المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فقه الصيام وأحكامه لشهر الصيام يوميا في رمضان



ابو وليد البحيرى
2019-05-05, 11:27 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام واحكامه


مقدمة في أحكام الصّيام
(1)

صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، متفق عليه. والفقه بأحكام الإسلام من أوجب الواجبات، وآكد المطلوبات، خاصة ما كان يتعلق منه بفرائض العبادات، كالصلاة والزكاة وباقي أركان الإسلام.
والصيام فريضة من فرائض ديننا الحنيف، شرعه الله لهذه الأمة، كما شرعه لمن سبقها من الأمم، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وقبل الشروع في الكلام على أحكام الصيام، هناك مقدمات لا بد من ذكرها بين يدي الموضوع، تتعلق بتعريف الصوم، وفرضيته، ومراحل تشريعه، ومراتبه.
تعريف الصوم:
فالصيام لغة: الإمساك مطلقاً، تقول: صام عن الكلام، إذا امتنع عنه ولم يكلم أحداً، ومنه قوله تعالى على لسان مريم عليها السلام: {إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} (مريم:26).
وشرعاً: الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.
فرْضيَّة الصيام:
وفرضيَّة صيام شهر رمضان ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} (البقرة:183).
وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس...) إلى قوله: (وصوم رمضان) متفق عليه، وقد أجمعت الأمة على فرضية صوم رمضان.
وبناء على هذا، فقد قرر أهل العلم أن صيام رمضان فرض على كل مسلم عاقل بالغ صحيح مقيم خال من الموانع.
مراحل تشريع الصيام :
فرضية رمضان مرت بأربع مراحل:
المرحلة الأولى: صيام يوم عاشوراء وجوباً، وهو اليوم العاشر من المحرم، وكان صلى الله عليه وسلم قد أمر بصيام هذا اليوم قبل أن يفرض صيام شهر رمضان؛ وفي "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وسلم صام

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
عاشوراء، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك؛ أي تركه على أنه فرض، وسنَّ صيامه لمن شاء.
أما المرحلة الثانية فجاءت بالتخيير بين صيام شهر رمضان، أو دفع فدية للمساكين، قال تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} (البقرة:184).
والمرحلة الثالثة: كانت إيجاب الصيام على المقيم الصحيح القادر المكلف، فإذا غربت الشمس، كان للصائم أن يأكل ويشرب ما لم ينم، فإن نام، حرم عليه الطعام والشراب وقربان النساء إلى الليلة القابلة، ولما كان الصيام على هذه الشاكلة فيه من الحرج ما لا يخفى، خفف عن المسلمين ذلك؛ ويدل على هذه المرحلة وملابساتها، ما رواه البخاري عن البراء رضي الله عنه، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري، كان صائماً، فلما حضر الإفطار

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا، ولكن أنطلقُ فأطلب لك، وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك -تتحسر عليه- فلما انتصف النهار غشي عليه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} (البقرة:187) ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزل قوله تعالى بعدُ: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} (البقرة:187).
واستقر الأمر في المرحلة الرابعة: على وجوب صوم هذا الشهر الكريم، على كل مكلف قادر مستطيع على الصيام، قال تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة:185).
ثم إن الصيام ليس على درجة واحدة، ولا على مرتبة واحدة، بل منه الواجب والمحرم ومنه المستحب والمكروه. فمن الصوم الواجب، صيام رمضان، وصوم النذر؛ ومن الصوم المحرم صيام يومي العيدين. ومن الصوم المندوب صيام ستة أيام من شوال، وصيام يومي التاسع والعاشر من المحرم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام يوم وإفطار يوم، ومن الصوم المكروه صوم يوم الجمعة منفرداً، وقد فصَّلت السنةُ النبويةُ كلَّ ذلك وبينته بياناً تاماً.
((جميع حلقات الموضوع منقوله من موقع اسلام ويب))
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-07, 10:46 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام
دخول شهر رمضان

(2)

فريضة الصيام عبادة شرعها الله تعالى في وقت محدد من العام، لا يجوز أداؤها في غيره، الأمر الذي يحتم على المسلم معرفةَ الأحكام المتعلقة بدخول شهر الصوم وخروجه، حتى يؤدي هذه العبادة على الوجه المطلوب.
بم يثبت دخول رمضان:

دخول شهر رمضان يثبت بأحد أمرين:
الأول: رؤية هلال رمضان، ودليل ذلك قوله تعالى في آية الصيام: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة:185) وقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) متفق عليه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg

فإذا رأى مسلم عاقل بالغ عدل موثوق بخبره وأمانته، هلال رمضان فقد ثبت دخول الشهر، وتعيَّن على الناس الشروع في صيامه.
الثاني: ويثبت دخول شهر رمضان أيضًا، بتمام شعبان ثلاثين يوماً، لأن غاية الشهر القمري أن يكون ثلاثين يوماً، ولا يكون أكثر من ذلك ، وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهر هكذا وهكذا وهكذا -يعني ثلاثين يومًا- ثم قال: وهكذا وهكذا وهكذا -يعني تسعة وعشرين يومًا-)، أي أنه إما أن يكون ثلاثين أو تسعة وعشرين.
فإذا كمل شهر شعبان ثلاثين يومًا ، فمعنى ذلك أن شهر رمضان قد بدأ بلا خلاف، وأيضًا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) متفق عليه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
فإذا تحرى الناس الهلال ولم يروه ، فعليهم إتمام شعبان ثلاثين يوماً، ولا يجوز -على الصحيح- صيام يوم الثلاثين على أنه من رمضان؛ لعدم ثبوت دخول الشهر.
وهذا اليوم -يوم الثلاثين- يُعْرَف بيوم الشك؛ والدليل على عدم جواز صيام هذا اليوم، قول عمار بن ياسر رضي الله عنه: "من صام اليوم الذي يُشك فيه، فقد عصى أبا القاسم" رواه أبو داود، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن صوم يوم الشك، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صيامًا فليصمه).
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ -أي خفي- عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)، والحديث واضح الدلالة على أن بدء الصوم معلق برؤية الهلال، فإذا لم تحصل الرؤية، لزم الناس أن يكملوا شعبان ثلاثين يوماً.
ولذا فإنه يُستحب للناس التماس هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان، لكن لا يجب ذلك على كل مسلم، بل هو فرض على الكفاية، إذا فعله من يكفي، سقط عن الباقي.
وخلاصة الأمر في هذه المسألة: أن شهر رمضان إذا ثبت بأحد الطريقين المتقدمين، وجب على الناس الصيام، وإلا لم يجز الشروع في الصيام؛ لعدم ثبوت دخول رمضان.
ثم إن الخروج من شهر رمضان يكون أيضًا بأحد الطريقين اللذَيْن تقدَّم الحديث عنهما، غير أن ثبوت هلال شوال لا يثبت إلا برؤية شاهدين، بخلاف ثبوت هلال رمضان، فإنه يثبت برؤية شاهد واحد، بالشروط المعتبرة في الشهادة، وقد علَّلوا الفرق بينهما، بأن الخروج من العبادة يحتاط فيه أكثر مما يُحتاط في الدخول فيها.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
بقي أن نذكر أن من المسائل التي كانت مجال أخذ ورد بين علماء الشريعة، المتقدمين منهم والمتأخرين، مسألة ما لو ثبتت رؤية الهلال في بلد من بلاد المسلمين، فهل يلزم بقية المسلمين أن يعملوا بمقتضى هذه الرؤية؟ وللعلماء في هذه المسألة أقوال لا يتسع المقام لبسطها.
والراجح الذي تؤيده الأدلة النقلية والعقلية، هو القول باختلاف المطالع، وهو أنه إذا اختلفت المطالع فلكل مكان رؤيته، وإذا لم تختلف فإنه يجب على من لم يره أن يوافق غيره ممن رآه، وأن يعمل بمقتضى هذه الرؤية، لقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة:185)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا).
ولا يشترط أن يراه كل أحد من المسلمين، بل يكفي في ذلك رؤية من تقوم الحجة بشهادته، وهو المسلم العدل، ويلزم بقية المسلمين العمل بتلك الرؤية، ما لم تختلف مطالع الهلال بينهم على الراجح من أقوال أهل العلم.
ومن الأدلة النظرية قياس التوقيت الشهري على التوقيت اليومي؛ وذلك أن البلدان ما دامت تختلف في طلوع الفجر وغروبه، فيختلفون في الإمساك والإفطار، فكذلك يقال في اختلافهم في دخول الشهر وخروجه، فإذا حكمنا باختلاف المطالع في التوقيت اليومي، فيجب أن نحكم باختلافها كذلك في التوقيت الشهري سواء بسواء.
هذا هو حاصل الكلام في هذه المسألة، والله تعالى أعلم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-08, 05:29 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام

أركان الصوم وشروطه

(3)

رَكَنَ إلى الأمر: مال إليه وسكن، قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} (هود:113) أي: لا تميلوا وتسكنوا إلى الظالمين، ورُكْنُ الشيء: جانبه الأقوى، قال تعالى على لسانه نبيه لوط: {لو أَن لي بكم قوة أَو آوي إلى ركن شديد} (هود:80).
و(الركن) في اصطلاح الأصوليين: ما يتوقف عليه وجود الشيء وعدمه، ويعبرون عن ذلك بقولهم: ما يتوقف على وجوده الوجود، وعلى عدمه العدم؛ وكثيرًا ما يعبر الفقهاء عن الركن بالشرط، ويريدون منه، ما لا بد منه.
ركني الصوم:
والصيام في حقيقته مركب من ركنين أساسيين، لا يتصور حصوله بدونهما:
- الركن الأول: النية، ومعناها القصد، وهو اعتقاد القلب فعل شيء، وعزمه عليه من غير تردد، والمراد بها هنا قصد الصوم، والدليل على أن النية ركن لصحة الصيام، قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) رواه البخاري ومسلم، وهو يعم كل عمل ، وقوله في حديث حفصة رضي الله عنها: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه أحمد وأصحاب السنن.
ومحل النية القلب، ولا يشرع التلفظ بها، وهو خلاف السُّنَّة؛ لأنها عمل قلبي لا دخل للسان فيه، وحقيقتها القصد إلى الفعل امتثالاً لأمر الله تعالى، وطلباً لثوابه، ويشترط في النية لصوم

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
رمضان التبييت، وهو: إيقاع النية ليلاً، لحديث حفصة المتقدم، وتصح النية في أي جزء من أجزاء الليل، وينبغي على العبد أن يبتعد عن وسواس الشيطان في النية، فإن النية لا تحتاج إلى تكلف، فمن عقد قلبه ليلاً أنه صائم غداً فقد نوى، ومثله ما لو تسحر بنية الصوم غداً.
وبعض الفقهاء يعد النية شرطاً لصحة الصيام لا ركناً من أركانه، والمقصود أنه لا بد منها لصحة الصوم سواء عددناها ركناً أم شرطاً.
- الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات من طعام، وشراب، وجماع، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، ودليل ذلك قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} (البقرة:187)، والمراد بالخيط الأبيض

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
والخيط الأسود، بياض النهار وسواد الليل، وذلك يحصل بطلوع الفجر الثاني أو الفجر الصادق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق) رواه الترمذي. وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) رواه البخاري ومسلم، وقد أجمع أهل العلم على أن من فعل شيئاً من ذلك متعمداً فقد بطل صومه.
شروط الصوم:
وهناك شروط ذكرها أهل العلم لا بد من توفرها حتى يجب الصوم على العبد، وهي: أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً مقيماً قادراً خالياً من الموانع الشرعية.
فلا يصح الصوم من الكافر، فإن أسلم في أثناء الشهر، صام الباقي, ولا يلزمه قضاء ما سبق حال الكفر، ويقضي اليوم الذي أسلم فيه، إن أسلم أثناء النهار، نص عليه الإمام مالك، والإمام أحمد وغيرهما.
ولا يجب الصوم على الصغير غير البالغ لعدم التكليف، ولكنه يصح منه، ويكون في حقه نافلة، ولو أفطر في أثناء النهار فلا شيء عليه، ويستحب تدريبه على الصوم ليعتاد عليه، ولئلا يجد صعوبة فيه حال البلوغ، فقد ثبت في الصحيح من حديث الرُبيِّع بنت معوِّذ رضي الله عنها أنها قالت في صيام عاشوراء لما فُرض: (كنا نُصَوِّمُ صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العِهْنِ، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار) رواه البخاري ومسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ولا يجب الصوم على مجنون, ولو صام حال جنونه, لم يصح منه؛ لأن الصوم عبادة مفتقرة إلى النية، والمجنون لا يتصور منه النية، وفي الحديث الصحيح عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: (رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل) رواه أبو داود وغيره.
ولا يجب الصوم على غير القادر لمرض دائم، أو كبر، وعليه إطعام مسكين عن كل يوم. ولا يجب على المسافر، والمريض مرضاً عارضاً، ولكنهما يقضيانه حال زوال عذر المرض أو السفر؛ لقوله جل وعلا: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} (البقرة:184).
ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء، بل يحرم عليهما، ولا يصح منهما؛ لوجود المانع الشرعي، ولو جاءها الحيض أو النفاس أثناء الصوم، بطل صوم ذلك اليوم، ويجب عليها أنتقضي الأيام التي أفطرتها بعد رمضان.
والطهارة ليست شرطاً لصحة الصوم، فإذا تسحر الجنب، وشرع في الصوم، ولم يغتسل، صح صومه. وكذلك لو طهرت المرأة من الحيض في الليل ولم تغتسل، وصامت يومها التالي صح الصوم منها.
هذه هي أهم أركان الصوم وشروطه، وللعلماء مزيد تفصيل وبيان فيها، يمكن الرجوع إليها في مظانها، والله أعلم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg





(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابو وليد البحيرى
2019-05-09, 04:08 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام
سنن الصوم وآدابه
(4)

الأدب عنوان فلاح المرء وسعادته في الدنيا والآخرة, وأكمل الأدب وأعظمه الأدب مع الله سبحانه, ولذلك شُرعت لكل عبادة في الإسلام آداب ينبغي على المسلم الحفاظ عليها ومراعاتها؛ فالصلاة لها آداب, والحج له آداب, والصوم كذلك له آداب عظيمة، لا يتم على الوجه الأوفق إلا بها, ولا يكمل إيمان العبد إلا بتحقيقها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
والعبادات وإن كانت تصح من غير الإتيان بآدابها وسننها إلا أنها تبقى ناقصة الأجر، قليلة الأثر، ولأجل هذا الملحظ شُرعت السنن والآداب لتكميل النقص الذي يطرأ على الفرائض والواجبات.
وقد جاءت الشريعة بكف اللسان عن المحرمات من غيبة ونميمية وكذب وسَفَه وعدوان في كل وقت وحين، إلا أن الكف عن هذه الأمور يتأكد في رمضان، لمنافاتها لحقيقة الصوم والغاية منه، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم صوم أحدكمفلا يرفث يومئذٍ ولا يجهل، فان سابَّه أحد أو قاتله أحد، فليقل: إني امرؤ صائم) رواه البخاري ومسلم، و(الرفث) هو: الكلام الفاحش، قال الإمام أحمد رحمه الله: ينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه، ولا يماري، ويصون صومه، قال: وكانوا إذا صاموا -يقصد السلف الصالح- قعدوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحداً.
وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
فعلى الصائم أن يحفظ بصره عن النظر إلى المحرمات, ويحفظ أذنه عن الاستماع للغناء وآلات اللهو, ويحفظ بطنه عن كل مكسب خبيث محرم, فليس من العقل والحكمة أن يتقرب العبد إلى ربه بترك المباحات من الطعام والشراب والجماع, وهو لم يتقرب إليه بترك ما حُرِّم عليه في كل حال, من الكذب والظلم والعدوان, وارتكاب المحرمات، ومن فعل ذلك كان كمن يضيِّع الفرائض، ويتقرب بالنوافل.
كما يستحب للصائم بذل الصدقة للمحتاجين من الفقراء والمساكين، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم: (كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فَلَرَسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري ومسلم.
ومن السنن المشروعة في الصيام، تناول السحور وتأخيره، لما في ذلك من عون على صيام النهار، قال صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة) رواه البخاري ومسلم، وقال في الحديث الآخر: (فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكْلَة السَّحَر) رواه مسلم.
يقول زيد بن ثابت: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة"، متفق عليه، وهو يدل على استحباب تأخير السحور.
كما يستحب للصائم تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه. وأن يفطر على رطبات إن تيسر؛ لحديث أنس رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) رواه الترمذي.
ومن الأمور المسنونة للصائم الدعاء عند فطره، وفي الحديث: (ثلاثة لا ترد دعوتهم -وذكر منهم- والصائم حين يفطر) رواه الترمذي، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام عند الإفطار، قوله: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى) رواه أبو داود.
وبهذا يتبين أن حقيقة الصيام ليست مجرد الإمساك عن المفطرات الحسية فحسب, فإن ذلك يقدر عليه كل أحد, كما قال بعضهم: "أهون الصيام ترك الشراب والطعام"، ولكن حقيقة الصيام ما أخبر عنه جابر رضي الله عنه بقوله: "إذا صمت، فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم, ودع أذى الجار, وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك, ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء".
فاحرص -أخي الصائم- على الالتزام بهذه الآداب والمسنونات، واجتنب المحرَّمات والمكروهات، ففي ذلك حفظ لصومك، ومرضاة لربك، وزيادة في أجرك.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-10, 05:13 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام


الأعذار المبيحة للفطر

(5)

رَفْعُ الحرج، وعدم إلحاق الضرر والمشقة بالمكلف من المقاصد الأساسية التي رعتها الشريعة الإسلامية، وتظافرت عليها أدلة الكتاب والسنة، وفي ذلك يقول تعالى: {يريد الله بكم اليسر} (البقرة:185)، ويقول سبحانه: {يريد الله أن يخفف عنكم} (النساء:28)، ويقول عز وجل: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (الحج:78)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يجب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته) رواه أحمد، وفي رواية: (إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه) رواه البيهقي وغيره.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وقد قرر أهل العلم استناداً إلى هذه النصوص عدداً من القواعد الفقهية، التي تفيد رفع الحرج وإزالة الضرر والمشقة عن المكلف؛ من ذلك قولهم: "المشقة تجلب التيسير"، وقولهم: "الضرر مدفوع شرعاً"، وقولهم: "الأمر إذا ضاق اتسع"، ونحو ذلك مما أصله الفقهاء في قواعدهم الفقهية.
وصيام رمضان وإن كان فرضاً على كل مكلف عاقل بالغ، إلا أن هناك بعض العوارض والأعذار التي قد تطرأ على المكلف، فتصرف عنه حكم الوجوب، ويباح له الفطر حينئذ، وربما وجب في حقه كما في حالات معينة، وهذه العوارض هي ما يُعرف بـ "رخص الفطر" أو "الأعذار المبيحة للفطر" ومنها:
أولاً: المرض
والمرض تغير يطرأ على الإنسان يخرجه عن طبيعته السوية، وهو من الأعذار المبيحة للفطر؛ لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر} (البقرة:184)، وضابط المرض المبيح للفطر هو المرض الذي يخاف معه الضرر والهلاك، أو يلحقه به مشقة شديدة تزيد في مرضه، أو تؤخر برءه وشفاءه، فهذا هو الذي يجوز الفطر معه، ويقضي ما أفطره عند زوال عذره، أما المرض الذي لا يلحق الصائم معه ضرر أو مشقه، كمن به وجع ضرس، أو أصبع، أو نحو ذلك، فلا يرخص له في الفطر.
ثانياً: الكبر
الشيخ الكبير والمرأة العجوز يرخص لهما في الفطر، لعدم القدرة على الصيام، ولا قضاء عليهما إذا كان الصيام يشق عليهما مشقة شديدة في جميع فصول السنة، وعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، لقوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} (البقرة:184)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الآية ليست منسوخة، وهي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا"، ومثلهما المريض مرضاً لا يرجى برؤه، ويشق عليه الصوم، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً.
ثالثاً: الحمل والرضاعة
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
اتفق الفقهاء على أنه يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما، أو ولديهما؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم) رواه النسائي وغيره، ويجب عليهما قضاء ما أفطرتا من أيام أخر، حين يتيسر لهما ذلك، ويجب التنبه هنا أن مجرد الحمل والرضاعة لا يبيحان الفطر في رمضان، وإنما الذي يبيح الفطر هو خوف الحامل والمرضع على نفسها أو ولدها.
رابعاً: السفر
المسافر إذا لم يقصد بسفره التحيل على الفطر، فإنه يرخص له فيه، لقول الله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر} (البقرة:184)، ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم: (إن الله وضع عن المسافر الصوم)، والسفر المبيح للفطر هو السفر الطويل الذي تقصر فيه الصلاة الرباعية، ويجب عليه القضاء بعد ذلك، وهو مخير في سفره بين الصوم والفطر، لقول أنس رضي الله عنه كما في "الصحيحين": "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم"، وفي "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كانوا يرون أن من وجد قوة فصام، فإنذلك حسن، وأن من وجد ضعفاً فأفطر، فإن ذلك حسن".
خامساً: دفع ضرورة
يرخص الفطر -وربما يجب- لدفع ضرورة نازلة، كإنقاذ غريق، أو إخماد حريق، ونحو ذلك، إذا

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
لم يستطع الصائم دَفْع ذلك إلا بالفطر، ويلزمه قضاء ما أفطره، ودليل ذلك عموم الأدلة التي تفيد رفع الحرج، ودفع الضرر، والقاعدة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومثله ما لو احتاج إلى الفطر للتقوي على الجهاد في سبيل الله، وقتال العدو، فإنه يفطر ويقضي ما أفطر، سواء كان ذلك في السفر أو في بلده إذا حضره العدو، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "سافَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى مكةَ ونحنْ صيامٌ، فنَزلْنا منْزلاً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم) فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر. ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: (إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا) وكانت عَزَمَة، فأفطرنا".
هذه هي أهم الأعذار المبيحة للفطر شرعها الرؤوف الرحيم بعباده؛ رفعاً للحرج والعنت عن العباد، ودفعاً للضرر والمشقة عنهم، منها ما يُلْزم صاحبها بقضاء الأيام التي أفطرها كما في حق المسافر، والمرضع، والحامل، والمريض مرضاً يُرجى شفاؤه، ومنها ما لا يلزمه قضاء تلك الأيام كما في حق الكبير، والمريض مرضاً لا يرجى شفاؤه، وإنما تلزمهم الفدية فحسب، وهي إطعام مسكين عن كل يوم أفطروه، وأما الفطر في رمضان من غير عذر، فهو من كبائر الذنوب، التي ورد الوعيد الشديد تجاه مرتكبها.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg








(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابو وليد البحيرى
2019-05-11, 05:14 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان





النظام القرآني للصيام
(6)

ذكر الله تعالى قبل ذكر آيات الصيام آيات تتعلق بمجالين من المجالات الحياتية العامة في سورة البقرة هما مجال حفظ الحياة {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} (البقرة:178) ومجال الترابط المجتمعي للأجيال بالوصية {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية} (البقرة:180) وهما يعتمدان على ضبط النفس وتقواها، وهنا ذكر الله تعالى عبادة تعين على التهذيب والتأديب والتقوى وضبط النفس، ويقبل عليها الناس بصورة لا توجد في غيرها من العبادات، وهي عبادة الصيام.

