ابو وليد البحيرى
2024-07-08, 02:01 PM
مشاركة فقهاء حضرموت في خدمة الفقه الشافعي
محمد بن فائد السعيدي
مشاركة فقهاء حضرموت في خدمة الفقه الشافعي
(محاضرة مكتوبة)
لفضيلة الاستاذ المحقق السيد عمر بن حامد الجيلاني
{القيت هذه المحاضرة بتاريخ 10/1/1418ه في الندوة (الرفاعية) ندوة الاستاذ عبد العزيز الرفاعي. بمدينة الرياض بمنزل عميد الندوة الشيخ أحمد محمد باجنيد وحضرها جمع من الدكاترة والاساتذة والفقهاء والأدباء وطلاب العلم}.
الفهرس
المقدمة
الجزء الأول: مدخل
أربطة التعليم
الجزء الثاني: الذى تمثلت فيه خدمة فقهاء حضرموت للمذهب الشافعى هو إقامة المحاكم الشرعية وصدور الاحكام منها حسب الراجح في المذهب الشافعي
الجزء الثالث: خدمة فقهاء حضرموت للفقه الشافعي ما ألفوه من كتب في هذا المذهب
الكتب المرتبة على ابواب الفقه والحاوية لأبوابه
الكتب المؤلفه في قسم العبادات
كتب المواريث
كتب المناسك
كتب الفتاوى
الكتب المؤلفة في النكاح
الكتب المؤلفه في مسألة من مسائل بعض أبواب الفقه
الكتب المؤلفه في القضاء
الكتب المؤلفه في بيع العهدة
الكتب المؤلفه في الردود
الكتب المؤلفه في الإصطلاح
الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم
{المقدمة}
الحمد لله وعليه التكلان وإياه نستعين في كل آن.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل: " الايمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية " رواه مسلم.
وعلى آله وصحبه وعلى فقهاء المسلمين في كل الاعصر والأمكنة.
وبعد:
فانه يكون لبعض البلاد حظ وحظوة فتنال نصيبا وافرا من الاهتمام وتكثر الكتابة عنها وتصير أخبارها شائعة وأحوال أهلها معلومة عند أكثر الناس ويحجب عن بعضها ذلك بسبب تعثر حظها فتكون خلف غيهب من الجهالة لا يهتدي اليها سوى الخريت الخبير بالمسالك والممالك.
وحضرموت حرية بأن تحظى بالعناية بنشر محاسنها والتعريف بأدوار تاريخها واستفاضة أخبارها لما لأهلها من محامد وممادح في الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام والدعوة إليه وخدمة علومه.
لقد استفاض في الأزمنة الأخيرة ما اضطلع به سراة حضرموت وعلماؤها من حمل رسالة الإسلام إلى الشرق الأقصى إلى تلكم الجزاير المجهولة والأقطار النائية.
وهذا حق واجب لهم يذكر ويشكر، والله يكافئهم عليه يوم الجزاء، وصلوا يحملون دعوة التوحيد إلى تلك المواضع القصية غير مبالين بالمخاطر العظيمة مغامرين في ولوج أثباج البحار مقاومين أمواج المحيطين الهندي والهادي على ألواح {بسم الله مجراها ومرساها}.
فهدى الله بهم أمماً عظيمة خرجت من ظلام الوثنية إلى نور الإسلام لما رأت دين الله وعدله ومحاسنه تظهر في سلوك وأخلاق هؤلاء الدعاة الكرام من أقوام الهادي البشير صلى الله عليه وسلم فأسلموا طائعين ودخلوا في دين الله أفواجا، فزاد بهم عدد المسلمين وتوسعت بذلك رقعة البلاد الإسلامية.
كان لأهل حضرموت قبل ذلك دور عظيم في الفتوحات الإسلامية لم ينل حظه من التعريف به أو درسه ونشره فقد شاركوا مشاركات كبيرة في فتح العراق والشام ومصر وأفريقيا.
فعندما نادى منادي الجهاد في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم نفر أهل حضرموت خفافا وثقالا وحملوا معهم أهلهم وذراريهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تعد الجيوش وتعبئ البعوث وتنطلق تشرق وتغرب لتخرج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الخالق ومن الجور إلى العدل ومن الضيق إلى السعة وكان على رؤوسهم أقيالهم ورؤساؤهم ووجوه مجتمعهم.
ففي العام الرابع عشر من الهجرة عام معركة القادسية خرج إلى العراق في جيش الصحابي سعد بن أبى وقاص أربعة ألف من أهل اليمن منهم ألفان ومئتان من منطقة حضرموت من كندة الصدف والسكون وجعف وتجيب وحضرموت القبيلة. من أعيانهم حصين بن نمير التجيبي وسعد بن خديج السكوني.
وممن ذكر في جيش فتح الشام من أهل حضرموت عبد الله بن ناسج الحضرمي وكثير بن مرة وغيرهما كثير.
أما في فتح مصر فقد حوى جيش الفتح إعداداً منهم وكان بعضهم من وجوهه الظاهرة مثل قيسبة بن كلثوم السكوني الذي رافق القائد عمرو بن العاص من الشام إلى مصر وعندما حاصر جيش المسلمين بعض الحصون رأى قيسبة جنانا قريبة من الحصن فأنزل أهله فيها واتخذها دارا.
وبعد الفتح رأى المسلمون أن يكون هذا المكان مسجداً جامعا يصلي فيه المسلمون وطلب عمرو بن العاص من قيسبة أن ينزل عنه ويقطعه أرضاً أحسن منه فلم يأخذ عوضاً ووقفه مسجداً فكان ممدحة له سار بذكرها الركبان حتى قيل فى مدح ابنه عبد الرحمن:
وأبوك سلَّم داره وأباحها *** لجباه قوم ركع وسجود
تدير هؤلاء الفاتحون من أهل حضرموت البلاد التي شاركوا في فتحها مرابطين في هذه الثغور مع إخوانهم الفاتحين واستوطنوها وامتزجوا بأهلها وكانت لهم فيها خطط في الكوفة ومصر وحمص وغيرها عرفت بهم وحملت أسماءهم وفى مثل خطط المقريزى ذكر لها.
ونشأت بعدهم أجيال في تلك البلاد تسنمت أعلا المناصب في القرنيين الثاني والثالث من الهجرة منهم الفقهاء والقضاة ورواة الحديث ورؤساء الشرطة وبقيت لهم صلات بذوي أنسابهم في حضرموت وكانوا يفدون عليهم من حضرموت فينالون من رفدهم.
