مقدمة الكتاب
الحمد لله رب العالمين، القائل سبحانه:{وما كنا معذِّبين حتى نبعث رسولًا}[الإسراء: 15].
والصلاة والسلام علىٰ المبعوث رحمة للعالمين، محمد ﷺ، القائل: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ»([1]).
وبعد،،
فأهل السُّنَّة والجماعة دائمًا وأبدًا وسط بيْن الفِرق؛ فهم في باب القدر وسط بين القدرية والجبرية، وفي باب الأسماء والصفات وسط بين المعطلة والممثلة، وفي باب موالاة الصحابة وسط بين الرافضة والناصبة، وفي مسألة الوعد والوعيد وسط بين التكفيريين الخوارج وبين المرجئة؛ فأهل السُّنَّة والجماعة هم أسعد الناس بالدليل؛ وذلك أنهم إذا تكلموا في مسألة فإنهم يتكلمون مِنْ خلال جميع الأدلة الواردة في الباب؛ بخلاف غيرهم مِنْ أهل الأهواء والبدع، فإنهم يأخذون مِنَ الأدلة ما يتخيلون أنه يوافق هواهم، ويدَعُونَ بقية أدلة الباب؛ كما ياخذون مِنْ كلام أهل العلم ما يتخيلون أيضًا أنه موافق لهواهم، ويَدَعُونَ كلامهم المُفَصَّلَ المُبيِّنَ.
ومسألةُ العذر بالجهل في الأمور الشرعية خاصة في مسائل التوحيد وأصول الدِّين مِنَ المسائل المهمة التي تكلم فيها أهلُ السُّنَّة والجماعة وبيَّنوا الحقَّ فيها بموجب أدلة الكتاب والسُّنَّة؛ وهُمْ في هذه المسألة – كغيرها مِنَ المسائل – وسط بيْن طائفتين:
الطائفة الأولى: طائفة الوعيدية التكفيريين الذين لا يَعْذُرُون بالجهل مطلقًا؛ فهم لا يعتبرون هذا الأصل.
الطائفة الثانية: طائفة الذين تأثروا بالإرجاء فيعذرون بالجهل مطلقًا.
وأنا دائمًا وأبدًا أنصح إخواني طلبةَ العلم بدراسة مثل هذه المسائل الكبار مِنْ خلال كلام العلماء الكبار وفهمهم لأدلة الكتاب والسُّنَّة، وألا يلتفتوا إلىٰ القيل والقال.
ولذا، فهذا جَمْعٌ لأقوال أهل العلم في مسألة العذر بالجهل، تجمع شتات هذه المسألة، وتضبط شواردها عند طالبِ العلم وطالبِ الحق، وكلامُ أهل العلم واضح وصريح ومستند إلىٰ نصوص الكتاب والسُّنَّة؛ مما يُساعد طلبةَ العلم علىٰ ضبط هذه المسألة، وتصورها تصورًا صحيحًا.
فنسأل الله تعالىٰ التوفيق والسداد، والهدىٰ والرشاد، كما نسأله تعالىٰ بأن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتنا.
وصَلِّ اللهم على محمد وآله وصحبه وسَلِّم وكتبه
أَبو يوسف محمد بن طه
[1])) أخرجه البخاري (2760).