قال الأخ وضاح:
اقتباس:
خاطرة (1): قال ابن حزم رحمه الله 6/163-164 : وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا؛ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا، وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً وَيَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ، فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ؛ وَقَدْ يَمْرَضُ فِيهِ أَوْ يُسَافِرُ، أَوْ تَحِيضُ، فَيَبْطُلُ الصَّوْمُ، وَكَانَ بِالْأَمْسِ صَائِمًا، وَيَكُونُ غَدًا صَائِمًا، وَإِنَّمَا شَهْرُ رَمَضَانَ كَصَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَا لَيْسَ صَلَاةً، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ نِيَّةٍ، فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي صَوْمِهِ مِنْ نِيَّةٍ. وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ.
أقول : لا أخالف هنا ابن حزم رحمه الله في وجوب تبييت الصيام من الليل لكل يوم من أيام رمضان ، لكن في أدلته على إبطال قول مالك رحمه الله.
فقوله : وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا؛ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا...
أقول : لم ينقض عليهم رحمه الله بشيء ، بيانه أن مالكاً يقول كما نقل عنه ابن حزم أولاً ص 161: (وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَتُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ لِصَوْمِهِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ كُلِّ لَيْلَةٍ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ فَيُفْطِرَ، أَوْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ - حِينَئِذٍ – مُجَدَّدَةٍ ) واعتذر المالكية بأن رمضان كالصلاة الواحدة ، فما الذي في كلام ابن حزم ينقض به دعواهم حتى يصفها بالمكابرة بالباطل ؟
أولا يجب أن نعرف أن ابن حزم ذكر دليلا على قوله و هو حديث حفصة أمّ المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"من لم يبيت الصّيام من الليل فلا صيام له"
فالصيام يكون في النهار, و لا يسمى الفطر في الليل صياما,
فالحديث جاء بوجوب النية لذلك الصوم , فعند غروب الشمس بطل الصوم,فوجب تجديد النية لصوم يوم آخر بنص الحديث الذي ذكره ابن حزم في المسألة,
ابن حزم ليس له حديث يقول " من لم يبيت رمضان من الليل فلا صيام له", و لو كان عنده هذا الحديث لأبطل قول من يقول: تكفي النية عند البلوغ صيام ما فرض الله على المسلم, بحجّة أن صيام ما فرضه الله على المسلم إلى أن يموت كالصلاة الواحدة.
فكان هذا الحديث مقدمة لما سيذكره ابن حزم في إبطاله لقول مالك
فابن حزم أبطل أن يكون رمضان كالصلاة الواحدة, و هو يعلم هذا الحديث, و ربما كان يعلم أن مالكا يعرف هذا الحديث
ثم ذكر دليلا آخر
فقال:
لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا، وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً وَيَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ.
لو سألنا شخصا يؤيد ما ذهب إليه مالك هل صلاة المغرب مثل صلاة الصبح, لقال لنا إن كنا نقصد عدد الركعات فصلاة المغرب ليست كصلاة الصبح,
فنقول له حينئذ:إذن ما الذي جعل رمضان كالصلاة الواحدة, و ليست كل الصلوات متماثلة,
فحتما سيقول لنا أن إجزاء النية في رمضان هي التي كإجزاء النية في الصلاة الواحدة, فتبين لنا ما قصده مالك
فنقول له هذا لا دليل عليه, و كيف سترد على من قال لك أن إجزاء النية عند البلوغ في الدهر كالصلاة الواحدة,
فإن قال أن الله عز و جل أمرنا بصيام رمضان, قلنا له :و الله عز و جل أمرنا عند البلوغ بصيام ماافترض علينا إلى أن يتوفانا الله عز و جل,
بل كيف سترد على من قال لك أن إجزاء النية عند البلوغ في طاعة الله(أي طاعة كانت ) كالصلاة الواحدة,
فحتما سيستدل بحديث حفصة"من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له",حتى لا تكون دعواه كدعوى من قال أن إجزاء النية عند البلوغ في الدهر كالصلاة الواحدة,
فابن حزم أعتقد أنه يعلم أن مالكا يعرف هذا الحديث
و كان يعرف أن قول مالك
أن إجزاء النية في رمضان هي التي كإجزاء النية في الصلاة الواحدة , كان استنباطا من حديث حفصة,
فقول ابن حزم:
لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا - بِعَمْدٍ - مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا، وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً
كان انطلاقا من:
1-أن مالكا يرى إجزاء النية في صيام رمضان كإجزاءها في الصلاة الواحدة
2-مالكا يعرف حديث حفصة.
فينتج أن الصيام الذي أوجب الله عز و جل فيه النية -بتص الحديث الذي يعرفه مالك-يحول بين كل يومين منه ليل يبطل فيه الصوم جملة
و بهذا يكون قول الأخ وضاح:
اقتباس:
قلنا إن صيام رمضان يكون بإمساك النهار وفطر الليل فمن نوى أن يصوم رمضان فقد نوى أن يمسك النهار ويفطر الليل ، فليس في هذا الفطر خروج عن النية الحاصلة في أوله ، فلم يبطل شيئاً نواه
ليس فيه رد على ابن حزم, لأن ابن حزم يتكلم عن الصيام الذي أوجب الله عز و جل فيه النية,
و لو قال الله عز و جل "لا صلاة لمن لم ينو القيام"لكان الركوع يبطل تلك النية.
أما قول الأخ وضاح:
اقتباس:
وقوله : (وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ) فهذا أيضاً لا ينقض عليهم شيئاً بل ليس فيه مخالفة للقياس ، ولنعد إلى صلاة الظهر فنقول : أرأيت لو نسي رجلٌ ركعة من الركعات ، أليس لا يجب عليه سوى استدراك تلك الركعة خاصة وباقي الركعات على حالها من الصحة والإجزاء مع أن الصلاة فرض واحد ، فهكذا الصيام. والله أعلم.
ولو أنه اقتصر في رده عليهم على حديث حفصة وغيرها وعلى فعل الصحابة الذين لا يعلم لهم مخالف ، وعلى أن دعوى أن رمضان رمضان كالصلاة الواحدة لا برهان عليها ، لكفاه .
ففيه خطأ كبير
و هو أن ابن حزم يتكلم عن من تعمّد,
فلم يرد الأخ على ابن حزم في ما نقضه عليهم
فنعيده عليه الآن:
إن كان إجزاء النية في رمضان كالصلاة الواخدة, فما الذي جعل تعمد فطر يوم واحد لا يبطل سائر أيامه,
أما تعمد إبطال ركعة واحدة يبطل كل الصلاة,
أما قولك:
اقتباس:
أرأيت لو نسي رجلٌ ركعة من الركعات ، أليس لا يجب عليه سوى استدراك تلك الركعة خاصة وباقي الركعات على حالها من الصحة والإجزاء مع أن الصلاة فرض واحد ، فهكذا الصيام. والله أعلم.
هذا القياس لا يلزم منه أن الصلاة الواحدة كصوم رمضان,و لا يلزم ابن حزم
لأن ابن حزم لم يقل أن الأحكام التي تترتب على النية في الصلاة الواحدة لا تشبه صيام رمضان من كل وجوه, فإتيانك بوجه واحد لا ينقض قول ابن حزم
بل القول بأن الصلاة الواحدة كصيام رمضان,يوجب أن تكون كل الأحكام التي تترتب على الصلاة الواحدة هي نفسها التي تترتب على صيام رمضان,
فإن أتى أحدهم بوجه واحد يخالف هذا التشبيه-و هو ما فعله ابن حزم- بطل هذا التشبيه.