بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
ـ مجد الدين محمد بن الفيروز آبادي
المجلد الاول
من صـــ 57 الى صـــ 64
بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز
المؤلف: مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ)
المحقق: محمد علي النجار
الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة
عدد الأجزاء: 6
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
عام النشر:
جـ 1، 2، 3: 1416 هـ - 1996 م
جـ 4، 5: 1412 هـ - 1992 م
جـ 6: 1393 هـ - 1973 م
الباب الأول - الطرف الأول - المقدمات
الفصل الأول - في فضائل القرآن ومناقبه
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} وقال {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ} وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} وسيأْتى تفصيل أَسماءِ القرآن بعد هذا.
وأَمّا الخبر فأَشرف الأَحاديث فى ذلك ما صحّ عن النبى صلى الله عليه وسلم أَنه حدَّث عن جبريل عليه السّلام عن الربّ تبارك وتعالى أَنه قال "مَن شغله قراءَة كتابى عن مسأَلتى أَعطيته أَفضل ما أُعطِى الشاكرين" وفى رواية (السّائلين) . وعن أَنس عن النبى صلى الله عليه وسلم أَنه قال "إِن لله أَهلين من الناس. فقيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: أَهل القرآن. هم أَهل الله وخاصّته" وعن ابن عباس يرفعه "أَشراف أُمّتى حَمَلةُ القرآن، وأَصحاب الليل" وعنه أَيضا يرفعه "مَن أُعطِى القرآن فظنّ أَنّ أَحداً أُعْطِى أَفضلَ ممّا أُعْطى فقد عظَّم ما حقّر الله وحقّر ما عظَّم الله" وقال "من أَوتى القرآن فكأَنما أُدْرجتِ النبوّة بين جنبيه، إِلاَّ أَنّه لم يوحَ إِليه" وسئل النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل مَن أَفضل النّاس؟ فقال "الحالّ المرتحل. قيل: ومن الحالّ المرتحل؟ قال: صاحب القرآن كلَّما حلّ ارتحل" أَى كلَّما أَتمّ ختْمة استأنف ختمة أخرى.
وعن عليٍّ رضى الله عنه "قال: ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الفتنة. قلنا يا رسول الله: وما المَخْرج منها؟ قال: كتاب الله. فيه نبأ ما قبلكم، وفَصْل ما بينكم، وخَبر ما بعدكم. وهو الفصل ليس بالهَزْل. مَن تركه من جَبَّار قصمه الله. ومن ابتغى الهُدَى فى غيره أَضلَّه الله، وهو (حبل الله) المتين. وهو الذكر الحكيم، وهو الصِّراط المستقيم، وهو الذى لا يتلبِس له الأَلسُن، ولا يزيغ به الأَهواءُ، ولا يَخْلُق عن كثرة الرَّدّ، ولا يشبع منه العلماءُ، ولا ينقضى عجائبه، هو الَّذى لم يلبثِ الجِنُّ إِذْ سمعته أَن قالوا: إِنَّا سمعنَا قرآناً عجباً. من قال به صَدَق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به هُدِى إِلى صراط مستقيم" وعن ابن مسعود عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال "إِن هذا القرآن مَأَدُبَةُ الله فى أَرضه، فتعلَّموا مَأْدبته ما استطعتم. وإِن هذا القرآن هو حبل الله، فهو نوره المبين، والشِّفاءُ النافع، عِصْمة لمن تمسك به، ونجاة من تبعه. "لا يَعْوجُّ فيقوَّم، ولا يزيغ فيُستَعتَبَ، ولا ينقضى عجائبه، ولا يَخْلقُ عن كثرة الردِّ فاقرءُوه؛ فإِنَّ الله يأْجُركم بكلِّ حرف عشر حسنات. أَمَا إِنى لا أَقول: الم عشر، ولكن أَلف، ولام، وميم ثلاثون حسنة" وعن أَبى هريرة أَنًَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "فَضْل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خَلْقه" وعن أَبى الدرداءِ يرفع إِلى النبىّ صلى الله عليه وسلم: القرآن أَفضل من كل شىء دون الله. فمن وَقَّر القرآن فقد وقَّر الله، ومن لم يوقِّر القرآن فقد استخفّ بحرمة الله. حرمة القرآن على الله كحرمة الوالد على ولده" وعن أَبى أُمامة أَنَّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأَ ثُلث القرآن أُوتى ثُلث النبوَّة. ومن قرأَ نصف القرآن أُوتى نصف النبوَّة. ومن قرأَ ثُلثى القرآن أُوتى ثُلثى النبوَّة. ومن قرأَ [القرآن] كلَّه أُوتى النبوّة كلها، ثم يقال له يوم القيامة: اقرأْ وارْقَ بكُّل آية درجةً حتَّى يُنجز ما (معه من) القرآن. ثم يقال له: اقبض فيقبِض، فيقال: هل تدرى ما فى يديك؟ فإِذا فى اليمنى الخُلْد، وفى الأُخرى النعيم".
