رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
سوف أتجاوز التعليق على التفاصيل وأعود لأصل الموضوع. مرة أخرى وقعت في الخطأ الذي وقع فيه الأخ طارق. الأمر بالمخالفة ليس هو العلة ، الأمر بالمخالفة هو ناتج العلة والعلة هي وقوع المشابهة ، وفي مسألتنا تحديداً الأمر بالمخالفة، أي الأمر بالإعفاء - سواء حملناه على الاستحباب كما هو اختيار كثير من العلماء أو الوجوب - عُلّق بعلة تامة في الأظهر - كما صرح بذلك شيخ الإسلام - ورد بها النص ، ولم يعلّق بمثلة كما يدعيه البعض ولا غير ذلك من التكلفات البعيدة. ما حكم حلق اللحية قبل ورود الشرع؟ حلق اللحية عادة مثلها مثل إعفاء اللحية والتحمير والتصفير ولبس السراويل ، والأشياء قبل ورود الشرع ، لا سيما مالا ضرر فيه أو ضرره خفيف كما قال الأصوليون، على الإباحة ، لا الحظر خلافاً لمن يقول بذلك على الصواب. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى في الحلق موافقة للمشركين ، وإن كان الغالب على العرب أنهم لا يحلقون، أمر بالإعفاء لكي لا يأت آت من بعد أمره فيحلق استصحاباً للأصل في هذه العادة ، ولذلك لو أرد أن يبين الرسول لأمته أن الحلق لذاته حرام أو الإعفاء لذاته واجب بصرف النظر عن المشابهة مطلقاً لبيّن ذلك دون ترتيب للحكم على ذكر وصف مناسب ، أو لكان ذكر الوصف المناسب في الحديث لغواً ، ولكننا ننزه - وأنت احرص مني على ذلك إن شاء الله - الشارع عن ذلك. خذ مثالاً مماثلاً - والشرع لا يفرق بين المتماثلات - وهو إخبار الصحابة للرسول بأن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم [1] ، وقص العثانين وتوفير السبال قبل ورود الشرع على الإباحة لا إشكال في هذه العادات في ذاتها، فأمرهم بالمخالفة بإعفاء العثانين وقص السبال ، أيضاً لعلة المشابهة.، فمتى انتفت المشابهة، فحلق اللحية في غاية أحواله مكروه إن كان المناظر يصرُّ ألا أخرج عن سلف لي في هذا الموضوع ، وإن كان لا يصر فعودة الحلق إلى الإباحة الأصلية (أي حكمها قبل ورود الشرع) لا إشكال فيه من جهة النظر.
= = = = = = = = = = = = = = = =
[1] ومن المهم جداً ملاحظة أن الصحابة هم المبادرون وليس الرسول (ص) هو من بادأهم بالحكم والأمر بالمخالفة ، فلم رأى إدراكهم لمقصد المخالفة أمرهم بتحقيق المقصد الذي لا حظوه، مما يؤكد أن المشابهة هي العلة الحاسمة في الموضوع، ومعها يدور الحكم، فيثبت الوجوب أو الاستحباب إن وجدت وينعدما إن انتفت فيعود الحكم في هذه العادات إلى حالها قبل ورود الشرع.
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
بارك الله فيك.. قول القائل إن الأمر بالمخالفة في هذا الحديث ليس تعليلا، لا يلزم منه ما تفضلت به من جعلها زيادة لا فائدة فيها! فإسقاط التعليل هنا غايته أن يكون الحديث مشتملا على جملة من الأوامر المستقلة التي لا تربطها علاقة العلية، وهذا لا إشكال فيه - ما دام له مستنده - حتى وإن كان مقتضاه مخالفة قاعدة من قواعد التعليل!
اقتباس:
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى في الحلق موافقة للمشركين ، وإن كان الغالب على العرب أنهم لا يحلقون، أمر بالإعفاء لكي لا يأت آت من بعد أمره فيحلق استصحاباً للأصل في هذه العادة
هذا لا أسلم لك به لأن أمر اللحية فيه أدلة أخرى ووجوه أخرى للمنع من حلقها قد تقدم الكلام فيها، وهي مما يمنع من طرد تلك العلة ههنا.