{القسم الأول: مدخل}
وفي هذه المحاضرة عن خدمة الفقهاء الحضارمة للفقه الشافعي والتي ضاق وقتي عن الإعداد الكافي لها إذ كنت اقتنص الفرص وارتقب سويعات الفراغ المحدودة مرتجيا أن أوفي الموضوع شيئا من حقه.
سأحاول أن ارفع الستار وأكشف الحجب عن تراث فقهي مخبأ عن كثير من مثقفينا بله العامة، حتى أن الشيخ العلامة حمد الجاسر قال في مجلة العرب عندما اطلع على كتاب المستشرق البريطاني بى آر سارجنت عن التراث في حضرموت:
" إنني أحسست بكثير من الخجل حين أدركت أن هذا الباحث الذي لا تربطه ببلادنا رابطة من روابط الحب أو عاطفة من عواطف الصلة والإخاء يعرف من أحوال تلك البلاد أكثر مما يعرفه كثير من المهتمين بالبحث والدراسة في تاريخ الآمة العربية كلها ممن يجب أن تكون صلتهم بها أعمق وعنايتهم بمعرفة أحوالها أشد ومعرفتهم بتاريخها أوسع وسعيهم لتقوية أواصر الاخوة والارتباط بها أقوى وأشمل "
سأحاول في هذه الكلمات أن أعرف بدور فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، أحد المذاهب المحررة والمتبوعة عند أهل السنة والجماعة، ولكن قبل التعريف بهذه الخدمة لابد من الكلام عن تاريخ دخول المذهب الشافعي إلى حضرموت وعن مذهب أهلها قبله.
{تاريخ دخول المذهب الشافعي إلى حضرموت}
لا يوجد نص صريح يحدد وصول المذهب الشافعي إلى حضرموت وإن كان من المؤكد أنه قد بدء انتشاره في أوائل القرن الرابع من الهجرة أي بعد وصول الشريف: أحمد بن عيسى بن محمد بن على العريضي الحسيني إليها عام 319 من الهجرة.
ويستظهر المحققون من مؤرخي حضرموت وعلى رأسهم كبير محققيهم السيد علوي بن طاهر الحداد في كتابيه ( جنى الشماريخ، إثمد البصاير )، أنه كان وجود للمذهب الشافعي قبل هذا التاريخ، ويرجع ذلك إلى وجود صلات قوية بين سلالات المهاجرين أيام الفتوحات الإسلامية من أهل حضرموت من أهل السنة المتصلين بأئمتها وبين ذوي أنسابهم فى حضرموت مثل الإمام حرملة بن عبد الله صاحب الإمام الشافعي وأحد رواة مذهبه. ( وقد روى عن حرملة الإمام مسلم في صحيحه وابن ماجة فى سننه ).
ومثل الإمام أحمد بن يحيي التجيبي المتوفى سنة 251ه وهو ممن صحب الإمام الشافعي وتفقه به ( وقد روى عنه النسائي في سننه ) وغيرهما ممن سيكون لهم تأثير على المتصلين بهم من قراباتهم فى حضرموت وأخذهم عنهم المذهب الشافعي.
وقد كان يقع فى نفسي شيء من ذلك ثم وقفت عليه في كتب شيخ مشائخنا السيد / علوي بن طاهر الحداد وهناك دليل آخر لم أقف عليه عند أحد المؤرخين يؤكد هذا الاتجاه وهو أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى تولى القضاء في نجران عام 179 من الهجرة وحمد الناس سيرته وانتشر به العدل هناك وظهر صيته في عموم اليمن حتى اعتقد بعض الموالين للدولة العباسية أنه سيكون خطراً عليهم فوشوا به إلى الرشيد فاستدعاه إلى بغداد ومعلوم قرب نجران من حضرموت مما يسهل معه بلوغ أخبار الإمام الشافعي إليها ويهيئ للتعريف بمذهبه عندما يفد إلى حضرموت بعض المتصلين بأهلهم من حملة مذهبه.
أما المذهب السايد قبل انتشار المذهب الشافعي فهو مذهب الإباضية نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي الذي قام بدعوته في عهد مروان بن محمد آخر حكام بنى أمية وتأثر بدعوته أبوحمزة المختار بن عوف الأزدي فأصبح من دعاتها فكان يذهب إلى الحج كل عام داعية له.
وبسبب الضغوط التي تقع على حضرموت من الولاة الثقفيين وموالييهم، فكر أهل حضرموت فيما يرفع عنهم الظلم وسعوا يلتمسون من يرفعه عنهم.
وكان عبد الله بن يحي الكندي من بني عمرو بن معاوية ممن ضاق به الحال من جراء ما يحدثه هؤلاء الولاة وكان المجتهدين في العبادة فسافر إلى الحج والتقى فيه بأبي حمزة وأعجبه كلامه ودعاه إلى أن يأتي إلى حضرموت وقال له انه مطاع في قومه، فقدم أبو حمزة الأزدي إلى حضرموت من العراق ومعه جماعة من الإباضية وحرضوا عبد الله بن يحيى على الخروج على الدولة الأموية فدعا أصحابه فبايعوه إماما والتفوا حوله وازدادت مكانته وسموه ( طالب الحق ).
وكان قد هيأ لمثل هذا الخروج أن أبا نجدة بن عامر قد بعث عام 66 من الهجرة مندوبه أبا فديك ليأخذ الصدقات باسمه من أهل حضرموت فكان توطئة لظهور عبد الله بن يحيى واجتماع الناس عليه حتى قويت دعوته وأعد جيشاً احتل به صنعاء وخطب في جامعها خطبته المشهورة التي أعلن فيها مبادئه، وعقب احتلاله صنعاء وجه جيشاً عام 129ه إلى الحجاز فاحتل مكة المكرمة عقب الحج مباشرة وكان قائد الجيش أبو حمزة الازدي.
ثم توجه الجيش بقيادة أبي حمزة إلى المدينة فالتقاه أهلها بوادي قديد ودارت معركة انتهت بهزيمة أهل المدينة وقتل أكثر جيشها ثم احتلاله المدينة المنورة وخطب أبو حمزة في مسجدها الشريف خطبته الشهيرة التي عاب على أهل المدينة سخريتهم من جيشه بأنهم أحداث أغرار.
