تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 28

الموضوع: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    هذا موضوع كنت نشرته في ملتقى المذاهب الفقهية وقد أحببت أن أشارك به هنا عسى أن ينال استحسانكم

    السلام عليكم ورحمة الله

    قد تأثرت فيما مضى بالإمام ابن حزم رحمه الله وأغرمت به غراماً لا يوصف ، وأثر ذلك علي بل وعلى غيري ممن صحبني حتى جررتهم إلى القول برفض القياس والقول بالظاهر واحتد بذلك طبعي فلا أكاد أكتب بهدوء إلا بعد معالجة لنفسي شديدة.
    وكانت تعلق في ذهني مسائل لابن حزم لا أراها تجري على أصوله أو ليس لها دليل أصلاً وكنت أعلقها على نسختي من (المحلى) في الحواشي ، ولا زالت تتكاثر علي وأضيق بها إلى أن تركت القول بالظاهر ومالت نفسي إلى مذهب الشافعي لأسباب كثيرة، وقد بدا لي الآن أن أنقح هذه المسائل وأشارككم فيها تحت مسمى خواطر ، وقد كنت عزمت على نشرها في ملتقى أهل الظاهر لتعلقها بفقه ابن حزم خاصة ، ولكن لمناسبة الشهر اخترت البدء بمسائل الصيام ونشرها في ملتقى فقه الصيام ، ولم أقدم لها مقدمة بل أعرضها كيفما اتفق فأقول :
    خاطرة (1): قال ابن حزم رحمه الله 6/163-164 : وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا؛ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا، وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً وَيَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ، فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ؛ وَقَدْ يَمْرَضُ فِيهِ أَوْ يُسَافِرُ، أَوْ تَحِيضُ، فَيَبْطُلُ الصَّوْمُ، وَكَانَ بِالْأَمْسِ صَائِمًا، وَيَكُونُ غَدًا صَائِمًا، وَإِنَّمَا شَهْرُ رَمَضَانَ كَصَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَا لَيْسَ صَلَاةً، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ نِيَّةٍ، فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي صَوْمِهِ مِنْ نِيَّةٍ. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ.
    أقول : لا أخالف هنا ابن حزم رحمه الله في وجوب تبييت الصيام من الليل لكل يوم من أيام رمضان ، لكن في أدلته على إبطال قول مالك رحمه الله.

    فقوله : وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا؛ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا...
    أقول : لم ينقض عليهم رحمه الله بشيء ، بيانه أن مالكاً يقول كما نقل عنه ابن حزم أولاً ص 161: (وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَتُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ لِصَوْمِهِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ كُلِّ لَيْلَةٍ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ فَيُفْطِرَ، أَوْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ - حِينَئِذٍ – مُجَدَّدَةٍ ) واعتذر المالكية بأن رمضان كالصلاة الواحدة ، فما الذي في كلام ابن حزم ينقض به دعواهم حتى يصفها بالمكابرة بالباطل ؟
    إن قيل : قد بيَّن أنه يفصل بين كل صوم وصوم بما يبطل الصوم ، قلنا إن صيام رمضان يكون بإمساك النهار وفطر الليل فمن نوى أن يصوم رمضان فقد نوى أن يمسك النهار ويفطر الليل ، فليس في هذا الفطر خروج عن النية الحاصلة في أوله ، فلم يبطل شيئاً نواه ، وزيادة للبيان نقول : لو نوى رجل أن يصلي الظهر أربعاً فإن النية شملت جميع أفعال الصلاة ، فلا يحتاج إلى نية مفردة للقيام لأن الركوع يبطله ولا نية مفردة للركوع لأن الرفع يبطله وهكذا باقي الأركان ، فلما كان مجموع هذه الأفعال هو صلاة الظهر كان نية صلاة الظهر كافٍ في تحصيل الفرض ، وهكذا صيام رمضان لما كان مجموع إمساك أيامه وفطر لياليه هو صيام رمضان كانت نية صيام رمضان كافية في تحصيل الفرض .
    وقوله : (وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ) فهذا أيضاً لا ينقض عليهم شيئاً بل ليس فيه مخالفة للقياس ، ولنعد إلى صلاة الظهر فنقول : أرأيت لو نسي رجلٌ ركعة من الركعات ، أليس لا يجب عليه سوى استدراك تلك الركعة خاصة وباقي الركعات على حالها من الصحة والإجزاء مع أن الصلاة فرض واحد ، فهكذا الصيام. والله أعلم.
    ولو أنه اقتصر في رده عليهم على حديث حفصة وغيرها وعلى فعل الصحابة الذين لا يعلم لهم مخالف ، وعلى أن دعوى أن رمضان رمضان كالصلاة الواحدة لا برهان عليها ، لكفاه .

    خاطرة (2) قال ابن حزم رحمه الله 6/164 المسألة 729 : وَمَنْ نَسِيَ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ فَأَيُّ وَقْتٍ ذَكَرَ مِنْ النَّهَارِ التَّالِي لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ - سَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَطِئَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ وَقْتِهِ إذَا ذَكَرَ، وَيُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ، وَيُجْزِئُهُ صَوْمُهُ ذَلِكَ تَامًّا، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ، إلَّا مِقْدَارُ النِّيَّةِ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَذَلِكَ فَلَا صَوْمَ لَهُ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَعَمِّدٌ لِإِبْطَالِ صَوْمِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَضَاءِ
    أقول : في هذ المسألة لم يجرِ فيها ابن حزم على شيء من أصوله ، فسوى بين من جهل بكون اليوم من رمضان ومن علم لكن نسي أن ينوي ، وبين صوم عاشوراء وبين صيام رمضان ، وعلى فرض صحة التسوية فعلى أصول غيره لا أصوله .
    أما قوله ص165: (بُرْهَانُ قَوْلِنَا -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَكَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا نَاسٍ، أَوْ مُخْطِئٌ غَيْرُ عَامِدٍ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ)
    أقول : لا دلالة فيما ذكره هنا على سابق دعواه ، إذ لا خلاف بيننا في كون الجناح عمن أخطأ أو نسي أو استكره مرفوع ، لكن الخلاف في كون صوم ناسي النية حتى لم يذكرها إلا في اليوم التالي مجزئ ، فإن رفع الجناح لا يصحح العبادة .
    أما احتجاجه بأحاديث صيام عاشوراء فيحتاج ليستقيم استدلاله بها إلى :
    أولاً : إثبات أنه كان فرض ، وورود الأمر به لا يكفيه لأن المستحب مأمور به ، وقد صح عنه ☺ أنه قال : (هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ) فهذا نص في أن صيام عاشوراء لم يفرض وهو صارف للأوامر الواردة في صيامه إلى الاستحباب.
    فإن قيل : يحتمل أنه أراد ليس مكتوباً عليكم صيامه الآن ، أو أنه أراد لم يكتب عليكم صيامه إلى الأبد.
    فالجواب : من وجوه : الأول : أن الأصل في لم أنها لنفي الماضي كما قاله ابن خزيمة ، والثاني : أن النفي عام . الثالث : أن الاحتمال لا يكفي في دفع الاستدلال به ، بدليل أنه لو كان محتملاً لهذين المعنيين كام محتملاً لخلافهما أيضاً كعموم النفي السابق وأن الأوامر كانت للاستحبابة فإن كان محتملاً سقط الاستدلال بالأوامر السابقة على قواعد ابن حزم لأنه لا يجيز العمل إلا باليقين. الرابع : أن هذين الاحتمالين جاريان على القول بالنسخ ، أي أن فرض صيام عاشوراء كان فرضاً ثم نسخ ، والأصل عدم النسخ ، والجمع أولى ، فحمل الأوامر على الاستحباب أولى منه.
    ثانياً : يحتاج إلى إثبات أن فرض صيام عاشوراء كفرض صيام رمضان في الأركان والوجبات ، بيانه أن صيام رمضان مر بمراحل فكان مثلاً إذا نام الرجل في الليل ثم سهر لم يأكل ولم يشرب ، ثم نسخ هذا فجازت جميع المفطرات المباحة من غروب الشمس حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وعاشوراء لا يخلو من ثلاثة أمور إما أن يكون موافقاً للحكم المنسوخ أو الناسخ أو لا هذا ولا ذاك ، وأيٌّ كان ما ترجح عندك فقد خالف رمضان في الأخرى ، فمن أين لك أنه لم يكن يخالف في أحكام النية ؟
    أما قول ابن حزم هنا : ( إن حكم ما كان فرضاً حكم واحد ) ص166 دعوى لا دليل عليها ، بل الأمر بخلافه كما بينا بهذا المثال .
    ثالثاً : أنه قد روي حديث عاشوراء بلفظ : (فأتموا يومكم هذا واقضوا) وقد رواه ابن حزم من طريق عبد الباقي بن قانع عن أحمد بن علي بن مسلم عن محمد بن المنهال بإسناده .
    ورواه أبو داود عن محمد بن المنهال بإسناده.
    وفيه أن صيام ذلك اليوم لا يجزئ ويجب يوماً مكانه.
    فإن قيل : قد أعله ابن حزم بابن قانع وأحمد بن علي بن مسلم .
    فالجواب : أن الجمهور على توثيق ابن قانع ، وأما أحمد بن علي بن مسلم فهو الأبار الحافظ الثقة ، وهو فوق ابن حزم في الحديث فلا يضره جهل ابن حزم به. ثم أن أبا داود تابعه عن المنهال ، فسقط التعلل بابن قانع والأبار.
    وإن قيل : فإنه قد رواه غير واحد عن يزيد بن زريع وقتادة لم يذكرا زيادة (واقضوا).
    قلنا : نعم وهو لعمري علة قادحة في صحتها ، لكن هذا إنما يجري على قواعد غير ابن حزم ، أما هو فزيادة الثقة عنده مقبولة مطلقاً ، وقد روى حديث حفصة أن رسول الله ☺ قال : (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) من طريق ابن جريج عن ابن شهاب ، ولم يبالي بمخالفة أوثق أصحاب الزهري لابن جريج وهم مالك وسفيان وعبيدالله ومعمر ويونس كلهم رواه عن الزهري موقوفاً فلم يعتد بذلك شيئاً.
    فالحديث حجة عليه كفيما كان.
    رابعاً : على فرض أن فرض عاشوراء كفرض رمضان في الأداء وأن لفظة (واقضوا) لا تصح على أصول ابن حزم، فمن أين له أن رمضان وعاشوراء سواء في القضاء ، ولِمَ لا يجوز أن يكون رمضان واجب القضاء دون عاشوراء؟ فإن القضاء في رمضان ثابت بالكتاب والسنة ، ولم يرد أن عاشوراء يُقْضَى سواء أفطره المريض والمسافر أو الصحيح المتعمد ، فلا يقاس أحدهما بالآخر.
    خامساً : على فرض أنهما سواء في كل شيء حتى يجوز أن يقاس أحدهما على الآخر ، فليس بحجة لابن حزم لعدم قوله بالقياس أصلاً .
    سادساً : وعلى فرض أن القياس في هذه المسألة جائز عنده مستقيم على أصوله، لكانت معارضته لحديث حفصة رضي الله عنها مبطلةً له لما هو معلوم من أنه لا قياس في مورد النص ، وليس هو من القائلين بتخصيص العام بالقياس ، كيف وهو لا يقول بالقياس أصلاً.
    ولم يقل بما ذكره ابن حزم أحد من السلف أما عمر بن عبدالعزيز فليس في كلامه أن ذلك اليوم مجزئ ، أما عطاء فكلامه فيمن لم يعلم بأن الهلال قد رؤي لا فيمن علم لكن نسي أن ينوي ، أما علي بن أبي طالب فليس في كلامه صيام رمضان أصلاً ولا فيه أن صيام ذلك اليوم مجزئ.
    وتعلل أيضاً في التسوية بين الناسي والنائم والجاهل بأن الجميع لم يعلم وجوب الصوم عليه ، وفيه نظر من جهة أن النص ـ على فرض دلالته وقد بينا عدمها ـ دل على أن من لم يكن صام فليتم صومه ، من دون تعليق للحكم على العلم بفرض الصوم أو الجهل به ، فهذا التعليل منه ليس من نص كتاب ولا سنة بل اجتهاد منه ، وهو مصرح بأن مثل هذا باطل.
    خاطرة (3) قال رحمه الله 6/170 المسألة 730 : قال رحمه الله : وَلَا يُجْزِئُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا صَوْمُ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ الْكَفَّارَاتِ إلَّا كَذَلِكَ، لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِأَنْ لَا صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَمْ يَخُصَّ النَّصُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا كَانَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَبَقِيَ سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى النَّصِّ الْعَامِّ.
    وذكر حديث أم المؤمنين عَائِشَةَ ▲ : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مِنْ غَدَاءٍ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» . وَقَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، قَالَ أَمَا إنِّي أَصْبَحْتُ أُرِيدُ الصَّوْمَ فَأَكَلَ»
    ثم تعلل في رده بقوله ص 172-173: ( لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ نَوَى الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْبَحَ مُفْطِرًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ لَقُلْنَا بِهِ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، كَانَ يُصْبِحُ مُتَطَوِّعًا صَائِمًا ثُمَّ يُفْطِرُ، وَهَذَا مُبَاحٌ عِنْدَنَا لَا نَكْرَهُهُ، كَمَا فِي الْخَبَرِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْهُ مِنْ اللَّيْلِ» لَمْ يَجُزْ أَنْ نَتْرُكَ هَذَا الْيَقِينَ لِظَنٍّ كَاذِبٍ)
    ويرد عليه أن قوله صلى الله عليه وسلم «فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» جواب لقول عائشة رضي الله عنها «لَا» أي ليس عندنا شيء أو غذاء ، فالتقدير «فَإِنِّي إذ ليس عندنا شي صَائِمٌ» فإنه دليل على إنشاء الصيام حيث لم يجد الطعام .
    وأيضاً لا دليل على أنه نوى قبلها الصيام ، وعلى فرض قيام الدليل عليه ، فنيته الفطر إذا وجد الطعام قد أبطلها كما قاله ابن حزم في المسألة 732 وعبارته (ومن نوى وهو صائم إبطال صومه بطل)، فلو صام بعد ذلك فهي نية جديدة غير الأولى ، وهو كافٍ في الدلالة على قول الجمهور.
    وما رواه عن الصحابة دالٌّ على أن قول النبي ☺ دالٌّ على ما ذكرنا بلفظه ، إذ هو إنما خاطبهم بلغتهم ، ومحال أن يفهموا من كلامه ☺ غير ما تدل عليه لغتهم.
    هذا والله أعلم