اقتباس:
ولذلك لو أرد أن يبين الرسول لأمته أن الحلق لذاته حرام أو الإعفاء لذاته واجب بصرف النظر عن المشابهة مطلقاً لبيّن ذلك دون ترتيب للحكم على ذكر وصف مناسب
هذا استدلال بمحل النزاع، بارك الله فيك.
اقتباس:
أو لكان ذكر الوصف المناسب في الحديث لغواً
كسابقه، وقد بينت أنه لا يكون كذلك عند من لا يراه ذكرا للوصف المناسب في هذا الحديث.
اقتباس:
والشرع لا يفرق بين المتماثلات
وهو كذلك لا يساوي بين المفترقات. وحلق اللحية يرد عليه ما لا يرد على هذا المثال الذي تفضلت بذكره، بارك الله فيك.
اقتباس:
فمتى انتفت المشابهة، فحلق اللحية في غاية أحواله مكروه إن كان المناظر يصرُّ ألا أخرج عن سلف لي في هذا الموضوع
نعم المناظر يصر على هذا، بارك الله فيك. فإن الذي ندين الله به أن الحق لا يخرج عن مجموع أقوال السلف، رحمهم الله ورضي عنهم. ولا أعلم أحدا من أهل العلم من المتقدمين أو المتأخرين - على قدم هذه المسألة في تاريخ الأمة وتتابع الأعصار عليها - قال بأن الحلق والإعفاء يمكن أن يصير حالهما إلى الإباحة الأصلية التي كانت قبل ورود الشرع!
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
بارك الله فيكم على الفوائد الطيبة.
في وقت من الأوقات، كثرت التفجيرات ضد الأجانب في المملكة، فما كان من الأجانب إلا التخفي عند خروجهم.
ومن ذلك، لبس الرجل الأوروبي -على سبيل المثال- ثوب وغترة وعقال، وكذلك إعفاء اللحية.
واستحسن كثير من الأجانب هذا الصنيع.
فما الذي يجب على المسلم في هذا الحال؟
هل نطالبه بتغيير ملبسه وحلق لحيته -مثلا- لتحقيق المخالفة؟
أم أن المقصد الشرعي قد تحقق بالصغار الذي لحق بالكفار؟
المخالفة لها علة، وليست غاية في نفسها.. ولنفس العلة تشبه الكفار بالمسلمين كما في المثال.
فالمخالفة تمييز المسلم عن غيره، وبالتالي الأحكام المترتبة على ذلك. والمخالفة ليست في اللحية وحدها، بل في أمور عديدة.. تتحقق بجميعها -أو ببعضها- تمييز المسلم عن غيره بما يمكن تمييزه به.. وبعضها منصوص عليه والبعض الآخر غير منصوص عليه.. وإنما المطلب الشرعي في المخالفة وحسب.
وليس هناك نص في مسألة الشعر -مثلا-، فيمكن هذا ويمكن غيره.. حسب الحال. فأي حال يمكن به تحقيق المخالفة.
بعكس اللحية فإنها صفة أتت في السمت اللازم بموجب نصوص شرعية صريحة اللفظ والدلالة.
فإن أتت بالمخالفة.. كان ونعم.
وإن أتت بالصغار.. فقد تحقق مقصد أعلى.
وقريب من هذا..
مشابهة الأمة بالحرة في الحجاب -مثلا-، فلا يمكن القول بأن الحرة تخلع حجابها حتى لا تتشبه بالأمة.
وإن انتهت العلة، ولا يوجد إماء في عصرنا، لا يفيد ترك الأمر الشرعي، بل يجب على الحرة الالتزام بالأمر الشرعي المنصوص عليه.
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
الاضطراب دليل على فساد الأقوال ...