اهتمت الدولة الأموية بما حدث فجهزت جيشاً من الشام بقيادة عبد الملك بن عطية السعدي ولما علم أو حمزة بتوجه جيش الشام استقبلهم جيشه في الطريق ودارت معركة حامية بوادي القرى انتهت بهزيمة جيش أبي حمزة هزيمة نكراء وأدت إلى هروب أبى حمزة من المدينة إلى مكة فاسترجع ابن عطية المدينة ثم توجه إلى مكة فاسترجعها بعد معركة قتل فيها أبو حمزة ثم إن ابن عطية أعد جيشه للقضاء على عبد الله بن يحيى الذي كان يحتل اليمن فسار إلى صنعاء ولكن عبد الله بن يحيى لما علم بذلك توجه بجيشه يريد ابن عطية في الحجاز فالتقى به في بلجرشي وكان القتال بين الجيشين عنيفا ثم انهزم جيش عبد الله بن يحيى بعد قتله وفر من بقى منهم إلى حضرموت والتحقوا بعامله عبد الله بن معبد عليها والتفوا حوله وكونوا جيشا لمواجهة ابن عطية الذي قدم إلى حضرموت يتتبعهم فهزمهم في معركة احتل بعدها مدينة شبام قاعدتهم ومركز إدارتهم.
أراد أن ينهي وجودهم في حضرموت ولكنهم اغتالوه في طريق عودته لإجابة أمر الخليفة له بالتوجه إلى مكة المكرمة، ولما علم ابن أخيه وقد تركه والياً على صنعاء باغتيال عمه أرسل إلى حضرموت قائداً فظاً غليظاً هو شعيب البارقي فأسرف في القتل وخرب البلاد وقتل الأطفال والنساء مما أدى إلى إخضاعهم وانتهت بذلك سيطرة المذهب الاباضي كدولة وان بقى له وجود في كثير من القبائل.
إلا أن تأثير الدولتين الزيادية والصليحية فى حضرموت وموقفهما غير المؤيد للأباضية قد سهل للشافعية نشر مذهبهم لاسيما بعد القرن الرابع وأدى إلى انتهاء وجود المذهب الإباضي في حضرموت عام 691 من الهجرة وحلول المذهب الشافعي مكانه حتى عم حضرموت كلها.
ونبدأ فيما قصدناه عن الحديث عن خدمة فقهاء حضرموت للمذهب الشافعي
والتي نصنفها إلى ثلاثة أقسام:
أ- نشره بين مواطنيهم حتى عم حضرموت وما حولها مما كان يعرف قبل الوحدة اليمنية باليمن الجنوبي ثم حمله إلى مواقع هجرتهم وذلك بفتح المدارس في بلادهم وخارجها وتدريس المذهب الشافعي فيها.
ب- الحكم بمقتضاه في المحاكم.
ج تأليف الكتب في الفقه الشافعي وتنوع المباحث فيه.
ولنأت على تفصيل ذلك.
أ -كانت المساجد وبيوت الفقهاء مواضع للتدريس وكذلك المعاهد التي تسمى الأربطة والتي تقدم إلى جانب التعليم الإعاشة والسكن.
أنتشر الفقه الشافعي في حضرموت من هذه المواقع وتخرج منها المئات بل الألوف إذ قامت نهضة علمية كبيرة غطت عموم البلاد.
وفي التراجم الخاصة ببعض علماء الأسر الكبيرة ما يؤكد هذا كالمشرع الروي في مناقب السادة الكرام بني علوي، ويرد النعيم في مناقب خطباء تريم، والسعادة والخير في مناقب السادة بني قشير، وصلة الأهل في مناقب آل أبى فضل، والدر الفاخر في مناقب آل باجمال، والبنان المشير إلى علماء وفضلاء آل أبى كثير، وغيرهم من الأسر الأخرى كثير وكثير وكان ذلك على امتداد التاريخ منذ أن توطدت أقدام المذهب الشافعي في حضرموت حتى أن العالم اللغوي نشوان الحميري من أهل القرن السادس ازدادت نشوته بما رأى من اتساع علم أهل حضرموت وكثرة عدد علمائهم عندما زارهم فقال:
رعى الله إخواني الذين عهدتهم *** ببطن تريم كالنجوم العواتم
علياً حليف النجداة ابن محمد **** وأبناء أخيه الغر من آل حاتم
ومن في تريم من فقيه مهذب **** وسيد أهل العلم يحي بن سالم
وامتدحهم الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي المكي من أهل القرن الثامن وقال:
مررت بوادي حضرموت مسلما **** فألفيته بالبشر مبتسماً رحبا
وأدركت فيه من جهابذة العلى **** خلائق لا يلقون شرقا ولا غربا
{أربطة التعليم:}
وحديثنا عن المدارس والأربطة التي انتشرت في مواقع متعددة والتي تضيف إلى التعليم تقديم الأكل وتوفير السكن سنختصره ونقتصر على ذكر أربعة أربطة:
1- رباط الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي المتوفى 653ه.
أحد كبار علماء حضرموت ومصلحيها في القرن السابع من الهجرة بمدينة تريم.
2- رباط الشيخة سلطانة الزبيدية الكندية المتوفاه 843ه.
كانت عابدة لها مشاركات ومباحثات علمية مع كبار علماء حضرموت كالشيخ عبد الرحمن السقاف، ومن الطريف أن أحد الباحثين معها في المسائل العلمية يباسطها ويقول لها: إن من السفاهة أن نعتقد أنها تكافئ الرجال في المكانة العلمية فيخاطبها بالشعر الحميني:
ياما اسفهش ما بدا بكره تماري جمال
وقد أجابته بقولها:
الحمل بالحمل والزائد لبن والعيال.
3- رباط الخريبة بوادي دوعن.
أسسه العلامة الشيخ عبد الله بن أحمد باسودان عام 1213من الهجرة بتمويل من السادة آل الكاف وآل باهارون.
واتسعت في هذا الرباط الدروس العلمية وقصده الطلاب من جميع المناطق بوادي حضرموت ومن يافع والعوالق وبيحان والبيضاء والصومال فتخرج منه كبار الفقهاء والعلماء وشارك الشيخ عبد الله باسودان في التدريس فيه كبار الفقهاء والعلماء وشارك الشيخ عبد الله باسودان في التدريس فيه كبار تلاميذه وخلفه فيه ابناه الشيخان محمد وأبو بكر ثم السيد عمر بن أحمد الجيلاني ثم تولى التدريس فيه ستين عاماً الوالد السيد حامد بن عبد الهادي الجيلاني رحمهم الله أجمعين.
4- الرباط الرابع: رباط تريم.
