قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً) (الكهف:12):
قوله: { بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ }، قد يقع فيه إشكال؟ هو: هل الله لا يعلم قبل ذلك؟
الجواب: لا، واعلم أن هذه العبارة يراد بها شيئان:
1 - علم رؤية وظهور ومشاهدة، أي لنرى، ومعلوم أن علم ما سيكون ليس كعلم ما كان؛ لأن علم الله بالشيء قبل وقوعه علمٌ بأنه سيقع، ولكن بعد وقوعه علمٌ بأنه وقع.---------------------------------------------------قال شيخ الاسلام--روى عن ابن عباس في قوله الا لنعلم أي لنرى وروي لنميز وهكذا قال عامة المفسرين الا لنرى ونميز وكذلك قال جماعة من اهل العلمقالوا لنعلمه موجودا واقعا بعد ان كان قد علم انه سيكون ولفظ بعضهم قال العلم على منزلتين علم بالشيء قبل وجوده وعلم به بعد وجوده والحكم للعلم به بعد وجوده لانه يوجب الثواب والعقاب- قال- فمعنى قوله لنعلم أي لنعلم العلم الذي يستحق به العامل الثواب والعقاب ولا ريب انه كان عالما سبحانه بأنه سيكون لكن لم يكن المعلوم قد وجد وهذا كقوله قل اتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الارض يونس أي بما لم يوجد فانه لو وجد لعلمه فعلمه بأنه موجود ووجوده متلازمان يلزم من ثبوت احدهما ثبوت الآخر ومن انتفائه انتفاوه والكلام على هذا مبسوط في موضع اخر
وقال
وقوله : { لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا } ونحو ذلك فهذا هو العلم الذي يتعلق بالمعلوم بعد وجوده ، وهو العلم الذي يترتب عليه المدح والذم والثواب والعقاب والأول هو العلم بأنه سيكون ومجرد ذلك العلم لا يترتب عليه مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب فإن هذا إنما يكون بعد وجود الأفعال . وقد روي عن ابن عباس أنه قال في هذا : لنرى . وكذلك المفسرون قالوا : لنعلمه موجودا بعد أن كنا نعلم أنه سيكون وهذا المتجدد فيه قولان مشهوران للنظار : منهم من يقول : المتجدد هو نسبة وإضافة بين العلم والمعلوم فقط وتلك نسبة عدمية . ومنهم من يقول : بل المتجدد علم بكون الشيء ووجوده وهذا العلم غير العلم بأنه سيكون وهذا كما في قوله : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } فقد أخبر بتجدد الرؤية فقيل نسبة عدمية وقيل المتجدد أمر ثبوتي . والكلام على القولين ومن قال هذا وهذا وحجج الفريقين قد بسطت في موضع آخر . وعامة السلف وأئمة السنة والحديث على أن المتجدد أمر ثبوتيكما دل عليه النصوهذا مما هجر أحمد بن حنبل الحارث المحاسبي على نفيه فإنه كان يقول قول ابن كلاب فر من تجدد أمر ثبوتيوقال بلوازم ذلك ، فخالف من نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف ما أوجب ظهور بدعة اقتضت أن يهجره الإمام أحمد ويحذر منه . وقد قيل : إن الحارث رجع عن ذلك والله اعلم