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري
الأمر بالمخالفة ليس هو العلة ، الأمر بالمخالفة هو ناتج العلة والعلة هي وقوع المشابهة
وقد كان منه قبل ذلك سلمه الله من الاضطراب :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري
نقل عبد الله الشهري عن شيخ الإسلام قوله محتجًا به : فعقب الأمر بالوصف المشتق المناسب ، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع ، وهو العلة في هذا الحكم .
قال عبد الله الشهري : العلة منصوص عليها ، لا غبار عليها ، فكيف نعدل عن المنصوص عليه
فالعلة منصوص عليها يا عبد الله أم هي مستنبطة من المنصوص ؟
فإن قلت : منصوص عليها !
قلت لك : هذا غير صحيح, وليس في النص إلا الأمر بالمخالفة, سواء في حديث أبي أمامة والذي فيه قصة المشيخة من الأنصار رضي الله عنهم جميعًا والأمر بمخالفة أهل الكتاب, أو في أحاديث الصحيحين والتي فيها الأمر بمخالفة المشركين من المجوس .
ولا يسعفك وقوع المشابهة بترك الخضاب, لتعممه على بأقي الأفعال المأمور بها, فالنص بوقوع المشابهة جاء في ترك الخضاب فقط, فأين الدليل المنصوص - وتنبه لقيد المنصوص - على أن علة الأمر بالإعفاء أو الأمر بترك قص اللحى المعفية هي وقوع المشابهة ؟
أو هذا تعليل عقلي ؟!
وكيف يا أخي تترك الأوصاف الظاهرة المنضبطة, وأهل الأصول مجمعون على أن مناط الحكم ( العلة ) يجب أن يكون وصفًا ظاهرًا منضبطًا, ثم تجنح لعلة عقلية في ذهنك, لا ظاهرة ولا تنضبط فضلًا عن أن تكون منصوصًا عليها ؟
والأعجب من صنيع عبد الله الشهري, مناقشة الإخوة له مع التسليم بما يقول من عجائب وغرائب أصولية وفقهية !
فالأخ عبد الله تجاهل تمامًا دلالة الحديث الذي فيه ذكر مخالفة المجوس, وحمله على حديث أبي أمامة رضي الله عنه والذي فيه ذكر مخالفة أهل الكتاب, وذلك لتقرير أمرين في ظني:
الأول : توجيه الحكم إلى الاستحباب مطلقًا, وقد نص على ذلك للأسف وقال :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري
على الاستحباب كما هو اختيار كثير من العلماء
نعم كثير من العلماء من معتزلة وأشعرية وعقلانية عصرية, وهم ممن يقرر أن الأصل في الأوامر المطلقة الاستحباب, أو غير ذلك من أصول باطلة, وأما الحق فخلافه وهو ما قرره المحققين من أهل العلم, فخلاف من ذاك أصله لا يعتد به, إلا على المنهج المحدث لتمييع مسائل الدين بدعوى التيسير أو مطلق وجود الخلاف.
الأمر الثاني : تقرير أن العلة مجرد وقوع المشابهة .
وقد سبق بيان تناقضه, وقبل ذلك بينت خطأ تصوره لمفهوم العلة في إطلاق أهل العلم, فذهب هداه الله يحتج بكلام لم يعرف مقصود صاحبه, وخلط بين الوصف الظاهر المنضبط والذي هو مناط الحكم في الأصل والحكم يدور معه, وبين الوصف المشتق المناسب كقوله (ص) ( خالفوا المجوس ) فعُلم بمسلك الإيماء والتنبيه أن مخالفة المجوس علة بمعنى الحكمة من إيجاب الإعفاء, وهي إما جزء علة أي أحد المصالح وهناك غيرها من المصالح أو أنها علة تامة بمعنى المصلحة الوحيدة من هذا الفعل الواجب المعين وهذا معنى قول شيخ الإسلام : (( وهو العلة في هذا الحكم أو علة أخرى أو بعض علة وإن كان الأظهر عند الإطلاق أنه علة تامة )) وأخونا عبد الله يكرر على مسامعنا بأن العلة منصوصة, وينقل عن شيخ الإسلام أن الأمر علق بالوصف المشتق المناسب , وإنما هو نوع من أنواع مسلك الإيماء والتنبيه والتي هي طريقة من طرق معرفة العلة بمعناها العام عند الأصوليين, وعبد الله يردد علينا أن العلة منصوصة, العلة منصوصة وينسب فهمه لشيخ الإسلام الذي استخرجها بمسلك الإيماء لا بالنص كما زعم عبد الله وفقه الله !
