بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصّلاة والسّلام على من لّا نبي بعده وبعد:
هذه لطيفة من لطائف القرآن أنقلها إليكم لعلّ الله تعالى أن ينفع بها.
قال الله تعالى في سورة النساء الآية 92:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
فبعد التأمل والتدبر نلاحظ بأنّ الله تعالى قدّم تحرير رقبة مؤمنة على تسليم الدية ثمّ قدّم تسليم الدية على تحرير الرقبة المؤمنة في حق المعاهد فما السرّ في ذلك؟
قال الشيخ أبو السعود رحمه الله تعالى في تفسيره إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم:
ولعل تقديمَ هذا الحكمِ هاهنا مع تأخيره فيما سلف للإشعار بالمسارعة إلى تسليم الديةِ تحاشياً عن توهّم نقضِ الميثاقِ.
وقال الشيخ محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة في كتابه زهرة التفاسير:
وهنا إشارة بيانية تؤكد حرص الشرع على دفع الدية لأهل المقتول ولو كانوا غير مسلمين، وهي تقديم الدية على الكفارة؛ لأنها نفيت في حال القاتل الذي ينتمي إلى الأعداء، فكان لابد من توكيدها حتى لَا يتردد القاتل في دفعها إلى غير المسلمين، إن كان بينهم وبين المسلمين ميثاق بمنع الاعتداء.
ولعلي أضيف نكتة أخرى فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمنّي ومن الشيطان، فأقول:
قدّم الله تعالى الدّية على تحرير الرقبة في حق المعاهد الكافر إئتلافا لقلوبهم لأنهم من المؤلفة قلوبهم الذين تُدفع لهم أموال المسلمين طمعا في إسلامهم وقد ورد ذكرهم صريحا في الأصناف الثمانية الذين تُدفع لهم الزكاة كما في سورة التوبة. فبهذا تتبيّن عظمة هذا القرآن وشموليته في إعطاء كل ذي حقّ حقّه، وفيه ردّ على من يزعم بأن القرآن جاء بالقتل والسلب والنهب كما يدعيه النصارى ومن هو على شاكلتهم من منافقي هذه الأمّة، وردّ على من زاغ وضلّ عن منهج القرآن ففجّر نفسه وقتل الأبرياء باسم القرآن والقرآن منه بريء، فسبحان من أنزل كتابا يدعو إلى الوسطية قال تعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا
اللهم أحينا أمّة وسطا وأمتنا أمّة وسطا واحشرنا أمّة وسطا آمين، والحمد لله رب العالمين.