رد: الدعوة والرسالة المحمدية
الدعوة والرسالة المحمدية
إيهاب كمال أحمد
قالوا: وما موعود الله؟
قال: "الجنة لمن مات على قتال مَن أَبى، والظفر لمَن بقي"[5].
وعندما سأل هرقل أبا سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ماذا يأمركم؟
قال أبو سفيان: "يقول: ((اعبدوا الله وحده ولا تُشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم))، ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصدق والعَفاف والصِّلَة"[6].
وعندما سأل كسرى ملكُ الفرس المُغيرةَ بن شُعبة: من أنتم؟
قال المغيرة بن شعبة "نحن أناس من العرب كنا في شَقاء شديد، وبلاء شديد، نمصُّ الجِلد والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونَعبُد الشجر والحجر، فبَينا نحن كذلك إذ بعَث رب السموات ورب الأرضين - تعالى ذكره وجلت عظمته - إلينا نبيًّا من أنفسِنا، نَعرِف أباه وأمه، فأمَرَنا نبيُّنا رسول ربنا - صلى الله عليه وسلم - أن نُقاتِلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدُّوا الجِزية، وأخبرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن رسالة ربنا أنه مَن قُتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم يَرَ مثلها قط، ومن بقي منا ملَكَ رقابَكم"[7].
وانطِلاقًا من قاعدة التوحيد ونَبذِ الشرك، نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعظيم الأشخاص، وتأليه البشَر أو الغُلوِّ فيهم مهما كانت منزلتهم ومكانتهم وعِلمهم، حتى إنه نهى المسلمين عن الغُلوِّ فيه كما غلا النصارى في المسيح - عليه السلام - واتَّخذوه إلهًا؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُطروني كما أَطرتِ النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله))[8].
بل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يَنهى عن أي شُبهة أو ذريعة للغلوِّ فيه، ولو كانت باللفظ دون الاعتقاد.
فقد جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكلِّمه في بعض الأمور، فقال: ما شاء الله وشئتَ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أجعلتني لله عَدلاً - أي شريكًا ومكافئًا؟! قل: ما شاء الله وحده))[9].
وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أن رجلاً خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: مَن يُطِع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِهما فقد غوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بئس الخطيب أنت؛ قل: ومن يعصِ الله ورسوله، فقد غوى))[10].
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ قبره مسجدًا وجعله وثنًا يَعبُده الناس ويُمارِسون عنده الشعائر الشِّركية.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ((اللهمَّ لا تجعل قبري وثنًا، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))[11].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ[12]؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنُتم))[13]، ((لا تجعلوا قبري عيدًا)) معناه النهيُ عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد؛ كراهية أن يتجاوَزوا حدَّ التعظيم، وغلقًا لباب الغُلوِّ[14].
فلم يكن النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - داعيًا لمصلحة خاصة، أو مُحارِبًا من أجل مجد شخصي، وإنما كانت دعوته كلها لتوحيد الله، وتخليص الناس من ذلِّ كل عبودية لغَيرِه، وحرب كل أشكال الشِّرك والكفر والانحراف الخلُقي.
وقد كان النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - يُعلِن دائمًا أنه لا يملك للناس شيئًا، وأن ما عليه هو البلاغ فقط، والأمر كله لله من قبل ومن بعد.
قال الله تعالى: ï´؟ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا * قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا * حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا * قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ï´¾ [الجن: 20 - 28].
وقال: ï´؟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأعراف: 187 - 188].
وحين أنزل الله - عز وجل - قوله: ï´؟ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ï´¾ [الشعراء: 214]، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَخطُب في الناس قائلاً: ((يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف، لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا عباس بن عبدالمُطَّلب، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفيَّة عمَّة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئتِ من مالي، لا أُغني عنك من الله شيئًا))[15].
وقد نجَح النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في إبلاغ رسالته وأداء وظيفته، ونجحت تلك الدعوة المباركة في تحقيق هدفِها حين قدَّمت المثال العملي الواقعي في تلك الأمة الإسلامية التي توحِّد ربَّها، وتدعو للفضائل، وتأمر بالمعروف وتَنهى عن المنكر، فاستحقَّت أن تكون خير أمة أُخرِجت للناس.
قال الله تعالى: ï´؟ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ï´¾ [آل عمران: 110].
[1] البخاري (3187)، ومسلم (4360).
[2] أخرجه أحمد (8595) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وسنده صحيح، قال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصحَّح العجلوني سنده في كشف الخفا، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (2349).
[3] البخاري (17)، مسلم (3223).
[4] سيرة ابن هشام (1: 337)، والروض الأنف؛ للسهيلي (2: 111).
[5] البداية والنهاية؛ لابن كثير (5: 107، 108).
[6] البخاري (6)، مسلم (3322).
[7] البخاري (2925).
[8] البخاري (3298)، مسلم (4284).
[9] أحمد (1742)، وصحَّحه أحمد شاكر.
[10] مسلم (1438).
[11] أحمد (7054) وصحَّحه الألباني في فقه السيرة (53).
[12] معنى ((وصلوا عليَّ))؛ أي: ادعوا الله أن يُصلي عليَّ، وصلاة الله على النبي معناها ثناء الله على النبي عند الملائكة ومباركته، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، انظر: جلاء الأفهام؛ لابن القيم (ص: 161).
[13] أحمد (8449)، وأبو داود (1746) وصحَّحه النووي في الأذكار (154)، والألباني في صحيح أبي داود (2042)، وحسَّن ابن تيمية إسناده في اقتضاء الصراط المستقيم (2: 169).
[14] انظر: اقتضاء الصراط المستقيم؛ لابن تيمية (2: 169)، وفيض القدير؛ للمناوي (4: 263).
[15] البخاري (2548)، مسلم (303).