    [COLOR=#FF0000 ]الموضوع الاصلي:[/COLOR] خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية, [COLOR=#FF0000 ]الكاتب:[/COLOR] وضاح أحمد الحمادي, [COLOR=#FF0000 ]الموقع:[/COLOR] الملتقى الفقهي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (4) قال رحمه الله 6/177 ممَسْأَلَةٌ 734 : ( وَيُبْطِلُ الصَّوْمَ أَيْضًا تَعَمُّدُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ - أَيِّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ...) ثم احتج بحديث أَبِيْ هُرَيْرَةَ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ» .
    وحديث الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ؟ فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ »
    وحديث سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ »
    وحديث عُبَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى عَلَى امْرَأَتَيْنِ صَائِمَتَيْنِ تَغْتَابَانِ النَّاسَ فَقَالَ لَهُمَا: قِيئَا، فَقَاءَتَا قَيْحًا وَدَمًا وَلَحْمًا عَبِيطًا، ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هَا إنَّ هَاتَيْنِ صَامَتَا عَنْ الْحَلَالِ وَأَفْطَرَتَا عَلَى الْحَرَامِ.
    ثم قال رحمه الله : ( فَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ فِي الصَّوْمِ، فَكَانَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ - لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَصُمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصِّيَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، ... وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ مَنْ لَمْ يَدَعْ الْقَوْلَ بِالْبَاطِلِ - وَهُوَ الزُّورُ - وَلَمْ يَدَعْ الْعَمَلَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي تَرْكِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ ، فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى صَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَبَّلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ وَلَا قَبِلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ سَاقِطٌ؛ وَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْمُغْتَابَةَ مُفْطِرَةٌ وَهَذَا مَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ )
    أقول : أما النهي عن الرفث والصخب والجهل ، فأكثر ما يدل عليه أنها معاصي ، أما أن يدل على أنها تفطر الصائم فلا ، ويكفي المطالبة باللفظ أو العبارة الدالة في الحديثين الدالين على ذلك .
    أما حديث « فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ » فليس فيه أن الصيام غير مبرئ للذمة وأن الفرض ساقط عنه ، وسواءً احتمل الحديث هذا النفي أو لم يحتمله فلا يكفي فيه ذلك حتى يكون نصاً في الدلالة عليه لا يقبل الاحتمال ، وسيأتي مزيد بيان له.
    وعلى فرض دلالته على أن هذه المعصية مفطرة فهي خاصة بقول الزور والعمل به لا يقاس غيرها عليها ، كما قال في من أفطر بالقي أنه عليه القضاء دون من أفطر بغيره لأن النص جاء في القي فقط ، ثم لا يكون القول بالزور مفطراً إلا إذا صاحبه العمل به كما أن العمل بالزور لا يكون مفطراً حتى يكون قد قال به كما قال هو في من بال في الماء الدائم أنه لا يضره حتى يكون بوله مباشرة إلى الماء الدائم فلا يضر أن يبول بجانب الماء الدائم وينساب بوله إليه ، فبأصوله وقواعده نلزمه.
    أما حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي تصاله نظر وقد قيل أن بين حماد بن سلمة وعبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، وعلى فرض صحته فمختص بالغيبة فقط لا يقاس بها غيرها ، إنما يجري القياس هنا على قول الجمهور لا قوله هو.
    وقوله: (فَكَانَ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ - عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ - لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ) غير مسلم ، بل لو قال قائل : "إن من عصى الله بكل معصية سوى الكفر والغيبة ، وأمسك مع ذلك عن الطعام والشراب والجماع والقيء عمداً والحجامة ، فقد صام كما أمره الله ، غير أنه أثناء صيامه الذي فعله كما أمره الله عصى" لم يكن هناك دليل يبطل قوله ، إذ لا نسلم أن الإمساك عن المعاصي داخل في ماهية الصيام ، ولتوضيحه وتسهيله نقول ، هب أن سيداً قال لعبده : "إجلب لي ماء ، ولا تتحدث مع زيد ولا عبيد" فذهب العبد وأتى بالماء وتحدث مع زيد وعبيد ، فأي عاقل يقول : "إنه لم يأتِ بالماء لأنه عصى؟" فبان أن فاعل المعصية إن أمسك عن المفطرات فقد أتى بالصيام وخالف النهي لا غير ، وذلك أن فعل المعصية أو تركها ما دامت غير داخلة في ماهية الصيام ولا مخلة بالإمساك عن المفطرات غير مفطرة إلا أن يأتي نص بنحو "من كذب فقد أفطر" أو"من اغتاب فقد أفظر" أو "من عصى فقد أفطر" أو ما كانت دلالته هذه الدلالة ، فبان أن العاصي الممسك عن كل مفطر قد أتى بالصيام كما أمر إلا أنه في أسوأ الأحوال لم ياتِ به على أكمل ما أمر به .
    فإن قيل : فإنا نزعم أن المعاصي من المفطرات فالإمساك عنها داخل في ماهية الصيام.
    قلنا : فعلى المثبت الدليل . ولا يقال : الدليل النهي عن فعلها ، إذ غاية ما يفيده التحريم للمنهي عنه خاصة دون أن يكون مخلا بغيره.
    أما قوله عند كلامه على حديث المقبري عن أبي هريرة : (فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى صَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَقَبَّلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَهُ وَلَا قَبِلَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ سَاقِطٌ)
    فاعلم رحمني الله وإياك أن شيئاً مما ذكر هنا ليس في الحديث ، بل في الحديث أنه ليس لله حاجة في تركه شرابه وطعامه ، فمن أين جاء بأن عدم الحاجة هي عدم الرضى وعدم القبول لذلك الصيام وإبطاله ؟
    أنا أعلم أن البعض قد يرى أن دلالة الحديث قريبة مما ذكر ابن حزم رحمه الله ، لكن جوابي مبني على أصوله ، حتى لو جاء النص على تحريم البول في الماء الدائم لم يكن في نصه ولفظه ما يدل على أن من بال بجنب الماء الدائم فعاد بوله إليه ما يجعله بائلاً في الماء الدائم عند ابن حزم، فهو لا يقنع حتى يكون الدليل نصاً صريحاً دالاً من جهة لفظه لا مفهومه على عين المسألة ، وليس هنا شيء من ذلك ، فليس بمقبول ، فاللفظ هنا مثلاً يجوز حمله على عدم الرضا فقط ، أما على عدم الإجزاء والقبول فمن أين؟
    وقد قيل : يبطل أجره لا صومه ، وهذا محتمل ، وقد رده ابن حزم رحمه الله بقوله ص178 : (وَقَدْ كَابَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّمَا يَبْطُلُ أَجْرُهُ لَا صَوْمُهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا فِي غَايَةِ السَّخَافَةِ وَبِالضَّرُورَة ِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ أَحْبَطَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرَ عَامِلِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَحْتَسِبْ لَهُ بِذَلِكَ الْعَمَلَ وَلَا قَبِلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْبُطْلَانُ بِعَيْنِهِ بِلَا مِرْيَةٍ؟) انتهى .
    ملخص كلامه أن من لم يحتسب الله جل وعلى أجر عمله لم يحتسب له بذلك العمل وهذا هو البطلان ، وزعم أن هذا معلوم لكل ذي حس ، لذا حكم عليه بأنه مكابرة في غاية السخافة ، فإما أنه لم يعلم مقصود خصمه بالبطلان أو لم يعلم بمعنى عدم الحاجة في الحديث، ونختصر فنقول : الصحيح إما أن يراد به الواقع على الوجه الشرعي أو المترتب أثره عليه ، فعلى الأولى ، لا دليل على أن من أحبط الله أجره فعمله غير صحيح أو باطل بهذا المعنى ، لأن العمل قد يقع على الوجه الشرعي ولا يقبله الله جل وعلا لمعصية لا علاقة لها بهذه العبادة أصلاً ، فليس قول خصمه بهذا المعنى لا مكابرة ولا سخيفاً ولا يعلم كل ذي حس بأن العمل باطل بهذا المعنى.
    وعلى الثاني ، فالمترتب إما أن يكون حصول الأجر أو سقوط الفرض أو جميعهما، أما الأجر فقد يجوز أن يكون مراداً ، بل هو الظاهر ، أما سقوط الفرض فلا دليل عليه ، وليس ثمة دليل على عدم السقوط مع وقوعه على الوجه الشرعي.
    ثم على فرض صحة دلالته على أن هذه المعصية المذكورة في الحديث مفطرة ، فهي خاصة بقول الزور والعمل به كما تقدم.
    أما حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل أنه منقطع وبين سليمان التيمي وعبيد رجل ، ولو صح فهو في الغيبة خاصة .
    فإن قيل : فمن أين حصرت ماهية الصيام بما ذكرت ؟
    قلت : لو لم يكن إلا أن من ترك الأكل والشراب والجماع يسمى صائماً لغةً ولم يأتِ في الشرع ما ينقضه لكفاني ، وما استدركه الشارع استدركناه كالقيء عمداً والحجامة ، كيف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» ففسر الصيام بتارك هذه الثلاثة ثم علق الجزاء عليها ، فدل على ما ذكرنا .
    وقوله ص 180 : ( وَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ هَذَا عَنْ الْأَكْلِ لِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ عَمْدًا: أَيُفْطِرُ الصَّائِمَ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ؟ فَنَقُولُ لَهُمْ: وَلِمَ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا فِيهِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَكَذَلِكَ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّوْمِ أَيْضًا بِالنَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَا )
    أقول : هذا محض مغالطة ، فإن من أكل لحم الخنزير وشرب الخمر أفطر لأنه أكل وشرب لا للنهي عن أكل الخنزير وشرب الخمر ، لذا لو زال تحريم أكل الخنزير وشرب الخمر لم يختلف الحكم .
    وقد علم هو بذلك لذا قال : ( فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ بِهِمَا؟ قُلْنَا: فَلَا تُبْطِلُوا الصَّوْمَ إلَّا بِمَا أُجْمِعَ عَلَى بُطْلَانِهِ بِهِ وَهَذَا يُوجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُبْطِلُوهُ بِأَكْلِ الْبَرَدِ وَلَا بِكَثِيرٍ مِمَّا أَبْطَلْتُمُوهُ بِهِ كَالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا فَاسِدًا مِنْ الْقِيَاسِ وَكَانَ أَصَحُّ أُصُولِكُمْ أَنْ تَقِيسُوا بُطْلَانَ الصَّوْمِ بِجَمِيعِ الْمَعَاصِي عَلَى بُطْلَانِهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ ).
    وهذا أيضاً فيه مغالطة ، فإن الخصم لا يقول بأن الفطر حاصل بالأكل والشرب لأجل الإجماع فقط ، ثم تمثيله بالبرد خطأ ، ألا تراه لم يسمي تناول البرد إلا بالأكل ، فكان مشمولاً بالإجماع المذكور .
    أما ما ذكره من السعوط والحقنة فهي كما قال داخلة عند من قال بأنها مفطرة بالقياس
    قوله : ( وَكَانَ أَصَحُّ أُصُولِكُمْ أَنْ تَقِيسُوا بُطْلَانَ الصَّوْمِ بِجَمِيعِ الْمَعَاصِي عَلَى بُطْلَانِهِ بِالْمَعْصِيَةِ بِالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ )
    قلنا : لو أنه ذكر لنا ما هي هذه الأصول كان أوفق لاحتجاجه وإلا فهي دعوى منه. وقد بينا أن المعاصي ـ عموماً ـ من جهة كونها معصية ليست داخلة في ماهية الصيام ، بخلاف الحقن والسعوط ، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (فبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فبان به أن دخول الطعام من منفذ الأنف كدخوله من الفم ، ولو أن إنساناً عصى بأنفه من دون أن يدخل من خلاله طعام أو شراب أو دخان له جرم لم يكن بذلك مجامعاً للأكل والشرب في شيء ؟ فبان لك أن دخول الطعام من غير طريق الفم قد يجامع الأكل والشرب بخلاف المعاصي ، فلا تقاس المعاصي على الأكل والشرب.
    وظهر بهذا قيمة قوله رحمه الله : (وَهَذَا مَا لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ)
    وقوله : ( فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ اجْتِنَابُ الْمَعَاصِي مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ؟ قُلْنَا: كَذَبْتُمْ لِأَنَّ النَّصَّ قَدْ صَحَّ بِأَنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ كَمَا أَوْرَدْنَا )
    أقول : قد تقدم الكلام على تلك ا لأخبار ، لا حاجة إلى إعادته ، لكنه لو ترفق ولم يقذع على غيره بكلام يعتمد فيه على محض رأيه ، لكان أولى به رحمه الله.
    والله أعلم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (5) قال رحم الله 6/180 وما بعدها مسألة 735 : ( مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ تَعَمَّدَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ إنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي نَذْرٍ مُعَيَّنٍ، إلَّا فِي تَعَمُّدِ الْقَيْءِ خَاصَّةً فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ )
    أقول : في كلامه هنا رحمه الله مغالطة خفية ، وذلك أن من فرض على المفطر عمداً القضاء لم يصرح بأنه قادر على قضائه ـ بعنى أن قضاءه مجزيه عن فطره عند الله ـ بل قالوا : يجب عليه قضاءه ، وهما مسألتان مختلفتان تماماً.
    ثانياً : لم ياتِ نص بأن من أفطر عمداً لا يقدر أبداً على القضاء ، فدعوى العلم بذلك كدعوى العلم بقدرته على قضائه كله يحتاج إلى دليل كما قال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله : ( من ادَّعى العلم بالنفي، فعليه الدليل ) (العواصم والقواصم) 6/23
    أما الأدلة على وجوب القضاء فمنها تحقيقي ومنها إلزامي ونبدأ به فنقول :
    تقدم حديث من أفطر في عاشوراء وفيه في رواية أبي داود عن محمد بن المنهال (واقضوا) وليس فيه تفصيل بين من كان أكل عامداً أو ناسياً بل هو عام ، فبان أن القضاء فرض من أفطر مطلقاً ، ولا يقال : قد ضعفه ابن حزم رحمه الله ، لما تقدم في الخاطرة الثانية من أن تضعيفه بابن قانع والأبار فيه نظر ، ومن أنه قد رواه أبو داود عن محمد بن المنهال ، فسقط التعليل .
    الثاني : وهو إلزامي أيضاً ، أنه قد قال ابن حزم رحمه الله 6/166 : (إلا أن حكم ما كان فرضاً حكم واحد) وعليه فإذا وجب على المريض والمسافر والحائض والنفساء والمستقيء قضاء أيام الفطر من رمضان لكان هذا هو فرض رمضان، وهو حكم واحد لا يتغير بتغير المفطرين.
    وفي نفسي من هذا الجواب ، فإنه قد يقال : هو فرض واحد بالنسبة للمفطرين المنصوص عليهم .
    لكن هذا جواب ضعيف ، إذ قد دل النص على أن هذا صوم مجزء عن رمضان فكان هذا حداً صحيحاً لصيام رمضان في حقهم ، ولا دليل على قصره عليهم ، فنستصحب صحته في غيرهم حتى يأتي الدليل على تخصيصه ، فمن خالف ما حده الله في الصيام في هنا فقد تعد حدود الله .
    الثالث : وهو التحقيق القياس على متعمد القيء ، أما جواب ابن حزم بأن القياس باطل فمردود ، وموضعه كتب الأصول.
    أما قوله : ( لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الْقِيَاسَ؟ فَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَقِسْ الْمُفْطِرَ عَمْدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُمْ كَسُقُوطِهَا عَنْ الْمُتَّقِي عَمْدًا، وَهُمْ الْحَنَفِيُّونَ ، وَالْمَالِكِيُّ ونَ، وَالشَّافِعِيُّ ونَ: قَاسُوهُمْ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْقَيْءِ عَمْدًا، وَلَمْ يَقِيسُوهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى الْمُجَامِعِ عَمْدًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ؛ فَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَ الَّذِي يَدَّعُونَ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْكُلِّ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ كُلِّمَ فِي إبْطَالِ الْقِيَاسِ فَقَطْ )
    فأقول : من أين قال : يجب على المالكية والأحناف إسقاط الكفارة على غير المستقيء ، ويجب عليهم وعلى الشافعية أن يوجبوا الكفارة على غير المجامع ؟
    إن قيل : لأن الجميع أفطر ، فحكمهم الثابت بالفطر سواء ، هذا مقتضى القياس.
    قلنا : سلمناه ، وذلك الحكم هو القضاء ، فمن أين قلت : إن الكفارة واجبة من أجل الفطر فقط؟
    وهذا لا جواب لهم عليه.
    ثم العجب أن ابن حزم هنا قد استدل بالقياس حيث قال : ( وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْمَ شَهْرٍ مُسَمًّى فَيَقُولُ قَائِلٌ: إنَّ صَوْمَ غَيْرِهِ يَنُوبُ عَنْهُ، بِغَيْرِ نَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ -: وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَجَّ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ يَنُوبُ عَنْ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ، وَالصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ تَنُوبُ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} )
    فإن قيل : إنما سوى بينها في الدخول تحت الآيتين المذكورتين لعموم الآيات ، قلنا : لم ترد الآيتان في نيابة غير رمضان عن رمضان.
    فإن قيل : العبرة بعموم اللفظ.
    قلنا : قوله جل وعلا (تلك) يمنع العموم ، ثم على هذه القاعدة نقول : يصح قضاء المفطر عمداً بغير الاستقاءة بدليل الأمر بالقضاء لمن أفطر بالقيء ، ولا يضر ورود الحديث في القيء إذ العبرة بعموم اللفظ (فليقضِ) فإنه صلى الله عليه وسلم لم يرد (فليقض الاستقاءة) بل فليقض ما أفطر.
    والله أعلم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (6) قال رحمه الله 6/184 مسألة 737 : ( مَسْأَلَةٌ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرًا فِي رَمَضَانَ بِمَا لَمْيُبَحْ لَهُ، إلَّا مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْأَمَتِهِ الْمُبَاحِ لَهُ وَطْؤُهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَقَطْ؛فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ، عَلَى مَا نَصِفُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَاللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُقَدَّرُ الْقَضَاءُ، لِمَا ذَكَرْنَا )
    واحتج بحديث أَبِي هُرَيْرَةَقَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ - فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَاأَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْتَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْتَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُمَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ،فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا؟ فَقَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَلَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّقَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»
    ولم يلتزم ابن حزم رحمه اللهشيئاً من أصوله وقواعده وأن جرى على وفق تصرفاته في غيرها ، فإنه ليس فيالحديث أن الرجل وقع على امرأته ناسياً أو جاهلا أو عالماً عامدا ، ولا فيهأنه وقع على أمته أو زوجته ، وأن المرأة التي وقع عليها ممن يحل له وطئهاخارج الصوم ، وهو فعل لا عموم له ، ولا فيه أنه وقع على امرءته في الفرج أوغيره ، وقد أراد رحمه الله أن يتحيل لذلك فقال : ( وَاسْمُ امْرَأَتِهِ يَقَعُ عَلَى الْأَمَةِ الْمُبَاحِ وَطْؤُهَا، كَمَا يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ ) يريد بذلك توجيه قول الصحابي في الحديث (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِيرَمَضَانَ ) لا خلاف في احتمال لفظ (امرأتي) للمعنيين ، ولكنه بلا شكوبيقين لم يرد أنه وقع على زوجته وأمته معاً، وبيقين لا شك فيه أنه لم يردإلا زوجته لقوله في الحديث : (هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا ) فلو كان يريد أمته لكان يجد رقبة يعتقها ، ولقوله في الحديث (أَفْقَرَ مِنَّا ؟ ) مستفهماً مستنكراً ، فدل على أنه لم يكن يملك أمةيستغني ببيعها ويكفر .
    ولم يوجب النبي صلى الله عليهوسلم الكفارة في الحديث على غير هذا الرجل خاصة ، فإن عم الحكم غيره فهو منكان مثله بأن وطئ زوجته خاصة من غير نظر إلى موضع الوطئ لأنه رضي الله عنهلم يخبر عن ذلك ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، فكان ما ذكرناههو مقتضى العمل بالظاهر والجمود عليه ، لا ما فعله ابن حزم رحمه الله .
    والله أعلم