وعن عائشة رضى الله عنها عن النبىِّ صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال: "حَمَلة القرآن محفوفون برحمة الله، الملْبَسون نورَ الله، المعلِّمون كلام الله. فمن عاداهم فقد عادى الله. ومن والاهم فقد والى الله. يقول الله عز وجل: يا حَمَلة كتاب الله تَحَبَّبوا إِلى الله بتوقير كتابه يزدكم حُبّاً، ويحبِّبكم إِلى خَلْقه. يُدفع عن مستمع القرآن شرّ الدنيا، ويدفع عن تالى القرآن بَلْوَى الآخرة. ولَمُستمع آية من كتاب الله خير من ثَبير ذهباً. ولَتَالى آيةٍ من كتاب الله خير مما تحت العرش إِلى تُخُوم الأَرض السفلى" وعن أَبى بُرَيدة قال: كنت عند النبىّ صلَّى الله عليه وسلم فسمعته يقول: إِنَّ القرآن يَلْقى صاحبه يوم القيامة حين ينشقّ عنه قبرُه كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفنى؟ فيقول: ما أَعرفك. فيقول: أَنا صاحبك القرآنُ الذى أَظمْأْتُك فى الهواجر، وأَسهرت ليلتك. وإِن كل تاجر من وراءِ تجارته، وإِنك اليوم من وراءِ كل تجارة. قال: فيعطى المُلْك بيمينه، والخُلْد بشِماله، ويوضع على رأْسه تاجُ الوقار، ويُكْسَى والداه حُلَّتَين لا يقوم لهما أَهل الدنيا. فيقولان: بِم كُسِينا هذا؟ فيقال لهما: بأَخْذ ولدكما القرآن. ثم يقال له: اقرأْ واصعد فى دَرَج الجنَّة وغُرَفها. فهو فى صُعُود ما دام يقرأُ، هذّاً كان أَو ترتيلا".
