تاريخ النشر: 27 ذو القعدة 1430 (15/11/2009)
ليس كل ما يظهر علي أيدي الصالحين - أو غيرهـم -
يكون كرامة من الله عز و جل،
بل قد تكون غواية من الشيطان،
أو إضـلالاً من بعض الجان...
الحمدلله وحده، والصـلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد:
فإن أهل السنة والجماعة - وهم أسوتنا وقدوتنا - يؤمنون بوقوع الكرامات علي أيدي الصالحين؛ وهم المؤمنون المتقون.
والكرامة - عند علماء الشريعة - أمـر خارق للعادة،
يظهره الله عز و جل علي أيدي أوليـائه،
والكرامات للأوليـاء تشبه معجزات الأنبيـاء في نقضها للعادة المعروفة،
وبينهما فروق كثيرة؛
من أهمها أن الكرامة غير مقرونة بدعوى النبوة،
وليست إرهاصاً لها، وغير مقرونة كذلك بالتحدي،
ويمكن للعبد الصالح أن تقع له كرامة أو كرامات،
وهو لا يعلم بها!!؟
ومن أهم الفروق بينهما أيضاً؛
أن الكرامة - على القول الراجح -
لا يمكن أن تبلغ إلي مثل معجزات الأنبيـاء والمرسلين،
ولا تكون مساوية لها على الإطلاق،
فكل ما وقع معجزة لنبي لا يمكن أن يقع كرامة لولي!!
ضوابط الكرامة وشروطها
(راجع "أصـول الاعتقـاد" لللالكائي ):
ليس كل ما يظهر علي أيدي الصالحين - أو غيرهـم -
يكون كرامة من الله عز و جل،
بل قد تكون غواية من الشيطان،
أو إضـلالاً من بعض الجان...
من أجـل هـذا وضع العلماء شـروطاً
تعرف بها الكرامة التي هي منحة إلهيه،
وتتميز عن الخوارق التي هي حيلة شيطانية!!
ومن أهم تلك الشروط:
1- أن يكون صاحب الكرامة مؤمناً تقياً،
لقوله تعالى:
{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٦٢﴾
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }
[ سورة يونس: 63-62 ].
وهـذا يعني: أن كل مؤمن تقي فهو لله ولي،
وعلامته أداء الفراض والواجبات، وترك المحرمات،
ثم التقرب إلى الله بفعل المستحبات وترك المكروهات.
2- ألا يدعي صاحب الكرامة الولاية.
لأن ادعاء العبد الولاية لنفسه أو لغيره رجم بالغيب،
وذلك لأن المؤمن لا يدري ما الذي قبله الله من أعماله،
وما الذي رده من غير قبول!!،
والله يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }
[ سورة المائدة: 27 ].
ولأن ادعـاء الولاية - كذلك - تزكية للنفس
قد نهى عنها القرآن الكريم في قوله تعالى:
{ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ }
[ سورة النجم: 32 ].
3- أن لا تكون الكرامة سبباً في ترك شيء من الواجبات.
4- أن لا تخالف الكرامة أمراً من أمور الدين.
قال الشاطبي - رحمه الله -:
"إن الشريعة كما أنها عامة في جميع المكلفين،
وجارية على مختلف أحوالهم،
فهي عامة أيضاً بالنسبة إلى عالم الغيب،
وعالم الشهادة من جهة كل مكلف،
فإليها نرد كل ما جاءنا من جهة الباطن
كما نرد إليها كل ما في الظاهر".
فمن أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد جاءه يقظة بعد موته،
فهذا من الكذب وكيد الشيطان.
هـذا وقد وردت أمثلة كثيرة لكرامات الأوليـاء في الكتاب والسنة الصحيحة
نذكر بعضها لتأكيد وتثبيت هذة العقيدة الصحيحة،
وإقامة الحجة الدامغة علي منكري الكرامات من أهل الزيغ والضلال.
كرامات وردت في القرآن الكريم:
- قوله تعالى في قصة مريم -عليها السلام-:
{ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا
قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
[ سورة آل عمران: 37 ]،
وقـد ذكر المفسرون في بيان هذة الكرامة أقوالاً كثيرة
يرجع إليها في كتب التفسير.
وكذلك قوله تعالى في نفس القصة:
{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}
[ سورة مريم: 25 ].
ومن المعلوم أن النخلة لا يقدر على هزها لإسقاط الرطب عصبة من الرجال الأقوياء،
فكيف تفعل ذلك امرأة في حال الولادة والضعف؟!!
فهي كرامة ظاهرة.
- ومنها قوله تعالى عن زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام:
{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴿٧١﴾
قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}
[سورة هود: 71-72].
قال المفسرون: "ضحكت أي: حاضت، وهي في سن الشيخوخة".
- ومن الكرامات في القرآن أيضاً ما جاء في قصة سليمان عليه السلام:
{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}
[ سورة النمل: 40]،
وكان الحديث عن عرش بلقيس.