جلاء الأفهام في معنى قول ربِّ الأنام {واضربوهن}
موفَّق شيخ إبراهيم
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، ملَّكنا فهماً تتبختر الحجَّة فيه اتضاحاً، أمام شبهة تتضاءل افتضاحاً.
أما بعد: فقد انتشر على غرف "الواتس أب"، منشوراً يعطي مفهوماً جديداً لمعنى قوله تعالى: واضربوهن"، في بيان سورة النساء:
{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} النساء٣٤. وبما أن المعنى فيه شططٌ وبعدٌ عن المقصود منه، فقد لزم التنويه إلى الخطأ الذي وقع فيه صاحبه، وهو مجهول، والشريعة لا تؤخذ عن مجهول كما هو معلوم عند عامَّة أهل العلم.
جاء في نصِّ المنشور، أثبته هنا كما جاء، وأعتذر عن بعض الأخطاء الإملائية الواردة فيه:
من اروع ما ستقرأ
وأضربوهن!!! معنى رائع كنت أبحث عنه للرد على الذين يصورون للناس أن الإسلام يأمر أتباعه بضرب نساؤهم ... فكان المعنى مختلف تماماً عما فسروا وفسره بعض المسلمين ... وأليكم المعنى الحقيقي والمنطقي. ما هو المقصود بكلمة: "واضربوهن" في القرآن الكريم؟؟ سوف تندهش من الاجابة لا يمكن أن يُتصوَّر أن يأمر الله بالضرب لشريكة الحياة بمعنى: الجلد .. وهذا المفسِّر يتعقب كلمة (ضرب) في القرآن ليأتي بمعنى جديد فيقول: كنتُ على يقين أن ضرب النساء المذكور في القرآن لا يمكن أن يعني ضرب بالمعنى والمفهوم العامّي، لأنّ ديناً بهذه الرِّفعة والرُّقي والعظمة (الدين الإسلامي) والذي لا يسمح بإيذاء قطة، لا يمكن أن يسمح بضرب وإيذاء وإهانة الأم والأخت والزوجة والابنة. يتابع المفسِّر كلامه ويقول: المعنى الرائع لكلمة (فاضربوهن) في القرآن ويفسّرها ولكن ليس كما يفسرها الآخرون ... ماذا تقول الآية؟!!
{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} النساء٣٤.
"من خلال المعرفة البسيطة في اللغة العربية وتطوّرها وتفسيرها فإن العقوبة للمرأة الناشز أي المخالفة نراه في هذه الآية عقوبة تواترية تصاعدية:
بالبداية تكون بالوعظ والكلام الحسن والنصح والإرشاد".
فإن لم يستجبن: فيكون الهجر في المضاجع أي في أسرّة النوم وهي طريقة العلاج الثانية ولها دلالتها النفسية والتربوية على المرأة والهجر هنا في داخل الغرفة.
أما (واضربوهن) فهي ليست بالمدلول الفعلي للضرب باليد أو العصا لأن الضرب هنا هو المباعدة أو ولما كانت معاني ألفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه، فقد تتبعنا معاني كلمة (ضرب) في المصحف وفي صحيح لغة العرب، نجد أنها تعني في غالبها المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل .. خلافاً للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب). فمثلا الضرب بإستعمال عصا يستخدم له لفظ (جلد) والضرب على الوجه يستخدم له لفظ (لطم) والضرب على القفا (صفع) والضرب بقبضة اليد (وكز) والضرب بالقدم (ركل). وفي المعاجم وكتب اللغة والنحو لو تابعنا كلمة ضرب لنرى مثلاً في قول: (ضرب الدهر بين القوم) أي فرّق وباعد بينهم. و(ضرب عليه الحصار) أي عزله عن محيطه. و(ضرب عنقه) أي (فصلها عن جسده). فالضرب إذن يفيد المباعدة والإنفصال والتجاهل. وهنالك آيات كثيرة في القرآن تتابع نفس المعنى للضرب أي المباعدة: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى} طه ٧٧ أي أفرق لهم بين الماء طريقاً. {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} الشعراء ٦٣ أي باعد بين جانبي الماء. {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ} البقرة٢٧٣ أي مباعدة وسفر وهجرة إلى أرض الله الواسعة. {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ} المزمل٢٠ أي يسافرون ويبتعدون عن ديارهم طلباً للرزق. {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الحديد ١٣أي فصل بينهم بسور. ويُقال في الأمثال (ضرب به عُرض الحائط) أي (أهمله وأعرض عنه). وذلك المعنى الأخير هو المقصود في الآية… أما الآية التي تحض على ضرب الزوجة {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } : فالآية تحض على الوعظ ثم الهجر في المضجع والإعتزال في الفراش، أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد ، وإن لم يُجْدِ ذلك ولم ينفع فهنا (الضرب) بمعنى المباعدة والهجران والتجاهل، وهو أمر يأخذ به العقلاء من المسلمين، وأعتقد أنه سلاح للزوج والزوجة معاً في تقويم النفس والأسرة والتخلص من بعض العادات الضارة التي تهدد كيان الأسرة التي هي الأساس المتين لبناء المجتمع الإسلامي والإنساني ولدينا كلمات نمارسها أيضا ك ( أضرب عن الطعام ) أى ( إمتنع عنه وتركه ) (والإضرابات فى الجامعات أو المعامل) مثلا فكل معناها هي ( ترك العمل أو الدراسة أو إهمالهما ) سبحان الله ... هذا والله اعلم.