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    (يتبع الخاطر 6)
    أقول : اعلم أولاً أني لاأخالف ابن حزم في تقييد الكفارة بحصول الوطئ كوني شافعيا ، لكن أبين أنه لايستطيع أن يلزم غيره من مالكية وحنفية بقوله هنا وفقاً لقواعده ، فأقول :
    قال رحمه الله : 6/187 : ( فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّا نَقِيسُ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ فِطْرٌ مُحَرَّمٌ؟ )
    في كلامه أمور :
    الأول : أن القائلين بالكفارةفي الأكل والشرب عمداً ونحوهما كالمالكية والحنفية لا يستدلون بالقياس بلبنفس حديث الباب ، وقد أشار إلى ذلك ابن حزم رحمه الله بقوله : ( فَإِنْقِيلَ: فَلِمَ لَمْ تُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَفْطَرَفِي رَمَضَانَ فِطْرًا لَمْ يُبَحْ لَهُ، بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ؟ بِمَارَوَيْتُمُوهُ ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِينَهَارِ رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ - أَنْ يُكَفِّرَ ... » )
    لكنه أوهم هنا أنهم يحتجونبهذه الرواية خاصة ، وليس كذلك بل يحتجون بنفس حديث الباب « ... هَلَكْتُيَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَىامْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ ... الحديث » إذ أن الصحابي رضي الله عنه أفطر بجماعه لا محالة ، وليس فيالحديث أن الكفارة كانت من أجل الجماع دون الفطر ، أليس لو كان مفطراً فينهار رمضان لعذر صحيح فجامع لا كفارة عليه ، فإذا كان صائماً وجبت الكفارةلحصول الفطر حينئذٍ ، فعلمنا أن الكفارة متعلقة بالفطر لحصوله بحصوله لاالجماع لأنه قد يوجد ولا تجب.
    فبان أنهم عاملين بظاهر الحديث ، فإن قيل : المذكور في الحديث أمره المفطر بالجماع .
    قلنا : قد بينا وجه إهمالالاختصاص بالجماع ، وقد روي هذا الحديث نفسه عن أبي هريرة بلفظ : «جَاءَرَجُلٌ يَنْتِفُ شَعَرَهُ وَيَدْعُو وَيْلَهُ... » فعلمنا أن الحكم لايتقيد بكون المجامع نادماً ينتف شعره ويدعو ويله ويصرخ (هلكت) كما في حديثأبي هريرة أو (احترقت) كما في حديث عائشة مع أن كل ذلك مذكور في الحديث ،وعلمنا أن الواجب تعليق الحكم بمناطه وهو الفطر في نهار رمضان ، أما أنتمفقد كان يلزمكم تقييد الحكم بمن جاء ينتف شعره ويدعو ويله ويقول (هلكت) أو (احترقت) أليس قلتم في حديث الذي يخدع في البيع أنه إن لم يقل ( لا خلابة ) وقال : (لا خديعة) لا خيار له جموداً منكم على الألفاظ، فكيف زعمتم هنا أنكل من جامع امرأته في نهار رمضان تجب عليه الكفارة ولو لم تتقترن به هذهالأحوال المذكورة في الرويات الصحيحة ؟
    الأمر الثاني : أنا القياس هناهو على من أفطر بالجماع وبالأكل والشرب ، لا قياس على المجامع فقط ، فإنقيل : فهلا قستموه على المستقيء كما قال ابن حزم رحمه الله : ( وَالْآكِلُ،وَالشَّارِبُ أَشَبَهُ بِالْمُتَعَمِّد ِ لِلْقَيْءِ مِنْهُمَابِالْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ حُلُوقِهِمْ لَا مِنْفُرُوجِهِمْ، بِخِلَافِ الْوَاطِئِ؛ وَلِأَنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ لَايُوجِبُ الْغُسْلَ، بِخِلَافِ فِطْرِ الْوَاطِئِ؛ فَهَذَا أَصَحُّ فِيالْقِيَاسِ، لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ )
    قلنا : أما المستقيء فلولامجيء النص بأنه فاعله يفطر ما حكمنا بفطره ، ألا ترى أن من ذرعه القيء لايفطر ومن استقاء أفطر ولا فرق بينهما سوى في العمد ، وقد جاء النص بأن علىصاحبه القضاء فقط ، فلا هو أشبه المفطرات السابقة في الصورة والمعنى ولا فيالنص الموجب للكفارة فيها دونه ، ولو فرضنا أنه مقيس عليه فإنما يقاس عليهما أشبهه فقط في كونه مفطراً غير مشتهى خارج لا داخل.
    فإن قيل : فمن أين لكم هذه القيود .
    قلنا : مما روي عن ابن مسعود «إِنَّمَا الصِّيَامُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ » وعن ابنعباس : «وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ، وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» فبانأن حكم الفطر بالداخل غير حكمه بالخارج .
    وحديث : «يدع طعامه وشرابهوشهوته» وليس القيء واحد من هذه الثلاثة ، فلا هو بطعام ولا شراب ـ أي بعدصيرورته قيئاً ـ ولا هو من الشهوة .
    فبان أننا متبعون في كل ماذكرنا للأثر بخلافكم ، فلا ظاهر الحديث اتبعتم ولا القياس أحسنتم ، حيثعلقتموه على كونه فطراً بكونه فطراً بالحلوق لا بالفروج ، وقد قدمنا أنالفطر من الأنف كهو من الفم بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (وبالغفي الاستنشاق إلا أن تكون صائما) فعلمنا أن لا يفرق بين كون الفطر من الحلقأو الأنف أو الأذن أو الفرج وكل ما كان موصلا إلى الجوف ، وكيف يكون فيمعنى الطعام الداخل المغذي المشتهى القي الخارج المضعف المستقذر .

    والله أعلم

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    وقال رحمه الله 6/187: (وَقَدْأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِقَطْعِصَلَاتِهِ؛ وَالصَّلَاةُ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَآكَدُ مِنْ الصِّيَامِ،فَصَارَتْ الْكَفَّارَةُ خَارِجَةً عَنْ الْأَصْلِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْيُقَاسَ عَلَى خَبَرِهَا )
    أقول : بل شرط القياس استواءالفرع والأصل في سبب الحكم ، ولا شبه ، فإنه صرح بأن الصلاة أعظم حرمة منالصيام ، فلا تكون لها كفارة تجبر عمد قطعها ، بخلاف الصيام فيجبربالكفارة.
    ثانياً : لو فرضنا أن القياسالكفارة ، فإنه قد تغتفر الكفارة في الصلاة لوجوبها كل أيام السنة خمس مراتفي اليوم ، فإيجاب الكفارة في قطعها عمداً فيه مشقة ليست في مثلها فيالصيام ، لذا وجبت الكفارة أيضاً في الحج لكونه لا يجب في العمر إلا مرةفلا يشق التكفير فيه.

    وقال رحمه الله ص 191 : ( فَأَمَّاالشَّافِعِيُّون َ: فَهُمْ أَقَلُّ الثَّلَاثِ الطِّبَاقِ تَنَاقُضًا؛وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مُفْطِرٍعَمْدًا فِي رَمَضَانَ إلَّا عَلَى مَنْ جَامَعَ إنْسَانًا، أَوْ بَهِيمَةًفِي فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا تَجِبُ عَلَيْهِالْكَفَّارَةُ بِالْإِيلَاجِ، أَمْنَى أَمْ لَمْ يُمْنِ ... وَلَمْ يَرَعَلَى الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَفَّارَةً فِي أَشْهَرِ الْأَقْوَالِعَنْهُ، وَلَا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الْأَكْلَ، وَالشُّرْبَ، أَوْ غَيْرَذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا الْقَضَاءَ فَقَطْ فَقَاسَالْوَاطِئَ لِامْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى وَاطِئِ امْرَأَتِهِ،وَقَاسَ مَنْ أَتَى ذَكَرًا عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ، وَقَاسَ مَنْأَتَى بَهِيمَةً عَلَى مَنْ أَتَى أَهْلَهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَفِي الْخَبَرِ.
    وَلَمْ يَقِسْ الْآكِلَ، وَالشَّارِبَ، وَالْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِفَيُمْنِي وَالْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ -: عَلَى الْوَاطِئِ امْرَأَتَهُ،وَهَذَا تَنَاقُضٌ؟ فَإِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ: قِسْنَا الْجِمَاعَ عَلَىالْجِمَاعِ، وَالْأَكْلَ وَالشُّرْبَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ؟قُلْنَا: فَهَلَّا قِسْتُمْ مُجَامِعَ الْبَهِيمَةِ عَلَى مُجَامِعِالْمَرْأَةِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ؟ كَمَا قِسْتُمُوهُ عَلَيْهِ فِي إيجَابِالْكَفَّارَةِ؟ وَهَلَّا قِسْتُمْ الْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَىالرَّجُلِ الْوَاطِئِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ؟ فَهُوَ وَطْءٌ وَاحِدٌ،هُمَا فِيهِ مَعًا؟ وَهَلَّا قِسْتُمْ الْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِعَامِدًا فَيُمْنِي عَلَى الْمُجَامِعِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِعَلَيْهِ؟ فَهَذَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ إلَى الْآكِلِ؟ وَهَذَاتَنَاقُضٌ قَبِيحٌ فِي الْقِيَاسِ جِدًّا؟ )
    أقول : أما الشافعية فعللواوجوب الكفارة بحصول الفطر بالجماع خاصة ، وهذا المقدار موجود في الحديث لامحالة ، ووجود زيادة في الخبر ككون الموطوءة زوجته لا يضر كما أن وجودالندم والصراخ بهلكت واحترقت ونتف الشعر لا يضر عند ابن حزم ، وكما أناختصاص الوطء بالزوجة في الخبر لا يمنع من دخول الأمة في الحكم أيضاً عنده،بل زعم أن (امرأته) يشمل الأمة ، فمن أين له أنها كانت ذات زوج يحرم عليهوطئها أو خلية لا زوج لها ، وليس في الخبر أن وطء الصحابي كان في الفرجخاصة ، ولا أنه أمنى بوطئه أو لم يمنِ ، بل فيه أنه وطء امرأته ولم يسألهصلى الله عليه وسلم عن وطئه كيف كان وأين كان ، فدل على عموم الحكم لكلواطئ.
    فإذا علمت العلة عند الشافعيةفهي حاصلة في من وطء امرأته أو غيرها أو رجل أو بهيمة في فرج أو دبر مادام في نهار رمضان فأفطر به ، هذا مقتضى القياس والعمل بظاهر النص .
    ولم يقس من أكل أو شرب عليهلعدم حصول العلة التي من أجلها وجبت الكفارة ، وهي الفطر بالوطئ ، وعدمقياسه من جامع دون الفرج لورود الحديث بحله ، فقد ثبت عن عائشة أنه صلىالله عليه وسلم كان يقبل ويباشر في نهار رمضان ، فإن كان الفعل مباحاً فعلهفي نهار رمضان ـ ولو بصفة الكراهة ـ فكيف نرتب عليه حصول الكفارة ؟
    فإن قيل : فقد رتبتم عليه حصول الفطر .
    قلنا : لعدم إمساكه عن شهوته ،وقد تقدم في الحديث ( يدع طعامه وشرابه وشهوته ) فقد خرج من الشهوة بالنصالقبلة والمباشرة ، فمن أين قلتم أن من جمع إليهما أو أحدهما الإنزال فهوممسك عن شهوته ؟
    أما إيجاب الكفارة على المرأة فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله عنها ولم يخبره بوجوبه عليها .
    أما قوله : (فَهَلَّاقِسْتُمْ مُجَامِعَ الْبَهِيمَةِ عَلَى مُجَامِعِ الْمَرْأَةِ فِي إيجَابِالْحَدِّ؟ كَمَا قِسْتُمُوهُ عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ؟)
    قلنا : إبغنا جامعاً .
    إن قال : الوطء .
    قلنا : فليس هذا وحده موجب الكفارة حتى ينضم إليه حصول الفطر به ، فهل رأيت الحد كذلك حتى سويت؟
    ومذهب الشافعي رحمه الله هو محض العمل بالظاهر والقياس عليه.