أسلوب القرآن في هذا الموضع:
جاء أسلوب القرآن على هيئة مواد قانونية، دون أن تخلو من مزجها التربوي التزكوي الرائع الفريد بنور الموعظة، وجمال التأثير العاطفي، ولنلق نظرة واعية على سلاسل النور القرآنية في هذا الموضع:

أولاً: الأسس العامة لنظام الصيام: تكون من ست مواد:

المادة الأولى: فرض الله الصيام، وهو توحيد عبادي كما فُرِض على من قبلنا {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} (البقرة:183).

المادة الثانية: الغاية الكبرى للصيام وأعظم أهدافه: التقوى {لعلكم تتقون} (البقرة:183) فتستنير قلوبكم وعقولكم بما به تؤمنون، وتقومون بحقوق الخالق وحقوق الخلق، وأنتم محسنون.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
والصيام يعلم التقوى؛ لأن أساس التقوى الصبر على الطاعات وعن المعاصي وعلى الأقدار، والصيام يعلم ذلك كله، وعند أحمد والترمذي وحسنه عن رجل من بنى سليم قال: عدهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يدي أو في يده: (التسبيح نصف الميزان، والحمد لله تملؤه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصوم نصف الصبر، والطهور نصف الإيمان) ولذا جعله الله يقي من الشهوات كالجُنَّة وهو الدرع الذي يحمي في الحرب، فعند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَال: (يقول الله عز وجل: الصوم لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جُنَّة).

المادة الثالثة: المدى الزمني للصيام {أياما معدودات} (البقرة:184) فليس كثيراً.

المادة الرابعة: الصيام لنفع العباد لا لتعذيبهم، ولذا يُعذر أصحاب الأعذار:

وهم ثلاثة أصناف:

الصنف الأول والثاني: المستطيعون للصيام لاحقاً، فهؤلاء يفطرون ويقضونه، وهم صنفان: المرضى مرضاً مؤقتاً، والمسافرون {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} (البقرة:184).

الصنف الثالث: من أطاق الصيام بمشقةٍ عظيمةٍ: وهم كبار السن، والمرضى مرضاً لا يُرجى برؤه، وأصحاب الأعمال الشاقة، فهؤلاء يفدون عن كل يوم طعام مسكين {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} (البقرة:184).

المادة الخامسة: تطوع الصيام أو تطوع الإطعام خيرٌ للمتطوعين في الدنيا والآخرة {فمن تطوع خيرا فهو خير له} (البقرة:184).

المادة السادسة: نظام الصيام ليس للتعذيب، بل للتدريب والتهذيب، فهو نظام لصالح العباد صحياً ونفسياً وإيمانياً {وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} (البقرة:184) وهذه خاتمة لبيان سبب عام لتشريع الصيام، وعند أحمد عن أبي أمامة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه سلم، فقلت: مرني بعمل يدخلني الجنة، قال: (عليك بالصوم، فإنه لا عِدْل له)، و{خير} في الآية ليس للتفضيل، بل للاستبداد، بمعنى أن الصوم يحمل كل خيرٍ لكم، وتركه، أو التلاعب به بعدم تأديته على ما أمر الله يذهب بهذه الخيرية.

ثانياً: النظام التفصيلي للصيام: تكون من عشر مواد:

المادة الأولى: وقت الصيام المفروض: {شهر رمضان} (البقرة:185).

المناسبة والاتصال:

1) بعد أن ذكر الله تعالى أن الصيام {أياما معدودات} أراد أن يبين موعده، وهو شهر رمضان، والحكمة في تخصيص هذا الشهر بهذه العبادة هي أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg

2) قال ربنا عز وجل أولاً: {كتب عليكم الصيام} (البقرة:183) وهذا محتملٌ ليوم ويومين وأيام، ثم بينه بقوله تعالى: {أياما معدودات} فزال بعض الاحتمال، ثم بينه بقوله: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} (البقرة:185) فعلى هذا الترتيب يمكن جعل الأيام المعدودات بعينها شهر رمضان، والحكمة في ذكر (الأيام) مبهمة أولاً، وتعيينها بعد ذلك: أن ذلك الإبهام الذي يشعر بالقلة يخفف وقع التكليف بالصيام الشاق على النفوس.

المادة الثانية: سبب تخصيص رمضان بالصيام: القرآن {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} (البقرة:185) فالصيام والقرآن هما الشفيعان القرينان، والقرآن نزل في شهر رمضان، فأمر الله بصيامه، فعن عبدالله بن عمرو -فيما رواه أحمد والطبراني- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوة، فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان له).
ولشدة الحفاوة بالقرآن في شهر الصيام، وصف الله القرآن هنا بثلاث صفات:

الصفة الأولى: {هدى للناس} رَشاداً للناس إلى سبيل الحقّ والسعادة في الحياة.

الصفة الثانية: {وبينات من الهدى} واضحات من البيان الدالّ على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.

الصفة الثالثة: {والفرقان} والفصل بين الحق والباطل.

وسبب الاستطراد بذكر صفات القرآن قبل الأمر بصوم الشهر؛ أن الله تعالى ابتدأ هنا بذكر شهر رمضان وإنزال القرآن فيه، ووصف القرآن بما وصفه به، حتى كأنه يحكي عنه لذاته بعد الانتهاء من حكم الصوم، ثم ثنى بالأمر بالصيام، فلم يفاجئ النفوس به مع ذلك التمهيد له حتى قَدم العلةَ على المعلول.

المادة الثالثة: صوم رمضان فرض لمن شهد الشهر: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة:185).

المادة الرابعة: يقضيه أصحاب الأعذار وفق ما سبق: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} (البقرة:185).

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وأعاد ذكرهم:

1) لأن ما سبق كان كلاماً عن الأسس العامة للصيام، وهنا كلام عن رمضان وأهميته.

2) قيل: لما كان النسخ للتخيير بين الصيام والفداء خاصةً، أعاد الرخصة للمريض والمسافر، لئلا يُتوهم أن الرخصة أيضاً منسوخة، أو أنها لا تحمد فيه "ولولا ذلك ما أتاها متق لله في صيامه".

المادة الخامسة: أهم أهداف الصيام سبعة:

1) الصيام يعد لمرتبة التقوى: {لعلكم تتقون} (البقرة:183) وقدمه على بقية الأهداف؛ لأنه هدف الأهداف وغايتها.

2) الصيام يبرز اليسر في الحياة والدين: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة:185) و{اليسر} في الصيام ذاته كتشريع؛ لأنه يقوِّم النفس ويهذبها ويزكيها، ويبين لها سبيلاً لازماً في المجاهدة، كما يبين لها سبيلاً لصحة الجسم، وصفاء الروح، وهذا عند من يقوم برمضان حق القيام، و{اليسر} أيضاً في التشريعات التفصيلية له كما في عذر أصحاب الأعذار.

3) اعتياد الانضباط بإكمال العدة: {ولتكملوا العدة} (البقرة:185).

4) تعظيم أرحم الراحمين: {ولتكبروا الله على ما هداكم} (البقرة:185).

5) شكر الله الذي يسعد الدنيا بالدين:{ولعلكم تشكرون} (البقرة:185).

6) القرب المباشر من رب العالمين، ودعاؤه {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} (البقرة:186).

7) الوصول إلى الرشد الفردي والجماعي {لعلهم يرشدون} (البقرة:186) ما يترتب عليه صلاح الفرد والجماعة، وصواب القرارات الشخصية والعامة ضمن ميدان الابتلاء في هذه الحياة.

إعجاز وبيان: لماذا وسَّط ذكر الأهداف، وبثها بين مواد الصيام وأحكامه؟

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
1) لتُذكر وتُستحضر، فلا تطغى عليها الأحكام التي هي وسيلة إليها.

2) لئلا يهمل الناس الغاية مشتغلين بالوسيلة.
من أسرار الترتيب القرآني لآيات الصيام في فهم القفال الشاشي رحمه الله:

قال القفال رحمه اللّه: "انظروا إلى عجيب ما نبه اللّه عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف، وأنه تعالى بين في أول الآية أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمم المتقدمة، والغرض منه أن الأمور الشاقة إذا عمت خفت.

ثم ثانياً: بين وجه الحكمة في إيجاب الصوم، وهو أنه سبب لحصول التقوى، فلو لم يفرض الصوم لفات هذا المقصود الشريف.

ثم ثالثاً: بين أنه مختص بأيام معدودة، فإنه لو جعله أبداً، أو في أكثر الأوقات لحصلت المشقة العظيمة.

ثم بين رابعاً: أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن؛ لكونه أشرف الشهور بسبب هذه الفضيلة.

ثم بين خامساً: إزالة المشقة في إلزامه، فأباح تأخيره لمن شق عليه من المسافرين والمرضى إلى أن يصيروا إلى الرفاهية والسكون، فهو سبحانه راعى في إيجاب الصوم هذه الوجوه من الرحمة، فله الحمد على نعمه كثيراً".






http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-12, 03:35 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان

كُتب عليكم الصيام
(7)

وردت في القرآن الكريم أربع آيات تتحدث عن أحكام الصيام، جاءت ثلاث الآيات الأُوَل متتابعة، وجاءت الآية الرابعة منفردة بعد قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة:186). ونظراً لتعلق هذه الآيات بأحكام الصيام، فسوف نفرد الحديث لكل آية على حدة، بادئين بالآية الأولى من آيات الصيام، وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183). والحديث حول هذه الآية ينتظم في أربع مسائل:

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
الأولى: معنى {كتب عليكم} أي: فَرْضٌ على الأمة لا محيد عن الأخذ به، فضمير {عليكم} لمجموع الأمة.

و(الصيام) ويقال: (الصوم) مصدر، وقد ورد المصدران في القرآن، {كتب عليكم الصيام}، {إني نذرت للرحمن صوما} (مريم:26). والصيام لغة: يطلق حقيقة على ترك كل طعام وشراب، وأُلحق به في الإسلام تَرْكُ قربان كل النساء، فلو ترك أحد بعض أصناف المأكول، أو بعض النساء لم يكن صياماً.

وللصيام إطلاقات أخرى مجازية، كإطلاقه على إمساك الخيل عن الجري في قول النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

وأطلق على ترك شرب حمار الوحش الماء. وقد قال ابن عاشور هنا: "وقول الفقهاء: إن الصوم في اللغة مطلق الإمساك، وإن إطلاقه على الإمساك عن الشهوتين اصطلاح شرعي، لا يصح؛ لأنه مخالف لأقوال أهل اللغة".
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
وأما إطلاق الصوم على ترك الكلام في قوله تعالى: {فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}، فليس إطلاقاً للصوم على ترك الكلام، ولكن المراد أن الصوم كان يتبعه ترك الكلام على وجه الكمال والفضل.

و(الصيام) في اصطلاح الشرع: اسم لترك جميع الأكل وجميع الشرب وقربان النساء مدة مقدرة بالشرع بنية الامتثال لأمر الله، أو لقصد التقرب بنذر للتقرب إلى الله. الثانية: كان العرب في الجاهلية يعرفون الصوم، فقد جاء في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية). وفي بعض الروايات: (وكان رسول الله يصومه). وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (لما هاجر رسول الله إلى المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال: (ما هذا؟) فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منكم)، فصام، وأمر بصومه) رواه البخاري. ثم لما نزل فرض صيام رمضان، نُسخ فرض صيام عاشوراء، وأصبح سنة، من شاء صامه، ومن شاء أفطر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
الثالثة: قوله تعالى: {كما كتب على الذين من قبلكم} التشبيه في الآية تشبيه في أصل فَرْض ماهية الصوم، لا في الكيفيات، والتشبيه يُكتفى فيه ببعض وجوه المشابهة، وهو وجه الشبه المراد في القصد، وليس المقصود من هذا التشبيه الإحالة في صفة الصوم على ما كان عليه عند الأمم السابقة، ولكن فيه مقاصد ثلاثة تضمنها التشبيه: أحدها: الاهتمام بهذه العبادة، والتنويه بها؛ لأنها شرعها الله قبل الإسلام لمن كانوا قبل المسلمين، وشرعها للمسلمين، وذلك يقتضي اطراد صلاحها ووفرة ثوابها. وإنهاض همم المسلمين لتلقي هذه العبادة كي لا يتميز بها من كان قبلهم.

الثاني: أن في التشبيه بالسابقين تهويناً على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم؛ فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب، فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم من المشركين، فيمنعه وجوده في الإسلام من الإيمان، ولمن يستثقله من قريبي العهد بالإسلام.

الثالث: إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة، حتى لا يكونوا مقصرين في قبول هذا الفرض، بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة.

والمراد بـ {الذين من قبلكم} من كان قبل المسلمين من أهل الشرائع، وهم اليهود؛ لأنهم الذين يعرفهم المخاطبون، ويعرفون ظاهر شؤونهم، وكانوا على اختلاط بهم في المدينة، وكان لهم صوم فرضه الله عليهم. أما النصارى فليس في شريعتهم نص على تشريع صوم زائد على ما في التوراة، فكانوا يتبعون صوم اليهود، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: "قالوا: يا رسول الله! إن يوم عاشوراء تعظمه اليهود والنصارى"، ثم إن رهبانهم شرعوا صوم أربعين يوماً اقتداء بالمسيح؛ إذ صام أربعين يوماً قبل بعثته. ويُشرع عندهم نذر الصوم عند التوبة وغيرها، إلا أنهم يتوسعون في صفة الصوم، فهو عندهم ترك الأقوات القوية والمشروبات، أو هو تناول طعام واحد في اليوم، يجوز أن تلحقه أكلة خفيفة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
الرابعة: قوله سبحانه: {لعلكم تتقون} بيان لحكمة الصيام، وما لأجله شُرِعَ. والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي، وإنما كان الصيام موجباً لاتقاء المعاصي؛ لأن المعاصي قسمان: قسم ينجع في تركه التفكر، كالخمر والميسر والسرقة والغصب، فتَرْكُه يحصل بالوعد على تركه، والوعيد على فعله، والموعظة بأحوال الغير. وقسم ينشأ من دواعٍ طبيعية كالأمور الناشئة عن الغضب، وعن الشهوة الطبيعية، التي قد يصعب تركها بمجرد التفكر، فجُعِلَ الصيام وسيلة لاتقائها؛ لأنه يُعَدِّل القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي؛ ليرتقي المسلم به عن حضيض الانغماس في المادة إلى أوج العالم الروحاني، فهو وسيلة للتحلي بالصفات الملكية، والتخلي عن الصفات الحيوانية.

وفي الحديث الصحيح، قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم جُنَّة) رواه أصحاب السنن إلا أبا داود، أي: وقاية. قال ابن عاشور: "لما تَرَك ذكر متعلق (جُنَّة) تعين حمله على ما يصلح له من أصناف الوقاية المرغوبة، ففي الصوم وقاية من الوقوع في المآثم، ووقاية من الوقوع في عذاب الآخرة، ووقاية من العلل والأدواء الناشئة عن الإفراط في تناول اللذات".

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-13, 03:59 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
(8)

قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} (البقرة:185).

القول في هذه الآية تنظمه عشر مسائل:

الأولى: (الشهر) مشتق من الشُّهرة؛ لأن الهلال يظهر لملتمسيه، فيشهرونه؛ ليراه الناس، فيثبت الشهر عندهم. و(رمضان) عَلَم على الشهر التاسع من أشهر السنة العربية القمرية المفتتحة بالمحرم؛ فقد كان العرب يفتتحون أشهر العام بالمحرم؛ لأن نهاية العام عندهم هي انقضاء الحج. و(رمضان) ممنوع من الصرف؛ للعلمية وزيادة الألف والنون؛ لأنه مشتق من الرمضاء، وهي الحرارة؛ لأن رمضان أول أشهر الحرارة بناء على ما كان من النسيء في السنة عند العرب.

قال ابن عاشور: "وإنما أضيف لفظ الشهر إلى رمضان في هذه الآية مع أن الإيجاز المطلوب لهم يقتضي عدم ذكره؛ إما لأنه الأشهر في فصيح كلامهم؛ وإما للدلالة على استيعاب جميع أيامه بالصوم؛ لأنه لو قال: رمضان لكان ظاهراً لا نصاً، لا سيما مع تقدم قوله {أياما} فيتوهم السامعون أنها أيام من رمضان". والمعنى أن الجزء المعروف بشهر رمضان من السنة العربية القمرية، هو الذي جُعِلَ ظرفاً لأداء فريضة الصيام المكتوبة في الدين، فكلما حل الوقت المعين من السنة المسمى بشهر رمضان، فقد وجب على المسلمين أداء فريضة الصوم فيه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
الثانية: المراد بإنزال القرآن في {شهر رمضان} ابتداء إنزاله على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن فيه ابتداء النزول، فعبر عن إنزال أوله باسم جميعه؛ لأن ذلك القدر المنزل مقدر إلحاق تكملته به، كما جاء في كثير من الآيات مثل قوله سبحانه: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} (الأنعام:92)، وذلك قبل إكمال نزوله، فيشمل كل ما يلحق به من بعد.

قال القرطبي: "ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة واحدة، فوُضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل به نجماً نجماً في الأوامر والنواهي والأسباب، وذلك في عشرين سنة". وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "أنزل القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام نجوماً -يعني الآية والآيتين- في أوقات مختلفة في إحدى وعشرين سنة".

واختير شهر رمضان من بين الأشهر؛ لأنه قد شَرُفَ بنزول القرآن فيه، فإن نزول القرآن لما كان لقصد تنزيه الأمة وهداها، ناسب أن يكون ما به تطهير النفوس والتقرب من الحالة الملكية واقعاً فيه.

الثالثة: قوله تعالى: {هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} إشارة إلى وجه تفضيل شهر رمضان بسبب ما نزل فيه من الهدى والفرقان. والمراد بـ(الهدى) الأول: ما في القرآن من الإرشاد إلى المصالح العامة والخاصة التي لا تنافي العامة. وبالبينات من الهدى: ما في القرآن من الاستدلال على الهدى الخفي، الذي ينكره كثير من الناس، مثل أدلة التوحيد، وصدق الرسول، وغير ذلك من الحجج القرآنية.

و(الفرقان) مصدر (فَرَقَ)، وقد شاع في الفرق بين الحق والباطل، أي: إعلان التفرقة بين الحق الذي جاءهم من الله، وبين الباطل الذي كانوا عليه قبل الإسلام.

الرابعة: و{شهد} يجوز أن يكون بمعنى (حضر) كما يقال: إن فلاناً شهد بدراً، وشهد أحداً، أو شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: حضرها. والمعنى على هذا: حضر في الشهر، أي لم يكن مسافراً، وهو المناسب لقوله بعده: {ومن كان مريضا أو على سفر}، أي: فمن حضر في الشهر، فليصمه كله.

ويجوز أن يكون {شهد} بمعنى (علم)، كقوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} (آل عمران:18)، أي: علم بحلول الشهر، وليس {شهد} بمعنى (رأى)؛ لأنه لا يقال: شهد بمعنى رأى، وإنما يقال: شاهد. ومن فهم قوله سبحانه: {شهد} بمعنى (رأى) فقد أخطأ خطأ بيِّناً، وهو يفضي إلى أن كل فرد من الأمة معلق وجوب صومه على مشاهدته هلال رمضان، فمن لم ير الهلال لا يجب عليه الصوم، وهذا باطل.