إعجاز القرآن الكريم
فضلاً علق بالصلاة على النبي وشارك ليعرف الناس عظمة دينك.
انتهى النقل عن غرف "الواتس أب"، والوارد أعلاه وجدته في موقع على الشبكة العنكبوتية موسوم بـ:"الويب الإسلامي". والمتأمل فيه يلاحظ عدم نسبته لشخص أو لمؤسَسة ما، والموقع فيه من الجهل ومن الخلط الشيء الكثير، مما يشير إلى أنه موقع يتبع جهةً مشبوهةً هدفها الطعن بالإسلام، وتشويه صورته الجمالية من داخله، ومن خلال الشبهات التي تشرف على تحضيرها وتصديرها ونشرها على المنصَّات الإعلامية، مؤسَّسات معادية للإسلام تمولها مع الأسف دول باتت معلومة للكثيرين من المطلعين، وعلى رأسها أميركا.
هذا وقد لاحظت بعض المغريات وعناصر الإقناع، مبثوثة بين جنبات المنشور الذي نحن بصدد الردِّ عليه، من مثل الاعتماد على اللغة، ومن مثل عباراتٍ تطمئن القارئ وتستثمر عاطفته الدينية، وهذه بعضها:
"من اروع ما ستقرأ"، "سوف تندهش من الاجابة"، وفي نهايته:" سبحان الله ... هذا والله اعلم إعجاز القرآن الكريم، فضلا علق بالصلاة على النبي وشارك ليعرف الناس عظمة دينك"!!.
وللردِّ عليه أشرع بالقول: فعل ضرب، مشتركٌ لفظيٌّ لمعانٍ عدَّة وضرب الضرب: إيقاع شيء على شيء، ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها، كضرب الشيء باليد، والعصا، والسيف ونحوها، قـــال: ﴿فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان﴾ الأنفال/12 ﴿فضرب الرقاب﴾ محمد/4 ﴿فقلنا اضربوه ببعضها﴾ البقرة/73 ﴿أن اضرب بعصاك الحجر﴾ الأعراف/160 ﴿فراغ عليهم ضربا باليمين﴾ الصافات/93 ﴿يضربون وجوههم﴾ محمد/27، وضرب الأرض بالمطر، وضرب الدراهم، اعتباراً بضرب المطرقة، وقيل له: الطبع، اعتباراً بتأثير السِمَة فيه، وبذلك شبه السجيِّة، وقيل لها: الضريبة والطبيعة. والضرب في الأرض: الذهاب فيها وضربها بالأرجل. قال تعالى: ﴿وإذا ضربتم في الأرض﴾ النساء/101 ﴿وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض﴾ آل عمران/156، وقال: ﴿لا يستطيعون ضربًا في الأرض﴾ البقرة/273، ومنه: ﴿فاضرب لهم طريقا في البحر﴾ طه/77، وضرب الفحل الناقة تشبيهاً بالضرب بالمطرقة، كقولك: طرقها، تشبيها بالطرق بالمطرقة، وضرب الخيمة بضرب أوتادها بالمطرقة، وتشبيهاً بالخيمة قال: ﴿ضربت عليهم الذلة﴾ آل عمران/112، أي: التحفتهم الذلَّة التحاف الخيمة بمن ضربت عليه، وعلى هذا: ﴿وضربت عليهم المسكنة﴾ آل عمران/112، ومنه استعير: ﴿فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا﴾ الكهف/11، وقولـه : ﴿فضرب بينهم بسور﴾ الحديد/13، وضرب العود، والناي، والبوق يكون بالأنفاس، وضرب اللبن بعضه على بعض بالخلط، وضرب المثل هو من ضرب الدراهم، وهو ذكر شيء أثره يظهر في غيره. قال تعالى: ﴿ضرب الله مثلا﴾ الزمر/29 ﴿واضرب لهم مثلا﴾ [الكهف/32 ﴿ضرب لكم مثلا من أنفسكم﴾ الروم/28 ﴿ولقد ضربنا للناس﴾ الروم/58 ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا﴾ الزخرف/57 ﴿ما ضربوه لك إلا جدلا﴾ الزخرف/58 ﴿واضرب لهم مثل الحياة الدنيا﴾ الكهف/45 ﴿أفنضرب عنكم الذكر صفحا﴾ الزخرف/5.
روى الدارميُّ عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال :" عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب بأصحابه. عليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه، أو يفتقر إلى ما عنده، وإنكم ستجدون أقواماً يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه (1) وراء ظهورهم! عليكم بالعلم وإياكم والتبدُّع (2)، وإياكم والتنطُّع (3)، وإياكم والتعمُّق (4)، وعليكم بالعتيق (5) ".
(1) نبذ: طرح وألقى، والمراد: تركوا العمل به.
(2) تبدَّع الشيء: أَنشأَه وبدأَه أو أحدثه واخترعه والمراد هنا: الحدث في الدين بعد الإكمال.
(3) التنطُّع: التكلُّف والمغالاة والتعمُّق في القول أو الفعل.
(4) التعمُّق: المبالغة في الأمر والتشدُّد فيه.
(5) العتيق: القديم وما كان عليه الأوائل. والمراد التمسُّك بالقرآن والسنَّة.
وتفسير كلام الله هو الرواية عن الله تعالى، كما قال مسروق:" اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله "، وقال الشعبيُّ:" والله ما من آيةٍ إلا وقد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله عزَّ وجل ". تفسير ابن كثير / (1/ 13).
ومن جعل تفسير كلام الله، والرواية عن الله محلَّ اجتهاده، وعنوان رجاحة عقله، فقال في كتاب الله بما بدا له، وأعرض عن كلام أهل العلم واستهجنه، فقد ضلَّ سعيه، وخاب عمله وابتغى في الإسلام سنَّة الجاهلين، وقد كان السلف يعظمون القول في التفسير، ويهاب أحدهم أن يتكلم في كتاب الله بغير علم، فمن سلك مسلكهم فقد رشد، ومن رام غير مسلكهم فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً.
المفسِّرون هم أهل العلم بالقرآن والسنة، العالمون بلغة العرب التي نزل بها القرآن، الذين أخذوا التفسير عن أسلافهم، الذين أخذوه عن أسلافهم، حتى أخذه الأسلاف عن الصحابة الذين فيهم نزل القرآن، وهم أعلم الناس بتأويله: صحبوا النبي وجاهدوا معه، وتعلموا منه، وقد قال الله عزَّ وجل:" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " النحل/ 44. فمن سلك غير هذا المسلك وطرق غير هذا الطريق فقد انحرف عن الجادة، وسلك مسلك أهل الأهواء والبدع الذين يحدثون في دين الله ما ليس منه، ويحرفون الكلم من بعد مواضعه.
روى مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في حجَّة الوداع: " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهنَّ بأمان الله واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهنَّ ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالممعروف ". فماذا يعني قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" فاضربوهن ضرباً غير مبرح " إلا هذا الضرب المعروف؟!.
وروى أبو داوود بسندٍ صحيحٍ، عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال:" قلت يا رسول الله، ما حقُّ زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت ".
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ذئرن النساء على أزواجهن- يعني نشزن - فرخَّص في ضربهنَّ، فأطاف بآل رسول الله نساءٌ كثيرٌ يشكون أزواجهنَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لقد طاف بآل محمَّدٍ نساءٌ كثيرٌ يشكون أزواجهنَّ ليس أولئك بخياركم ". رواه أبو داوود بسندٍ صحيحٍ.
وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال:" نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عن الضرب في الوجه ". رواه مسلم،
وعن شعيب عن جدِّه عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع ". رواه أبو داوود بسندٍ صحيحٍ.
ماذا يعني الضرب في هذه الأخبار الصحيحة إلا الضرب المعروف؟ والذي يكون على معنى التأديب وطلب الاستقامة.
ثم إن الآية بدأت بالوعظ، وثنّت بالهجر، وثلَّثت بالضرب، وهذا الجاهل جعل الهجر والضرب شيئاً واحداً.
وقد أمر الله في كتابه بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها ومعاشرتها بالمعروف، وبين أن لها حقوقا على زوجها كما أن له حقوقاً عليها. وأوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإحسان إلى الزوجة وإكرامها، بل جعل خير الناس من يحسن إلى أهله، فقال: " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ". رواه الترمذيُّ وابن ماجه يسندٍ صحيحٍ.
وإذا نشزت المرأة على زوجها وعصت أمره سلك معها سبيل الوعظ والتذكير، فإن لم يفد سلك معها سبيل الهجر في المضجع، فإن لم يفد ضربها ضرب تأديب وتعليم، لا انتقام وإيذاء، فليس المقصود إهانتها وإيذاؤها، وإنما المقصود الإصلاح والتقويم؛ وقد نهى النبيُّ عن شتم الزوجة أو ضربها ضرباً مبرحاً، كما نهى أيضاً عن ضرب الوجه، عن عبد الله بن زمعة عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم:" لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم ". أخرجه البخاريُّ.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح:" وإن كان ولابدَّ فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التامُّ، فلا يفرِّط في الضرب ولا يفرِّط في التأديب ".
وقال بعض أهل العلم: يجب أن يكون ضربه لها ضرباً بسيطاً لا يُغير لوناً أو يسبِّب كسراً أو جُرحاً ولا يسيل دماً. والقول الحقُّ من أقوال العلماء أن لا يبدأ الرجل بضرب زوجه بداية نشوزها، كما هو مذهب الإمام أحمد، وقول ابن عبَّاس، وغيرهم كثير من أهل العلم. ثمَّ إنَّ الضرب للزوجة، ليس على إطلاقه بل له عدَّة شروط:
أ ـ أن تصرَّ المرأة على النشوز والعصيان.
ب ـ أن يتناسب نوع العقاب مع نوع التقصير.
ج ـ أن يراعي الرجل، مقصوده من الضرب، وأنَّه للعلاج والتأديب لا غير، فينبغي التخفيف منه بقدر الإمكان، ويتحقق ذلك كما ذكر أهل العلم (باللكزة ونحوها أو بالسواك)، ويجب كذلك على من ابتلي بترفع زوجته عنه، ولم يكن لها علاج إلا الضرب، بأن يتقي الله في ضربه. قال عطاء: قلت لابن عبَّاس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: السواك ونحوه. ويتجنَّب المواضع المخوفة كالرأس والبطن، وكذا الوجه؛ المنهيِّ عن ضربه نهياً عاماً، ولذا ذكر المحققون من أهل العلم، كالنووي بأنَّ الرجل لو ابتلي بضرب زوجه، وأفضى ذلك إلى تلف بعض أعضائها، بأنَّ زوجها يجب عليه الغرم؛ لأنَّه كما قال النووي تبيَّن بأنَّ ذلك منه للإتلاف لا للإصلاح.
والمنهج الإسلاميُّ منهجٌ يتعامل مع واقع حياة الناس، ومن النساء من لا يقومهنَّ إلا الضرب، وهو يستدعي الرمزية فقط والتلويح، هو إلى التهديد أقرب منه إلى التنفيذ كما أسلفت وأشرت، إذا وجد المصلحة في ذلك، ومثل هذه المرأة التي لم يصلحها وعظٌ ولا هجرٌ - والهجر عند النساء أشدُّ من الضرب نفسه؛ لرقتهنَّ وغلبة العاطفة عليهنَّ - غالباً ما تكون في حالة شذوذٍ نفسيٍّ، وقد ينفع فيه العقاب البدنيُّ كحلٍّ أخيرٍ، وهو - رغم ما فيه من ضررٍ على المرأة - خيرٌ من الطلاق وتمزيق الأسرة، وهي أشبه ما تكون بقاعدة الضرورة التي تباح في بعض الحالات الاستثنائية، ومن لا تحتاج إلى شيءٍ من ذلك فلا سبيل لأحدٍ عليها، لا الزوج ولا غيره؛ وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.