    والله أعلم

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    قال رحمه الله : ( وَأَمَّا الْمَالِكِيُّون َ: فَتَنَاقُضُهُمْ أَشَدُّ، وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ، وَالْقَضَاءَ: عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ، وَعَلَى مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى؛ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى؛ أَوْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْنَى؛ وَعَلَى مَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ؛ وَعَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا شَرِبَ، وَلَا جَامَعَ، إذَا نَوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ؛ وَعَلَى الْمَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا عَامِدَةً فَتُنْزِلُ؟ ...)
    وأطال رحمه الله كثيراً فيما يزعمه تناقضاً ، وهذا كما لو نقل أحدهم عن الشريعة الغراء أنها تقتل بشهادة عدلين ولا تجلد إلا بشهادة أربعة وتقطع اليد بربع دينار وتديها بخمسمائة ويدون أصابع المرأة الثلاث بثلاثين من الإبل والأربع بعشرين ويستكثر من ذلك ، وهذا لا يضر الشريعة شيئاً متى عرفت لكل شيءٍ سببه وعلته ، وكما قيل : إذا عرف السبب بطل العجب ، والضابط الذي وضعه المالكية هو أن كل من أفطر معذوراً ومتأولاً فلا قضاء عليه ، ومن أفطر عمداً بغير تأويل فعليه الكفارة ، أما وجوبها على من أفطر عمداً فتقدم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أما سقوطها عن المعذور الكتاب والسنة في المسافر والمريض والحائض والجاهل حديث عاشوراء ، والمتأول جاهل أو مقيس عليه وعلى المعذور .
    فإذا راعيت الضابط سقط عامة ما ذكره ابن حزم مما زعمه تناقضاً إلا مسائل قليلة مختلف فيها في المذهب، فمثلاً قوله : (وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ، وَالْقَضَاءَ: عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ، وَعَلَى مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى؛ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى؛ أَوْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْنَى ) كل هؤلاء أفطروا بأحد الثلاثة المذكورة في حديث ( يدع طعامه وشرابه وشهوته ) عمداً بغير عذر ، وقوله : (وَعَلَى مَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ ) لأن الأصل عدم الغروب ، والتأويل بعيد فهو متعمد أو كالمتعمد ، وقوله : (وَعَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا شَرِبَ، وَلَا جَامَعَ، إذَا نَوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ) أقول : وهذا على قول ابن حزم مستقيم تماماً فإن النية عنده يفطر بها الصائم ، وقد صح عنده بالنص أن نية فطر بعض النهار لا تبطله كما في صيام عاشوراء ، لكن تقييده بأكثر النهار فلا علم لي به ، وهكذا إيجاب كفارة المرأة على من أكرهها على الجماع ، فهذا أيضاً لا أدري وجهه ، أما باقي ما ذكر فيتخرج على القاعدة أو الضابط الذي ذكرنها وفي بعضها اختلاف عند المالكية.

    وأرجو من الأخوة المالكية المعذرة فمعرفتي بمذهبهم ضعيفة

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (7) : قال رحمه الله 6/197 مسألة 740 : ( مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ، ... لِعُمُومِ «قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتِقْ رَقَبَةً» فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الرِّقَابِ الَّتِي تُعْتَقُ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَمَا أَهْمَلَهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِئُ إلَّا مُؤْمِنَةٌ، قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى - الرَّقَبَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ مَالِكًا لَا يَقِيسُ حُكْمَ قَاتِلِ الْعَمْدِ عَلَى حُكْمِ قَاتِلِ الْخَطَأِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقِسْ قَاتِلًا عَلَى قَاتِلٍ فَقِيَاسُ الْوَاطِئِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَقِيسُ الْمُفْطِرَ بِالْأَكْلِ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقِسْ مُفْطِرًا عَلَى مُفْطِرٍ فَقِيَاسُ الْمُفْطِرِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ، إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ يُعَوَّضُ فِيهَا الْإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ، وَلَا يُعَوَّضُ الْإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ )
    أقول : لم يدعِ مالك والشافعي في هذا القياس ، بل حملوا المطلق على المقيد ، وإنما أشبه القياس من أجل أن المطلقة في مسألة والمقيد في مسألة أخرى فإعطاء حكم التقييد للمطلق نقل حكم ، لكن القول عند الشافعية أن المطلق لم يُرَدْ به إطلاقه ، بل أطلق وأُريد تقييده ، مستدلين بأن المقيد لا شك أن تقييده كان لمعنى أخرج ما لم يدخل في قيده ، فكذلك حيث وجد المقيد ، ولا شك أن المقيد موجود في المطلق ، والمعنى الذي من أجله أخرجنا ما لم يشاركه في قيده مصاحب له لا محالة ، ولا يجوز أن يؤثر ذلك المعنى مرة ولا يؤثر مرة أخرى من غير علة أو مانع عن التأثير ، فإن لم يأتِ بذلك المانع فالأصل بقاء التأثير ، فيحمل المطلق على التقييد مطلقاً إلا متى دل الدليل على إبقائه على إطلاقه .
    وهذه المسألة لم يخالف فيها ابن حزم شيئاً من قواعده ، بل جرى فيها على أصول مذهبه ، لكنه أخطأ على خصمه حيث زعمه متناقضاً في القياس ، ولو كان ما فعلوه قياساً لم يكن متناقضاً ذلك أن مالك والشافعي لم يقيسوا المفطر على القاتل بل الرقبة على الرقبة ، فإذا ظهر لك هذا فلا داعي إلى تتبع باقي كلامه رحمه الله.
    خاطرة (8) : قال رحمه الله 6/201 مسألة 746 : ( وَمَنْ كَانَ فَرْضُهُ الْإِطْعَامَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُطْعِمَهُمْ شِبَعَهُمْ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَ، مِثْلُ: أَنْ يُطْعِمَ بَعْضَهُمْ خُبْزًا، وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا، وَبَعْضَهُمْ ثَرِيدًا، وَبَعْضَهُمْ زَبِيبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - )
    أقول : ليس في النص وجوب الإشباع ، بل ما يصدق عليه اسم الإطعام .
    خاطرة (9): قال رحمه الله 6/202 مسألة 747 : ( وَلَا يُجْزِئُ إطْعَامُ رَضِيعٍ لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَا إعْطَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى إطْعَامًا )
    أقول : ينبغي أنه يجزئ ، إذ الشرب يسمى طعاماً كما قال جل وعلا : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } [البقرة:249] فلو أطعمه حليباً دخل في النص .
    خاطرة (10) : قال رحمه الله 6/202 مسألة 749 : ( وَمَنْ كَانَ قَادِرًا حِينَ وَطْئِهِ عَلَى الرَّقَبَةِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا، افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ، وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا حِينَئِذٍ قَادِرًا عَلَى صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الصِّيَامِ، أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَوَجَدَ رَقَبَةً أَوْ لَمْ يُوسِرْ؟ وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ ذَلِكَ عَنْ - الرَّقَبَةِ وَعَنْ الصِّيَامِ قَادِرًا عَلَى الْإِطْعَامِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ الْإِطْعَامِ، قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا هُوَ فَرْضُهُ بِالنَّصِّ، وَالْإِجْمَاعِ؛ فَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ وَإِيجَابُ فَرْضٍ آخَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ )
    أقول : بل ثبت بالنص أن الفرض قد يتعين في شيء ثم يتغير قبل الأداء ، فإن من لم يجد الماء وقت الصلاة ففرضه التيمم ، ثم بعد ثبوت التيمم عليه فرضاً لو وجد الماء قبل أن يتيمم لم يجز له أن يتيمم لقوله تعالى {فلم تجدوا ماءً} وهذا واجد الماء، فثبت بالنص أن الفرض يتغير إلى فرض آخر ، وهكذا في مسألتنا : فإنه صلى الله عليه وسلم سأله قال { هل تجد ما تعتق رقبة } فإن وجب عليه الصيام أو الإطعام ثم وجد الرقبة قبل الأداء فإن لم يعتقها وأطعم كان واجداً لرقبة ، ومن كان هذا حاله لم يجزئه إلا إعتاقها بالنص .
    أما زعمه أن من كان واجداً لرقبة ثم أعسر بها فإنها لا تسقط عنه ، ليس بشيء إذ هو مخالف لقوله جل وعلا ـ على فرض صحة ما قاله ـ {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وهذا لا يسعه أن يؤدي الرقبة فليس مكلفاً بها لا محالة.
    والله أعلم

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (11) : قال رحمه الله 6/202 مسألة 750 : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا رَقَبَةً لَا غِنَى بِهِ عَنْهَا، لِأَنَّهُ يَضِيعُ بَعْدَهَا أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حُبِّهَا -: لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهَا؟ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . وقَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا حَرَجٌ وَعُسْرٌ لَمْ يَجْعَلْهُ تَعَالَى عَلَيْنَا، وَلَا أَرَادَهُ مِنَّا، وَفَرْضُهُ حِينَئِذٍ الصِّيَامُ، فَإِنْ كَانَ فِي غِنًى عَنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِدُ رَقَبَةٍ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا؟)
    أقول : هذا من عجيب ما قرأت له ، حيث أسقط العتق عن واجد الرقبة بدعوى العسر ، وألزم من أعسر بها حقاً بأن افتقر بعد وجودها عنده أو هلكت ألزمه بالعتق أبداً وأنه لا يجزئ عنه غير العتق .
    وليس في دعواه الضياع والخوف على النفس من إعتاق محبوب مقدار يمكن حده وضبطه ، بل في السنة وفي كتاب الله إهمال كثير منه كقوله جل وعلا (الزاني لا ينكح إلا زانية) فمنع ابن حزم رحمه الله من نكاح العفيف للزانية ولا العفيفة للزاني وأطلق ولم يستثنِ إن شغف أحدهما بالآخر حبا وخشي على نفسه من بعده ، ولم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم وجدان الأعمى خادماً يوصله المسجد عسراً وحرجاً يسقط معه فرض الصلاة جماعة ، فهلا حد منصوص عليه يبين مقدار الحب والحرج والعسر المؤثر في الحكم .

    خاطرة (12) قال رحمه الله 6/203 مسألة 751 : ( وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَفَرْضُهُ الْإِطْعَامُ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا وَهُوَ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ أَكَلَهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَبَقِيَ الْإِطْعَامُ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ بِالتَّمْرِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُطْعِمَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ؟ فَصَحَّ أَنَّ الْإِطْعَامَ بَاقٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَكْلِهِ إذْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَكْلِهِ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَا قَدْ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ مِنْ الْإِطْعَامِ، وَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ مَا افْتَرَضَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا بِإِخْبَارٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَهُ - )
    أقول : هذا كسابقه ، حيث أسقط مرة العتق على من لا يجد والصيام على غير المستطيع ولم يسقطه عمن لا يجد إطعام ستين مسكينا ، ورأى سقوط العتق على من عليه حرج في عتق رقبة لا غنى به عنها ، ولا يسقط الإطعام على من يجد طعام لا غنى به عنه ، ورأى أن فرض المُكَفِّرِ هو المقدور عليه فقط وقت الوجوب حتى لا يجوز له الانتقال إلى غيره ورأى أن الطعام فرض من لم يقدر عليه حال الوجوب.
    وما ذكره ليس في الحديث ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الرجل بالإطعام إلا بعد أن أعطاه التمر لا قبله ، أي أنه لم يأمره إلا بعد ملكه واستطاعته للإطعام ، فمن أين له أن من لم يملك ابتداءً مثله ؟
    بل في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يفرض عليه شيئاً قبل أن يأتيه بالتمر فبان أن غير القادر على شيء لا فرض عليه أصلاً ، ثم أنه صلى الله عليه وسلم فرض عليه أن يكفر بالتمر الذي أعطاه ، ثم حين اعتذر بحاجته إليه أسقط عنه الفرض في ذلك التمر ، ولا دليل على أنه فرض عليه ذلك في غيره ، فلا يجوز أن يدعي أحد أنه فرض عليه ذلك في غيره إلا بدليل ، بل الأصل أنه إذا رفع عنه الفرض في ذلك التمر أنه عاد إلى حاله الأول وهو عدم الواجد للتمر ، أما قوله رحمه الله : (وَلَا يَجُوزُ سُقُوطُ مَا افْتَرَضَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَّا بِإِخْبَارٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَهُ - ) إنما يصح إذا فرض عليه التكفير مطلقاً ، أما مع تقييده فإنه يسقط بسقوط ذلك القيد ولا دليل على بقاء الفرض مع سقوط القيد ، والقيد هنا القدرة بعد حصول التمر ، وقد سقط بأمره أن يطعمه أهله فعاد عاجزاً بعد أن صار قادراً فسقط فرضه ، وعلى منهج ابن حزم رحمه الله فإنه صلى الله عليه وسلم فرض عليه أن يتصدق بتمر معين وهو التمر الذي أعطاه أياه ، ولا دليل على وجوب أن يكفر بغيره .
    والله أعلم .

