تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 73الى صــ 87
    (1)

    كِتَابُ الْحَجِّ.
    جِمَاعُ مَعْنَى الْحَجِّ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: قَصْدُ الشَّيْءِ وَإِتْيَانُهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الطَّرِيقُ مَحَجَّةً لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ وَيُسَمَّى مَا يَقْصِدُ الْخَصْمُ حُجَّةً لِأَنَّهُ يَأْتَمُّهُ وَيَنْتَحِيهِ، وَمِنْهُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ الْحَاجَةُ، وَهُوَ مَا يُقْصَدُ وَيُطْلَبُ لِلْمَنْفَعَةِ بِهِ سَوَاءٌ قَصَدَهُ الْقَاصِدُ لِمَصْلَحَتِهِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةً فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ".
    وَقَوْلُ فِي حَاجَةِ اللَّهِ، وَحَاجَةِ رَسُولِهِ.
    وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا يُقْصَدُ وَيُؤْتَى: مَا يُعَظَّمُ وَيُعْتَقَدُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِذَا كَانَ كذلك فلا بد أن يكثر اختلاف الناس إليه
    فكذلك يقول بعض أهل اللغة: الحج القصد، ويقول بعضهم: هو القصد إلى من يعظم، ويقول بعضهم: كثرة القصد إلى من يعظمه. ورجل محجوج، ومكان محجوج، أي مقصود مأتي. ومنه قوله:

    وأشهد من عوف حلولا كثيرة ... يحجون سب الزبرقان المزعفرا قال ابن السكيت: يق
    ول يكثرون الاختلاف إليه.
    وقوله:
    قالت تغيرتم بعدي فقلت لها ... لا والذي بيته يا سلم محجوج
    ثم غلب في الاستعمال الشرعي، والعرفي على حج بيت الله - سبحانه وتعالى - وإتيانه. فلا يفهم عند الإطلاق إلا هذا النوع الخاص من القصد لأنه هو المشروع الموجود كثيرا وذلك كقوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة
    : 196] وقال تعالى: {وأذن في الناس بالحج} [الحج: 27] وقال سبحانه: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196] وقد بين المحجوج في قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] وقوله تعالى: {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158] فإن اللام في قوله {البيت} [البقرة: 158] لتعريف الذي تقدم ذكره في أحد الموضعين وعلمه المخاطبون في الموضع الآخر.
    وفيه لغتان قد قرئ بهما. الحج، والحج، والحجة بفتح الحاء وكسرها. ثم حج البيت له صفة معلومة في الشرع من الوقوف بعرفة، والطواف بالبيت، وما يتبع ذلك فإن ذلك كله من تمام قصد البيت، فإذا أطلق الاسم في الشرع انصرف إلى الأفعال المشروعة ; إما في الحج الأكبر، أو الأصغر.


    [مسألة وجوب الحج والعمرة مرة في العمر]
    مسألة:

