قد انقطعت عنه ، فطلبه في هذه الحال طلب من شخص غير قادر على الإجابة ، وهذا من الشرك .
الثالث : أن طلب الدعاء ممن يقدر عليه ، وهو الحي الحاضر القادر مرتبة ، وسؤال الميت وطلبه مرتبة أخرى ، وفرق بين الأمرين .
( الدليل الثاني )
قال بعضهم في أثناء كلامه عن مراتب التوسل : ( أن يقول للميت والغائب : ادع الله لي ، أو اسأل الله لي ، أو اشفع لي في كذا ، فهذا لا خلاف بين السلف أنه غير جائز ، وأنه من البدع التي لم يقل به أحد من علماء الأمة ، وهو من ذرائع الشرك ، فهو من الشرك الأصغر ، والفرق بينه وبين الذي قبله واضح ، إذ الأول : دعاء غير الله ، والثاني : مخاطبة الميت بما لا يرد في الكتاب والسنة ، ولكنه لم يدعه ، ولم يسأله قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، فلم يصرف له العبادة ، ولكنه ذريعة للغلو ، وبدعة ضلالة كما ذكرنا ) .
قال مقيده : والجواب على ما قاله الكاتب من وجوه :
الأول : كلام الكاتب عام في كل ميت ، فلم يقيده بسؤاله بحضرة القبر أو بغير حضرة القبر ، ولا قائل بذلك من أهل السنة والتوحيد ، فإنهم متفقون على أن سؤال الميت بغير حضرة قبره من الشرك الأكبر ، حتى الذين خالفوا في الصورة التي هي محل البحث ، لم ينازعوا في سؤال الميت بغير حضرة قبره أنه شرك مخرج من الملة ، معللين ذلك بأن فيه ادعاء علم الغيب للميت وهذا كفر بالإجماع .
الثاني : أدخل الكاتب في هذه الصورة سؤال الغائب ، وهذا شرك أكبر بالاتفاق .
الثالث : جعل الكاتب طلب الشفاعة من الميت من الشرك الأصغر ، وهذا مخالف للإجماع ، فإن طلب الشفاعة على هذا النحو من جنس ما كان يفعله المشركون الأولون .
الرابع : قوله عن هذه الصورة بأنها مخاطبة للميت بما لم يرد في الكتاب والسنة وأنه لم يدعه ، يقال له : هذه المخاطبة دعاء لغة وشرعاً كما سبق بيانه ، وهي وإن لم تكن دعاء على جهة الاستقلال ، ولكنها دعاء على جهة التوسط والسببية بمعنى أنها طلب للشفاعة ، وهذا ظاهر .
الخامس : النسبة للسلف بأن هذا الفعل شرك أصغر ، نسبة غير صحيحة وتَقولٌ عليهم ، ويحتاج مدعيها إلى ما يثبتها ، وأنى له ذلك ! .
( الدليل الثالث )
يصرح بعضهم : أن سؤال الميت من بعيد فيه ادعاء علم الغيب له وهذا كفر ، وبالتالي يفهم من كلامهم : أن سؤاله بحضرة القبر ليس فيه ذلك .
والجواب :
أولاً : أن سؤال الميت سواء كان من قريب أم من بعيد ، هو حقيقة الدعاء والشفاعة الشركية.
ثانياً : أن سؤال الميت من بعيد فيه أمر زائد على مجرد دعوى الغيب له ، وهي تعلق القلب والاعتقاد في هذا الميت بأنه يشفع عند الله لمن سأله ، وهو ما يشترك فيه سؤاله من بعيد مع سؤاله بحضرة القبر ، وهذا من الشرك الأكبر.
ثالثاً : من الممكن أن يعلل سؤال الميت بحضرة قبره أيضاً بأن فيه ادعاء علم الغيب للميت !! ، ولا مانع من ذلك ، نعم هذه الدعوى ظاهرة في سؤال البعيد ، ولكنها غير ممتنعة في سؤال القريب ، فلماذا لا يقال بها ؟ .
إيراد : قد يقول قائل : السبب في ذلك أن الميت يسمع ، وقد ثبت ذلك في بعض النصوص ، فبناءً عليه ، إذا سئل من قريب كان بدعة ، وإذا سئل من بعيد كان شركاً .
والجواب :
أن الأصل في الميت أنه لا يسمع لقوله تعالى : { وما أنت بمسمع من في القبور } ، وقوله سبحانه : { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } ، ويستثنى من ذلك ما ثبتت به السنة ، وسماع الميت إنما ورد في مواضع مخصوصة ، ولأشياء مخصوصة فيقتصر عليها ، وليس منها سؤال الميت الدعاء ، ولو فرض جدلاً أنه يسمع مطلقاً ، فإنه لا يستطيع إجابة من سأله لأنه قد انقطع عمله ، وهذا الحكم عام في القريب والبعيد ، وإلا للزم أن يخاطب بكل ما يخاطب به الحي لأنهما قد اشتركا في السماع .