قال جمهور الأمة: "من شهد أول الشهر وآخره فليصم ما دام مقيماً، فإن سافر أفطر". وهذا هو الصحيح وعليه تدل الأخبار الثابتة. وقد ترجم البخاري لهذا، فقال: "باب: إذا صام أياماً من رمضان، ثم سافر"..عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد أفطر، فأفطر الناس.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
ثم قال الحنفية: مَن {شهد} الشهر بشروط التكليف غير مجنون ولا مغمى عليه فليصمه، ومن دخل عليه رمضان وهو مجنون وتمادى به طول الشهر، فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يشهد الشهر بصفة يجب بها الصيام. ومن جنَّ أول الشهر وآخره، فإنه يقضي أيام جنونه. قالوا: وإذا أسلم الكافر، أو بلغ الصبي قبل الفجر لزمهما الصوم صبيحة اليوم، وإن كان بعد الفجر استحب لهما الإمساك، وليس عليهما قضاء الماضي من الشهر، ولا اليوم الذي بلغ فيه الصبي، أو أسلم الكافر.

وقال جمهور أهل العلم: ليس عليه قضاء ما مضى؛ لأنه إنما شهد الشهر من حين إسلامه. قال مالك: وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه. قال القرطبي: "الصحيح لا يجب عليه الإمساك في بقية اليوم، ولا قضاء ما مضى".

الخامسة: قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا} قالوا في وجه إعادته مع تقدم نظيره في قوله سبحانه: {فمن كان منكم مريضا}: إنه لما كان صوم رمضان واجباً على التخيير بينه وبين الفدية بالإطعام بالآية الأولى وهي {كتب عليكم الصيام}، وقد سقط الوجوب عن المريض والمسافر بنصها، فلما نسخ حكم تلك الآية بقوله: {شهر رمضان}، وصار الصوم واجباً على التعيين، خيف أن يظن الناس أن جميع ما كان في الآية الأولى من الرخصة قد نُسخ، فوجب الصوم أيضاً حتى على المريض والمسافر، فأعيد ذلك في هذه الآية الناسخة؛ تصريحاً ببقاء تلك الرخصة، ونُسخت رخصة الإطعام مع القدرة والحضر والصحة لا غير، وهذا بناء على كون هذه الآية ناسخة للتي قبلها.

فإن قلنا: إنهما نزلتا في وقت واحد، كان الوجه في إعادة هذا الحكم هو هذا الموضع الجدير بقوله: {ومن كان مريضا}؛ لأنه جاء بعد تعيين أيام الصوم، وأما ما تقدم في الآية الأولى فهو تعجيل بالإعلام بالرخصة؛ رفقاً بالسامعين، أو أن إعادته لدفع توهم أن الأول منسوخ بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} إذا كان {شهد} بمعنى (تحقق) و(علم)، مع زيادة في تأكيد حكم الرخصة؛ ولزيادة بيان معنى قوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.

ثم إن للمريض حالتين: إحداهما: ألا يطيق الصوم بحال؛ فعليه الفطر واجباً. الثانية: أن يقدر على الصوم بضرر ومشقة؛ فهذا يُستحب له الفطر، ولا يصوم إلا جاهل. قال ابن سيرين: متى حصل الإنسان في حال يستحق بها اسم المرض صح الفطر؛ قياساً على المسافر لعلة السفر، وإن لم تدعُ إلى الفطر ضرورة. وقال جمهور أهل العلم: إذا كان به مرض يؤلمه ويؤذيه، أو يخاف تماديه، أو يخاف تزيُّده صح له الفطر. قال القرطبي: "قول ابن سيرين أعدل شيء في هذا الباب، إن شاء الله تعالى".

السادسة: قوله سبحانه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} تعليل لقوله سبحانه: {ومن كان مريضا أو على سفر}، وبيان للحكمة من الرخصة، أي: شرع لكم القضاء؛ لأنه يريد بكم اليسر عند المشقة، ولا يريد بكم العسر في التكاليف. وجوز ابن عاشور أن يكون تعليلاً لجميع ما تقدم من قوله: {كتب عليكم الصيام} إلى هنا، فيكون إيماء إلى أن مشروعية الصيام -وإن كانت تلوح في صورة المشقة والعسر- فإن في طيها من المصالح ما يدل على أن الله أراد بها اليسر، أي: تيسير تحصيل رياضة النفس بطريقة سليمة من إرهاق أصحاب بعض الأديان الأخرى أنفسهم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
السابعة: قوله سبحانه: {ولتكملوا العدة} المعنى: يريد الله أن تكملوا العدة، و(إكمال العدة) يحصل بقضاء الأيام التي أفطرها من وجب عليه الصوم؛ ليأتي بعدة أيام شهر رمضان كاملة، فإن في تلك العدة حكمة تجب المحافظة عليها، فبالقضاء حصلت حكمة التشريع، وبرخصة الإفطار لصاحب العذر حصلت رحمة التخفيف. وقد يراد بـ (إكمال العدة) إكمال عدة الهلال، سواء كانت تسعاً وعشرين يوماً أو ثلاثين. قال العلماء: ولا اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهاراً، بل هو لليلة التي تأتي، هذا هو الصحيح. وقد روى عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً صُبْحَ ثلاثين يوماً، فرأى هلال شوال نهاراً، فلم يفطر حتى أمسى). أخرجه الدار قطني.

الثامنة: قوله سبحانه: {ولتكبروا الله} تعليل لحكمة متضمنة لمقصد إرادة الله تعالى، وهو أن يكبروه. والمراد بـ (التكبير) النسبة والتوصيف، أي: أن تنسبوا الله إلى الكِبَر، و(الكبر) هنا كبر معنوي لا جسمي، فهو العظمة والجلال والتنزيه عن النقائص كلها، أي: لتصفوا الله بالعظمة، وذلك بأن تقولوا: الله أكبر، وهي جملة تدل على أن الله أعظم من كل عظيم في الواقع، كالحكماء، والملوك، والسادة، والقادة، ومن كل عظيم في الاعتقاد كالآلهة الباطلة، وإثبات الأعظمية لله في كلمة (الله أكبر) كناية عن وحدانيته بالإلهية؛ لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه، والناقص غير مستحق للإلهية.

وقد روي عن بعض السلف أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر ويحمدون، قال الشافعي: وتُشَبَّه ليلة النحر بها. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا. والفطر والأضحى في ذلك سواء عند مالك والشافعي. وروى الدار قطني عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: كانوا في التكبير في الفطر أشد منهم في الأضحى. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/04/87.jpg
قال القرطبي: "وأكثر أهل العلم على التكبير في عيد الفطر". وكان الشافعي يقول إذا رأى هلال شوال: أحببت أن يكبر الناس جماعة وفرادى، ولا يزالون يكبرون ويظهرون التكبير حتى يغدوا إلى المصلى، وحين يخرج الإمام إلى الصلاة، وكذلك أحب ليلة الأضحى لمن لم يحج. وقال أبو حنيفة: يكبر في الأضحى، ولا يكبر في الفطر.

قال ابن عاشور: "وفي لفظ التكبير عند انتهاء الصيام خصوصية جليلة؛ وهي أن المشركين كانوا يتزلفون إلى آلهتهم بالأكل والتلطيخ بالدماء، فكان لقول المسلم: الله أكبر، إشارة إلى أن الله يُعْبَدُ بالصوم، وأنه متنزه عن ضراوة الأصنام".

وقد دلت الآية على الأمر بالتكبير؛ إذ جعلته مما يريده الله، وهو غير مفصل في لفظ التكبير، ومجمل في وقت التكبير؛ وعدده، وقد بينت السنة القولية والفعلية ذلك على اختلاف بين الفقهاء في الأحوال. فأما لفظ التكبير فظاهر الآية أنه كل قول فيه لفظ الله أكبر، والمشهور في السنة أنه يكرر (الله أكبر) ثلاثاً، وبهذا أخذ مالك وأبو حنيفة والشافعي، وقال مالك والشافعي: إذا شاء المرء زاد على التكبير تهليلاً وتحميداً، فهو حسن، ولا يترك (الله أكبر)، فإذا أراد الزيادة على التكبير كبر مرتين، ثم قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد. وقال أحمد: هو واسع. وقال أبو حنيفة: لا يجزئ غير ثلاث تكبيرات.

التاسعة: قوله سبحانه: {على ما هداكم} قيل: لِمَا ضل فيه النصارى من تبديل صيامهم. وقيل: بدلاً عما كانت الجاهلية تفعله من التفاخر بالآباء والتظاهر بالأحساب والأنساب، وتعديد المناقب. وقيل: لتعظموه على ما أرشدكم إليه من الشرائع، فهو عام.

العاشرة: قوله عز وجل: {ولعلكم تشكرون} تعليل آخر، وهو أعم من مضمون جملة {ولتكبروا الله على ما هداكم}؛ فإن التكبير تعظيم، يتضمن شكراً، والشكر أعم؛ لأنه يكون بالأقوال التي فيها تعظيم لله تعالى، ويكون بفعل القُرَب من الصدقات في أيام الصيام وأيام الفطر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-14, 05:28 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه


..أياماً معدودات..

(9)

قوله تعالى في الآية الثانية من آيات الصيام: {أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} (البقرة:184).

القول في هذه الآية ينتظم وفق تسع مسائل، هي التالية:الأولى: قوله عز وجل: {أياما معدودات} المراد: شهر رمضان عند جمهور المفسرين. قال ابن عاشور: "وإنما عبر عن (رمضان) بـ (أيام)، وهي جمع قلة، ووَصَفَ بـ {معدودات} وهي جمع قلة أيضاً؛ تهويناً لأمره على المكلفين، و(المعدودات) كناية عن القلة؛ لأن الشيء القليل يُعدُّ عدًّا؛ ولذلك يقولون: الكثير لا يُعَدُّ؛ ولأجل هذا اختير في وصف الجمع مجيئه في التأنيث على طريقة جمع المؤنث السالم، وإن كان مجيئه على طريقة الجمع المكسر الذي فيه هاء تأنيث أكثر".

الثانية: قوله سبحانه: {فمن كان منكم مريضا} ذهب جمهور أهل العلم إلى أن المرض المبيح للفطر هو الذي لا يستطيع المريض معه الصوم بحال، بحيث يخشى الهلاك أو مقاربته. وذهب بعض أهل العلم -ومنهم البخاري- إلى أن المرض المسوغ للفطر، هو الوجع والاعتلال، ولو لم يكن الصوم مؤثراً فيه شدة أو زيادة؛ لأن الله تعالى جعل المرض سبب الفطر، كما جعل السفر سبب الفطر من غير أن تدعو إلى الفطر ضرورة كما في السفر. قال ابن عاشور: "وفي هذا الخلاف مجال للنظر فيتحديد مدى الانحراف والمرض المسوغين إفطار الصائم، فعلى الفقيه الإحاطة بكل ذلك، ونقربه من المشقة الحاصلة للمسافر، وللمرأة الحائض".
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
الثالثة: قوله تعالى: {أو على سفر} اتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر؛ لأن المسافر لا يكون مسافراً بالنية بخلاف المقيم، وإنما يكون مسافراً بالعمل والنهوض، والمقيم لا يفتقر إلى عمل؛ لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيماً في الحين، لأن الإقامة لا تفتقر إلى عمل فافترقا. ولا خلاف بينهم أيضاً في الذي يؤمل السفر، أنه لا يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج. فأن أفطر فعليه القضاء، ولا كفارة عليه؛ لأنه غير منتهك لحرمة الصوم قصداً، وإنما هو متأول.

ثم قال جمهور أهل العلم: فإن شرع في سفره بعد فجر يوم صومه، لا يفطر يومه ذاك، فإن فعل فعليه القضاء فحسب، ولا كفارة عليه. وقال أحمد: يفطر إذا سافر بعد الصبح؛ ويشهد لهذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما في "الصحيحين"، قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه، فأفطر حتى قدم مكة). قال القرطبي: "وهذا نص في الباب، فسقط ما يخالفه". وقال ابن عاشور: "وهو الصحيح". وقال ابن المنذر: "قول أحمد صحيح؛ لأنهم يقولون لمن أصبح صحيحاً ثم اعتل: إنه يفطر بقية يومه، وكذلك إذا أصبح في الحضر، ثم خرج إلى السفر، فله كذلك أن يفطر".

الرابعة: اختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر؛ فعند المالكية والشافعية المسافر مخير بين الفطر والصوم، فأيهما فعل فهو مصيب؛ لحديث أنس رضي الله عنه، قال: "سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" رواه البخاري ومسلم. وقال الحنفية: الصوم أفضل؛ لما روي عن عثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك رضي الله عنهما أنهما قالا: "الصوم في السفر أفضل، لمن قدر عليه".
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما -وهو قول أحمد- أن الفطر أفضل؛ لقول الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.

الخامسة: قوله تعالى: {فعدة من أيام} تقدير الكلام: من يكن منكم مريضاً، أو مسافراً، فأفطر فليقضِ. وجمهور أهل العلم على أن أهل البلد إذا صاموا تسعة وعشرين يوماً، وفي البلد رجل مريض لم يصحُ، فإنه يقضي تسعة وعشرين يوماً.

واختلفوا في وجوب تتابعها على قولين: فأكثر أهل العلم ذهبوا إلى أن التتابع مستحب، وليس بواجب؛ لأن الآية أطلقت (الأيام)، ولم تقييدها بالتتابع. قال ابن العربي: "إنما وجب التتابع في الشهر -أي شهر رمضان- لكونه معيناً، وقد عُدِم التعيين في القضاء، فجاز التفريق".

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ولا يجب القضاء بعد رمضان مباشرة، ولمن عليه قضاء رمضان أو أيام منه تأخيره إلى شعبان؛ لأن الآية ليس فيها ما يدل على الفور؛ ولما روي في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، الشغل من رسول الله، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا نص وزيادة بيان للآية، وهو واضح الدلالة على عدم وجوب القضاء على الفور. وبذلك قال جمهور العلماء. قال ابن عاشور: "وأما المبادرة بالقضاء، فليس في الكتاب ولا في السنة ما يقتضيها، وقوله هنا: {فعدة من أيام أخر} مراد به الأمر بالقضاء، وأصل الأمر لا يقتضي الفور، ومضت السنة على أن قضاء رمضان لا يجب فيه الفور، بل هو موسع إلى شهر شعبان من السنة الموالية للشهر الذي أفطر فيه".
ثم قال جمهور أهل العلم: إذا مات -من كان عليه قضاء أيام من رمضان- بعد مضي اليوم الثاني من شوال، فلا يكون آثماً ولا مفرطاً، على شرط أن يكون عازماً على القضاء، غير أنه يُستحب له تعجيل القضاء؛ لئلا تدركه المنية، فيبقى عليه الفرض. ويترتب على هذه المسألة أنه من كان عليه قضاء أيام من رمضان، فمضت عليه عدتها من الأيام بعد الفطر، أمكنه فيها صيامه، فأخر ذلك، ثم جاءه مانع منعه من القضاء إلى رمضان آخر، فلا إطعام عليه؛ لأنه ليس بمفرط حين فعل ما يجوز له من التأخير. فإن أخر قضاءه عن شعبان الذي هو غاية الزمان الذي يقضى فيه رمضان، فهل يلزمه لذلك كفارة أو لا؟ قال جمهور أهل العلم: يلزمه كفارة. وقال أبو حنيفة: ليس عليه إلا القضاء. وإلى هذا ذهب البخاري. وقد روى الدار قطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه فيمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر، قال: (يصوم هذا مع الناس، ويصوم الذي فرط فيه، ويطعم لكل يوم مسكيناً). وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إليه، فقال: مرضت رمضانين؟ فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: استمر بك مرضك، أو صححت بينهما؟ فقال: بل صححت، قال: صم رمضانين، وأطعم ستين مسكيناً.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
فإن استمر به المرض، فلم يصحُ حتى جاء رمضان آخر؛ فروى الدار قطني عن ابن عمر أنه يُطعم مكان كل يوم مسكيناً مُدًّا من حنطة، ثم ليس عليه قضاء. وروي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إذا لم يصحُ بين الرمضانين صام عن هذا، وأطعم عن الثاني، ولا قضاء عليه. وإذا تعافى من مرضه، ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر، صام عن هذا، وأطعم عن الماضي. وهذا قول مقابل لقول من قال: إن عليه صيام رمضانيين.

ومن أفطر متعمداً يوماً من قضاء رمضان كان آثماً، وعليه قضاء ذلك اليوم، ولا كفارة عليه، فمتى صام يوماً بدلاً عما أفطره في قضاء رمضان، فقد أتى بالواجب عليه، ولا يجب عليه غير ذلك. وجمهور أهل العلم على أن من أفطر في رمضان لعلة، فمات من علته تلك، أو سافر، فمات في سفره ذلك، أنه لا شيء عليه. وقال بعض أهل العلم في المريض يموت قبل أن يصحوَ: يُطْعَمُ عنه. ولا يُصام عمن مات وعليه قضاء أيام من رمضان، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وذهب أحمد إلى أنه يُصام عنه.

السادسة: قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه} اختلف العلماء في المراد بالآية هنا على قولين: الأول: أن الآية منسوخة؛ حيث تضمنت حكماً كان فيه توسعة ورخصة، ثم انعقد الإجماع على نسخه. روى البخاري قال: نزل رمضان، فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكيناً ترك الصوم ممن يطيقه، ورُخص لهم في ذلك فنسختها {وأن تصوموا خير لكم}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية رخصة للشيوخ والعجزة خاصة إذا أفطروا، وهم يطيقون الصوم، ثم نسخت بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، فزالت الرخصة إلا لمن عجز منهم. وعلى هذا قراءة الجمهور {يطيقونه}، أي: يقدرون عليه؛ لأن فرضالصيام كان: من أراد صام، ومن أراد أفطر، وأطعم مسكيناً.

قال ابن عاشور: "ورويت في ذلك آثار كثيرة عن التابعين، وهو الأقرب من عادة الشارع في تدرج تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس من تغيير معتادهم، كما تدرج في تشريع منع الخمر".

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
الثاني: أن الآية محكمة لا نسخ فيها، وأنها رخصة للكبير والعاجز والمُرْضِع ونحوهم، فقد ثبت بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس أن الآية ليست بمنسوخة، وأنها محكمة في حق من ذُكِرَ. قال ابن عاشور: "ونُلحق بالهَرِم والمرضع والحامل كلَ من تلحقه مشقة، أو تَوَقُّعُ ضُرٍّ مثلهم، وذلك يختلف باختلاف الأمزجة، واختلاف أزمان الصوم من اعتدال، أو شدة برد أو حر، وباختلاف أعمال الصائم التي يعملها لاكتسابه من الصنائع، كالصائغ، والحداد، والحمامي، وخدمة الأرض، وحمل الأمتعة، وتعبيد الطرقات". قال القرطبي: "والقول الأول صحيح أيضاً، إلا أنه يحتمل أن يكون النسخ هناك بمعنى التخصيص، فكثيراً ما يطلق المتقدمون النسخ بمعناه". أي، أن قوله سبحانه: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} عامٌّ، خُصَّ بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.

السابعة: للعلماء قولان فيما إذا أفطرت الحامل والمرضع في رمضان؛ فذهب الحنفية والمالكية إلى أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا مخافة الضرر، لا إطعام عليهما، بل عليهما القضاء فحسب؛ بمنزلة المريض يفطر ويقضي. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الحامل والمرضع إذا أفطرتا مخافة الضرر، فإنهما تفطران، وتطعمان، وتقضيان. واتفق الجميع على أن كبار السن والعجائز الذين لا يطيقون الصيام، أو يطيقونه على مشقة شديدة أن يفطروا، وعليهم فدية إطعام مسكين عن كل يوم. وقد روي عن أبي هريرة، قال: من أدركه الكبر، فلم يستطع أن يصوم، فعليه لكل يوم مُدٌّ من قمح. وروي عن أنس بن مالك أنه ضَعُفَ عن الصوم عاماً، فصنع جفنة من طعام، ثم دعا بثلاثين مسكيناً، فأشبعهم.

الثامنة: قوله تعالى: {فمن تطوع خيرا فهو خير له}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: {فمن تطوع خيرا} قال: أطعم مسكيناً آخر فهو خير له. رواه الدار قطني، وقال: إسناد صحيح ثابت. وقال ابن شهاب الزهري: من أراد الإطعام مع الصوم. وقال مجاهد: من زاد في الإطعام على المد.

التاسعة: قوله سبحانه: {وأن تصوموا خير لكم} أي: الصيام خير من الإفطار مع الفدية، وكان هذا قبل النسخ. وقيل: {وأن تصوموا} في السفر والمرض غير الشاق. وعلى الجملة، فإن هذا التعقيب يقتضي الحض والحث على الصوم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-15, 04:18 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه

أحل لكم ليلة الصيام..
(10)

{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون} (البقرة:187).

الحديث حول هذه الآية تنظمه اثنا عشرة مسألة، هي وفق التالي:

الأولى: قوله سبحانه: {أحل لكم}، رويت هنا أخبار تتعلق بصدر هذه الآية؛ من ذلك ما رواه البخاري عن البراء رضي الله عنه، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار، أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعام؟ قالت لا، ولكن أنطلق، فأطلب لك؛ وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك! فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه؛ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم} ففرحوا فرحاً شديداً.