    تنبيه : أكرر أن الفروع التي أذكرها هنا ليست اعتقادي الآن ، لكن كقائل بالظاهر ـ سابقاً ـ كنت أراها لازمة لا محالة ، أو أنه لا دليل عليها أو أن ما يأخذه على خصومه لهم منه مخرج سهل .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (13) قال رحمه الله 6/203 مسألة 752 : ( وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَيُطْعِمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ، لِأَنَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ عُمُومًا، لَمْ يُخَصَّ مِنْهُ حُرٌّ مِنْ عَبْدٍ، وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مِسْكِينًا فَهُوَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِطْعَامِهِ وَلَا تَجُوزُ مُعَارَضَةُ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ؟ )
    أقول : العام يجوز تخصيصه بالكتاب والسنة وعند الجمهور بالقياس ، ويشبه أن يكون هذا لازماً على قول داود فيما نص الشرع على علته وإن لم يسمه قياساً .
    وفي حديث أبي هريرة (هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ )
    والعبد لا يجد أصلاً لأنه لا يملك بدليل حديث ( من باع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع ) فبان أن ما يكون في يده دائر بين البائع والمشتري ، ونبهنا عليه للتدليل على أن العبد في أول وقوع الملك عليه وآخره سواء ، ونحن نستصحب حكم عدم الملك إلا أن يأتي الدليل الدال على حصول ملكه ، فبقي أن يصوم . والله أعلم .
    ثانياً : النص جاء في صحابي معين وهو بلا شك وقت وقوع الفرض عليه لم يكن عبداً وحراً معاً ، بل إما عبد أو حر ، والحديث صريح في كونه حر ، لقوله صلى الله عليه وسلم ( أتجد ما تعتق رقبة ) و(أتجد ما تطعم ستين مسكينا) والعبد لا يملك ، فلو كان عبداً ما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يملك ، وفي سياق الحديث غير ذلك مما يدل على حريته .
    ثالثاً : على فرض أن الحديث لم يدل على حريته ، فهو بلا شك حادثة عين جرت إما على عبد أو حر ، فَجَرُّ الحكم من أحدهما إلى الآخر لا يجوز بغير دليل عند ابن حزم ، فهلا أتى به أو توقف .
    والله أعلم

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة ( 14 ) قال رحمه الله 6/203 مسألة 753 : ( وَلَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ حِجَامَةٌ ) ثم استدل رحمه بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْخَصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» زَادَ حُمَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالْقُبْلَةِ " ، وهي زيادة مهمة سيأتي الكلام عليها .ورد حديث «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» بأنه منسوخ وقال ص205 : ( وَلَفْظَةُ " أَرْخَصَ " لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ نَهْيٍ؛ فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ نَسْخُ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ؟ )
    أقول : الحديث أعله البخاري والترمذي وابن أبي حاتم وأبو زرعة ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني وابن خزيمة و وقال البيهقي رحمه الله : وَالْمَحْفُوظُ عَنْهُ ـ أي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ـ أَنَّهُ قَالَ: «رُخِّصَ لِلصَّائِمِ فِي الْحِجَامَةِ وَالْقُبْلَةِ» فهو تعليل منه للرفع الصريح بذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث.
    وكل هؤلاء أعلم من ابن حزم بالحديث على أصول أهله ، أما ابن حزم فقد اكتفى بثقة راوي الرفع على أصله في قبول زيادة الثقة ورفعه ووصله مطلقاً.
    ثم على فرض صحتها فهي دليل قوي على أصول أبي حنيفة ومالك والشافعي لا ابن حزم رحمه الله ، لأن كون الرخصة لا تكون إلا بعد نهي حكم أغلبي ، وهذا لا يكفي على مذهب ابن حزم رحمه الله إذ لا يكتفى بما دون اليقين عنده .
    وقوله رحمه الله : (
    وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّي نَ يَقُولُونَ: إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ فِيمَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى، وَهَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى ) لا وجه له ، فالحجامة عند الأحناف لا تفطر الصائم.والله أعلم.
    قوله : (
    وَلَا احْتِلَامٌ، وَلَا اسْتِمْنَاءٌ، وَلَا مُبَاشَرَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، تَعَمَّدَ الْإِمْنَاءَ أَمْ لَمْ يُمْنِ، أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ وَلَا قُبْلَةٌ كَذَلِكَ فِيهِمَا )
    أقول : أم الاحتلام فلا خلاف معه فيه أما الاستمناء فقد قال جل وعلا { فمن ابتغى وراء ذلك فؤلئك هم العادون } وهو بعمومه يشمل استمناء الرجل بيده ولا دليل من جهة النص يخصصه ، فهو معصية وعند ابن حزم أن من تعمدها وهو ذاكر لصومه أفطر .
    وأيضاً فقد تقدم معك قوله صلى الله عليه وسلم (يدع طعامه وشرابه وشهوته) وقوله وشهوته ، عام فما خرج بالنص كالمباشرة والتقبيل مخصوص بالنص أم الاستمناء فهو من الشهوة بلا شك ولا نص يخرجه ، فواجب عليه على وفق أصله من إعمال العام في جميع أفراده يقيناً وعدم إخراج شيء منه إلا بنص أن يكون الاستمناء مشمول بالحديث ، فمن فعله عامداً ذاكراً لصومه لم يترك شهوته فقد أفطر .
    ومثله المباشرة والتقبيل لمن لم يملك إربه ، فإنه إن أمنى فقد دخل في عموم الحديث ، ولا يقال حديث عائشة وأم سلمة عليهما السلام ورضي عنهما قاضٍ بإباحة القبلة والمباشرة للصائم ، فإنا نقول ، إنما يكون التقبيل والمباشرة مفطران مع حصول الإمناء لا دونه لعدم خروج هاتين الصورتين عن عموم الحديث المذكور بخلاف المباشرة والتقبيل بدون إمناء.فإن قيل : نجيب بوجهين : الأول أنه قد ثبت أن الإمناء وحده لا يبطل كمن احتلم أو تفكر أو نظر ولم يمعن النظر فأمنى ، وثبت أن المباشرة والتقبيل لوحدهما لم يفطرا ، فنحن نستصحب حكمها حال الانفراد في حالهما حال الاجتماع.
    والثاني : نقول أنكم قد أذنتم له بالمقدمات التي يملك فعلها والامتناع عنها ، فيلزم أن لا يؤاخذ بالإمناء الناتج عنها لأنه حاصل عن فعل مأذون فيه .
    قلنا : أما الأول فيشكل على استصحاب الحكم ـ أي حال الإنفراد ـ الحديث العام ، فإنه يشمل صور الإنفراد والاجتماع ، فإن خرجت صور الإنفراد بدليل بقيت صورة الاجتماع مشمولة بالعموم ، وإنما يكون الاستصحاب حيث لا نص خاص ولا عام.
    أما الثاني وهو كلامكم في أنا أذنا له في المقدمات فلا يؤاخذ بنتيجتها لأن الحاصل عن الفعل المأذون فيه مأذون فيه ، هذا فيه نظر وجوه ، أولها أن إباحة المقدمات لا يستلزم عدم الإفطار بالنتيجة كما في الاستنشاق للصائم ، ألا ترى أنه إذا بالغ ولم يدخل شيء إلى جوفه لا يفطر فإن دخل أفطر مع أن نفس دخول الماء إلى جوفه لا يحصل بالاختيار ، ونفس الاستنشاق مشروع وهو داخل في الاختيار.
    فإن قيل : فإنا نزعم أن المقدمة المباحة هي الاستنشاق بدون مبالغة لا مطلق الاستنشاق ، فإذا بالغ كان متعدياً في المقدمات ونتيجتها.
    قلنا : كذلك نقول في المباشرة والتقبيل فإن كان شاباً لا يملك نفسه ففعل فقد تعدى في المقدمات وهو مؤاخذ بالنتيجة.
    فإن قيل : قد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي شابة ونحوه مما ذكره ابن حزم رحمه الله.
    قلنا : لا كلام في جوازه للشباب ، لكن من كان منهم لا يأمن أو يملك نفسه فليجتنبها إما على أنها مكروهة له من أجل خشية أن يمني فيفطر أو على أنها خلاف الأولى له ، وليس في حديث عائشة وغيرها ما يفيد أكثر من ذلك ، لذا قالت عائشة ( وأيكم يملك إربه ) .
    والوجه الثاني : أنا نزعم أن نفس الإمناء مقدور على بعض مقدماته الدالة عليه كما يجده المرء من نفسه حال الجماع ، ويوضحه العزل ، فإنه لا يكون إلا عند استشعار الرجل قرب حصول القذف ، فإذا أحس به وتمادى كان متعدياً فيبطل صيامه.ثالثاً : أن في حديث عائشة ( وأيكم يملك إربه ) فقد نصت على بعض ما ذكرناه .
    فإن قيل : قول صحابي ليس بحجة وقد خالفت غيرها كأبي هريرة وغيره .
    قلنا : كلا ، لم تخالف أحداً من الصحابة فإنها توافق على جواز المباشرة والتقبيل وقد صح عنها أنها أشارت به لشاب نكح حديثاً ، لكنها أرادت منع من لا يملك إربه من الإمناء والجماع لا محالة ، وكذا أبو هريرة رضي الله عنه فإنه قال لسائله ( أتملك إربك ) فلا خلاف ، فقولها وغيرها من الصحابة حجة لعدم المخالف ، إما على أنه من الإجماع السكوتي أو على أن قول الصحابي حجة عند من يقوله.
    أما الإمذاء فلا يملك المرء دفعه عن نفسه فقد يحصل بمجرد حصول النظر والفكر والبلوة فيه شديدة ، فهو معفو عنه إنشاء الله.
    وما ذكره رحمه الله من الفروق هي من باب التهويل كعادته رحمه الله.
    والله أعلم.
    أما قوله : (
    وَلَا قَيْءٌ غَالِبٌ، وَلَا قَلْسٌ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَدَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي فَمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى رَمْيِهِ وَلَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْأَسْنَانِ أَوْ الْجَوْفِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَهُ )
    أقول : أطلق رحمه الله ومذهبه يقتضي التقييد بأن لم يعتقد الصائم أن هذه المذكورات مفسدة للصوم ، فإن اعتقد أنها تفسده أفطر ، بناء على أن نية الفطر مفسدة للصيام ، وترك نية الإمساك عمداً قصد إلى الفطر .
    والله أعلم

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    وقوله رحمه الله : ( وَلَا حُقْنَةٌ وَلَا سَعُوطٌ وَلَا تَقْطِيرٌ فِي أُذُنٍ، أَوْ فِي إحْلِيلٍ، أَوْ فِي أَنْفٍ وَلَا اسْتِنْشَاقٌ وَإِنْ بَلَغَ الْحَلْقَ، وَلَا مَضْمَضَةٌ دَخَلَتْ الْحَلْقَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ ... ) إلخ.
    أقول : قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «وَإِذَا اسْتَنْشَقْتَ فَبَالِغْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» ولا يكاد يخالف أحد في كون الحكم معلل بخشية وصول الماء إلى الجوف بسبب المبالغة ، لكن زعم رحمه الله أن دعوى العلم بهذا المقدار كهانة حيث قال : (لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْحَلْقِ أَثَرٌ وَلَا عِثْيَرٌ وَلَا إشَارَةٌ وَلَا دَلِيلٌ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ يَتَكَهَّنُونَ فِي السُّنَنِ مَا يُوَافِقُ آرَاءَهُمْ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ) وظني أن مجرد حكاية قوله مغنية عن تطلب رده ، لكن دفعاً للشغب نقول : قد زعم ابن حزم أن كفارة الجماع في نهار رمضان خاصة بمن أتى من تحل له وليس في ا لحديث ما يدل عليه ، وأضاف إليه شموله للمرأة والأمة والحديث يدفعه دفعاً ، وفرق بين ا لإتيان في الفرج والإتيان في الدبر ، وليس في الحديث شيء يدل عليه ، وزعم أن الحر في ذلك كالعبد ، وليس في الحديث بل الحديث يدفعه ، وله من ذلك في غير هذا الحديث كثير كحديث : (وهو يدافع الأخبثان) فجعله دليل على نجاسة بول وروث ما يؤكل لحمه وليس في الحديث ، وزعم أن حديث المستحاضة وفيه (فاغسلي عنك أثر الدم) فيه دليل على نجاسة جميع الدماء ، وغير ذلك ولا حاجة للإطالة به الآن، فإن كانت كهانته حلالاً فليتكهن غيره ، أو حراماً فليترك قوله.أما كون العلة في المنع من المبالغة للاستنشاق هو كي لا يدخل الماء فيفطر به ، فإنك تضطر إليه اضطراراً لا يندفع عن النفس ، لذا قال به كثير من المتأخرين الذين ربما نسبوا إلى الظاهر كالإمام الصنعاني رحمه الله حيث قال : "وإنما لم يكن في حقه المبالغة لئلا ينزل إلى حلقه ما يفطره" و نقله صديق حسن خان في مختصره للسبل وأقره وقال الشوكاني رحمه الله : "وإنما كره المبالغة للصائم خشية أن ينزل إلى حلقه ما يفطره" .
    وإذا علمت بهذا القدر ، فإن قبلته فاعلم أن الأنف ليس من منافذ الأكل والشرب ، ومع ذلك فقد دل الحديث على أن وصول الماء منه إلى الجوف مفطر ، وعليه فالعبرة بوصول المفطر إلى الجوف من أي منذ كان ، على اختلاف في تفاصيل ليس هذا موضعها.
    والله أعلم.