أخيرًا : لا تتجاهل يا عبد الله أن الأحاديث في الباب دلت على منع الحلق وهذا مقتضى دلالة حديث مخالفة المجوس, وحديث مشيخة الإنصار دل على منع القص أي التقصير بالمنطوق الصريح, فإن كان ذلك كذلك, فهذا يقضي على دعوى الاستحباب, لأن التنبيه إلى استحباب الحلق كما تزعم يغني عن السؤال عن التقصير يا رعاك الله, والله المستعان .
وفي ظني أن الإخوة الأفاضل الذي يطلبون النص على تحريم حلق اللحى, كمن يطلب نصًا عن الأئمة على تحريم الزنا !!!
فكيف يُطلب التنصيص على المنصوص ؟
والائمة تعرضوا للأخذ ولم يتعرضوا للحلق .
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
اقتباس:
بارك الله فيك.. قول القائل إن الأمر بالمخالفة في هذا الحديث ليس تعليلا، لا يلزم منه ما تفضلت به من جعلها زيادة لا فائدة فيها! فإسقاط التعليل هنا غايته أن يكون الحديث مشتملا على جملة من الأوامر المستقلة التي لا تربطها علاقة العلية، وهذا لا إشكال فيه - ما دام له مستنده - حتى وإن كان مقتضاه مخالفة قاعدة من قواعد التعليل!
اتفق معك ، المخالفة مقصد شرعي - وبالتالي فيها فائدة - وليست علة، فالعلة ما يقع من المشابهة، والمقصد تحقيق المخالفة و هذا التعبير أدق.
اقتباس:
هذا لا أسلم لك به لأن أمر اللحية فيه أدلة أخرى ووجوه أخرى للمنع من حلقها قد تقدم الكلام فيها، وهي مما يمنع من طرد تلك العلة ههنا.
عدم التسليم أمر راجع للنظر فالخصم لا يسلّم أيضاً، وأما استفادة المنع من الحلق من أدلة أخرى فهو أيضاً لا أسلم به لأنها لا تنهض للدلالة على ذلك إلا بتكلف، وأثر العلة لا يضعف بمثل هذه الوجوه الضعيفه.
اقتباس:
هذا استدلال بمحل النزاع، بارك الله فيك.
اقتباس:
كسابقه، وقد بينت أنه لا يكون كذلك عند من لا يراه ذكرا للوصف المناسب في هذا الحديث.
هذا مما يبين أن دعوى التحريم المطلق للأخذ من اللحية أو حلقها، مع دعوى نقل الإجماع على ذلك، مما لا يساعده النظر.
اقتباس:
نعم المناظر يصر على هذا، بارك الله فيك. فإن الذي ندين الله به أن الحق لا يخرج عن مجموع أقوال السلف، رحمهم الله ورضي عنهم. ولا أعلم أحدا من أهل العلم من المتقدمين أو المتأخرين - على قدم هذه المسألة في تاريخ الأمة وتتابع الأعصار عليها - قال بأن الحلق والإعفاء يمكن أن يصير حالهما إلى الإباحة الأصلية التي كانت قبل ورود الشرع!
نعم ، إن كان لم يكن لي سلف في القول الفقهي فإن لي سلف في المنهج الأصولي الذي بنيت عليه ، وهو مسألة ما إذا اختلف المتقدمون في مسألة على قولين ، فهل يجوز إحداث قول ثالث بعدهم ؟ فيه خلاف ، منعه البعض وأميل إلى جواز ذلك واختار الجواز وفاقاً للبعض العلماء لانتفاء المحاذير المتوهمة التي اعترض بها بعض المعترضين. قولي الفقهي هو ثمرة هذا الأصل الذي بنيت ، ولا شك أن من يتبنى الجواز في هذه المسألة الأصولية قلة ، والأكثر على المنع، ولذلك لا تعجب إذا خُرّجت على هذا الأصل أقوال فقهية نادرة أو لم يقل بها أحد من المتقدمين.
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
جزاك الله خيرا أخي أبا طارق ، فقد أفدت وأجدت.
نعم اتفق معك أني تسامحت كثيراً في عبارتي ، ولم اتناقض في الحقيقة وإنما تسامحت لوضوح أمر العلة عندي مما حملني على الإسراف في التعبير ، والدليل على ماذكرت أني صرّحت في مشاركات سابقة على أن العلة مستفادة من منطوق الحديث بطريق الإيماء أو ترتيب الحكم على المعنى المناسب ، ولكون هذه الطرق من أكثر الطرق المعتبرة في تحديد العلة في الشريعة بعد درجة العلة المنصوص عليها، عبرت بالتنصيص وهو غلط. فلا إشكال ، أنا أعود إلى تعبيري الأول المنسجم مع باقي كلامي.
وأما استشهادي بكلام شيخ الإسلام فهو لبيان أن العلة موجودة وتامة ، أو معتبرة على أقل تقدير وأن الأمر بالمخالفة علق عليها، لا أن نفس المخالفة هي العلة ، فإن المخالفة مقصد شرعي كما نص عليه شيخ الإسلام نفسه ، قال:"...وذلك دليل على أن مخالفة المجوس أمر مقصود للشارع". مثاله مثال الخمر العلة فيها الإسكار والأمر باجتنابها أمر مقصود للشارع لا أن نفس الأمر باجتنابها هو العلة. فأنا لا أسلم لك ولا لشيخ الإسلام - إن قبلتُ توجيهك لكلامه أو كان هذا هو فعلاً مقصده - أن المخالفة هي العلة ، لأن المخالفة ثمرة عبّرنا عنها بالمقصد، وأما العلة - وهي ما يقع من المشابهة - فهو المعنى الذي من أجله وجب الإعفاء على قول من يوجب ، والعبرة بالمعنى لا بالمبنى ، وهذا المعنى الذي رُتب عليه الحكم معنى تظاهرت في الدلالة عليه عدة نصوص كما بينتُ سلفاً ، يشهد لهذا كلام شيخ الإسلام أنه :"لما فهم السلف كراهة التشبه بالمجوس ، في هذا وغيره ، كرهوا أشياء غير منصوصة بعينها عن النبي (ص) من هدى المجوس". فكما ترى هذا دليل أنهم فهموا أن العلة هي التشبه فطردوها في أشياء أخر ، ولولا قوة مأخذ التشبه كعلة لما لاحظه السلف فضلاً عن أن يطردوه.
أما قولك:
اقتباس:
مخالفة أهل الكتاب, وذلك لتقرير أمرين في ظني:
الأول : توجيه الحكم إلى الاستحباب مطلقًا, وقد نص على ذلك للأسف وقال :
اقتباس:
اقتباس: المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله الشهري
http://majles.alukah.net/majimgs/buttons/viewpost.gif
على الاستحباب كما هو اختيار كثير من العلماء
نعم كثير من العلماء من معتزلة وأشعرية وعقلانية عصرية, وهم ممن يقرر أن الأصل في الأوامر المطلقة الاستحباب, أو غير ذلك من أصول باطلة, وأما الحق فخلافه وهو ما قرره المحققين من أهل العلم, فخلاف من ذاك أصله لا يعتد به, إلا على المنهج المحدث لتمييع مسائل الدين بدعوى التيسير أو مطلق وجود الخلاف.