الذي تأسس عام 1304 من الهجرة على أيدي السادة عبد القادر بن أحمد الحداد وعبد الرحمن بن علي الجنيد ومحمد عرفان بارجاء. وعندما تولى إدارته العلمية شيخ الشيوخ السيد عبد الله بن عمر الشاطري نصف قرن سطع نور الفقه منه فأضاء جميع حضرموت وما حولها ووصل ذلك الضياء إلى شرق أفريقيا وبلاد الملايو.
كان الطلاب يردون على حياضه فلا يصدرون إلا فقهاء علماء.
يمرون بالدهناء خفافا عيابهم... ويرجعن من دارين بجر الحقائب
وكان شيخ الرباط الحبيب عبد الله يبعث في نفوس طلابه النابهين روح البحث والتحقيق ويجرؤهم على مسائلته ومن هذا الباب ما حدثني به والدي العلامة الفقيه قال:
كان الدارس في فتح المعين في باب البيع ومن مسائله ( وحرم تفريق بين أمة وإن رضيت وفرع لم يميز ولو من من زنا المملوكين لواحد بنحو بيع كهبة وقسمة وهدية لغير من يعتق عليه).
فسأل الشيخ الحبيب عبد الله تلاميذه عن تصوير جواز التفريق بالقسمة قال الوالد: فبدء يى وكنت على يساره قلت ياسيدي التيامن سنة.
فقال: صدقت. فسأل من على يمينه فلم يجب ثم صورها أحد النابهين تصويراً لا يكاد يعترض عليه فسأل من بعده وكلهم يقول صورته صحيحة حتى انتهى إلي فقلت: صورته هذه صحيحة فأدرك مرادي وقال: قد علمنا أنه صحيح البدن ولكن أخبرنا عن تصويره للمسألة قال: فتعجلت وقلت تصويره غير صحيح وأدركني الله بأذان العشاء الذي ينتهي به الدرس ووعدته أن آتى بالتصوير الصحيح في اليوم الثاني، ووفى بما وعد وجاء بخمس صور غير منصوص عليها يقع بها جواز التفريق بالقسمة لوقوع العتق بذلك.
أدى هذا الرباط دورا عظيماً وكانت وجوه الفقهاء فى حضرموت في القرن الرابع عشر من الهجرة من خريجية، وهناك أربطة أخرى أدت أدواراً عظيمة كرباط السيد علي بن محمد الحبشي المؤسس في سيؤن عام 1296 ورباط الشيخ محمد بن عمر بن سلم بغيل باوزير المؤسس عام 1321ه.
استمرت هذه الأربطة تؤدي دورها متأثرة بعوامل خارجية وداخلية فتارة تقوى وتارة يعتريها الوهن، ومع غزو الثقافة الغربية وانتشار المدارس العصرية ضعف الإقبال على هذه الأربطة وتأثر بعضها بضعف مصادر تمويلها.
وقبيل نهاية العقد الثامن من القرن الرابع عشر دفت دافة قضت على الخاصة والكافة وقامت حكومة تنتمي إلى المعسكر الشيوعي الاشتراكي ونادوا بما أسموه الثورة الثقافية على غرار ما فعل في الصين فأغلق ما بقى من هذه الأربطة والمدارس وحوصر الفقهاء وقتل بعضهم وسجن البعض الآخر وعطلت الأحكام الشرعية واستمر ذلك نحو ربع قرن.
ثم إن الله جل وعلا وهو الذي كتب الغلبة لنفسه ولرسله أطاح بالشيوعية في ديارها ونكست أعلامها وخرت على أم إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك(رأسها وذل القائمون عليها وصدق الله القائل:.(في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز
وبدأت الحياة العلمية تعود الى هذه المعاهد والاربطة وفتحت معاهد جديدة وعلى رأسها (كلية الشريعة بجامعة الاحقاف ) التي وضعت لها مناهج يتخرج بها فقهاء وقضاة ومفتون.
نسأل الله أن يبارك في جميع دور العلم في سائر البلاد الإسلامية وأن ينفع بها.
نشر الفقهاء الحضارم الفقه الشافعي في البلاد التي ادخلوا الإسلام إليها أو ذهبوا إليها متجرين أو داعين، وبرز منهم علماء في تلك البلاد وكان منهم أئمة ومفتون في الحرم المكي الشريف.
وفي كتاب الجامع لأعلام المهاجرين اليمنيين للأستاذ المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف وكتاب مصادر الفكر الإسلامي في اليمن للأستاذ البحاثة عبد الله محمد الحبشي ذكر لكثير منهم.
{القسم الثاني:}
الذي تمثلت فيه خدمة فقهاء حضرموت للمذهب الشافعي هو إقامة المحاكم الشرعية وصدور الأحكام منها حسب الراجح في المذهب الشافعي.
فبعد أن ترسخت أقدام المذاهب في البلاد كانت الأحكام تصدر وفق الراجح في المذهب الشافعي ولا تخرج عنه سوى ما وقع في مسألة بيع العهدة المسمى عند الأحناف بيع الوفاء وسنشير إليه عند ذكر الكتب المؤلفة فيه وإلا في المسائل المختارة من غير الراجح في المذهب الشافعي أو المأخوذة من المذاهب الثلاثة أصناء المذهب الشافعي للعمل بها في المحاكم الشرعية أيام الدولة القعيطية.
وقد أثرى الفقه القضائي مما كتبه فقهاء حضرموت من ملاحظات على بعض الأحكام ومن مدافعة القضاة عما اجتهدوا فيه وهناك مباحث وردود بين الفقهاء والقضاة تتعلق ببعض الأحكام توسعت بها دوائر البحث في المسائل القضائية كالردود التي بين مفتي حضرموت السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف وبين كبار قضاتها الشيخ عبد الله بن عوض بكير.
ومن أشهر القضاة آل أبي شكيل وآل بامخرمه والباحميش في القرن الثامن والتاسع والعاشر والشيخ سليمان باحويرث وابنه الشيخ محمد في القرن الحادي عشر والشيخ عمر بن ابي بكر الفقيه باجنيد وابنه الشيخ محمد في القرن الثالث عشر والقاضيان الشيخان عبد الرحمن بن أحمد باشيخ وعبد الله بن سعيد باجنيد في أوائل القرن الرابع عشر.
كما أن من أشهر القضاة في شرق افريقيا في مدينة زنجبار السيد أحمد بن أبي بكر بن سميط الذى تولى القضاء أربعين عاماً أيام السلطان برغش من أهل عمان الذين حكموا في شرق أفريقيا.