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    وقوله رحمه الله ص 203 : ( َلَا كُحْلٌ - أَوْ إنْ بَلَغَ إلَى الْحَلْقِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا - بِعَقَاقِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا )ثم قوله شرحاً لذلك ولما سبق ص 214 : ( وَأَمَّا الْحُقْنَةُ، وَالتَّقْطِيرُ فِي الْإِحْلِيلِ، وَالتَّقْطِيرُ فِي الْأُذُنِ، وَالسَّعُوطُ، وَالْكُحْلُ، وَمُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ، وَالْمَأْمُومَة ُ -: فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ وَإِلَى بَاطِنِ الرَّأْسِ - لِأَنَّهُ جَوْفٌ - فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ، قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ؟ ثُمَّ تَنَاقَضُوا، فَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيُّونَ ، وَالشَّافِعِيُّ ونَ فِي الْكُحْلِ قَضَاءً، وَإِنْ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ، وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِالْفَتَائِلِ تُسْتَدْخَلُ لِدَوَاءٍ بَأْسًا لِلصَّائِمِ، وَلَمْ يَرَ الْكُحْلَ يُفْطِرُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَقَاقِيرُ؟ )
    أقول : قد فرقوا بين الداخل من طريق الفم الأذن والأنف والدبر والإحليل بأنها منافذ ، وليس كذلك العين ، فلا تناقض ، غايته أن يقال : هذا تعليل بغير دليل ، أو هو تعليل باطل ، ونحو ذلك أما التناقض فلا يكون مع وجود الفارق ، بل لا بد من إبطاله أولاً .
    وقد تقدم معك أن حديث (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) دال على أن دخول الغذاء من غير طريق الفم مفطر ، وأن العبرة هو بحصوله في الجوف ، لكن اختلفوا في الجوف نفسه فاعتبر بعضهم أن تكون فيه قوة تحيل الغذاء والدواء ، وبعضهم اكتفى بكونه يسمى باطناً.
    وكيف يكون ممسكاً من استغنى عن الشراب مثلاً بحقنه من أسفل ، وقد عُلِمَ اليوم أن القولون يمتص السوائل من الأغذية الحاصلة فيه ، والشعور بالعطش إنما يكون بوصول الدم الذي يقل فيه الماء إلى الدماغ ثم يرسل الدماغ إشاراته إلى الجسم ليشعر بالعطش، فكيف تشعر به ما دمت تعوض ذلك الماء بالحقن .
    والنص قد جاء بأن ما دخل عبر منفذ مفتوح إلى الجوف فهو مفطر بدليل حديث الاستنشاق.أما ابن حزم رحمه الله فبنى هنا على أصله حتى لو أمكن إيصال الكبسة مثلاً وأنواع العصائر إلى المعدة من غير أكل وشرب ، حتى تحس بالتخمة واستمررت على ذلك إلى وقت الإفطار فإن صيامك صحيح.
    فقد قال ص 14: (وَمَا نُهِينَا قَطُّ عَنْ أَنَّ نُوَصِّلُ إلَى الْجَوْفِ - بِغَيْرِ الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ - مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا إيصَالُهُ)
    ويلزمه أن من أدخل في أنفه أنبوباً ـ فيدينج تيوب ـ إلى معدتة يوصل من خلاله السوائل إلى معدته غير مفطر ، وهذه الأنابيب متوفرة في الصيدليات رخيصة السعر.ثم أخذ يتعجب من عدم طرد القياس في الاحتقان بالخمر أو صبها في الأذن على من شربها ، وفيه نظر ، من جهة أن حديث الاستنشاق دال على أن الفطر حاصل بوصول الغذاء في الجوف من غير نظر إلى مدخله ، ولم يأتِ في إثبات حد شرب الخمر نص مثله .
    وكذا زعم التناقض بالكحل وأنه أشد إيصالاً إلى الحلق ومجرى الطعام من القطور في الأذن ، وهذا صحيح إجمالاً ، وهو ذو معرفة بالطب ، لكن الفرق من وجهين :
    الأول : أن العين ليست بمنفذ ولا هي في قوة الأنف فلم تلحق بالأنف .
    والثاني : أنه ليست في قوة الأذن في دخول الطعام إلى الدماغ ، فلم تلحق به.
    وإنما جاءه الخطأ من حيث ألغى النظر إلى دخول الغذاء إلى الدماغ واكتفى بدخوله إلى الحلق.
    والله أعلم.

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    قال رحمه الله ص 216 بعد أن ذكر جملة مما قد يصل إلى الجوف وقال بعض أهل العلم أنها مفطر: (وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ؛ وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ؟ وَكُلُّهُمْ قَدْ خَالَفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْفِطْرَ بِتَعَمُّدِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَهُوَ خَارِجٌ لَا دَاخِلٌ، وَيُبْطِلُونَ الْوُضُوءَ بِالْإِيلَاجِ، وَهُوَ دَاخِلٌ لَا خَارِجٌ!)
    أقوله : فيه نظر ، من جهة أن حديث ابن مسعود عام وجمهور مخالفيه يجيزون تخصيصه بالكتاب والسنة والإجماع والقياس ، فالفطر بالمني ونقض الوضوء بالإيلاج قد جاء به النص هو مخصص لهذا الخبر ، فلا مخالفة.
    وقال رحمه الله : (
    قَدْ قُلْنَا: إنَّ مَا لَيْسَ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، وَلَا جِمَاعًا، وَلَا مَعْصِيَةً، فَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
    أقول : كرر رحمه الله هذا الكلام كما سيأتي ، وفيه أن من المفطرات عنده الحيض والنفاس والاستقاءة والسفر والمرض وليست بأكل وشرب ولا هي من المعاصي .
    وقال رحمه الله ص 217-218 : (
    رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ فَاسْتَفْتَيْتُ هُ؟ فَقَالَ: أَفْطِرْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ إذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا قَالَ: فَجِئْت إلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَفْتَانِي بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَئِنْ أَفْطَرْتَ لَأُوجِعَنَّ مَتْنَكَ، صُمْ، فَإِنْ بَدَا لَكَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ فَافْعَلْ.
    وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْقَارِئَ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، مَا أَنَا قُلْتُ: مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلَا يَصُمْ، مُحَمَّدٌ - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ - قَالَهُ» .قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ عَابَ مَنْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: إنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ بِهِ، وَإِنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ قُوَّةٌ زَائِدَةٌ لِلْخَبَرِ، أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ وَالْفَضْلُ رَوَيَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا نَدْرِي إلَى مَا أَشَارَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ؟ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إلَّا نِسْبَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْكَذِبِ، وَالْمُعْتَرِضُ بِذَلِكَ أَحَقُّ بِالْكَذِبِ مِنْهُ؟)
    أقول : أول من ترك الحديث لكونه إنما روي عن الفضل وزيد هو أبو هريرة نفسه ، فقد صح عنه أنه قال بعد أن سمع بخبر عائشة وأم سلمة عليهما الصلاة والسلام : ( هما أعلم ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس فقال أبو هريرة سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي {صلى الله عليه وسلم} قال فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك ) أتراه اتهم نفسه بالكذب أم الفضل بن العباس؟ كلا ، ولكن الوهم والخطأ لا يسلم منه أحد ، ولم يكن أبو هريرة يقول بقول ابن حزم أن الحديث إن اتصل بخبر الثقة إلى رسول الله فإن الخطأ لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه ، وهي مسألة كنت علقتها على ابن حزم في الأصول لعله يكون لنا سلسلة إخرى إنشاء الله تتعلق بكتابه (الإحكام) فإنه السبب الرئيس في تركنا لما كنا عليه وهناك كانت الخواطر أشد تأثيراً علي.
    وكيف كان فالخبر منسوخ ، لكن دعوى النسخ لا تصح على أصول ابن حزم رحمه الله كما سيأتي.
    قوله رحمه الله ص 217-218 (
    قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ الْوَاجِبُ الْقَوْلَ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ نَسْخِهِ؟ وَبُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} ... قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِكُلِّ حَالٍ تَقَدَّمَتْ الصَّوْمَ، وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ الْمَنْسُوخَةِ، وَإِذْ صَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَحُكْمُهَا بَاقٍ لَا يَجُوزُ نَسْخُهُ وَفِيهَا إبَاحَةُ الْوَطْءِ إلَى تَبَيُّنِ الْفَجْرِ؛ فَإِذْ هُوَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْفَجْرَ يُدْرِكُهُ وَهُوَ جُنُبٌ، فَبِهَذَا وَجَبَ تَرْكُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا بِمَا سِوَاهُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ )
    أقول : أولاً الذي أباحه الله حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيض الأسود في الآية هو الأكل والشرب ، لا الجماع ومقدماته.
    ثانياً : على فرض دخول الجماع والمقدمات ، فهو عام وحديث أبي هريرة خاص بما يوجب الغسل خاصة ، ولا تعارض بين عام وخاص ، ومن أصول ابن حزم أنه لا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع.
    ثالثاً : على فرض دخول ما يوجب الجنابة والغسل ، فالآية عامة في كل الليل وحديث أبي هريرة خاص بما اتصل منه بالفجر فلا يجوز شغلة بجنابة عمداً ، بل يجب الغسل . والجمع أولى من النسخ.
    رابعاً : على فرض أن الآية قاضية بصحة صيام من أصبح جنباً من كل وجه حتى يمتنع الجمع مطلقاً مع حديث أبي هريرة ، فالواجب على أصول ابن حزم أن يكون حديث أبي هريرة هو الناسخ ، لأنه ناقل عن أصل الإباحة والآية باقية عليها ، وعنده أن الناقل ناسخ والباقي منسوخ.
    خامساً : على فرض أن لا أصل هنا يبين الناسخ من المنسوخ ، فالواجب التوقف وعدم الجزم بأن حديث أبي هريرة هو المنسوخ.
    أما قوله : (
    وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ الْمَنْسُوخَةِ) إن أراد به أنه بموافقته لها في بعض الأحوال فهو منسوخ أو هو متقدم على الآية ، فهو قياس ، والقياس عنده باطل .
    والله أعلم.

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    قال رحمه الله : ( وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ، أَوْ فِي صَوْمِ فَرْضٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ: فَأَكَلَ، وَشَرِبَ، وَوَطِئَ، وَعَصَى؛ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهِ قَدْ أَصْبَحَ؛ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَابَتْ الشَّمْسُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ -: فَإِنَّ صَوْمَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا تَامٌّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ قَالَ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيُّ أَخَبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ الرَّيَّانِ الْمَخْزُومِيِّ وَرَّاقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ قُتَيْبَةَ ثنا الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ الْمَرَادِيِّ ثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» )
    أقول : لا خلاف معه هنا في كون كل ذلك لا يفطر إنشاء الله ، ولكن ليس من أجل ما ذكر من نصوص هنا ، إذا غايتها إفادة رفع الإثم لا عدم الفطر ، وعدم الفطر مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم :«إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ، أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» ، فكان عليه الاقتصار عليه
    وقال رحمه الله ص221-222 : ( وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِي؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: الْأَكْلُ، وَالْجِمَاعُ، وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّوْمَ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: وَعَلَى هَذَا فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ بِنِسْيَانٍ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ )
    أقول : كأنه رحمه الله لم يستبن له وجه التنافي ، ذلك أن معنى الصيام الإمساك والصيام عن الأكل والشرب هو الإمساك عنهما ، فمن أكل أو شرب ناسياً لم يمسك ، فلا شك في صواب قول المالكية بالمنافاة.
    أما الأكل والشرب في الصلاة فلا تنافي الصلاة أصلاً عمداً كانت أو سهواً إذ ليس داخلاً في الماهية ولا منافياً لها، غير أنه بالعمد مؤاخذ بشغل الصلاة بما ليس منها ، وفي السهو غير مؤاخذ ، بذا جاءت النصوص ، فالنصوص لا تقلب الحقائق بل تفيدها أحكاماً.
    وقوله رحمه الله : ( فَكَيْفَ وَقَوْلُهُمْ هَذَا خَطَأٌ؟ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ تَعَمُّدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالْقَيْءِ يُنَافِي الصَّوْمَ لَا الْأَكْلُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الشُّرْبُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الْجِمَاعُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الْقَيْءُ كَيْفَ كَانَ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ )أقول : يريد بالخطأ قول المالكية بأن الأكل والشرب ينافي الصيام ، وهذا ليس بخطأ كما قدمناه ، فالصيام الإمساك عن الطعام والطعام ينافيه ولو نسياناً ، إذ لا يقول عاقل قط أن الناسي أثناء أكله وشربه : إن هذا الذي يأكل ويشرب ممسك عن الأكل والشرب ، وإذا لم يكن ممسكاً فليس بصائم إذ الصيام الإمساك ، وإنما دل الحديث المتقدم على قبول صيام من هذا حاله وإلغاء أكله وشربه نسياناً تفضلاً من الله جل وعلا ، ولا يفيد أن الناسي لم يفعل المنافي ، ومخالفة هذا بعد تمام التصور مكابرة ، ولذا لم يخالف من صحح الصيام في كون الأكل والشرب ينافي الصيام فقال الحنفية مثلاً : "وإذا أكل الصائم أو شرب أو جامع نهارا ناسيا لم يفطر، والقياس أن يفطر، وهو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - لوجود ما يضاد الصوم" (الهداية شرح البداية) المطبوع مع (نصب الراية) ط دار الكتب العلمية 2/467 فمع تسليمهم عدم الفطر به نسياناً لم يخالفوا في كونه منافياً.
    فقوله بعد ذلك : ( وأما دعواهم فباطل ، عارية من الدليل ...) لا معنى له.
    وقوله رحمه الله ص 222 -223 : (وَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ إمَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِمَّا بِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ -: كِلَاهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إبْطَالَ صَوْمِهِ، وَكِلَاهُمَا ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ، وَالنَّاسِي ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ وَلَا فَرْقَ، فَهُمَا وَالنَّاسِي سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - وَإِنَّمَا يَكُونُ قِيَاسًا لَوْ جَعَلْنَا النَّاسِيَ أَصْلًا ثُمَّ شَبَّهْنَا بِهِ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي لَيْلٍ فَإِذَا بِهِ فِي نَهَارٍ، وَلَمْ نَفْعَلْ هَذَا بَلْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»)
    أقول : قوله (وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا) خطأ بل هو قياس لا محالة حيث سوى بين الناسي ومن ظن أنه ليل فبان نهاراً مستنداً على عدم الفارق ، حيث قال : (وَكِلَاهُمَا ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ، وَالنَّاسِي ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ وَلَا فَرْقَ )
    غايته أنه رفض أن يسميه قياساً ، أما دعواه أنه لم يجعل الناسي أصلاً ، فصنيعه على خلافه ، وإلا لم يكن لذكر الناسي معنى أصلاً .
    أما استدلاله بالآية ، فليس فيها سوى رفع الجناح لا صحة الصيام وسقوط القضاء ، فهذا أمر زائد لم تدل عليه الآية ، أليس من نسي صلاة من الصلاة أو نام عنها ثم ذكرها خارج وقتها فلا جناح عليه ويجب عليه القضاء؟ أليس هو داخل في حديث «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» ثم لا يغنيه ذلك عن قضاء الفرض .فلم يبقَ له سوى تسوية من ظن أنه ليل بالناسي.
    وقوله ص223 : (مَعَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ أَوْلَى لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ لَهُ صُحْبَةٌ، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ الْقَضَاءُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ )
    أقول : كلا بل رواية حنظلة أولى فقد كان له مزيد اختصاص بعمر ولأنه صرح بشهوده القصة ، ولأنه قد رواه غير واحد عنه مسنداً ومرسلاً من غير طريق حنظلة فروي عن بشر بن قيس عنه وفيه «لَا وَاللَّهِ مَا نُبَالِي نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ» وفي إسناده راوٍ مبهم ورواه أبو يوسف في (الآثار) عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر ، فهو على ما فيه شاهد حسن لرواية حنظلة وبشر بن قيس.
    أما حديث زيد بن وهب فلم يصرح فيه بشهوده القصة واختلف فيه عليه ، فروي عنه بنفي القضاء وروي عنه وليس فيه ذكر للقضاء ولا نفيه ، وكان يعقوب بن سفيان يحمل على زيد لمخالفة روايته لرواية من تقدم ذكرهم كما نقله عنه البيهقي.تنبيه : رد ابن القيم رحمه الله كلام البيهقي في ترجيحه لرواية حنظلة بدعوى تفرده عنه بذكر القضاء ، والصواب مع البيهقي لما قدمناه.
    وقال رحمه الله ص 225 : ( وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ.
    قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ - لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا - فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُنْتَقَضُ مِنْ الْأَحْدَاثِ بِقِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهَا كَيْفَ مَا كَانَ، بِنِسْيَانٍ أَوْ عَمْدٍ أَوْ إكْرَاهٍ: وَالْآخَرُ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا بِالْعَمْدِ عَلَى حَسَبِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ - الرِّيحَ، وَالْبَوْلَ، وَالْغَائِطَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ -: أَنْ يَقِيسُوا النَّاسِيَ فِي الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِي فِي الطَّهَارَةِ، وَالْمَغْلُوبَ بِالْقَيْءِ عَلَى الْمَغْلُوبِ بِالْحَدَثِ، وَكُلُّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا أَصْلًا، فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ الْفَاسِدُ وَكَانَ أَدْخَلَ فِي الْقِيَاسِ لَوْ قَاسُوا الْمُكْرَهَ، وَالْمَغْلُوبَ فِي الصَّوْمِ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَالْمَغْلُوبِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ، أَوْ تَرْكِ السُّجُودِ، أَوْ الرُّكُوعِ، فَهَؤُلَاءِ صَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ؛ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْمُكْرَهِ وَالْمَغْلُوبِ وَلَا فَرْقَ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ الْقِيَاسَ وَلَا يَتَّبِعُونَ النُّصُوصَ وَلَا يَطْرُدُونَ أُصُولَهُمْ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ )
    أقول : ليس في كلامه رحمه الله إلزام قاطع ، إذ يمكن لخصمه أن يقول : سلمت وجوب قياس الناسي في الصوم على الناسي في الطهارة ، لكن النص جاء هنا على خلاف القياس فتركناه ، أما قياس من غلبه القي على من غلبه الحدث ، فيمكن أن يجاب عنه بهذا الجواب ويمكن أن يجاب عنه بأنه مقيس على المستحاضة ، فإنه أشبه الأحداث بمن غلبه القيء .
    أما المغلوب أو المكره على ترك بعض أركان الصلاة ، فإن أراد صلاة الخوف والمريض فهي رخص جاء به النص ، أما الرخصة التي جاء بها النص في الصيام فهي {عدة من أيام أخر} .
    فسقط عامة ما ذكر.
    والله أعلم.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (15) قال رحمه الله 6/226 المسألة 754 : (وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُنَّا نَذْهَبُ إلَى أَنَّ الْمَجْنُونَ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَبْطُلُ صَوْمُهُمَا وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَ وَنَقُولُ: إنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ -: مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ... عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَكُنَّا نَقُولُ: إذَا رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِصَوْمٍ وَلَا بِصَلَاةٍ)
    ثم عقب رحمه الله بقوله : (ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْخَبَرَ - بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى - فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى يَعْقِلَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ صَوْمِهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ، وَلَا عَوْدَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى، فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا يَكُونُ مُفْطِرًا بِجُنُونِهِ؛ لَكِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، وَقَدْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ؛ فَإِنْ أَفَاقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ فِي يَوْمٍ بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ حِينِهِ وَيَكُونُ صَائِمًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ.)
    ومنه يتبين أن مذهب الظاهرية قبل ابن حزم رحمه الله أنه لا قضاء على من أغمي عليه أو جن شهر رمضان أو بعضه ، وخالف ابن حزم رحمه الله لاحقاً .
    وقول الظاهرية أشبه بالظاهر ، لحديث علي رضي الله عنه الذي ذكره ابن حزم رحمه الله ، فإنَّ من لم يخاطب بالصيام لم يجب عليه شيء ، فقضاءه لما لم يجب عليه لا معنى له ، سواء جمع النية أو لم يجمعها ، لأن الرجل لا يجب عليه الصيام بجمعه النية ، ألا تراه يأكل ويشرب ويجامع بعد جمعها ما لم يطلع عليه الفجر! فبان بذلك أن النية لم تثبت فرضاً عليه ، وإنما يثبت الفرض صحيحاً بطلوع الفجر فقط متى كان جامعاً للنية قبله ، فإن لم يطلع الفجر فلا يجب عليه شيء. ثم إن طلع عليه الفجر فكذلك لم يجب عليه شيء وليس عليه لا قضاء ولا كفارة ، وقوله رحمه الله : (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ صَوْمِهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ) مردود بأن الحديث دل على أن المجنون غير مخاطب بإمساك باقي اليوم منذ جنونه ، فإن لم يكن مخاطباً بإمساكه فقد بطل أن يكون فرضاً عليه ، وإن بطل ذلك فقد زال وبطل ما كان استقر عليه أولاً ، ويتضح ذلك بسؤال : إن قلنا أن صومه حال جنونه صحيح فهل هو فرضٌ عليه ؟ إن قال : نعم ناقض الحديث الصريح المتقدم ، إذ معنى الفرض المخاطبة بتحصيل المفروض على سبيل الإلزام والمجنون غير مخاطب ، وإن قال : لا ، قلنا : فما استقر فرضاً لم يعد فرضاً ، فبطل صومه الذي وجب عليه أولاً.
    وبمعنى الجنون الإغماء لأنه زائل العقل كهو ، فإن قيل : الإغماء مرض وقد قال الله جل وعلا في المسافر والمريض : (فعدة من أيام أخر)
    قلنا : وكذا الجنون مرض بلا خلاف ، لكن لما سقط معه الخطاب لزوال عقله جعلنا المغمى عليه مثله لزوال عقله أيضاً.