فقد أحسنت بتحرزك وقولك :"في ظني". لأن هذا ليس قصدي ، معاذ الله. قصدي أن الإعفاء وعدم الأخذ مستحب عند البعض ، بل البعض استحب الأخذ منها. وسوف يتشعب الكلام إن أردت أن أدفع عن نفسي هنا بالنقولات [1]، ولكن سوف ندع عبدالله جانباً، ونركز على أصل الموضوع. وكما لاحظت أخي طارق، فقد تقدمنا كثيراً في تحرير وتوضيح بعض الأمور سواء عندي أو عندك ، فعندي صححت لي دعوى التنصيص الأخيرة - وإن كانت طريقتي المحكمة طوال نقاشاتي الماضي بخلاف ذلك - وأنا صححت لك دعوى عدم التعليل بالحكمة مطلقاً...إلى غير ذلك مما عندي وعندك. وهذه من فوائد النقاش.
= = = = = = = = = =
[1] وكون بعضهم أو أكثرهم عندهم لوثة اعتزال أو تمشعر ، هذا أمر آخر، واعتبر - فقط للتقريب - بتفصيل نقاد الحديث في المبتدعة وعدم رد مالديهم مطلقاً ، وأما أني أذهب شخصياً إلى أن الأصل في الأمر الاستحباب فهذا غير صحيح.
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
اقتباس:
فعندي صححت لي دعوى التنصيص الأخيرة - وإن كانت طريقتي المحكمة طوال نقاشاتي الماضي بخلاف ذلك - وأنا صححت لك دعوى عدم التعليل بالحكمة مطلقاً
سبحان الله.. مع أني نبهتك إلى هذا قبل خمسين مشاركة تقريبا، ومع ذلك أجدني قد سلمت لك بأنها منصوص عليها تنزلا في مشاركاتي الأخيرة وهما مني.
اقتباس:
فيه خلاف ، منعه البعض وأميل إلى جواز ذلك واختار الجواز وفاقاً للبعض العلماء لانتفاء المحاذير المتوهمة التي اعترض بها بعض المعترضين
لا يحسن بك التهوين من أمر ذلك القول، بارك الله فيك. فأنت تدري أن الجمهور على خلافك، وليس (بعض المعترضين) كما تقول. ثم إن هذا القول الذي تستحدثه في المسألة يرفع القولين جميعا (الوجوب المطلق والاستحباب المطلق = على التسليم بهذا الخلاف)، حيث إنك تذهب إلى أن من أحوال الحكم أن يؤول إلى الإباحة، وهذا لا قائل به، مع وجود مقتضاه الذي تقول بوجوده الآن (انتفاء العلة)، في سائر الأزمان والأمصار، ومع توافر الدواعي على نقله إن وجد! فحتى وإن لم يكن مذهبك ترك ما لا سلف له من الأقوال، فأقل أحوال ذلك أن يحملك على التروي ومزيد من البحث وتقليب النظر في تعليل قد علمتَ أنه لم يذهب إليه أحد قبلك مع أن مثله في غير هذه المسألة مما لا يخفى على فقيه!
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
اقتباس:
سبحان الله.. مع أني نبهتك إلى هذا قبل خمسين مشاركة تقريبا، ومع ذلك أجدني قد سلمت لك بأنها منصوص عليها تنزلا في مشاركاتي الأخيرة وهما مني.
نعم. قد وقع التوسع مني في التعبير، ولكن الثابت عني في كل المواضع الأخر قد وقع حسب الاصطلاح الصحيح، ولا يجتمع بالمناسبة التنزل والوهم لأن التنزل إيمان بخطأ الخصم ، فلا مكان للوهم ، ولكن الصحيح أنك كنت تفهم قصدي - لكثرة مناقشتك لي من أول مرة طرح فيها الموضوع بخلاف الأخ أبي طارق - فعرفت قصدي ، أو كما يعبر البعض اقتباساً: ألحقت متشابه كلامي بمحكمه ، فمثلاً قد قلت سابقاً:"العلة واضحة ظاهرة بطريق المنطوق ، لا يجوز العدول عن العلة الظاهرة والأقوى إلى علل متوهمة أو محتملة" ، وجريت على هذا حتى شاب كلامي توسع فاحش في التعبير عن قوة حضور العلة.
