امانى يسرى محمد
2025-07-20, 07:09 PM
(سورة المؤمنون )
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَٰفِلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٧﴾]
وقال أكثر المفسرين: أي: عن الخلق كلهم من أن تسقط عليهم، فتهلكهم. القرطبي:15/22.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩﴾]
المحافظة عليها هي فعلها في أوقاتها؛ مع توفية شروطها، فإن قيل: كيف كرر ذكر الصلوات أولاً وآخراً؟ فالجواب: أنه ليس بتكرار؛ لأنه قد ذكر أولاً الخشوع فيها، وذكر هنا المحافظة عليها، فهما مختلفان. ابن جزي:2/68.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٨﴾]
والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه، قولا وفعلا، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك، وغاية ذلك حفظه والقيام به. القرطبي:15/15.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴿٢﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ ﴿٤﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١﴾]
هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين، وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي شيء وصلوا إلى ذلك، في ضمن ذلك: الحث على الاتصاف بصفاتهم، والترغيب فيها. فلْيَزِنِ العبدُ نفسه وغيره على هذه الآيات، ويعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان زيادةً ونقصاً، كثرة وقلة. السعدي:547.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣﴾]
في هذه الآية الكريمة: أن من صفات المؤمنين المفلحين إعراضهم عن اللغو، وأصل اللغو: ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، فيدخل فيه اللعب واللهو والهزل، وما توجب المروءة تركه. الشنقيطي:5/306.
﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢﴾]
والخشوع في الصلاة... روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد؛ فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها. السعدي:547-548.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ ﴿١٠﴾ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١﴾]
أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم، وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال؛ إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات، ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب، وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا؛ فالخشوع يتضمن السكينة والتواضع جميعا. ابن تيمية:4/454.
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
سادة القوم ظنوا أنه ما جاء بتلك الدعوة إلاّ حباً في أن يَسُود على قومهم؛ فَخَشُوا أن تزول سيادتهم، وهم بجهلهم لا يتدبرون أحوال النفوس، ولا ينظرون مصالح الناس، ولكنهم يقيسون غيرهم على مقياس أنفسهم. ابن عاشور:18/42.
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
استبعدوا أن تكون النبوّة لبشر؛ فيا عجباً منهم إذ أثبتوا الربوبية لحجر! ابن جزي:2/70.
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٢٤﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌۢ بِهِۦ جِنَّةٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
وهذه الشُّبَه التي أوردوها... هي في نفسها متناقضة، متعارضة؛ فقوله: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) أثبتوا أن له عقلاً يكيدهم به ليعلوهم ويسودهم، ويحتاج مع هذا أن يحذر منه لئلا يغتر به، فكيف يلتئم مع قولهم: (إن هو إلا رجل به جنة)؟! السعدي:550.
﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْءَاكِلِينَ ﴿٢٠﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٠﴾]
(وإن لكم في الأنعام لعبرة): بيان للنعم الواصلة إليهم من جهة الحيوان إثر بيان النعم الفائضة من جهة الماء والنبات. الألوسي:9/225.
﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٨﴾]
وهذا تنبيه منه لعباده أن يشكروه على نعمته، ويقدروا عدمها ماذا يحصل به من الضرر. السعدي:549.
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٨﴾]
أي: بحسب الحاجة؛ لا كثيراً فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به. ابن كثير:3/235.
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٨﴾]
يقول جل ثناؤه: وإنا على الماء الذي أسكناه في الأرض لقادرون أن نذهب به، فتهلكوا أيها الناس عطشا، وتخرب أرضوكم، فلا تنبت زرعا، ولا غرسا، وتهلك مواشيكم، يقول: فمن نعمتي عليكم تركي ذلك لكم في الأرض جاريا. الطبري:19/20.
﴿ قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ ﴿٣٩﴾ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَٰدِمِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٩﴾]
المعنى: قالَ الله لهذا النبي الداعي: عَمَّا قَلِيلٍ يندم قومك على كفرهم حين لا ينفعهم الندم. ابن عطية:4/144.
﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ ۞ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٥﴾]
أي: بعيد بعيد ما يعدكم به من البعث بعد أن تمزقتم، وكنتم تراباً وعظاماً؛ فنظروا نظراً قاصراً، ورأوا هذا بالنسبة إلى قدرهم غير ممكن، فقاسوا قدرة الخالق بقُدَرِهم، تعالى الله. السعدي:551.
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَٰهُ مْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٣﴾]
بيان سنة من سنن البشر؛ وهي أن دعوة الحق أول من يردها الكبراء من أهل الكفر. الجزائري:3/513.