    (يجب الحج والعمرة مرة في العمر على المسلم العاقل البالغ الحر).
    في هذا الكلام فصول: -
    أحدها: أن الحج واجب في الجملة، وهو أحد مباني الإسلام الخمس، وهو من العلم المستفيض الذي توارثته الأمة وتناقلته خلفا عن سلف، والأصل فيه قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97]، وحرف على للإيجاب لا سيما إذا ذكر المستحق فقيل: لفلان على فلان، وقد أتبعه بقوله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] ليبين أن من لم يعتقد وجوبه فهو كافر، وأنه إنما وضع البيت وأوجب حجه ليشهدوا منافع لهم لا لحاجة إلى الحجاج كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويعظمه، لأن الله غني عن العالمين،وكذلك قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] على أحد التأويلين، وقوله: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا} [الحج: 27] فأذن فيهم: "إن لربكم بيتا فحجوه ".
    وأما السنة: فما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج
    البيت» " متفق عليه.
    وفي حديث جبريل في رواية عمر - رضي الله عنه - «أنه قال للنبي- صلى الله عليه وسلم ما الإسلام؟ قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» "رواه مسلم. وليس ذكر الحج في حديث أبي هريرة المتفق عليه، وسيأتي إن شاء الله تعالى قوله: " «إن الله فرض عليكم الحج فحجوا» " رواه مسلم وغيره وأحاديث كثيرة في هذا المعنى.
    وعن شريك بن أبي نمر، عن أنس بن مالك قال: «بينما نحن جلوس مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد إذ دخل رجل على جمل ثم أناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- متكئ بين ظهرانيهم فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له الرجل: ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد أجبتك " فقال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك. فقال: "سل عما بدا لك " فقال: أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى
    الناس كلهم؟ قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله آلله أمر أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: "اللهم نعم " قال: أنشدك الله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: "اللهم نعم " قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " اللهم نعم " فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر»، رواه الجماعة إلا مسلما والترمذي عن إسماعيل، وعلي بن عبد الحميد، وقال: رواه سليمان عن ثابت عن أنس عن النبي-صلى الله عليه وسلم- مثله، وروى مسلم وأحمد والترمذي، والنسائي من حديث ثابت عن أنس قال: «نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك! قال: "صدق " قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله " قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله " قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: "الله " قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ قال:


    "نعم " قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا، وليلتنا؟ قال: "صدق " قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم " قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: "صدق" قال: فبالذي أ
    رسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا؟ قال: " صدق " قال: ثم ولى وقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن صدق ليدخلن الجنة".»
    وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقدم عليه فأناخ بعيره على باب المسجد، ثم عقله ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في أصحابه في المسجد وكان ضمام بن ثعلبة رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين قال: فأقبل حتى وقف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا ابن عبد المطلب " قال: أمحمد؟ قال: نعم، قال: يا ابن عبد المطلب إني سائلك، ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك، فقال: "لا أجد في نفسي سل عما بدا لك" قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك، وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا، وأن نخلع هذه الأوثان التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال: "اللهم نعم" قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: "اللهم نعم" قال: ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإسلام كلها يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص، قال: ثم انصرف إلى بعيره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن صدق ذو العقيصتين يدخل الجنة
    " قال: فأتى بعيره فأطلق عقاله، ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: ما بئست اللات والعزى؟ قالوا: مه يا ضمام اتق البرص، اتق الجذام، اتق الجنون، قال: ويلكم إنهما والله ما يضران، وما ينفعان، وإن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، فوالله ما أمسى ذلك اليوم من حاضرته من رجل ولا امرأة إلا مسلما». قال ابن عباس: فما سمعنا بوافد قط كان أفضل من ضمام بن ثعلبة، ورواه أحمد وأبو داود من طريق ابن إسحاق وهذا لفظ المغازي واختلف في سنة قدومه. فقيل: كان ذلك في سنة خمس قاله محمد بن حبيب وغيره وروى عن شريك عن كريب عن ابن عباس -رضي الله عنهما- حديث ابن عباس وفيه - «بعث بنو سعد ضماما في رجب سنة خمس، وقيل: في سنة سبع، وقيل: في سنة تسع» " ذكره ابن هشام عن أبي عبيدة، وذكره أبو إسحاق إبراهيم بن حبيب البصري المعروف بالحاكم في تاريخه: لوامع الأمور وحوادث الدهور. وزعم ابن عبد البر أن هذا هو الأعرابي الثائر الرأس الذي من أهل نجد الذي يروي حديثه أبو طلحة ويروي نحوا منه أبو هريرة. وهذا فيه نظر لأن ذاك -أولا- أعرابي، وهذا من بني سعد بن بكر، ثم ذاك رجل ثائر الرأس، وهذا رجل له عقيصتان، ثم ذاك رجل يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول، وهذا رجل عاقل جلد، ثم ذاك ليس في حديثه إلا التوحيد، والصلاة والزكاة والصوم. فإن كان هذا هو ذاك: فليس ذكر الحج إلا في بعض رواياته. والذي في الصحيحين ليس فيه شيء من هذا ولا يسعهم أن يتركوه - وهو يقول لا أزيد ولا أنقص فإن كانت سعد هذه سعد بن بكر بن هوازن أظآر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهؤلاء كانوا مشركين يوم حنين - وكانت حنين في أواخر سنة ثمان من الهجرة وقدم وفد هوازن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منصرفه - وهو بالجعرانة - عن حصار الطائف فأسلموا، ومن النبي -صلى الله عليه وسلم- على سبيهم - والقصة مشهورة. فتكون بنو بكر بن سعد بن بكر قد أوفدت ضماما في سنة تسع، وفيها أسلمت ثقيف أيضا، وهذه السنة هي سنة الوفود.
    وقد أجمع المسلمون -في الجملة- على أن الحج فرض لازم