وروى الطبري أن عمر رضي الله عنه رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سَمَرَ عنده ليلة، فوجد امرأته قد نامت، فأرادها، فقالت له: قد نمت؛ فقال لها: ما نمت، فوقع بها. وصنع كعب بن مالك مثله؛ فغدا عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعتذر إلى الله وإليك؛ فإن نفسي زيَّنت لي، فواقعتُ أهلي، فهل تجد لي من رخصة؟ فقال لي: (لم تكن حقيقاً بذلك يا عمر!)، فلما بلغ بيته، أرسل إليه، فأنبأه بعذره في آية من القرآن.

الثانية: {الرفث} كناية عن الجماع؛ لأن الله عز وجل كريم يكني؛ قاله ابن عباس رضي الله عنه. وقال بعضهم: {الرفث} كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته. وقيل: {الرفث} أصله قول الفحش؛ يقال: رفث، وأرفث: إذا تكلم بالقبيح.

الثالثة: قوله سبحانه: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، يقال لما ستر الشيء وداراه: لباس. فجائز أن يكون كل واحد من الزوجين ستراً لصاحبه عما لا يحل. قال أبو عبيد: يقال للمرأة: هي لباسك، وفراشك، وإزارك. وقال مجاهد: أي: سكن لكم؛ أي: يسكن بعضكم إلى بعض.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
الرابعة: قوله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم}، روى البخاري عن البراء رضي الله عنه، قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم؛ فأنزل الله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}. يقال: خان واختان بمعنى: من الخيانة، أي: تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم. والمعنى: يستأمر بعضكم بعضاً في إتيان المحظور من الجماع والأكل بعد النوم في ليالي الصوم. ويحتمل أن يريد به كل واحد منهم في نفسه، بأنه يخونها؛ وسماه خائناً لنفسه من حيث كان ضرره عائداً عليه.

الخامسة: قوله سبحانه: {فتاب عليكم} يحتمل معنيين: أحدهما: قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم. والآخر: التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة؛ كقوله تعالى: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم} (المزمل:20)، يعني: خفف عنكم. وكذلك قوله عز وجل: {وعفا عنكم} يحتمل العفو من الذنب، ويحتمل التوسعة والتسهيل؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله) رواه الدار قطني، يعني: تسهيله وتوسعته.

السادسة: قوله سبحانه: {فالآن باشروهن} كناية عن الجماع، أي: قد أحل لكم ما حرم عليكم. وسمي الوقاع مباشرة؛ لتلاصق البشرتين فيه. وصيغة (الأمر) هنا للإباحة. قال ابن العربي: "وهذا يدل على أن سبب الآية جماع عمر رضي الله عنه، لا جوع قيس؛ لأنه لو كان السبب جوع قيس لقال: فالآن كلوا؛ ابتدأ به؛ لأنه المهم الذي نزلت الآية لأجله".

السابعة: قوله سبحانه: {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: وابتغوا الولد؛ يدل عليه أنه عقيب قوله: {فالآن باشروهن}. وروي عنه أيضاً قوله: ما كتب الله لنا هو القرآن. قال الزجاج: أي: ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه، وأمرتم به. وقال قتادة: اطلبوا الرخصة والتوسعة. قال ابن عطية: "وهو قول حسن".

الثامنة: روى الشيخان عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: لما نزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، عَمَدتُ إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض، فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل، فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك، فقال: (إنما ذلك سواد الليل، وبياض النهار).

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وروى الشيخان أيضاً عن سهل بن سعد، قال: نزلت {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} وكان رجال إذا أرادوا الصوم، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما؛ فأنزل الله بعد {من الفجر}، فعلموا أنه إنما يعني بذلك بياض النهار.

وروى البخاري عن عدي بن حاتم، قال: قلت: يا رسول الله! ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال: (إنك لعريض القفا} إن أبصرت الخيطين، ثم قال: (لا، بل هو سواد الليل، وبياض النهار). وسمي (الفجر) خيطاً؛ لأن ما يبدو من البياض يُرَى ممتداً كالخيط. و(الخيط) في كلامهم عبارة عن اللون. و{الفجر} مصدر فَجَرْتُ الماء أفجره فجراً: إذا جرى وانبعث، وأصله الشق؛ فلذلك قيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها: فجراً؛ لانبعاث ضوئه، وهو أول بياض النهار الظاهر المستطير في الأفق المنتشر، تسمية العرب الخيط الأبيض.

التاسعة: ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا بد من تبيت نية الصيام قبل طلوع الفجر، واستدلوا لذلك بما رواه الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له).

العاشرة: قوله عز وجل: {ثم أتموا الصيام إلى الليل}، بينت الآية أن الصيام الواجب هو من طلوع الفجر إلى دخول الليل، وهو وقت الغروب، ومن ثَمَّ ذهب جمهور العلماء إلى أن من أفطر عامداً في نهار رمضان بأكل، أو شرب، أو نكاح، فعليه القضاء والكفارة؛ لما رواه مسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكيناً.

وقد قال الشافعي: إن هذه الكفارة إنما تختص بمن أفطر بالجماع؛ لحديث أبي هريرة أيضاً في "الصحيحين"، قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله! قال: (وما أهلكك؟) قال: وقعت على امرأتي في رمضان..) الحديث، وفيه ذكر الكفارة على الترتيب.

وأكثر أهل العلم ذهبوا إلى أن المرأة الموطوءة في نهار رمضان عليها القضاء والكفارة أيضاً، سواء أكان الوطء طواعية، أو كراهية. وقال أبو حنيفة: إن كانت مكرهة فعليها القضاء فحسب، وإن كانت مطاوعة فعليها القضاء والكفارة. وقال الشافعي عليها القضاء فحسب، سواء طاوعت الزوج، أو أكرهها.

والذي عليه أكثر أهل العلم أن من جامع ناسياً لصومه، فلا قضاء عليه ولا كفارة، كمن أكل، أو شرب ناسياً. وقال مالك: عليه القضاء فحسب. وقال أحمد: عليه القضاء والكفارة معاً. وقد قال جمهور أهل العلم: إذا أكل ناسياً، فظن أن ذلك قد فطره، فجامع عامداً، أن عليه القضاء، ولا كفارة عليه.

وإذا أفطر الصائم -لغيم أو ضباب- ظناً منه أن الشمس قد غربت، ثم ظهرت الشمس، فعليه القضاء في قول أكثر العلماء. ففي البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: (أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس، قيل لـ هشام -أحد رواة الحديث-: فأمروا بالقضاء؟ قال: لا بد من قضاء). ولا خلاف في وجوب القضاء إذا غُمَّ عليه الهلال في أول ليلة من رمضان، فأكل، ثم بان أنه من رمضان.

وفي قوله سبحانه: {إلى الليل} ما يقتضي النهي عن الوصال؛ إذ الليل غاية الصيام؛ وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا غابت الشمس من ها هنا، وجاء الليل من ها هنا، فقد أفطر الصائم) رواه مسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg

ثم قال العلماء: تكره مباشرة النساء لمن لا يأمن على نفسه ولا يملكها؛ لئلا يكون سبباً إلى ما يفسد الصوم. وقد روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان ينهى عن القُبلة والمباشرة للصائم؛ مخافة ما يحدث عنهما. فإن قَبَّل الصائم، وسَلِمَ فلا جناح عليه، وكذلك إن باشر. وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ ويباشر،وهو صائم. قال ابن عبد البر: "ولا أعلم أحداً رخص فيها -القُبلة- لمن يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه". فإن قبَّل فأمنى، فعليه القضاء، ولا كفارة عليه في قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: "ليس لمن أوجب عليه الكفارة حجة". واتفقوا على أن من نظر إلى امرأة، فأنزل، أن عليه القضاء دون الكفارة.

وأكثر أهل العلم على صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جُنب؛ لما جاء في "الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير احتلام، فيغتسل، ويصوم). قال ابن العربي: "وذلك جائز إجماعاً، وقد استقر الأمر على أن من أصبح جنباً، فإن صومه صحيح".

وأكثر أهل العلم على أن الحائض إذا طهرت قبل الفجر، ولم تغتسل أن عليها الصوم، ويجزئها، سواء تركت الغسل عمداً، أو سهواً. وإذا طهرت المرأة ليلاً في رمضان، فلم تدرِ أكان ذلك قبل الفجر أو بعده؟ صامت، وقضت ذلك اليوم احتياطاً، ولا كفارةعليها.

العاشرة: قوله سبحانه: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}، (الاعتكاف) في اللغة: الملازمة؛ يقال: عكف على الشيء: إذا لازمه مقبلاً عليه. ولما كان المعتكف ملازماً للعمل بطاعة الله مدة اعتكافه، لزمه هذا الاسم. وهو في عُرف الشرع: ملازمة طاعة مخصوصة، في وقت مخصوص، على شرط مخصوص، في موضع مخصوص. وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب، بل قُربة من القُرَب، ونافلة من النوافل، عمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأزواجه، ويلزمه إن ألزمه نفسه، ويكره الدخول فيه لمن يخاف عليه العجز عن الوفاء بحقوقه. وأجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد. وقيل في صفة المسجد: لا بد من المسجد الجامع. وقيل: مطلق مسجد، وهو مذهب جمهور العلماء. واختلفوا في مدته، فقال الشافعي: "أقله لحظة، ولا حد لأكثره".

والآية تنهى عن الجماع زمن الاعتكاف، ومن ثَمَّ ذهب العلماء إلى أن الجماع يفسد الاعتكاف.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
الحادية عشرة: قوله عز وجل: {تلك حدود الله فلا تقربوها}، (الحدود) الحواجز ونهايات الأشياء، التي إذا تجاوزها المرء دخل في شيء آخر، وشُبِّهت الأحكام بالحدود؛ لأن تجاوزها يُخْرِج من حِلٍّ إلى منع. وفي الحديث: (وحَدَّ لكم حدوداً، فلا تعتدوها)، رواه الدار قطني.

وقوله سبحانه: {فلا تقربوها} نهى عن مقاربتها الموقعة في الخروج منها على طريق الكناية؛ لأن القرب من (الحد) يستلزم قصد الخروج غالباً، كما قال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} (الأنعام:152)؛ ولهذا قال تعالى في آية أخرى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} (البقرة:229).

الثانية عشرة: قوله سبحانه: {كذلك يبين الله آياته للناس}، أي: كما بيَّن الله أحكام الصيام، يبين جميع آياته لجميع الناس،والمقصد أن هذا شأن الله في إيضاح أحكامه؛ لئلا يلتبس شيء منها على الناس؛ وليتقوا مجاوزتها. و(الآيات) العلامات الهادية إلى الحق.

وقوله عز وجل: {لعلهم يتقون}، أي: يريد الله -ببيان أحكامه- وقاية الناس من الوقوع في مخالفة ما شرعه لهم؛ لأنه لو لم يبين لهم الأحكام، لما اهتدوا لطريق الامتثال. أو لعلهم يمتثلون لهذه الأحكام على وجهها المبين، فتحصل لهم صفة التقوى؛ إذ لو لم يبين الله لهم، لأتوا بعبادات غير مستكملة لما أراد الله منها؛ وهم وإن كانوا معذورين عند عدم البيان، وغير مؤاخذين بإثم التقصير، إلا أنهم لا يبلغون صفة التقوى.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-16, 03:29 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام

مفسدات الصوم
(11)

من رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم دينًا قِيَمًا؛ يضبط سلوكهم ويزكي نفوسهم، فأنزل لهم كتابًا مبينًا، وأرسل رسولاً أمينًا، فبشَّر وأنذر، ووعد وحذر. وجاء بشريعة تضمنت الحلال والحرام، والواجبات والمحظورات، كل ذلك تحقيقًا لخير الفرد والمجتمع، في الآجل والعاجل: {أَلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} (الملك:14).
وكما أن للعبادات الشرعية شروطًا وأركانًا، لا تصح ولا تجزئ عن المكلف -مع القدرة- إلا
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
بها، فإن لها كذلك مفسدات ومبطلات إذا طرأت عليها أفسدتها، وأبطلت أجرها وثوابها.
ومفسدات الصوم ومبطلاته التي ينبغي أن يتجنبها الصائم؛ ليكون صومه صحيحاً مقبولاً إن شاء الله، هي سبعة أنواع:
أولاً: الجماع
والجماع في نهار رمضان أعظم مفسد للصوم، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت، قال: (وما أهلكك؟) قال: وقعت على امرأتي في رمضان..."، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، ما يدلعلى أن الجماع مفسد للصوم، وهو محل إجماع بين العلماء.
والجماع المفسد للصوم هو إيلاج حشفة الذكر في الفرج، وأما مقدماته من القبلة ونحوها مع عدم الإنزال فإنها لا تفسده، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم، وأيكم يملك إِرْبه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إِرْبه) رواه مسلم، وعليه فلو علم الصائم من نفسه أن فعله سيؤدي به إلى الجماع أو الإنزال لعدم قوته على كبح شهوته، فإنه يحرم عليه حينئذٍ سداً للذَّريعةِ، وصوناً لصيامه عن التعرض للفسادِ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المتوضئ بالمبالغة في الاستنشاق إلا أن يكون صائماً خوفاً من تسرب الماء إلى جوفه.
ثانيًا: الأكل والشرب
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وهو إيصال الطعام والشراب إلى الجوف من طريق الفم أو الأنف أياً كان نوع المأكول أو المشروب، فمن فعل شيئًا من ذلك متعمدًا فقد فسد صومه لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} (البقرة:187).
أما من أكل أو شرب ناسيا، فلا يؤثر ذلك على صيامه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)، رواه البخاري ومسلم.
ثالثًا: ما كان في معنى الأكل والشرب
كالإبر المغذية ونحوها مما يكتفى به عن الأكل والشرب، فإذا تناول الصائم مثل هذه الإبر فإنه يفطر، لأنها وإن لم تكن أكلاً وشرباً حقيقة إلا أنها بمعناهما، فيثبت لها حكم الأكل والشرب، وإما الإبر غير المغذية فإنها لا تفطر سواء تناولها عن طريق العضلات، أو عن طريق الوريد، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما، فلا يثبت لها حكمهما.
رابعًا: التقيؤ عمدًاوهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم، إذا تعمد الصائم فعل ذلك، وأما إن غلبه القيء وخرج من غير إرادته فلا قضاء عليه؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض) رواه أحمد وأبو داود، ومعنى ذرعه: سبقه وغلبه في الخروج.
وسواء كان التعمد بالفعل كعصر بطنه وإدخال أصبعه في حلقه، أو بالشم كأن يشم شيئاً ليقيء

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
به، أو بالنظر كأن يتعمد النظر إلى شيء ليقيء فإنه يفطر بذلك كله.
خامسًا: خروج دم الحيض والنفاس
لقوله صلى الله عليه وسلم في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) رواه البخاري. وقد أجمع أهل العلم على أن خروج دم الحيض أو النفاس مفسد للصوم.
فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس فسد صومها سواء كان ذلك في أول النهار أم في آخره، ولو قبل الغروب بلحظة، وأما إن أحست بانتقال الدم، ولم يبرز إلا بعد الغروب، فصيامها صحيح، لأن مدار الأمر على خروج الدم.
سادسًا: إنزال المني باختياره
فمن قبَّل أو لمس، أو استمنى حتى أنزل فإن صومه يفسد، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) رواه أحمد، وخروج المني من الشهوة التي لا يتحقق الصوم إلا باجتنابها، فإن قصد إليها بفعل ما، لم يكن تاركًا لشهوته، وبالتالي لم يحقق وصف الصائم الذي جاء في الحديث.
أما إن كان إنزال المني عن غير قصد، ولا استدعاء، كاحتلام، أو تفكير، أو نتيجة تعب وإرهاق، فلا يؤثر ذلك على الصوم.
سابعًا: الحجامةوهي شق أو جرح عضو من الجسد كالرأس أو الظهر لمص الدم منه، وقد اختلف أهل العلم في عدِّ الحجامة من مفسدات الصوم، على قولين، أصحهما أنها مفسدة للصوم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أبو داود وابن ماجه.
وكذلك ما كان في معنى الحجامة كسحب الدم الكثير للتبرع وما أشبه ذلك؛ لأنه يؤثر في البدن كتأثير الحجامة.
وأما خروج الدم بالرعاف أو الجرح أو قلع السن أو شق الجرح، أو أخذ دم قليل للتحليل، فلا يفطر به الصائم، لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها، فلا يؤثر في البدن كتأثيرها.
ومما ينبغي أن يعلم في هذا الباب أن هذه المفسدات -غير الحيض والنفاس- لا يفطر الصائم بشيء منها إلا إذا كان عالماً ذاكراً مختاراً، فإن كان جاهلا بالحكم فلا يفطر، ولا يفطر كذلك إذا كان جاهلا بالحال، كأن يظن أن الفجر لم يطلع فيأكل أو يشرب مع أنه قد طلع، أو يغلب على
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ظنه أن الشمس قد غربت، فيأكل وهي لم تغرب بعد.
وكذلك لا يفطر إن نسي أنه صائم لقوله عليـه الصـلاة والسلام: (من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه.
لكن عليه أن يمسك حال التذكر، ويخرج ما في فمه من الطعام والشراب، وعلى من رآه يأكل أو يشرب أن يذكره وينبهه.
وكذلك لا يفطر إذا كان مكرهاً على ارتكاب شيء من هذه المفطرات، ولا قضاء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه.
وهناك أحكام تتعلق بقضاء الصوم، وما يترتب على فساده، سيتم الحديث عنها في موضوع مستقل.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-17, 07:04 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام
مراتب الصوم

(12)

ذكر الإمام الغزالي أن الصوم ليس على درجة واحدة، وإنما هو على درجات، فليس كل من امتنع عن المفطرات المادية يكون قد أتى بمعنى الصوم؛ إذ إن حقيقة الصوم فوق هذا، وهي الامتناع عن المفطرات المعنوية؛ ولأجل هذا المعنى جعله الغزالي على ثلاث درجات، فقال في "الإحياء":
"اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg

أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الصفات الدنية، والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة، وليس من الدنيا، حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه، كُتبت عليه خطيئة، فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل، وقلة اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين، ولا يطول النظر في تفصيلها قولاً، ولكن في تحقيقها عملاً، فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل، وانصراف عن غير الله سبحانه، وتَلَبُّسٌ بمعنى قوله عز وجل: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون} (الأنعام:91).
وقد ذكر أن صوم الخصوص -وهو صوم الصالحين- إنما يحصل بستة أمور:
الأول: غض البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يُذم ويُكره وإلى كل ما يُشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه جل وعز إيماناً، يجد حلاوته في قلبه) رواه الحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد.
الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء،

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان. وقد قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم. وروي عن مجاهد قوله: خصلتان تفسدان الصيام: الغيبة والكذب. وقال صلى الله عليه وسلم: (الصيام جُنَّةٌ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) متفق عليه.
الثالث: كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كل ما حَرُمَ قوله حَرُم الإصغاء إليه؛ ولذلك قرن الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت، فقال تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت} (المائدة:42)، وقال عز وجل: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} (المائدة:63)، فالسكوت على الغيبة حرام. وقال تعالى: {إنكم إذاً مثلهم} (النساء:140)؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (المغتاب والمستمع شريكان في الإثم)، قال الحافظ العراقي: حديث غريب.
الرابع: كفُّ بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره، وكفُّ البطن عن الشبهات وقت الإفطار. فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال، ثم الإفطار على الحرام. فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصراً، ويهدم مصراً، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله. وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً. والحرام سم مهلك للدِّين، والحلال دواء ينفع قليله، ويضر كثيره. وقَصْدُ الصوم تقليله. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش) رواه

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
أحمد. قيل: هو الذي يفطر على الحرام. وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحلال، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة. وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار، بحيث يمتلىء جوفه، فقد أخرج النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما وعاء شر من بطن، حسب المسلم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه) وكيف يستفاد من الصوم قَهْرُ عدو الله، وكسر الشهوة، إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟ حتى استمرت العادات بأن تُدَّخَرَ جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في غيره. ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء، وكسر الهوى؛ لتقوى النفس على التقوى. وإذا مُنِعَت المعدة من وسط النهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها، وقويت رغبتها، ثم أُطعمت من اللذات، وأُشبعت، زادت لذتها، وتضاعفت قوتها، وانبعث من الشهوات ما كانت راكدة. فروح الصوم وسره إضعاف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل نهاراً إلى ما كان يأكل ليلاً، فلا ينتفع بصومه.
ومن الآداب أن لا يُكْثِر النوم بالنهار حتى يَحُسَّ بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوى، فيصفو عند ذلك قلبه، ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف، حتى يخف عليه تهجده وأوراده، فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه، فينظر إلى ملكوت السماء.
السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء؛ إذ ليس يدري أيُقبل صومه، فهو من المقربين، أو يُرَدُّ عليه فهو من الممقوتين؟ وقد روي عن الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون، فقال: "إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم، ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون، وخاب فيه المبطلون. أما والله لو كُشِفَ الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته". أي: كان سرور المقبول يشغله عن اللعب. وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك".
ثم أثار الغزالي هنا سؤالاً، فقال: "فإن قلت: فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج، وتَرْكِ هذه المعاني، فقد قال الفقهاء: صومه صحيح، فما معناه؟".
وقد أجاب الغزالي عن هذا السؤال بقوله: "اعلم أن فقهاء الظاهر يُثْبِتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة، لاسيما الغيبة وأمثالها، وليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم المكلفين المقبلين على الدنيا الدخول تحته. فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول، وبالقبول الوصول إلى المقصود. ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بأخلاق الله عز وجل، والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات -بحسب الإمكان- فإنهم منزهون عن الشهوات. والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم؛ لقدرته بنور العقل على كسر شهوته، ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه، وكونه مبتلى بمجاهدتها،
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل سافلين، والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات، ارتفع إلى أعلى عليين، والتحق بأفق الملائكة.والملا كة مقربون من الله عز وجل، والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم، فإن الشبيه من القريب قريب، وليس القرب ثَمَّ بالمكان، بل بالصفات. وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب، فأي جدوى لتأخير أكلة، وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأُخر طول النهار؟ ولو كان لمثله جدوى، فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم: (كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش). ومن فهم معنى الصوم وسره، عَلِمَ أن مثل من كفَّ عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات، فقد وافق في الظاهر العدد، إلا أنه ترك المهم، وهو الغُسْلُ، فصلاته مردودة عليه بجهله. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصوم أمانة، فليحفظ أحدكم أمانته) أخرجه الخرائطي وإسناده حسن. ولما تلا قوله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:58)، وضع يده على سمعه وبصره. أخرجه أبو داود. ولولا أن السمع والبصر -وكذلك سائر الجوارح- من أمانات الصوم، لما قال صلى الله عليه وسلم: (فليقل: إني صائم)، أي: إني أودعت لساني وبصري وجوارحي كافة لأحفظها، فكيف أُطلقها فيما لا يُرضي الله سبحانه؟".
وبهذا تعلم، أن الصوم ليس في مرتبة واحدة، بل هو في مراتب متفاوتة، أعلاها صوم القلوب والجوارح عن كل ما لا يُرضي الله سبحانه من الأفعال والأقوال، وأدناها الصوم عن الطعام والشراب والنكاح، وشتان ما بينهما، وقد تبين لك الفرق بينهما. والله الموفق.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-18, 06:03 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام
الصّيام والغيبة
(13)

يظن بعض الصائمين أن الصوم إنما هو صوم عن الطعام والشراب والنكاح فحسب، مع أن حقيقة الصوم أعلى من هذا وأجل. فثمة فريق من الصائمين يصوم عن تلك الممنوعات، ويفطر على غيرها من المحرمات. ولعل من أهم المحرمات التي تجعل من الصوم عملاً لا اعتبار له في ميزان الشرع الغيبة. وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بقوله: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذكرك أخاك بما يكره)، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول! قال: (إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتْه)، رواه مسلم. ومعنى (بَهَتْه)، أي: قلت فيه البهتان، وهو الباطل.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وفي هذا المعنى أيضاً جاء قوله صلى الله عليه وسلم: (ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش) رواه أحمد وابن خزيمة.