ج القسم الثالث:
يتبع
محمد بن فائد السعيدي
مشاركة فقهاء حضرموت في خدمة الفقه الشافعي
(محاضرة مكتوبة)
لفضيلة الاستاذ المحقق السيد عمر بن حامد الجيلاني
{القيت هذه المحاضرة بتاريخ 10/1/1418ه في الندوة (الرفاعية) ندوة الاستاذ عبد العزيز الرفاعي. بمدينة الرياض بمنزل عميد الندوة الشيخ أحمد محمد باجنيد وحضرها جمع من الدكاترة والاساتذة والفقهاء والأدباء وطلاب العلم}.
الفهرس
المقدمة
الجزء الأول: مدخل
أربطة التعليم
الجزء الثاني: الذى تمثلت فيه خدمة فقهاء حضرموت للمذهب الشافعى هو إقامة المحاكم الشرعية وصدور الاحكام منها حسب الراجح في المذهب الشافعي
الجزء الثالث: خدمة فقهاء حضرموت للفقه الشافعي ما ألفوه من كتب في هذا المذهب
الكتب المرتبة على ابواب الفقه والحاوية لأبوابه
الكتب المؤلفه في قسم العبادات
كتب المواريث
كتب المناسك
كتب الفتاوى
الكتب المؤلفة في النكاح
الكتب المؤلفه في مسألة من مسائل بعض أبواب الفقه
الكتب المؤلفه في القضاء
الكتب المؤلفه في بيع العهدة
الكتب المؤلفه في الردود
الكتب المؤلفه في الإصطلاح
الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم
{المقدمة}
الحمد لله وعليه التكلان وإياه نستعين في كل آن.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل: " الايمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية " رواه مسلم.
وعلى آله وصحبه وعلى فقهاء المسلمين في كل الاعصر والأمكنة.
وبعد:
فانه يكون لبعض البلاد حظ وحظوة فتنال نصيبا وافرا من الاهتمام وتكثر الكتابة عنها وتصير أخبارها شائعة وأحوال أهلها معلومة عند أكثر الناس ويحجب عن بعضها ذلك بسبب تعثر حظها فتكون خلف غيهب من الجهالة لا يهتدي اليها سوى الخريت الخبير بالمسالك والممالك.
وحضرموت حرية بأن تحظى بالعناية بنشر محاسنها والتعريف بأدوار تاريخها واستفاضة أخبارها لما لأهلها من محامد وممادح في الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام والدعوة إليه وخدمة علومه.
لقد استفاض في الأزمنة الأخيرة ما اضطلع به سراة حضرموت وعلماؤها من حمل رسالة الإسلام إلى الشرق الأقصى إلى تلكم الجزاير المجهولة والأقطار النائية.
وهذا حق واجب لهم يذكر ويشكر، والله يكافئهم عليه يوم الجزاء، وصلوا يحملون دعوة التوحيد إلى تلك المواضع القصية غير مبالين بالمخاطر العظيمة مغامرين في ولوج أثباج البحار مقاومين أمواج المحيطين الهندي والهادي على ألواح {بسم الله مجراها ومرساها}.
فهدى الله بهم أمماً عظيمة خرجت من ظلام الوثنية إلى نور الإسلام لما رأت دين الله وعدله ومحاسنه تظهر في سلوك وأخلاق هؤلاء الدعاة الكرام من أقوام الهادي البشير صلى الله عليه وسلم فأسلموا طائعين ودخلوا في دين الله أفواجا، فزاد بهم عدد المسلمين وتوسعت بذلك رقعة البلاد الإسلامية.
كان لأهل حضرموت قبل ذلك دور عظيم في الفتوحات الإسلامية لم ينل حظه من التعريف به أو درسه ونشره فقد شاركوا مشاركات كبيرة في فتح العراق والشام ومصر وأفريقيا.
فعندما نادى منادي الجهاد في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم نفر أهل حضرموت خفافا وثقالا وحملوا معهم أهلهم وذراريهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تعد الجيوش وتعبئ البعوث وتنطلق تشرق وتغرب لتخرج الناس من عبادة الخلق إلى عبادة الخالق ومن الجور إلى العدل ومن الضيق إلى السعة وكان على رؤوسهم أقيالهم ورؤساؤهم ووجوه مجتمعهم.
ففي العام الرابع عشر من الهجرة عام معركة القادسية خرج إلى العراق في جيش الصحابي سعد بن أبى وقاص أربعة ألف من أهل اليمن منهم ألفان ومئتان من منطقة حضرموت من كندة الصدف والسكون وجعف وتجيب وحضرموت القبيلة. من أعيانهم حصين بن نمير التجيبي وسعد بن خديج السكوني.
وممن ذكر في جيش فتح الشام من أهل حضرموت عبد الله بن ناسج الحضرمي وكثير بن مرة وغيرهما كثير.
أما في فتح مصر فقد حوى جيش الفتح إعداداً منهم وكان بعضهم من وجوهه الظاهرة مثل قيسبة بن كلثوم السكوني الذي رافق القائد عمرو بن العاص من الشام إلى مصر وعندما حاصر جيش المسلمين بعض الحصون رأى قيسبة جنانا قريبة من الحصن فأنزل أهله فيها واتخذها دارا.
وبعد الفتح رأى المسلمون أن يكون هذا المكان مسجداً جامعا يصلي فيه المسلمون وطلب عمرو بن العاص من قيسبة أن ينزل عنه ويقطعه أرضاً أحسن منه فلم يأخذ عوضاً ووقفه مسجداً فكان ممدحة له سار بذكرها الركبان حتى قيل فى مدح ابنه عبد الرحمن:
وأبوك سلَّم داره وأباحها *** لجباه قوم ركع وسجود
تدير هؤلاء الفاتحون من أهل حضرموت البلاد التي شاركوا في فتحها مرابطين في هذه الثغور مع إخوانهم الفاتحين واستوطنوها وامتزجوا بأهلها وكانت لهم فيها خطط في الكوفة ومصر وحمص وغيرها عرفت بهم وحملت أسماءهم وفى مثل خطط المقريزى ذكر لها.
ونشأت بعدهم أجيال في تلك البلاد تسنمت أعلا المناصب في القرنيين الثاني والثالث من الهجرة منهم الفقهاء والقضاة ورواة الحديث ورؤساء الشرطة وبقيت لهم صلات بذوي أنسابهم في حضرموت وكانوا يفدون عليهم من حضرموت فينالون من رفدهم.
{القسم الأول: مدخل}
وفي هذه المحاضرة عن خدمة الفقهاء الحضارمة للفقه الشافعي والتي ضاق وقتي عن الإعداد الكافي لها إذ كنت اقتنص الفرص وارتقب سويعات الفراغ المحدودة مرتجيا أن أوفي الموضوع شيئا من حقه.
سأحاول أن ارفع الستار وأكشف الحجب عن تراث فقهي مخبأ عن كثير من مثقفينا بله العامة، حتى أن الشيخ العلامة حمد الجاسر قال في مجلة العرب عندما اطلع على كتاب المستشرق البريطاني بى آر سارجنت عن التراث في حضرموت:
" إنني أحسست بكثير من الخجل حين أدركت أن هذا الباحث الذي لا تربطه ببلادنا رابطة من روابط الحب أو عاطفة من عواطف الصلة والإخاء يعرف من أحوال تلك البلاد أكثر مما يعرفه كثير من المهتمين بالبحث والدراسة في تاريخ الآمة العربية كلها ممن يجب أن تكون صلتهم بها أعمق وعنايتهم بمعرفة أحوالها أشد ومعرفتهم بتاريخها أوسع وسعيهم لتقوية أواصر الاخوة والارتباط بها أقوى وأشمل "
سأحاول في هذه الكلمات أن أعرف بدور فقهاء حضرموت في خدمة المذهب الشافعي، أحد المذاهب المحررة والمتبوعة عند أهل السنة والجماعة، ولكن قبل التعريف بهذه الخدمة لابد من الكلام عن تاريخ دخول المذهب الشافعي إلى حضرموت وعن مذهب أهلها قبله.
{تاريخ دخول المذهب الشافعي إلى حضرموت}
لا يوجد نص صريح يحدد وصول المذهب الشافعي إلى حضرموت وإن كان من المؤكد أنه قد بدء انتشاره في أوائل القرن الرابع من الهجرة أي بعد وصول الشريف: أحمد بن عيسى بن محمد بن على العريضي الحسيني إليها عام 319 من الهجرة.
ويستظهر المحققون من مؤرخي حضرموت وعلى رأسهم كبير محققيهم السيد علوي بن طاهر الحداد في كتابيه ( جنى الشماريخ، إثمد البصاير )، أنه كان وجود للمذهب الشافعي قبل هذا التاريخ، ويرجع ذلك إلى وجود صلات قوية بين سلالات المهاجرين أيام الفتوحات الإسلامية من أهل حضرموت من أهل السنة المتصلين بأئمتها وبين ذوي أنسابهم فى حضرموت مثل الإمام حرملة بن عبد الله صاحب الإمام الشافعي وأحد رواة مذهبه. ( وقد روى عن حرملة الإمام مسلم في صحيحه وابن ماجة فى سننه ).
ومثل الإمام أحمد بن يحيي التجيبي المتوفى سنة 251ه وهو ممن صحب الإمام الشافعي وتفقه به ( وقد روى عنه النسائي في سننه ) وغيرهما ممن سيكون لهم تأثير على المتصلين بهم من قراباتهم فى حضرموت وأخذهم عنهم المذهب الشافعي.
وقد كان يقع فى نفسي شيء من ذلك ثم وقفت عليه في كتب شيخ مشائخنا السيد / علوي بن طاهر الحداد وهناك دليل آخر لم أقف عليه عند أحد المؤرخين يؤكد هذا الاتجاه وهو أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى تولى القضاء في نجران عام 179 من الهجرة وحمد الناس سيرته وانتشر به العدل هناك وظهر صيته في عموم اليمن حتى اعتقد بعض الموالين للدولة العباسية أنه سيكون خطراً عليهم فوشوا به إلى الرشيد فاستدعاه إلى بغداد ومعلوم قرب نجران من حضرموت مما يسهل معه بلوغ أخبار الإمام الشافعي إليها ويهيئ للتعريف بمذهبه عندما يفد إلى حضرموت بعض المتصلين بأهلهم من حملة مذهبه.
أما المذهب السايد قبل انتشار المذهب الشافعي فهو مذهب الإباضية نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي الذي قام بدعوته في عهد مروان بن محمد آخر حكام بنى أمية وتأثر بدعوته أبوحمزة المختار بن عوف الأزدي فأصبح من دعاتها فكان يذهب إلى الحج كل عام داعية له.
وبسبب الضغوط التي تقع على حضرموت من الولاة الثقفيين وموالييهم، فكر أهل حضرموت فيما يرفع عنهم الظلم وسعوا يلتمسون من يرفعه عنهم.
وكان عبد الله بن يحي الكندي من بني عمرو بن معاوية ممن ضاق به الحال من جراء ما يحدثه هؤلاء الولاة وكان المجتهدين في العبادة فسافر إلى الحج والتقى فيه بأبي حمزة وأعجبه كلامه ودعاه إلى أن يأتي إلى حضرموت وقال له انه مطاع في قومه، فقدم أبو حمزة الأزدي إلى حضرموت من العراق ومعه جماعة من الإباضية وحرضوا عبد الله بن يحيى على الخروج على الدولة الأموية فدعا أصحابه فبايعوه إماما والتفوا حوله وازدادت مكانته وسموه ( طالب الحق ).
وكان قد هيأ لمثل هذا الخروج أن أبا نجدة بن عامر قد بعث عام 66 من الهجرة مندوبه أبا فديك ليأخذ الصدقات باسمه من أهل حضرموت فكان توطئة لظهور عبد الله بن يحيى واجتماع الناس عليه حتى قويت دعوته وأعد جيشاً احتل به صنعاء وخطب في جامعها خطبته المشهورة التي أعلن فيها مبادئه، وعقب احتلاله صنعاء وجه جيشاً عام 129ه إلى الحجاز فاحتل مكة المكرمة عقب الحج مباشرة وكان قائد الجيش أبو حمزة الازدي.
ثم توجه الجيش بقيادة أبي حمزة إلى المدينة فالتقاه أهلها بوادي قديد ودارت معركة انتهت بهزيمة أهل المدينة وقتل أكثر جيشها ثم احتلاله المدينة المنورة وخطب أبو حمزة في مسجدها الشريف خطبته الشهيرة التي عاب على أهل المدينة سخريتهم من جيشه بأنهم أحداث أغرار.
اهتمت الدولة الأموية بما حدث فجهزت جيشاً من الشام بقيادة عبد الملك بن عطية السعدي ولما علم أو حمزة بتوجه جيش الشام استقبلهم جيشه في الطريق ودارت معركة حامية بوادي القرى انتهت بهزيمة جيش أبي حمزة هزيمة نكراء وأدت إلى هروب أبى حمزة من المدينة إلى مكة فاسترجع ابن عطية المدينة ثم توجه إلى مكة فاسترجعها بعد معركة قتل فيها أبو حمزة ثم إن ابن عطية أعد جيشه للقضاء على عبد الله بن يحيى الذي كان يحتل اليمن فسار إلى صنعاء ولكن عبد الله بن يحيى لما علم بذلك توجه بجيشه يريد ابن عطية في الحجاز فالتقى به في بلجرشي وكان القتال بين الجيشين عنيفا ثم انهزم جيش عبد الله بن يحيى بعد قتله وفر من بقى منهم إلى حضرموت والتحقوا بعامله عبد الله بن معبد عليها والتفوا حوله وكونوا جيشا لمواجهة ابن عطية الذي قدم إلى حضرموت يتتبعهم فهزمهم في معركة احتل بعدها مدينة شبام قاعدتهم ومركز إدارتهم.
أراد أن ينهي وجودهم في حضرموت ولكنهم اغتالوه في طريق عودته لإجابة أمر الخليفة له بالتوجه إلى مكة المكرمة، ولما علم ابن أخيه وقد تركه والياً على صنعاء باغتيال عمه أرسل إلى حضرموت قائداً فظاً غليظاً هو شعيب البارقي فأسرف في القتل وخرب البلاد وقتل الأطفال والنساء مما أدى إلى إخضاعهم وانتهت بذلك سيطرة المذهب الاباضي كدولة وان بقى له وجود في كثير من القبائل.
إلا أن تأثير الدولتين الزيادية والصليحية فى حضرموت وموقفهما غير المؤيد للأباضية قد سهل للشافعية نشر مذهبهم لاسيما بعد القرن الرابع وأدى إلى انتهاء وجود المذهب الإباضي في حضرموت عام 691 من الهجرة وحلول المذهب الشافعي مكانه حتى عم حضرموت كلها.
ونبدأ فيما قصدناه عن الحديث عن خدمة فقهاء حضرموت للمذهب الشافعي
والتي نصنفها إلى ثلاثة أقسام:
أ- نشره بين مواطنيهم حتى عم حضرموت وما حولها مما كان يعرف قبل الوحدة اليمنية باليمن الجنوبي ثم حمله إلى مواقع هجرتهم وذلك بفتح المدارس في بلادهم وخارجها وتدريس المذهب الشافعي فيها.
ب- الحكم بمقتضاه في المحاكم.
ج تأليف الكتب في الفقه الشافعي وتنوع المباحث فيه.
ولنأت على تفصيل ذلك.
أ -كانت المساجد وبيوت الفقهاء مواضع للتدريس وكذلك المعاهد التي تسمى الأربطة والتي تقدم إلى جانب التعليم الإعاشة والسكن.
أنتشر الفقه الشافعي في حضرموت من هذه المواقع وتخرج منها المئات بل الألوف إذ قامت نهضة علمية كبيرة غطت عموم البلاد.
وفي التراجم الخاصة ببعض علماء الأسر الكبيرة ما يؤكد هذا كالمشرع الروي في مناقب السادة الكرام بني علوي، ويرد النعيم في مناقب خطباء تريم، والسعادة والخير في مناقب السادة بني قشير، وصلة الأهل في مناقب آل أبى فضل، والدر الفاخر في مناقب آل باجمال، والبنان المشير إلى علماء وفضلاء آل أبى كثير، وغيرهم من الأسر الأخرى كثير وكثير وكان ذلك على امتداد التاريخ منذ أن توطدت أقدام المذهب الشافعي في حضرموت حتى أن العالم اللغوي نشوان الحميري من أهل القرن السادس ازدادت نشوته بما رأى من اتساع علم أهل حضرموت وكثرة عدد علمائهم عندما زارهم فقال:
رعى الله إخواني الذين عهدتهم *** ببطن تريم كالنجوم العواتم
علياً حليف النجداة ابن محمد **** وأبناء أخيه الغر من آل حاتم
ومن في تريم من فقيه مهذب **** وسيد أهل العلم يحي بن سالم
وامتدحهم الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي المكي من أهل القرن الثامن وقال:
مررت بوادي حضرموت مسلما **** فألفيته بالبشر مبتسماً رحبا
وأدركت فيه من جهابذة العلى **** خلائق لا يلقون شرقا ولا غربا
{أربطة التعليم:}
وحديثنا عن المدارس والأربطة التي انتشرت في مواقع متعددة والتي تضيف إلى التعليم تقديم الأكل وتوفير السكن سنختصره ونقتصر على ذكر أربعة أربطة:
1- رباط الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي المتوفى 653ه.
أحد كبار علماء حضرموت ومصلحيها في القرن السابع من الهجرة بمدينة تريم.
2- رباط الشيخة سلطانة الزبيدية الكندية المتوفاه 843ه.
كانت عابدة لها مشاركات ومباحثات علمية مع كبار علماء حضرموت كالشيخ عبد الرحمن السقاف، ومن الطريف أن أحد الباحثين معها في المسائل العلمية يباسطها ويقول لها: إن من السفاهة أن نعتقد أنها تكافئ الرجال في المكانة العلمية فيخاطبها بالشعر الحميني:
ياما اسفهش ما بدا بكره تماري جمال
وقد أجابته بقولها:
الحمل بالحمل والزائد لبن والعيال.
3- رباط الخريبة بوادي دوعن.
أسسه العلامة الشيخ عبد الله بن أحمد باسودان عام 1213من الهجرة بتمويل من السادة آل الكاف وآل باهارون.
واتسعت في هذا الرباط الدروس العلمية وقصده الطلاب من جميع المناطق بوادي حضرموت ومن يافع والعوالق وبيحان والبيضاء والصومال فتخرج منه كبار الفقهاء والعلماء وشارك الشيخ عبد الله باسودان في التدريس فيه كبار الفقهاء والعلماء وشارك الشيخ عبد الله باسودان في التدريس فيه كبار تلاميذه وخلفه فيه ابناه الشيخان محمد وأبو بكر ثم السيد عمر بن أحمد الجيلاني ثم تولى التدريس فيه ستين عاماً الوالد السيد حامد بن عبد الهادي الجيلاني رحمهم الله أجمعين.
4- الرباط الرابع: رباط تريم.
الذي تأسس عام 1304 من الهجرة على أيدي السادة عبد القادر بن أحمد الحداد وعبد الرحمن بن علي الجنيد ومحمد عرفان بارجاء. وعندما تولى إدارته العلمية شيخ الشيوخ السيد عبد الله بن عمر الشاطري نصف قرن سطع نور الفقه منه فأضاء جميع حضرموت وما حولها ووصل ذلك الضياء إلى شرق أفريقيا وبلاد الملايو.
كان الطلاب يردون على حياضه فلا يصدرون إلا فقهاء علماء.
يمرون بالدهناء خفافا عيابهم... ويرجعن من دارين بجر الحقائب
وكان شيخ الرباط الحبيب عبد الله يبعث في نفوس طلابه النابهين روح البحث والتحقيق ويجرؤهم على مسائلته ومن هذا الباب ما حدثني به والدي العلامة الفقيه قال:
كان الدارس في فتح المعين في باب البيع ومن مسائله ( وحرم تفريق بين أمة وإن رضيت وفرع لم يميز ولو من من زنا المملوكين لواحد بنحو بيع كهبة وقسمة وهدية لغير من يعتق عليه).
فسأل الشيخ الحبيب عبد الله تلاميذه عن تصوير جواز التفريق بالقسمة قال الوالد: فبدء يى وكنت على يساره قلت ياسيدي التيامن سنة.
فقال: صدقت. فسأل من على يمينه فلم يجب ثم صورها أحد النابهين تصويراً لا يكاد يعترض عليه فسأل من بعده وكلهم يقول صورته صحيحة حتى انتهى إلي فقلت: صورته هذه صحيحة فأدرك مرادي وقال: قد علمنا أنه صحيح البدن ولكن أخبرنا عن تصويره للمسألة قال: فتعجلت وقلت تصويره غير صحيح وأدركني الله بأذان العشاء الذي ينتهي به الدرس ووعدته أن آتى بالتصوير الصحيح في اليوم الثاني، ووفى بما وعد وجاء بخمس صور غير منصوص عليها يقع بها جواز التفريق بالقسمة لوقوع العتق بذلك.
أدى هذا الرباط دورا عظيماً وكانت وجوه الفقهاء فى حضرموت في القرن الرابع عشر من الهجرة من خريجية، وهناك أربطة أخرى أدت أدواراً عظيمة كرباط السيد علي بن محمد الحبشي المؤسس في سيؤن عام 1296 ورباط الشيخ محمد بن عمر بن سلم بغيل باوزير المؤسس عام 1321ه.
استمرت هذه الأربطة تؤدي دورها متأثرة بعوامل خارجية وداخلية فتارة تقوى وتارة يعتريها الوهن، ومع غزو الثقافة الغربية وانتشار المدارس العصرية ضعف الإقبال على هذه الأربطة وتأثر بعضها بضعف مصادر تمويلها.
وقبيل نهاية العقد الثامن من القرن الرابع عشر دفت دافة قضت على الخاصة والكافة وقامت حكومة تنتمي إلى المعسكر الشيوعي الاشتراكي ونادوا بما أسموه الثورة الثقافية على غرار ما فعل في الصين فأغلق ما بقى من هذه الأربطة والمدارس وحوصر الفقهاء وقتل بعضهم وسجن البعض الآخر وعطلت الأحكام الشرعية واستمر ذلك نحو ربع قرن.
ثم إن الله جل وعلا وهو الذي كتب الغلبة لنفسه ولرسله أطاح بالشيوعية في ديارها ونكست أعلامها وخرت على أم إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك(رأسها وذل القائمون عليها وصدق الله القائل:.(في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز
وبدأت الحياة العلمية تعود الى هذه المعاهد والاربطة وفتحت معاهد جديدة وعلى رأسها (كلية الشريعة بجامعة الاحقاف ) التي وضعت لها مناهج يتخرج بها فقهاء وقضاة ومفتون.
نسأل الله أن يبارك في جميع دور العلم في سائر البلاد الإسلامية وأن ينفع بها.
نشر الفقهاء الحضارم الفقه الشافعي في البلاد التي ادخلوا الإسلام إليها أو ذهبوا إليها متجرين أو داعين، وبرز منهم علماء في تلك البلاد وكان منهم أئمة ومفتون في الحرم المكي الشريف.
وفي كتاب الجامع لأعلام المهاجرين اليمنيين للأستاذ المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف وكتاب مصادر الفكر الإسلامي في اليمن للأستاذ البحاثة عبد الله محمد الحبشي ذكر لكثير منهم.
{القسم الثاني:}
الذي تمثلت فيه خدمة فقهاء حضرموت للمذهب الشافعي هو إقامة المحاكم الشرعية وصدور الأحكام منها حسب الراجح في المذهب الشافعي.
فبعد أن ترسخت أقدام المذاهب في البلاد كانت الأحكام تصدر وفق الراجح في المذهب الشافعي ولا تخرج عنه سوى ما وقع في مسألة بيع العهدة المسمى عند الأحناف بيع الوفاء وسنشير إليه عند ذكر الكتب المؤلفة فيه وإلا في المسائل المختارة من غير الراجح في المذهب الشافعي أو المأخوذة من المذاهب الثلاثة أصناء المذهب الشافعي للعمل بها في المحاكم الشرعية أيام الدولة القعيطية.
وقد أثرى الفقه القضائي مما كتبه فقهاء حضرموت من ملاحظات على بعض الأحكام ومن مدافعة القضاة عما اجتهدوا فيه وهناك مباحث وردود بين الفقهاء والقضاة تتعلق ببعض الأحكام توسعت بها دوائر البحث في المسائل القضائية كالردود التي بين مفتي حضرموت السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف وبين كبار قضاتها الشيخ عبد الله بن عوض بكير.
ومن أشهر القضاة آل أبي شكيل وآل بامخرمه والباحميش في القرن الثامن والتاسع والعاشر والشيخ سليمان باحويرث وابنه الشيخ محمد في القرن الحادي عشر والشيخ عمر بن ابي بكر الفقيه باجنيد وابنه الشيخ محمد في القرن الثالث عشر والقاضيان الشيخان عبد الرحمن بن أحمد باشيخ وعبد الله بن سعيد باجنيد في أوائل القرن الرابع عشر.
كما أن من أشهر القضاة في شرق افريقيا في مدينة زنجبار السيد أحمد بن أبي بكر بن سميط الذى تولى القضاء أربعين عاماً أيام السلطان برغش من أهل عمان الذين حكموا في شرق أفريقيا.
ج القسم الثالث:
يتبع