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد



    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 88الى صــ 101
    (2)

    (الفصل الثاني)
    أن العمرة أيضا - واجبة، نص عليه أحمد في مواضع فقال: - في رواية الأثرم، وبكر بن محمد، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي طالب وحرب والفضل: العمرة واجبة، والعمرة فريضة. وذكر بعض أصحابنا عنه رواية أخرى: أنها سنة لأن الله - سبحانه وتعالى - قال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] ولم يذكر العمرة. ولو كانت واجبة لذكرها، كما ذكرها لما أمر بإتما
    مها وبالسعي فيها في قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] وقوله سبحانه - {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158] وكذلك أمر خليله - عليه السلام - بدعاء الناس إلى الحج بقوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا} [الحج: 27]- إلى قوله:


    {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} [الحج: 28] والاختصاص بأيام معلومات هو للحج فقط دون العمرة، فعلم أنه لم يأمرهم
    بالعمرة، وإن كانت حسنة مستحبة لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر معاني الإسلام قال: " «وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» " وقال في حديث جبريل: " «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» "، ولم يذكر العمرة - وسأله ضمام بن ثعلبة عن فرائض الإسلام - إلى أن قال: " «وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا "؟ قال: "صدق "، ثم ولى، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "إن صدق ليدخلن الجنة» ". ولو كانت العمرة واجبة لأنكر قوله: لا أزيد عليهن ولم يضمن له الجنة - مع ترك أحد فرائض الإسلام. ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حج حجة الوداع كان معه من المسلمين ما لا يحصيهم إلا الله - تعالى - وكل قد جاء يؤدي فرض الله - تعالى - عليه فلما قضى أيام منى بات بالمحصب بعد النفر، وخرج من الغد قافلا إلى المدينة ولم يعتمر بعد ذلك، ولم يأمر من معه بالعمرة، ولا بأن يسافروا لها سفرة أخرى، وقد كان فيهم المفرد، والقارن، وهم لا يرون أنه قد بقي عليهم فريضة أخرى، بل قد سمعوا منه أن الحج لا يجب إلا في عام واحد، وقد فعلوه، فلو كانت العمرة واجبة كالحج لبين لهم ذلك أو لأقام ريثما أن يعتمر من لم يكن اعتمر.

    وعن الحجاج بن أرطاة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابي فقال: «أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا وإن تعتمر خير لك» " رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الدارقطني من غير طريق الحجاج.