( تنبيـــه )
جعل الشيخ محمد بشير السهسواني رحمه الله قول القائل : يا فلان اشف مريضي ومقصوده الإسناد المجازي ، بمعنى كن سبباً لشفاء مريضي أي ادع الله أن يشفيه ، جعله بالنسبة لسؤال الميت عند قبره من البدع وأنه ليس بشرك(1) ،
وما قاله الشيخ غفر الله له غير صحيح ، ولا يختلف المسلمون بأن السؤال بهذه الصورة شرك أكبر ، ودعوى الإسناد المجازي في مثل هذا القول دعوى باطلة ، ولا يجوز لتخريج الكلام الذي ظاهره شرك وكفر ، وهذا مجمع عليه ، ولم يحتج بالإسناد المجازي في مثل هذه الصورة إلا قلة من المتأخرين ممن عارضوا دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، تخريجاً لأقوالهم الشركية(2) .
( الفصل الرابع )
( أقوال العلماء في هذه المسألة )
(1) نقل الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من الاقتضاء (2/224) و (2/304-305) والذي سبق نقله (ص 11) ، في كتابه كشف ما ألقاه إبليس (213،131) مقراً له ، وفيه التنصيص على أن سؤال الميت بأن يدعو أو يفعل من الشرك الأكبر(3) .
(2) ونقل الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن رحمه الله عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله في كتاب الرد على البكري أثناء كلامه عن دعاء المقبورين(4) : ( وعقلاؤهم يقولون : مقصودنا أن يسأل الله لنا ، ويشفع لنا ، ويظنون أنهم إذا سألوه بعد موته أن يسأل الله لهم ، فإنه يسأل ويشفع كما كان يسأل ويشفع لما سأله الصحابة الاستسقاء وغيره ، وكما يشفع يوم القيامة إذا سئل الشفاعة ، ولا يعلمون أن سؤال الميت والغائب غير مشروع البتة ، ولم يفعله أحد من الصحابة ، بل عدلوا عن سؤاله وطلب الدعاء منه ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء والصالحين وغيرهم ، لا يطلب من أحدهم بعد موته من الأمور ما كان يطلب منه في حياته ) ؛
قال الشيخ عبداللطيف رحمه الله معلقاً : ( فانظر – رحمك الله – إلى ما ذكره هذا الإمام من أنواع الشرك الأكبر الذي وقع في زمانه ، ممن يدعي العلم والمعرفة وينتصب للفتيا والقضاء ، لكن لما نبههم الشيخ – رحمه الله تعالى – على ذلك ، وبين لهم أن هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله ، تنبه من تنبه منهم وتاب إلى الله ، وعرف أن ما كان عليه شرك وضلال ، وانقاد للحق ) .
وقال رحمه الله(5) : ( وسؤال العباد والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك جلي ، ولو قال : يا ولي الله اشفع لي فإن نفس السؤال محرم ، وطلب الشفاعة منهم يشبه قول النصارى : يا والدة الله اشفعي لنا إلى الابن والإله ، وقد أجمع المسلمون على أن هذا شرك ، وإذا سألهم معتقداً تأثيرهم من دون الله فهو أكبر وأطم ).
(3) ويقول الشيخ عبدالله أبا بطين رحمه الله(6) : ( والحاصل أن من سوى بين الحي والميت في استقضاء الحوائج فقد ضل في عقله ودينه ، ونصوص القرآن كثيرة في إبطال هذا القول . والله سبحانه جعل أهل الدنيا فيها وخولهم ما ملكهم فيها ، ولا يتم أمرهم إلا بمعاونة بعضهم بعضاً ولم يحجر عليهم سبحانه التعاون والتناصر فيما لا يسخطه ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
يوضح ذلك أن دعاء الإنسان للمسلمين واستغفاره لهم وقضاء حوائجهم وعاونتهم عليها من الأعمال الصالحة المرغب فيها ، فلو كان هذا يحصل من الميت لم يكن عمله قد انقطع ، وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له ) ؛ فدل على أن هذه الأشياء التي يطلبها المشركون من الأموات من قضاء حوائجهم أو الدعاء لهم ونحو ذلك ، التي هي أعمال صالحة من الحي قد استحال وجودها من الميت ، فطلبها منه طلب مستحيلٌ لعجزه حساً ، فلا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ، فهو داخل تحت قوله : { ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون } ) .
(4) ويقول الشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله(7) : ( وكذلك طلب الشفاعة وغيرها من نبي أو غيره بعد موته ، كأن يقول : يا رسول اشفع لي ، أو يا ولي الله أغثني ، أو أدركني ، أو أنا في حسبك ، أو يطلب منه نفعاً ، أو دفع ضر ، أو يلجأ إليه في مهماته ، هو أصل شرك المشركين ).
وقال غفر الله له في القسم الثاني من أقسام الشرك(8) : ( شرك في الإلهية ، بأن يدعو غيره ، دعاء عبادة ، أو دعاء مسألة ، وفيه قوله : { إياك نعبد وإياك نستعين } والدعاء المتضمن شركاً ، كدعاء غيره أن يفعل ، أو دعائه أن يدعو ، ونحو ذلك ) .
( إيرادات علمية )
يرد على من قال بأن سؤال الميت بأن يدعو الله أو يسأل الله بدعة لا يصل إلى الشرك الأكبر بعض الإيرادات ، هي في الحقيقة مما يبين ضعف هذا القول ، وهي كالتالي :
أولاً : ما هو الدليل على إخراج هذه الصورة من الشرك الأكبر ؟
ثانياً :ما الفرق بين سؤال المقبور بحضرة القبر ، وبين سؤاله وهو بعيد عن القبر، وما دليل التفريق؟
ثالثاً : ما الفرق بين سؤال الحي وهو غائب ، وبين سؤال الميت بحضرة القبر ؟
رابعاً : ما هو ضابط القرب من القبر والذي يجعل السائل مبتدعاً فقط ، وبين البعد عن القبر الذي يجعل السائل مشركاً ؟
( وحينئذٍ فيقال : هذه الدعوى – وهي الطلب من الأموات ما يطلب منهم في الحياة – دعوى كبيرة غليظة ، ليست كغيرها من الدعاوى ، فيحتاج مدعيها إلى ما يثبتها من الأدلة الشرعية ، والقوانين المرضية ، والسيرة السلفية ، وأما المقاييس الفاسدة فلا تفيد هنا ، وقد قال بعض السلف : ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس )(9).
قال مقيده : هذا ما فتح الله به في هذه المسألة ، وهو آخر البحث ، والله أعلم .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه : سالم بن سعيد المقبالي
(1) صيانة الإنسان (238).
(2) يراجع هذه مفاهيمنا للشيخ صالح آل الشيخ (122-135) ، والرد على البردة للشيخ عبدالله أبا بطين (19).
(3) من اللطائف و الغرائب أن هذا النقل الذي نقله الشيخ عبدالرحمن قد اعتمده أحد القائلين بأن سؤال الميت بحضرة قبره بدعة فقط ، ناسباً ذلك إلى شيخ الإسلام أيضاً ، في إثبات أن الشيخ عبدالرحمن ممن يذهب إلى أن هذه الصورة شرك أكبر ، مع أن الكلام في الحقيقة كلام شيخ الإسلام .!!
(4) عيون الرسائل والأجوبة على المسائل (2/710).
(5) البراهين الإسلامية في رد الشبه الفارسية (116).
(6) تأسيس التقديس (89).
(7) السيف المسلول على عابد الرسول (50).
(8) المرجع السابق (63).
(9) مصباح الظلام (392).
منقول
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
قال العلامة الألباني : قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».
أقول: ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه؛ إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك فبالأولى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى.
ثم إن الحديث مطلق يشمل حتى من سلم عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره، ولا دليل يصرح بالتفريق بينه وبين من صلى عليه بعيدا عنه، والحديث المروي في ذلك موضوع كما سيأتي بيانه في التعليق (ص 80).
وهذا الاستدلال لم أره لأحد قبلي فإذا كان صواباً - كما أرجو - فهو فضل من الله ونعمة وإن كان خطأ فهو من نفسي، والله تعالى أسأل أن يغفره لي وسائر ذنوبي.
"تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات"(ص37-63).
-
رد: التحقيق في معتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سؤال الأموات سؤال الله تعالى.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الاثر
قال العلامة الألباني : قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».
أقول: ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع سلام المسلمين عليه؛ إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان بحاجة إلى من يبلغه إليه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى، وإذا كان الأمر كذلك فبالأولى أنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى.
ثم إن الحديث مطلق يشمل حتى من سلم عليه صلى الله عليه وسلم عند قبره، ولا دليل يصرح بالتفريق بينه وبين من صلى عليه بعيدا عنه، والحديث المروي في ذلك موضوع كما سيأتي بيانه في التعليق (ص 80).
وهذا الاستدلال لم أره لأحد قبلي فإذا كان صواباً - كما أرجو - فهو فضل من الله ونعمة وإن كان خطأ فهو من نفسي، والله تعالى أسأل أن يغفره لي وسائر ذنوبي.
"تحقيق الآيات البينات في عدم سماع الأموات"(ص37-63).
هذا الكلام فيه نظر.
ولولا طلب الإخوة إرجاء هذا الموضوع، لنقلنا كلام أئمة الإسلام -رحمهم الله- الذي هو خلاف ما ذهب إليه الشيخ الألباني -رحمه الله-. والتباحث حاليًا بمسألة هل طلب الحي من الميت دعاء الله له شرك أكبر أم أصغر؟
والذي يميل إليه القلب، وينشرح له الصدر أن هذه الصورة من الشرك الأكبر.