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَٰهُ مْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٣﴾]
وفي هذين الوصفين إيماء إلى أنهما الباعث على تكذيبهم رسولَهم؛ لأن تكذيبهم بلقاء الآخرة ينفي عنهم توقع المؤاخذة بعد الموت، وثروتهم ونعمتهم تغريهم بالكبر والصلف؛ إذ ألِفوا أن يكونوا سادة لا تبعاً. ابن عاشور:18/52.
﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٩﴾]
وبالجملة فالآية تعليم من الله عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا، بل وإذا دخلوا بيوتهم وسلموا. القرطبي:15/37.
﴿ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٨﴾]
قال الخفاجي: إن في ذلك إشارة إلى أنه لا ينبغي المسرة بمصيبة أحد؛ ولو عدوا من حيث كونها مصيبة له؛ بل لما تضمنته من السلامة من ضرره، أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله. الألوسي:9/230.
﴿ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٢٨﴾ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٨﴾]
ثم أمره تعالى بأن يحمد ربه على النجاة من الظلمة عند استوائه وتمكنه في الفلك، ثم أمره بالدعاء في بركة المنزل. ابن عطية:4/142.
﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴿٥٥﴾ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٥﴾]
يعني: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا، ومعزتهم عندنا؟! كلا، ليس الأمر كما يزعمون... لقد أخطأوا في ذلك، وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً، وإنظاراً وإملاءً. ابن كثير:3/240.
﴿ فَتَقَطَّعُوٓا۟ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍۭ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٢﴾]
جعلوا دينهم أدياناً بعد ما أمروا بالاجتماع، ثم ذكر تعالى أن كلاً منهم معجب برأيه وضلالته، وهذا غاية الضلال. القرطبي:15/52.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥١﴾]
يأمر تعالى عباده المرسلين- عليهم الصلاة والسلام- أجمعين بالأكل من الحلال، والقيام بالصالح من الأعمال، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح. ابن كثير:3/239.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥١﴾]
روى الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك». القرطبي:12/172.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥١﴾]
وتقديم الأمر بأكل الحلال؛ لأن أكل الحلال معين على العمل الصالح، وصح: (أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به). الألوسي:9/241.
﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٠﴾]
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم -عليهما السلام- أنه جعلهما آية للناس: أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء؛ فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى. ابن كثير:3/238.
﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ فَٱسْتَكْبَرُوا ۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًا عَالِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٤٦﴾]
استكبارهم على تلقي دعوة موسى وآياته وحجته إنما نشأ عن سجيتهم من الكبر وتطبعهم. ابن عاشور:18/64.
﴿ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَٰهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧١﴾]
(ولو اتبع الحق أهواءهم) أي: بما يهواه الناس ويشتهونه؛ لبطل نظام العالم؛ لأن شهوات الناس تختلف، وتتضاد، وسبيل الحق أن يكون متبوعا، وسبيل الناس الانقياد للحق. القرطبي:15/72.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةٌۢ ۚ بَلْ جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٠﴾]
وإنما أسندت كراهية الحق إلى أكثرهم دون جميعهم؛ إنصافاً لمن كان منهم من أهل الأحلام الراجحة الذين علموا بطلان الشرك، وكانوا يجنحون إلى الحق، ولكنهم يشايعون طغاة قومهم مصانعة لهم، واستبقاء على حرمة أنفسهم. ابن عاشور:18/91.
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا۟ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُۥ مُنكِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦٩﴾]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أليس قد عرفوا محمداً ﷺ صغيراً وكبيراً، وعرفوا نسبه، وصدقه، وأمانته، ووفاءه بالعهود». وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعدما عرفوه بالصدق والأمانة. البغوي:3/252.
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا۟ ٱلْقَوْلَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦٩﴾]
إذاً –والله- يجدون في القرآن زاجراً عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه، ولكنهم أخذوا بما تشابه به؛ فهلكوا عند ذلك. ابن كثير:3/242.
﴿ قَدْ كَانَتْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦٦﴾]
(فكنتم على أعقابكم تنكصون) أي: راجعين القهقرى إلى الخلف؛ وذلك لأن باتِّباعهم القرآن يتقدمون، وبالإعراض عنه يستأخرون، وينْزلون إلى أسفل سافلين. السعدي:555.
يتبع
الكلم الطيب
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَٰفِلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٧﴾]
وقال أكثر المفسرين: أي: عن الخلق كلهم من أن تسقط عليهم، فتهلكهم. القرطبي:15/22.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٩﴾]
المحافظة عليها هي فعلها في أوقاتها؛ مع توفية شروطها، فإن قيل: كيف كرر ذكر الصلوات أولاً وآخراً؟ فالجواب: أنه ليس بتكرار؛ لأنه قد ذكر أولاً الخشوع فيها، وذكر هنا المحافظة عليها، فهما مختلفان. ابن جزي:2/68.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٨﴾]
والأمانة والعهد يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه، قولا وفعلا، وهذا يعم معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك، وغاية ذلك حفظه والقيام به. القرطبي:15/15.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴿٢﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ ﴿٤﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١﴾]
هذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين، وذكر فلاحهم وسعادتهم، وبأي شيء وصلوا إلى ذلك، في ضمن ذلك: الحث على الاتصاف بصفاتهم، والترغيب فيها. فلْيَزِنِ العبدُ نفسه وغيره على هذه الآيات، ويعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان زيادةً ونقصاً، كثرة وقلة. السعدي:547.