اقتباس:
لا يحسن بك التهوين من أمر ذلك القول، بارك الله فيك. فأنت تدري أن الجمهور على خلافك، وليس (بعض المعترضين) كما تقول
قصدت ببعض المعترضين أن الاعتراضات محدودة ، ابتكرها قلّةٌ ثم مضى عليها الكثرة الكاثرة ممن جاء بعدهم ، فالمعترضون قلة ، والناقلون لنفس الحجج المقررون لها من أصحاب المذاهب أكثر من أن يحصوا، وهم من يطلق عليهم الجمهور ، ولا يخفى عليك أن أكثر الجمهور إما مقلّدة في المذهب أو مجتهدون في داخل المذهب ، وغالباً ما يعيدون انتاج أقوال أصحابهم المتقدمين ، وهكذا. وحسبي هنا أن لي سلف من منهج الاستدلال.
اقتباس:
فحتى وإن لم يكن مذهبك ترك ما لا سلف له من الأقوال، فأقل أحوال ذلك أن يحملك على التروي ومزيد من البحث وتقليب النظر في تعليل قد علمتَ أنه لم يذهب إليه أحد قبلك مع أن مثله في غير هذه المسألة مما لا يخفى على فقيه!
في الحقيقة حتى في منهج التعليل والاستدلال للمستدِل مساحة أوسع من الاجتهاد ربما أكثر بكثير مما يظنه البعض. فزيادة على مسألة إحداث قول الثالث ، فإن للمستدل أن يحدث دليلاً أو تأويلاً أو علة جديدة مالم يخرق ذلك إجماعاً ثابتاً ، نص عليه صاحب "جمع الجوامع" بتصرف يسير جداً. قال شارح الجمع:"...(أنه يجوز إحداث دليل) لحكم أي إظهاره، (أو تأويل) لدليل ليوافق غيره، (أو علة) لحكم غير ما ذكروه من الدليل، والتأويل، والعلة لجواز تعدد المذكورات".
[انظر: البدر الطالع في حل جمع الجوامع ، ص 159 ، تحقيق/ أبي الفداء الداغستاني].
فطريقتي مركبة من أمرين: أني ابني على جواز إحداث قول ثالث ، وهو اختيار جماعة ومن المعاصرين الدكتور عياض السلمي ، ولا أدري عن غيره. والثاني: أني ابني على جواز إحداث تأويل جديد -مالم يخرق إجماعاً ، وإن خالف قول الجمهور - سواء كان ذلك تأويلاً لدلالة العلة أو النص بشكل عام ، ولكن بالطبع على وجه تحتمله النصوص ولغة العرب وتشهد له النظائر والقرائن ، ولذلك قول الشارح رحمه الله:"...(أو تأويل) لدليل ليوافق غيره" ، أجده تعبير مباشر عن تصرفي مع النص ، وهو أني أريد أن تلتئم المسائل التي مخرجها في الأدلة واحد [1] وهذا مطلب مشروع ، وذلك بتأويل محدث، وسائغ ، يأذن به العقل ، وتأذن به المقاصد الكلية والنظائر الفرعية والشرعية ولغة العرب. وأتفق معك أن من يبني على أصلين كهذين فإنه قد يقول بما لا اعتاده أغلب طلبة العلم وعرفوه.
= = = = = = = = = = = = = = =
[1] مثال: وردت أدلة في الأمر بالمخالفة في أشياء غير اللحية وفي بعضها التأكيد بالوعيد، كقوله :"من لم يأخذ من شاربه فليس منا" ، والأمثلة كثيرة، ومع ذلك ترى تفاوتاً عجيباً في الأحكام ، وتفريقاً محيراً بين المتماثلات. والتأويل المحدث الذي أقول به إنما هو تأويل الأدلة لتوافق غيرها، تماماً كما قال الشارح.
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
اقتباس:
ولا يجتمع بالمناسبة التنزل والوهم لأن التنزل إيمان بخطأ الخصم ، فلا مكان للوهم
صحيح، بارك الله فيك.. وأقصد بالوهم ما وقع في عبارتي هذه:
اقتباس:
طردا لقاعدة العلة المنصوصة التي أوافقك عليها من حيث الأصل
ووجه الوهم أني في الحقيقة بنيت إلزامي لك وتنزلي معك على افتراض كون العلة أدنى في العلية من المنصوصة (على حقيقة ما تقول به لا على ما يوحي به لفظك)، فقد وهمت عن هذا حال كتابة هذه العبارة.
وعلى أي حال (حصل خير) .. ابتسامة.
اقتباس:
قصدت ببعض المعترضين أن الاعتراضات محدودة ، ابتكرها قلّةٌ ثم مضى عليها الكثرة الكاثرة ممن جاء بعدهم ، فالمعترضون قلة ، والناقلون لنفس الحجج المقررون لها من أصحاب المذاهب أكثر من أن يحصوا، وهم من يطلق عليهم الجمهور ، ولا يخفى عليك أن أكثر الجمهور إما مقلّدة في المذهب أو مجتهدون في داخل المذهب ، وغالباً ما يعيدون انتاج أقوال أصحابهم المتقدمين ، وهكذا. وحسبي هنا أن لي سلف من منهج الاستدلال.
هذا لا أوافقك عليه، وأخشى أن لو فتحنا باب النقاش فيه لضاع الموضوع الأصلي بين أيدينا..
وعلى أي حال فقد تحقق المقصود من هذه النقطة. ولعله بات واضحا أننا لا نتفق في أصول منهج النظر نفسه، ومن غير المتصور - حقيقة - أن أقنعك بتغيير منهجك الأصولي - أو العكس - في صفحة مخصصة للكلام في مسألة اللحية!
حتى ما تفضلت به من الكلام في جزئية التئام المسائل التي مخرجها في الأدلة واحد، فإنني أوافقك بالجملة في مشروعية ذلك وأنه مقصد يرام كلما أمكن تحقيقه، ولكني أخالفك في تصورك أن الناظر إن طلب هذا الأمر فقد لا يصل إليه إلا بإحداث قول جديد لا سلف به في مسألة قديمة! هذه أبواب لا أغلقها تورعا كما أحسبك تتصور، أو خوفا من الاجتهاد وقصورا عنه، وإنما لتقيدي في النظر بقيود كلية دل عليها الكتاب والسنة وصنيع السلف رضوان الله عليهم، هي عندي أقوى من أن تترك لمصلحة مقصد اجتهادي كلي لا يوصل إلى تحقيقه إلا بخرقها، (كمقصد المواءمة أو الملاءمة في مسألتنا هذه، كما تفضلت بذكره) والله أعلم.
رد: هل وقع أحدكم على نص صحيح صريح في أن الأئمة الأربعة حرموا حلق اللحية ؟
جزاك الله خيرا. نعم ، كما ترى ، الفرق بينك وبينك جوهري ، فهو فرق في أصل منهجية الاستدلال، وهذا لوحده يحتاج لمناظرة عميقة ومستقلة. فالحاصل: دعنا نركز على المشروع الذي بيني وبينك فهو لعمري أهم وأولى - وإن كان نقاشي مع إخوتي لم يخل أبداً من فائدة - وبه نستخرج أفضل مالدينا لتقديم العون والخير للغير، ولكني راسلتك على الخاص ولا زلت انتظر منك رداً.
بالمناسبة / المناظرة كانت فناً محموداً وشريفاً وحدثاً معتاداً في عهد السلف يحضره الناس ويستفيد منه الجميع وياليتنا نحيي هذا الفن ونتعاهده وفق المقصد الذي استقر في روع السلف.