وجاء أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الصوم أمانة، فليحفظ أحدكم أمانته) أخرجه الخرائطي وإسناده حسن.

وروى ابن أبي شيبة عن جابر رضي الله عنه، قوله: (إذا صمت، فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء).

وروى ابن أبي شيبة أيضاً عن مجاهد، قال: (خصلتان من حفطهما سَلِمَ له صومه: الغيبة، والكذب).

وروى أحمد والدارمي عن أبى عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصوم جُنَّةٌ، ما لم يخرقها)، قال الدرامي: يعني بالغيبة. وفي هذا الحديث إشارة إلى أن الغيبة تضر بالصيام.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وقد حُكي عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها -وبه قال الأوزاعي-: إن الغيبة تُفطر الصائم، وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم. وقال سفيان الثوري: الغيبة تفسد الصوم. وأفرط ابن حزم، فقال: "يبطله كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه، سواء كانت فعلاً أو قولاً؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (...فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ، ولا يصخب، فإن سابه أحد، أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم) رواه البخاري ومسلم؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري. وجمهور أهل العلم وإن حملوا النهي (فلا يرفث...ولا يصخب) على التحريم، إلا أنهم خصّوا الفطر بالأكل، والشرب، والجماع.

وقد اعتبر القرطبي أن الغيبة وقول الزور سواء من حيث المعنى، فقال في هذا الصدد: "إن من اغتاب في صومه، أو شهد بِزُور مُفْطِرٌ حكماً، ولا فرق بينهما"، أي: من فعل ذلك فكأنه لم يصم، وليس المعنى أن عليه القضاء؛ ولهذا قال: "وتمامه وكماله -أي الصوم- باجتناب المحظورات، وعدم الوقوع في المحرمات".

وذكر الغزالي كلاماً مؤداه أن الصائم إذا اغتاب، أو شهد زوراً، أو قال كذباً، أو آذى الناس بكلامه، أو فعل نحو ذلك من المناهي الشرعية، فإن صيامه غير مقبول، ولا ينفعه يوم القيامة. وأثار هنا سؤالاً، حاصله: أن من اقتصر على كف شهوة البطن والفرج، ولم يتورع عن الغيبة والكذب ونحوهما، فقد قال الفقهاء: صومه صحيح؟
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وقد أجاب عن هذا السؤال بقوله: "فاعلم أن فقهاء الظاهر يُثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة، لا سيما الغيبة وأمثالها، ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم المكلفين -المقبلين على الدنيا- الدخول تحته. فأما علماء الآخرة فيَعنون بالصحة القبول، وبالقبول الوصول إلى المقصود".

والحاصل أن الغيبة ونحوها من المناهي الشرعية، تتنافى مع مقاصد الصوم، وهي وإن كانت لا تفسد الصوم وَفْق النظر الفقهي -كما قال جمهور أهل العلم- إلا أنها تفسده وَفْق النظر المقصدي، وتجعله صوماً ناقصاً، لا معنى له. وقد يكون من رحمة الله بعباده، أن لم يجعل الغيبة مفسدة للصوم؛ لأنها مما يشق على الناس تجنبها تماماً، ولا يَسْلَم منها إلا من سلَّمه الله تعالى.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-19, 06:45 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام

صلاة التراويح

(14)

من السنن التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة في شهر رمضان، صلاة التراويح، التي اتفق أهل العلم على أنها سنة مؤكدة في هذا الشهر الكريم، وشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام؛ وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغِّب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضانإيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة ثم ترك الاجتماع عليها؛ مخافة أن تفرض على أمته، كما ذكرت ذلك عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري.

ثم استمر المسلمون، بعد ذلك يصلون صلاة التراويح كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يصلونها كيفما اتفق لهم، فهذا يصلي بجمع، وذاك يصلي بمفرده، حتى جمعهم عمر رضي الله عنه على إمام واحد يصلي بهم التراويح، وكان ذلك أول اجتماع الناس علىقارئ واحد في رمضان.

روى البخاري في "صحيحه" عن عبد الرحمن بن عبد القاري، قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع -أي جماعات متفرقة- يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط -الجماعة من الرجال- فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحدٍ لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبيِّ بن كعب. ثم خرجتُ معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نِعْم البدعة هذه، والتي ينامون عنها، أفضل من التي يقومون -يريد آخر الليل-، وكان الناس يقومون أوله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وروى سعيد بن منصور في "سننه": أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أُبيِّ بن كعب، فكان يُصلي بالرجال، وكان تميم الداري يُصلي بالنساء.

أما عن عدد ركعاتها، فلم يثبت في تحديدها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام أنه صلاها إحدى عشرة ركعة كما بينت ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين سُئلت عن كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فقالت: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" متفق عليه، ولكن هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم لا يدل على وجوب هذا العدد، فتجوز الزيادة عليه، وإن كانت المحافظة على العدد الذي جاءت به السنة مع التأني والتطويل الذي لا يشق على الناس أفضل وأكمل.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وثبت عن بعض السلف أنهم كانوا يزيدون على هذا العدد، مما يدل على أن الأمر في ذلك واسع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "له أن يصلي عشرين ركعة، كما هو مشهور من مذهب أحمد والشافعي, وله أن يصلي ستا وثلاثين، كما هو مذهب مالك, وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة، وثلاث عشرة ركعة...والصواب أن ذلك جميعه حسن كما قد نص على ذلك الإمام أحمد رضى الله عنه، وأنه لا يتوقت في قيام رمضان عدد فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت فيها عدداً، وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره".

وأما وقتها فيمتد من بعد صلاة العشاء إلى قبيل الفجر والوتر منها، وله أن يوتر في أول الليل وفي آخره، والأفضل أن يجعله آخر صلاته لقوله عليه الصلاة والسلام: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا) متفق عليه، فإن أوتر في أوله ثم تيسر له القيام آخر الليل، فلا يعيد الوتر مرة أخرى، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وتران في ليلة) رواه الترمذي وغيره.

ويجوز للنساء حضور التراويح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) رواه البخاري ومسلم، ولكن بشرط أمن الفتنة، فتأتي متسترة متحجبة من غير طيب ولا زينة ولا خضوع بالقول، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) رواه مسلم.

فاحرص أخي الصائم على المحافظة على هذه السُّنَّة المباركة، وأدائها مع الجماعة، ولا تنصرف منها حتى يسلم الإمام ليكتب لك أجر قيام ليلة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg




(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابو وليد البحيرى
2019-05-20, 06:17 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام
(15)


عمرة في رمضان تعدل حجّة!

دعا الله عباده إلى الاستباق في الخيرات، والمسارعة إلى القربات طلبًا لثوابه ومغفرته، فقال سبحانه: {فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعًا} (المائدة:48)، وقال جلّ وعلا: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} (آل عمران:133).

ومن أعظم ميادين المنافسة والمسابقة إلى الخيرات قَصْدُ بيت الله الحرام لأداء العمرة، لما في ذلك من الأجر العظيم، وتكفير الخطايا والسّيئات، قال صلّى الله عليه وسلّم: (العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما) متفق عليه، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: (تابعوا بين الحج والعمرة, فإنهما ينفيان الفقر والذنوب, كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة) رواه أحمد وغيره.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
والعمرة في رمضان لها مزية ليست في غيره، فقد جاء الترغيب فيها، وبيان فضلها وثوابها، وأنها تعدل حجة في الأجر والثواب، ففي "الصحيحين" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سنان الأنصارية حين لم يكتب لها الحج معه: (فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي). وفي رواية عند أحمد والترمذي: (عمرة في رمضان تعدل حجة).

وعلى هذا درج السلف الصالح فكان من هديهم الاعتمار في رمضان كما ثبت عن سعيد بن جبير ومجاهد "أنهما كانا يعتمران في شهر رمضان من الجعرانة"، وروي عن عبد الملك بن أبي سليمان أنه قال: "خرجت أنا وعطاء في رمضان، فأحرمنا من الجعرانة".

وهو ما يفسر لنا سر تنافس المسلمين في هذا الشهر الكريم في هذه الطاعة، وتسابقهم إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الشعيرة، وكأنك بهذا المشهد العظيم في موسم حج كبير.

لذا كان لا بد من التذكير بشيء من أحكام العمرة، وبيان صفتها وأعمالها وهي على وجه الإجمال: إحرام، وطواف، وسعي، وحلق أو تقصير.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
فإذا أراد المسلم العمرة فإنه يسُنَّ له أن يغتسل ويتطيب، ثم يلبس ملابس الإحرام، بعد أن يتجرد من لبس المخيط، كالسراويل ونحوه.

ويسنُّ للرّجل أن يلبس إزارًا ورداء، أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب، بشرط أن تكون ساترة لا زينة فيها؛ ويحرم عليها لبس النقاب، لكن إذا مر بها الرجال، أسدلت على وجهها ما تستره به، كما يحرم عليها لبس القفازين.

ثم يصلّي المعتمر ركعتين استحباباً، ينوي بهما سنة الوضوء، وليس هناك صلاة خاصة للإحرام ؛ فإذا فرغ من الصلاة أحرم ملبيًا، فيقول: لبيك عمرة، ثم يشرع في التلبية، فيقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).

وينبغي للمحرم الإكثار من التلبية، لأنها الشعار القولي لهذا النسك، خاصة عند تغير الأحوال والأزمان، كأن يعلو مرتفعاً أو ينزل منخفضاً، أو يقبل الليل ويدبر النهار، ونحو ذلك ؛ ويستمر في التلبية إلى أن يشرع في الطواف.

فإذا وصل إلى المسجد الحرام قدم رجله اليمنى قائلاً: "بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك"، ويدخل بخشوع وخضوع وتعظيم لله عز وجل، مستحضراً نعمة الله عليه وفضله بتيسير الوصول إلى بيته الحرام.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ثم يتقدم نحو الحجر الأسود مبتدءاً طوافه منه، فيستلمه ويقبله إن استطاع، وإلا أشار إليه من بعيد بيده اليمنى قائلاً: "بسم الله، الله أكبر"، ولا يزاحم غيره للوصول إليه، ويطوف سبعة أشواط بطهارة، مبتدئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا إليه، مكبراً مع بداية كل شوط، ويُسن استلام الركن اليماني في كل شوط -وهو الركن الذي يسبق الحجر الأسود- إن تيسر له ذلك، ولا يشرع تقبيله، ولا الإشارة إليه عند تعذر استلامه؛ ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201).

ويقول في طوافه ما تيسر من ذكر ودعاء وقراءة قرآن، وليس هناك دعاء أو ذكر مخصص لكل شوط.

والسُّنَّة في هذا الطواف أن يضطبع في جميع الأشواط، ويرمل في الأشواط الثلاثة الأولى منه؛ والاضطباع: أن يبرز كتفه الأيمن، فيجعل وسط ردائه تحت إبطه، وطرفيه على كتفه الأيسر، والرَّمَل: الإسراع في المشي مع مقاربة الخطا؛ فإذا تمت الأشواط السبعة تقدم إلى مقام إبراهيم، وقرأ قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (البقرة:125)، ثم يصلى ركعتين خلف المقام، إن تيسر، وإلا ففي أي مكان من المسجد.

ثم يتوجه بعد ذلك إلى المسعى، فإذا دنا من الصفا، قرأ قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} (البقرة:158)، ثم يصعد على الصفا حتى يرى الكعبة، فيستقبلها ويرفع يديه ويدعو بما شاء ؛ وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده"، يكرر ذلك ثلاث مرات، ويدعو بينها.

ثم ينزل من الصفا متجهاً إلى المروة، ويسرع بين الميلين الأخضرين، من غير أن يزاحم غيره، فإذا وصل إلى المروة صعد واستقبل القبلة ورفع يديه، وقال ما قاله على الصفا، غير أنه لا يقرأ {إن الصّفا والمروة} مرة أخرى.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وبذلك يكون قد أنهى شوطًا من أشواط السعي السبعة.

ثم ينزل عائداً إلى الصفا، ماشياً في موضع المشي، مسرعاً في موضع الإسراع وهكذا حتى يتم سبعة أشواط، مبتدأً بالصفا منتهياً بالمروة.

فإذا أتم السعي حلق رأسه أو قصره، والحلق أفضل، وهذا في حق الرجل، أما المرأة فتقصر ولا تحلق، وتقصيرها يكون بأخذ قدر أٌنملة من أطراف شعرها.

وبالحلق أو التقصير، تكون قد تمت أعمال العمرة، ويكون المعتمر قد تحلل من إحرامه، وحلَّ له ما كان محرمًا عليه من قبل من محظورات الإحرام.

وختاماً: ينبغي على المسلم أن لا يضيع هذه الفرصة، وأن يغتنم شرف الزمان والمكان، فيكثر من نوافل العبادات والطاعات، وخصوصاً في هذا الشهر المبارك، وفي هذا المكان المبارك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه) رواه أحمد، وليحذر كل الحذر من أي مخالفة أو معصية قد تذهب بأجره، ويعود معها محملاً بالأوزار والآثام، فكما أن الحسنة تضاعف في هذا المكان، فإن السّيئة فيه ليست كالسّيئة في غيره، وقد قال سبحانه: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} (الحج:25)، وفي الحديث: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة...وذكر منهم: ملحد في الحرم) رواه البخاري.


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg




(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابو وليد البحيرى
2019-05-21, 11:58 PM
جزاكم الله خيرا على التثبيت

ابو وليد البحيرى
2019-05-22, 12:00 AM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
فقه الصيام



أحكام الاعتكاف
(16)

من فضل الله على عباده أن شرع لهم عبادات موسمية يُحصِّل فيها المسلم الأجور والخيرات، ويصحح بها وجهته إلى الله، ويستدرك فيها ما قصَّر في جنب الله، ومن هذه الطاعات الموسمية سُنَّة الاعتكاف.

والاعتكاف: هو لزوم المسجد طاعة لله، وهو سُنَّة مشروعة، فعلها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفعلها أزواجه من بعده، وحافظ عليها بعض صحابته الكرام، كما ثبتت بذلك الآثار.

وكان من هديه عليه الصلاة والسلام الاعتكاف في رمضان خاصة، فقد صح عنه أنه اعتكف العشر الأوائل منه، ثم العشر الأواسط، ثم داوم على اعتكاف العشر الأواخر، التماساً لليلة القدر. وفي العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف العشر الأواسط والأواخر معاً.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
كما صح عنه صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في غير رمضان، فكان ذلك تشريعاً منه لجواز الاعتكاف في كل زمان.

وقد اعتكف أصحابه وزوجاته في زمانه ومن بعده، ما يدل على أن الاعتكاف سُنَّة ماضية إلى يوم الدين.

أحكام الاعتكاف

المعتمد أنه ليس للاعتكاف حد أدنى من الزمن، كما أن الصوم فيه ليس شرطاً لصحته، فيجوز بصوم وبغيره؛ إلا أن يشترط المعتكف الصوم، فيلزمه حينئذ.

وقد اشترط أهل العلم شروطاً لصحة الاعتكاف: منها الإسلام، والعقل، والتمييز؛ فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا من المجنون، ولا من الصبي غير المميز، لأنه ليس من أهل العبادات.

ومن شروطه الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس، وإذا طرأ على المرأة الحيض حال اعتكافها، تعيَّن عليها الخروج من المسجد، ومثل ذلك يقال في حق الجنب؛ لقوله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} (النساء:43)، فإذا احتلم المعتكف وجب عليه الغسل إما في المسجد إن وجد فيه ماء، أو خارجه إن لم يجد.

ويصح الاعتكاف من غير وضوء -لغير الجنب والحائض-، لكنه خلاف الأولى.

ومن شروط الاعتكاف النية، فلا يصح الاعتكاف بغير نية، لأنه عبادة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) رواه البخاري ومسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ومنها أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجماعة؛ لئلا يخرج لكل صلاة، وأما المرأة فلها أن تعتكف في كل مسجد، ولو لم تُقَمْ فيه الجماعة؛ وليس لها أن تعتكف بغير إذن زوجها، كما نص على ذلك أهل العلم.

ما لا يجوز حال الاعتكاف

لا يجوز للمعتكف أن يغادر المسجد الذي يعتكف فيه إلا لأمر لا بد له منه، كقضاء حاجة من بول، أو غائط، أو للإتيان بطعام أو شراب، إن لم يكن هناك من يحضره له، ومثله الخروج للتداوي والعلاج، ونحو ذلك من الضرورات التي لا غنى للإنسان عنها.

كما أن عليه أن يحذر مما يُفْسِد عليه اعتكافه؛ كمباشرته لزوجته أو مجامعتها، لقوله سبحانه: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة:187).

فلو جامع المعتكف زوجته فسد اعتكافه، ولا قضاء عليه على الصحيح، ويفسد الاعتكاف كذلك بالخروج من المسجد لغير ضرورة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وليس للمعتكف أن يزور مريضاً، أو يشهد جنازة إلا أن يشترط ذلك في اعتكافه؛ ولا حرج في زيارة أقاربه له في مكان اعتكافه، وخصوصاً إن كان ثمة ما يدعو لذلك؛ وليس له أن يتجر ويبيع ويشتري حال اعتكافه.

آداب الاعتكاف

لما كان المقصود من الاعتكاف الانقطاع عن الناس والتفرغ لطاعة الله، كان على المعتكف أن يراعي في اعتكافه جملة من الآداب، منها الاشتغال بذكر الله تعالى ودعائه، وتلاوة القرآن، والإكثار من النوافل، وتجنب ما لا يعنيه من أحاديث الدنيا قدر المستطاع، ولا بأس بشيء من الحديث المباح مع الأهل وغيرهم لمصلحة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع صفية رضي الله عنها، وله أن يتزين ويتجمل في الثياب والبدن، وأن يأكل ويشرب في المسجد مع المحافظة على نظافته وصيانته.

وبذلك يظهر خطأ كثير من الناس ومجانبتهم لآداب الاعتكاف حين يجعلون من هذه الأيام فرصة للاجتماع والالتقاء، وتبادل الضحك والأحاديث والأسمار، وتنويع المآكل والمشارب، ما ينافي الحكمة التي شُرع لأجلها الاعتكاف، ويذهب بأثره على القلب والروح.


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-22, 06:37 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان
أخطاء في الصوم
(17)

شرع الله الصوم لغاية عظيمة، هي تحصيل تقوى الله جل وعلا، وتزكية النفوس، وتهذيب الأخلاق، فليست الغاية من الصوم إدخال الضرر أو المشقة على العباد، وكلما كان الصوم موافقاً للأحكام الشرعية والآداب المرعية كلما كان أكثر ثمرة وأعظم أجراً، ومع الأسف الشديد فإن بعض الصائمين لا يلتزمون هذه الأحكام والآداب فتصدر منهم الأخطاء والمخالفات التي تؤثر على صومهم أو تنقص أجره وثوابه، وهناك بعض الأخطاء الشائعة التي ينبغي للصائم التنبه لها والحذر منها:

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
أولاً: عدم إدراك البعض لفضائل هذا الشهر الكريم، فيستقبلونه كغيره من شهور العام، وقصارى اهتمام بعضهم أن يستقبله بشراء الأطعمة والمشروبات بدلاً من الاستعداد للطاعة والاقتصاد ومشاركة الفقراء والمحتاجين.

ثانياً: التأفف من دخول شهر رمضان، وتمني ذهابه وسرعة زواله، وذلك لما يشعر به من ثقل الطاعة على نفسه والحدِّ من شهواتها، فلا يستشعر معنى التعبد وحلاوة الطاعة، وربما صام مجاراةً للناس وتقليداً وتبعية، فيكون بذلك قد حرم نفسه الاستفادة المثلى من هذا الشهر الكريم.

ثالثاً: عدم التفقه في أحكام الصيام وعدم السؤال عنها، فإن صوم رمضان فريضة وعبادة يجب على المسلم أن يعرف كيف يؤديها على الوجه الصحيح المقبول، فيعرف الأركان والواجبات والسنن والمكروهات والمفطرات.

رابعاً: عدم تجنب المعاصي أثناء صيامهم، فتجد الصائم يتحرز من المفطرات الحسية كالأكل والشرب والجماع لكنه لا يتحرز من الغيبة والنميمة واللعن والسباب والنظر إلى المحرمات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
خامساً: ترك بعض السنن ظنًّا بعدم شرعيتها حال الصيام، كترك المضمضة والاستنشاق؛ خوفاً من وصول الماء إلى الحلق، مع أن المنهيَّ عنه إنما هو المبالغة التي يخشى معها وصول الماء إلى الجوف، فعن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) رواه الترمذي وغيره، ومثل ذلك ترك السواك بعد الزوال؛ تحرجاً من الإثم، مع أن الصحيح أن السواك مشروع للصائم قبل الزوال وبعده.

سادساً: ومن هذا القبيل تحرج البعض من بلع الريق في نهار رمضان لظنه أنه إذا بلع بصاقه فقد فسد صومه، وهذا ليس بصحيح، إذ لم يثبت في الشرع أن بلع البصاق من المفطرات التي يبطل الصوم بها.

سابعاً: عدم تبييت النية لصيام الفرض من الليل أو قبل طلوع الفجر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) رواه النسائي، وفي رواية: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له). والمشروع من ذلك أن يبيت النية في نفسه من غير تلفظٍ بها.

ثامناً: تعمد الأكل والشرب مع أذان الصبح أو بعده، والذي ينبغي على المسلم أن يحتاط لصومه، فيمسك بمجرد أن يسمع الأذان.

تاسعاً: تخصيص هذا الشهر بالطاعة والاستقامة دون غيره، فما أن ينقضي الشهر حتى يعود بعض الناس إلى ما كانوا قد اعتادوه من المعصية والمخالفات، وهو خطأ عظيم يدل على عدم إدراكهم لحقيقة شهر رمضان، وضعف تأثيره في نفوسهم، فإن رب الشهور واحد، والله جل وعلا حذر من معصيته ومخالفة أوامره ونواهيه في كل وقت، ولا يزال المرء يتقلب في منازل العبودية ومدارجها حتى يأتيه اليقين من ربه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
عاشراً: اتخاذ هذا الشهر فرصة للنوم والكسل في النهار وما يترتب عليه من إضاعة الصلوات أو تأخيرها عن وقتها، والسّهر في الليل على ما يسخط الله ويغضبه من لهو ولعب ومشاهدة القنوات، فتضيع بذلك على الإنسان أشرف الأوقات فيما لا فائدة فيه بل فيما يعود عليه بالضرر في العاجل والآجل.

حادي عشر: تحرج بعض الصائمين من أن يصبح جنباً وهو صائم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم.

ثاني عشر: سوء الخلق وسرعة الغضب والطيش في نهار رمضان بسبب الجوع وخلاء البطن، مع أن المفترض أن يهذب الصوم أخلاق الصّائم، ويضبط مشاعره وانفعالاته متمثلاً قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: (الصّوم جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ، أو شاتمه، فليقل: إني صائم) رواه البخاري ومسلم.

ثالث عشر: ما يلاحظ في أول الشهر من كثرة المصلين والمقبلين على العبادة وقراءة القرآن، ثم لا يلبث أن يتسلل الفتور إليهم فيخبو هذا الحماس في آخر الشهر الذي يفترض أن يضاعف فيه الجهد لما للعشر الأواخر من مزية على غيرها، وقد كان صلى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر الأواخر "شدَّ المئزر، وأحيا الليل، وأيقظ أهله" رواه ابن خزيمة في صحيحه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-23, 07:24 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه

أخطاء في رمضان




أخطاء في السّحور
(18)

تناولُ السَّحُور من السنن التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في ذلك قوله: (تسحروا، فإن في السحور بركة) رواه البخاري ومسلم. وقد فرط بعض المسلمين في هذه السُّنَّة، وأفرط البعض الآخر فيها، فوقعوا في أخطاء نشير إليها تالياً:

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
أولاً: ترك بعض الناس السحور، وهذا خلاف السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه السحور، ثم إنه قد حث عليه وجعله فارقاً بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، يقول عليه الصلاة والسلام: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة) متفق عليه، ويقول أيضاً: (فَصْلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السَّحَر) رواه مسلم، وبناء على هذين الحديثين ونحوهما، فإن في السحور عوناً على الصيام، وأداء الأعمال والطاعات، فلا ينبغي تركه.

ثانياً: تعجيل السحور وتقديمه في منتصف الليل أو قبل الفجر بساعة أو ساعتين، وهو خلاف السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَجِّلوا الإفطار، وأخِّروا السحور) رواه الطبراني وصححه الألباني. والسنة أن يكون السحور في وقت السَّحَر قبيل طلوع الفجر بقليل؛ ومنه سمي السحور سحوراً، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
تسحَّرَا، فلما فرغا من سَحُورهما قام النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الصلاةِ فصلَّى، فسُئِل أنس: كم كان بين فراغِهما من سَحُورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: "قدْرَ ما يقرأ الرجل خمسين آية" رواه البخاري.

ثالثاً: الاستمرار في الأكل والشرب مع أذان الصبح وهو يسمع النداء، والواجب أن يحتاط العبد لصومه، فيمسك بمجرد أن يسمع أذان المؤذن.

رابعاً: الإفراط في تناول طعام السَّحور، حيث إن الإفراط في تناول السَّحور يؤدي إلى خمول الجسم، وهذا بدوره يفضي إلى التثاقل عن أداء الواجبات، وهو ما ينافي الحكمة من الصوم، وهي كسر شهوتي البطن والفرج، والسحور إذا كثر فإنه ينافي هذه الحكمة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
قال الحافظ ابن حجر: والصواب أن يقال: ما زاد في المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية، فليس بمستحب، كالذي يصنعه المترفون من التأنق في المآكل وكثرة الاستعداد لها، ويحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب، وقد أخرج أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: (السحور بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين).

خامساً: النوم بعد تناول السَّحور مباشرة، وهو من العادات السيئة، حيث إنه يجلب على صاحبه أضراراً صحية، فضلاً عما فيها من تضيعٍ لصلاة الفجر مع الجماعة، ومخالفةٍ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكوث في المسجد بعد صلاة الفجر؛ لذكر الله إلى أن تطلع الشمس.



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-24, 05:01 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان



أخطاء في الإفطار

(19)

وقت الإفطار في رمضان هو الوقت الذي يكون فيه الصائم قد استنفد الكثير من طاقته الجسمية، والفكرية، والعاطفية، ما يدفع البعض إلى القيام ببعض الأخطاء التي لا تليق بأخلاق الصائم وآداب الصيام، وإليك بعضها:

أولاً: تأخير الإفطار بعد دخول وقته، وهو خلاف السنَّة التي جاءت بتعجيل الفطر إذا دخل الوقت، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ثانياً: ومن ذلك أن بعض الصائمين لا يفطر إلا بعد أن ينتهي المؤذن من أذانه احتياطاً، وهو من التنطع والتكلف الذي لم يُطَالَب به العبد.

ثالثاً: ومن الأخطاء انشغال بعض الصائمين بالإفطار عن إجابة المؤذن، والسنة للصائم وغيره أن يتابع المؤذن عند سماعه ويقول مثل قوله، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سمعتم النّداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) متفق عليه.

ولا يلزم الصائم أن يقطع أكله أو شربه من أجل المتابعة، بل يتابعه مع مواصلة الإفطار، حيث لم يرد نهي عن الأكل حال متابعة المؤذن وترديد الأذان.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
رابعاً: ومن الأخطاء غفلة بعض الصائمين عن الدعاء عند الإفطار، مع أن هذا الموطن من مواطن إجابة الدعاء، ومن الغبن والحرمان أن يضيع العبد على نفسه هذه الفرصة العظيمة يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) رواه أحمد وصححه الألباني، وكان صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله) رواه أبو داود.

خامساً: ومن الأخطاء الإكثار والتوسع في تنويع الطعام والشراب حال الإفطار دون حاجة، ما قد يجر إلى الإسراف الذي نهى الله عنه، كما أن الإكثار من الأكل والشرب يثقل الإنسان عن العبادة وأداء الصلاة بخشوع وحضور قلب، وهو خلاف ما شُرِعَ له الصوم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
سادساً: ما يفعله بعض الصائمين من الفطر على ما حرم الله، كالسجائر، وغيرها من الخبائث، ولا شك أن الصوم فرصة عظيمة للتخلص من هذه العادات السيئة، وتدريب للإنسان على ترك المألوفات التي تعودها، فمن استطاع أن يتركها نهاراً كاملاً، لا يعجزه -بالصبر والعزيمة- الإقلاع عن هذه الخبائث في ليله أيضاً، حتى إذا انتهى رمضان كان قد تعود على تركها، فيسهل عليه المداومة والاستمرار على ذلك.







http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-25, 05:32 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان




أخطاء في القيام

(20)

رمضان شهر الطاعات والقربات، وفرصة لزيادة المبرَّات وفعل الخيرات، ومن السنن المشروعة في هذا الشهر المبارك قيام لياليه بالعبادة لله سبحانه، وقد يتخلل ذلك بعض الممارسات التي تخلُّ بأخلاق المتعبدين والقائمين، من ذلك:

أولاً: التهاون في أداء صلاة التراويح، بحجة أنها سنة وليست واجبة، فترى الرجل ربما أضاع وقته فيالمجالس أو الأسواق أو أمام الشاشة أو غير ذلك مما ضرره أكثر من نفعه، ويفرِّط في هذه السُنَّة العظيمة مع علمه بما ورد في فضل قيام رمضان إيماناً واحتساباً، ولا شك أن ذلك من الغبن والحرمان، والذي ينبغي على المسلم أن يصلي التراويح كاملة مع الإمام حتى ينصرف ليُكتب له أجر قيام ليلة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ثانياً: ومن الأخطاء أن بعض الناس إذا بلغه أن هذه الليلة هي أول ليلة في رمضان، لا يصلي صلاة التراويح ظناً منه أن هذه الليلة ليست من ليالي رمضان، وهو خطأ فبمجرد رؤية هلال رمضان يكون الإنسان قد دخل في أول ليلة من رمضان، ولذا فإن من السنة أن تصلى التراويح جماعة في المسجد في هذه الليلة.

ثالثاً: الإسراع من بعض الأئمة في صلاة التراويح إسراعاً يخل بالصلاة والمقصود منها، فيسرع في التلاوة إسراعاً شديداً، ولا يراعي الطمأنينة والخشوع، وكل همه إنهاء تلك الرُّكيعات لينصرف الناس بعدها لأعمالهم، وأشغالهم، ومسامراتهم، ومساهراتهم...، والواجب أن يطمئن الإمام في صلاته، وإذا لم يتيسر له ختم القرآن، أو قراءة قدر كبير منه في صلاة القيام تخفيفاً على الناس، فلا أقل من أن يحسن صلاته، فيطمئن فيها، ويتم ركوعها وسجودها.

رابعاً: مسابقة كثير من المأمومين لإمامهم في صلاة التراويح في الركوع والسجود والرفع منهما، والمشروع في حق المأموم إنما هو متابعة الإمام في أفعال الصلاة، فيأتي بها بعده مباشرة، لا يسبقه ولا يتخلف عنه، وقد ورد الوعيد الشديد في مسابقة الإمام، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما في "الصحيحين": (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام، أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار).

خامساً: حَمْلُ بعض المأمومين المصحف أثناء صلاة القيام، وذلك من أجل متابعة قراءة الإمام، وهذا الأمر بجانب كونه غير مأثور عن السلف، فإن فيه شُغلاً للمصلي عن الخشوع وتدبر الآيات؛ وبالتالي فلا ينبغي أن يُفعل ذلك، إلا لمن كان يتابع الإمام من أجل تصويبه إذا أخطأ.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
سادساً: تطويل دعاء القنوت، والتكلف فيه، والإتيان بأدعية غير مأثورة، ما يسبب الملل والسآمة، وربما حول بعضهم القنوت إلى موعظة يذكر فيها أشياء تتعلق بالقبر وعذابه، والصراط والبعث والجزاء، وكل هذا من الاعتداء المنهي عنه في الدعاء، والذي ينبغي الاقتصار على الأدعية المأثورة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم كما تقول عائشة: (يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك) رواه أبوداود.

سابعاً: ومن الأخطاء رفع الصوت بدعاء القنوت أكثر مما ينبغي، وهو مناف لأدب الدعاء، فقد قال الله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف:55)، ولما رفع الصحابة رضي الله عنهم أصواتهم بالتكبير نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم -أي اخفضوا أصواتكم- فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائباً) متفق عليه، والذي ينبغي على الإمام أن يرفع صوته بالقدر الذي يُسْمِع مَن خلفه من المأمومين.

ثامناً: رفع الصوت بالبكاء والصراخ بحيث يتسبب في إشغال المصلين من حوله، فإن البكاء وإن كان مطلوباً عند قراءة القرآن وسماعه إلا أنه ينبغي على العبد أن يحرص على خفض صوته وإخفائه ما أمكن، حتى يكون أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء، وبعض الناس ربما اشتد بكاؤه وتأثره إذا جاء وقت الدعاء والقنوت، ولا شك أن الأولى أن يكون البكاء والتأثر عند سماع كلام الله.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
تاسعاً: تَرْكُ التهجد في العشر الأواخر من رمضان، والانشغال بالتجوال في الأسواق وشراء الأغراض وحاجيات العيد، فتضيع على العبد -رجلاً كان أو امرأة- هذه الليالي المباركة، وتضيع عليه ليلة القدر، التي من حُرِمَ خيرها، فقد حُرِمَ الخير كله، وهو أمر -مع الأسف الشديد- يقع فيه كثير من المسلمين في أواخر هذا الشهر المبارك، مخالفين بذلك سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، الذي كان إذا دخلت ليالي العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر.

عاشراً: من الأخطاء التي يقع فيها البعض في ليالي القيام، إقامة صلاة الجماعة في المسجد، وقد فاتته صلاة العشاء مع الجماعة الأولى، وهذا لا يجوز؛ لأن فيها تشويشاً على المصلين، وفيها أيضاً إقامة لجماعتين في وقت واحد ومكان واحد. والواجب على من فاتته صلاة العشاء مع الجماعة، أن يصلي مع الجماعة التي تصلي صلاة التراويح، وينوي فرض العشاء، وبعد أن تنتهي الجماعة من أداء الركعتين، يأتي بركعتين أخريين.



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-26, 06:48 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان

أخطاء في قراءة القرآن

(21)

القرآن الكريم كتاب الله المنـزل على سيد المرسلين، يستمد عظمته من عظمة المتكلم به، ومن مكانة المنزَّل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فلما كان القرآن بهذه العظمة لزم على من يقرأه أن يكون معظِّماً له في هيئته وحاله. ومعلوم أن الإقبال على قراءة القرآن يزداد في رمضان، بل إن بعض الناس لا يقرأ القرآن إلا في رمضان، وقد يقع بعض قارئي القرآن بأخطاء تتنافى مع آداب تلاوة القرآن، ومن هذه الأخطاء ما يلي:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
أولاً: ظنُّ بعض الناس أن ختم القرآن مقصود لذاته، فيسرع في قراءة القرآن بهدف إكمال أكبر عدد من الأجزاء والسور، دون مراعاة التدبر وأحكام التلاوة والترتيل، مع أن المقصود من قراءة القرآن إنما هو التدبر والوقوف عند معاني الآيات، وتحريك القلب بها، وقد قال رجل لابن مسعود رضي الله عنه: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال له ابن مسعود: "أهذًّا كهذِّ الشعر؟! إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب، فرسخ فيه نفع" رواه مسلم.

ثانياً: التفريط من بعض الناس في ختم القرآن خلال شهر رمضان، فربما مرَّ عليه الشهر دون أن يختم فيه القرآن مرة واحدة، وهذا بلا شك من التفريط في شهر القرآن، وهذا النوع مقابل للصنف الأول.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ثالثاً: اجتماع بعض الناس على قراءة القرآن بطريقة معينة فيما يعرف بعادة "المساهر"، حيث يستأجرون قارئاً لهم، يقرأ عليهم من كتاب الله، ويجلس الناس من بعد صلاة التراويح إلى السحور في أحد البيوت، ويرفعون أصواتهم بعد قراءة القارئ لكل آية مرددين بعض عبارات الاستحسان والإعجاب، وهذا الاجتماع بهذه الطريقة بجانب كونه غير مأثور عن السلف، فإن فيه كذلك رفعاً للأصوات وتشويشاً ينافي الأدب مع كلام الله، ويفوت الخشوع والتدبر، ولأن يقرأ الإنسان وحده بتدبر وخشوع خير له من الاجتماع على الصياح الذي يفوت عليه ذلك.

رابعاً: رفع الصوت بالتلاوة في المسجد بحيث يشوش على المصلين، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: (ألا إن كلّكم مناجٍ ربَّه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال: في الصّلاة) رواه أبو داود.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
خامساً: ومن الأمور التي قد يتساهل فيها بعض من يجتمعون للتلاوة وتدارس القرآن، الضحك واللغط، وقطع القراءة للانشغال بأحاديث جانبية، والذي ينبغي الاستماع والإنصات، وتجنب كل ما يشغل ويقطع عن التّلاوة.

سادساً: عدم الالتزام بآداب التّلاوة من طهارة، وسواك، واستعاذة، وتحسين صوت، وغيرها من آداب التّلاوة المعروفة التي ينبغي أن يكون القارئ منها على بيّنة من أمره، وهو يتلو كلام الله جلّ وعلا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-27, 11:01 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان


أخطاء في أداء العمرة

(22)

العمرة في رمضان لها مزية على غيرها من الشهور، فقد خصت بمزيد الفضل وزيادة الأجر، يقول عليه الصلاة والسلام: (عمرة في رمضان تقضي حجة معي) رواه البخاري ومسلم، ولذا يتنافس كثير من المسلمين لأداء العمرة في هذا الشهر أكثر من غيره، وربما أداها بعضهم دون علم بأحكامها، وما يجوز فيها وما لا يجوز، فتقع منه الأخطاء والمخالفات التي يحسن التنبيه عليها، فمن هذه الأخطاء:

أولاً: أخطاء في الإحرام

1- تجاوز الميقات دون إحرام، والواجب على من قصد مكة للحج أو العمرة أن يحرم من الميقات الذي يمر به، ولا يتجاوزه دون إحرام.

2- الاعتقاد بأن الإحرام هو ارتداء ملابس الإحرام التي هي الرداء والإزار، وهذا غير صحيح، بل لا بد للإحرام من نية الدخول في النسك.

3- اعتقاد أن أداء ركعتين قبل الإحرام شرط لصحة الإحرام، والصواب أنهما سنة، وليستا شرطاً لصحةالإحرام.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
4- وضع الطِّيب على الرداء أو الإزار قبل الإحرام، والسنة وضع الطِّيب على البدن قبل الإحرام، أما ملابس الإحرام فلا يطيِّبها، وإذا طيبها لم يلبسها حتى يغسلها أو يغَيِّرها.

5- اعتقاد أن الغسل أو الوضوء عند الإحرام واجب، وإنما هو مستحب، فلو أحرم من غير وضوء ولا غسل، فإحرامه صحيح.

6- الجهل بمواقيت الإحرام التي حددها الشرع، وعدم مراعاة تلك المواقيت وخاصة من الحجاج القادمين عن طريق الجو؛ لأن الواجب على الحاج أو المعتمر أن يُحرم من الميقات أو ما يُحاذيه، فإن اشتبه عليه الأمر أحرم قبل الميقات احتياطاً، ولا يجاوز الميقات دون إحرام كما سبق.

7- كشف المحرم كتفه الأيمن دائماً من حين إحرامه من الميقات، وهو ما يسمى بـ"الاضطباع" وهو خلاف السنة، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في طواف القدوم وطواف العمرة، فإذا انتهى المحرم من طوافه أعاد رداءه على كتفيه في بقية المناسك.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
8- التحرج من تغيير لباس الإحرام أو غسله مع أنه لا حرج في ذلك.

9- اعتقاد أن كل ما كان مخيطاً لا يجوز لبسه، فيتحرج البعض من لبس الساعة أو النعلين، أو الحزام ونحو ذلك، بينما المراد بالمخيط ما خِيط أو نُسِج على قدر البدن، كالسراويل والثياب.

10- اعتقاد أن المرأة الحائض لا يجوز لها الإحرام، وأن لها أن تتجاوز الميقات دون إحرام، والصحيح أن الحيض والنفاس لا يمنعان المرأة من الإحرام، فيجب عليها أن تحرم، ولكنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر.

11- اعتقاد بعض النساء أن للإحرام ثياباً خاصة، والصحيح أن المرأة يجوز لها أن تُحرم بثيابها المعتادة، لكنها تجتنب لبس النقاب والقفازين.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
12- الدخول في النسك، ثم تركه دون إتمامه، والله تعالى يقول: {وأتموا الحج والعمرة لله} (البقرة:196)، فمن أحرم بالحج أو العمرة، فليس له الرجوع عن نسكه حتى يتمه.

ثانياً: أخطاء في الطواف

1- التلفظ بالنية عند الشروع في الطواف، والصواب أن النية محلها القلب.

2- اعتقاد أن الطواف لا يصح دون استلام الحجر الأسود، مع أن تقبيل الحجر سنة، وليس شرطاً لصحة الطواف، وإذا لم يتمكن الطائف من الوصول إليه إلا بالمزاحمة الشديدة وإيذاء الناس، فالأولى له ترك الاستلام والتقبيل، ويكتفي بالإشارة إليه.

3- استلام أركان الكعبة الأربعة، والثابت في السنة إنما هو استلام الحجر الأسود والركن اليماني من البيت دون غيرهما من الأركان.

4- تقبيل الركن اليماني، أو الإشارة إليه من بُعد، والسنة استلامه باليد دون تقبيل، أو إشارة.

5- الرَّمَلُ -وهو إسراع المشي مع مقاربة الخطى- في جميع الأشواط، والمشروع أن يكون الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم، وطواف العمرة دون غيره من الطواف، ودون الأشواط الأخرى.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
6- تخصيص كل شوط من الطواف بدعاء معين، ولم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء مخصص لكل شوط إلا قوله: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) بين الركن اليماني والحجر الأسود، وما عدا ذلك فيدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وله أن يذكر الله، وأن يقرأ القرآن.

7- رفع الصوت بالدعاء رفعاً يُذهب الخشوع ويشوش على الطائفين.

8- اجتماع الطائفة من الناس على قائد يلقنهم الدعاء.

9- الوقوف عند الحجر الأسود أو ما يحاذيه مدة طويلة، وفي ذلك تضييق على غيره من الطائفين، والسنة أن يستلم الحجر، أو يشير إليه، ويمضي دون توقف.

10- التمسح بالكعبة وأستارها.

ثالثاً: الأخطاء في ركعتي الطواف

1- اعتقاد لزوم أداء الركعتين خلف المقام أو قريباً منه، والمزاحمة للصلاة عنده، مع أن ركعتي الطواف يجوز أن تصلَّى في أي موضع من المسجد، إن لم تتيسر خلف المقام.

2- إطالة الركعتين بعد الطواف، والسنة التخفيف، فقد صلاهما النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ في الركعة الأولى: {قل يا أيها الكافرون}، وفي الركعة الثانية: {قل هو الله أحد}.

3- ومن الأخطاء ما يفعله البعض بعد ركعتي الطواف، حيث يقوم عند المقام، فيدعو بدعاء خاص يسمَّى "دعاء المقام"، وهذا من البدع التي ليس لها أصل في الدين.

رابعاً: أخطاء في السعي

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
1- رفع اليدين عند صعود الصفا والمروة كرفعهما في الصلاة، والسنة أن يرفع يديه كهيئة الداعي، ويحمد الله ويكبره، ويدعو مستقبلاً القبلة.

2- الإسراع في السعي بين الصفا والمروة في جميع الشوط، وهو خطأ، والسنة الإسراع بين العلمين الأخضرين، والمشي في بقية الشوط.

3- إسراع النساء في السعي بين العلمين وهو خلاف السنة، والإسراع إنما هو خاص بالرجال دون النساء.

4- قراءة قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} (البقرة:158) في كل شوط كلما أقبل على الصفا والمروة، والسنة قراءتها عند بداية السعي فقط إذا دنا من الصفا.

5- اعتقاد البعض أن الشوط هو السعي من الصفا إلى المروة، ثم الرجوع مرة أخرى إلى الصفا، والصواب أن السعي من الصفا إلى المروة يعتبر شوطاً، ومن المروة إلى الصفا يعتبر شوطاً آخر.

6- تخصيص دعاء معين لكل شوط، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء خاص بكل شوط، إلا ما كان يدعو به على الصفا وعلى المروة.

7- التطوع بالسعي بين الصفا والمروة من غير أن يكون في حج أو عمرة، والسنة جاءت باستحباب التطوع بالطواف بالبيت فحسب.

خامساً: أخطاء في الحلق والتقصير

1- تقصير بعض شعر الرأس دون البعض الآخر، والواجب تعميم الرأس بالتقصير، أو حلق الشعر كله.

2- اعتقاد البعض أن من السنة استقبال القبلة عند الحلق، وهذا لا دليل عليه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg





(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابو وليد البحيرى
2019-05-28, 06:28 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان




أخطاء في الاعتكاف
(23)

الاعتكاف في المسجد سُنَّة في الأوقات كافة، غير أنه في رمضان آكد، وقد ثبت في "الصحيحين" أنه صلى الله عليه وسلم (كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)، بيد أن بعض الناس يقعون في بعض الأخطاء عند أدائهم لهذه السُّنَّة، ومن هذه الأخطاء ما يلي:

أولاً: من الأخطاء جَعْلُ بعض الناس الاعتكاف فرصة للقاء والاجتماع والتحدث، فترى المجموعة من الأصحاب يحرصون على أن يعتكفوا في مسجد واحد أو في مكان معين من المسجد لهذا الغرض، وكل ذلك من الغفلة عن مقصود الاعتكاف الذي هو الانقطاع عن الناس، والاشتغال بعبادة الله، والخلوة به، والأنس بذكره.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ثانياً: التوسع في المباحات والإكثار من الأكل وفضول الطعام، والذي ينبغي للمعتكف أن يحرص على تقليل طعامه ما أمكن، وأن يقتصر منه على ما يعينه على العبادة، فإن قلة الطعام توجب رقة القلب وانكسار النفس، وتطرد الكسل والخمول، ومن كثر أكله لم يجد لذكر الله لذة.

ثالثاً: جَعْلُ الاعتكاف فرصة للمباهاة والتفاخر وجلب ثناء الناس، كقول البعض اعتكفنا في الحرم أو المسجد الفلاني أو ما أشبه ذلك؛ طلباً للمدح والإعجاب، والواجب أن يخفي الإنسان عمله، وأن يخاف عليه من الرد وعدم القبول، فإن الأعمال بالنيات، ومما يعين العبد على ذلك اختيار المسجد الذي لا يعرف فيه أحداً ولا يعرفه أحد، وعدم إعلان ذلك للناس حتى يكون أقرب إلى الإخلاص.

رابعاً: الإكثار من النوم وعدم استغلال الأوقات في المعتكَف، فالمعتكف لم يترك بيته وأهله وأولاده لينام في المسجد، وإنما جاء ليتفرغ لعبادة الله وطاعته، فينبغي أن يقلل من ساعات نومه قدر استطاعته، وأن يغير البرنامج الذي تعود عليه في بيته.

خامساً: كثرة الخروج من المعتكف لغير حاجة معتبرة، كالخروج المتكرر إلى السوق لشراء الأكل، بينما يكفيه من ذلك مرة واحدة.

سادساً: عدم المحافظة على نظافة المسجد، فربما ترك بعض المعتكفين مخلفاتهم دون تنظيف، والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها) متفق عليه، والذي ينبغي على المعتكف أن يتعاهد موضع معتكفه بالتنظيف.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
سابعاً: من الأخطاء التي تحدث من بعض المعتكفين وخصوصا في الحرمين أن بعضهم لا يصلي أحياناً التراويح مع المصلين، وخصوصاً في العشر الأواخر اكتفاء بصلاة القيام، ويظل يشوش على المصلين برفع الصوت في أحاديث لا طائل من ورائها.

ثامناً: يُلاحظ إظهار البعض الجدَّ والحزم والعزم والنشاط في أول أيام الاعتكاف، ثم لا يلبث أن يفتر ويتراخى بسبب المخالطة وإلف المكان، والذي ينبغي أن يكون عليه الأمر، أن يستمر هذا النشاط والجد إلى آخر لحظة، تحرياً لليلة القدر التي أخفاها الله عنا لهذا الغرض.

تاسعاً: تفريط بعض الناس في حق أهله وأولاده وتضييعهم وهو في معتكفه، فربما انحرف الواحد منهم وضاع، خصوصاً مع غياب الرقيب والمتابع، والاعتكاف سُنَّة، والمحافظة على الأهل والأبناء من الواجبات، فكيف يُضيِّع الإنسان ما هو واجب عليه من أجل المحافظة على سُنَّة، ولا شك أن الجمع بين الأمرين هو المطلوب إن تيسر ذلك، وإلا فتحصيل ما هو واجب هو المقدم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
عاشراً: نَصْبُ الخيام في المسجد وقت الاعتكاف من أجل النوم، وكأن المقصد الأساس من الاعتكاف النوم والخلود إلى الراحة، مع أن نصب الخيام في المسجد يتنافى مع مقاصد الاعتكاف القائمة على التقليل من العادات اليومية، والانقطاع عن مشاغل الدنيا وزخرفها، فضلاً عن أن نصبها يضيِّق على المصلين أماكن صلاتهم، وخاصة أيام العشر الأواخر من رمضان.


http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg





(http://www7.0zz0.com/2017/10/17/13/502148649.jpg)

ابو وليد البحيرى
2019-05-29, 07:28 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه
أخطاء في رمضان
من أخطاء النّساء في رمضان

(24)

جاءت توجيهات الشرع الحنيف شاملة للرجال والنساء تحثهم على اغتنام شهر رمضان في العبادات والطاعات والقربات إلى الله تعالى، وعدم تضيع هذا الشهر فيما لا يُقرِّب إلى الله من الأعمال. ومما يؤسف له أن كثيراً من النساء لا يفقهن المراد من شهر الصيام سوى الامتناع عن الطعام والشراب فحسب، ثم هم بعد ذلك يقعون في بعض الأخطاء التي ينبغي الاحتراز منها، والابتعاد عنها، ومن تلك الأخطاء:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
أولاً: ضياع أوقات كثير من النساء بالنهار في إعداد الطعام، والتفنن في الموائد والمأكولات والمشروبات، حيث تقضي المرأة معظم نهارها في المطبخ، ولا تنتهي من إعداد هذه الأطعمة إلا مع أذان المغرب، فيضيع عليها اليوم دون ذكر أو عبادة أو قراءة للقرآن، وينبغي على الأخت المسلمة أن تحفظ وقتها في هذا الشهر الكريم، وأن تقتصد في الطعام والشراب فتصنع ما لا بد منه وتكتفي بصنف أو صنفين، وأن تتعاون النساء في البيت الواحد بحيث تعمل واحدة وتتفرغ الأخرى للعبادة والذكر وتلاوة القرآن.

ثانياً: ضياع الأوقات بالليل في الزيارات التي قد تمتد لساعات متأخرة من الليل وربما إلى قبيل الفجر، أو الانشغال بمتابعة القنوات والبرامج التلفزيونية، فتقضي المرأة معظم ساعات الليل في مشاهدة ذلك، وكان الأولى بها أن تحيي ليلها بعبادة الله وذكره وشكره وتلاوة كتابه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ثالثاً: خروج بعض النساء إلى المسجد لصلاة العشاء والتراويح بلباس الزينة مع التعطر والتطيب مع ما في ذلك من أسباب الفتنة والإثم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما امرأة أصابت بخوراً، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) رواه مسلم، ويقول: (أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها، فهي زانية) رواه أحمد.رابعاً: الاختلاط الذي يحصل بين النساء والرجال عند الخروج من المسجد بعد صلاة التراويح، ما قد يتسبب في حصول الفتنة، والواجب عليهن أن يبادرن بالخروج قبل الرجال، ولا يمشين إلا في حافة الطريق وجوانبها، فهو الأستر والأحفظ لهن، وقد قال صلى الله عليه وسلم للنساء لما رآهن مختلطات بالرجال في الطريق: (استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق) رواه أبو داود.

خامساً: فتور بعض النساء عن العبادة حال الحيض والنفاس، فتظن أنها في رخصة من كل أنواع العبادة التي تقربها إلى الله جل وعلا، مع أنه يمكن للحائض أن تؤدي كثيراً من الطاعات حال حيضها كالمداومة على الذكر والدعاء، والصدقة، وقراءة الكتب النافعة، والتفقه في الدين، بل لها أن تقرأ القرآن على القول الصحيح دون مس للمصحف، إلى غير ذلك من الأمور التي ينبغي أن تحرص عليها الأخت المسلمة.

سادساً: الانشغال في العشر الأواخر من رمضان بالتجهيز للعيد، والتجوال في الأسواق ومحلات الخياطة لشراء الملابس، وهو خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها، ويمكن للمرأة شراء حاجاتها وحاجات أولادها قبيل شهر رمضان، أو في الأيام الأولى منه بحيث تتفرغ تفرغاً تاماً إذا دخلت العشر.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
سابعاً: من الأخطاء أن بعض النساء قد تطهر قبيل الفجر، ولا تتمكن من الغسل لضيق الوقت، فتترك الصيام بحجة أن الصبح أدركها قبل أن تغتسل، مع أن الواجب عليها أن تصوم ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر؛ لأن الطهارة ليست شرطاً لصحة الصوم.

ثامناً: إنكار البعض على بناتهم إذا أردن الصيام بحجة أنهن صغيرات، وقد تكون الفتاة من اللواتي بلغن سن المحيض، فإذا أرادت الصيام منعها أهلها من غير أن يسألوها عن مجيء الحيض أو لا، فقد تكون بلغت سن التكليف الذي يجب فيه الصوم وهم لا يعلمون بذلك.

تاسعاً: خروج كثير من النساء إلى الأسواق مع السائق الأجنبي ومن غير محرم، وقد يخالطن الباعة، فتحصل الخلوة المحرّمة، التي تقود إلى أمور لا تحمد عقباها، فعلى المرأة الشّريفة العفيفة أن تتجنّب مواطن الريبة، وأن تبتعد عن أماكن الاختلاط ونظرات العابثين، وأن تلتزم بلباس الحشمة والحياء حتى لا يطمع فيها طامع، أو يتطلع إليها فاسد، وقد قال تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله} (الأحزاب:33).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-30, 06:51 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه



أحكام زكاة الفطر
(25)

شرعت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، وهي السَّنَّة نفسها التي فرض الله فيها صوم رمضان، ودليل مشروعيتها ثبت في السنة في أحاديث عدة، منها ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: "كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله...."، رواه مسلم. ومنها خبر ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر" رواه أبو داود وغيره. وورد غير ذلك من الأخبار التي يفيد مجموعها وجوب صدقة الفطر على كل مسلم.

الحكمة من مشروعيتها

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وقد شرعت زكاة الفطر لحِكَمٍ عديدة منها: جبران نقص الصوم؛ فقد بين صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس المتقدم أنها (طهرة للصائم من اللغو والرفث) رواه أبو داود وغيره، قال بعض أهل العلم: زكاة الفطر كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم، كما يجبر سجود السهو نقصان الصلاة.

ومنها إغناء الفقراء عن السؤال ففي الحديث السابق أنها: (طعمة للمساكين)، وإغناء الفقراء من المطالب التي دلت عليها كليات الشريعة ومقاصدها، فضلاً عما تؤدي إليه هذه الصدقة من التكافل بين المجتمع، والتراحم بين طبقاته، وشعور بعضهم ببعض.

حكم زكاة الفطر

تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، عاقل أو مجنون لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) متفق عليه، قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض". وقال إسحاق: "هو كالإجماع من أهل العلم".

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ويشترط لوجوبها أمران:

- الإسلام: فلا تقبل من الكافر لقوله تعالى: {وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله} (التوبة:54).

- القدرة عليها: بأن يكون عنده يوم العيد وليلته قدر زائد عن قوته وقوت عياله ومن تلزمه نفقتهم وحوائجهم الأصلية من طعام وشراب ومسكن وملبس.

وتجب على الوالد زكاة الفطر عن ولده الصغير إذا لم يكن له مال، وأما إن كان له مال، فتجب الزكاة في مال الصغير، ولا تجب في مال الأب على الصحيح.

والجمهور على أنه يجب على الأب إخراجها عمن تلزمه نفقته، كالزوجة والوالدين؛ لحديث ابن عمر مرفوعاً: (أدوا الفطرة عمن تمونون) رواه الدار قطني وغيره، وفي إسناده إرسال، والصواب وقفه.

والصحيح أن صدقة الفطر تجب على الزوجة بنفسها لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام:164). وكذلك الأبوين، كما أن الراجح من أقوال أهل العلم أن الدَّيْن ليس مانعاً من وجوب زكاة الفطر.

وقت وجوب إخراجها

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
تجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة عيد الفطر، فمن كان من أهل الوجوب حينئذ وجبت عليه وإلا فلا، فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب عليه، وإن مات بعده ولو بدقائق، وجب إخراج زكاته، ومن أسلم بعد الغروب فلا فطرة عليه، ولو ولد لرجل بعد الغروب، لم تجب فطرته، لكن يسن إخراجها عنه، بخلاف ما لو ولد له قبل الغروب، فإنه يجب إخراجها عنه.

وأما وقت إخراجها فالأفضل أن تُخْرَج صباح العيد قبل الصلاة؛ لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -كما في البخاري-: "كنا نُخْرِجُ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام..."، وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)؛ ولأن المقصود منها إغناء الفقراء في هذا اليوم عن السؤال، من أجل أن يشاركوا الموسرين في الفرح والسرور.

ويجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين؛ لما رواه البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعطيها -أي صدقة الفطر-الذين يقبلونها، وكان يؤديها قبل الفطر بيوم أو يومين.

ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد لغير عذر، فإن أخرها لغير عذر لم تقبل منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو دواد وغيره.

وأما إن كان التأخير لعذر، كأن يصادفه العيد في مكان ليس عنده ما يدفع منه، أو من يدفع إليه، أو يأتي خبر العيد مفاجئاً بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة، أو يكون معتمداً على شخص في إخراجها، فينسى ذلك الشخص أن يخرجها، فله في هذه الحالة أن يخرجها ولو بعد العيد؛ لأنه معذور في ذلك كله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg

جنس الواجب وقدره

أما عن الجنس الواجب إخراجه فمن غالب قوت البلد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير)، وكان الشّعير يوم ذاك من طعامهم، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر" رواه البخاري.

والقدر الواجب صاع من أي من هذه الأصناف، أو غيرها من الطّعام، ويقدر بكيلوين وأربعين غراماً من البُرِّ، ومن غير البُرِّ بحسبه. وأجاز بعض العلماء إخراج قيمة هذه الأصناف، والأمر فيه سعة بحسب حاجة الفقير.

وتدفع صدقة الفطر للفقراء والمحتاجين دون سائر مصارف الزكاة الثمانية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه لله، ولا يجوز دفعها إلى من تجب على الإنسان نفقته، كما لا يجوز دفعها إلى أهل الذمة.

ويجوز دفع زكاة الفطر لفقير واحد، أو عدة فقراء، والأولى دفعها إلى الأقرباء الفقراء، الذين لا تجب نفقتهم على المزكي.



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-05-31, 07:52 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه


مقاصد العيد
(26)

جاءت أحكام الشّريعة لتحقّق مصالح العباد في الدّنيا والآخرة، وقد وردت كثير من النصوص الدالة على أن الشريعة وُضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل، منها قوله تعالى:{لعلكم تهتدون} (البقرة:53)، وقوله سبحانه: {لعلكم تتقون} (البقرة:21)، وقوله عز وجل: {ولكم فيها منافع} (غافر:80) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث التي تؤكد هذه القضية.

والأعياد عندنا -نحن المسلمين- لا تخرج في الجملة عن أحكام الشريعة التي شُرِعَت لعدد من الحِكَمِ والمقاصد، التي يمكن تلمُّسها وتدبرها من خلال النصوص الواردة في هذا الشأن.

فمن أهم المقاصد التي شُرِعَ العيد لأجلها الالتقاء بين المسلمين والاجتماع فيما بينهم، وأبرز ما يتجلى ذلك في صلاة العيد، وهم يذكرون الله ويكبرونه "الله أكبر الله أكبر"، وما يستشعره كل فرد منهم من رابطة الأخوة التي تجمع بينهم، والإيمان الذي يوحد قلوبهم، تحت راية واحدة، هي راية الإسلام، وشعار واحد هو شعار التوحيد (لا إله إلا الله) ولأجل هذا المعنى كان من السُّنَّة أداء صلاة العيد في المصلى، حيث يجتمع معظم أهل البلد في مكان واحد، وعلى صعيد واحد، يؤدون صلاة واحدة، ويتبادلون أطراف الحديث في أمر دينهم ودنياهم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ومن مقاصد العيد إدخال الفرحة على المسلمين بعد أدائهم لفرائض الله، واجتهادهم في عبادته، فعيد الفطر يأتي بعد صوم شهر رمضان، وعيد الأضحى يأتي بعد انقضاء أعظم أركان الحج، وهو يوم عرفة، فالعيد مرتبط بالعبادة ولصيق بها، وفي ذلك إشارة عظيمة إلى أن تعب المتعبدين يأتي بعده الفرح والسرور، وأن العيد إذا كان جائزة المتعبدين في الدنيا، فإن الجائزة الكبرى في الآخرة جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، ورضوان من الله أكبر؛ مصداقاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه) متفق عليه.

ومن مقاصد العيد أنه يفتح مجالاً لوصل ما انقطع بين الأرحام والأقارب والأصدقاء، فليس هناك وقت أدعى لصفاء النفوس، وطهارة القلوب وإزالة الشحناء والبغضاء مثل أيام الأعياد، فحري بكل من في نفسه شيء على أخيه أن ينبذه، وحري بكل قريب هجر قريبه أن يصله، لتتصافى النفوس، وتتآلف القلوب، وتتعانق الأرواح في سماء المحبة والأخوة.ومن مقاصد العيد إغناء الفقراء والمحتاجين، وفرحهم بالعيد كما يفرح غيرهم، وعدم تعريضهم لذل السؤال في هذا اليوم، ومن أجل ذلك شرع الله صدقة الفطر، وقد ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال أغنوهم في هذا اليوم) رواه الدار قطني.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ومن مقاصد العيد المعتبرة، تغيير نمط الحياة المعتاد، وكسر رتابتها الثابتة، وذلك أن من طبيعة النفس الإنسانية حبها وتطلعها إلى التغيير والتجديد، فيجيء العيد ليضفي هذه المسحة، ويصبغ الحياة بشعور جديد يحسه الإنسان في أعماق نفسه وفيمن حوله.

ومن مقاصد العيد التوسعة على النفس والأهل والأولاد بالترفيه البريء، والمتعة الحلال، واللهو المباح، يرشدنا إلى هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لـأبي بكر رضي الله عنه، وقد دخل على عائشة رضي الله عنها في يوم عيد، ووجد عندها جاريتين تغنيان، فأنكر عليها ذلك، فقال له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا) متفق عليه.

وليس المراد من قوله عليه الصلاة والسلام: (هذا عيدنا) أن يُعرِّف أبا بكر بأن ذلك اليوم كان يوم عيد؛ فإن أبا بكر كان يعلم ذلك ولا شك، ولكن المراد أن لكل قوم في عيدهم فرحاً ومسرةً وشيئاً من اللهو المباح، فقوله: (وهذا عيدنا) إعلام بالرخصة في غناء الجاريتين، لأجل كون اليوم يوم عيد، قال بعض أهل العلم: وفيه إيماء إلى علة الترخيص، وهو أن من جملة المقاصد في تشريع العيد إجمام النفوس وارتياحها.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ومن ذلك أيضاً: مباسطة الأهل ومداعبتهم والتوسعة عليهم، خاصة بعد أن اختل ميزان العلاقات الاجتماعية، وباعدت تكاليف الحياة وشؤونها بين الأب وأبنائه، وبين الزوج وزوجته، وبين القريب وقريبه، فيأتي العيد لِيُعيد شيئاً من ذلك التوازن المفقود، ويصحح الوجهة وفق الهدف المنشود. فهل يتنبه المسلمون لهذه المعاني الرفيعة في مشروعية العيد، فيلتمّسوها ويمتثلوها {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد} (ق:37).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-06-01, 08:37 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه


أحكام العيد

(27)

شرع الله لعباده دينًا عظيماً لم يترك شأناً من شؤون الحياة إلا وتناوله بالبيان والإيضاح، فجاء شرعًا يوازن بين الدنيا والآخرة، ويلبي حاجات الروح والجسد معاً.

ومشروعيّة العيد لا تخرج عن هذه القاعدة، فقد جاء الشّرع الحنيف بأحكام خاصّة به، توجِّه سلوك المسلم في هذه المناسبة وفق شرع الله وسَنَنَه، وفيما يلي إطلالة سريعة على بعض الأحكام والآداب المتعلقة بالعيد:

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
1- يحرم صوم يوم العيد، وهو اليوم الأول من أيام العيد، لما رواه البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه أنه صلى قبل الخطبة ثم خطب الناس، فقال: (يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم عن صيام هذين العيدين، أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر فيوم تأكلون نُسُكَكَم).

2- يستحب الإكثار من التكبير في ليلة العيد، لقوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم} (البقرة:185)، والتكبير يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويستمر حتى صلاة العيد، ويكونعامًا في الأماكن كلها، ولا تكبير في عيد الفطر عقب الصلوات المفروضة.

وصفة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وإن كبَّر ثلاثًا فهو حسن، والأمر في هذا واسع.

3- يُسنُّ الاغتسال للعيد والتنظُّف له؛ وقد ثبت أن ابن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك، وهو معروف باتباعه للسُّنَّة وشدة تحريه لها.

ويُستحب كذلك لبس أفضل الثياب، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبي مهنته لجمعته) رواه أبو داود. ويوم العيد يشبه يوم الجمعة من حيث المعنى، فكان من السُّنَّة فعل ذلك.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
4- من السُّنَّة أن يتناول شيئاً من الطعام قبل الخروج للصلاة، ويفضَّل التمر، لحديث أنس رضي الله عنه: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) رواه البخاري. وعلَّل ابن حجر ذلك بأنه سدٌّ لذريعة الزيادة في الصوم.
5- يُستحب أن يخرج إلى صلاة العيد ماشيًا، لحديث عليٍّ رضي الله عنه، قال: (من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً، وأن تأكل شيئاً قبل أن تخرج) رواه الترمذي وحسَّنه.

ومن السُّنَّة أن يخرج من طريق ويعود من غيره، لفعله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه جابر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق) رواه البخاري.

وقد ذكر أهل العلم لذلك عللاً كثيرة منها: إظهار شعيرة الله بالذهاب والإياب لأداء هذه الفريضة، ومنها إغاظة المنافقين، ومنها السلام على أهل الطريقين، ومنها شهادة سكان الطريقين من الجن والإنس، ومنها التفاؤل بالخير بتغير الحال إلى المغفرة والرضا، ومنها قضاء حاجة من له حاجة في الطريقين؛ ولا مانع من صحة كل ما ذكروه من العلل، كما أنه لا مانع أن تكون هناك علل أخرى.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
6- لا بأس بخروج النساء يوم العيد لحضور الصلاة وشهود الخطبة، واستحب ذلك بعض أهل العلم، ولكن ذلك مشروط بأمن الفتنة، ودليله ما رواه البخاري ومسلم عن أم عطية رضي الله عنها قالت: (أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق، وذوات الخُدُور، فأما الحُيَّضُ فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين)، والعواتق: جمع عاتق ، وهي المرأة الشابة غير المتزوجة؛ والخدر: سِتْرٌ يُمَدُّ للفتاة في ناحية البيت، ثم أُطلق على كلُّ ما يواري من بَيْتٍ ونحوه خِدْرًا، والجمع خُدُورٌ، والمقصود هنا النساء الملازمات للبيوت.

وينبغي التنبيه إلى أنه لا يجوز للمرأة في العيد أو في غيره أن تخرج متطيبة متعطرة، أو مرتدية ثيابًا ملفتة للانتباه، أو لباسًا غير شرعي وربّنا جلّ وعلا يقول: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن} (النور:31)، وهو يعم الأعياد وغيرها.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
7- لا بأس بالتهنئة في العيد، كأن يقول لمن لقيه: تقبَّل الله منا ومنكم، وأعاده الله علينا وعليكم بالخير والبركة، وعيدكم مبارك، ونحو ذلك؛ لحديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه: أنّهم كانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: "تقبل الله منا ومنك". قال الإمام أحمد: إسناد حديث أبي أُمامة إسناد جيد. وقال ابن تيمية رحمه الله: "وقد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخَّص فيه الأئمة من بعدهم، كـ أحمد وغيره".

هذه جملة من الأحكام والآداب المتعلّقة بالعيد، فطوبى لمن التزم شرع ربه، ووقف عند حدود أمره ونهيه، وجعل الدّنيا وسيلة للآخرة، فهي خير ما تُشدُّ الرحال إليه، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وليعمل العاملون، وكل عام وأنتم بخير وتقبل الله منا ومنكم.




http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-06-02, 07:03 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه


أخطاء العيد

(28)

العيد فرحة المؤمنين، بعد أن أتموا مناسك عبادتهم، والقلوب عندما يدخلها الفرح، تغفل عن هدي ربها، وتنسى سُنَّة نبيها، وقد يصل بها الأمر إلى ارتكاب ما لا يجوز شرعاً، ومن ثَمَّ كان العيد مَظِنَّة لارتكاب بعض المخالفات الشرعية، نشير إلى بعضها فيما يلي:
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
أولاً: أن بعض ضعاف الإيمان يفرحون بالعيد لانتهاء شهر رمضان والتخلص من العبادة فيه، وكأنها حِمْل ثقيل على ظهورهم، وهؤلاء على خطر عظيم، فإن العيد إنما يفرح به المؤمنون؛ لأن الله تعالى وفقهم لإكمال عدة الشهر، وإتمام الصيام، فيشكرون الله على هذه النعمة.

ثانياً: تهاون بعض الناس في أداء صلاة العيد، بسبب السهر طوال الليل، فيحرم نفسه من الأجر المترتب على شهود الصلاة ودعاء المسلمين.

ثالثاً: ترك سنة التكبير في ليلة العيد ويومه قبل الصلاة مع الأمر به في القرآن، يقول سبحانه: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} (البقرة:185).

رابعاً: تفريط بعض الآباء في إخراج أهله وأولاده لصلاة العيد مع ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء على حضور هذه الصلاة حتى الحُيَّض وذوات الخدور، ليشهدن الخير ودعوة المسلمين.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
خامساً: التكبير الجماعي بصوت واحد، أو الترديد خلف شخص، وإحداث صيغ للتكبير غير مشروعة.

سادساً: اعتقاد البعض مشروعية إحياء ليلة العيد بالقيام، ويتناقلون في ذلك حديثاً لا يصح، وهو أن (من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)، والصحيح أنه لا يُشرع تخصيص ليلة العيد بالقيام من بين سائر الليالي، وأما من كانت عادته القيام في سائر الليالي فلا حرج أن يقوم ليلة العيد.

سابعاً: تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والسلام على الأموات.

ثامناً: اختلاط الرجال بالنساء في بعض المصليات والشوارع، ما قد يجر إلى الفتنة ووقوع المحظور، والذي ينبغي في صلاة العيد أن تخصص أبواب ومسارات خاصة للنساء، وأن يتأخّر خروج الرجال حتى ينصرف النساء.
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
تاسعاً: التوسع في المباحات من لبس وأكل وشرب حتى يتجاوز الأمر إلى الإسراف في ذلك، والله جل وعلا يقول: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (الأعراف:31).

عاشراً: خروج بعض النساء إلى الصلاة متجملات متعطرات، مظهرات لبعض الزينة، وفي ذلك من الإثم والفتنة والخطر العظيم ما لا يخفى، فهن وإن كن أمرن بالخروج إلى المصلى، إلا أنهن أمرن أن يخرجن تفلات -أي: غير متطيبات-. ويلحق بالطيب سائر ما يدعو إلى الفتنة، كالزينة الظاهرة والتكسر في المشي، وغير ذلك.

حادي عشر: وقوع كثير من الناس في أيام الأعياد في بعض المخالفات الشرعية كسماع الغناء، ومشاهدةللمناظر المحرمة، وتبرج النساء، وغير ذلك، بحجة أن هذا اليوم يوم فرح وسرور، والواجب أن يفرح المسلم في هذه الأيام بما أحل الله من المباحات والطيبات، وأن يشكر الله على إتمامه نعمة الصيام بطاعته والتزام أمره ونهيه.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-06-03, 07:10 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه



صلاة العيد
(29)

مشروعيّة صلاة العيد

شُرعت صلاة العيد في السَّنَة الأولى من الهجرة؛ ودليل مشروعيتها ما رواه أنس رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما هذان اليومان؟) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، قال: (إن الله عز وجل قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم النحر) رواه أحمد وأبو داود، وثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان" رواه مسلم.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
حكمها

ذهب أكثر أهل العلم إلى أن صلاة العيد سُنَّة مؤكدة، ورأى بعضهم أنها فرض على الكفاية، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وإلا أثمَ الجميع بتركها، وذهب الحنفية إلى أنها واجبة على كل مكلف من الذكور، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدل لذلك بحديث أم عطية رضي الله عنها قالت: (أُمرنا أن نُخْرِج العوائق والحُيَّض وذوات الخدور) متفق عليه، ووجه الدلالة أنه إذا كانت النساء والحيض مأمورات بالخروج إلى صلاة العيد، فالرجال مأمورون بذلك من باب أولى.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ويُشترط لصحة أدائها ما يُشترط لصحة صلاة الجمعة، من الجماعة والإقامة، فلا تصلى فرادى، ولا تجب على المسافر على الراجح من أقوال أهل العلم.

وقت أدائها

أمّا وقت أدائها، فيبدأ من ارتفاع الشمس يوم العيد قَدْرَ رمح، ويقدر ذلك بخمس عشرة دقيقة تقريبًا بعد شروق الشمس، ويمتد وقت أدائها إلى الزوال (قُبيل أذان الظهر بقليل) فوقتها هو وقت صلاة الضحى.

وعند المالكيّة لا تصلى صلاة العيد في غير يوم العيد، ولا في يوم العيد بعد الزوال. وحكي هذا عن أبي حنيفة. قال ابن عبد البر: "لو قضيت صلاة العيد بعد خروج وقتها لأشبهت الفرائض، وقد أجمعوا في سائر السنن أنها لا تقضى؛ فهذه مثلها".

واختلف قول الشّافعي في هذه المسألة؛ فمرة قال بقول المالكية، ومرة قال: إنها تصلى في اليوم الثاني ضحى. وقال الثوري والأوزاعي والإمام أحمد: يخرجون من الغد.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
قال القرطبي: والقول بالخروج إن شاء الله أصح؛ للسنة الثابتة في ذلك، ولا يمتنع أن يستثني الشارع من السنن ما شاء، فيأمر بقضائه بعد خروج وقته.

صفة أدائها

أما صفة أدائها، فلا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان، تصلى من غير أذان ولا إقامة؛ ولا يُشرع على الصحيح النداء لها بـ"الصلاة جامعة" ونحو ذلك، لعدم الدليل.

ويُكَبِّر الإمام والمأموم في الركعة الأولى سبع تكبيرات غير تكبيرة الإحرام، ويكبر في الركعة الثانية عقب القيام خمس تكبيرات غير تكبيرة الرفع من السجود؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه أنه (كبَّر في العيدين، في الأولى سبعًا قبل القراءة، وفي الثانية خمسًا قبل القراءة) رواه ابن ماجه والترمذي، وصححه الإمام أحمد؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأما التكبير في الصلاة، فيكبر المأموم تبعًا للإمام".

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ويُستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يرفع يديه مع التكبير) رواه أصحاب السنن إلا النسائي وإسناده صحيح، وهو عامٌّ في كل تكبير في الصلاة، فيشمل تكبيرات صلاة العيدين.

ويُسن للإمام أن يقرأ في الركعة الأولى بعد التكبيرات بسورة "الأعلى" وفي الثانية بسورة "الغاشية"، أو أن يقرأ في الأولى بسورة "ق"، وفي الثانية بسورة "القمر" لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولو قرأ بغير ذلك فلا حرج.

فإذا فرغ الإمام من الصلاة خطب الناس خطبتين، يجلس بينهما، وحضور خطبتي العيد والاستماع لهما سُنَّة وليس بواجب، باتفاق أهل العلم.

كما أن من السُّنَّة أن تقام صلاة العيد في المصلَّى؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى) متفق عليه، ولم يُنقل عنه عليه الصّلاة والسّلام أنه صلّى العيد بمسجده إلا من عذر، فينبغي مراعاة هذه السُّنَّة والمحافظة عليها.

تلكم هي أهم الأحكام المتعلقة بصلاة العيد، نسأل الله أن يتقبّل منا ومنكم، وأن يجعله عيداً مباركاً على أمة الإسلام.



http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg

ابو وليد البحيرى
2019-06-04, 10:07 PM
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/37.jpg
فقه الصيام وأحكامه


صيام ستّ من شوال
(30)

من فضل الله على عباده تتابع مواسم الخيرات، ومضاعفة الحسنات، فالمؤمن يتقلب في ساعات عمره بين أنواع العبادات والقربات، فلا يمضي من عمره ساعة إلا ولله فيها وظيفة من وظائف الطاعات، وما أن يفرغ من عبادة إلا ويشرع في عبادة أخرى، ولم يجعل الله حداً لطاعة العبد إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله يقول جل وعلا: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} (الحجر:99)، وهذه هي حقيقة الاستقامة التي وعد الله أصحابها بالنجاة، والفوز بعالي الدرجات، فقال سبحانه: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم} (فصلت:30-32).

ومما منَّ الله به على عباده بعد انقضاء شهر الصيام والقيام، ورتب عليه عظيم الأجر والثواب صيام ستة أيام من شوال، التي ثبت في فضائلها العديد من الأحاديث؛ منها ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وفي رواية لابن ماجه عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}) (الأنعام:160).

وقد ذكر أهل العلم عدة فوائد ومعانٍ لصيام هذه الأيام الستة:

منها: أن العبد يستكمل بصيامها أجر صيام الدهر كله، وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان يعدل عشرة أشهر، وهذه الأيام الستة تعدل شهرين، وقد ثبت ذلك في حديث ثوبان المتقدم عند ابن ماجه وثبت أيضاً في حديث ذكره أبو الشيخ في "الثواب" وصححه الألباني في "صحيح الجامع": (جعل الله الحسنة بعشر أمثالها الشهر بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة).

ومنها: أن صيام النفل قبل وبعد الفريضة يكمل به ما يحصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تجبر وتكمل بالنوافل يوم القيامة، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة.

ومن الفوائد أيضاً: أن معاودة الصيام بعد رمضان من علامات القبول، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة، ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
ومنها أن معاودة الصيام بعد الفطر فيه شكر لله جل وعلا على نعمته بإتمام صيام رمضان ومغفرة الذنوب والعتق من النار، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يشكروه على هذه النعم العظيمة فقال سبحانه: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} (البقرة:185)، فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه، أن يصوم له عقب ذلك.

ومن الفوائد كذلك المداومة على فعل الخيرات، وعدم انقطاع الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في رمضان بانقضاء الشهر، ولا شك أن أحب الأعمال إلى الله ما داوم عليها صاحبها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته، وسئلت عائشة رضي الله عنها عن عمله عليه الصلاة والسلام، فقالت: (كان عمله ديمة) رواه البخاري ومسلم، أي: دائم ومستمر، غير منقطع.

ومن أجل هذا المعنى ذم السلف من انقطع عن العمل الصالح بعد رمضان، قيل لبشر: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: بئس القوم، لا يعرفون لله حقاً إلا في رمضان.

فعودُ المؤمن إلى الصيام بعد فطره دليل على مداومته على فعل الخير، وعدم انقطاعه عن العمل الصالح، إلى غير ذلك من الفوائد والمعاني العظيمة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/38.jpg
وصيام الأيام الستة ليس له وقت محدد من شوال، بل يصومها المسلم في أي جزء من أجزاء الشهر، في أوله، أو في أثنائه أو في آخره، وله كذلك أن يصومها متتابعة أو متفرقة، ولكن الأفضل أن يبادِر إلى صيامها عقب عيد الفطر مباشرة، وأن تكون متتابعة -كما نص على ذلك أهل العلم- لأن ذلك أبلغ في تحقيق الإتباع الذي جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم أتبعه)، كما أنه من المسابقة إلى الخيرات، والمسارعة في الطاعات، التي جاءت النصوص بالترغيب فيها، والثناء على فاعلها، وهو أيضاً من الحزم الذي هو من كمال العبد، فإن الفُرص لا ينبغي أن تفوت، والمرء لا يدري ما يعرض له من شواغل وقواطع تحول بينه وبين العمل، فإن أخرها أو فرَّقها على الشهر حصلت الفضيلة أيضاً.

ومن كان عليه قضاء من شهر رمضان، فعليه أن يبدأ بقضاء ما عليه أولاً، حتى يُحَصِّل الثواب الوارد في الحديث، وذلك لأن الأجر الوارد لا يَحْصُل إلا بعد إكمال عدة رمضان، لقوله عليه الصلاة والسلام (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال)، ومن كان عليه أيام من رمضان لا يصدق عليه أنه صام رمضان كاملاً.

ولو فرض أن القضاء استوعب جميع شوال، كأن تكون المرأة نُفساء، ولم تصم أيّ يوم من رمضان، ثم شرعت في قضاء ما عليها في شوال، ولم تنته إلا بعد دخول شهر ذي القعدة، فإنها تصوم الأيام السّتة بعد ذلك، ويكون لها أجر من صامها في شوّال؛ لأن تأخيرها هنا للضّرورة وهو متعذّر، فيثبت لها الأجر إن شاء الله.





http://majles.alukah.net/imgcache/2019/05/39.jpg