تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2020
    المشاركات
    36

    Question إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    السلام عليكم

    هل ورد حديث يحتج به في نزول سورة الاخلاص؟ أقصد احاديث سؤال المشركين أو النصارى أو اليهود النبي صلى الله عليه وسلم: من أي شيء ربك من ذهب أم فضة أم زبرجد؟
    و هل ورد حديث يحتج به في مثل هذه المسألة: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء؟

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    هل ورد حديث يحتج به في نزول سورة الاخلاص؟
    سبب نزول سورة (قل هو الله أحد ) فقد روى الترمذي (3364) ، وأحمد (21219) ، والحاكم (3987) ، والبيهقي في "الشعب" (100) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/95) ، وأبو الشيخ في "العظمة" (88) من طريق أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : " أَنَّ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) "
    وهذا إسناد ضعيف ، أبو جعفر الرازي - واسمه عيسى بن أبي عيسى ماهان - ضعيف الحديث ، قال أحمد والنسائي: ليس بالقوى . وقال ابن المدينى: ثقة كان يخلط .
    "ميزان الاعتدال" (3 /320) .
    وفيه علة أخرى ، وهي الإرسال ، فقد رواه الترمذي عقب هذه الرواية (3365) من طريق عُبَيْد اللَّهِ بْن مُوسَى، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، به مرسلا ، وقال الترمذي : " وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَهَذَا أَصَحُّ". لكن لهذا الحديث شواهد :
    - فرواه الطبراني في "الأوسط" (5687) ، والطبري في "تفسيره" (24/ 687) ، والبيهقي في "الشعب" (2319) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/335) من طريق إِسْمَاعِيل بْن مُجَالِدٍ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَنَزَلَتْ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) "
    وإسناده ضعيف ، مجالد ، هو ابن سعيد ، ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني وغيرهم ، انظر : "الميزان" (3/438) .
    وقال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص109) : " صدوق يخطىء "
    - ورواه الهروي في "ذم الكلام" (4/ 106) من طريق مُحَمَّد بْن حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ حَدَّثَنِي أَهْلُ بَيْتِي عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ به نحوه ، وهذا ضعيف أيضا ؛ لجهالة من رواه عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه . انظر : "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 59) .
    - ورواه أبو الشيخ في "العظمة" (89) ، والهروي في "ذم الكلام" (4/111) من طريق قَيْس بن الربيع ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ: " قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه السورة " .
    وهذا مرسل ، وقيس بن الربيع ضعيف ، ضعفه وكيع وابن معين وابن المديني وغيرهم ، انظر "التهذيب" (8/351) .
    - وقد روي من طرق مرسلا ، قال ابن كثير في "تفسيره" (8/ 489):
    " أَرْسَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ " انتهى .
    وقال البغوي في "تفسيره" (5/ 329):
    " وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك يا محمد لعلنا نؤمن بك ، فإن الله أنزل نعته في التوراة ، فأخبرنا من أي شيء هو ؟ وهل يأكل ويشرب ؟ فأنزل الله هذه السورة " .
    وكذا أرسله محمد بن عمرو ، كما رواه أبو الحسن السكري في "مشيخته" (104)
    - وأخرج البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 38) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، "انَّ الْيَهُودَ، جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه السورة ".
    حسنه الحافظ في "الفتح" (13/ 356)

    ولأجل تعدد طرقه ، وكثرة مخارجه : حسنه الحافظ ابن حجر - كما تقدم - وكذا حسنه السيوطي في "الدر المنثور" (8/669) ، وكذا الألباني في "صحيح الترمذي". وهو حديث مشهور متداول في كتب أئمة السنة ، ويورده شيخ الإسلام ابن تيمية كثيرا . المصدر الاسلام سؤال وجواب
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء؟
    قال القاضي عبد الوهاب : قوله : ( وَلا وَلَدَ لَهُ ، وَلا وَالِدَ لَهُ ، وَلا صَاحِبَةَ لَهُ ، وَلا شَرِيكَ لَهُ ) . فلأن هذه الأشياء سمات الحدث . يعني كلها أوصاف نقصٍ يُوصف بها الحدث يعني المخلوق ، ودلائل تقتضي الوجود عن عدمه ، وكونه إلهًا قديمًا ينفي ذلك . يعني بإثبات قدم الباري جل وعلا كخبرٍ كوصفٍ حينئذٍ ينفي ذلك كله . وقال تعالى : ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ . يعمّ ذلك كله . قال القرطبي رحمه الله تعالى : لم يكن له شبيه ولا عِدْلٌ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ . وقال ابن كثير رحمه الله تعالى : يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل ، ولا يطلق هذا اللفظ على أحدٍ في الإثبات إلا على الله عز وجل . كما مر معنا ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله . وفي حديث الترمذي « الصمد الذي لم يلد ولم يولد » يعني معناه ، فسر الصمد بما بعده ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ هذا معنى الصمد ، وعرفنا أنه داخل فيه كذلك ، بمعنى أن معان متعددة فُسِّرت بها لفظ الصمد ومنها أنه لم يلد ولم يولد ، لأنه ليس شيء يُولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جل وعلا لا يموت ولا يورث ، ولم يكن له كفوًا أحد ولم يكن له شِبه ولا عدل وليس كمثله شيء . إذًا هذه المنفيات كلها داخلة في قوله : ( وَلا شَرِيكَ لَهُ ) . وما ذكره المصنف من نفي الشبيه والنظير والوالد والولد والصاحبة هو نفي على طريقة السلف ، وهو نفي متضمن إثبات كمال الله عز وجل ، فنفي الشبيه والنظير متضمن إثبات كمال أحديته ، أليس كذلك ؟ لا شبيه له ولا نظير ، لماذا ؟ لكونه واحدًا أحد ، فلكمالها ليس له شبيه ولا نظير ، ونفي الوالد والولد والصاحبة متضمن إثبات كمال غناه ، وكل من جاء في القرآن من نفي شيء عن الله فإنه يتضمن إثبات كمال ضد ذلك كما مر معنا ، ويأتي ذلك في القواعد المتعلقة بالأسماء والصفات ،[شرح مقدمة القزوينى]
    قال ابن كثير :
    بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ( بديع السماوات والأرض ) أي : مبدع السماوات والآرض وخالقهما ومنشئهما ومحدثها على غير مثال سبق ، كما قال مجاهد والسدي . ومنه سميت البدعة بدعة; لأنه لا نظير لها فيما سلف .
    ( أنى يكون له ولد ) أي : كيف يكون له ولد ، ولم تكن له صاحبة؟ أي : والولد إنما يكون متولدا عن شيئين متناسبين ، والله لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه; لأنه خالق كل شيء ، فلا صاحبة له ولا ولد ، كما قال تعالى : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) [ مريم : 88 - 95 ] .
    ( وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ) فبين تعالى أنه الذي خلق كل شيء ، وأنه بكل شيء عليم ، فكيف يكون له صاحبة من خلقه تناسبه؟ وهو الذي لا نظير له فأنى يكون له ولد؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
    قال ابن عاشور :
    بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌجملة مستأنفة وهذا شروع في الإخبار بعظيم قدرة الله تعالى ، وهي تفيد مع ذلك تقوية التّنزيه في قوله : { سبحانه وتعالى عمّا يصفون } [ الأنعام : 100 ] فتتنزّل منزلة التَعليل لمضمون ذلك التّنزيه بمضمونها أيضاً ، وبهذا الوجه رَجَح فصلُها على عطفها فإنّ ما يصفونه هو قولهم : إنّ له ولداً وبنات ، لأنّ ذلك التّنزيه يتضمّن نفي الشيء المنزّه عنه وإبطاله ، فعُلّل الإبطال بأنّه خالقُ أعظم المخلوقات دلالة على القدرة فإذا كنتم تدّعون بنوّة الجنّ والملائكة لأجل عظمتها في المخلوقات وأنتم لا ترون الجنّ ولا الملائكة فلماذا لم تدّعوا البنوّة للسماوات والأرض المشاهدة لكم وأنتم ترونها وترون عظمها . فهذا الإبطال بمنزلة النّقض في علم الجدل والمناظرة .
    وقوله : { بديع } خبر لمبتدأ ملتزم الحذف في مثله ، وهو من حذف المسند إليه الجاري على متابعة الاستعمال عندما يتقدّم الحديث عن شيء ثمّ يعقّب بخبر عنه مفردٍ ، كما تقدّم في مواضع . وتقدّم الكلام على { بديع السّماوات والأرض } عند قوله تعالى : { بل له ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون بديع السّماوات والأرض } في سورة [ البقرة ( 116 ، 117 ].
    والاستدلال على انتفاء البنوة عن الله تعالى بإبدَاع السّماوات والأرض لأنّ خلْق المحلّ يقتضي خلق الحالّ فيه ، فالمشركون يقولون بأنّ الملائكة في السّماء وأنّ الجنّ في الأرض والفيافي ، فيلزمهم حدوث الملائكة والجنّ وإلاّ لَوُجد الحالّ قبل وجود المحلّ ، وإذا ثبت الحدوث ثبت انتفاء البنوّة لله تعالى ، لأنّ ابن الإله لا يكون إلاّ إلهاً فيلزم قِدمه ، كيف وقد ثبت حدوثه ، ولذلك عقّب قولهم { اتّخذ الله ولداً } [ البقرة : 116 ] بقوله : { سبحانه بل له ما في السّماوات والأرض كلّ له قَانِتُون } في سورة [ البقرة : 116 ]. وقد أشرنا إلى ذلك عند قوله تعالى : { الحمد لله الَّذي خلق السّماوات والأرض } في أوّل هذه السّورة [ 1 ].
    وجملة أنَّى يكون له ولد } تتنزّل منزلة التّعليل لمضمون التنزيه مِن الإبطال ، وإنّما لم تعطف على الّتي قبلها لاختلاف طريق الإبطال لأنّ الجملة الأولى أبطلتْ دعواهم من جهة فساد الشّبهة فكانت بمنزلة النقْض في المناظرة . وهذه الجملة أبطلت الدّعوى من جهة إبطال الحقيقة فكأنّها من جهة خطأ الدّليل ، لأنّ قولهم بأنّ الملائكة بنات الله والجنّ أبناءُ الله يتضمّن دليلاً محذوفاً على البنوّة وهو أنّهم مخلوقات شريفة ، فأبطل ذلك بالاستدلال بما ينافي الدّعوى وهو انتفاء الزّوجة الّتي هي أصل الولادة ، فهذا الإبطال الثّاني بمنزلة المعارضة في المناظرة . و { أنّى } بمعنى من أيْن وبمعنى كَيْف .
    والواو في { ولم تكن له صاحبة } واو الحال لأنّ هذا معلوم للمخاطبين فلذلك جيء به في صيغة الحال .
    والصّاحبة : الزّوجة لأنّها تصاحب الزّوج في معظم أحْواله . وقد جعل انتفاء الزّوجة مسلّماً لأنّهم لم يدعوه فلزمهم انتفاء الولد لانتفاء شرط التولّد ، وهذا مبنيّ على المحاجّة العرفيّة بناء على ما هو المعلوم في حقيقة الولادة .
    وقوله : { وخلَقَ كلّ شيء } عطف على جملة : { بديع السّماوات والأرض } باعتبار ظاهرها وهو التّوصيف بصفات العظمة والقدرة ، فبعد أن أخبر بأنّه تعالى مبدع السّماوات والأرض أخبر أنّه خالق كلّ شيء ، أي كلّ موجود فيشمل ذوات السّماوات والأرض ، وشمل ما فيهما ، والملائكة من جملة ما تحويه السّماوات ، والجنّ من جملة ما تحويه الأرض عندهم ، فهو خالق هذين الجنسين ، والخالق لا يكون أبا كما علمتَ . ففي هذه الجملة إبطال والولَد أيضاً ، وهذا إبطال ثالث بطريق الكليّة بعد أن أبطل إبطالاً جزئياً ، والمعنى أنّ الموجودات كلّها متساوية في وصف المخلوقيّة ، ولو كان له أولاد لكانوا غير مخلوقين .
    وجملة : { وهو بكلّ شيء عليم } تذييل لإتمام تعليم المخاطبين بعض صفات الكمال الثّابتة لله تعالى ، فهي جملة معطوفة على جملة : { وخلق كلّ شيء } باعتبار ما فيها من التوّصيف لا باعتبار الردّ . ولكون هذه الجملة الأخيرة بمنزلة التّذييل عدل فيها عن الإضمار إلى الإظهار في قوله : { بكلّ شيء } دون أن يقول «به» لأنّ التّذييلات يقصد فيها أن تكون مستقلّة الدّلالة بنفسها لأنّها تشبه الأمثال في كونها كلاماً جامعاً لمعان كثيرة .
    قال الامام ابن باز
    من خلق ربك " كلام متهافت ينقض آخره أوله؛ لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا، ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل، وهو محال، وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث، فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات) - الموقع الرسمى للامام ابن باز

    إن الخالق لا يكون إلا واحدا، ولا يمكن أن يكون خالقان ثم يستقر الكون، لأن أحدهما سيقهر الآخر ويكون هو الرب المتفرد، كما قال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ المؤمنون/91 .انتهى


    قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :
    " أي لو قدّر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق ، فما كان ينتظم الوجود ، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق ، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض، في غاية الكمال : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) .
    ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه ، فيعلو بعضهم على بعض " انتهى .
    وربما قال جاهل آخر: إذا كان الله شيئا، فإنه يدخل في قوله: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الزمر/62 .
    فنقول: الله خالق كل شيء مخلوق ، وأما الله فإنه خالق، والخالق لا يكون مخلوقا؛ إذ لو كان مخلوقا ، مجعولا ، مربوبا ؛ لكان الذي خلقه وجعله : هو الخالق دونه ، ولكان هو "الله" !!
    ولو فرض أن هذا الثاني كان مخلوقا، لم يكن خالقا أيضا، حتى ينتهي الأمر في بدائه العقول ، وضرورة الفكر والنظر : إلى "خالق" "واحد" واجب الوجود ، الذي وجوده لذاته، لم يُسبق بعدم، ولا يلحقه فناء، وهو الخالق – وحده - وكل ما سواه : فهو مخلوق له ، مربوب لعظمته ؛ وذلك الخالق الواحد : هو ما يعلمه أهل الدين والإيمان : أنه "الله" ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد !!
    ومثل هذا لو قال إنسان: إن الله موجود، وكل موجود خلقه الله.
    فيقال: كل موجودٍ مخلوقٍ : خلقه الله. والخالق يستحيل أن يكون مخلوقا كما تقدم.
    والحاصل : أن "الشيء" ، و"الموجود" : من الأسماء المشتركة ، التي تطلق على القديم والمحدث، والخالق والمخلوق .
    وهذا الإطلاق لا يفهم منه عاقل أن الخالق يخلق نفسه ، بحجة أنه شيء وموجود؛ لاستحالة أن يخلق الخالق نفسه، لما فيه من الجمع بين النقيضين، بين خالق لم يسبق بعدم، ومخلوق مسبوق بالعدم.
    المصدر الاسلام سؤال وجواب
    قال الطبري
    وَقَوْله : { لَمْ يَلِد } يَقُول : لَيْسَ بِفَانٍ , لِأَنَّهُ لَا شَيْء يَلِد إِلَّا هُوَ فَانٍ بَائِدوَقَوْله : { لَمْ يَلِد } يَقُول : لَيْسَ بِفَانٍ , لِأَنَّهُ لَا شَيْء يَلِد إِلَّا هُوَ فَانٍ بَائِد' { وَلَمْ يُولَد } يَقُول : وَلَيْسَ بِمُحْدَث لَمْ يَكُنْ فَكَانَ , لِأَنَّ كُلّ مَوْلُود فَإِنَّمَا وُجِدَ بَعْد أَنْ لَمْ يَكُنْ , وَحَدَثَ بَعْد أَنْ كَانَ غَيْر مَوْجُود , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره قَدِيم لَمْ يَزَلْ , وَدَائِم لَمْ يَبِدْ , وَلَا يَزُول وَلَا يَفْنَى .
    إن سئلنا انسبوه لنا.؟ قلنا : الله الصمد لم يلد ولم يولد.
    وإن سئلنا هل له سمي أو شبيه أو عدل أو مثيل.؟ قلنا : لم يكن له كفوا أحد
    قوله تعالى : :لم يلد ولم يولد" قطعت عنه النسبة فلم يتنسب لأحد سبحانه.
    وقوله تعالى :"ولم يكن له كفوا أحد" قطعت عنه الشبه.
    فكأنما انقطع بنسبه وشبهه عن أي أحد فلم يكن له بذلك كفوا أحد.
    فسورة الاخلاص فيها الرد على الضالين الذين كفروا باسمه الأحد فقالوا له ولد فتنزه بأحد لم يلد ولم يولد عن ذلك.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    يقول الملاحدة : أنتم أيها المؤمنون بوجود الإله تسألون عن علة وجود المادة الأولى للكون وتجيبون بأن علة وجود المادة الأولى للكون هي الله، ونحن نسألكم وما علة وجود الله ؟ وستجيبون بأن الله غير معلول الوجود، فلماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟ و هنا نجيبكم ، و لماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود، وبذلك يُحسم النقاش .
    ويقول بعضهم : إذا قلنا بأن للكون خالق فهذا سيؤدي بنا إلى القول أن هذا الخالق له خالق آخر ، وهذا يمهد الطريق لآخرين ليضيفو خالقين آخرين ،وهذا تسلسل ممنوع فالتوقف عند الكون يعني التوقف عند المحسوس والملموس المدعوم بدليل، ويغلق الباب أمام من يحاول إضافة أسباب أخرى، بينما الإيمان بخالق هو بحد ذاته من يفتح الباب للقول بالتسلسل .
    عدم منطقية سؤال من خلق الله
    سؤال من خلق الله من الأسئلة غير المنطقية فالخالق لا يُخلق ،و الله ليس مخلوقا لنسأل من خلقه ، و الله قديم ليس حادثا أول ليس قبله شيء ، فلاينطبق عليه قانون الحوادث في السؤال عن خالقه ، و السؤال عمن أحدثه ،و المخلوقية من صفات الحوادث ،وهي الأشياء التي وجدت بعض أن لم تكن موجودة فكيف نصف الخالق بصفات الحوادث و ننسب له ما لا يليق ؟!!.
    قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ﴾ (الحديد : الآية 3 ) أي : الله هو الأول الذي ليس قبله شيء, وهو الآخر الذي ليس بعده شيء, وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء, وهو الباطن الذي ليس دونه شيء, ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء, وهو بكل شيء عليم .
    و الله – سبحانه وتعالى - أزلي ليس لوجوده بداية فوجوده ذاتي لا ينفك عنه أي يبقى إلى الأبد ،وإذا كان الله ليس لوجوده بداية فكيف نسأل عن سبب وجوده ؟!! وكيف نسأل عن علة لوجوده ؟!
    والأصل في الخالق الوجود إذ لو كان الأصل فيه العدم لما أوجد الكون ؛ لأن فاقد الشيء لايعطيه ، وإذا كان وجود الله هو الأصل ، فهذا يستلزم أنه لا يحتاج إلى موجِد يوجده ، ولا علة لوجوده إذ لا يبحث عن علة وجود ما الأصل فيه الوجود .
    وقول القائل : إن خالق الكون بحاجة إلى خالق رغم أنه خالق قريب من قول القائل إن الملح يحتاج إلى ملح كي يكون مالحاً رغم أنه ملحا، وإن السكر يحتاج إلى سكر حتى يكون حلواً رغم أنه سكر ، وإن الأحمر يحتاج إلى اللون الأحمر كي يكون أحمرا رغم أنه أحمر.
    و قول القائل : من خلق الله ؟ يساوي قوله : ما الذي سبق الشيء الذي لا شيء قبله ؟ و يساوي قوله : ما بداية الشيء الذي لا بداية له ؟ ويساوى قوله : ما بداية وجود الشيء الذي لا بداية لوجوده ؟ وهذا قول في غاية السخف والسقوط .

    الرد على زعم بعضهم أن استغناء الله‏ عن علة توجده يستلزم أن الله‏ توقف في وجوده على نفسه
    يقول بعض الملاحدة قولكم أيها المؤمنون بأن الله لا علة لوجوده يستلزم أن الله‏ توقف في وجوده على نفسه أي أن الله‏ هو الذي أوجد نفسه بنفسه ،و هذا يستلزم أنه الله علة لنفسه ،و الجواب كلامكم أيها الملاحدة يصح لو كان الله ممكن الوجود إذ ممكن الوجود هو ما كان حادثاً بعد عدم أي وجوده له بداية فيتصور العقل وجوده وعدم وجوده فيمكن أن يوجد و يمكن ألا يوجد و هذا الحادث بعد عدم لابد له من موجد يوجده وخالق يحدثه أي يحتاج في وجوده إلي موجِد .
    ولكن الله عندنا واجب الوجود أي وجوده ذاتي لا ينفك عنه فلم يكن في زمن من الأزمان بمفتقرٍ إلى الوجود ، و لم يكن في زمن من الأزمان معدوماً حتى يحتاج إلى من يخرجه من العدم إلى حَيّز الوجود سبحانه خالق الزمان والمكان ، وعليه فإن الله‏ لا يصدق عليه أنه مخلوق ومعلول حتى نسأل عن خالقه وعلته أو أن نقول بأنه خلق نفسه بنفسه .
    الرد على سؤالهم لماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله؟
    يقول الملاحدة عندما نسألكم أيها المؤمنون عن علة وجود الله تجيبون بأن الله غير معلول الوجود ، فلماذا تقفون بمبدأ السببية وتعطلونه عندما يتعلق الأمر بالله ؟ والجواب على سؤالهم من وجوه :
    الوجه الأول : أن الأصل في الخالق الوجود إذ لو كان الأصل فيه العدم لما أوجد الكون ؛ لأن فاقد الشيء الذي لا يملكه، ولا يملك سبباً لإعطائه لايعطيه ، و إذا كان الأصل في الخالق الوجود فلايصح أن نسأل عن سبب وجوده .
    الوجه الثاني : أن الله أزلي فوجوده ذاتي لا ينفك عنه فلايصح أن نسأل عن سبب وجوده ، ووجوده ليس له بداية .
    الوجه الثالث : أن الله له الكمال المطلق إذ هو واهب الكمال لمخلوقاته فهو أحق بالاتصاف بها من الموهوب ، وكل كمال ثبت للمخلوق المحدث المربوب الممكن، فإنه يكون ثابتا للخالق من باب أولى ،وإذا كان الكمال المطلق لله ،والاحتياج يناقض الكمال المطلق فالكامل المطلق لا يحتاج إلى غيره ،وعليه فالخالق لا يحتاج إلى غيره ،وإذا لم يحتج إلى غيره فهو غير معلول ،و إذا كان غير معلول فلايصح أن نسأل عن علته .
    الوجه الرابع : أن السؤال عن سبب وجود شيء يصح فيما كان الأصل فيه الحدوث و أنه لم يكن موجودا ثم أصبح موجودا بعد عدم ،والله قديم وليس حادثا .
    الوجه الخامس : لو قلنا بأن كل خالق له من خلقه أي خالق الكون له من خلقه،ومن خلق خالق الكون له من خلقه ومن خلق خالق خالق الكون له من خلقه وهكذا إلى ما لا نهاية فهذا يستلزم أن لا خلق للكون ،وهذا باطل لوجود الكون فوجود الكون يستلزم عدم تسلسل الفاعلين إلى ما لانهاية ، إذ لا بد أن تصل سلسلة الفاعلين إلى علة غير معلولة ، و لا بد من سبب تنتهي إليه الأسباب وليس هناك أسباب لا تنتهي إلى شيء ، وإلا لم يكن هناك شيء أي أن التسلسل في الفاعلين ممنوع، بل لابد أن نصل إِلَى نهاية ، وهذه النهاية في الفاعلين أو المؤثرين هي إِلَى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وهذا أحد ما يدل عليه قوله تعالى:
    ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾
    الرد على سؤال الملاحدة : لماذا لا نفترض أن المادة الأولى غير معلولة الوجود ؟
    يقول الملاحدة إذا كان الله عندكم لا علة لوجوده فلماذا لا تفترضون أن المادة الأولى غير معلولة الوجود ؟ والجواب فرق شاسع بين صفات الخالق التي تحمل دليل قدمه و أزليته و بين صفات المادة التي تحمل دليل حدوثها وافتقارها لمحدث ،وقول الملاحدة أن المادة الأولى غير معلولة الوجود قول بلا دليل ،والجواب عليه من وجوه :
    الوجه الأول : أن العلم لا يدري ماذا كان قبل الانفجار العظيم الذي نشأ منه الكون ،و لا يدري من أين جاءت المادة التي نشأ منها الكون و تطور منها كل شيء ؟
    الوجه الثاني : ليس هناك ما يدعو إلى أن المادة و الطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم .
    الوجه الثالث : الفضاء والزمان وجدوا مع الانفجار العظيم ، والمادة هي كل ما له كتلة وحجم ويشغل حيز في الفراغ أي المادة تحتاج لمكان أو حيز ليحويها ،وبالتالي لا مادة دون وجود المكان الذي سيحويها .
    الوجه الرابع : كون الكون تطور من المادة الأولى إلى الحالة التي هو عليها فهذا يدل أن المادة الأولى قد طرأ عليها التغير و التبدل ،وما يجري عليه التغير والتبدل لا يكون أزليا ؛ لأن كل ما يتغير و يتبدل لا بد له من مغيِّر و مبدل أي لابد له من سبب يغيره و يبدله ،وهذا السبب لابد أن يكون سابقا له مما ينافي الأزلية ،و مادامت المادة الأولى احتاجت إلى سبب يغيرها من حال إلى حال و سبب يبدلها من حال إلى حال فالمادة محتاجة إلى غيرها غير مستغنية بنفسها مما يدل أن المادة حادثة ،و لو كان الأصل فيها الوجود الأزلي لم تكن عرضة للتحول والتغير والتبدل .
    هل القول بخالق للكون يفتح الباب للتسلسل الممنوع ؟
    يزعم الملاحدة أن القول بخالق للكون سيؤدي بنا إلى القول أن هذا الخالق له خالق آخر ، وهذا يمهد الطريق لآخرين ليضيفو خالقين آخرين مما يفتح الباب للتسلسل الممنوع وهذا الكلام فيه خلط للحقائق ،وتسوية بين صفات الخالق القديم الأزلي ،وصفات المخلوق الحادث فالخالق لا يُخلق ،والقديم لا يُحدَث ،وكون الله الخالق قد خلق الكون فهذا يقطع بعدم التسلسل في الفاعلين ؛ لأن من صفات الخالق أنه الأول فليس قبله شيء ،وبذلك لايوجد تسلسل في الفاعلين .https://www.ebnmaryam.com

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة

    و هل ورد حديث يحتج به في مثل هذه المسألة: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء؟
    العبارة الاولى فيها اجمال . و الاستدلال عليه بكون الله عز وجل خالق الاشياء قاصر لا يستغرق ما يدخل او يحتمل في العبارة .

    و تنكشف المغالطة بتصحيح المسالة بان يقال

    ان ربي ليس من شيء مخلوق . لانه خالق الاشياء . و هذا محل وفاق بين اهل الاسلام

    و الله اعلم

    https://majles.alukah.net/t153045/

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    العبارة الاولى فيها اجمال . و الاستدلال عليه بكون الله عز وجل خالق الاشياء قاصر لا يستغرق ما يدخل او يحتمل في العبارة .

    و تنكشف المغالطة بتصحيح المسالة بان يقال

    ان ربي ليس من شيء مخلوق . لانه خالق الاشياء . و هذا محل وفاق بين اهل الاسلام

    و الله اعلم
    بارك الله فيك اخى الطيبونى - الأوْلَى حذف كلمة مِن حتى يستقيم المضمون الذى اشرت اليه اخى الطيبونى واعيد سياق الكلام
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة

    ان ربي ليس شيء مخلوق .. و هذا محل وفاق بين اهل الاسلام

    و الله اعلم
    نعم
    من كلام عبد العزيز بن يحيى المكي فإنه قال في كتاب الحيدة سمى الله تعالى نفسه شيئا إثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه وكذا أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شيء من أسمائه، بل دل على نفسه أنه شيء تكذيبا للدهرية ومنكري الإلهية من الأمم وسبق في علمه أنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلامه في الأشياء المخلوقة فقال ليس كمثله شيء فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقة ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء ـ وقال تعالى: أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ـ فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم أن كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئا بمعنى أنها موجودة
    --
    https://majles.alukah.net/t153045

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2020
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    جزيتم خيراً ونفع الله بكم، الجواب فيه تفصيل ما شاء الله.

    سبب سؤالي في المقام الأول أن الروايات مختلفة وترجع إلى أقوام مختلفين لكن الجواب متشابه إلى حد كبير في جميع الروايات، فهل يآزر بعضها بعضاً بمجموع طرقها أم هي روايات مرسلة؟ وهل إن كانت الروايات حسنة بمجموع طرقها فهل هذا معناه أن الله ليس من جنس المخلوقات في شيء؟ بمعنى أن الله من جنس أو مادة عليا منقطعة النظير؟ وهل هذه الأحاديث المذكورة سابقاً وهذا الحديث التالي يدل على هذا القول؟ "صف لنا ربك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو ومن أي جنس هو من ذهب هو أم نحاس أم فضة" هل هذه الأحاديث تدل أن الله من شيء لكن الله لم يطلعنا عليه؟

    اعذروني على الإطالة والخوض في هذه المسائل لكني بحثت فيها مطولاً ولم اجد شيئا لعل وعسى أن يكون لدى رواد هذا المنتدى المبارك ما يشفي الغليل.

    صف لنا ربك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو ومن أي جنس هو من ذهب هو أم نحاس أم فضة

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    وهل إن كانت الروايات حسنة بمجموع طرقها فهل هذا معناه أن الله ليس من جنس المخلوقات في شيء؟ بمعنى أن الله من جنس أو مادة عليا منقطعة النظير؟ وهل هذه الأحاديث المذكورة سابقاً وهذا الحديث التالي يدل على هذا القول؟ "صف لنا ربك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو ومن أي جنس هو من ذهب هو أم نحاس أم فضة" هل هذه الأحاديث تدل أن الله من شيء لكن الله لم يطلعنا عليه؟
    بارك الله فيك اخى ضياء عمر
    أولا لابد من هذه المقدمة
    حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل, المتضمن لانقياد الجوارح.
    وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس, فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر.
    إنما الشأن في الإيمان بالغيب, الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به, لخبر الله وخبر رسوله.
    فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر, لأنه تصديق مجرد لله ورسله.
    فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. السعدى
    بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية, لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم, ومرجت أحلامهم.
    وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.
    ويدخل في الإيمان بالغيب, الإيمان بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة, وأحوال الآخرة, وحقائق أوصاف الله وكيفيتها, وما أخبرت به الرسل من ذلك.
    فيؤمنون بصفات الله ووجودها, ويتيقنونها, وإن لم يفهموا كيفيتها. تفسير السعدى

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تماثل صفات سائر الذوات".
    وقال أيضًا في الفتوى الحموية الكبرى
    فَإِنَّ ظَوَاهِرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ إمَّا جَوْهَرٌ مُحْدَثٌ، وَإِمَّا عَرَضٌ قَائِمٌ بِهِ. فَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالْمَشِيئَةُ وَالرَّحْمَةُ وَالرِّضَا وَالْغَضَبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ أَعْرَاضٌ، وَالْوَجْهُ وَالْيَدُ وَالْعَيْنُ فِي حَقِّهِ أَجْسَامٌ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ مَوْصُوفًا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ بِأَنَّ لَهُ عِلْمًا وَقُدْرَةً وَكَلَامًا وَمَشِيئَةً - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَرَضًا، يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ - جَازَ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ اللَّهِ وَيَدَاهُ صِفَاتٌ لَيْسَتْ أَجْسَامًا يَجُوزُ عَلَيْهَا مَا يَجُوزُ عَلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ .
    ، فَإِنَّ الصِّفَاتِ كَالذَّاتِ، فَكَمَا أَنَّ ذَاتَ اللَّهِ ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ
    فَصِفَاتُهُ ثَابِتَةٌ حَقِيقِيَّةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ .

    فَمَنْ قَالَ: لَا أَعْقِلُ عِلْمًا وَيَدًا إلَّا مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ وَالْيَدِ الْمَعْهُودَيْن ِ. قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ تَعْقِلُ ذَاتًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ ذَوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صِفَاتِ كُلِّ مَوْصُوفٍ تُنَاسِبُ ذَاتَه وَتُلَائِمُ حَقِيقَتَهُ.
    فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ - الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ - إلَّا مَا يُنَاسِبُ الْمَخْلُوقَ فَقَدْ ضَلَّ فِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إذا قَالَ لَك الجهمي: كَيْفَ اسْتَوَى، أَوْ كَيْفَ يَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، أَوْ كَيْفَ يَدَاهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ؟ فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ هُوَ فِي ذَاتِهِ؟ فَإِذَا قَالَ لَك: لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ إلَّا هُوَ، وَكُنْهُ الْبَارِي تَعَالَى غَيْرَ مَعْلُومٍ لِلْبَشَرِ. فَقُلْ لَهُ: فَالْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفِيَّةَ صِفَةٍ لِمَوْصُوفِ لَمْ تَعْلَمْ كَيْفِيَّتَهُ، وَإِنَّمَا تَعْلَمُ الذَّاتَ وَالصِّفَاتِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي لَك".
    قال الذهبى في العلو للعلي الغفار (ص: 13) بعد ذكره لآيات العلو:
    "فإننا على أصل صحيح وعقد متين من أن الله تقدس اسمه لا مثل له، وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة؛ إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نتعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته، نؤمن بها ونعقل وجودها ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نشبهها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا".

    وقال مرعي الكرمي المقدسي بأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات،
    فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف،
    فكذلك إثبات صفاته إنما هي إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف"
    .

    وقال السفاريني في لوامع الأنوار البهية (1 / 116):
    "صفاته سبحانه وتعالى الذاتية والفعلية والخبرية كذاته- عز شأنه - قديمة لا ابتداء لوجودها، ولا انتهاء، إذ لو كانت حادثة لاحتاجت إلى محدث، تعالت ذاته المقدسة وصفاته المعظمة عن ذلك،
    فإن حقيقة ذاته مخالفة لسائر الحقائق، وكذلك صفاته تعالى".
    وقال جمال الدين القاسمي والصفة تتبع موصوفها، فكما أنّ ذاته المقدسة ليست كذوات المخلوقين فكذلك صفاته".
    وقال الشنقيطي في أضواء البيان : "الذات والصفات من باب واحد أيضا، فكما أنه جل وعلا له ذات مخالفة لجميع ذوات الخلق، فله تعالى صفات مخالفة لجميع صفات الخلق".
    قال الإمام أحمد: “. فأما إثبات يد ليست كالأيدي، ووجه ليس كالوجوه، فهو كإثبات ذات ليست كالذوات، وحياة ليست كغيرها من الحياة، وسمع وبصر ليس كالأسماع والأبصار
    قال ابن أبي يعلى في (طبقات الحنابلة): “ومما يدل على أن تسليم الحنبلية لأخبار الصفات من غير تأويل، ولا حمل على ما يقتضيه الشاهد، وأنه لا يلزمهم في ذلك التشبيه: إجماع الطوائف من بين موافق للسنة ومخالف أن الباري سبحانه ذات وشيء وموجود، ثم لم يلزمنا وإياهم إثبات جسم ولا جوهر ولا عرض، وإن كانت الذات في الشاهد لا تنفك عن هذه السمات، وهكذا لا يلزم الحنبلية ما يقتضيه العرف في الشاهد في أخبار الصفات”

    قال أبو القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني في كتابه (الحجة في بيان المحجة):
    والطريقة المحمودة ..أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات، وإنما أثبتناها؛ لأن التوقيف ورد بها، وعلى هذا مضى السلف.

    وقد سبق فول الحافظ الذهبي فإن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات المقدسة. وقد علم المسلمون أن ذات الباري موجودة حقيقةً، لا مِثلَ لها، وكذلك صفاته تعالى موجودة، لا مثل لها

    قال الإمام ابن القيم في (الصواعق المرسلة):،
    وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات، فكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات، فصفاته لا تشبه الصفات، فما جاءهم من الصفات عن المعصوم تلقَّوه بالقَبول، وقابلوه بالمعرفة والإيمان والإقرار؛ لعلمهم بأنه صفة من لا شبيه لذاته ولا لصفاته

    قال بعض المحققين:
    صفات الرب تعالى معلومة من حيث الجملة والثبوت، غير معقولة من حيث التكييف والتحديد، فالمؤمن مبصر بها من وجه، أعمى من وجه، مبصر من حيث الإثباتُ والوجود، أعمى من حيث التكييفُ والتحديد
    قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. يقول ابن قتيبة: “أي: ليس كهو شيء، والعرب تقيم المثل مقام النفس، فتقول: مثلي لا يقال له هذا، أي: أنا لا يقال لي هذا” ويقول الزجاج: “هذه الكاف مؤكدة، والمعنى: ليس مثله شيء، ولا يجوز أن يقال: المعنى مثل مثله شيء؛ لأن من قال هذا فقد أثبت المثل لله، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا”

    يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي:
    “أي: ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لأن أسماءه كلها حسنى، وصفاته صفة كمال وعظمة، وأفعاله تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك، فليس كمثله شيء؛ لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه

    فالواجب قطع الطمع عن إدراك حقيقة الكيفية؛ لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل،
    قال تعالى : {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]…
    فيصير المعنى: لا إحاطة للعلم البشري برب السماوات والأرض،
    فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها،
    فالإحالة المسندة للعلم منفية عن رب العالمين،
    فلا يشكل عليكم بعد هذا صفة نزول ولا مجيء ولا صفة يد ولا أصابع ولا عجب ولا ضحك؛
    لأن هذه الصفات كلها من باب واحد،
    فما وصف الله به نفسه منها فهو حق،
    وهو لائق بكماله وجلاله،
    لا يشبه شيئًا من صفات المخلوقين،
    وما وصف به المخلوق منها فهو حق مناسب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم.
    {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
    ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} تنزيه بلا تعطيل،
    {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إيمان بلا تمثيل.

    {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} التنزيه الكامل الذي ليس فيه تعطيل،
    ويلزم من قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الإيمان بجميع الصفات الذي ليس فيه تمثيل،
    فأول الآية تنزيه،
    وآخرها إثبات،
    ومن عمل بالتنزيه الذي في {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
    ، والإيمان الذي في قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}،
    وقطع النظر عن إدراك الكنه والحقيقة المنصوص في قوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}
    خرج سالـمًا
    قال قَوَّام السُّنَّة : (قال قوم من أهل العلم: ذات الله حقيقته.
    وقال بعضهم: انقطع العلم دونها.
    وقيل: ذات الله موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة
    ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا،
    وهو موجود بحقائق الإيمان على الإيقان بلا إحاطة إدراك،
    بل هو أعلم بذاته، وهو موصوف غير مجهول،
    وموجود غير مدرك،
    ومرئي غير محاط به؛ لقربه،
    كأنك تراه، يسمع ويرى،
    وهو العلي الأعلى،
    وعلى العرش استوى تبارك وتعالى،
    ظاهرٌ في ملكه وقدرته،
    قد حَجَبَ عن الخلق كنه ذاته،
    ودلهم عليه بآياته؛ فالقلوب تعرفه،
    والعقول لا تكيفه،
    وهو بكل شيء محيط، وعلى كل شيء قدير)

    لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا يشبه الأنام
    الله سبحانه وتعالى لا يُحاط به،
    فالله أعظم من كل شيء سبحانه وتعالى (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً)
    ، فالله سبحانه يُعلم ولكن لا يُحاط به،
    فالله أعظم من كل شيء،
    فلا يتخيله الفكر،
    ولا يجوز لإنسان أن يقول في الله إلا ما قاله سبحانه عن نفسه، أو قاله عنه رسوله عليه الصلاة والسلام..
    فالله سبحانه وتعالى منزه عن مشابهة الخلق: (ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير)ولم يكن له كفواً أحداً) [الإخلاص: 4] فهو سبحانه منزه عن مشابهة خلقه، وإن كان له أسماء وصفات تشترك مع أسماء وصفات الخلق في اللفظ والمعنى، لكن في الحقيقة والكيفية لا تشابه بينهما.حياته كاملة لا يعتريها نقص ولا نوم (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) [البقرة: 255] ، (وتوكل على الحي الذي لا يموت) [الفرقان: 58] فنفي عن نفسه السِّنة، وهي النوم الخفيف والنوم
    المستغرق ، ونفى عن نفسه الموت لكمال حياته سبحانه . والنوم والنعاس والموت نقص في الحياة، وهذه من صفة المخلوق، وحياة المخلوق ناقصة فهو ينام ويموت

    "لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام"
    هذا يرد به على المجسمة والمعطلة جميعاً،
    "لا تبلغه الأوهام"يعني: أن تفكير المفكر، ونظره بخياله لا يمكن أن يبلغ بخياله وفكره وصف الله جل وعلا،
    ولا كنه ذاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فليست الأفهام موضوعة لإدراكه {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} سبحانه.

    "ولا تبلغه الأوهام"
    يعني: مهما فكر العبد فلن يبلغ كنه ذاته سبحانه،
    ولا كنه اتصافه بصفاته
    جل وعلا،
    ولا يمكن للأفهام مهما علت أن تدرك ذلك،
    ففيه رد على المجسمة الذين جعلوا الله جل وعلا جسماً كالأجسام،
    وفيه رد على المعطلة الذين جعلوا الله جل وعلا معطلاً بصفاته،
    معطلاً عما وصف به نفسه؛ لأنهم شبهوا أولاً، ثم عطلوا ثانياً، فقام....

    الشيخ:... {أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فمعرفة الإنسان باتفاق العقلاء والحكماء، واتفاق أهل الشرع أنها إنما تكون شيئا فشيئا،
    وهذا هو الذي يسمى عند الفلاسفة نظرية المعرفة، أو نظرية حصول المعارف،
    وه
    ي كما قلنا تأتي شيئا فشيئا،
    وهي مبن
    ية على قسمين:

    القسم الأول: أن هناك أشياء يدركها بحواسه؛باللمس،بالبصر، بالشمِّ،بالذوق، بالسماع، بحواسه يدرك، وهذا نوع من تحصيل المعارف، نوع من المعارف يحصل للإنسان بحواسه، وهذا أول ما يبدأ به الصغير.
    والقسم الثاني: ما يحصل بعقله وإدراكه، وهذا مبني على المقارنة، وهذا القسم الثاني: مبني على الأول،
    وهو أنه يقارن الأشياء مع ما أحسها،
    فالمحسوسات التي أدركها بعينه، وبشمه، وبذوقه، وبسمعه، و
    بلمسه للأشياء
    هذه تسمى ضرورية؛
    لأن وجودها لا يحتاج إلى برهان،
    وغيرها مما يحصل به المعرفة إنما يكون منسوبا عنده بهذه الأشياء،
    فيرى مثلا هذا العمود، فيراه بإحساسه ذا حجم، ثم يرى عمودا آخر أصغر منه، فيراه مختلفا عنه في الطول، فعقد المقارنة، وقال: هذا أصغر من هذا، ثم عقد المقارنة فقال: هذا أكبر من هذا،
    عقد المقارنة بين الألوان فقال: هذا أبيض، وهذا أسود، وهذا أحمر،
    عقد المقارنة بين الأشياء الحرارية فقال: هذا بارد، وهذا متوسط، وهذا دافئ وهذا حار إلى آخر ذلك.

    وهذا نتحصل منه على القاعدة المتفق عليها بين القائلين بنظرية المعرفة،
    وهي صحيحة شرعا على القدر الذي ذكرت لك؛

    بأنه لا يمكن للوهم؛ وهم الإنسان
    ،
    ولا يمكن لفهمه أن يدرك شيئا ولا أن يبلغه وهمه وفهمه إلا إذا رآه، أو أحسه بأحد الحواس، أو رأى ما يماثله ويشابهه فيقيس عليه، أو رأى ما يقيسه عليه،ولو لم ير ما يماثله، أو يشابهه إذا أمكنه القياس،
    فمثلا، يقول مثلا: تذكر صفة حيوان ما،
    إذا قيل لك
    : هناك حيوان اسمه القلا، أي اسم، فأنت مباشرة تتصور، ولو لم تعرف حقيقته، إنما ما دام إنه حيوان يمكن أن تقيس وتستخرج بعض الصفات؛ لأنا ابتدأنا وقلنا: حيوان، فإذا قلت: إنه أكبر من الفيل ذهبت إلى شيء آخر،إذا قلت: إنه أصغر من الفيل بدأت تتحدد، وتقرب عندك؛ لأنك أدركت هذه الأشياء بما رأيت أو بما يمكنك أن تقيس عليه.

    ولهذا نقول:
    لا يمكن لأحد أن يدرك شيئا إلا إذا رآه، ولا أن يتحصل منه على معرفة
    ؛
    معرفة يبلغها وهمه، وتدركها فهمه إلا إذا رآه، أو رأى مثيله
    وشبيهه،
    أو رأى ما يقاس عليه،
    المثيل والشبيه مثلا تقول مثلا: أكلنا خبزا في بلد كذا، ما دام ذكرت الخبز، نحن أكلنا خبزا هنا، هناك، إذا قال لك: الخبزة مثلا ثلاثة أمتار طولها، فنأخذها ونقطعها، تعرف أن الخبز دقيق، أو بر إلى آخره، فعرفت شبيهه أو مثيله، فيمكن أن تدرك الآخر برؤيتك لما يدخل معه في الشبه، أو في المثلية.

    الله سبحانه وتعالى لم تدركه الحواس، لم تدركه الحواس سبحانه وتعالى، ولم ير مثيل له، أو شبيه له، ولم ير ما يقاس ،
    ما يمكن أن يقاس الحق عليه جل وعلا،
    ولذلك دخول المعرفة أو إدراك المعرفة،
    أو حصول المعرفة بالله جل وعلا لا يمكن أن تكونبالأوهام، أو الأفهام، أو بالأقيسة ، أو بما تراه،
    ولهذا احتاج الناس إلى بعثة الرسل تبين لهم صفة ربهم جل وعلا وصفة خالقهم؛
    لأنه جل وعلا لم ير،
    ولم يدرك مثله ولا ما يشبهه سبحانه،
    ولا يمكن أيضا أن يقاس على شيء.

    فلذلك كان لابد من بعثة الرسل لبيان ذلك،
    وهذا يعني أنه سبحانه لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام،
    فإذن قوله:"لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام"
    منطلق من مسألتين كبيرتين ذكرتهما لك في هذه المسألة.

    المسألة الثانية:
    أن الأوهام والأفهام هذه عبر عنها بقوله:"لا تبلغه الأوهام"في الأوهام. وفي الأفهام قال:"لا تدركه الافهام". وهذا راجع إلى أن الوهم يعني: ما يتوهمه الإنسان فغير ما يفهمه، فالوهم راجع للخيال، والفهم راجع للأقيسة والمقارنات.
    ولهذا الرب جل وعلا لا يمكن تخيله،
    ولا يمكن أيضا أن يفكر فيه فيدرَك ،وهذا معنى قول الله جل وعلا: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}
    سبحانه وتعالى،
    لا تدركه الأبصار،
    لا تدركه الأبصار سبحانه، ولا تدركه الأبصار,
    هنا الأبصار تأتي بمعنى البصر،هو سبحانه لا يحيط به البصر،
    إذا رآه أهل الإيمان في الآخرة، وفي الدنيا،لا تدركه الأبصار أيضا (اللي) هي الرؤى، والعيون،
    وكذلك الأبصار التي هي الأفهام والأوهام لا تدركه جل وعلا.
    فالفهم إذن منقطع، والوهم إذن منقطع،
    ولهذا قال بعض السلف
    :
    ما خطر ببالك فالله جل وعلا بخلافه، لم؟
    لأني ذكرت لك أن لا يمكن أن يخطر ببالك،
    ولا أن تتخيل إلا شيئا مبنيا على نظرية المعرفة من قبل،
    وهذا مقطوع يقيني،
    إذن فصار الأمر أن إثبات الصفات لله جل وعلا بأنواعها،
    مع قطع الطمع في بلوغ الوهم لها من جهة الكيفية والكنه،
    وكذلك من جهة إدراك الأفهام لتمام معناها،
    فمن الجهتين: كنه الصفة الكيفية،
    وكذلك تمام المعنى هذا لا يمكن أن تبلغه الأوهام، ولا أن تدركه الأفهام.
    شرح الطحاوية للشيخ صالح ال الشيخ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    هل هذه الأحاديث تدل أن الله من شيء لكن الله لم يطلعنا عليه؟

    عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «إن المشركين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : انسب لنا ربك............فأنزل الله عز وجل....
    - اللَّـهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
    {اللَّـهُ الصَّمَدُ}، أجمع ما قيل في معناه:
    أنه الكامل في صفاته،
    الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته،
    فقد روي عن ابن عباس أن
    {الصَّمَدُ} هو الكامل في علمه، الكامل في حلمه، الكامل في عزته، الكامل في قدرته ...إلى آخر ما ذكر في الأثر، وهذا يعني أنه مستغنٍ عن جميع المخلوقات لأنه كامل.
    {اللَّـهُ أَحَدٌ} أي:
    متوحد بجلاله وعظمته،
    ليس له مثيل،
    وليس له شريك،
    بل هو متفرد بالجلال والعظمة عز وجل - ابن عثيمين
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    جنس منقطع النظير؟
    إن الله جل وعلا الكامل في صفاته الذي دلت العقول والنصوص على أنه لا نظير له سبحانه وتعالى،
    لا مثيل له في ربوبيته لا مثيل له في إلهيته لا مثيل له في ذاته و أسمائه وصفاته،
    ولذلك نفى الله جل وعلا عن نفسه النظير و المثيل في كتابه بألفاظ متنوعة،
    فقال سبحانه وتعالى:
    {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} هذا نفي للمثيل.
    و قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} نفى عن نفسه السمي وهو النظير والمثيل
    قال ابن عثيمين
    وهو الفرد المتفرد في ذاته وصفاته وأفعاله وألوهيته، فهو واحد في ذاته لا يتجزأ أو لا يتفرق، أحد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. وهو واحد في صفاته لا شبيه له على الوجه اللائق به من غير أن يماثله أحد فيما يختص به وهو واحد في أفعاله لا شريك له. واحد في ألوهيته لا معبود حق إلا هو [تقريب التدمرية]
    فالله سبحانه وتعالى لامثل له ولا ندَّ ولا كفؤ ولا نظير له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله،
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    بمعنى أن الله من جنس ... منقطع النظير؟
    قد سمى الله تعالى نفسه بالأسماء الحسنى كالحي القيوم، وعالم الغيب والشهادة، والقوي المتين، والسميع البصير،
    إلى غير ذلك من الأسماء المشتقة التي يستحيل تسمية الله تعالى بها بدون أن تقوم بها مصادرها الاشتقاقية وهي الصفات القائمة بذاته تعالى من العلم والحياة والسمع والبصر..، ولو لم يكن إلا الذات لكان العلم قدرة، والقدرة إرادة،
    ثم كيف تكون الذات الإلهية مجردة عن كمالاتها ثم يكون لها علم بالأشياء أو قوة عليها أو إرادة لها ؟!
    إن من المستحيل وجود الذات بدون صفات،
    وهكذا يستحيل خلو الذات الإلهية من صفاتها القائمة بها
    .
    هذا ولم يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح مثل هذا النفي لصفات الله تعالى عن ذاته،
    بل نعتوه سبحانه وتعالى بكل نعوت الكمال والعظمة والجلال،
    دون أن يجدوا
    فيما أثبتوه له تشبيهاً له سبحانه وتعالى بخلقه،
    فكما تنزهت ذاته عن مشابهة ذوات المخلوقين،
    فكذلك تتنزه صفاته عن مشابهة صفاتهم.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    أو مادة عليا
    يُطلق مُصطلح مادّة عند الفزيائين على كل شيء يتكون من جزيئات أو يُستخدم لتكوين مواد أخرى، ويتمتّع بخصائص كيميائيّة وبيولوجيّة وفيزيائيّة معيّنة؛ فالمواد قد تكون غازيّة أو سائلة أو صلبة، وقد تكون مفيدةً كالمواد الغذائية أو ضارّةً كالسّموم، ومن الممكن أن تكون مرئيّةً أو لا يُمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، أو غير مرئيّة إلا عند مُعالجتها باستخدام مواد أخرى، وغيرها الكثير من الصفات
    لو قلت اخى الكريم ضياء عمر - شيئا منقطع النظير من باب الاخبار لكان بمعنى - هل تعلم له سميا
    وقد تقدم فيما ذكره اخى الطيبونى
    سمى الله تعالى نفسه شيئاً.
    قال ابن حجر في الفتح: وذكر قوله: قل أي شيء أكبر شهادة ـ وحديث سهل بن سعد بعد أثري أبي العالية ومجاهد في تفسير استوى على العرش: قل أي شيء أكبر شهادة ـ سمى الله نفسه شيئا قل الله،
    ....
    و من كلام عبد العزيز بن يحيى المكي فإنه قال في كتاب الحيدة -: سمى الله تعالى نفسه شيئا إثباتا لوجوده ونفيا للعدم عنه وكذا أجرى على كلامه ما أجراه على نفسه ولم يجعل لفظ شيء من أسمائه، بل دل على نفسه أنه شيء تكذيبا للدهرية ومنكري الإلهية من الأمم وسبق في علمه أنه سيكون من يلحد في أسمائه ويلبس على خلقه ويدخل كلامه في الأشياء المخلوقة فقال ليس كمثله شيء فأخرج نفسه وكلامه من الأشياء المخلوقة ثم وصف كلامه بما وصف به نفسه فقال وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما انزل الله على بشر من شيء ـ وقال تعالى: أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ـ فدل على كلامه بما دل على نفسه ليعلم أن كلامه صفة من صفات ذاته فكل صفة تسمى شيئاً بمعنى أنها موجودة،
    قال ابن القيم في بدائع الفوائد: ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيَّاً، كالقديم، والشيء، والموجود.
    وفي شرح العقيدة الطحاوية للدكتور سفر الحوالي: إن كلمة: شيء ـ هي أعم كلمة، لأنها تشتمل أدق وأدنى ما يسمى، أو ما يرى، أو ما يكون في حيز الوجود وكذلك أعظم ما في الوجود يسمى شيء، كما في قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
    فكلمة: شيء ـ عامة تطلق عَلَى الكبير والصغير،
    فإذا قلنا: أي شيء، فهم منه أن الكلمة هي أعم الكلمات،
    فالله تعالى يطلق عليه شيء. اهـ.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    فوائد مهمة
    *******
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية
    فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب وقد بسطنا القول فيه وبينا ما في هذا اللفظ من إجمال فان التركيب خمسة أنواع ( كما ذكره ابن سينا وغيره ):
    أحدها: تركب الذات من وجود وماهية
    والثاني: تركيبها من وصف عام ووصف خاص كالمركب من الجنس والفصل
    والثالث: تركيب من ذات وصفات
    والرابع: تركيب الجسم من المادة والصورة
    والخامس: تركيبه من الجواهر المنفردة.
    وقد بينا أن ما يدعونه من التركيب من الوجود والماهية ومن الجنس والفصل باطل
    وأما تركيب الجسم من هذا وهذا فأكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة
    لم يبق إلا ذات لها صفات.
    وقد بينا أن المركب يقال على ما ركبه غيره
    وعلى ما كانت أجزاؤه متفرقة فاجتمعت
    وعلى ما يقبل مفارقة بعضه بعضا
    وهذه الأنواع الثلاثة منتفية عن رب العالمين باتفاق المسلمين.
    وهم جعلوا ما يوصف بالصفات تركيبا وهذا اصطلاح لهم وحقيقة الأمر تعود إلى موصوف له صفات متعددة فتسمية المسمى هذا تركيبا اصطلاح لهم
    والنظر إنما هو في المعاني العقلية
    وأما الألفاظ فان وردت عن صاحب الشرع المعصوم كان لها حرمة وإلا لم يلتفت إلى من أخذ يعبر عن المعاني الصحيحة المعلومة بالعقل والشرع بعبارة مجملة توهم معاني فاسدة وقيل لهم البحث في المعاني لا في الألفاظ كما بسط في موضعه. الرد على المنطقيين- ص 314-315.
    *********
    وقال شيخ الاسلام

    قول القائل إن المركب مفتقر إلى كل واحد من تلك الأجزاء أتعنى بالمركب تلك الأجزاء أو تعني به اجتماعها آو الأمرين أو شيئا رابعا فإن عنيت الأول كان المعنى أن تلك الأجزاء مفتقرة إلى تلك الأجزاء وكان حاصله أن الشيء المركب مفتقر إلى المركب وان الشيء مفتقر إلى نفسه وان الواجب بنفسه مفتقر إلى الواجب بنفسه
    ومعلوم أن الواجب بنفسه لا يكون مستغنيا عن نفسه بل وجوبه بنفسه يستلزم أن نفسه لا تستغني عن نفسه فما ذكرتموه من الافتقار هو تحقيق لكونه واجبا بنفسه لا مانع لكونه واجبا بنفسه
    وإن قيل إن المركب هو الاجتماع الذي هو اجتماع الأجزاء وتكبها
    قيل فهذا الاجتماع هو صفة وعرض للأجزاء لا يقول عاقل إنه واجب بنفسه دون الأجزاء بل إنما يقال هو لازم للأجزاء والواجب لنفسه هو الذات القائمة بنفسها وهي الأجزاء لا مجرد الصفة التي هي نسبة بين الأجزاء وإذا لم يكن هذا هو نفس الذات الواجبة بنفسها وإنما هو صفة لها فالقول فيه كالقول في غيره مما سميتموه أنتم أجزاء وغايته أن تكون بعض الأجزاء مفتقرة إلى سائرها وليس هذا هو افتقار الواجب بنفسه إلى جزئه
    وإن قيل إن المركب هو المجموع أي الأجزاء واجتماعها فهذا من جنس أن يقال المركب هو الأجزاء لكن على هذا التقدير صار الاجتماع جزءا من الأجزاء
    وحينئذ فإذا قيل هو مفتقر إلى الأجزاء كان حقيقته انه مفتقر إلى نفسه أي لا يستغني عن نفسه وهذا حقيقة وجوبه بنفسه لا مناف لوجوبه بنفسه وإن عنيت به شيئا رابع فلا يعقل هنا شيء رابع فلا بد من تصويره
    ثم هذا الكلام عليه وإن قال بل المجموع يقتضي افتقاره إلى كل جزء من الأجزاء
    قيل افتقار المجموع إلى ذلك الجزء كافتقار إلى سائر الأجزاء وذلك الجزء وسائر الأجزاء هي المجموع فعاد الأمر إلى انه مفتقر إلى نفسه
    فإن قيل فأحد الجزأين مفتقر إلى الآخر أو قيل الجملة مفتقرة إلى كل جزأ إلى آخره
    قيل أولا ليس هذا هو حجتكم فإنما ادعيتم افتقار إلى الآخر أن أحدهما فاعل للآخر آو علة فاعلة له فهذا باطل بالضرورة فإن المركبات الممكنة ليس أحد أجزائها علة فاعلة للآخر ولا فاعلا له باختياره فلو قدر أن في المركبات ما يكون جزؤه فاعلا لجزئه لم يكن كل مركب كذلك فلا تكون القضية كلية فلا يجب أن يكون مورد النزاع داخلا فيما جزؤه مفتقر إلى جزئه فكيف إذا لم يكن في بعض أجزائه علة فاعلة للجزء الآخر ؟
    وإن عنيت أن أحد الجزأين لا يوجد إلا مع الجزء الآخر فهذا غنما فيه تلازمهما وكون أحدهما مشروطا بالآخر وذلك دور معي اقتراني وهو ممكن صحيح لا بد منه في كل متلازمين وهذا لا ينافي كون المجموع واجبا بالمجموع
    وإذا قيل في كل من الأجزاء هل هو واجب بنفسه أم لا ؟
    قيل إن أردت هل هو مفعول معلول لعلة فاعلة أم لا ؟ فليس في الأجزاء ما هو كذلك بل كل منها واجب بنفسه بهذا الاعتبار وإن عنيت أنه هل فيها في الأجزاء ما هو كذلك بل كل منها واجب بنفسه بهذا الاعتبار وإن عنيت أنه هل فيها ما يوجد بدون وجود الآخر فليس فيها ما هو مستقل فيها ما هو مستقل دون الآخر ولا هو واجب بنفسه بهذا الاعتبار والدليل دل على إثبات واجب بنفسه غنى عن الفاعل والعلة الفاعلة لا على أنه لا يكون شيء غني عن الفاعل مستلزما للوازم
    فلفظ الواجب بنفسه فيه إجمال واشتباه دخل بسببه غلط كثير فما قام عليه البرهان من إثبات الواجب بنفسه ليس هو ما فرضه هؤلاء النفاة فإن الممكن هو الذي لا يوجد إلا بموجد يوجده والواجب هو الذي يكون بنفسه لا بموجد يوجده فكونه بنفسه مستلزما للوازم لا ينافي أن يكون ذاتا متصفة بصفات الكمال وكل من الذات والصفات ملازم للأخر وكل من الصفات ملازمة للأخرى وكل ما يسمى جزءا فهو ملازم للآخر

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    وقال شيخ الاسلام ابن تيمية:
    وَعُمْدَةُ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ عَلَى نَفْيِهَا ( أي الصفات ) هِيَ حُجَّةُ التَّرْكِيبِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ صِفَةٌ لَكَانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئَيْهِ، وَجُزْءَاهُ غَيْرُهُ، وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ.
    وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ عَلَى إِبْطَالِ هَذِهِ الْحُجَّةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ بِسَبَبِ أَنَّ لَفْظَ " التَّرْكِيبِ " وَ " الْجُزْءِ " وَ " الِافْتِقَارِ " وَ " الْغَيْرِ " أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ. فَيُرَادُ بِالْمُرَكَّبِ مَا رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقًا فَاجْتَمَعَ، وَمَا يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ، والله سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتٍ لَازِمَةٍ لَهَا، فَإِذَا سَمَّى الْمُسَمِّي هَذَا تَرْكِيبًا، كَانَ هَذَا اصْطِلَاحًا لَهُ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنْ لَفْظِ الْمُرَكَّبِ. وَالْبَحْثُ إِذَا كَانَ فِي الْمَعَانِي الْعَقْلِيَّةِ لَمْ يُلْتَفَتْ فِيهِ إِلَى اللَّفْظِ فَيُقَالُ: هَبْ أَنَّكُمْ سَمَّيْتُمْ هَذَا تَرْكِيبًا فَلَا دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى نَفْيِهِ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ نَاظَرَهُمْ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي " التَّهَافُتِ ".... فَهَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ، مُؤَلَّفَةٌ مِنْ أَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ. فَإِذَا قَالُوا:
    " لَوْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ لكانَ مُرَكَّبًا، وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئِهِ، وَجُزْؤُهُ غَيْرُهُ وَالْمُفْتَقِرُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ ".
    قِيلَ لَهُمْ: قَوْلُكُمْ: " لَكَانَ مُرَكَّبًا " إِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ: لَكَانَ غَيْرُهُ قَدْ رَكَّبَهُ، أَوْ لَكَانَ مُجْتَمِعًا بَعْدَ افْتِرَاقِهِ، أَوْ لَكَانَ قَابِلًا لِلتَّفْرِيقِ، فَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْكَلَامَ هُوَ فِي الصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْمَوْصُوفِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِدُونِهَا، فَإِنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَهُوَ لَيْسَ بِحَيٍّ وَلَا عَالِمٍ وَلَا قَادِرٍ، وَحَيَاتُهُ وَعِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ صِفَاتٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ.
    وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِالْمُرَكَّبِ الْمَوْصُوفَ أَوْ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ. قِيلَ لَكُمْ : وَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ؟
    قَوْلُهُمْ: " وَالْمُرَكَّبُ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ ". قِيلَ: أَمَّا الْمُرَكَّبُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَى مَا يُبَايِنُهُ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى الله. وَأَمَّا الْمَوْصُوفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ اللَّازِمَةِ لِذَاتِهِ الَّذِي سَمَّيْتُمُوهُ أَنْتُمْ مُرَكَّبًا، فَلَيْسَ فِي اتِّصَافِهِ هُنَا بِهَا مَا يُوجِبُ كَوْنَهُ مُفْتَقِرًا إِلَى مُبَايِنٍ لَهُ. فَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ غَيْرُهُ، وَهُوَ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِهَا، وَهَذَا افْتِقَارٌ إِلَيْهَا. قِيلَ لَكُمْ : إِنْ أَرَدْتُمْ بِقَوْلِكُمْ: " هِيَ غَيْرُهُ " أَنَّهَا مُبَايِنَةٌ لَهُ، فَذَلِكَ بَاطِلٌ . وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ إِيَّاهُ، قِيلَ لَكُمْ : وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الصِّفَةُ هِيَ الْمَوْصُوفَ فَأَيُّ مَحْذُورٍ فِي هَذَا؟
    فَإِذَا قُلْتُمْ: هُوَ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهَا.
    قِيلَ: أَتُرِيدُونَ بِالِافْتِقَارِ أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى فَاعِلٍ يَفْعَلُهُ، أَوْ مَحَلٍّ يَقْبَلُهُ؟ أَمْ تُرِيدُونَ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لَهَا فَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا إِلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهَا؟ فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الثَّانِي، قِيلَ: وَأَيُّ مَحْذُورٍ فِي هَذَا؟... منهاج السنة. ج2- ص 164 إلى ص 168.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    وقال شيخ الاسلام
    وأما طريقة أهل المنطق ودعواهم : أن الحد التام مقصوده التعريف بالحقيقة وأن الحقيقة مؤلفة من الصفات الذاتية الداخلة في المحدود وهي : الجنس والفصل وتقسيمهم الصفات اللازمة للموصوف إلى : داخل في الحقيقة وخارج عنها عرضي وجعل العرضي الخارج عنها اللازم على نوعين : لازم للماهية ولازم لوجود الماهية وبناءهم ذلك على أن ماهيات الأشياء التي هي حقائقها ثابتة في الخارج وهي مغايرة للموجودات المعينة الثابتة في الخارج وأن الصفات الذاتية تكون متقدمة على الموصوف في الذهن والخارج وتكون أجزاء سابقة لحقيقة الموصوف في الوجودين : الذهني والخارجي
    فهذا ونحوه خطأ عند جماهير العقلاء من نظار الإسلام وغيرهم بل الذي عليه نظار الإسلام أن الصفات تنقسم إلى : لازمة للموصوف لا تفارقه إلا بعدم ذاته وإلى عارضة له يمكن مفارقتها له مع بقاء ذاته وهذه اللازمة منها : ما هو لازم للشخص دون نوعه وجنسه ومنها ما هو لازم لنوعه أو جنسه
    وأما تقسيم اللازمة إلى ذاتي وعرضي وتقسيم العرضي إلى لازم للماهية ولازم للوجود وغير لازم بل عارض فهذا خطأ عند نظار الإسلام وغيرهم
    بل طائفة من نظار الإسلام قسموا اللازم إلى : ذاتي ومعنوي وعنوا بالصفات الذاتية : ما لا يمكن تصور الذات مع عدمه وعنوا بالمعوي : ما يمكن تصور الذات بدون تصوره وإن كان لازما للذات فلا يلزمها إلا إذا تصور معينا يقوم بالذات
    فالأول عندهم مثل كوب قائما بنفسه وموجودا بل وكذلك كونه قديما عند أكثرهم فإن ابن كلاب يقول : القديم يقدم والأشعري له قولان أشهرهما عند أصحابه : أنه قديم بغير قدم لكنه باق ببقاء وقد وافقه على ذلك ابن أبي موسى وغيره وأما القاضي أبو بكر فإنه يقول : باق بغير بقاء ووافقه على ذلك أبو يعلى وأبو المعالي وغيرهما
    والثاني عندهم : مثل كونه حيا وعليما وقديرا ونحو ذلك
    وتقسيم هؤلاء اللازمة إلى ذاتي ومعنوي كلام ليس هذا موضع بسطه فإنهم لم يعنوا بالذاتي ما يلزم الذات إذ الجميع لازم للذات ولا عنوا بالذاتي : المقوم للذات كاصطلاح المنطقيين : فإن هؤلاء ليس عندهم في الذوات ما هو مركب من الصفات : كالجنس والفصل ولا يقسمون الصفات إلى مقوم داخل في الماهية هو جزء منها وإلى عرضي خارج عنها ليس مقوما بل هذا التقسيم عندهم وعند جمهور العقلاء خطأ كما هو خطأ في نفس الأمر إذ التفريق بين الذاتي المقوم واللازم الخارج تفريق باطل لا يعود إلا إلى مجرد تحكم يتضمن التفريق بين المتامثلين كما قد بسط في موضعه
    ولهذا يعترف حذاق أئمة أهل المنطق كابن سينا وأبي البركات صاحب المعتبر وغيرهما بانه لا يمكن ذكر فرق مطرد بين هذا وهذا وذكر ابن سينا ثلاثة فروق مع اعترافه بانه ليس واحد منها صحيحا واعترض أبو البركات على ما ذكره ابن سينا بما يبين فساد الفرق بين الذاتي المقوم والعرضي اللازم
    وأبو البركات لما كان معتبرا لما ذكره أئمة المشائين لا يقلدهم ولا يتعصب لهم كما يفعله غيره مثل ابن سينا وأمثاله نبه على أن ما ذكره أرسطو وأصحابه في هذا الموضع مما لم تعرف صحته ولا منفعته
    وغير أبي البركات بين فساده وتناقضه وصنف مصنفات في الرد على أهل المنطق كما صنف أبو هاشم و ابن النوبختي والقاضي أبو بكر بن الطيب وغيرهم
    وهؤلاء الكلابية الذين يفرقون بين الصفات الذاتية والمعنوية هم أصح نظرا من هؤلاء المنطقيين وهم ينكرون ما ذكر المنطقيون من الفرق فلا يعود تفريقهم إلى تفريق المنطقيين بل تفريقهم يعود إلى ما ذكروه هم من أن الصفات الذاتية عندهم مالا يمكن تصور الذات مع تصور عدمها والصفات المعنوية ما يمكن تصور الذات مع تصور عدمها كالحياة والعلم والقدرة فإنه يمكن تصور الذات مع نفي هذه الصفات ولا يمكن تصور الذات مع نفي كونها قائمة بالنفس وموجودة وكذلك لا يمكن ذلك مع نفي كونها قديمة عند أكثرهم
    وابن كلاب والأشعري في أحد قوليه جعل القدم كالعلم والقدرة والبقاء فيه نزاع بين الأشعري ومن أتبعه كأبي علي بن أبي موسى وأمثاله وبين القاضي أبي بكر ومن أتبعه كالقاضي أبي يعلي وأمثاله
    وهؤلاء أيضا تفريقهم باطل فإن قولهم : لا يمكن تصور الذات مع نفي تلك الصفة
    يقال لهم : لفظ التصور مجمل يراد به تصور ما وهو الشعور بالمتصور من طريق الوجود ويراد به التصور التام وما من متصور إلا وفوقه تصور أتم منه
    ومن هذا دخل الداخل على هؤلاء المنطقيين الغالطين وعلى هؤلاء فإن عنوا به التصور التام للذات الثابتة في الخارج التي لها صفات لازمة لها فهذه لا يمكن تصورها كما هي عليه مع نفي الصفات فإذا عني بالماهية ما يتصوره المتصور في ذهنه فهذا يزيد وينقص بحسب تصور الأذهان
    وإن عنوا به ما في الخارج فلا يوجد بدون جميع لوازمه وإن عني بذلك أنه لا يمكن تصورها بوجه من الوجوده مع نفي هذه الصفات فهذا يرد عليهم فيما جعلوه ذاتيا مثل كونه قائما بنفسه وكونه قديما ونحو ذلك
    فإنه قد يتصور الذات تصورا ما من لا يخطر بقلبه هذه المعاني بل من ينفي هذه المعاني أيضا وإن كان ضالا في نفيها كما أن من نفي الحياة والعلم والقدرة كان ضالا في نفيها
    وإذا قيل : لا يمكن وجود الفعل إلا من ذات قائمة بنفسها قديمة
    قيل : ولا يمكن إلا من ذات حية عالمية قادرة
    فإذا قيل : هذه يمكن بعض العقلاء أن يتصور كونها فاعلا مع انتفاء هذه الصفات قيل : هذا تصور باطل والتصورات الباطلة لا ضابط لها فقد يمكن ضال آخر أن يتصور كونها فاعلة مع عدم القيام بالنفس فإن الفرق إذا عاد إلى اعتقاد المعتقدين لا إلى حقائق موجودة في الخارج كان فرقا ذهنيا اعتباريا لا فرقا حقيقا من جنس فرق أهل المنطق بين الذاتي المقوم والعرضي اللازم فإنه يعود إلى ذلك حيث جعلوا الذاتي مالا تتصور الماهية بدون تصوره والعرضي ما يمكن تصورها بدون تصوره وليس هذا بفرق في نفس الأمر وإنما يعود إلى ما تقدره الأذهان فإنه ما من تصور إلا وفوقه تصور أتم منه فإن أريد بالتصور مطلق الشعور بالشيء فيمكن الشعور به بدون الصفات التي جعلوها ذاتيه فإنه قد يشعر بالإنسان من لا يخطر بباله انه حيوان ناطق أو جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق
    وإن أرادوا التصور التام فقول القائل : حيوان ناطق لا يوجب التصور التام للموصوف بل ما من تصور إلا وفوقه تصور أكمل منه فغن صفات الموصوف ليست منحصرة فيما ذكروه
    وإن قالوا : نريد به التصور التام للصفات الذاتية عادت المطالبة بالفرق فيبقى الكلام دورا
    وهذا كما انهم يقولون : ماهية الشيء هي المركبة من الصفات الذاتية ثم يقولون : الصفات الذاتية هي التي يتوقف تحقق الماهية عليها أو يقف تصور الماهية عليها فلا تعقل الصفة الذاتية حتى تعقل الماهية ولا تعقل الماهية حتى تعقل الصفة الذاتية لها فيبقى الكلام دورا
    كما يجعلون الصفات الذاتية أجزاء للماهية مقومة لها سابقة لها في الحقيقة في الوجودين الذهني والخارجي مع العلم بان الذات أحق بأن تكون سابقة من الصفات إن قدر أن هناك سبقا وإلا فهما متلازمان
    وإذا قيل هي أجزاء
    قيل إن كانت جواهر كان الوهر الواحد جواهر كثيرة وإن كانت اعراضا فهي صفات
    فإذا قيل الإنسان حيوان ناطق
    قيل : إن كانت الحيوانية والناطقية أعراضا فهي صفات الإنسان وإن كانت جواهر هو حساس وجوهر هو نام ومعلوم فساد هذا
    وحقيقة الأمر أنها صفات لما يتصور في الإذهان وصفات لما هو موجود في الأعيان وأن الذات هي أحق بتقويم الصفات من الصفات بتقويم الذات
    وأيضا فإن أرادوا تصور الصفات مفصلة فمعلوم أن قولهم حيوان ناطق لا يوجب تصور سائر الذاتيات مفصلا فإن كونه جسما ناميا وحساسا ومتحركا بالإرادة لا يدل عليه اسم الحيوان دلالة مفصلة بل مجملة وإن أرادوا بالتصور التصور سواء كان مجملا أو مفصلا فمعلوم أن لفظ الإنسان يدل على الحيوان والناطق كما يدل لفظ الحيوان على الجسم النامي الحساس المتحرك بالإرادة فيكون اسم الإنسان كافيا في تعريف صفات الإنسان مثل ما أن لفظ الحيوان كاف في تعريف صفات الحيوان
    فإذا كانوا في تعريف الإنسان لا يأتون إلا بلفظ يدل على صفاته الذاتية دلالة مجملة وهذا القدر حاصل بلفظ الإنسان كان تعريفهم من جنس التعريف بالأسماء وكان ما جعلوه حدا من جنس ما جعلوه اسما
    فإن كان أحدهما دالا على الذات فكذلك الآخر وإلا فلا فلا يجوز جعل أحدهما مصورا للحقيقة دون الآخر غاية ما يقال إن في هذا الكلام من تفصيل بعض الصفات ما ليس في الآخر
    فإن قول القائل : حيوان ناطق فيه من الدلالة على معنى النطق باللفظ الخاص ما ليس في لفظ الإنسان
    فيقال : وكذلك في لفظ النامي من الدلالة على النمو باللفظ الخاص ما ليس في لفظ الحيوان وأنتم لا توجبون ذلك
    وكذلك لفظ الحساس والمتحرك بالإرادة فعلم أن كلامهم لا يرجع إلى حقيقة موجوده معقولة وإنما يرجع إلى مجرد وضع واصطلاح وتحكم واعتبارات ذهنية وهذا مبسوط في موضعه
    وكذلك الذين فرقوا بين الصفات الذاتية وبين المعنوية اللازمة للذات من الكلابية وأتباعهم يعود تفريقهم إلى وضع واصطلاح وتحكم واعتبارات ذهنية لا إلى حقيقة ثابتة في الخارج ولهذا يضطربون في الفرق بين الصفات الذاتية والمعنوية
    فهذا يقول إنه قديم بقدم باق ببقاء وهذا ينازع في هذا أو في هذا
    والنافي يقول : هو عالم بذاته قادر بذاته كما يقول هؤلاء إنه باق بذاته قديم بذاته
    وإذا أراد بذلك أن علمه من لوازم ذاته لا يفتقر إلى شيء آخر فقد أصاب وإن أراد أنه يمكن كونه حيا عالما قادرا بدون حياة وعلم وقدرة فقد أخطأ وذاته حقيقتها هي الذات المتسلزمة لهذه المعاني فتقدير وجودها بدون هذه المعاني تقدير باطل لا حقيقة له ووجود ذات منفكه عن جميع الصفات إنما يمكن تقديره في الأذهان لا في الأعيان وهذه الأمور مبسوطة في موضعها
    والمقصود هنا أن التعريف بالحدود والتعريف بالأدلة قد يتضمن إيضاح الشيء بما هو اخفى منه وقد يكون الخفاء والظهور من الأمور النسبية الإضافية فقد يتضح لبعض الناس أو للإنسان في بعض الأحوال ما لا يتضح لغيره أو له في وقت آخر فينتفع حينئذ بشيء من الحدو والأدلة لا ينتفع بها في وقت آخر
    وكلما كانت حاجة الناس إلى معرفة الشيء وذكره أشد وأكثر كانت معرفتهم به وذكرهم له أعظم وأكثر وكانت طرق معرفته أكثر وأظهر وكانت الأسماء المعرفة له أكثر وكانت على معانيه أدل
    فالمخلوق الذي يتصوره الناس ويعبرون عنه اكثر من غيره تجد له من الأسماء والصفات عندهم ما ليس لغيره كالأسد والداهية والمخمر والسيف ونحو ذلك فلكل من هذه المسميات في اللغة من الأسماء أسماء كثيرة وهذا الاسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الآخر كما يقولون في السيف : صارم ومهند وأبيض وبتار ومن ذلك أسماء الرسول صلى الله عليه و سلم وأسماء القرآن قال النبي صلى الله عليه و سلم [ لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب ] وقال أنا الضحوك القتال انا نبي الرحمة أنا نبي الملحمة ومن أسمائه المزمل والمدثر والرسول النبي
    ومن أسماء القرآن : الفرقان والتنزيل والكتاب والهدى والنور والشفاء والبيان وغير ذلك
    ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه وله سبحانه في كل لغة أسماء واه في اللغة العربية أسماء كثيرة
    والصواب الذي عليه جمهور العلماء أن قول النبي صلى الله عليه و سلم [ إن لله تسعة وتسعين أسما من أحصاها دخل الجنة ] معناه أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة ليس مراده أنه ليس له إلا تسعة وتسعون أسما فإنه في الحديث الآخر الذي رواه أحمد وأبو حاتم في صحيحه [ أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو أستأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب غمي وهمي ]
    وثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يقول في سجوده 5 اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت صفاته فأخبر أنه صلى الله عليه و سلم لا يحصى ثناء عليه ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها فكان يحصي الثناء عليه لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه

    درء تعارض العقل والنقل - (2/115-http://islamport.com/w/tym/Web/3223/316.htm#

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
    وقد ذكرنا مثل هذا في غير موضع وبينا أن لفظ ( الجزء ) و ( الغير ) و ( الافتقار ) و ( التركيب ) ألفاظ مجملة موها بها على الناس فإذا فسر مرادهم بها ظهر فساده وليس هذا المقام مقام بسط هذا
    ونحن هذا البرهان عندنا صحيح وهو أن كل ماسوى الله ممكن وكل ممكن فهو مفتقر إلى المؤثر لأن المؤثر لا يؤثر إلا في حال حدوثه لكن يقرر ذلك بمقدمات لم يذكرها الرازي هنا كما بسط في موصع آخر
    وأما الجواب عن المعارضة بكون الرب عالما قادرا فجوابه : أن الواجب بذاته يراد به الذات الواجبة بفسها المبدعة لكل ما سواها وهذا واحد ويراد به : الموجود بنفسه الذي لا يقبل العدم
    وعلى هذا : فالذات واجبة والصفات واجبة ولا محذور في تعداد الواجب بهذا التفسير كما لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده وسواء كان ذاتا أوصفه لذات القديم بخلاف ما إذا أريد بالقديم الخالقة لكل شيء فهذا واحد لا إله إلا هو وقد يراد بالواجب الموجود بنفسه القائم بنفسه وعلى هذا : فالذات واجبة دون الصفات
    وعلى هذا : فإذا قال القائل : الذات مؤثرة في الصفات والمؤثر والأثر ذاتان قيل له : لفظ التأثير مجمل أتعني بالتأثير هنا : كونه أبدع الصفات وفعلها أم تعني به كون ذاته مستلزما لها ؟ فالأول ممنوع في الصفات والثاني مسلم والتأثير في المبدعات هو بالمعنى الأول لا بالمعنى الثاني بل قد بينا في غير هذا الموضع : أنه يمنع أن يكون مع الله شيء من المبدعات قديم بقدمه
    (1/429)

    البرهان الخامس
    قال الرازي في البرهان الخامس : ( لو كان الجسم قديما لكان قدمه : إما أن يكون عين كونه جسما وإما مغايرا لكونه جسما والقسمان باطلان فبطل القول بكون الجسم قديما
    إنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون قدم الجسم عين كونه جسما لأنه لو كان كذلك لكان العلم بكونه جسما علما بكونه قديما فكما أن العلم بكونه جسما ضروري لزم أن يكون العلم بكونه قديما ضروريا ولما بطل ذلك فسد هذا القسم
    وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون قدم الجسم زائدا على كونه جسما لأن ذلك الزائد : إن كان قديما لزم أن يكون قدمه زائدا عليه ولزم التسلسل وإن كان حادثا فكل حادث فله أول وكل قديم فلا أول له فلو كان قدم القديم عبارة عن ذلك الحادث للزم أن يكون ذلك الشيء له أول وأن لا يكون له أول وهو محال )
    ثم قال : ( فإن عارضوا بكونه حادثا قلنا : الحادث عبارة عن مجموع الوجود الحاصل في الحال والعدم السابق ولا يبعد حصول العلم بالوجود الحاصل مع الجهل بالعدم السابق بخلاف القديم فإنه لا معنى له إلا نفس وجوده فظهر الفرق )
    ثم قال : وهذا وجه جدلي فيه مباحثات دقيقة )
    قال : ( وليكن هذا آخر كلامنا في شرح دلائل حدوث الأجسام )

    تعليق شيخ الاسلام ابن تيمية
    قلت : قد بين في غير هذا الموضع فساد مثل هذه الحجة من وجوه وهي مبنية على أن القديم : هل هو قديم بقدم أم لا ؟ فمذهب ابن كلاب و الأشعري - في أحد قوليه - وطائفة من الصفاتية : أنه قديم بقدم ومذهب الأشعري - في القول الآخر - و القاضي أبي بكر و القاضي أبي يعلى و أبي علي بن أبي موسى و أبي المعالي الجويني وغيرهم : ليس كذلك وهم متنازعون في البقاء فقول الأشعري وطائفة معه : أنه باق ببقاء وهو قول الشريف و أبي علي بن أبي موسى وطائفة وقول القاضي أبي بكر وطائفة كالقاضي أبي يعلى نفى ذلك
    وحقيقة الأمر : أن النزاع في هذه المسألة اعتباري لفظي كما قد بسط في غير هذا الموضع وهو متعلق بمسائل الصفات : هل هي زائدة على الذات أم لا ؟ وحقيقة الأمر : أن الذات أن أريد بها الذات الموجودة بالخارج فتلك مستلزمة لصفاتها يمتنع وجودها بدون تلك الصفات وإذا قدر عدم اللازم لزم عدم الملزوم فلا يمكن فرض الذات الموجودة في الخارج منفكة عن لوازمها حتى يقال : هي زائدة أو ليست زائدة لكن يقدر ذلك تقديرا في الذهن وهو القسم الثاني فإذا أريد بالذات ما يقدر في النفس مجردا عن الصفات فلا ريب أن الصفات زائدة على هذه الذات المقدرة في النفس ومن قال من متكلمة أهل السنة : ( إن الصفات زائدة على الذات ) فتحقيق قوله أنها زائدة على ما أثبته المنازعون من الذات فإنهم أثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات ونحن نثبت صفاتها زائدة على أثبتوه هم لا أنا نجعل في الخارج ذاتا قائمة بنفسها ونجعل الصفات زائدة عليها فإن الحي الذي يمتنع أن لا يكون إلا حيا كيف تكون له ذات مجردة عن الحياة ؟ وكذلك ما لا يكون إلا عليما قديرا كيف تكون ذاته مجردة عن العلم والقدرة ؟
    والذين فرقوا بين الصفات النفسية والمعنوية قالوا : القيام بالنفس والقدم - ونحو ذلك من الصفات النفسية - بخلاف العلم والقدرة فإنهم نظروا إلى ما لا يمكن تقدير الذات في الذهن بدون تقديره فجعلوه من النفسية وما يمكن تقديرها بدونه فجعلوه معنويا ولا ريب أنه لا يعقل موجود قائم بنفسه ليس قائما بنفسه بخلاف ما يقدر أنه عالم فإنه يمكن ذاته بدون العلم
    وهذا التقدير عاد إلى ماقدروه في أنفسهم وإلا ففي نفس الأمر جميع صفات الرب اللازمة له هي صفات نفسية ذاتية فهو عالم بنفسه وذاته وهو عالم بالعلم وهو قادر بنفسه وذاته وهو قادر بالقدرة فله علم لازم لنفسه وقدرة لازمة لنفسه وليس ذلك خارجا عن مسمى اسم نفسه
    وعلى كل تقدير فالاستدلال على حدوث الأجسام بهذه الحجة في غاية الضعف كما اعترفوا هم به فإن ما ذكروه يوجب أن لا يكون في الوجود شيء قديم سواء قدر أنه جسم أو غير جسم فإنه يقال : لو كان الرب - رب العالمين - قديما لكان قدمه إما أن يكون عين كونه ربا وإما زائدا على ذلك والأمران باطلان فبطل كونه قديما
    أما الأول : فلأنه لو كان كذلك لكان العلم بكونه ربا أو واجب الوجود أو نحو ذلك علما بكونه قديما وهذا باطل
    وأما الثاني : فلأن ذلك الزائد إن كان قديما يلزم أن يكون قدمه زائدا عليه ولزم التسلسل وإن كان حادثا كان للقديم أول فما كان جوابا عن مواضع الإجماع كان جوابا في مورد النزاع وإن كان العلم بكونه رب العالمين يستلزم العلم بقدمه لكن ليس العلم بنفس الربوبية هو العلم بنفس القدم بل قد يقوم العلم الأول بالنفس مع ذهولها عن الثاني وقد يشك الشاك في قدمه مع العلم بأنه ربه ويخطر له أن للرب ربا حتى يتبين له فساد ذلك وقد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم ذلك في الحديث الصحيح في قوله : [ إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ فيقول : الله فيقول : فمن خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليستعذ بالله ولينته ] وقد بسطت هذا في موضع آخر كما سيأتي إن شاء الله
    والمقصود هنا : أن هذه البراهين الخمسة التي احتج بها على حدوث الأجسام قد بين أصحاب المعظمون له ضعفها بل هو نفسه أيضا بين ضعفها في كتب أخرى مثل المطالب العالية وهي آخر ما صنفه وجمع فيها غاية علومه و المباحث المشرقية وجعل منتهى نظره وبحثه تضعيفها
    وقد بسط الكلام على هذا في مواضع وبين كلام السلف والأئمة في هذا الموضع كالإمام أحمد وغيره وكلام النظار الصفاتية كأبي محمد بن كلاب وغيره وأن القائل إذا قال : عبدت الله ودعوت الله وقال : الله خالق كل شيء ونحو ذلك فاسمه تعالى يتناول الذات والصفات ليست الصفات خارجة عن مسمى اسمه ولا زائدة على ذلك بل هي داخلة في مسمى اسمه ولهذا قال أحمد فيما صفنه في الرد على الجهمية نفاة الصفات : ( قالوا : إذا قلتم الله وعلمه والله وقدرته والله ونوره قلتم بقول النصارى
    فقال لا نقول : الله وعلمه والله وقدرته والله ونوره ولكن الله بعلمه وقدرته ونوره هو إله واحد ) فبين أحمد أنا لا نعطف صفاته على مسمى اسمه العطف المشعر بالمغايرة بل ننطق بما يبين أن صفاته داخلة في مسمى اسمه
    ولما ناظره الجهمية في محنته المشهورة فقال له عبد الرحمن بن إسحاق القاضي : ما تقول في القرآن : أهو الله أم غير الله ؟ يعني إن قلت ( هو الله ) فهذا باطل وإن قلت : ( غير الله ) فما كان غير الله فهو مخلوق
    فأجابه أحمد بالمعارضة بالعلم فقال : ما تقول في علم الله : أهو الله أم غير الله ؟ فقال : أقول في كلامه ما أقوله في علمه وسائر صفاته وبين ذلك في رده على الجهمية : بأنا لا نطلق لفظ الغير نفيا ولا إثباتا إذ كان لفظا مجملا يراد بغير الشيء ما بيانه وصارت مفارقته له ويراد بغيره ما أمكن تصوره بدون تصوره ويراد به غير ذلك
    وعلم الله وكلامه ليس غير الذات بالمعنى الأول وهو غيرها بالمعنى الثاني ولكن كونه ليس غير الله بالمعنى الأول فعلى إطلاقه وأما كونه غير الله بالمعنى الثاني ففيه تفصيل فإن أريد بتصوره معرفته المعرفة الواجبة الممكنة في حق العبد فلا يعرفه هذه المعرفة من لم يعرف أنه حي عليم قادر متكلم فلا يمكن تصوره ومعرفته بدون صفاته فلا تكون مغايرة لمسمى اسمه وإن أريد أصل التصور وهو الشعور به من بعض الوجوه فقد يشعر به من لا يخطر له حينئذ أنه حي ولا عليم ولا متكلم فتكون صفاته مغايرة له بالاعتبار الثاني
    وأجاب أحمد أيضا بأن الله لم يسم كلامه غيرا ولا قال : إنه ليس بغير يعني والقائل إذا قال : ماكان غير الله أو سوى الله فهو مخلوق فإن احتج على ذلك بالسمع فلا بد أن يكون مندرجا هذا اللفظ في كلام الشارع وليس كذلك وإن احتج بالعقل فالعقل إنما يدل على خلق الأمور المباينة له وأما صفاته القائمة بذاته فليست مخلوقة والذي يجعلون كلامه مخلوقا يقولون : هو بائن عنه والعقل يعلم أن كلام المتكلم ليس ببائن عنه
    وبهذا التفصيل يظهر أيضا الخلل فيما ذكروه من الفرق بين الصفات الذاتية والمعنوية بأن الذاتية لا يمكن تقدير الذات في الذهن بدون تقديرها بخلاف المعنوية فإنه يقال لهم : أم تعنون بتقدير الذات في الذهن أو تصور الذات أو نحو ذلك من الألفاظ ؟ أتعنون به اصل الشعور والتصور والمعرفة ولو من بعض الوجوه أم تريدون به التصور والمعرفة والشعور الواجب أو الممكن أو التام ؟ فإن عنيتم الأول فما من صفة تذكر إلا يمكن أن يشعر الإنسان بالذات مع عدم شعوره بها وقد يذكر العبد ربه ولا يخطر له حينئذ كونه قديما أزليا ولا باقيا أبديا ولا واجب الوجود بنفسه ولا قائما بنفسه ولا غير ذلك وكذلك قد يخطر له ما يشاهده من الأجسام ولا يخطر له كونه متحيزا أو غير متحيز
    وإن عنيتم الثاني فمعلوم أن الإنسان لا يكون عارفا بالله المعرفة الواجبة في الشرع ولا المعرفة التي تمكن بني آدم ولا المعرفة التامة حتى يعلم أنه حي عليم قدير وممتنع لمن يكون عارفا بأن الله متصف بذلك إذا خطر بباله ذاته وهذه الصفات : أن يمكن تقدير ذاته موجودة في الخارج بدون هذه الصفات كما يمتنع أن يقدر ذاته موجودة في الخارج بدون أن تكون قديمة واجبة الوجود قائمة بنفسها فجميع صفاته تعالى اللازمة لذاته يمتنع مع تصور الصفة والموصوف والمعرفة بلزوم الصفة للموصوف يمتنع أن يقدر إمكان وجود الذات بدون الصفات اللازمة لها مع العلم باللزوم وإن قدر عدم العلم باللزوم أو عدم خطور الصفات اللازمة بالبال فيمكن خطور الذات بالبال بدون شيء من هذه الصفات وإذا علم لزوم بعض الصفات دون بعض فما علم لزومه لايمكن تقدير وجود الذات دونه وما لا يعلم لزومه أمكن الذهن أن يقدر وجوده دون وجود تلك الصفة التي لم يعلم لزومها لكن هذا الإمكان معناه عدم العلم بالامتناع لا العلم بالإمكان في الخارج إذ كل ما لم يعلم الإنسان عدمه فهو ممكن عنده إمكانا ذهنيا بمعنى عدم علمه بامتناعه لا إمكانا خارجيا بمعنى أنه يعلم إمكانه في الخارج
    وفرق بين العلم بالإمكان وعدم العلم بالامتناع وكثير من الناس يشتبه عليه هذا بهذا فإذا تصور ما لا يعلم امتناعه أو سئل عنه قال : هذا ممكن وهذا غير ممتنع وهذا لو فرض وجوده لم يكن من فرضه محال
    وإذا قيل له : قولك ( إنه لو فرض وجوده لم يلزم منه محال ) قضية كلية وسلب عام فمن أين علمت أنه لا يلزم من فرض وجوده محال والنافي عليه الدليل كما أن المثبت عليه الدليل ؟ وهل علمت ذلك بالضرورة المشتركة بين العقلاء أم بنظر مشترك أم بضرورة اختصصت بها أم بنظر اختصصت به ؟ فإن كان بالضرورة المشتركة وجب أن يشركك نظراؤك من العقلاء في ذلك وليس الأمر كذلك عندهم وإن كان بنظر مشترك فإين الدليل الذي تشترك فيه أنت وهم ؟ وإن كان بضرورة مختصة أو نظر مختص فهذا أيضا باطل لوجهين أحدهما : أنك تدعي أن هذا مما يشترك فيه العقلاء ويلزمهم موافقتك فيه وتدعي أنهم إذا ناظروك كانوا منقطعين معك بهذه الحجة وذلك يمنع دعواك الإختصاص بعلم ذلك والثاني : أن اختصاصك بعلم ذلك ضرورة أو نظرا إنما يكون لاختصاصك بما يوجب تخصيصك بذلك كمن خص بنبوة أو تجربة أو نحو ذلك مما ينفرد به وأنت لست كذلك فيما تدعي إمكانه ولا تدعي اختصاصك بالعلم بإمكانه وإن ادعيت ذلك لم يلزم غيرك موافقتك في ذلك إن لم تقم عليه دليلا يوجب موافقتك سواء كان سمعيا أو عقليا وأنت تدعي أن هذا من العلوم المشتركة العقلية وهذه الأمور لبسطها موضع آخر
    والمقصود هنا التنبيه على هذا الأصل الذي نشأ منه التنازع أو الاشتباه في مسأئل الصفات من هذا الوجه وتفريق هؤلاء المتلكمين في الصفات اللازمة للموصوف بين ما سموها نفسية وذاتية وما سموها معنوية يشبه تفريق المنطقيين في الصفات اللازمة بين ما سموه ذاتيا مقوما داخلا في الحقيقة وما سموه عرضيا خارجا عن الذات مع كونه لازما لها وتفريقهم في ذلك بين لازم الماهية ولازم وجود الماهية كما قد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع
    وبين أن هذه الفروق إنما تعود عند الحقيقة إلى الفرق بين ما يتصور في الأذهان وهو الذي قد يسمى ماهية وبين ما يوجد في الأعيان وهو الذي قد يسمى وجودها وأن ما يتصور في النفس من المعاني ويعبر عنه بالألفاظ : له لفظ دل عليه بالمطابقة هو الدال على تلك الماهية وله جزء من المعنى هو جزء تلك الماهية واللفظ المذكور دال عليه بالتضمن وله معنى يلزمه خارج عنه فهو اللازم لتلك الماهية الخارج عنها واللفظ يدل عليه باللالتزام وتلك الماهية التي في الذهن هي بحسب ما يتصوره الذهن من الصفات الموصوف تكثر تارة وتقل تارة وتكون تارة مجملة وتارة مفصلة وأما الصفات اللازمة للموصوف في الخارج فكلها لازمة له لا تقوم ذاته مع عدم شيء منها وليس منها شيء يسبق الوصوف في الوجود العيني كما قد يزعمونه من أن الذاتي يسبق الموصوف في الذهن والخارج وتلك الصفات هي أجزاء الماهية المتصورة في الذهن كما أن لفظ كل صفة جزء من تلك الألفاظ إذا قلت : جسم حساس نام مغتذ متحرك بالإرادة ناطق وأما الموصوف الموجود في الخارج كالإنسان فصفاته قائمة به حالة فيه ليست أجزاء الحقيقة الموجودة في الخارج سابقة عليها سبق الجزء على الكل كما يتوهمه من يتوهمه من هؤلاء الغالطين كما قد بسط في موضعه
    وقول هؤلاء المتكلمين في الصفات اللازمة ( إنها زائدة على حقيقة الموصوف ( يشبه قول أولئك ( إن الصفات اللازمة العرضية خارجة عن حقيقة الموصوف ) وكلا الأمرين منه تلبيس واشتباه حاد بسببه كثير من النظار الأذكياء وكثر بينهم النزاع والجدال والقيل والقال وبسط هذا له موضع آخر
    وإنما المقصود هنا التنبيه على ذلك والله أعلم وأحكم وإن كان قد بسط الكلام على ضعفها في غير هذا الموضع مع أن هذا الذي ذكره مستوعب لما ذكره غيره من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية والكرامية ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم في ذلك

    http://islamport.com/d/3/tym/1/23/167.html

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب بذاته يراد به الذات الواجبة بنفسها المبدعة لكل ما سواها، وهذا واحد. ويراد به: الموجود بنفسه الذي لا يقبل العدم. وعلى هذا؛ فالذات واجبة، والصفات واجبة، ولا محذور في تعداد الواجب بهذا التفسير، كما لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده. وسواء كان ذاتًا أو صفة لذات القديم، بخلاف ما إذا أريد بالقديم الخالقة لكل شيء، فهذا واحد لا إله إلا هو. اهـ.
    فقوله: "لا محذور في تعداد الواجب بهذا التفسير، كما لا محذور في تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده". فيه تشبيه له طرفان:
    الطرف الأول: تعدد الواجب بمعنى الموجود بنفسه الذي لا يقبل العدم، وهذا يدخل فيه الذات والصفات.
    والطرف الثاني: تعدد القديم إذا أريد به ما لا أول لوجوده. وهذا أيضًا يدخل فيه الذات والصفات، ولكن باعتبار الأنواع لا الأعيان، وهو ما يعرف بمسألة تسلسل الحوادث، وقد أحلنا فيها على الفتوى رقم: 190011.
    ولذلك قال شيخ الإسلام: "سواء كان ذاتًا أو صفة لذات القديم، بخلاف ما إذا أريد بالقديم الخالقة لكل شيء، فهذا واحد لا إله إلا هو".
    فلا يصح حمل عبارة: "سواء كان ذاتًا أو صفة لذات القديم" على تعدد صفات الذات القديمة، بل هي على ظاهرها من تعدد القديم بمعنى ما لا أول لوجوده باعتبار نوعه، وإن كان ذاتًا. ويتضح ذلك بتقرير أننا إذا قلنا: الواجب هو ما يقوم بنفسه. فإن الصفات لا تكون واجبة بهذا الاعتبار، وإن كانت قديمة، كما قال شيخ الإسلام: وقد يراد بالواجب الموجود بنفسه القائم بنفسه، وعلى هذا؛ فالذات واجبة دون الصفات. اهـ.
    والخلاصة: أن الممتنع هو أن توجد ذات قديمة واجبة بنفسها مع الله تعالى، فالقديم بمعنى القائم بنفسه المبدع لغيره، يمتنع تعدده، وهو ذات الله تعالى المتصفة بصفات الكمال والجلال، كما سبق أن ذكرناه في الفتوى المشار إليها (رقم: 297787)، ونقلنا فيها هذا المعنى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال: يقال: ما تعني بواجب الوجود؟ أتعني به ما لا فاعل له، أو تعني به القائم بنفسه الذي لا فاعل له؟ فإن عنيت الأول؛ لم يمتنع أن يكون كل من الصفات والذات واجب الوجود بهذا التفسير، ولم يدل على امتناع تعدد الواجب بهذا التفسير دليل، كما لم يدل على امتناع تعدد القديم بهذا التفسير دليل. اهـ.
    وفي هذا تصريح بالمعنى المشار إليه، وهو قوله: لم يدل على امتناع تعدد الواجب بهذا التفسير دليل، كما لم يدل على امتناع تعدد القديم بهذا التفسير دليل. اهـ. فلا دليل على امتناع تعدد القديم بمعنى ما لا أول لوجوده.
    وقد ذكرنا في الفتوى المذكورة ما دعا شيخ الإسلام لمثل هذا التفصيل، وهو الرد على المتكلمين واستدلالهم بنفي التركيب وعلة الافتقار أو الحدوث والإمكان -على حدوث العالم، ثم اتخاذ ذلك ذريعة لنفي صفات الله تعالى بزعم أن إثباتها يستلزم التركيب!
    وأما الشق الثاني من السؤال: فجوابه أن افتراض واجبين في الوجود لا يكون إلا ممن لا يعرف معنى واجب الوجود!! فهذا الافتراض يتعارض بالأصالة مع معنى واجب الوجود، فإنه هو "الذي يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلى شيء أصلًا". وهذا لا يمكن أن يتصف به إلا الله سبحانه الحي القيوم الواحد الصمد. ولذلك نبهنا في الفتوى السابقة على أن تعدد الواجب بالمعنى الثاني ممتنع عقلًا قبل أن يمتنع شرعًا، فلا يفترض وقوعه إلا لبيان بطلانه ببطلان لازمه وفساده، وهو ما يعرف عند المنطقيين بدليل التمانع.
    ونختم هنا بما ختمنا به الفتوى السابقة، وهو التنبيه على أن مثل هذه المسائل من المشكلات التي تحار فيها العقول، فينبغي أن لا ننشغل بها أو ندقق فيها في أول طلبنا للعلم.
    https://majles.alukah.net/t142891-2/

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: وذلك أن هؤلاء ( المتفلسفة ) قالوا: التقدم والتأخر خمسة أنواع: الأول: التقدم بالعلية كتقدُّم السـراج على ضوء السراج، وتقدم الشمس على شعاعها؛ فإن العقل يدرك تقدم وجود السراج على ضوء السـراج وإن امتنع تأخُّر أحدهما عن الآخر في الزمان. الثاني: التقدم بالطبع وهو تقدم الشرط على المشروط مثل تقدم الواحد على الاثنين، والفرق بينه وبين ما قبله بعد اشتراكهما فالمتأخر ( لعله في أن المتأخر ) لا يوجد إلا بعد وجود المتقدم إذْ العلة ( لعله أنَّ العلة ) تستلزم وجود المعلول، والشرط لا يستلزم وجود المشروط ( خلاصته أن تقدم الطبع لا يكون فيه المتقدم علة تامة للمتأخر بخلاف التقدم بالعلية ). الثالث: التقدم بالشرف والرتبة كتقديم ( أو تقدّم ) العالم والقادر على الجاهل والعاجز.الرابع التقدم بالمكان ( ويقال له تقدم بالرتبة ) كتقدم الإمام على المأموم.وخامسها التقدم بالزمان كتقدم الشيخ على الشاب.
    ... وبيان ذلك أن يقال: لا ريب أنه يقال: إن التقدم والتأخر والمقارنة من الأمور التي فيها إضافة، كما يقال: هذا إما أن يكون متقدمًا على هذا أو متأخرًا عنه أو مقارنًا له... والتقدم والتأخر قسيمان للمقارنة التي يعبر عنها بلفظ مع فيقال هو متقدم عليه أو متأخر عنه أو هو معه وإذا كان كذلك فالتقدم والتأخر والمقارنة في الأصل إنما هي بالزمان والمكان...
    فأما التقدم والتأخر بالمكان كقول سمرة بن جندب: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة أن يتقدم أحدنا. رواه الترمذي. وكقول أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه الذي في الصحيحين لما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم التقدم بالرتبة والشرف هو من هذا فإن المكانة والرتبة مأخوذة من المكان لأن صاحب الرتبة المتقدمة يكون متقدمًا في المكان والمكانة على صاحب الرتبة المتأخرة كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. والتقدم بالرتبة كالعلو بالرتبة والدرجة والمكانة، وأصله من المكان...والنوع الثاني: التقدم والسبق والأولية بالزمان كقوله سبحانه وتعالى: حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس 39] وقوله: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف 11] وقول إبراهيم عليه السلام: أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ {75} أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ {76} فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ {77} .... وأما ما ذكروه من التقدم بالعلية والشرط فهذا قد نُوزِعوا فيه وقيل لهم: يمتنع في المقارنة الزمانية أن يكون أحدهما متقدمًا على الآخر بوجه من الوجوه؛ فإن التقدم إذا كان من عوارض الزمان وهو ضد المقارنة، واجتماع ( لعله فاجتماع ) التقدم والتأخر مع المقارنة في شيئين لأعيانهما جمع بين الضدين، فكما أنه يمتنع أن يكون أمامه ويكون معه في ظروف المكان والمكانة وموانعهما ( لعله وتوابعهما ) فإنه يمتنع أن يكون قبله ويكون معه في ظرف الزمان وتوابعه... وأما المتقدم ( أو التقدم ) بالشرط كما مثلوه من تقدم الواحد على الاثنين فإن الواحد ليس له وجود خارجي محدد ( لعله مجرد ) عن المواد بل ليس في الخارج من الوحدان إلا ما له حقيقة تتميز بها، ولكن الإنسان يتصور في ذهنه الواحد قبل الاثنين ويتكلم بلفظ الواحد قبل الاثنين وهذا ترتيب زماني محسوس، ثم إذا قُدِّر اجتماع تصوره للواحد والاثنين أو اجتماع نطقه بهما فهو كاجتماع أعيانهما في الخارج كما لو اجتمع درهم ودرهمان وثلاثة دراهم ونحو ذلك فليس هناك ترتيب أصلا وليس الدرهم متقدما على الدرهمين ولا الدرهمان متقدمين على الثلاثة.وقول القائل: لا توجد الدرهمان إلا بوجود الدرهم، أو لا يوجد الاثنان إلا بوجود الواحد. يقال له: أما الدرهمان الموجودان في الخارج فهما مستغنيان في وجودهما عن الدرهم المنفرد عنهما لا يشترط وجودُهما وجودَه بحال؛ ولكن هما متوقفان على وجود أنفسهما، كتوقف الدرهم الواحد على وجود نفسه، فليس بأن يجعل تقدمه عليهما- لكون الاثنين واحدًا وواحدًا- بأولى من أن يجعل متقدمًا على نفسه لأن الواحد واحد وكل هذا غلط ( يقصد أن الشيء متوقف على نفسه بالضرورة، فإذا كان الواحد متقدما على الاثنين لكون الاثنين واحدا وواحدا، فليجعل الواحد متقدما على نفسه أيضا لأن الواحد واحد بالضرورة القائلة الشيء يثبت لنفسه )... فتوقُّف الاثنين على الواحد وتوقف الثلاثة على الاثنين هو توقف الجملة على بعض أفرادها وهو كتوقف الشيء على نفسه كتوقف الاثنين على الاثنين والثلاثة على الثلاثة وإذا لم تكن الجملة إلا هذه الأفراد وهذا التأليف لم يكن المتوقف غير المتوقف عليه ولم يكن هناك شيء متقدمًا على شيء بوجه من الوجوه في الخارج إلا إذا وجد أحدهما قبل الآخر فيكون الترتيب زمانيًّا وهو حق، ولكن الذهن قد يدرك المفرد قبل الجملة والبسيط قبل المركب والواحد قبل العدد وننطق بذلك فيكون الترتيب في علمنا ونطقنا لا في الحقيقة نفسها فهذا هو التقدم بالشرط الذي يجعلونه في الأعداد والمقادير والمركبات ونحو ذلك ( خلاصته أن التقدم إنما في الذهن بأن يدرك هذا قبل هذا أو في النطق حينما نرتب الأعداد لا في الواقع العيني الخارجي)وكذلك هو في الصفات والكيفيات فإنه إذا قيل العلم والقدرة مشروطة بالحياة، والشرط متقدم على المشروط، فليس في الموصوف ترتيب بحال بل الحياة والعلم والقدرة موجودة معًا بكل وجه، لكن العلم يستلزم وجود الحياة فلا يوجد إلا معها، لا أنه لا يوجد إلا بعدها، وإذا لم يوجد إلا معها- سواء كانت قبله أو لم تكن- لم يقتض ذلك أنه يجب تأخره عنها، بل إذا قارنها فهو مقارن لها، وإذا قدر حياة لا علم لها ثم حصل معها علم فهنا هو متأخر عنها في الزمان أيضًا، ونحن لا ننازع في أن الصفات يعرض لها الترتيب الزمني كما يعرض الأعداد كما تقدم ولكن ليس هذا بواجب ومتى انتفى هذا الترتيب لم تكن مرتبة أصلا بل تكون متقارنة. وأما الترتيب في علم الإنسان بالصفات فهذا لا ينضبط فقد يعلم الإنسان العلم ويستدل به على الحياة، وقد يعلم الحياة ويستدل بها على العلم، وحيث وجد ذلك الترتيب فهو ترتيب زماني وهو ترتيب في العلم بها والتعبير عنها لا في ذاتها. وأما ما ذكروه من التقدم بالعلية فيقال لهم: ليس هذا أيضًا حقيقة، وليس في المخلوق شيء واحد هو علة تامة لشيء أصلا لكن مشيئة الله تعالى مستلزمة لمراده بها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وما سوى ذلك من الأسباب الموجودة فليس شيء منها بمفرده علة تامة لشيء ولكن يكون سببًا والسبب بمنزلة الشرط الذي إذا ضم إليه غيره من الأسباب صار المجموع علة، ولكن ذلك المجموع لا يكون إلا بمشيئة الله لا يكون المجموع بعلة غير مشيئة الله قط، فإذًا وصف العلية التامة لا تقوم بشيء من المخلوقات، وإذا لم يكن شيء من المخلوقات علة تامة امتنع بطريق الأولى أن يكون متقدمًا بالعلية لكن يكون سببًا وهو كالشرط والشرط لا يجب تقدمه على المشروط بل قد يقارنه وقد يسبقه كما تقدم وإذا قارنه فليس هو متقدمًا عليه بوجه من الوجوه، فكذلك ما يسمونه علة إنما هو في الحقيقة شرط وسبب ويكون متقدمًا عليه وإذا كان مقارنًا لم يكن متقدمًا فلا يجتمع الضدان ( فلا حجة لكم فيما قلتم أنه متقدم عليه بالذات مع كونه مقارنا له بالزمن )وذلك يظهر فيما يذكرونه من الأمثلة وأشهرها الشمس مع الشعاع،والشعاع عندهم إما أن يراد به ما يقوم بذات الشمس من الضوء، أو ما يقوم بالأجسام المقابلة للشمس وهو المسمى بالشعاع عندهم وهو شعاع منعكس. فإذا أريد به الضوء القائم بذات الشمس فذاك صفة من صفاتها ليست متقدمة عليه بوجه من الوجوه... وإن أرادوا بالشعاع الضوء الموجود في الأجسام المقابلة للشمس من الجدران والأرض والهواء وغير ذلك فيقال هذا الشعاع لم يحدث لمجرد الشمس وليست الشمس وحدها علة مولدة له بل لابد فيه من شيئين أحدهما الشمس والثاني جسم آخر يقابل الشمس لينعكس الشعاع عليه، وإذا لم تكن الشمس علة تامة لم يـحصل المقصود بل هي جزء العلة وهي سبب وشرط فإن الشعاع يتوقف على الشمس المستنيرة وعلى المحل الذي ينعكس عليه الشعاع وإذا كان كذلك كان توقفه على هذين توقف المشروط على شرطه فإنهم فرقوا بين التقدم بالعلة والتقدم بالطبع والشرط بأن المتقدم بالعلة يستلزم وجود المتأخر بخلاف المتقدم بالشرط وقد تقدم قولنا إنه ليس في المخلوقات شيء منفرد يستلزم وجود شيء متأخر عنه لكن مشيئته مستلزمة لمرادها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وقد ظهر في الشعاع الذي ضربوه مثلا أن نفس الشمس وحدها لو قُدِّر وجودها بدون ما يقابلها لم يكن للشعاع وجود ولكن وجوده بشرط الشمس وشرط ما يقابلها فيكونان شرطين وإذا كان كل منهما شرطًا فالشرط قد يتقدم على المشروط وقد لا يتقدم عليه فلا ريب أن الجدار والأرض والهواء موجود قبل الشعاع وكذلك الشمس موجودة قبل هذا الشعاع وذلك تقدم بالزمان لكن إذا حصلت حصل الشعاع وتولد عن اجتماع هذين الأصلين له كتولُّد غيره من المتولدات عن أصلين وكل منهما متقدم عليه ومتى ظهر هذا في شعاع الشمس ظهر أنه في شعاع السراج وغيره من النيرات؛ إذ النار يكون لها شعاع كما يكون للشمس شعاع فهذا ما يمثلون به من المرئيات... وكذلك القول في مثالهم الآخر وهو تولد الحركة عن الحركة كقول القائل حركت يدي فتحرك خاتمي أو كمي فإنه من هذا الباب ليس مجرد حركة اليد علة تامة لحركة الخاتم أو الكم بل نفس وجود محل الحركة الذي هو الخاتم والكم هو شرط أو سبب في وجود الحركة فالحركة تتوقف على المحل الذي يقوم به كما تتوقف على السبب الذي يطلبها وإذا كانت هذه الحركة تتوقف على أمرين فصاعدًا فالقولُ في وجود هذه الحركة مع حركة اليد كالقول في الحركة والصوت إما أن يقال هما متقارنان في الزمان فلا يكون أحدهما علة للآخر وإن كان شرطًا مقارنًا له،وإما أن يكونا متعاقبين فيكونان متعاقبين في الزمان وإن كان سريعًا فحركة الخاتم لليد كحركة بعض اليد مع بعض مثل حركة الأصابع مع الكف أو حركة الظفر مع الأنملة. وأما قولهم العقل يدرك هذا قبل هذا قيل لهم العقل يدرك الأمور على ما هي عليه وإلا كان ذلك جهلا لا عقلا؛فإن كان ذلك الشيء في نفسه مرتبًا فأدركه العقل مرتبًا وإلا كان إدراكه جهلا ومتى كان المدرَك مرتبًا بحيث يكون بعضه قبل بعض فهذا هو الترتيب الزماني والتقدم الزماني ويمتنع مع وجود هذا الترتيب الخارجي أن يكون زمانهما واحدًا ويمتنع مع كونهما غير متميزين في الزمان أن يكونا متميزين فالجمع بين الضدين ممتنع إما ترتيب وتقدم وتأخر وإما مقارنة ليس فيها تقدم وتأخر وإذا تبين ذلك ظهر أنه ليس فيما يعلمه الإنسان شيء متقدم على غيره بالعلية أو الشرط مع مقارنته له بالزمان بل المتقدم سواء سُمّي شرطًا أو علة أو غير ذلك إن كان مقارنًا في الزمان غير متقدم فيه فليس متقدمًا بحال وإذا كان متقدمًا فيه وهو متقدم في الزمان فهو متقدم غير مقارن. بيان التأسيس- ج5-ص 188 إلى 209. فلتكرر القراءة والنظر فإن مراد الإمام واضح.https://feqhweb.com/vb/threadshttps:

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    الجوهر والعرض

    الجوهر هو: ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع. كالكتاب يوجد في الخارج مستقلا أي قائما بنفسه.
    والعرض هو: ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع. كاللون الذي يوجد في الكتاب لا يقوم بنفسه.
    وهنا مسألة وهي: هل الجوهر والعرض من الأقسام الأولية للموجود بما هو موجود فنقول: الموجود إما أن يكون جوهرا أو عرضا، أو هو من الأقسام الثانوية فنقول: الموجود إما أن يكون واجبا أو ممكنا، ثم الممكن إما أن يكون جوهرا أو عرضا.
    المشهور هو القول الثاني وأن الله سبحانه لا يتصف بكونه جوهرا أو عرضا لأن هذين القسمين هما للماهية الممكنة.
    ولكن ذكر أرسطو وأتباعه أن الموجود بما هو موجود ينقسم إلى جوهر وعرض.
    قال الشيخ الإمام: فَإِنَّهُمْ قَالُوا ( أي الفلاسفة ): لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ؛ لِأَنَّهُ أَيُّ أَمْرٍ نَظَرْنَاهُ وَجَدْنَاهُ إِمَّا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُفْتَقِرٍ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْجَوْهَرُ، وَإِمَّا مُفْتَقِرٌ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، لَا قِوَامَ لَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ " الْعَرَضُ " قَالُوا: " وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَيْنَ قِسْمٌ ثَالِثٌ ".
    وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ تَقْسِيمُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ يُسَمِّي الْمَبْدَأَ الْأَوَّلَ جَوْهَرًا وَهَذَا تَقْسِيمُ سَائِرِ النُّظَّارِ. لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُدْخِلُونَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي مُسَمَّى الْجَوْهَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُهُ فِيهِ، وَبَعْضُ النِّزَاعِ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ. الجواب الصحيح- ج5-ص 44.
    أقسام الجوهر
    قسم بعض الفلاسفة الجوهر إلى خمسة أقسام هي: العقل والنفس والمادة والصورة والجسم.
    فالعقل عندهم هو: جوهر مجرد عن المادة ذاتا وفعلا.
    والنفس عندهم هي: جوهر مجرد عن المادة ذاتا لا فعلا.
    ولا يقصدون بالعقل هو عقل الإنسان وإنما شيء وراء ذلك، وذلك أنهم يقسمون الموجود إلى مادي ومجرد، فالمادي هو الذي له مادة يتكون منها من عظم ولحم أو معدن أو أي شيء يضم عنصرا من العناصر الطبيعية، وأما المجرد فهو شيء روحاني لا جسم له ولا مادة لا يقع تحت الحس، فهذا العقل له وجود مجرد عن المادة وهو كائن عظيم عاقل مدرك للمبدأ الأول- الله سبحانه- ومدرك لنفسه جامع للكمال وهو يفعل بلا حاجة إلى جسم وأعضاء وهذا معنى أنه مجرد ذاتا وفعلا، بخلاف النفس فإنها مجردة في ذاتها عن المادة ولكنها تحتاج للبدن لتعمل كالنفس الإنسانية التي تدبر البدن.
    فالعقل الأول- وهو الصادر الأول عن الله عندهم وبعض المصنفين يروون فيه حديثا موضوعا أول ما خلق الله العقل- في العالم صدر عنه ثلاثة أشياء: عقل ثان مثل العقل الأول في تجرده، وفلك أول، ونفس متعلقة بالفلك تدبر أمره.
    والفلك هو: جسم كروي متحرك بذاته ذو نفس.
    وهذا الفلك يسمونه الفلك الأعظم أو الفلك المحيط أو السماء الأولى.
    وهذا الجسم الكروي مجوف من الداخل ويوجد داخله فلك والفلك داخله فلك وهكذا فالعالم كله بما فيه داخل كرة كحلقات البصلة.
    فتحصل أن المبدأ الأول صدر عنه شيء واحد هو العقل الأول، ثم العقل الأول هذا صدر عنه ثلاثة أشياء: العقل الثاني، والفلك المحيط، والنفس المدبرة له.
    ثم العقل الثاني صدر عنه عقل ثالث وفلك ثان ونفس متعلقة بالفلك، ويسمى هذا الفلك بفلك الثوابت.
    ثم العقل الثالث صدر عنه عقل رابع وفلك ثالث ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك زحل.
    ثم العقل الرابع صدر عنه عقل خامس وفلك رابع ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك المشتري.
    ثم العقل الخامس صدر عنه عقل سادس وفلك خامس ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك المريخ.
    ثم العقل السادس صدر عنه عقل سابع وفلك سادس ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك الشمس.
    ثم العقل السابع صدر عنه عقل ثامن وفلك سابع ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك الزهرة.
    ثم العقل الثامن صدر عنه عقل تاسع وفلك ثامن ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك عطارد وفيه نجوم كثيرة.
    ثم العقل التاسع ويسمى العقل الفعال صدر عنه عقل عاشر وفلك تاسع ونفس متعلقة به، ويسمى هذا الفلك فلك القمر والفلك الأطلس.
    ثم تحت فلك القمر يوجد الهواء المحيط بالكرة الأرضية من جميع الجهات كإحاطة قشرة البيضة ببياضها والأرض في جوف الهواء كالمخ في بياضه.
    والعقل العاشر الذي هو آخر العقول هو الذي أبدع كل شيء في العالم السفلي عالم الأرض فهو المدبر لها وهو المعتني بشؤوننا - تعالى الله عما يقول الظالمون- والعقول العشرة والأفلاك التسعة ونفوسها التسعة كلها قديمة أزلية كالمبدأ الأول.
    فالأفلاك تسعة والكواكب سبعة والفلك الثامن فيه نجوم ثابتة كثيرة، والفلك التاسع أطلس لا نجوم فيه وهذه الأفلاك أجسام شفافة تضيء بما فيها وغير قابلة للخرق والنفوذ من خلالها.
    هذه هي النظرية المشهورة عن الفلاسفة حول العالم العلوي والسفلي وهي محض خرافة.
    قال شيخ الاسلام ابن تيمية:
    والعرب كانوا مع شركهم وكفرهم يقولون: إن الملائكة مخلوقون، وكان من يقول منهم إن الملائكة بنات يقولون أيضا إنهم محدثون ويقولون إنه صاهر إلى الجن فولدت له الملائكة، وقولهم من جنس قول النصارى في أن المسيح ابن الله مع أن مريم أمه ولهذا قرن سبحانه بين هؤلاء وهؤلاء. وقول هؤلاء الفلاسفة شر من قول هؤلاء كلهم.
    فان الملائكة عند من آمن بالنبوات منهم هي العقول العشرة وتلك عندهم قديمة أزلية والعقل رب كل ما سوى الرب عندهم وهذا لم يقل مثله أحد من اليهود والنصارى ومشركي العرب لم يقل أحد أن ملكا من الملائكة رب العالم كله.
    ويقولون إن العقل الفعال مبدع لما تحت فلك القمر وهذا أيضا كفر لم يصل إليه أحد من كفار أهل الكتاب ومشركي العرب. الرد على المنطقيين- ج1- ص 102.https://feqhweb.com/vb/threads-

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jul 2020
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    وأما تركيب الجسم من هذا وهذا فأكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة.

    ماذا تعني هذه الجملة بارك الله فيك

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    وأما تركيب الجسم من هذا وهذا فأكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة.

    ماذا تعني هذه الجملة بارك الله فيك
    بارك الله فيك
    قال شيخ الاسلام

    وهم يدعون ان الماهية
    قد تنفك عن الوجودين الخارجي والذهنيوهي من اغاليطهمومعلوم ان هذا إن اريد به الإنسان المعروف فالانسان المعروف لا يكون إلا حيوانا وهذا امر واضح ليس هو مما يطلب علمه بالبراهين فالصفات اللازمة للموصوف التي لايكون له حقيقة إلا بها لاتوجد بدونها
    وقد بسط الكلام على فرقهم بين اللازمة وبين الذاتية المقومة الداخلة في الماهية
    وبين اللازمة للماهية واللازمة لوجودها وبين ان هذا كله باطل إلا اذا اريد بالماهية
    ما يتصور في الذهن وبالوجود ما يكون في الخارج
    فالفرق بين مصورات الأذهان وموجودات الأعيان فرق صحيح
    وأما ان يدعي في الخارج جوهرين قائمين بأنفسهما أحدهما الانسان المحسوس والاخر إنسان معقول ينطبق على كل واحد من افراد الانسان ويدعي ان الصفات اللازمة التي لا يمكن تحقق الموصوف إلا بها منها ما هو داخل مقوم لماهيته الموجودة في الخارج ومنها ما هو خارج عارض لماهيته الموجودة في الخارج فهذا كله باطل كما قد بسط في غير هذا الموضع

    والمقصود ان ما يذكرونه من الألهية في العلوم الاهية والطبيعية ومايتعلق بها فلا يفيد يقينا إلا كما يفيد قياس التمثيل إذ هي مبنية على قضية كلية لا يقين عندهم بأنها كلية إلا كاليقين الذي عندهم بقياس التمثيل ولا سبيل لهم الى ذلك مثل قولهم في العلم الالهي الواحد لايصدر عنه إلا واحد والشيء الواحد لايكون فاعلا وقابلا وامثال هذه القضايا الكلية التي لاعلم لهم بها ولا يستدلون على ذلك إلا بقياس فيه قضية كلية لاعلم لهم بها وإن كان يمكن إبطالها
    لكن المقصود هنا بيان انه لاعلم بالموجود يحصل عن قياسهم وهذا باب واسع يظهر بالتدبر

    فإن قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد قضية كلية وهم لم يعرفوا في الوجود قط شيئا واحدا من كل وجه صدر عنه شيء لا واحد ولا اثنان


    والواحد البسيط الذي يصفون به واجب الوجود من جنس الواحد البسيط الذي يجعلونه مبدأ المركبات
    اذا قالوا الانسان مركب من الحيوانية والناطقية وينتهي الامر الى واحد بسيط لا تركيب فيه فان هذا الواحد لا يوجد الا في الذهن لا في الخارج
    فان قولهم انسان مركب من الحيوان والناطق والحيوانية والناطقية لا يصح منه الا ما يتصور في الذهن
    فان المتصور يتصور في نفسه انسانا ناطقا وجسما حساسا متحركا بالارادة ناطقا فيكون كل من هذه الاجزاء جزءا مما تصوره في نفسه
    واللفظ الدال على جميعها يدل عليها بالمطابقة وعلى ابعاضها بالتضمن وعلى لازمها بالالتزام ومجموعها هي تمام الماهية المتصورة في الذهن
    والداخل فيها هو الداخل في تلك الماهية والخارج عنها هو الخارج عن تلك الماهية
    وتلك الماهية بحسب ما يتصوره الذهن فاذا تصور انسانا ضاحكا كان الضاحك جزء هذه الماهية
    واما دعوى المدعي ان الانسان الموجود في الخارج مركب من هذا وهذا فلا يصح الا اذا اريد به انه متصف بهذين الوصفين وهما قائمان به وهو حامل لهما كما يحمل الجوهر اعراضه والموصوف صفاته

    واما ان يقال
    ان الجوهر مركب من اعراض او مركب من جواهر احدها جسم والاخر حساس والاخر نام والاخر متحرك بالارادة وان هذا الانسان المعين فيه جواهر متعددة بتعدد هذه الاسماء وان الجوهر الذي هو الحساس ليس هو الذي هو متحركا بالارادة ولا الذي هو جسم ولا الذي هو ناطق ولا الناطق هو الحساس فهذا مما يعلم فساده بعد تصوره بالصورة

    وكذلك الواحد الذي يصفون به واجب الوجود وانه مجرد عن جميع
    الصفات الثبوتية ليس له حياوة ولا علم ولا قدرة ولا كلام ويقولون مع ذلك هو عاقل ومعقول وعقل ولذيذ وملتذ ولذة وعاشق ومعشوق وعشق


    ويقولون ان كل صفة من هذه الصفات هي الاخرى فاللذة هي العقل والعقل هي العشق ويقولون ان كل صفة من هذه الصفات هي الموصوف والعلم هو العالم واللذة واللذة هي الملتذ والعشق هو العاشق فهذا ونحوه من اقوالهم في صفات واجب الوجود مما اذا تصوره المتصور تصورا صحيحا كان مجرد تصوره يوجب العلم الضروي بفساده
    وقد بسطنا الكلام عليه وبينا ما الجأهم الى القول بهذا وكلامهم في التركيب
    وبينا ان اكثر الفلاسفة المتقدمين قبل ارسطو وكثير من المتأخرين كأبي البركات صاحب المعتبر وغيره لا يقولون بهذا
    بل ردوا على من قاله واصل هذا كله ما ادعوه من ان اثبات الصفات تركيب ممتنع وهذا اخذوه عن المعتزلة ليس هذا من كلام ارسطو وذويه وقد تكلمنا في بيان فساده في مصنف مفرد في توحيد الفلاسفة وفي شرح الاصبهانية والصفدية وغير ذلك
    ثم بنوا هذا على ان الواحد لا يكون فاعلا وقابلا لان ذلك يستلزم التركيب وان الواحد لا يصدر عنه الا واحد لان صدور اثنين يقتضى تعدد المصدر فمصدر ج غير مصدر ب وذلك يستلزم التركيب الممتنع
    فمدار كلامهم في التوحيد والصفات كله على لفظ التركيب
    وقد بسطنا القول فيه وبينا ما في هذا اللفظ من اجمال
    فان التركيب خمسة انواع
    احدها تركب الذات من وجود وماهية
    والثاني تركيبها من وصف عام ووصف خاص كالمركب من الجنس والفصل


    والثالث تركيب من ذات وصفات
    والرابع تركيب الجسم من المادة والصورة
    والخامس تركيبه من الجواهر المنفردة
    وقد بينا أن ما يدعونه من التركيب من الوجود والماهية ومن الجنس والفصل باطل
    واما تركيب الجسم من هذا وهذا فاكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة لم يبق الا ذات لها صفات
    وقد بينا ان المركب يقال على ما ركبه غيره وعلى ما كانت اجزاؤه متفرقة فاجتمعت
    وعلى ما يقبل مفارقة بعضه بعضا
    وهذه الانواع الثلاثة منتفية عن رب العالمين باتفاق المسلمين
    وهم جعلوا ما يوصف بالصفات تركيبا
    وهذا اصطلاح لهم
    وحقيقة الامر تعود الى موصوف له صفات متعددة فتسمية المسمى هذا تركيبا اصطلاح لهم
    والنظر انما هو في المعاني العقلية
    واما الالفاظ فان وردت عن صاحب الشرع المعصوم كان لها حرمة
    والا لم يلتفت الى من اخذ يعبر عن المعاني الصحيحة المعلومة بالعقل والشرع بعبارة مجملة
    توهم معاني فاسدة
    وقيل لهم البحث في المعاني لا في الالفاظ كما بسط في موضعه
    وقال شيخ الاسلام

    ومسألة تماثل الأجسام وتركيبها من الجواهر الفردة،
    قد اضطرب فيها جماهير أهل الكلام، وكثير منهم يقول بهذا تارة وبهذا تارة؛ وأكثر ذلك لأجل الألفاظ المجملة والمعاني المتشابهة، وقد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع‏.‏


    لكن المقصود هنا أنه لو قُدِّرَ أن الإنسان تبين له أن الأجسام ليست متماثلة، ولا مركبة لا من هذا ولا من هذا، لم يكن له أن يبتدع في دين الإسلام قوله‏:‏ إن اللّه جسم
    ويناظر على المعنى الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة،
    بل يكفيه إثبات ذلك المعنى بالعبارات الشرعية‏.‏ ولو قدر أنه تبين له أن الأجسام متماثلة، وأن الجسم مركب، لم يكن له أن يبتدع النفي بهذا الاسم، ويناظر على معناه الذي اعتقده بعقله، بل ذلك المعنى المعلوم بالشرع والعقل يمكن إظهاره بعبارة لا إجمال فيها ولا تلبيس‏.......‏ ومعلوم أن أكثر العقلاء من بني آدم لا يتصور الجوهر الفرد، والذين يتصورونه أكثرهم لا يثبتونه، والذين أثبتوه إنما يثبتونه بطرق خفية طويلة بعيدة، فيمتنع أن يكون اللفظ الشائع في اللغة التي ينطق بها خواصها وعوامها أرادوا به هذا‏.‏
    وقـد علم بالاضطـرار أن أحـدًا مـن الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم ينطق بإثبات الجـوهر الفـرد، ولا بما يدل على ثبوتـه عنده، بل ولا العرب قبلهم، ولا سائر الأمم الباقـين على الفطـرة، ولا أتباع الرسـل، فكيف يدعى عليهم أنهم لم يقولوا‏:‏ لفظ جسم إلا لما كـان مركبًا مؤلفًا‏؟‏ ‏!‏ ولو قـلت لمن شئت مـن العـرب‏:‏ الشمس والقمر والسماء مركب عندك مـن أجـزاء صغار كل منها لا يقبـل التجـزيء، أو الجبال أو الهـواء أو الحيوان أو النبات لم يتصـور هذا المعنى إلا بعد كلفة، ثم إذا تصوره قد يكذبه بفطرته، ويقول‏:‏ كيف يمكن أن يكون شيء لا يتميز منه جانب عن جانب‏؟‏ ‏!‏ وأكثر العقلاء من طوائف المسلمين وغيرهم ينكرون الجوهر الفرد، فالفقهاء قاطبة تنكره، وكذلك أهل الحديث والتصوف‏.‏
    ولهذا كان الفقهاء متفقين على استحالة بعض الأجسام إلى بعض،
    كاستحالة العَذِرَةِ رمادًا، والخنزير ملحًا،
    ثم تكلموا في هذه الاستحالة
    هل تطهر أم لا تطهر‏؟‏
    والقائلون بالجوهر الفرد لا تستحيل الذوات عندهم،
    بل تلك الجواهر التي كانت في الأول هي بعينها في الثاني، وإنما اختلف التركيب؛
    ولهذا يتكلم بلفظ التركيب في الماء ونحوه من الفقهاء المتأخرين من كان قد أخذ هذا التركيب عن المتكلمين، ويقول‏:‏ إن الماء يفارق غيره في التركيب فقط‏.‏وكذلك القائلون بالجوهر الفرد عندهم‏:‏
    إنا لم نشاهد قط إحداث الله ـ تعالى ـ لشيء من الجواهر والأعيان القائمة بنفسها،
    وإن جميع ما يخلقه من الحيوان والنبات والمعدن والثمار والمطر/ والسحاب
    وغير ذلك إنما هو جمع الجواهر وتفريقها، وتغيير صفاتها من حال إلى حال، لا أنه يبدع شيئًا من الجواهر والأجسام القائمة بأنفسها،
    وهذا القول أكثر العقلاء ينكره،
    ويقول‏:‏ هو مخالف للحس والعقل والشرع، فضلًا عن أن يكون الجسم في لغة العرب مستلزمًا لهذا المعنى‏.‏
    ثم الجسم قد يراد به الغلظ نفسه، وهو عرض قائم بغيره،
    وقد يراد به الشيء الغليظ، وهو القائم بنفسه‏.‏
    فنقول‏:‏ هذا الثوب له جسم، أى‏:‏ غلظ، وقوله‏:‏ ‏{‏وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ‏}‏ قد يحتج به على هذا، فإنه قرن الجسم بالعلم الذي هو مصدر‏ ‏{‏وَزَادَهُ بَسْطَةً‏}‏ في قدره، فجعل قدر بدنه أكبر من بدن غيره، فيكون الجسم هو القدر نفسه لا نفس المقدر‏.‏
    وكذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ‏} ‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ 4‏]‏ أي‏:‏ صورهم القائمة بأبدانهم، كما تقول‏:‏ أعجبني حسنه وجماله ولونه وبهاؤه، فقد يراد صفة الأبدان، وقد يراد نفس الأبدان،
    وهم إذا قالوا‏:‏ هذا أجسم من هذا، أرادوا أنه أغلظ وأعظم منه، أما كونهم يريدون بذلك أن ذلك العظم والغلظ كان لزيادة الأجزاء، فهذا مما يعلم قطعًا أنه لم يخطر ببال أهل اللغة، إلا من أخذ ذلك عمن اعتقده من أهل الكلام المحدث الذي أحدث في الإسلام بعد انقراض عصر الصحابة، وأكثر التابعين، فإن هذا لميعرف في الإسلام من تكلم به أو بمعناه إلا في أواخر الدولة الأموية، لما ظهر جهم بن صفوان، والجعد بن درهم، ثم ظهر في المعتزلة‏.‏
    فقد تبين أن من قال‏:‏ الجسم هو المؤلف المركب،
    واعتقد أن الأجسام مركبة من الجواهر الفردة
    ، فقد ادعى معنى عقليًا ينازعه فيه أكثر العقلاء من بني آدم، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه وافقه عليه، وأنه جعل لفظ الجسم في اصطلاحه يدل على معنى لا يدل عليه اللفظ في اللغة، فقد غَيَّرَ معنى اللفظ في اللغة، وادعى معنى عقليًا فيه نزاع طويل،
    وليس معه من الشرع ما يوافق ما ادعاه من معنى اللفظ،
    ولا ما ادعاه من المعنى العقلي، فاللغة لا تدل على ما قال، والشرع لا يدل على ما قال، والعقل لم يدل على مسميات الألفاظ، وإنما يدل على المعنى المجرد، وذلك فيه نزاع طويل، ونحن نعلم بالاضطرار أن ذلك المعنى الذي وجب نفيه عن الله لا يحتاج نفيه إلى ما أحدثه هذا من دلالة اللفظ،
    ولا ما اداعاه من المعنى العقلي
    ، بل الذين جعلوا هذا عمدتهم في تنزيه الرب على نفي مسمى الجسم،
    لا يمكنهم أن ينزهوه عن شيء من النقائص ألبتة، فإنهم إذا قالوا‏:‏ هذا من صفات الأجسام،
    فكل ما أثبتوه هو ـ أيضًا ـ من صفات الأجسام،
    مثل كونه حيًا عليمًا قديرًا، بل كونه موجودًا قائمًا بنفسه،
    فإنهم لا يعرفون هذا في الشاهد/إلا جسمًا،
    فإذا قال المُنَازِعُ‏:‏ أنا أقول فيما نفيتموه نظير قولكم فيما أثبتموه، انقطعوا‏.‏
    ثم هؤلاء لهم في استحقاق الرب لصفات الكمال عندهم، هل علم بالإجماع فقط، أو علم بالعقل ـ أيضًا‏؟‏ فيه قولان‏.‏ فمن قال‏:‏ إن ذلك لم يعلم بالعقل ـ كأبي المعالي والرازي وغيرهما ـ لم يبق معهم دليل عقلى ينزهون به الرب عن كثير من النقائص،
    هذا إذا لم ينف إلا ما يجب نفيه عن الله، مثل نفيه للنقائص، فإنه يجب تنزيه الرب عنها، وينفي عنه مماثلة المخلوقات، فإنه كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب يجب تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفات الكمال الثابتة له، وهذان النوعان يجمعان التنزيه الواجب لله، و‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏، دلت على النوعين‏.
    فقوله‏:‏ ‏{‏أَحَدٌ‏}‏، مع قوله‏:‏ ‏
    {‏وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ ينفي المماثلة والمشاركة
    ، وقوله‏:‏ ‏{‏الصَّمَدُ‏} تثبت جميع صفات الكمال،
    فالنقائص جنسها منفي عن الله ـ تعالى ـ وكل ما اختص به المخلوق، فهو من النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها، بخلاف ما يوصف به الرب، ويوصف العبد بما يليق به، مثل العلم والقدرة والرحمة، ونحو ذلك، فإن هذه ليست نقائص، بل ما ثبت لله من هذه المعاني، فإنه يثبت لله على وجه لا يقاربه فيه أحد من المخلوقات، فضلا عن أن يماثله فيه،.....
    فالذي علم بالاضطرار من دين الرسل‏:‏ أن كل ما سوى الله مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن‏.‏
    وأيضًا، فما تثبتـه الفلاسفـة مـن الجـواهر العقلية إنما يوجد في الذهن لا في الخارج،
    وأمـا أكثر المتكلمين فقالوا‏:‏ انتفاء هـذه معلـوم بضرورة العقـل‏.‏وقـد بسط الكـلام على هـذا في غير هـذا الموضع، وبين أن ما تدعى الفلاسفـة إثباتـه مـن الجواهـر العقليـة التي هي العقـل والنفس والمـادة والصـورة فلا حقيقة لها في الخارج، وإنما هي أمور معقولة في الذهـن يجـردها العقـل مـن الأمور المعينـة كما يجرد العقل الكليات المشتركة بين الأصناف، كالحيوانية الكلية، والإنسانية الكلية، والكليات إنما تكون كليات في الأذهان لا في الأعيان‏.‏
    ومن هؤلاء من يظن أنها تكون في الخارج كليات، وأن في الخارج ماهيات كلية مقارنة للأعيان غير الموجودات المعينة، وكذلك منهم من يثبت كليات مجردة عن الأعيان يسمونها‏:‏ ‏[‏المثل الأفلاطونية‏]‏، ومنهم من يثبت دهرًا مجردًا عن المتحرك والحركة، ويثبت خلاءًا مجردًا ليس هو متحيزًا ولا قائمًا بمتحيز، ويثبت هيولى مجردة عن جميع الصور، والهيولى في لغتهم بمعنى المحل‏.‏ يقال‏:‏ الفضة هيولى الخاتم، والدرهم والخشب هيولى الكرسي، أى‏:‏ هذا المحل الذي تصنع فيه هذه الصورة، وهذه الصورة الصناعية عرض من الأعراض، وَيَدَّعُونَ أن للجسم هيولي محل/ الصورة الجسمية غير نفس الجسم القائم بنفسه، وهذا غلط؛ وإنما هذا يقدر في النفس كما يقدر امتداد مجرد عن كل ممتد، وعدد مجرد عن كل معدود، ومقدار مجرد عن كل مقدر، وهذه كلها أمور مقدرة في الأذهان، لا وجود لها في الأعيان‏.‏وقد اعترف بذلك من عادته نصر الفلاسفة من أهل النظر‏.‏كما قد بسط هذا في غير هذا الموضع‏.‏
    فالجواهر العقلية التي يثبتها هؤلاء الفلاسفة يعلم بصريح العقل ـ بعد التصور التام ـ انتفاؤها في الخارج، وأما الملائكة الذين أخبر الله عنهم، فهذه لا يعرفها هؤلاء الفلاسفة أتباع أرسطو، ولا يذكرونها بنفي ولا إثبات، .......
    والمقصود هنا الكلام على لفظ التحيز والجهة، وهؤلاء المتكلمون المتفلسفة صار بينهم نزاع في الملائكة‏:
    هل هي متحيزة أم لا‏؟‏ فمن مال إلى الفلسفة ورأى أن الملائكة هي العقول والنفوس التي يثبتها الفلاسفة، وأن تلك ليست متحيزة، قال‏:‏ إن الملائكة ليست متحيزة، لا سيما وطائفة من الفلاسفة لم تجعل عددها عشرة عقول وتسعة نفوس ـ كما/ هو المشهور عن المشائين ـ بل قال‏:‏ لا دليل على نفي الزيادة، ورأى النبوات قد أخبرت بكثرة الملائكة، فأراد أن يثبت كثرتهم بطريقة فلسفية، كما فعل ذلك أبو البركات ـ صاحب ‏[‏المعتبر‏]‏ ـ والرازي في ‏[‏المطالب العالية‏]‏ وغيرهما‏.‏
    وأما المتكلمون، فإنهم يقولون‏:‏ إن كل ممكن أو كل محدث، أو كل مخلوق، فهو إما متحـيز، وإما قائم بمتحيز، وكثير منهم يقول‏:‏ كل مـوجـود إمـا متحـيز، وإمـا قائم بمتحيز، ويقـولون‏:‏ لا يعقل موجود إلا كذلك، كما قاله طوائف من أهل الكلام والنظر، ثم المتفلسفة ـ كابن سينا وأتباعه، والشهرستانى والرازي وغيرهم ـ لما أرادوا إثبات موجود ليس كذلك، كان أكبر عمدتهم إثبات الكليات كالإنسانية المشتركة، والحيوانية المشتركة، وإذا كانت هذه لا تكون كليات إلا في الذهن، فلم ينازعهم الناس في ذلك، وإنما نازعوهم في إثبات موجود خارج الذهن قائم بنفسه، لا يمكن الإحساس به بحال، بل لا يكون معقولًا‏.‏ وقالوا لهم‏:‏ المعقول مـا كان في العقـل، وأما مـا كـان موجودًا قائمًا بنفسه، فلابد أن يمكن الإحساس به، وإن لم نحس نحن به في الدنيا، كما لا نحس بالجن والملائكة وغير ذلك؛ فلابد أن يحس به غيرنا كالملائكة والجن، وأن يحس به بعد الموت، أو في الدار الآخرة، أو /يحس به بعض الناس دون بعض في الدنيا، كالأنبياء الذين رأوا الملائكة وسمعوا كلامهم‏.‏ وهذه الطـريقة ـ وهـو أن كل قـائم بنفسـه يمكـن رؤيته ـ هي التي سلكها أئمة النظار ـ كابن كُلاَّب وغيره ـ وسلكها ابن الزاغوني وغيره‏.‏ وأما من قال‏:‏ إن كـل مـوجـود يجــوز رؤيته أو يجـوز أن يحس بسائـر الحـواس الخمـس ـ كما يقـولـه الأشعـري وموافقـوه كالقاضي أبي يعلى، وأبي المعالي وغـيرهما ـ فهـذه الطـريقة مردودة عند جماهير العقلاء، بل يقولون‏:‏ فسادها معلوم بالضرورة بعد التصور التام، كما بسط في موضعه‏.‏ وكـذلك نزاعهم في روح الإنـسان التي تفارقـه بالمـوت على قول الجمهور الذين يقـولون‏:‏ هي عين قائمـة بنفسها، ليسـت عَرَضًا مـن أعراض البدن ـ كالحياة وغيرها ـ ولا جـزءًا مـن أجـزاء البـدن ـ كالهـواء الخارج منـه ـ فـإن كثـيرًا مـن المتكلمين زعموا أنها عرض قائم بالبدن، أو جزء من أجزاء البدن، لكن هذا مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف والخلف، ولقول جماهير العقلاء من جميع الأمم، ومخالف للأدلة العقلية‏.‏ وهذا مما استطال به الفلاسفة على كثير من أهل الكلام‏.‏قال القاضي أبو بكر‏:‏ أكثر المتكلمين على أن الروح عرض من الأعراض، /وبهذا نقول إذا لم ىَعْنِ بالروح النفس، فإنه قال‏:‏ الروح الكائن في الجسد ضربان‏:‏ أحـدهما‏:‏ الحياة القائمـة به، والآخر‏:‏ النفس، والنفس ريح ينبث به، والمراد بالنفس‏:‏ ما يخـرج بنفس التنفس مـن أجـزاء الهواء المتحلل من المسام، وهذا قول الإسفرائيني وغيره‏.‏ وقال ابن فَوْرَك‏:‏ هو ما يجري في تجاويف الأعضاء، وأبو المعالي خالف هؤلاء وأحسن في مخالفتهم فقال‏:‏ إن الروح أجسام لطيفة مشابكة للأجسام المحسوسة، أجرى الله العادة بحياة الأجساد ما استمرت مشابكتها لها، فإذا فارقتها تعقب الموت الحياة في استمرار العادة‏.‏ ومـذهب الصحابـة والتابعـين لهم بإحسان وسائر سلف الأمة وأئمة السنة‏:‏ أن الروح عين قائمة بنفسها، تفارق البدن، وتنعم وتعذب، ليست هي البدن، ولا جزءًا من أجـزائـه، كالنفس المذكور‏.‏ولما كان الإمـام أحمد ممن نص على ذلك ـ كما نص عليه غيره من الأئمة ـ لم يختلف أصحابه في ذلك؛ لكن طائفة منهم ـ كالقاضي أبي يعلى ـ زعموا أنها جسم، وأنها الهواء المتردد في مخاريق البدن؛ موافقة لأحد المعنيين اللذين ذكرهما ابن الباقلاني‏.‏ وهذه الأقوال لما كانت من أضعف الأقوال؛ تسلط بها عليهم خلق كثير‏.‏ /والمقصود هنا أن الذين قالوا‏:‏ إنها عين قائمة بنفسها غير البدن وأجزائه وأعراضه تنازعوا‏:‏ هل هي جسم متحيز‏؟‏ على قولين، كتنازعهم في الملائكة‏.‏ فالمتكلمون منهم يقولون‏:‏ جسم، والمتفلسفة يقولون‏:‏ جوهر عقلي ليس بجسم، وقد أشرنا فيما تقدم إلى أن ما تسميه المتفلسفة جواهر عقلية، لا توجد إلا في الذهن، وأصل تسميتهم المجردات والمفارقات هو مأخوذ من نفس الإنسان، فإنها لما كانت تفارق بدنه بالموت، وتتجرد عنه سموها مفارقة مجردة، ثم أثبتوا ما أثبتوه من العقول والنفوس وسموها مفارقات ومجردات ـ بناء على ذلك ـ وهم يريدون بالمفارق للمادة ما لا يكون جسمًا ولا قائمًا بجسم، لكن النفس متعلقة بالجسم تعلق التدبير والعقل، ولا تعلق له بالأجسام أصلا، ولا ريب أن جماهير العقلاء على إثبات الفرق بين البدن والروح التي تفارق، والجمهور يسمون ذلك روحًا، وهذا جسمًا، لكن لفظ الجسم في اللغة ليس هو الجسم في اصطلاح المتكلمين، بل الجسم هو الجسد كما تقدم، وهو الجسم الغليظ أو غلظـه، والروح ليسـت مثـل البدن في الغلظ والكثافة؛ ولذلك لا تسمى جسمًا، فمن جعل الملائكـة والأرواح ـ ونحـو ذلك ـ ليسـت أجسامًـا بالمعنى اللغـوي فقـد أصـاب في ذلك، ورب العالمين أولى ألا يكون جسمًا، فإنه من المشهور في اللغة الفرق بين الأرواح والأجسام‏.‏ /وأما أهل الاصطلاح من المتكلمين والمتفلسفة، فيجعلون مسمى الجسم أعم من ذلك، وهو ما أمكنت الإشارة الحسية إليه، وما قيل‏:‏ إنه هنا وهناك، وما قبل الأبعاد الثلاثة، ونحو ذلك‏.‏ وكذلك المتحيز في اصطلاح هؤلاء هو الجسم، ويدخل فيه الجوهر الفرد عند من أثبته، وقد تقدم معنى الجسم في اللغة، وأما المتحيز فقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وقـال الجـوهري‏:‏ الحَوْزُ الجمع، وكل من ضم إلى نفسه شيئًا فقد حَازَهُ حَوْزًا، وحِيَازَةً، واحْتَازَهُ أيضًا، والحَـوْزُ والحيْزُ‏:‏ السـوقُ اللينُ، وقـد حاز الإبل يحوزها ويحيزها، وحَوَزَ الإبل‏:‏ ساقها إلى الماء‏.‏ وقال الأصمعي‏:‏ إذا كانت الإبل بعيدة المرعى عن الماء فأول ليلة توجهها إلى الماء ليلة الحوز، وتحوَّزَت الحية وتحيَّزَت‏:‏ تلوت‏.‏ يقال‏:‏ مالك تتحوز تحوز الحية، وتتحيز تحيز الحية‏.‏قال سيبويه‏:‏ هو تَفَعُّل من حزت الشيء، قال القطامي‏:‏ تَحِــيزُ مني خشـــية أن أضيـفها ** كما انحازت الأفعى مخافة ضارب يقـول‏:‏ تتنحي عني هذه العجوز وتتأخر خشية أن أنزل عليها ضيفًا‏.‏/ والحيز‏:‏ ما انضم إلى الدار مـن مرافقها، وكـل ناحيـة حـيز، وأصلـه مـن الواو، والحيِّزُ تخفيـف الحيز، مثل هـين وهين، ولـين ولـين، والجمـع أحياز، والحـوْزَةُ‏:‏ الناحـية، وانحاز عنـه‏:‏ انعدل، وانحاز القوم‏:‏ تركـوا مركزهم إلى آخر، يقال للأولياء‏:‏ انحـازوا عـن العـدو، وحاصوا، والأعـداء انهزمـوا وولوا مـدبرين، وتحـاوز الفريقان في الحرب، انحاز كل فريق عن الآخر‏.‏ فهذا المذكور عن أهل اللغة في هذا اللفظ ومادته يقتضي أن التحيز والانحياز والتحوز ـ ونحو ذلك ـ يتضمن عدولًا من محل إلى محل، وهذا أخص من كونه يحوزه أمر موجود، فهم يراعون في معنى الحوز ذهابه من جهة إلى جهة؛ ولهذا يقولون‏:‏ حزت المال، وحزت الإبل، وذلك يتضمن نقله من جهة إلى جهـة، فالشيء المستقر في موضعه ـ كالجبل والشمس والقمر ـ لا يسمونه متحيزًا، وأعم من هذا أن يراد بالمتحيز ما يحيط به حيز موجود، فيسمى كل ما أحاط به غيره أنه متحيز، وعلى هذا فما بين السماء والأرض متحيز؛ بل ما في العالم متحيز إلا سـطح العالم الذي لا يحـيط بــه شيء، فـإن ذلك ليس بمتحيز، وكذلك العالم جملة ليس بمتحيز بهذا الاعتبار، فإنه ليس في عالم آخر أحاط به‏.‏ والمتكلمون يريدون بالمتحيز ما هو أعم من هذا، والحيز عنـدهم أهم مـن المكان، فالعالم كله في حيز، وليس هو في مكان، / والمتحيز عندهم لا يعتبر فيه أنه يحوزه غيره، ولا يكون له حيز وجودي، بل كلما أُشير إليه وامتاز منه شيء عن شيء فهو متحيز عندهم‏.‏ ثم هم مختلفون بعد هذا في المتحيز‏:‏ هل هو مركب من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة‏؟‏ أو هو غير مركب لا من هذا ولا من هذا‏؟‏ كما تقدم نزاعهم في الجسم، فالجسم عندهم متحيز، ولا يخرج عنه شيء إلا الجوهر الفرد عند من أثبته، وهؤلاء يعتقد كثير منهم ـ أو أكثرهم ـ أن كل متحيز فهو مركب، أى‏:‏ يقبل الانقسام إلى جزء لا يتجرأ، بل يظن بعضهم أن هذا إجماع المسلمين، وأكثرهم يقولون‏:‏ المتحيزات متماثلة في الحد والحقيقة‏.‏ ومن كان معنى المتحيز عنده هذا، فعليه أن ينزه الله - تعالى - أن يكون متحيزًا بهذا الاعتبار، وإذا قال‏:‏ الملائكة متحيزون بهذا الاعتبار، أو الروح متحيزة بهذا الاعتبار نازعه في ذلك جمهور العقلاء من المسلمين وغيرهم، بل لا يعرف أحد من سلف الأمة وأئمتها يقول‏:‏ إن الملائكة متحيزة بهذا الاعتبار، ولا قالوا لفظًا يدل على هذا المعنى، وكذلك روح بني آدم التي تفارقه بالموت لم يقل أحد من السلف‏:‏ إنها متحيزة بهذا الاعتبار، ولا قال فيها لفظًا يدل على هذا المعنى، فإذا كان إثبات هذا التحيز للملائكة والروح بدعة في الشرع وباطلًا في العقل، فلأن يكون ذلك بدعة وباطلًا في رب /العالمين بطريق الأولى والأحرى‏.‏ ومن هنا يتبين أن عامة ما يقوله المتفلسفة وهؤلاء المتكلمة في نفوس بني آدم وفي الملائكة باطل، فكيف بما يقولونه في رب العالمين‏؟‏ ‏!‏ ولهذا توجد الكتب المصنفة التي يذكر فيها مقالات هؤلاء وهؤلاء في هذه المسائل الكبار في رب العالمين، وفي ملائكته، وفي أرواح بني آدم، وفي المعاد، وفي النبوات ليس فيها قول يطابق العقل والشرع، ولا يعرفون ما قاله السلف والأئمة في هذا الباب، ولا ما دل عليه الكتاب والسنة‏.‏ فلهذا يغلب على فضلائهم الحيرة، فإنهم إذا أنهوا النظر لم يصلوا إلى علم؛ لأن ما نظروا فيه من كلام الطائفتين مشتمل على باطل من الجانبين؛ ولهذا قال أبو عبد الله الرازي في آخر عمره‏:‏ لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلًا، ولا تروى غليلًا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات‏:‏ ‏{‏إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 10‏]‏، ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 5‏]‏، واقرأ في النفي‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏، ‏{‏وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 110‏]‏، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي‏.‏ وأما من اعتقد أن المتحيز هو ما باين غيره فانحاز عنه، وليس/من شرطه أن يكون مركبًا من الأجزاء المنفردة، ولا أنه يقبل التفريق والتقسيم، فإذا قال‏:‏ إن الرب متحيز بهذا المعنى، أي‏:‏ أنه بائن عن مخلوقاته فقد أراد معنى صحيحًا، لكن إطلاق هذه العبارة بدعة، وفيها تلبيس، فإن هذا الذي أراده ليس معنى المتحيز في اللغة، وهو اصطلاح له ولطائفته، وفي المعنى المصطلح نزاع بين العقلاء، فصار يحتمل معنى فاسدًا يجب تنزيه الرب عنه، وليس للإنسان أن يطلق لفظًا يدل عند غيره على معنى فاسد، ويفهم ذلك الغير ذلك المعنى الفاسد من غير بيان مراده؛ بل هؤلاء المتكلمون الذين أرادوا بالمتحيز ما كان مؤلفًا من أجزاء لا تقبل القسمة، وهو ما كان قابلًا للقسمة إذا قالوا‏:‏ إن كل ممكن أو كل محدث أو كل مخلوق، فهو إما متحيز، وإما قائم بمتحيز، كان جماهير العقلاء يخالفونهم في هذا التقسيم، ولم يكن أحد من أئمة المسلمين ـ لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا سائر أئمة المسلمين ـ موافقًا لهم على هذا التقسيم، فكيف إذا قال من قال منهم‏:‏ كل موجود فهو إما متحيز، وإما قائم بمتحيز، وأراد بالمتحيز ما أراده هؤلاء‏؟‏ ‏!‏ فإن قوله حينئذ يكون أبعد عن الشرع والعقل من قول أولئك؛ ولهذا طالبهم متأخروهم بالدليل على هذا الحصر، وليس خطأ هؤلاء من جهة ما أثبته المتفلسفة من الجواهر العقلية، فإن تلك قد علم بطلانها بصريح العقل أيضًا‏.‏

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    وأما تركيب الجسم من هذا وهذا فأكثر العقلاء يقولون الجسم ليس مركبا لا من المادة والصورة ولا من الجواهر المنفردة.
    محصلة ما تقدم
    قال شيخ الاسلام
    كذلك لما قسموا الجوهر إلى خمسة أقسام العقل والنفس والمادة والصورة والجسم، وجعلوا الجسم قسمين: فلكيا وعنصريا، والعنصري الأركان التي هي الأسطقسات ( لفظ يوناني بمعنى العناصر ) والمولدات: الحيوان والنبات والمعدن، كان هذا التقسيم مع فساده في الإثبات ليس حصر الموجودات فيه معلوما فإنه لا دليل لهم على حصر الأجسام في الفلكيات والعنصريات وهم معترفون بإمكان وجود أجسام وراء لأفلاك فلا يمكن الحصر فيما ذكر حتى يعلم انتفاء ذلك وهم لا يعلمون انتفاءه فكيف وقد قامت الأدلة على ثبوت أعيان قائمة بأنفسها فوق الأفلاك كما قد بسط في موضعه ( وهم الملائكة الكرام ) وهم منازعون في واجب الوجود هل هو داخل في مقولة الجوهر فأرسطو والقدماء كانوا يجعلونه من مقولة الجوهر وابن سينا امتنع من ذلك... الرد على المنطقيين- ج1-ص303-ص 304.
    وقال: وليس في مجرد العلم بذلك ( أي مسمى الوجود ) ما يوجب كمال النفس بل ولا في العلم بأقسامه العامة
    فإنا إذا علمنا أن الوجود ينقسم إلى جوهر وعرض
    وأن أقسام الجوهر خمسة كما زعموه
    مع أن ذلك ليس بصحيح
    ولا يثبت مما ذكروه إلا الجسم وأما المادة والصورة والنفس والعقل
    فلا يثبت لها حقيقة في الخارج إلا أن يكون جسما اوعرضا
    ولكن ما يثبتونه يعود إلى أمر مقدر في النفس لا في الخارج
    كما قد بسط في موضعه.
    وقد اعترف بذلك من ينصرهم ويعظمهم كأبي محمد بن حزم وغيره. الرد على المنطقيين- ج1-ص131.
    وقال: فإن الفلاسفة يقولون بإثبات المادة والصورة، ويجعلون المادة والصورة جوهرين،
    وهؤلاء ( المتكلمون ) يقولون: ليست الصورة إلا عرضا قائما بجسم.
    والتحقيق: أن المادة والصورة لفظ يقع على معان:
    كالمادة والصورة الصناعية، والطبيعية، والكلية والأولية.
    فالأول: مثل الفضة إذا جعلت درهما وخاتما وسبيكة، والخشب إذا جعل كرسيا، واللبن والحجر إذا جعل بيتا، والغزل إذا نسج ثوبا، ونحو ذلك، فلا ريب أن المادة هنا التي يسمونها الهيولى: هي أجسام قائمة بنفسها، وأن الصورة أعراض قائمة بها، فتحول الفضة من صورة إلى صورة هو تحولها من شكل إلى شكل، مع أن حقيقتها لم تتغير أصلا.
    ...والثاني: من معاني المادة والصورة: هي الطبيعية، وهي صورة الحيوانات والنباتات والمعادن ونحو ذلك، فهذه إن أريد بالصورة فيها نفس الشكل الذي لها فهو عرض قائم بجسم، وليس هذا مراد الفلاسفة، وإن أريد بالصورة نفس هذا الجسم المتصور، فلا ريب أنه جوهر محسوس قائم بنفسه.
    ومن قال: إن هذا عرض قائم بجوهر من أهل الكلام فقد غلط،
    وحينئذ فقول المتفلسف: إن هذه الصورة قائمة بالمادة والهيولى، إن أراد بذلك ما خلق منه الإنسان كالمني - وهو لم يرد ذلك - فلا ريب أن ذاك جسم آخر فسد واستحال، وليس هو الآن موجودا، بل ذاك صورة، وهذا صورة، والله تعالى خلق إحداهما من الأخرى
    وإن أراد أن هنا جوهرا بنفسه غير هذا الجسم المشهود الذي هو صورة، وأن هذا الجسم المشهود - الذي هو صورة - قائم بذلك الجوهر العقلي، فهذا من خيالاتهم الفاسدة.
    ومن هنا تعرف قولهم في الهيولى الكلية ( الأولى ) حيث ادعوا أن بين أجسام العالم جوهرا قائما بنفسه،تشترك فيه الأجسام.
    ومن تصور الأمور وعرف ما يقول علم أنه ليس بين هذا الجسم المعين وهذا الجسم المعين قدر مشترك موجود في الخارج أصلا، بل كل منهما متميز عن الآخر بنفسه المتناولة لذاته وصفاته، ولكن يشتركان في المقدارية وغيرها، من الأحكام اللازمة للأجسام، وعلم أن اتصال الجسم بعد انفصاله هو نوع من التفرق، والتفرق والاجتماع هما من الأعراض التي يوصف بها الجسم، فالإتصال والإنفصال عرضان، والقابل لهما نفس الجسم الذي يكون متصلا تارة، ومنفصلا تارة أخرى، كما يكون مجتمعا تارة ومفترقا أخرى ومتحركا تارة وساكنا أخرى، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. درء تعارض العقل والنقل- ج3-ص84-85-86.
    وقال شيخ الاسلام
    والناس قد تنازعوا في الأجسام المخلوقة كالكواكب والفلك والهواء والماء وغير ذلك، فقيل: هي مركبة من الجواهر المنفردة، وقيل: مركبة من المادة والصورة، ومنهم من فرق بين الجسم الفلكي والعنصري ( فالجسم الفلكي ليس مركبا من مادة وصورة بخلاف الجسم العنصري الذي تتولد منه المولدات ).
    والصواب عند محققي الطوائف أنها ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا. وهذا قول أكثر أهل الطوائف أهل النظر مثل: الهشامية والضرارية والنجارية والكلابية وطائفة من الكرامية وغيرهم.
    وقد تنازع الناس في الجسم هل يقبل القسمة إلى غاية محدودة هي الجوهر الفرد، أو يقبل القسمة إلى غير غاية ( كما يقوله الفلاسفة )، أو يقبل القسمة إلى غاية من غير إثبات الجوهر الفرد على ثلاثة أقوال.
    والثالث هو الصواب؛ فإن إثبات الجوهر الفرد الذي لا يقبل القسمة باطل بوجوه كثيرة؛ إذ ما من موجود إلا ويتميز منه شيء عن شيء.
    وإثبات انقسامات لا تتناهى فيما هو محصور بين حاصرين ممتنع لامتناع وجود ما لا يتناهى فيما يتناهى وامتناع انحصاره فيه. لكن الجسم كالماء يقبل انقسامات متناهية إلى أن تتصاغر أجزاؤه فإذا تصاغرت استحالت إلى جسم آخر فلا يبقى ما ينقسم ولا ينقسم ( كذا في المطبوع ولعل الصواب فلا يبقى ينقسم وينقسم ) إلى غير غاية بل يستحيل عند تصاغره، فلا يقبل الانقسام بالفعل مع كونه في نفسه يتميز منه شيء عن شيء، وليس كل ما تميز منه شيء عن شيء لزم أن يقبل الانقسام بالفعل بل قد يضعف عن ذلك ولا يقبل البقاء مع فرط تصاغر الاجزاء لكن يستحيل إذ الجسم الموجود لا بد له من قدر ما ولا بد له من صفة ما فإذا ضعفت قُدَرُهُ عن اتصافه بتلك الصفة انضم إلى غيره إما مع استحالة إن كان ذلك من غير جنسه وإما بدون الإستحالة إن كان من جنسه كالقطرة الصغيرة من الماء إذا صغرت جدا فلا بد أن تستحيل هواء أو ترابا أو أن تنضم إلى ماء آخر وإلا فلا تبقى القطرة الصغيرة جدا وحدها وكذلك سائر الأجزاء الصغيرة جدا من سائر الأجسام. الصفدية- ج1- ص117-118.
    وقال: وهؤلاء، وهؤلاء ( الفلاسفة والمتكلمون ) تحيّروا في خلق الشيء من مادة؛ كخلق الإنسان من النطفة، والحب من الحب، والشجرة من النواة، وظنّوا أنّ هذا لا يكون إلا مع بقاء أصل تلك المادّة؛ إمّا الجواهر عند قوم ( وهم المتكلمون ) وإمّا المادّة المشتركة عند قوم ( وهم الفلاسفة ).
    وهم في الحقيقة يُنكرون أن يخلق الله شيئا من شيء؛ فإنّه عندهم لم يُحدِث إلا الصورة التي هي عرض عند قوم، أو جوهر عقليّ عند قوم. وكلاهما لم يخلق من مادّة، والمادّة عندهم باقية بعينها، لم تخلق. النبوات- ج1-ص312.
    وقال: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ قَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِينَ ، بَلِ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ مُنْذُ خَلَقَ الْجَوَاهِرَ الْمُنْفَرِدَةَ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، لَا سَمَاءً وَلَا أَرْضًا، وَلَا حَيَوَانًا وَلَا نَبَاتًا، وَلَا مَعَادِنَ، وَلَا إِنْسَانًا وَلَا غَيْرَ إِنْسَانٍ، بَلْ إِنَّمَا يُحْدِثُ تَرْكِيبَ تِلْكَ الْجَوَاهِرِ الْقَدِيمَةِ فَيَجْمَعُهَا وَيُفَرِّقُهَا، فَإِنَّمَا يُحْدِثُ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِتِلْكَ الْجَوَاهِرِ، لَا أَعْيَانًا قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا. فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ إِذَا خَلَقَ السَّحَابَ وَالْمَطَرَ وَالْإِنْسَانَ، وَغَيْرَهُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْأَشْجَارِ وَالنَّبَاتِ وَالثِّمَارِ، لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا خَلَقَ أَعْرَاضًا قَائِمَةً بِغَيْرِهَا. وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السَّمْعُ وَالْعَقْلُ وَالْعِيَانُ، وَوُجُودُ جَوَاهِرَ لَا تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْأَجْسَامِ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ وَالْحِسِّ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا إِلَّا ذَلِكَ، وهؤلاء ( المتكلمون ) يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَجْسَامَ لَا يَسْتَحِيلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، بَلِ الْجَوَاهِرُ الَّتِي كَانَتْ مَثَلًا فِي الْأَوَّلِ هِيَ بِعَيْنِهَا بَاقِيَةٌ فِي الثَّانِي، وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ أَعْرَاضُهَا.
    وَهَذَا خِلَافُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ - أَئِمَّةُ الدِّينِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ - مِنِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِ الْأَجْسَامِ إِلَى بَعْضٍ، كَاسْتِحَالَةِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ بِالْمَوْتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَجْسَامِ النَّجِسَةِ مِلْحًا أَوْ رَمَادًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَذِرَاتِ تُرَابًا، وَاسْتِحَالَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا، ثُمَّ اسْتِحَالَةِ الْخَمْرِ خَلًّا، وَاسْتِحَالَةِ مَا يَأْكُلُهُ الْإِنْسَانُ وَيَشْرَبُهُ بَوْلًا وَدَمًا وَغَائِطًا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّجَاسَةِ: هَلْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَ ةِ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمُ الِاسْتِحَالَةَ . المنهاج- 2- ص139- 140.
    وقال: وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ: الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ؛ بِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَمَاثِلَةٌ؛ بَلْ وَيَقُولُونَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ: أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُتَمَاثِلَة ِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأَعْرَاضِ وَتِلْكَ صِفَاتٌ عَارِضَةٌ لَهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً فَلَا تَنْفِي التَّمَاثُلَ فَإِنَّ حَدَّ الْمِثْلَيْنِ أَنْ يَجُوزَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَمَاثِلَةٌ فَيَجُوزُ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مَا جَازَ عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ. مجموع الفتاوى- 17- 244-245.
    وقال: قلت: هذا بناء على أصل تلقوه من المعتزلة، وهو أن الجواهر والأجسام متماثلة، بخلاف الأعراض، فإنها قد تختلف وقد تتماثل.
    وحقيقة هذا القول أن الأجسام متماثلة من كل وجه، لا تختلف من وجه دون وجه، بل الثلج مماثل للنار من كل وجه، والتراب مماثل للذهب من كل وجه، والخبز مماثل للحديد من كل وجه، إذ كانا متماثلين في صفات النفس عندهم.
    وهذا القول فيه من مخالفة الحس والعقل ما يستغنى به عن بسط الرد على صاحبه، بل أصل دعوى تماثل الأجسام من أفسد الأقوال، بل القول في تماثلها واختلافها كالقول في تماثل الأعراض واختلافها، فإنها تتماثل تارة وتختلف أخرى. درء تعارض العقل والنقل- ج5- ص 192.
    مع أن ذلك ليس بصحيح ولا يثبت مما ذكروه إلا الجسم وأما المادة والصورة والنفس والعقل
    فلا يثبت لها حقيقة في الخارج إلا أن يكون جسما اوعرضا
    ولكن ما يثبتونه يعود إلى أمر مقدر في النفس لا في الخارج

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jul 2020
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    نعم, اعلم ان الله تعالى ليس كمثله شيء لكن ما سألت عنه اذا ما كان معنى جواب النبي على سؤال من اي شيء ربك هو نفي ان يكون الله من شيء اصلا؟ كما قال في الاثر :ان ربي ليس من شيء.

    اعتذر ثانية.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jul 2020
    المشاركات
    36

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    نعم, اعلم ان الله تعالى ليس كمثله شيء لكن ما سألت عنه اذا ما كان معنى جواب النبي على سؤال من اي شيء ربك هو نفي ان يكون الله من شيء اصلا؟ كما قال في الاثر :ان ربي ليس من شيء.

    اعتذر ثانية.
    فهمت, نفي مجمل واثبات مفصل, نعم؟

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: إن ربي ليس من شيء؛ لأنه خالق الأشياء

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ضياء عمر مشاهدة المشاركة
    فهمت, نفي مجمل واثبات مفصل, نعم؟
    نعم بارك الله فيك اخى ضياء عمر

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •