ابو وليد البحيرى
2024-11-09, 05:38 PM
سُورَةُ التَّكْوِيرِ
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
سُورَةُ (التَّكْويرِ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِالإِجْمَاعِ[1]، وَآيُهَا تِسْعٌ وعِشْرُونَ آيَة.
أَسْمَاءُ السُّورَةِ:
وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ التَّكْويرِ، سُورَةُ كُوِّرَتْ، سُورَةُ ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾[2].
الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:
لَعَلَّ أَبْرَزَ مَقَاصِدِ السُّورَةِ في الْأُمُورِ التَّالِيَةِ[3]:
• بَيانُ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا.
• بَيانُ فَضْلِ جِبْرِيل عليه السلام.
• تَصْديقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في رِسَالَتِهِ وَتَبْلِيغهِ لِلْقُرْآنِ.
• التَّهْديدُ الشَّدِيدُ بِيَوْمِ الوَعِيدِ لِمَنْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ.
• بَيانُ أنَّ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ تَابِعَةٌ لِمَشيئَةِ اللهِ تَعَالَى.
مِنْ فَضَائِلِ السُّورَةِ:
قد ورد في فضل هذه السورة أحاديث؛ منها:
أولًا: مَا وَرَدَ عَنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّس * الْجَوَارِ الْكُنَّس ﴾ [سورة التكوير:15-16][4] ؛ ولذا فإنه يُشْرَعُ قِرَاءتُها في صَلَاةِ الْفَجْرِ؛تَأَس ِّيًا وَاقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّصلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾، و﴿ إِذَا السَّمَاء انفَطَرَت ﴾، و﴿ إِذَا السَّمَاء انشَقَّت ﴾»[5]؛ فَهِيَ تُذَكِّرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِمُجْمَلِ مَا يَحْصُلُ في يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ عَظِيْمَةٍ وَتَغَيُّرَاتٍ.
شرْحُ الآيَاتِ:
قَوْلُهُ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾، أَيْ: لُفَّتْ وَجُمِعَ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ حَتَّى مُحِيَ ضَوْؤُهَا[6].
وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم قالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[7]، فَقَوْلُهُ: (مُكَوَّرَانِ)، أَيْ: يُجْمَعَانِ وَيُلَفَّانِ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْؤُهُمَا، وَهَذَا أَمْرٌ غَيْبِيٌّ لَا يُدْرَكُ بِالعُقُولِ، وَلَا تُنَازِعُهُ الأَهْوَاءُ، وَوَاجِبُ الْمُؤْمِنِ فِيهِ التَّصْديقُ وَالإِذْعانُ وَالتّسْليمُ، فَإِنَّ الإِيمَانَ بِالْغَيْبِ مِحَكٌّ عَظِيمٌ لِبَيَانِ صِدْقِ الإِيمَانِ وَصَلَابَتِهِ.
تنبيه: وَالرَّفْعُ في كَلِمَةِ: “الشَّمْس” بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَها أَوْلَى؛ لِأنَّ إِذَا الشَّرْطِيَّةَ تَطْلُبُ الفِعْلَ، وَالتَّقْديرُ إِذَا كُوِّرَتِ الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَت ﴾، أَيْ: تَسَاقَطَتْ وَتَنَاثَرَتْ حَتَّى مُحِيَ ضَوْؤُهَا؛كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَت ﴾[سورة الانفطار:2]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَت ﴾[سورة المرسلات:8][8].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَت ﴾، أَيْ: سُيِّرَتْ عَنْ وَجْهِ الأرْضِ فَكَانَتْ سَرَابًا؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [سورة النبأ:20]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ [سورة الكهف:47][9].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَت ﴾، الْعِشَارُ: جَمْعُ عُشَرَاءَ، مِثْلُ نِفَاسٍ جمْعُ نُفَسَاء، وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتي أَتَى عَلَى حَمْلِهِا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، و(عُطِّلَتْ)، أَيْ: تُرِكَتْ مُهْمَلَةً مِنْ شِدَّةِ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ أَنْفَسِ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا كلُّ مَالٍ نَفِيسٍ عِنْدَ الإِنْسَانِ؛ فَإِنَّهُ سَيَتْرُكُهُ وَيُهْمِلُهُ مِنْ شِدَّةِ الأَهْوَالِ[10].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ ﴾مِنَ الْحَيَواناتِ وَالطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ، ﴿ حُشِرَت ﴾، أَيْ: جُمِعَتْ مِن كُلِّ جَانِبٍ لِلْقِصَاصِ، ثُمَّ رُدَّتْ تُرابًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون ﴾ [سورة الأنعام:38][11].
وَجَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»[12].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت ﴾،أَيْ: أُوقِدَتْ فَصَارَتْ نِيرَانًا تَتَأَجَّجُ، كَما قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور ﴾ [سورة الطَّوْرِ: ٦][13].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت ﴾، أَيْ: قُرِنَ كُلُّ شَكْلٍ إِلى شَكْلِهِ، وَكُلُ نَظِيرٍ إِلَى نَظيرِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [سورة الصافات:22][14].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ ﴾، أَيْ: الْبِنْتُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً، وَكَانَتِ العَرَبُ تَئِدُ البَنَاتِ مَخافَةَ الْفَقْرِ وَالْعَارِ ﴿ سُئِلَت ﴾،أَيْ: سُؤالَ تَطْيِيبٍ لَهَا وَلَوْمٍ لِوائِدِهَا[15].
قَوْلُهُ: ﴿ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت ﴾، أَيْ: تُسْأَلُ الْبِنْتُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً وَيُقَالُ لَهَا: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتِ؟ وهَذَا السُّؤالُ إنَّمَا هُوَ إِقَامَةٌ لِحُجَّتِهِ سُبْحانَهُ عَلَى تَعْذِيبِ مَنْ وَأَدَهَا، إذْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقِّهَا[16].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَت ﴾،أَيْ: صُحُفُ الْأعْمَالِ تُعْرَضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [سورة الإسراء:13-14][17].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَت ﴾، أَيْ: قُلِعَتْ وأُزِيلَتْ كَمَا يُكْشَطُ الإِهَابُ عَنِ الذَّبِيحَةِ[18].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَت ﴾،أَيْ: أُوقِدَتْ إيقادًا شَدِيدًا[19].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَت ﴾،أَيْ: قُرِّبَتْ مِنَ الْمُتَّقِينَ إِكْرامًا لَهُمْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِين ﴾ [سورة الشعراء: ٩٠][20].
قَوْلُهُ: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَت ﴾، لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الأُمُورَ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّتِي سِتٌّ مِنْهَا فِي مَبَادِئِ قِيَامِ السَّاعَةِ قَبْلَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَسِتٌّ بَعْدَهُ؛ ذَكَرَ الجَزاءَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الشُّرُوطِ والَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الأشْياءِ الْمَذْكُوْرَةِ آنِفًا، فَقالَ:﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَت ﴾، أَيْ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [سورة آل عمران:30][21].
قَوْلُهُ: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّس ﴾، أَيْ: أُقْسِمُ بالخُنَّس، و(لَا): لِتَأْكِيدِ القَسَمِ لَا لِنَفْيهِ، بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِجَوَابِ القَسَمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾ [سورة التكوير:19]، و(الْخُنَّس): النُّجُومِ التِي تَخْتَفِيْ أَنْوَارُهَا بِالنَّهارِ وَتَظْهَرُ بِاللَّيْلِ[22].
قَوْلُهُ:﴿ الْجَوَارِ الْكُنَّس ﴾، الجوار: جَمْعُ جَارِيةٍ؛ مَأْخُوْذٌ مِنَ الْجَرْيِ، وَهُوَ السَّيْرُ السَّريعُ، و(الكُنَّس): المسْتَتِرَة في أَبْراجِهَا[23].
وَهَكَذَا نُلَاحِظُ أَنَّ اللهَسبحانه وتعالى أقْسَمَ بِالنُّجُومِ فِي حَالِ اخْتِفَائِهَا، وَفِي حَالِ جَرَيَانِهَا، وَفي حَالِ اسْتِتَارِهَا.
قَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس ﴾، أَيْ: أَدْبَرَ، بِدَليلِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الآيةِ: ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس ﴾،أَيْ: انْتَشَرَ ضِيَاؤُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ﴿ عَسْعَس ﴾: أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ.
وَالْأَقْرَبُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ قَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ؛ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِدْبَارِ والْإِقْبَالِ، فيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَيَكُون اللهُ تَعَالَى مُقْسِمًا بِاللَّيْلِ مُدْبِرًا وَمُقْبِلًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ[24].
قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾،أَيْ: إنَّ القُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍصلى الله عليه وسلم، والرَسُوْل الكَرِيْم: جِبْرِيل[25]، فَإنَّهُ قالَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾، أَيْ: صَاحِبِ قُوَّةٍ، ﴿ عِندَ ذِي الْعَرْشِ ﴾،أَيْ: عند اللَّهِ تَعَالَى، ﴿ ﲛﲜ ﴾،﴿ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين ﴾ أَيْ: وَلَهُ مَكانَةٌ ومَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ.
قَوْلُهُ: ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ ﴾، أي: جِبْرِيْلعليه السلام مُطَاعٌ فِيْ السماء؛ تُطِيْعُهُ الْمَلائِكَةِ، ﴿ ﲟﲠ ﴾، ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين ﴾ أَيْ: مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ[26].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُم ﴾، أي: مُحَمَّدصلى الله عليه وسلم، ﴿ بِمَجْنُون ﴾ كَمَا تَبْهَتُهُ الكَفَرَةُ[27].
قَوْلُهُ: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ ﴾، أَيْ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَعليه الصلاة والسلام فِي الأُفُقِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا؛ لَهُ سِتُّمَائَةِ جَنَاحٍ[28]، ﴿ الْمُبِين ﴾، أَيْ: الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ[29].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا هُوَ ﴾، أَيْ: وَمَا مُحَمَّدٌعليه الصلاة والسلام، ﴿ عَلَى الْغَيْبِ ﴾، أَيْ: عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، ﴿ بِضَنِين ﴾، أَيْ: بِبَخِيلٍ[30].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا هُوَ ﴾، أَيْ: القُرْآنُ، ﴿ بِقَوْلِ ﴾، أَيْ: بِكَلَامِ، ﴿ شَيْطَانٍ ﴾، أَيْ: عَلَى مَا قَالَتْ قُرَيْشٌ: إنَّ مُحَمَّدًا كَاهِنٌ وَشَاعِرٌ وَسَاحِرٌ[31]، ﴿ رَجِيم ﴾، أَيْ: مَرْجُومٍ مَطْرودٍ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُون * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُون ﴾[سورة الشعراء:210-212][32].
قَوْلُهُ: ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُون ﴾، أَيْ: أَيَّ طَرِيقٍ تَسْلُكُونَ فِي تَكْذِيبِكُمُ القُرْآنَ وَإعْراضِكُمْ عَنْهُ بَعْدَ هذِهِ الْحُجَجِ القاطِعَةِ وَالْبَراهِينِ السّاطِعَةِ؟[33].
قَوْلُهُ: ﴿ إِنْ هُوَ ﴾، أي: مَا هو، أَيْ: القُرْآنُ، ﴿ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ مَوْعِظَةٌ، ﴿ لِّلْعَالَمِين ﴾، أَيْ: الْإِنْسِ وَالجِنِّ وَالْمُسْلِمِين َ وَالْكُفَّارِ[34].
قَوْلُهُ: ﴿ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيم ﴾، أَيْ: عَلَى الْحَقِّ وَيَثْبُتَ عَلَيْهِ[35].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ ﴾، أَيْ: الِاسْتِقَامَةَ وَغَيْرَهَا، ﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ﴾ تِلْكَ الْمَشِيئَةَ، ﴿ رَبُّ الْعَالَمِين ﴾، أَيْ: مَالِكُ الخَلْقِ كُلِّهِ[36].
بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَ ةِ مِنَ الْآيَاتِ:
بَيَانُ عِظَمِ شَأْنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ:
فِي الْآيَاتِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: دَلِيلٌ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ شَأْنٌ عَظيمٌ، فَهَذا الْكَوْنُ يَتَغَيَّرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأَهْوالِ إِلَّا تَغَيُّر هَذَا الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مِنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ لَكَانَ ذَلِكَ كافيًا، فَكَيْفَ بِالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ وَالْبَعْثِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ... إِلَخ [37].
الدَّلَالَةُ عَلَىْ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ فِي تَغْيِيرِ حَالِ الْكَوْنِ:
في آيَاتِ السُّورَةِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ تَعَالَى بِقِيامِ السَّاعَةِ يَنْقَلِبُ الْكَوْنُ، فَيَتَغَيَّرُ حَالُ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَقُدْرَةُ اللهِ تَعَالَى لَا يَسْتَطيعُ عَقْلٌ أَنْ يَتَصَوَّرَها، فَهِيَ فَوْقَ طاقَتِهِ.
سُورَةُ التَّكْوِيرِ مِنْ أَخَصِّ السُّوَرِ تَصْوِيرًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ:
لَقَدِ اشْتَمَلَتِ السُّورَةُ عَلَى أَهْوَالٍ عَظيمَةٍ، كَلَفِّ الشَّمْسِ وَجَمْعِها وَذَهابِ نُورِها، وَسُقوطِ النُّجومِ وَتَناثُرِهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَتَسْيِيرِ الْجِبالِ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، إِلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَهْوَالِ، وَهُو مَا جَاءَ في الْحدِيثِ الْمَذْكورِ آنِفًا.
تَقْرِيْرُ زَوَالِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفَنَائهَا:
مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَت ﴾: أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا مَا هِيَ إِلَّا دَارُ زَوَالٍ، وَما هِيَ إِلَّا طَرِيقٌ لِلْعُبورِ إِلى دَارِ الْقَرارِ، فَإِمَّا نَعيمٌ مُقيمٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِمَّا عَذابٌ أَليمٌ فِي النَّارِ.
لَفْتُ الانْتِبَاهِ إِلَى الْحِرْصِ عَلَى صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت ﴾: أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ؛ لِأَنَّهُ في يَوْمِ الْقِيامَةِ يُحْشَرُ كُلُّ جِنْسٍ مَعَ جِنْسِهِ أَزْوَاجًا، فَالْأَشْخَاصُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا مُتَشَابِهَةً يُقْرَنُ بَيْنَهُمْ، فَأَهُلُ الْإِيمَانِ مَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ، قَالَ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُون * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم ﴾[سورة الصافات:22-23]، فَالْأَخْيَارُ يُحْشَرُونَ مَعَ الْأَخْيَارِ، وَالْأَشْرَارُ مَعَ الْأَشْرَارِ، وَمَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُم.
فَفِي الدُّنْيَا هُمْ مُخْتَلِطُونَ، الصَّالِحُ بِالطَّالحِ، أَمَّا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ جَاءَ الْأَمْرُ الِإلهِيُّ: ﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُون ﴾ [سورة يس:59][38].
الْحَثُّ عَلَى الاِسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ:
هَذِهِ الْأَوْصافَ الَّتي وَصَفَ اللهُ بهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنَ الْأَوْصافِ الَّتِي تَنْزَعِجُ لهَا الْقُلوبُ، وَتَشْتَدُّ مِنْ أجْلِهَا الْكُروبُ، وَتَرْتَعِدُ الْفَرائِصُ، وَتَعُمُّ الْمَخاوِفُ، وَتَحُثُّ أُولِي الْأَلْبَابِ لِلِاسْتِعْدَاد ِ لِذلِكَ الْيَوْمِ، وَتَزْجُرهُمْ عَنْ كُلِّ مَا يُوجِبُ اللَّوْمَ.
يتبع
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
سُورَةُ (التَّكْويرِ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِالإِجْمَاعِ[1]، وَآيُهَا تِسْعٌ وعِشْرُونَ آيَة.
أَسْمَاءُ السُّورَةِ:
وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ التَّكْويرِ، سُورَةُ كُوِّرَتْ، سُورَةُ ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾[2].
الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:
لَعَلَّ أَبْرَزَ مَقَاصِدِ السُّورَةِ في الْأُمُورِ التَّالِيَةِ[3]:
• بَيانُ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا.
• بَيانُ فَضْلِ جِبْرِيل عليه السلام.
• تَصْديقُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في رِسَالَتِهِ وَتَبْلِيغهِ لِلْقُرْآنِ.
• التَّهْديدُ الشَّدِيدُ بِيَوْمِ الوَعِيدِ لِمَنْ كَذَّبَ بِالْقُرْآنِ.
• بَيانُ أنَّ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ تَابِعَةٌ لِمَشيئَةِ اللهِ تَعَالَى.
مِنْ فَضَائِلِ السُّورَةِ:
قد ورد في فضل هذه السورة أحاديث؛ منها:
أولًا: مَا وَرَدَ عَنْ عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه قالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّس * الْجَوَارِ الْكُنَّس ﴾ [سورة التكوير:15-16][4] ؛ ولذا فإنه يُشْرَعُ قِرَاءتُها في صَلَاةِ الْفَجْرِ؛تَأَس ِّيًا وَاقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّصلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾، و﴿ إِذَا السَّمَاء انفَطَرَت ﴾، و﴿ إِذَا السَّمَاء انشَقَّت ﴾»[5]؛ فَهِيَ تُذَكِّرُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِمُجْمَلِ مَا يَحْصُلُ في يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ أَحْدَاثٍ عَظِيْمَةٍ وَتَغَيُّرَاتٍ.
شرْحُ الآيَاتِ:
قَوْلُهُ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾، أَيْ: لُفَّتْ وَجُمِعَ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ حَتَّى مُحِيَ ضَوْؤُهَا[6].
وَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم قالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[7]، فَقَوْلُهُ: (مُكَوَّرَانِ)، أَيْ: يُجْمَعَانِ وَيُلَفَّانِ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْؤُهُمَا، وَهَذَا أَمْرٌ غَيْبِيٌّ لَا يُدْرَكُ بِالعُقُولِ، وَلَا تُنَازِعُهُ الأَهْوَاءُ، وَوَاجِبُ الْمُؤْمِنِ فِيهِ التَّصْديقُ وَالإِذْعانُ وَالتّسْليمُ، فَإِنَّ الإِيمَانَ بِالْغَيْبِ مِحَكٌّ عَظِيمٌ لِبَيَانِ صِدْقِ الإِيمَانِ وَصَلَابَتِهِ.
تنبيه: وَالرَّفْعُ في كَلِمَةِ: “الشَّمْس” بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَها أَوْلَى؛ لِأنَّ إِذَا الشَّرْطِيَّةَ تَطْلُبُ الفِعْلَ، وَالتَّقْديرُ إِذَا كُوِّرَتِ الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَت ﴾، أَيْ: تَسَاقَطَتْ وَتَنَاثَرَتْ حَتَّى مُحِيَ ضَوْؤُهَا؛كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَت ﴾[سورة الانفطار:2]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَت ﴾[سورة المرسلات:8][8].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَت ﴾، أَيْ: سُيِّرَتْ عَنْ وَجْهِ الأرْضِ فَكَانَتْ سَرَابًا؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [سورة النبأ:20]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ [سورة الكهف:47][9].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَت ﴾، الْعِشَارُ: جَمْعُ عُشَرَاءَ، مِثْلُ نِفَاسٍ جمْعُ نُفَسَاء، وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتي أَتَى عَلَى حَمْلِهِا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، و(عُطِّلَتْ)، أَيْ: تُرِكَتْ مُهْمَلَةً مِنْ شِدَّةِ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ أَنْفَسِ أَمْوَالِ الْعَرَبِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهَا كلُّ مَالٍ نَفِيسٍ عِنْدَ الإِنْسَانِ؛ فَإِنَّهُ سَيَتْرُكُهُ وَيُهْمِلُهُ مِنْ شِدَّةِ الأَهْوَالِ[10].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ ﴾مِنَ الْحَيَواناتِ وَالطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ، ﴿ حُشِرَت ﴾، أَيْ: جُمِعَتْ مِن كُلِّ جَانِبٍ لِلْقِصَاصِ، ثُمَّ رُدَّتْ تُرابًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون ﴾ [سورة الأنعام:38][11].
وَجَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ»[12].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَت ﴾،أَيْ: أُوقِدَتْ فَصَارَتْ نِيرَانًا تَتَأَجَّجُ، كَما قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور ﴾ [سورة الطَّوْرِ: ٦][13].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت ﴾، أَيْ: قُرِنَ كُلُّ شَكْلٍ إِلى شَكْلِهِ، وَكُلُ نَظِيرٍ إِلَى نَظيرِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ [سورة الصافات:22][14].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ ﴾، أَيْ: الْبِنْتُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً، وَكَانَتِ العَرَبُ تَئِدُ البَنَاتِ مَخافَةَ الْفَقْرِ وَالْعَارِ ﴿ سُئِلَت ﴾،أَيْ: سُؤالَ تَطْيِيبٍ لَهَا وَلَوْمٍ لِوائِدِهَا[15].
قَوْلُهُ: ﴿ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت ﴾، أَيْ: تُسْأَلُ الْبِنْتُ الْمَدْفُونَةُ حَيَّةً وَيُقَالُ لَهَا: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلْتِ؟ وهَذَا السُّؤالُ إنَّمَا هُوَ إِقَامَةٌ لِحُجَّتِهِ سُبْحانَهُ عَلَى تَعْذِيبِ مَنْ وَأَدَهَا، إذْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقِّهَا[16].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَت ﴾،أَيْ: صُحُفُ الْأعْمَالِ تُعْرَضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [سورة الإسراء:13-14][17].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَت ﴾، أَيْ: قُلِعَتْ وأُزِيلَتْ كَمَا يُكْشَطُ الإِهَابُ عَنِ الذَّبِيحَةِ[18].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَت ﴾،أَيْ: أُوقِدَتْ إيقادًا شَدِيدًا[19].
قَوْلُهُ: ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَت ﴾،أَيْ: قُرِّبَتْ مِنَ الْمُتَّقِينَ إِكْرامًا لَهُمْ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِين ﴾ [سورة الشعراء: ٩٠][20].
قَوْلُهُ: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَت ﴾، لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الأُمُورَ الِاثْنَيْ عَشَرَ الَّتِي سِتٌّ مِنْهَا فِي مَبَادِئِ قِيَامِ السَّاعَةِ قَبْلَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَسِتٌّ بَعْدَهُ؛ ذَكَرَ الجَزاءَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الشُّرُوطِ والَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الأشْياءِ الْمَذْكُوْرَةِ آنِفًا، فَقالَ:﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَت ﴾، أَيْ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [سورة آل عمران:30][21].
قَوْلُهُ: ﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّس ﴾، أَيْ: أُقْسِمُ بالخُنَّس، و(لَا): لِتَأْكِيدِ القَسَمِ لَا لِنَفْيهِ، بِدَلِيلِ التَّصْرِيحِ بِجَوَابِ القَسَمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾ [سورة التكوير:19]، و(الْخُنَّس): النُّجُومِ التِي تَخْتَفِيْ أَنْوَارُهَا بِالنَّهارِ وَتَظْهَرُ بِاللَّيْلِ[22].
قَوْلُهُ:﴿ الْجَوَارِ الْكُنَّس ﴾، الجوار: جَمْعُ جَارِيةٍ؛ مَأْخُوْذٌ مِنَ الْجَرْيِ، وَهُوَ السَّيْرُ السَّريعُ، و(الكُنَّس): المسْتَتِرَة في أَبْراجِهَا[23].
وَهَكَذَا نُلَاحِظُ أَنَّ اللهَسبحانه وتعالى أقْسَمَ بِالنُّجُومِ فِي حَالِ اخْتِفَائِهَا، وَفِي حَالِ جَرَيَانِهَا، وَفي حَالِ اسْتِتَارِهَا.
قَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَس ﴾، أَيْ: أَدْبَرَ، بِدَليلِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الآيةِ: ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس ﴾،أَيْ: انْتَشَرَ ضِيَاؤُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ﴿ عَسْعَس ﴾: أَقْبَلَ بِظَلَامِهِ.
وَالْأَقْرَبُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ قَبِيلِ الاِشْتِرَاكِ؛ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِدْبَارِ والْإِقْبَالِ، فيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَيَكُون اللهُ تَعَالَى مُقْسِمًا بِاللَّيْلِ مُدْبِرًا وَمُقْبِلًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ[24].
قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾،أَيْ: إنَّ القُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍصلى الله عليه وسلم، والرَسُوْل الكَرِيْم: جِبْرِيل[25]، فَإنَّهُ قالَهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: ﴿ ذِي قُوَّةٍ ﴾، أَيْ: صَاحِبِ قُوَّةٍ، ﴿ عِندَ ذِي الْعَرْشِ ﴾،أَيْ: عند اللَّهِ تَعَالَى، ﴿ ﲛﲜ ﴾،﴿ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين ﴾ أَيْ: وَلَهُ مَكانَةٌ ومَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ.
قَوْلُهُ: ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ ﴾، أي: جِبْرِيْلعليه السلام مُطَاعٌ فِيْ السماء؛ تُطِيْعُهُ الْمَلائِكَةِ، ﴿ ﲟﲠ ﴾، ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين ﴾ أَيْ: مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ[26].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُم ﴾، أي: مُحَمَّدصلى الله عليه وسلم، ﴿ بِمَجْنُون ﴾ كَمَا تَبْهَتُهُ الكَفَرَةُ[27].
قَوْلُهُ: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ ﴾، أَيْ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَعليه الصلاة والسلام فِي الأُفُقِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا؛ لَهُ سِتُّمَائَةِ جَنَاحٍ[28]، ﴿ الْمُبِين ﴾، أَيْ: الْبَيِّنِ الْوَاضِحِ[29].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا هُوَ ﴾، أَيْ: وَمَا مُحَمَّدٌعليه الصلاة والسلام، ﴿ عَلَى الْغَيْبِ ﴾، أَيْ: عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، ﴿ بِضَنِين ﴾، أَيْ: بِبَخِيلٍ[30].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا هُوَ ﴾، أَيْ: القُرْآنُ، ﴿ بِقَوْلِ ﴾، أَيْ: بِكَلَامِ، ﴿ شَيْطَانٍ ﴾، أَيْ: عَلَى مَا قَالَتْ قُرَيْشٌ: إنَّ مُحَمَّدًا كَاهِنٌ وَشَاعِرٌ وَسَاحِرٌ[31]، ﴿ رَجِيم ﴾، أَيْ: مَرْجُومٍ مَطْرودٍ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِين * وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُون * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُون ﴾[سورة الشعراء:210-212][32].
قَوْلُهُ: ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُون ﴾، أَيْ: أَيَّ طَرِيقٍ تَسْلُكُونَ فِي تَكْذِيبِكُمُ القُرْآنَ وَإعْراضِكُمْ عَنْهُ بَعْدَ هذِهِ الْحُجَجِ القاطِعَةِ وَالْبَراهِينِ السّاطِعَةِ؟[33].
قَوْلُهُ: ﴿ إِنْ هُوَ ﴾، أي: مَا هو، أَيْ: القُرْآنُ، ﴿ إِلاَّ ذِكْرٌ ﴾ مَوْعِظَةٌ، ﴿ لِّلْعَالَمِين ﴾، أَيْ: الْإِنْسِ وَالجِنِّ وَالْمُسْلِمِين َ وَالْكُفَّارِ[34].
قَوْلُهُ: ﴿ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيم ﴾، أَيْ: عَلَى الْحَقِّ وَيَثْبُتَ عَلَيْهِ[35].
قَوْلُهُ: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ ﴾، أَيْ: الِاسْتِقَامَةَ وَغَيْرَهَا، ﴿ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ ﴾ تِلْكَ الْمَشِيئَةَ، ﴿ رَبُّ الْعَالَمِين ﴾، أَيْ: مَالِكُ الخَلْقِ كُلِّهِ[36].
بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَ ةِ مِنَ الْآيَاتِ:
بَيَانُ عِظَمِ شَأْنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ:
فِي الْآيَاتِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: دَلِيلٌ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ شَأْنٌ عَظيمٌ، فَهَذا الْكَوْنُ يَتَغَيَّرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأَهْوالِ إِلَّا تَغَيُّر هَذَا الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مِنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ لَكَانَ ذَلِكَ كافيًا، فَكَيْفَ بِالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ وَالْبَعْثِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ... إِلَخ [37].
الدَّلَالَةُ عَلَىْ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ فِي تَغْيِيرِ حَالِ الْكَوْنِ:
في آيَاتِ السُّورَةِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ تَعَالَى بِقِيامِ السَّاعَةِ يَنْقَلِبُ الْكَوْنُ، فَيَتَغَيَّرُ حَالُ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ ، فَقُدْرَةُ اللهِ تَعَالَى لَا يَسْتَطيعُ عَقْلٌ أَنْ يَتَصَوَّرَها، فَهِيَ فَوْقَ طاقَتِهِ.
سُورَةُ التَّكْوِيرِ مِنْ أَخَصِّ السُّوَرِ تَصْوِيرًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ:
لَقَدِ اشْتَمَلَتِ السُّورَةُ عَلَى أَهْوَالٍ عَظيمَةٍ، كَلَفِّ الشَّمْسِ وَجَمْعِها وَذَهابِ نُورِها، وَسُقوطِ النُّجومِ وَتَناثُرِهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَتَسْيِيرِ الْجِبالِ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ، إِلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَهْوَالِ، وَهُو مَا جَاءَ في الْحدِيثِ الْمَذْكورِ آنِفًا.
تَقْرِيْرُ زَوَالِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفَنَائهَا:
مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَت ﴾: أَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا مَا هِيَ إِلَّا دَارُ زَوَالٍ، وَما هِيَ إِلَّا طَرِيقٌ لِلْعُبورِ إِلى دَارِ الْقَرارِ، فَإِمَّا نَعيمٌ مُقيمٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِمَّا عَذابٌ أَليمٌ فِي النَّارِ.
لَفْتُ الانْتِبَاهِ إِلَى الْحِرْصِ عَلَى صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ:
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت ﴾: أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ؛ لِأَنَّهُ في يَوْمِ الْقِيامَةِ يُحْشَرُ كُلُّ جِنْسٍ مَعَ جِنْسِهِ أَزْوَاجًا، فَالْأَشْخَاصُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا مُتَشَابِهَةً يُقْرَنُ بَيْنَهُمْ، فَأَهُلُ الْإِيمَانِ مَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ، قَالَ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُون * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم ﴾[سورة الصافات:22-23]، فَالْأَخْيَارُ يُحْشَرُونَ مَعَ الْأَخْيَارِ، وَالْأَشْرَارُ مَعَ الْأَشْرَارِ، وَمَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُم.
فَفِي الدُّنْيَا هُمْ مُخْتَلِطُونَ، الصَّالِحُ بِالطَّالحِ، أَمَّا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ جَاءَ الْأَمْرُ الِإلهِيُّ: ﴿ وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُون ﴾ [سورة يس:59][38].
الْحَثُّ عَلَى الاِسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ:
هَذِهِ الْأَوْصافَ الَّتي وَصَفَ اللهُ بهَا يَوْمَ القِيَامَةِ، مِنَ الْأَوْصافِ الَّتِي تَنْزَعِجُ لهَا الْقُلوبُ، وَتَشْتَدُّ مِنْ أجْلِهَا الْكُروبُ، وَتَرْتَعِدُ الْفَرائِصُ، وَتَعُمُّ الْمَخاوِفُ، وَتَحُثُّ أُولِي الْأَلْبَابِ لِلِاسْتِعْدَاد ِ لِذلِكَ الْيَوْمِ، وَتَزْجُرهُمْ عَنْ كُلِّ مَا يُوجِبُ اللَّوْمَ.
يتبع