﴿ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣﴾]
في هذه الآية الكريمة: أن من صفات المؤمنين المفلحين إعراضهم عن اللغو، وأصل اللغو: ما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، فيدخل فيه اللعب واللهو والهزل، وما توجب المروءة تركه. الشنقيطي:5/306.
﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢﴾]
والخشوع في الصلاة... روح الصلاة، والمقصود منها، وهو الذي يكتب للعبد؛ فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب، وإن كانت مجزئة مثاباً عليها، فإن الثواب على حسب ما يعقل القلب منها. السعدي:547-548.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿ أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْوَٰرِثُونَ ﴿١٠﴾ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١﴾]
أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة، وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم، وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال؛ إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها؛ لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات، ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب، وإذا كان الخشوع في الصلاة واجبا؛ فالخشوع يتضمن السكينة والتواضع جميعا. ابن تيمية:4/454.
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
سادة القوم ظنوا أنه ما جاء بتلك الدعوة إلاّ حباً في أن يَسُود على قومهم؛ فَخَشُوا أن تزول سيادتهم، وهم بجهلهم لا يتدبرون أحوال النفوس، ولا ينظرون مصالح الناس، ولكنهم يقيسون غيرهم على مقياس أنفسهم. ابن عاشور:18/42.
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
استبعدوا أن تكون النبوّة لبشر؛ فيا عجباً منهم إذ أثبتوا الربوبية لحجر! ابن جزي:2/70.
﴿ فَقَالَ ٱلْمَلَؤُا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن قَوْمِهِۦ مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَٰٓئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِىٓ ءَابَآئِنَا ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٢٤﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌۢ بِهِۦ جِنَّةٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٤﴾]
وهذه الشُّبَه التي أوردوها... هي في نفسها متناقضة، متعارضة؛ فقوله: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) أثبتوا أن له عقلاً يكيدهم به ليعلوهم ويسودهم، ويحتاج مع هذا أن يحذر منه لئلا يغتر به، فكيف يلتئم مع قولهم: (إن هو إلا رجل به جنة)؟! السعدي:550.
﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْءَاكِلِينَ ﴿٢٠﴾ وَإِنَّ لَكُمْ فِى ٱلْأَنْعَٰمِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَٰفِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٠﴾]
(وإن لكم في الأنعام لعبرة): بيان للنعم الواصلة إليهم من جهة الحيوان إثر بيان النعم الفائضة من جهة الماء والنبات. الألوسي:9/225.
﴿ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٨﴾]
وهذا تنبيه منه لعباده أن يشكروه على نعمته، ويقدروا عدمها ماذا يحصل به من الضرر. السعدي:549.
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٨﴾]
أي: بحسب الحاجة؛ لا كثيراً فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلاً فلا يكفي الزروع والثمار، بل بقدر الحاجة إليه من السقي والشرب والانتفاع به. ابن كثير:3/235.
﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۢ بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿١٨﴾]
يقول جل ثناؤه: وإنا على الماء الذي أسكناه في الأرض لقادرون أن نذهب به، فتهلكوا أيها الناس عطشا، وتخرب أرضوكم، فلا تنبت زرعا، ولا غرسا، وتهلك مواشيكم، يقول: فمن نعمتي عليكم تركي ذلك لكم في الأرض جاريا. الطبري:19/20.
﴿ قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِى بِمَا كَذَّبُونِ ﴿٣٩﴾ قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَٰدِمِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٩﴾]
المعنى: قالَ الله لهذا النبي الداعي: عَمَّا قَلِيلٍ يندم قومك على كفرهم حين لا ينفعهم الندم. ابن عطية:4/144.
﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ ۞ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٥﴾]
أي: بعيد بعيد ما يعدكم به من البعث بعد أن تمزقتم، وكنتم تراباً وعظاماً؛ فنظروا نظراً قاصراً، ورأوا هذا بالنسبة إلى قدرهم غير ممكن، فقاسوا قدرة الخالق بقُدَرِهم، تعالى الله. السعدي:551.
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَٰهُ مْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٣﴾]
بيان سنة من سنن البشر؛ وهي أن دعوة الحق أول من يردها الكبراء من أهل الكفر. الجزائري:3/513.
﴿ وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَٰهُ مْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٣٣﴾]
وفي هذين الوصفين إيماء إلى أنهما الباعث على تكذيبهم رسولَهم؛ لأن تكذيبهم بلقاء الآخرة ينفي عنهم توقع المؤاخذة بعد الموت، وثروتهم ونعمتهم تغريهم بالكبر والصلف؛ إذ ألِفوا أن يكونوا سادة لا تبعاً. ابن عاشور:18/52.
﴿ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٩﴾]
وبالجملة فالآية تعليم من الله عز وجل لعباده إذا ركبوا وإذا نزلوا أن يقولوا هذا، بل وإذا دخلوا بيوتهم وسلموا. القرطبي:15/37.
﴿ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٨﴾]
قال الخفاجي: إن في ذلك إشارة إلى أنه لا ينبغي المسرة بمصيبة أحد؛ ولو عدوا من حيث كونها مصيبة له؛ بل لما تضمنته من السلامة من ضرره، أو تطهير الأرض من وسخ شركه وإضلاله. الألوسي:9/230.
﴿ فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴿٢٨﴾ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِى مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٢٨﴾]
ثم أمره تعالى بأن يحمد ربه على النجاة من الظلمة عند استوائه وتمكنه في الفلك، ثم أمره بالدعاء في بركة المنزل. ابن عطية:4/142.
﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ﴿٥٥﴾ نُسَارِعُ لَهُمْ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٥﴾]
يعني: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا، ومعزتهم عندنا؟! كلا، ليس الأمر كما يزعمون... لقد أخطأوا في ذلك، وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجاً، وإنظاراً وإملاءً. ابن كثير:3/240.
﴿ فَتَقَطَّعُوٓا۟ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍۭ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٢﴾]
جعلوا دينهم أدياناً بعد ما أمروا بالاجتماع، ثم ذكر تعالى أن كلاً منهم معجب برأيه وضلالته، وهذا غاية الضلال. القرطبي:15/52.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥١﴾]
يأمر تعالى عباده المرسلين- عليهم الصلاة والسلام- أجمعين بالأكل من الحلال، والقيام بالصالح من الأعمال، فدل هذا على أن الحلال عون على العمل الصالح. ابن كثير:3/239.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥١﴾]
روى الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك». القرطبي:12/172.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُوا۟ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعْمَلُوا۟ صَٰلِحًا ۖ إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥١﴾]
وتقديم الأمر بأكل الحلال؛ لأن أكل الحلال معين على العمل الصالح، وصح: (أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به). الألوسي:9/241.
﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٥٠﴾]
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله عيسى ابن مريم -عليهما السلام- أنه جعلهما آية للناس: أي حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء؛ فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى. ابن كثير:3/238.
﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَإِي۟هِۦ فَٱسْتَكْبَرُوا ۟ وَكَانُوا۟ قَوْمًا عَالِينَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٤٦﴾]
استكبارهم على تلقي دعوة موسى وآياته وحجته إنما نشأ عن سجيتهم من الكبر وتطبعهم. ابن عاشور:18/64.
﴿ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَٰهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧١﴾]
(ولو اتبع الحق أهواءهم) أي: بما يهواه الناس ويشتهونه؛ لبطل نظام العالم؛ لأن شهوات الناس تختلف، وتتضاد، وسبيل الحق أن يكون متبوعا، وسبيل الناس الانقياد للحق. القرطبي:15/72.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةٌۢ ۚ بَلْ جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَٰرِهُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٧٠﴾]
وإنما أسندت كراهية الحق إلى أكثرهم دون جميعهم؛ إنصافاً لمن كان منهم من أهل الأحلام الراجحة الذين علموا بطلان الشرك، وكانوا يجنحون إلى الحق، ولكنهم يشايعون طغاة قومهم مصانعة لهم، واستبقاء على حرمة أنفسهم. ابن عاشور:18/91.
﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا۟ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُۥ مُنكِرُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦٩﴾]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أليس قد عرفوا محمداً ﷺ صغيراً وكبيراً، وعرفوا نسبه، وصدقه، وأمانته، ووفاءه بالعهود». وهذا على سبيل التوبيخ لهم على الإعراض عنه بعدما عرفوه بالصدق والأمانة. البغوي:3/252.
﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا۟ ٱلْقَوْلَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦٩﴾]
إذاً –والله- يجدون في القرآن زاجراً عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه، ولكنهم أخذوا بما تشابه به؛ فهلكوا عند ذلك. ابن كثير:3/242.
﴿ قَدْ كَانَتْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ تَنكِصُونَ ﴾ [سورة المؤمنون آية:﴿٦٦﴾]
(فكنتم على أعقابكم تنكصون) أي: راجعين القهقرى إلى الخلف؛ وذلك لأن باتِّباعهم القرآن يتقدمون، وبالإعراض عنه يستأخرون، وينْزلون إلى أسفل سافلين. السعدي:555.
يتبع
الكلم الطيب