وعن مُعَاذ قال: "كنت فى سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله حدِّثنا بحديث يُنتفع به، فقال: إِن أَردتم عيش السُّعداء أَو موت الشهداء، والنجاةَ يوم الحشر، والظِّلّ يوم الحَرُور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن؛ فإِنَّه كلام الرَّحمن، وحَرس من الشيطان، ورُجْحان فى الميزان" وعن عُقْبة بن عامر قال "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن فى الصُّفَّة، فقال: أَيّكم يحبُّ أَن يغدو كلَّ يوم إِلى بُطْحان أَو العَقيقِ، فيأتىَ بناقتين كَوْماوَين زهراوين فى غير إِثم ولا قطيعة رَحم؟ قلنا كلّنا يا رسول الله يحبُّ ذلك. قال: لأَن يغدو أَحدكم كلَّ يوم إِلى المسجد فيتعلَّم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاثٌ خير له من ثلاث ومِن أَعدادهنَّ من الإِبل" وعن عائشة قالت "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السَّفَرة الكرام البررة. والذى يَتَتَعْتع فيه له أَجران"
وروى عن أَبى ذرّ "أَنَّه جاءَ إِلى النبىِّ صلِّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إِنِّى أَخاف أَن أَتعلَّم القرآن ولا أَعمل به. فقال صلَّى الله عليه وسلم: "لا يعذِّب الله قلباً أَسكنه القرآن" وعن أنس عن النبي صلَّى الله عليه وسلم أَنَّه قال: "مَن علَّم آية من كتاب الله كان له أَجرها ما تليت" وعن ابن مسعود أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَراد علم الأَوَّلين والآخرين فليتدبَّر القرآن مؤثراً؟ فإِن فيه علم الأَولين والآخرين؛ أَلم تسمعوا قوله: ما فرطنا فى الكتاب من شَىْءٍ" عن واثلة بن الأَسْقع أَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أُعطيت السَّبع الطِّوال مكان التوراة، وأُعطِيت المائدة مكان الإِنجيل وأُعطيت المثانى مكان الزَّبور وفُضِّلت بالمفصَّل" وعن عثمان بن عفَّان أَنَّه قال: "خيركم من تعلَّم القرآن وعَلَّمه" قال ابن عبَّاس: افتخرت السماءُ على الأَرض فقالت: أَنا أَفضل، فِىَّ العرش، والكرسيُّ، واللَّوح، والقلم. وفيَّ الجنَّة المأوى وجنَّة عَدْن، وفىَّ الشمس، والقمر، والنجوم. ومنِّى تنزَّلُ أَرزاق الخَلْق. وفىَّ الرَّحمة. فقالت الأَرض وتركتْ أَن تقول: فىَّ الأَنبياء والأَولياءُ وفىَّ بيت الله بل قالت: أَليس تنقلب أضلاعُ حَمَلة القرآن فى بطنى: فقال الله: صَدَقْتِ يا أَرض. وكان افتخارها على السَّماءِ أَن قال لها الرَّب صدقتِ. وعن أَبى موسى الأَشعرىّ عن النبىّ صلى الله عليه وسلم مَثَل الذى "يقرأُ القرآن ويعمل به مثل الأُتْرُجَّة: طعمها طيّب وريحها طيب ومثلُ الذى لا يقرأُ القرآن ويعمل به مثل التَمْرة: طعمها طيِّب، ولا ريح لها. ومثل الذى يقرأُ القرآن ولا يعمل به كمثل الرَّيحانة: لها رائحة، وطعمها مُرٌّ. ومثل الذى لا يقرأُ القرآن ولا يعمل به مثل الحَنْظَلة. لا طعم لها، ولا رائحة".
وسئل النبى صلى الله عليه وسلم من أَحسن النَّاس صوتاً؟ قال من إِذا سمعته يقرأُ خشية تخشى الله" وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأَصحابه: "اقرءُوا القرآن بحزن؛ فإِنه نزل بحزن" وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هذه القلوب لتصدأُ كما يصدأُ الحديد. قيل فما جِلاؤها يا رسول الله؟ قال: ذكر الموت وتلاوة القرآن: أَلم تسمعوا قوله تعالى {وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور} وقال عليه السَّلام: "القرآن هو الدَّواءُ" وقال "لا فاقة بعد القرآن، ولا غنى دونه" وقال: " ما آمن بالقرآن من استحلَّ محارمه" (وقال) "القرآن شافع، أَو ما حِلٌ مصدَّق" وقال: "من قرأَ القرآن وعمل بما فيه لم يُرَدَّ إِلى أَرذل العمر" وقال فى قوله {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} قال يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه ويكِلون ما أَشكل عليهم إِلى عالِمه" ويرى أَنَّ امرأَة مرَّت بعيسى بن مريم فقالت طوبى لبطن حملتك وثدى أَرضعك فقال عيسى لا بل طوبى لمن قرأَ القرآن وعمل به.