    لكن هذا التوجيه على غير مذهب الظاهرية.
    وقوله رحمه الله ص227 : (فَإِنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ جُنَّ؛ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ صَوْمُهُ بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ) أقول : لا نص ولا إجماع ، فقد تقدم معك أنه لا خلاف بين أحد أن من نوى الصيام من الليل لا يكون صائماً بذلك ، ولا يكون صائما حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، أليس يجوز لمن نوى الصيام من الليل أن يؤكل ويشرب ويباشر أهله بعد جمعه النية باتفاق ! فبان بذلك بأن مجرد النية لا تجعل الناوي صائماً.
    فإن قال : أردت أن الناوي إذا طلع عليه الفجر فهو صائم بإجماع .
    قلنا : فقد نقلت أنت الخلاف فيه في المغمى عليه والمجنون ص 226 فأين هو الإجماع.
    وهذه مسألة يمكن إفرادها برسالة لتشعب الكلام فيها .
    وقال رحمه الله ص 228 : (وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ فِي لَيْلَةِ رَمَضَانَ وَكَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَصَحَا بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ النَّهَارِ أَقَلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ - أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ -: فَصَوْمُهُ تَامٌّ، وَلَيْسَ السُّكْرُ مَعْصِيَةً، إنَّمَا الْمَعْصِيَةُ شُرْبُ مَا يُسْكِرُ سَوَاءٌ سَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ فُتِحَ فَمُهُ أَوْ أُمْسِكَتْ يَدُهُ وَجَسَدُهُ وَصُبَّ الْخَمْرُ فِي حَلْقِهِ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِسُكْرِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مَا يُسْكِرُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَالسُّكْرُ لَيْسَ هُوَ فِعْلُهُ، إنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْهَى الْمَرْءُ عَنْ فِعْلِهِ، لَا عَنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ)
    أقول : قوله (ليس السكر معصية) واستدلاله عليه بأنه فعل الله جل وعلا ، فيه نظر ، ولما لا يجوز أن يكون معصية إذا جلبه العبد على نفسه بفعل المعصية كالقتل ، ألا ترى أن الرجل قد يطعن خصمه في مقتل ثم الموت فعل الله جل وعلا خاصة دون الطاعن حتى إذا أراد الله جل وعلا أن ينجيه أنجاه ؟ أتراه يقول قائل : لا حد على الطاعن لأنه لم يفعل الموت بل هو فعل الله ، أو يقول : القتل الذي هو مجموع طعنه عدواناً وحصول الموت بسببه ليس بمعصية بل المعصية الطعن فقط لأن القتل ليس فعلاً للطاعن بل فعله قاصر على الطعن وهو بعض القتل لا كله.
    كيف وقد نسب الله جل وعلا فعل السكر في الخمر للصانع حيث قال : (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا) أي شراباً مسكرا ، مع أن الإسكار الذي فيه هو من فعل الله جل وعلا ولم يعمل الخمار فيه الإسكار بل عمل مقدماته فقط ، على حد قوله جل وعلا (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ . أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) فهم زارعون باعتبار فعلهم المقدمات ، والله جل وعلا هو الزارع حقيقة لأنه موجد لحقائها لا مقدماتها، بل والمقدمات على ما هو مقرر عند أهل السنة أنه جل وعلا هو الخالق لأفعال العباد.
    ثم هب أن السكر الحاصل بالشرب عصياناً ليس بمعصية ، فإدخال السكر على العبادة عمداً معصية كما في قوله سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)
    فإن قال : هذا قياس للصيام على الصلاة والقياس كله باطل.

    قلنا : فهي دالة على أن إدخال السكر على الصلاة معصية مع أن السكر الحاصل أثناء الصلاة فعلاً لله جل وعلا بزعمك ، فمن أين لك أن إدخاله على الصوم ليس بمعصية ؟ فإما أن تلغي اعتبار ذات الصلاة والاكتفاء بإدخال السكر على العبادة فيكون نص الآية عاماً يشمل كل عبادة، أو تقيس على الصلاة أو تتوقف ، أما الجزم بأن إدخالها على الصيام ليس بمعصية فلا دليل عليه لما قدمناه.
    والله أعلم.

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    استدراكات : 1. قال رحمه الله 6/161 : (قال زفر ابن الهذيل : من صام رمضان وهو لا ينوي صوماً أصلاً ، بل نوى أنه مفطر في كل يوم منه إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ولا جامع .. فإنه صائم ويجزئه)
    أقول : في هذا تجنٍ على زفر ، فإن المنقول عنه في كتب الأحناف عدم اشتراطه النية لرمضان فقط ، فمن أين له أن من نوى الفطر فصيامه جائز عند زفر؟ والعجب أنه ظاهري ولا يقول ولا حتى بدلالة المفاهيم.
    ويجوز في ظني أن يريد زفر بالنية التي لا تشترط في رمضان نية التعيين . والله أعلم.

    على أنه قد أنكر الكرخي هذه الرواية عن زفر وزعم أن مذهبه كمذهب مالك كما في (الاختيار) 1/164 ، وهذا أيضاً محتمل لما ذكرناه بأن ينوِ الرجل أول الشهر صيام جميع الشهر من غير تعيين لكون الشهر من رمضان ، فيكون الذي نفاه هو نية التعيين لرمضان ، ويجوز أن يكون نفي اشتراط النية إنما هو عن غير أول الشهر كما هو ظاهر كلام الكرخي. والله أعلم.
    2. قال رحمه الله 6/194 : ( أما الحنفيون فأفسد الطباق أقوالاً ، وأسمجها تناقضاً وأبعدها عن المعقول ...) ثم أخذ يعدد ما زعمه تناقضاً وتركاً للقياس .
    أقول : الأحناف أوجبوا الكفارة على من تعمد فعلاً مناقضاً للصيام وهي الأكل والشرب والجماع وما كان في معناها ؛ لأن المراد بالصيام هو الإمساك عن هذه الأشياء ، أما غيرها كالاستقاءة مثلاً فلم يعرف إلا بالشرع حتى لو لم يأتِ نص بأن المستقيء عمداً يفطر لم يحكموا بفطره ، بخلاف المذكورات أولاً ؛ فإن الإمساك عنها في الصيام كان معروفاً قبل الإسلام ، وليس هو في معناها ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (يدع طعامه وشرابه وشهوته) كيف يدل على أنها مستلذة ومحبوبة للصائم حتى استوجب الإمساك عنها والصبر على تركها ذلك الأجر ، بخلاف الإستقاءة والاستعاط والاحتقان ، حتى لو قيل : (يدع الاستقاءة والسعوط والاحتقان من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به) لكان ذالك ضعيفاً سخيفاً في العقل ولم نفهم علة تَرَتُّبِ ذلك الثواب على ترك الاستقاءة والسعوط والحقن وما أشبهها .
    فإذا اتضح لك ذلك فكل ما لم يكن في معنى الطعام والشراب والجماع مما أوجب الفطر أي كان لا يوجب الكفارة ، لم يعد ثم تناقض في كلامهم أصلاً إلا قوله : (وَلَمْ يُبْطِلُوا صَوْمَ مَنْ لَاطَ بِذَكَرٍ فَأَوْلَجَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَلَا صَوْمَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَلَا صَوْمَ مَنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَرَأَوْا صَوْمَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامًّا صَحِيحًا لَا قَضَاءَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ)
    لكن هذا الذي نقله عن الأحناف ليس مذهبهم ، بل هو مذهبه فيمن فعل جميع ما ذكر لكنه لم يذكر صيامه وإن كان مستحضراً كون فعله معصية ، حتى أنه لو التاط بأبيه أو ابنه بالإكراه لهما وهو متعمد لذلك ثم يتمادى فيه حتى تغرب الشمس وهو في كل ذلك ناسياً لصومه فهو عنده كمن جامع امرأته ناسياً لصومه لا قضاء عليه ولا كفارة.
    3. قال رحمه الله 6/205 : (
    وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُنْقِضُ الصَّوْمَ بِالْإِنْزَالِ لِلْمَنِيِّ إذَا تَعَمَّدَ اللَّذَّةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ -: ثُمَّ لَا يُوجِبُ بِهِ الْغُسْلَ إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، وَالنَّصُّ جَاءَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْهُ جُمْلَةً؟)
    أقول : يريد بذلك الأحناف ، وهو كذلك مذهب الحنابلة ، ولهم أن يسألوا : ترى ما وجه العجب ؟ ألا ترى أنا سوينا بين عدم الغسل وعدم الفطر من النازل بغير شهوة ، وبين وجوب الغسل وحصول الفطر من النازل بشهوة ؟

    فإن قال : وجه العجب هو إسقاطهم الحكم الواجب بالنص في الغسل وإيجاب ما ليس في النص من القول بالفطر .

    أجابوا : نحن قائلون بالقياس والتخصيص به ، وقد قسنا إحدى المسألتين على الأخرى وخصصنا عموم دليلها ، فقلنا : لا غسل بغير الدافق الخارج لغير لذة كما لا فطر به.
    فإن قال : القياس كله باطل.

    قيل : فالعجب منك إذاً.

    ولهم أيضاً أن يقولوا : خصصنا عموم (الماء من الماء) بالعلة المستنبطة من قوله جل وعلا (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ومن النظر إلى حقيقة المني ما هو؟
    أما الأول فإن الجنابة في اللغة على ما قاله صاحب (الهداية) 1/126 ط دار الكتب العلمية مع تخريجه (نصب الراية) : "والجنابة في اللغة خروج المني على وجه الشهوة ، يقال : أجنب الرجل إذا قضى شهوته من المرأة" وعليه فالمعنى الذي من أجله أمرنا بالتطهير في الآية هو قضاء الشهوة لا نفس خروج المني ، ألا ترى أنه إن أولج ولم يمنِ وجب التطهر من الجنابة أيضاً ، وليس المراد الاستيفاء للشهوة بل حصولها فقط بشرطها المذكور وهو حصول الجنابة بها ، كانفصال المني من مكانه وحصول الإيلاج ولو بغير إنزال.
    أما النظر إلى حقيقة المني فقد قال الإمام الموصلي في (الاختيار) 1/18 : "ولو خرج لا على وجه الدفق والشهوة كما إذا ضرب على ظهره أو سقط من علو أو أصابه مرض يجب الوضوء دون الغسل كما في المذي، فإنه من أجزاء المني" انتهى ، وما ذكره يؤيده العلم اليوم ، وقد يحتوي المذي على حيوانات منوية أيضاً وإن قلت نسبتها ، لذا ربما حصل الحمل مع العزل.
    فإن كان المذي في حقيقته منياً أو جزءً منه كان حكمهما واحد ، فما خرج مخرج الدفق بلذة أوجب الغسل ، وما لم يكن كذلك يوجب الوضوء فقط.

    فإن قيل : حديث (إنما الماء من الماء) و (نعم إن رأت الماء) قاضيان من جهة العموم بوجوب الغسل من مجرد الإنزال.

    قلنا : لو أنكم عملتم بظاهر الحديثين كان خيراً لكم من الاعتراض بظاهرهما ، فالحديث الأول على أصولكم لا يدل على شيء أصلاً ، فليس في الحديث ما هو الماء الأول ومتى يلزم منه الماء الثاني وما هو الماء الثاني وما الذي نفعله به إن حصل الماء الأول.
    أما على أصولنا : فالامين في الماءين عهدية فالماء الأول هو ماء الغسل والمراد به الاغتسال به ، والماء الثاني هو ماء الموجب للجنابة وقد تقدم كلامنا عنه ، وهكذا حديث (نعم إن رأت الماء) فعلى أصولكم ليس فيه بيان ماهية ذلك الماء المرأي أهو ماء الشرب أو الطبخ أو الغسل أو الوضوء أو ماء المرأة ، وعلى أصلنا هو الماء النازل منها بشهوة بدليل سؤالها ولما ذكرناها سابقاً.
    فإن أرادوا أن يدفعوا المعرة عن أنفسهم ، وقالوا : نحن أيضاً نحمل الماء في الحديثين على ماء الغسل والماء النازل من غير تقييد بلذة ودفق مستدلين بالام العهدية.
    قلنا : كلا بل لا عبرة بلام العهدية عندكم حتى زعمتم أن قوله صلى الله عليه وسلم (اغسلي عنك أثر الدم) عام في كل الدماء مع أن العهد قريب مذكور في سؤالها عن دم الاستحاضة يصيب الثوب ، والسياق يصرخ بإرادته ، وقال صلى الله عليه وسلم (وهو يدافع الأخبثين) فزعمتم أنه بول وروث كل حيوان ، والعهد قريب مذكور في قوله (يدافع) فإن الإنسان لا يدافع في بطنه روث الماعز وبعر الحمير والإبل ، بل نجاسته خاصة ، فأبيتم إلا حمل (الأخبثين) على الأعم لمجرد احتماله له لغةً.
    فما الذي حملكم هنا على حمل اللام في الماء على العهد ، هلا طردتم كلامكم وقلتم إذا بكى الرجل وذرف من ما عينيه قليلاً أو كثيراً يجب عليه الغسل أو إذا شرب الماء وجب عليه الغسل أو يجب عليه ماء آخر أي كان فإن رأى ماءً في بركة وجب عليه شرب كوب ماء وغير ذلك.
    وهكذا المرأة فإنه صلى الله عليه وسلم لما أمر المستحاضة بغسل أثر الدم عن ثوبها لم يفرق ابن حزم بين أن يكون الدم لها أو لغيرها دم استحاضة أم غيره ، فليقل هنا كذلك ، إن رأت ماءً في ثوبها حتى لو علمت أنه لزوجها فيجب عليها الغسل أو نطرد كلامكم ونقول إن رأت أي ماء في ثوبها وجب عليها الغسل.

    فبان أن العجب هو من مذهب ابن حزم رحمه الله لا مذهب الأحناف والحنابلة .

    والله أعلم.

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    خاطرة (16) : قال رحمه الله 6/236 مسألة 757 بعد أن قرر أن هلال رمضان وهلال شوال يثبتا بخبر العدل الواحد : (فإن قالوا : فمن أين أجزتم فيهما خبر ا لواحد ؟ قلنا : لأنه من الدين وقد صح في الدين قبول خبر الواحد ، فهو مقبول في كل مكان ، إلا حيث أمر الله تعالى بأن لا يبل إلا عدد سماه لنا)
    أقول : هذه المسألة لها علاقة بخبر الواحد وهو مسألة أصولية طويلة الذيل ، وإن وفق الله جل وعلا فسأفردها إن شاء الله إما في الملتقى الأصولي أو الظاهري ، لكن نقتصر هنا على أقل القليل المتعلق بمسألتنا فنقول :
    قوله (من الدين) إما أن يريد به نفس إخبار الواحد أو ما أخبر به الواحد وهو ثبوت رمضان وثبوت شوال ، والإطلاق فيهما غير مرضي ، فلو أخبرك العدل الثقة بأنه يحب الزلابية لم يكن هذا من الدين الذي قال الله سبحانه فيه (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ، أما نفس الإخبار بحب الزلابية فإن المُخْبِرَ ليس مكلفاً فيه من جهة الشرع ولا حتى بالإباحة ، بل هو على أصل الإباحة الثابتة قبل الشرع ، فبطل أن يكون شيئاً منهما من الدين.
    ثم الذي أثبتته الأدلة الشرعية هو قبول خبر الآحاد متى أفاد الظن أو اليقين فقط ، فإن لم يُفِدْ أحدهما فقد دل العقل ونصوص الشرع على عدم قبوله .
    فإن قيل : خبر العدل يفيد الظن أو العلم ـ وابن حزم يقطع بإفادته العلم ـ .
    قلنا : ليس هذا على إطلاقه ، فإنه ربما اقترن بخبره ما يرفع عنه إفادة الظن فضلاً عن العلم ، بل ربما يوجب المقارن في النفس الظن أو العلم بأن الأمر على خلاف ما أخبر به الثقة العدل ، فيجب حينئذٍ رده ، لذا جزم من هم أعلم بأخبار العدول والثقات من ابن حزم برد كثير من أخبار الثقات لعدم إفادتها لا علماً ولا ظناً ، وهو مسطر في كتب العلل ، وقد بُسِطَ الكلام عليها في مباحث حديثية كزيادة الثقة ووصله رفعه وتفرده إذا خالف من هو أوثق منه ، وهو مبحوث أيضاً في بابي الشاذ والمنكر.
    وسبب الرد أن مخالفة من هم أوثق أو أولى بالصواب لا تزيح عن خبره إفادة الظن فقط ، بل توجب في النفس الظن وربما العلم بأن الأمر على خلاف ما أخبر به ذلك الثقة كما تقدم وأنه لعله أخطأ.
    وهكذا الأمر بالنسبة للثقة المخبر برؤيته هلال رمضان أو هلال شوال ، فإن الناس في هذين الهلالين خاصة يتعانون النظر إلى مطلع الهلال ، فإذا رآه واحدٌ فقط ـ ولو كان ثقة ـ كان في انفراده ما يورث الريبة فضلاً عن أن يورث علماً أو ظنا .
    فإذا كان الأمر كما قلنا ، جاز للمالكية أن يشترطوا شاهدين اثنين لدفع الريبة الحاصلة بانفراد رجل عن سائر الناس.
    أما الأحناف والشافعية فلهم أن يقولوا : إن إخبار الثقة منفرداً لا يعني أن غيره لم يره ، غايته أن غيره لم يخبر برؤيته لأي عذرٍ كان ، فإن رددنا خبره جاز أن نفطر يوماً من رمضان ، فنعمل به احتياطاً ، وهكذا في هلال شوال ، فلا نجوز العمل بخبره احتياطاً لرمضان أيضاً .
    فإن قيل : إن هذا من العمل بالتجويزات والظنون ، وهو باطل.
    قلنا : بل العمل بها فرض من الله جل وعلا ، وموضع بسطه الكلام في الآحاد إن شاء الله.
    والله أعلم.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    125

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    قال رحمه الله ص 236: (وَأَيْضًا: فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي أَذَانِ بِلَالٍ «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» فَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْتِزَامِ الصِّيَامِ بِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ بِالصُّبْحِ، وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ بِأَنَّ الْفَجْرَ قَدْ تَبَيَّنَ)
    أقول : هذا قياس لرؤية الهلال على طلوع الفجر ، والقياس عنده كله باطل ، وإن كان عنده منه حقاً لكان هذا باطلاً لأنه ليس في الظنة والريبة في طلوع الفجر ما في رؤيا الهلال.

    ثانياً : ابن أم مكتوم رضي الله عنه كان أعمى ، وعليه فهو لم يرَ الفجر وإنما أخبر به ، وعليه فمن أين لابن حزم بأنه رضي الله عنه فبل في طلوع الفجر رجلاً واحدا ؟
    فإن قال : كلامنا في قبول الناس لشهادة ابن أم مكتوم وهو رجل واحد .

    قلنا : إنما قبلوه لما قدمناه من أنه إخبار منه وهو ثقة عمن رآه ، وخبر الواحد الثقة عن الجماعة مقبول اتفاقاً.
    قال رحمه الله 6/237 – 238 : (رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ: ثنا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ ثنا حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ الْجَدَلِيُّ - جَدِيلَةُ قَيْسٍ: «أَنَّ أَمِيرَ مَكَّةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ خَطَبَ فَقَالَ: عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَنْسُكَ لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَ ا» ...
    وَعَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ: (إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَفْطَرُوا).
    وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: "أَبِي عُثْمَانُ أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ".

    وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيْنَا عُمَرُ - وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ: إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى يَشْهَدَ رَجُلَانِ: لَرَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ.؟
    قُلْنَا: أَمَّا حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ فَإِنَّ رَاوِيَهُ حُسَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ مَجْهُولٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُهُ اثْنَيْنِ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَاحِدٌ؟
    وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي عُثْمَانَ، عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ.

    وَكَذَا الْقَوْلُ فِي فِعْلِ عَلِيٍّ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا رَدَّ شَهَادَةَ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَهُ؛ لَا لِأَنَّهُ وَاحِدٌ؛ وَلَقَدْ كَانَ هَاشِمٌ أَحَدَ الْمُجَلِّبِينَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا خِلَافُ ذَلِكَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْهِلَالِ، فَرَآهُ رَجُلٌ، فَقَالَ عُمَرُ: يَكْفِي الْمُسْلِمِينَ أَحَدُهُمْ؛ فَأَمَرَهُمْ فَأَفْطَرُوا أَوْ صَامُوا - فَهَذَا عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ؟)
    أقول : وهذه الأحاديث والآثار دالة على ما ذكرناه سابقاً ، أما تعلل ابن حزم رحمه الله في رد حديث حاطب بجهالة حسين بن الحارث الجدلي فمردود بقول ابن المديني (معروف) وتوثيق ابن حبان وإخراجه له في صحيحه وكذا صحح له ابن خزيمة والدارقطني والضياء المقدسي ، فهو ثقة ، وقال الحافظ في (التقريب) : "صدوق".
    وقد زعم ابن حزم فيما تقدم أن خبر الثقة من الدين يجب قبوله ، فكان عليه قبول توثيق هؤلاء وإلا فليترك قوله في الاحتجاج بخبر الثقة.
    قوله : (
    ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُهُ اثْنَيْنِ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَاحِدٌ؟)
    أقول : ليس بشيء ، فإنه يدل على عدم قبول الواحد بمفهومه ، وعلى فرض عدم دلالته فقد تقدم قول ابن حزم رحمه الله : (وَمَنْ لَمْ يَصُمْ كَمَا أُمِرَ، فَلَمْ يَصُمْ) وعليه فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا بالنسك بشهادة اثنين ، فمن نسك لواحد لم ينسك كما أمر، فيكون النسك بشهادة اثنين مخصوصاً كالشهادات.
    فإن قيل : فالحديث دليل للمالكية دون الشافعية والأحناف.
    قلنا : بل ولهم ، فإنه يدل على وجوب اثنين في رؤية الهلال فسقط قول ابن حزم ، وحديث ابن عمر والأعرابي الآتيين يدلان على كفاية الواحد الثقة في دخول رمضان ، فهو مخصص لهذا الحديث. وهكذا خبر علي فإنه دال بمفهومه أنه رضي الله عنه لم يكن يفطر لشهادة واحد. ومثله حديث عثمان وعمر.
    أما قوله : (
    وَأَمَّا خَبَرُ عُمَرَ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا خِلَافُ ذَلِكَ)
    أقول : لم يصح للكلام في ابن عبد الأعلى وعدم سماع ابن أبي ليلى من عمر رضي الله عنه لذا قال ابن معين في هذا الخبر "ليس بشيء" وضعفه البيهقي رحمه الله.
    وقال رحمه الله 236-237: (وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ... «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» . وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد... عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ؛ إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ - يَعْنِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ؛ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُمْ يَا بِلَالُ فَأَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رِوَايَةُ سِمَاكٍ لَا نَحْتَجُّ بِهَا وَلَا نَقْبَلُهَا مِنْهُمْ، وَهُمْ قَدْ احْتَجُّوا بِهَا فِي أَخْذِ الدَّنَانِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا هَاهُنَا)
    أقول : رواية سماك عن عكرمة حسنة إنشاء الله ، وما فيها من اضطراب ليس بالشديد أو لم يكثر بحث يطرح حديثه عنه لذا جعلها الإمام الذهبي مثالاً للحسن في (الموقظة) وعليه فلنا أن نقول : ليس هناك دليل على أن شهادة الأعرابي رضي الله عنه كانت في غير السنة التي شهد فيها ابن عمر رضي الله عنمها ، وليس في حديث ابن عمر أن أحداً لم يشهد قبله ولا في حديث الأعرابي ما يدل عليه. وابن حزم لا يقول بالمفاهيم أصلاً ، فما دام الاحتمال وارداً فلا يصح لابن حزم رحمه الله الاستدلال بهما .
    وقال رحمه الله ص 237 : (
    وَلَا جَاءَ نَصٌّ قَطُّ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ، فَهَلَّا قِسْتُمْ هِلَالَ شَوَّالٍ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ؟)
    أقول : قد تقدم سبب التفرقة فيما تقدم.
    والله أعلم.

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    الدولة
    Algeria
    المشاركات
    109

    افتراضي رد: خواطر : (مع ابن حزم في الصيام) في مسائل في النية

    أشكرك على هذا الموضوع, و سأحاول أن أكتب ما أعتقده في ما تبين لي أن ردك على ابن حزم لم يكن في محله في هذا الرابط
    http://majles.alukah.net/showthread....8A%D8%A7%D9%85
    الرجال يعرفون بالحق


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •