أبو الحسن الرفاتي
2010-12-14, 10:30 AM
خطأ تقييم الدعاة الوعاظ بالمعايير الأكاديمية
الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده، وبعد.....
من المعلوم أن المعلومات ذات الطابع التفصيلي ،و الدقائق العلمية هي من العلم الأكاديمي أي من العلم البحثي الاستقصائي الذي لا يوجد إلا في الكتب، وقلما تجده في حفظ أهل العلم، بخلاف العلم العملي الذي يحتاجه العالم في كل يوم في توجيهاته و مواعظه وعمله.
ومن المعلوم كذلك أن طبيعة وظيفة الدعاة و الوعاظ تتطلب منهم الدراية بنصوص الترغيب و الترهيب، و حكايات الصالحين، و أحوالهم السلوكية.
وتقييمهم ـ جرحا و تعديلا ـ بناء على دقائق أكاديمية في علم الحديث أو أصول الفقه أو العقائد خطا جسيم، لان هذه الدقائق غير متوفرة لهم بحكم وظيفتهم الدعوية ، فمن بحث فيها يعلم منها أكثر ممن لم يبحث فيها،ووظيفتهم الدعوية لا تسمح لهم بالبحث في هذه الدقائق و لذلك تجد عند من له اهتمام بتعليم العوام قصور في التفاصيل العلمية.
فقد يسأل الشيخ في مثل هذه المسائل فيجيب بجواب مجمل أو خطأ، لا لأنه يعتقده، ولكن بحسب ما تيسر له،ولو عاد للبحث المستقصي لما قال به، و لتنبه إلى مخالفته لأصول أهل السنة مثلا.
لأن البحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم بخلاف الكلام في الوعظ فإن هذا أمر لا يعجز عنه الدعاة و الوعاظ.
ولذلك فإن تجريح الدعاة و العلماء بما يأخذ عليهم من الأشرطة خطا كبيرو جسيم، إذ يلزم مراجعتهم، و بسط التفاصيل العلمية لهم قبل الحكم عليهم،هذا إن كان لهم استعداد لتصورها ومعرفة مسالكها.
ومن المعلوم أن العلماء اعتنوا بضبط أحاديث الأحكام المعروفة عن النبي أكثر من اعتنائهم بضبط الخبريات كأحاديث الزهد والقصص والفضائل ونحو ذلك، إذ حاجة المسلمين إلى معرفة الأمر والنهي أكثر من حاجتهم إلى معرفة التفاصيل بالخبريات التي يكتفي بالإيمان المجمل بها .
أما الأمر والنهي فلا بد من معرفته على وجه التفصيل إذ العمل بالمأمور لا يكون إلا مفصلا، والمحظور الذي يجب اجتنابه لا بد أن يميز بينه و بين غيره.
ومن هنا يجب كذلك التفريق بين الجمل و التفاصيل في باب الدعوة كما فرقنا في باب الدعاة، لأن العلم والإيمان واجب على الناس بحسب الإمكان، فالجمل التي فرض الله تعالى على الخلق كلهم الإقرار بها مما يمكنهم معرفتها.
وأما التفاصيل ففيها من الدقيق ما لا يمكن أن يعرفه إلا بعض الناس، فلو كلف بقية الناس بمعرفته كلفوا ما لا يطيقون، ولهذا لم يجب على كل أحد أن يسمع كل آية في القرآن ويفهم معناها، وإن كان هذا فرضا على الكفاية .
ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلا لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يفاضلون في فهمه تفاضلا عظيما، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات كما قال تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }.
و لأن الدعاة إنما ينفعون الأمة في الجمل دون التفاصيل التي هي محل نزاع بين المسلمين،لا يجب أن نطالبهم بتحرير محل النزاع في هذه التفاصيل، ولا أن يجعلوها موضوع دعوتهم، لأن المبتدئ والمقلد لا يدرك هذه الدقائق.
فقد يخفى حتى العلماء ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام.
و عليه، فإن وظيفة العلماء بسط الدقائق العلمية، و كشف حقائق التفاصيل ورد الفروع إلى الأصول الكلية، والنظر في دقيق العلم والاستدلال.
و أما وظيفة الدعاة فمخاطبة الأمة بالجمل، لأن أكثر الناس يعجز عن العلم بالتفاصيل، وهي فتنة له، فلا يكلف العلم بها.
وعليه، وجب التمييز الواضح بين العلماء ووظيفتهم، و الدعاة الوعاظ و وظيفتهم،وبين لوازم إعداد هذا،و لوازم إعداد ذاك، حتى لا نلزم الدعاة الوعاظ بما يلزم العلماء،و هذا الفرق تستشعره عندما تلاحظ الفرق الكبير بين طريقة الدعاة في الوعظ و بين طريقة العلماء،فقلما تجد عالما متمكنا يدرك طريقة اللدعاة الوعاظ في التأثير على العوام،و لذلك قال الإمام أحمد: ما أحوج الناس إلى قاص صادق.
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيد المرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرزيو/ الجزائر في 22/04/2010
مختار الأخضر الطيباوي
الحمد لله وحده، و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده، وبعد.....
من المعلوم أن المعلومات ذات الطابع التفصيلي ،و الدقائق العلمية هي من العلم الأكاديمي أي من العلم البحثي الاستقصائي الذي لا يوجد إلا في الكتب، وقلما تجده في حفظ أهل العلم، بخلاف العلم العملي الذي يحتاجه العالم في كل يوم في توجيهاته و مواعظه وعمله.
ومن المعلوم كذلك أن طبيعة وظيفة الدعاة و الوعاظ تتطلب منهم الدراية بنصوص الترغيب و الترهيب، و حكايات الصالحين، و أحوالهم السلوكية.
وتقييمهم ـ جرحا و تعديلا ـ بناء على دقائق أكاديمية في علم الحديث أو أصول الفقه أو العقائد خطا جسيم، لان هذه الدقائق غير متوفرة لهم بحكم وظيفتهم الدعوية ، فمن بحث فيها يعلم منها أكثر ممن لم يبحث فيها،ووظيفتهم الدعوية لا تسمح لهم بالبحث في هذه الدقائق و لذلك تجد عند من له اهتمام بتعليم العوام قصور في التفاصيل العلمية.
فقد يسأل الشيخ في مثل هذه المسائل فيجيب بجواب مجمل أو خطأ، لا لأنه يعتقده، ولكن بحسب ما تيسر له،ولو عاد للبحث المستقصي لما قال به، و لتنبه إلى مخالفته لأصول أهل السنة مثلا.
لأن البحث في هذه الدقائق من وظيفة خواص أهل العلم بخلاف الكلام في الوعظ فإن هذا أمر لا يعجز عنه الدعاة و الوعاظ.
ولذلك فإن تجريح الدعاة و العلماء بما يأخذ عليهم من الأشرطة خطا كبيرو جسيم، إذ يلزم مراجعتهم، و بسط التفاصيل العلمية لهم قبل الحكم عليهم،هذا إن كان لهم استعداد لتصورها ومعرفة مسالكها.
ومن المعلوم أن العلماء اعتنوا بضبط أحاديث الأحكام المعروفة عن النبي أكثر من اعتنائهم بضبط الخبريات كأحاديث الزهد والقصص والفضائل ونحو ذلك، إذ حاجة المسلمين إلى معرفة الأمر والنهي أكثر من حاجتهم إلى معرفة التفاصيل بالخبريات التي يكتفي بالإيمان المجمل بها .
أما الأمر والنهي فلا بد من معرفته على وجه التفصيل إذ العمل بالمأمور لا يكون إلا مفصلا، والمحظور الذي يجب اجتنابه لا بد أن يميز بينه و بين غيره.
ومن هنا يجب كذلك التفريق بين الجمل و التفاصيل في باب الدعوة كما فرقنا في باب الدعاة، لأن العلم والإيمان واجب على الناس بحسب الإمكان، فالجمل التي فرض الله تعالى على الخلق كلهم الإقرار بها مما يمكنهم معرفتها.
وأما التفاصيل ففيها من الدقيق ما لا يمكن أن يعرفه إلا بعض الناس، فلو كلف بقية الناس بمعرفته كلفوا ما لا يطيقون، ولهذا لم يجب على كل أحد أن يسمع كل آية في القرآن ويفهم معناها، وإن كان هذا فرضا على الكفاية .
ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلا لا ينضبط لنا، والقرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يفاضلون في فهمه تفاضلا عظيما، وقد رفع الله بعض الناس على بعض درجات كما قال تعالى : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }.
و لأن الدعاة إنما ينفعون الأمة في الجمل دون التفاصيل التي هي محل نزاع بين المسلمين،لا يجب أن نطالبهم بتحرير محل النزاع في هذه التفاصيل، ولا أن يجعلوها موضوع دعوتهم، لأن المبتدئ والمقلد لا يدرك هذه الدقائق.
فقد يخفى حتى العلماء ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام.
و عليه، فإن وظيفة العلماء بسط الدقائق العلمية، و كشف حقائق التفاصيل ورد الفروع إلى الأصول الكلية، والنظر في دقيق العلم والاستدلال.
و أما وظيفة الدعاة فمخاطبة الأمة بالجمل، لأن أكثر الناس يعجز عن العلم بالتفاصيل، وهي فتنة له، فلا يكلف العلم بها.
وعليه، وجب التمييز الواضح بين العلماء ووظيفتهم، و الدعاة الوعاظ و وظيفتهم،وبين لوازم إعداد هذا،و لوازم إعداد ذاك، حتى لا نلزم الدعاة الوعاظ بما يلزم العلماء،و هذا الفرق تستشعره عندما تلاحظ الفرق الكبير بين طريقة الدعاة في الوعظ و بين طريقة العلماء،فقلما تجد عالما متمكنا يدرك طريقة اللدعاة الوعاظ في التأثير على العوام،و لذلك قال الإمام أحمد: ما أحوج الناس إلى قاص صادق.
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيد المرسلين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرزيو/ الجزائر في 22/04/2010
مختار الأخضر الطيباوي