    وعن أبي هريرة موقوفا، ومرفوعا، أنه قال: " «العمرة تطوع» " قال الدارقطني: والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة.
    وعن طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " «الحج جهاد، والعمرة تطوع» " رواه ابن ماجه، وفي طريقه الحسن بن يحيى الخشني عن عمر بن قيس، أخبرني طلحة بن يحيى عن عمه إسحاق بن طلحة،
    عن طلحة بن عبيد الله.
    وعن أبي صالح الحنفي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " «الحج جهاد، والعمرة تطوع» " رواه الشافعي، وسعيد.
    وربما احتج بعضهم بقوله: " «دخلت العمرة في الحج " وليس بشيء».
    ولأن العمرة بعض الحج فلم تجب على الانفراد كالطواف، وهذا لأن الحج لم يجب على وجه التكرار، وإنما وجب مرة واحدة، فلو وجبت العمرة لكان قد وجب على الإنسان حجتان صغرى، وكبرى، فلم يجز، كما لم يجب عليه حج وطواف، وكل ما يفعله المعتمر فقد دخل في الحج فليس في العمرة شيء يقتضي إفراده بالإيجاب لكن جعل الله المناسك على ثلاث درجات أتمها هو الح
    ج المشتمل على الإحرام والوقوف والطواف والسعي والرمي والإحلال.
    وبعده العمرة المشتملة على الإحرام، والطواف والسعي والإحلال. وبعده الطواف المجرد. . . ولأنها نسك غير مؤقت الابتداء والانتهاء، فلم تجب كالطواف.
    ولأنها عبادة غير مؤقتة من جنسها فرض مؤقت، فلم تجب كصلاة النافلة وهذا لأن العبادات المحضة إذا وجبت وقتت كما وقتت الصلاة والصيام والحج. فإذا شرعت في جميع الأوقات علم أنها شرعت رحمة وتوسعة للتقرب إلى الله - تعالى - بأنواع شتى من العبادة، وسبل متعددة لئلا يمتنع الناس من التقرب إلى الله - تعالى - في غالب الأوقات.
    ووجه الأول: ما احتج به بعضهم من قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196].

    «وعن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، ولا الظعن، فقال: "حج عن أبيك واعتمر» " رواه الخمسة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
    وفي رواية لأحمد: " إن «أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير» " فأمره بفعلهما عن أبيه،
    ولولا وجوبهما على الأب لما أمره بفعلهما عنه. لكن يمكن أن يقال: إنما سأله عن جواز الحج والعمرة عن أبيه ; لأن الابن لا يجب ذلك عليه وفاقا.
    «وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت يا رسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والدارقطني بإسناد شرط الصحيح، لكن في لفظ أحمد والنسائي " «ألا نخرج فنجاهد معك» " وكلمة على تقتضي الإيجاب لا سيما وقد سألته عما يجب على النساء من الجهاد. فجعله جهادهن. كما روي عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " «الحج جهاد كل ضعيف» " رواه أحمد وابن ماجه.
    واحتج أحمد بحديث أبي رزين، وبحديث ذكره عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد
    الله عن نافع عن ابن عمر قال: «جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أوصني، فقال: "تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر» ".
    قال: وعن ابن عباس وابن عمر: أنها واجبة، وهذا أمر والأمر للإيجاب لا سيما، وه
    و إنما أمره بمباني الإسلام ودعائمه. قال جابر بن عبد الله: " «ليس أحد من خلق الله تعالى إلا وعليه عمرة واجبة» " ذكره ابن أبي موسى.
    وفي حديث عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: - يعني جبريل عليه السلام - لما جاء في صورة الأعرابي -: «يا محمد ما الإسلام؟ فقال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن تقيم
    الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان» رواه الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين، والدارقطني، وقال: هذا إسناد صحيح أخرجه مسلم بهذا الإسناد.
    وهذه الزيادة وإن لم تكن في أكثر الروايات فإنها ليست مخالفة لها، لكن هي مفسرة لما أجمل في بقية الروايات، فإن الحج يدخل فيه الحج الأكبر والأصغر، كما أن الصلاة يدخل فيها الوضوء والغسل، وإنما ذكر ذلك بالاسم الخاص تبيينا خشية أن يظن أنه ليس داخلا في الأول. وقد روى الدارقطني بإسناد ضعيف عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " «إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت» ". وروى القاضي بإسناده عن قتيبة، عن ابن لهيعة، عن عطاء، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «الحج والعمرة فريضتان واجبتان» ".


    وروى سعيد بن أبي عروبة - في المناسك - عن قتادة أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " «إنما هي حجة وعمرة، فمن قضاهما فقد قضى الفريضة، ومن أصاب بعد ذلك فهو تطوع» ". وعن قتادة أن عمر بن الخطاب - رحمه الله - قال: " «يا أيها الناس كتب عليكم الحج، يا أيها الناس كتب عليكم العمرة، يا أيها الناس كتب عليكم أن يأخذ أحدكم من ماله فيبتغي به من فضل الله فإن فيه الغنى والتصديق، وأيم الله لأن أموت وأنا أبتغي بما لي في الأرض من فضل الله عز وجل أحب إلي من أن أموت على فراشي» " وأيضا فإن العمرة هي الحج الأصغر بدليل قوله - سبحانه -: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] فإن الص
    فة إذا لم تكن مبينة لحال الموصوف فإنها تكون مقيدة له ومميزة له عما يشاركه في الاسم. فلما قال: {يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] علم أن هناك حجا أصغر لا يختص بذلك اليوم. لأن الحج الأكبر له وقت واحد لا يصح في غيره، والحج الأصغر لا يختص بوقت. وقد روى الدارقطني عن ابن عباس قال: " «الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأصغر العمرة» ".
    وأيضا ففي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن: " «وأن العمرة الحج الأصغر» " رواه الدارقطني من حديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج --- متجدد


    شرح العمدة لابن تيمية كتاب الحج (1)
    تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية
    من صــ 102الى صــ 115
    (3)

    وهذا الكتاب: ذكر هذا فيه مشهور مستفيض عند أهل العلم. وهو عند كثير منهم أبلغ من
    خبر الواحد العدل المتصل، وهو صحيح بإجماعهم.
    وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بين أنها الحج الأصغر كما دل عليه كتاب الله عز وجل: علم أنها واجبة، لأن قوله: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] وسائر الأحاديث التي فيها ذكر فرض الحج إما أن يعم الحجين الأكبر والأصغر كما أن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- " «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» " يعم نوعي الطهور الأكبر والأصغر، وإما أن تكون مطلقة ولا يجوز أن يكون المفروض مطلق الحج، لأن ذلك يحصل بوجود الأكبر أو الأصغر فيلزم أن تكفيه العمرة فقط وذلك غير صحيح. فيجب أن يكون عاما ولا يجوز أن يعني الحج الأكبر فقط ; لأنه يكون تخصيصا للعام، وتقييدا للمطلق، وذلك لا يجوز إلا
    بدليل. ولو أريد ذلك لقيد كما قيد في قوله: {يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] بل الناس إلى التقييد هنا أحوج لأن هذا ذكر للمفروض الواجب، والاسم يشملها، وذاك أمر بالنداء يوم الحج الأكبر، والنداء لا يمكن إلا في المجتمع، والاجتماع العام إنما يقع في الحج الأكبر لا سيما وقوله: (يوم) والحج الأصغر لا يختص به. وبهذا يجاب عن كل موضع أطلق فيه ذكر الحج. وأما المواضع التي عطف فيها فللبيان والتفسير وقطع الشبهة لئلا يتوهم متوهم أن حكم العمرة مخالف لحكم الحج، وأنها خارجة عنه في هذا الموضع لأنها كثيرا ما تذكر بالاسم الخاص، وكثيرا ما يكون لفظ الحج لا يتناولها.
    وأما الأحاديث فضعيفة.


    وأما كونها لا تختص بوقت، وكونها بعض الحج فلا يمنع الوجوب. وأيضا فإنها عبادة تلزم بالشروع، ويجب المضي في فاسدها فوجبت بالشرع كالحج، وعكس ذلك الطواف (فصل)
    وقد أطلق أحمد القول بأن العمرة واجبة، وأن العمرة فريضة في رواية جماعة منهم أبو طالب والفضل وحرب، وكذلك أطلقه كثير من أصحابه، منهم ابن أبي موسى، وقال في رواية الأثرم - وقد سئل عن أهل مكة - فقال: أهل مكة ليس عليهم عمرة إنما قال: الله تعالى -: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] فقيل له: إنما ذاك في الهد
    ي في المتعة فقال: كان ابن عباس يرى المتعة واجبة، ويقول: "يا أهل مكة ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم طوافكم بالبيت ". قيل له: كأن إقامتهم بمكة يجزيهم من العمرة؟ فقال: نعم. وكذلك قال في رواية ابن الحكم: ليس على أهل مكة عمرة لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت فمن أراد منهم أن يعتمر خرج إلى التنعيم، أو تجاوز الحرم. وقال - في رواية الميموني -: ليس على أهل مكة عمرة، وإنما العمرة لغيرهم، قال: الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] إلا أن ابن عباس قال: " يا أهل مكة من أراد منكم العمرة فليجعل بينه، وبينها بطن محسر ". وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهل من الحل وأدناه التنعيم، ولأصحابنا في هذا ثلاثة طرق: -
    أحدها: أن المسألة رواية واحدة بوجوبها على المكي وغيره، وأن قوله ليس عليهم متعة يعني في زمن الحج لأن أهل الأمصار غالبا إنما يعتمرون أيام الموسم، وأهل مكة يعتمرون في غير ذلك الوقت، قاله القا
    ضي قديما قال: لأنه قال: لأنهم يعتمرون في كل يوم يطوفون بالبيت. وهذه طريقة ضعيفة.
    الثانية: أن في وجوبها على أهل مكة روايتين: لأنه أوجبها مطلقا، في رواية واستثنى أهل مكة في أخرى، وهذه طريقة القاضي أخيرا، وابن عقيل، وجدي وغيرهم.

    والثالثة: أن المسألة رواية واحدة أنها لا تجب على أهل مكة وأن مطلق كلامه محمول على مقيده ومجمله على مفسره وهذه طريقة أبي بكر وأبي محمد صاحب الكتاب وهؤلاء يختارون وجوبها على أهل مكة.
    ووجه عدم وجوبها ما روى عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يا أهل مكة ليس عليكم عمرة " وعن عمرو بن كيسان قال: سمعت ابن عباس يقول: "لا يضركم يا أهل مكة ألا تعتمروا، فإن أبيتم فاج
    علوا بينكم وبين الحرم بطن واد ".
    وعن عطاء أنه كان يقول: " يا أهل مكة إنما عمرتكم الطواف بالبيت، فإن كنتم لا بد فاعلين فاجعلوا بينكم وبين الحرم بطن واد " رواهن سعيد، هذا مع قوله: إن العمرة واجبة. ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
    ولأن الله - سبحانه - قال: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] فجعل التمتع بالعمرة إلى الحج الموجب لهدي أو صيام لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فإذا كان حاضر المسجد الحرام يفارق غيره في حكم المتعة وواجباتها مفارقة في وجوب العمرة، وأيضا فإن العمرة هي زيارة البيت وقصده، وأهل مكة مجاوروه وعامروه بالمقام عنده فأغناهم ذلك عن زيارته من مكان بعيد فإن الزيارة للشيء إنما تكون للأجنبي منه البعيد عنه، وأما المقيم عنده فهو زائر دائما، فإن مقصود العمرة إنما هو الطواف، وأهل مكة يطوفون في كل وقت.
    وهؤلاء الذين لا تجب عليهم العمرة هم الذين ليس عليهم هد
    ي متعة على ظاهر كلامه في رواية الأثرم، والميموني في استدلاله بقوله تعالى -: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} [البقرة: 196] وظاهر قوله في رواية ابن الحكم والأثرم أيضا - أنها إنما تسقط عن أهل مكة وهم أهل الحرم ; لأنهم هم المقيمون بمكة، والطوافون بالبيت. فأما المجاور بالبيت فقال عطاء: هو بمنزلة أهل مكة الفصل الثالث
    أنهما إنما يجبان مرة في العمر بإيجاب الشرع، فأما إيجاب المرء على نفسه فيجب في الذمة بالنذر، ويجب القضاء لما لم يتمه كما يذكر إن شاء الله تعالى، ويجب إتمامها بعد الشروع.


    وقد أجمعت الأمة على أن الواجب بأصل الشرع: مرة واحدة، والأصل في ذلك ما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: «خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم» " رواه أحمد ومسلم، والنسائي.
    وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «خطبنا رسول الله -صلى
    الله عليه وسلم- فقال: "يا أيها الناس كتب عليكم الحج " فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال: "لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولم تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة فمن زاد فهو تطوع» " رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، ولفظهما: أن الأقرع بن حابس سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله الحج في كل سنة، أو مرة واحدة؟ قال: "بل مرة واحدة فمن زاد فهو تطوع» ".
    وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «لما نزلت {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] قال المؤمنون: يا رسول الله أفي كل عام مرتين [فسكت، ثم قالوا يا رسول الله أفي كل عام مرتين] فقال: لا ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]» رواه أحمد وابن ماجه والترمذي، وقال غريب من هذا الوجه سمعت محمدا يقول: " أبو البختري لم يدرك عليا " وقد احتج ب
    ه أحمد.
    وعن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته: «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج " فقال رجل من أهل البادية -: يا نبي الله أكل عام؟ فسكت عنه نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: يا نبي الله أكل عام؟ فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده لو قلت نعم لوجبت، ولو و
    جبت لكفرتم، ولما استطعتم فإذا أمرتكم بأمر فاتبعوه، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه، فإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم، وكثرة سؤالهم. ألا وإنما هي حجة وعمرة، فمن قضاهما فقد قضى الفريضة فما أصاب بعد ذلك فهو تطوع» ". رواه سعيد بن أبي عروبة في مناسكه عنه. اهـ.


    (الفصل الرابع)
    أنه لا يجب الوجوب المقتضي للفعل وصحته إلا على مسلم لأن الله - سبحانه - قال: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] فنهاهم أن يقربوه، ومنعهم منه. فاستحال أن يؤمروا بحجه، ولأنه لا يصح الحج منهم، ومحال أن يجب ما لا يصح لما «روى أبو هريرة أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بعثه في الحجة التي أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس "ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان» " متفق عليه وكان هذا النداء بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما بعث أبا بكر يقيم للناس الحج، ويقطع العهود التي بي
    نه وبين المشركين وينهاهم عن الحج، وبعث عليا - رضي الله عنه - يقرأ سورة براءة وينبذ إلى المشركين.
    «وعن زيد بن أثيع، ويقال يثيع قال: سألت عليا بأي شيء بعثت، قال: "بأربع
    لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-عهد فعهده إلى مدته، ومن لا مدة له فأربعة أشهر» " رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
    وقد منع الله - سبحانه - المشركين من اليهود والنصارى وغيرهم من سكنى جزيرة العرب مبالغة في نفيهم عن مجاورة البيت.
    ومن عرف بالكفر، ثم حج حكم بإسلامه في أصح الوجهين.
    فأما وجوبه عليهم بمعنى أنهم يؤمرون به بشرطه، وأن الله يعاقبهم على تركه فهو ظاهر المذهب عندنا لأن الله - تعالى - قال: {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] فعم ولم يخص وروى أحمد عن عكرمة قال: لما نزلت: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85] قالت اليهود: فنحن المسلمون، فقال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وس
    لم-: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [آل عمران: 97] فحجوا، فأبوا فأنزل الله: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] من أهل الملل، وفي رواية لما نزلت: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] قالت الملل: فنحن المسلمون، فأنزل الله: تعالى -: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: 97] فحج المسلمون وقعد الكفار.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •