قال ابن الوزير -رحمه الله-: "وقد أخلَّ السيد -أيده الله- بقاعدة كبيرة، هي أساس المناظرة، وأصل المراسلة، وهي إيراد كلام الخصم بلفظه أولاً، ثم التعرض لنقده ثانياً، وهذا شيء لا يغفل عنه أحد من أهل الدربة بالعلوم ، والخوض في الحقائق،والممار سة للدقائق، وإنما تختلف مذاهب النقاد في ذلك، ولهم فيه مذهبان :
المذهب الأول : أن يورد كلام الخصـم نصه،ويتخلص من التهـمة بتغيــره ونقصــه,وهذاهو المذهب المرتضى عند أمراء الفنون النظرية، وأئمة الأساليب الجدلية،وقد عاب عبدالحميد بن أبي الحديد على قاضي القضاة (!!) أنه ينقض كلام السيد المرتضى، في مراسلات دارت بينهما، ولا يورد لفظه .
واعلم أن ترك كلام الخصم؛ظُلْمُ له ظاهر، وحيف عليه واضح،لأنه إنما تكلم ليكون كلامه موازناً لكلام خصمه في كفة الميزان الذهني، وموازياً له في جولة الميدان الجدلي، لأن المنفرد يرجح في الميزان، وإن كان خفيفًا، ويسبق في الميدان، وإن كان ضعيفًا، وهذا كله إذا كان للخصم كلام يُحفظ، واختيار يصح أن يُنقض، فمن العدل بيان قوله، وحكاية لفظه، وأما إذا لم يكن له مذهب ألبتة، وإنما وُهِمَ عليه في مذهبه، ورُمِيَ بما لم يقل به؛ فهذا ظلم على ظلم، وظلمات بعضها فوق بعض.
المذهب الثاني من مذاهب النقاد في نقد كلام الخصوم: أن يحكوا مذاهبهم بالمعنى، وفي هذا المذهب شوب من الظلم، لأن الخصم قد اختار له لفظًا، وحرر لدليله عبارة ،ارتضاها لبيان مقصده، وانتقاها لكيفية استدلاله، وتراكيب الكلام متفاوتة، ومراتب الصِّيغ متباينة، والألفاظ معاني المعاني، والتراكيب مراكيب المتناظرين، وما يرضى المبارز للطراد بغير جواده، ولا يرضى المرافع للبناء بغير أساسه، مع أن قطع الأعذار؛ من أعظم مقاصد النظار، وهذه الأمور (إن) لم تكن مظالم شرعية، وحقائق حسّية؛ فهي آداب بين المتناظرين رائقة، ولطائف بين المتأدبين لائقة، ومراقٍ إلى العدل والتناصف، ودواعٍ إلى الرفق والتعاطف، وكل ما خالفها من الأساليب؛ فاَرَقَ حظه من هذه الآداب الحسان، وكل من جانبها من المتناظرين؛ علقته رائحة من قول حسان: ..... إن الخلائق فاعلم شرها البدع".
قال شيخ الإسلام، كما في "مجموع الفتاوى" (4/327): "والمناظرة والمحاجة، لا تنفع إلا مع العدل والإنصاف، وإلا فالظالم يجحد الحق الذي يعلمه، وهو المسفسط المقرمط، أو يمتنع عن الاستماع والنظر في طريقة العلم، وهو المعرض عن النظر والاستدلال".اه
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/343) :" والفتنة ؛ إذا وقعت ؛ عجز العقلاء دفع السفهاء،فصار الأكابر-رضي الله عنهم – عاجزين عن إطفاء الفتنة،وكفَّ أهلها،وهذا شأن الفتنة ، كما قال تعالى (واتقوا فتنة لا تصببن الذين ظلموا منكم خاصة ) وإذا وقعت الفتنة ؛لم يسلم من التَلوّث بها، إلا من عصمه الله " أهـ.
قال الشاطبي -رحمه الله في "الاعتصام" (1/211) ط/مكتبة التوحيد: "فليتَّق امرؤٌ ربه، ولينظر قبل الإحداث في أي مزلة يضع قدمه،فإنه في محصول أمره؛ يثق بعقله في التشريع، ويتهم ربه فيما شرع،ولا يدري المسكين ما الذي وُضع له في ميزان سيئاته، مما ليس في حسابه، ولا شعر أنه من عمله، فما من بدعة يبتدعها أحد، فيعمل بها من بعده، إلا كُتب عليه إثم ذلك العامل، زيادة إلى إثم ابتداعه أولاً، ثم عمله ثانيًا،وإذا ثبت أن كل بدعة تُبتدع؛ فلا تزداد على طول الزمان إلا مُضيًّا -حسبما تقدم- واشتهارًا وانتشارًا، فعلى وِزان ذلك؛ يكون إثم المبتدع لها ، كما أن من سن سنة حسنة ؛ كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة،وأيضاً فإذا كانت كل بدعة يلزمها إماتة سنة تقابلها ؛ كان على المبتدع إثم ذلك أيضاً،هو إثم زائد على إثم الابتداع، وذلك الإثم يتضاعف تضاعف إثم البدعة بالعمل بها، لأنها كلما تجددت في قول أو عمل؛ تجددت إماتة السنة كذلك...".اه
قال شيخ الإسلام- رحمه الله- في رده على البكري (1/263) ط/مكتبة الغرباء: "فمن ادعى دعوى، وأطلق فيها عنان الجهل، مخالفًا فيها لجميع أهل العلم، ثم مع مخالفتهم، يريد أن يكفرِّ ويُضلِّل من لم يوافقه عليها؛ فهذا من أعظم ما يفعله كل جهول مغياق".اه
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الاستقامة" (1/13) ط/دار الفضيلة: "لكن أعظم المهم في هذا الباب وغيره؛ تمييز السنة من البدعة، إذ السنة ما أمر به الشارع، والبدعة مالم يشرعه من الدين، فإن هذا الباب كثر فيه اضطراب الناس، في الأصول والفروع،حيث يزعم كل فريق أن طريقه هو السنة، وطريق مخالفهِ هو البدعة، ثم إنه يحكم على مخالفهِ بحكم المبتدع، فيقوم من ذلك من الشر ما لا يُحصيه إلا الله، وأول من ضلَّ في ذلك: هم الخوارج المارقون، حيث حكموا لنفوسهم، بأنهم المتمسكون بكتاب الله وسنته، وأن عليًا ومعاوية والعسكريْن هم أهل المعصية والبدعة، فاستحلوا ما استحلوه من المسلمين،وليس المقصود هنا ذكر البدع الظاهرة، التي تظهر للعامة أنها بدعة، كبدعة الخوارج والروافض ونحو ذلك..."،
وقال شيخ الإسلام في "الاستقامة" (1/ 31) مبّيناً أن الفرقة الناتجة عن الاختلاف في المسائل الاجتهادية ،سببها البغي والظلم ، فقال –رحمة الله – "ولكن الاجتهاد السائغ ،لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة ؛إلا مع البغي ، لا لمجرد الاجتهاد اهـ
قال الذهبي -رحمه الله- في "تاريخ الإسلام" وفيات سنة (191-200) ص(470) ترجمة يحيى القطان: "وإذا وثَّق يحيى بن سعيد شيخًا؛ فتمسك به، أما إذا ليَّن أحدًا؛ فتأنَّ في أمره، فإن الرجل متعنت جدًا، وقد ليَّن مثل إسرائيل وغيره من رجال الصحيح".اه
وفي "النبلاء" (13/260) ترجمة أبي حاتم الرازي، قال الذهبي: "إذا وثق أبوحاتم رجلاً؛ فتمسك بقوله، فإنه لا يُوَثَّق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا ليَّن رجلاً، أو قال فيه: لا يحتج به؛ فتوقف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثقه أحد؛ فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك".اه
قال المعلمي -رحمة الله تعالى – في "التنكيل " : من أوسع أوديه الباطل :الغلو في الأفاضل اهـ
قول ابن قتيبة في مقدمة كتابه "إصلاح غلط أبي عبيد" ص(47) حيث قال-رحمه الله -: "وقد كنا زمانًا نعتذر من الجهل، فقد صِرنا الآن نحتاج إلى الإعتذار من العلم، وكنا نؤمل شكر الناس بالتنبيه والدلالة، فصِرنا نرضى بالسلامة، وليس هذابعجيب، مع انقلاب الأحوال، ولا يُنكرَ مع تغير الزمان، وفي الله خلف، وهو المستعان".اه
قال شيخ الإسلام في "الحموية" ص(153) من كتاب "شذرات البلاتين" ط/دار القلم: (وليعلم السائل؛ أن الغرض من هذا الجواب: ذكر ألفاظ بعض أئمة العلماء، الذين نقلوا مذهب السلف في هذا الباب،وليس كل من ذكرنا شيئًا من قوله من المتكلمين وغيرهم؛ نقول بجميع ما يقوله في هذا وغيره،ولكن الحق يُقبل من كل من تكلم به....)أهـ
وقال الإمام ابن القيم في "طريق الهجرتين" ص(386-387): (ولولا أن المقصود ذكر الطبقات؛ لذكرنا ما لهذه المذاهب وما عليها، وبيَّنَّا تناقض أهلها، وما وافقوا فيه الحق، وما خالفوه، بالعلم والعدل، لا بالجهل والظلم، فإن كل طائفة منها؛ معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه من الحق، ورد ما قالوه من الباطل، ومن فتح الله له بهذه الطريق؛ فقد فُتح له من العلم والدين كل باب، ويسر عليه فيهما الأسباب، والله المستعان ) اهـ .
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله - في "منهاج السنة" (2/342-343): (واللهُ قد أمرنا ألا نقول عليه إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم،وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني -فضلاً عن رافضي- قولاً فيه حق؛ أن نتركه، أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل، دون ما فيه من الحق..)إلى أن قال:(ولهذا لم نرد ما تقوله المعتزلة والرافضة من حق، بل قبلناه...).اه
وقال شيخ الإسلام أيضًا كما في "مجموع الفتاوى" (10/82): (والصواب: الإقرار بما فيها -يعني طريقة الصوفية- وفي غيرها من موافقة الكتاب والسنة، والإنكار لما فيها وفي غيرها من مخالفة الكتاب والسنة...).اه
وبنحوه قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/39-40)، و"الصواعق المرسلة"
، فقال في شريط (الفرقة الناجية أصولها ووسائلها) (2/أ): "إذا كان الرسول يقبل الحق من يهودي؛ لماذا لا نقبله نحن من مسلم؟ يعني صار المسلم عندكم أنقص من اليهود والنصارى؟ اتقوا الله، يا إخوتاه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ﴾".اه
العلامة السعدي في تفسير سورة المائدة الآية (8) فقد قال رحمه الله -: "﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ ﴾ أي لا يحملنكم بُغْضُ قوم على أن لا تعدلوا، كما يفعله من لا عدل عنده ولا قسط، بل كما تشهدون لوليكم؛ فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم؛ فاشهدوا له، ولو كان كافرًا أو مبتدعًا، فإنه يجب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق، لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق".اه من "تيسير الكريم الرحمن".
ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" (3/69): (فإياك أن تهمل قصد المتكلِّم ونيَّته وعُرفه؛ فتجني عليه وعلى الشريعة، وتنسب إليها ما هي بريئة منه... ففقيه النفس يقول: (ما أردت؟) ونصف الفقيه يقول: (ما قلت)؟.أهـ
قال الشيخ ربيع -سلمنا الله وإياه- في شريط -محفوظ عندنا-: "لو فتشنا عن ابن باز؛ نجد عنده أخطاء، نسقطه؟! ابن عثيمين سنجده أخطأ، نسقطه؟! ابن تيمية سنجده أخطأ، أحمد بن حنبل سنجده أخطأ، نسقطه؟! على هذا المنهج الحدادي النجس".اه
في شريط (جلسة مع فضيلة الشيخ ربيع) الوجه/ب: (من كان رافعًا لراية السنة، ونسقطه لخطئه؛ هذا مذهب الخوارج).اه
وفي شريط (لقاء مفتوح) بجدة (23/ب) سُئل عن الشيخ بكر أبو زيد، فقال: "الله يهديكم يا إخوتاه، أنا قلت لكم: لا تتعرضوا للأشخاص، بكر أبوزيد أخونا، أخطأ، ونرجوا الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بناصيته إلى الصواب والحق، نحن ناقشناه بحسب ما عندنا من المعرفة للحق والصواب، وما جاءني منه شيء إلى الآن، ونرجوا منه الخير -إن شاء الله- بكر أبوزيد له ماضٍ مشرق، يعني كتب كثيرًا في مقاومة البدع والفتن، فهذه نعتز بهذه الكتب، وننشرها، ولو عندنا إمكانية؛ نطبعها، وننشرها، وأخطاؤه -والله- أردها، كما قلنا لكم: لو كان ابن باز وأحمد بن حنبل، حتى الصحابة، أخطاؤهم ما نقبلها، أليس كذلك؟".اه
قال صاحب الفضيلة الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- كما في "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (1/120-121): (وأما موقفنا من العلماء المؤولين، فنقول: من عُرف منهم بحسن النية، وكان لهم قدم صدق في الدين، واتباع السنة؛ فهو معذور بتأويله السائغ، ولكن عذره في ذلك؛ لا يمنع من تخطئة طريقته المخالفة لما كان عليه السلف الصالح، من إجراء النصوص على ظاهرها، واعتقاد ما دل عليه ذلك الظاهر، من غير تكييف ولا تمثيل، فإنه يجب التفريق بين حكم القول وقائله، والفعل وفاعله، فالقول الخطأ إذا كان صادرًا عن اجتهاد وحسن قصد؛ فلا يُذَم عليه قائله، بل يكون له أجر على اجتهاده، لقول النبي : (إذا حكم الحاكم، فاجتهد، ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم، فاجتهد، ثم أخطأ؛ فله أجر) متفق عليه، وأما وصفه بالضلال: فإن أريد بالضلال الضلال المطلق، الذي يُذم به الموصوف، ويُمقت عليه؛ فهذا لا يتوجه في مثل هذا المجتهد، الذي عُلم منه حسنُ النية، وكان له قدم صدق في الدين، واتباع السنة، وإن أريد بالضلال مخالفة قوله للصواب، من غير إشعار بذم القائل؛ فلا بأس بذلك، لأن مثل هذا ليس ضلالاً مطلقا، لأنه من حيث الوسيلة صواب، حيث بذل جهده في الوصول إلى الحق، لكنه باعتبار النتيجة ضلال، حيث كان خلاف الحق، وبهذا التفصيل يزول الإشكال والتهويل، والله المستعان).اه وانظر "فتاوى أركان الإسلام" ص(72).
وقال- رحمه الله- في "كتاب العلم" ص(41-42) ط/دار الثريا: (الأمر التاسع: احترام العلماء وتقديرهم: إن على طلبة العلم احترام العلماء، وتقديرهم، وأن تتسع صدورهم لما يحصل من اختلاف بين العلماء وغيرهم، وأن يقابلوا هذا بالاعتذار عمن سلك سبيلاً خطأ في اعتقادهم، وهذه نقطة مهمة جدًا، لأن بعض الناس يتتبع أخطاء الآخرين، ليتخذ منها ما ليس لائقًا في حقهم، ويشوّش على الناس سمعتهم، وهذا من أكبر الأخطاء، وإذا كان اغتياب العامي من الناس من كبائر الذنوب؛ فإن اغتياب العالم أكبر وأكبر، لأن اغتياب العالم، لا يقتصر ضرره على العالم، بل عليه وعلى ما يحمله من العلم الشرعي،والناس إذا زهدوا في العالم، أو سقط من أعينهم؛ تسقط كلمته أيضًا، وإذا كان يقول الحق، ويهدى إليه؛ فإن غيبة هذا الرجل لهذا العالم، تكون حائلاً بين الناس وبين علمه الشرعي، وهذا خطره كبير وعظيم )
وفي "كتاب العلم" أيضًا ص(215-217) سؤال: (ما قولكم فيمن يتخذ من أخطاء العلماء طريقًا للقدح فيهم، ورميهم بالبهتان، وما النصيحة التي توجهها لطلبة العلم في ذلك؟ فأجاب الشيخ- رحمه الله- قائلاً: (العلماء بلا شك يخطئون ويصيبون، وليس أحد منهم معصومًا، ولا ينبغي لنا، بل ولا يجوز أن نتخذ من خطئهم سُلّمًا للقدح فيهم، فإن هذا طبيعة البشر كلهم، أن يخطئوا إذا لم يُوفَّقوا للصواب، ولكن علينا إذا سمعنا عن عالم، أو عن داعية من الدعاة، أو عن إمام من أئمة المساجد، إذا سمعنا خطأ؛ أن نتصل به، حتى يتبيّن لنا، لأنه قد يحصل في ذلك خطأ في النقل عنه، أو خطأ في الفهم لما يقول، أو سوء قصد في تشويه سمعة الذي نُقِل عنه هذا الشيء، وعلى كل حال: فمن سمع منكم عن عالم، أو عن داعية، أو عن إمام مسجد، أو أي إنسان له ولاية، من سمع (عنه) مالا ينبغي أن يكون؛ فعليه أن يتصل به، وأن يسأله: هل وقع ذلك منه، أم لم يقع؟ ثم إذا كان قد وقع؛ فليبين له ما يرى أنه خطأ، فإما أن يكون قد أخطأ؛ فيرجع عن خطئه، وإما أن يكون هو المصيب؛ فيبين وجه قوله، حتى تزول الفوضى التي قد نراها أحيانًا، ولا سيما بين الشباب، وأن الواجب على الشباب وعلى غيرهم، إذا سمعوا مثل ذلك؛ أن يكفّوا ألسنتهم، وأن يسعوا بالنصح والاتصال بمن نُقِل عنه ما نُقل، حتى يتبين الأمر، أما الكلام في المجالس، ولا سيما في مجالس العامة، أن يُقال: ما تقول في فلان؟ ما تقول في فلان الآخر, الذي يتكلم ضد الآخرين؟ فهذا أمر لا ينبغي بثه إطلاقًا، لأنه يثير الفتنة والفوضى، فيجب حفظ اللسان، قال النبي  لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قلت: بلى، يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه، وقال: (كُفَّ عليك هذا)، قلت: يا رسول الله، إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)، وأنصح طلبة العلم وغيرهم أن يتقوا الله، وألا يجعلوا أعراض العلماء والأمراء مطية، تركبونها كيفما شئتم، فإنه إذا كانت الغيبة في عامة الناس، من كبائر الذنوب؛ فهي في العلماء والأمراء أشد وأشد، حمانا الله وإياكم عما يغضبه، وحمانا عما فيه العدوان على إخواننا، إنه جواد كريم.اه وانظر نحو ذلك في شريط (الحياة السعيدة) الوجه (ب) .
وقال فضيلة الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- في "الصحوة الإسلامية" ص(86-87) في معرض دفاعه عن بعض أهل الهيئة، عندما يتجاوز الحد في الإنكار، فقال: (والإنسان قد يكون لديه غيرة شديدة قوية، واندفاع قوي، فلا يضبط نفسه عند التصرف، لكن لا يجوز لنا أن نتخذ من مثل هذا الحال، سُلّما للقدح في جميع أعضاء الهيئة، أو في جميع أعمال هذا الشخص نفسه، بل الواجب أن نلتمس له العذر، وأن نتصل به، ونبين له ما هو الطريق الراشد في معالجة الأمور اه .
وذكر أيضًا نحو ذلك في "الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات" ص(118-119،120)،وارجع أيضًا إلى شريط (شرح كتاب "الجامع من بلوغ المرام") (15/أ)، وشريط (التعليق على اقتضاء الصراط المستقيم) (1/ب)، و"مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين
(3/341-342)،
- ففي كتاب "محاضرات في العقيدة" (2/191) للشيخ الفوزان قال -حفظه الله-: (الطريقة الصحيحة للتعامل مع العلماء عند ظن خطئهم: نعم، أنا لا أقول عن العلماء:معصومون وأنهم لا يخطئون، العصمة لكتاب الله، وسنة رسوله ، والعلماء يخطئون، ولكن ليس العلاج أننا نُشَهِّر بهم، وأننا نتخذهم أغراضًا في المجالس، أو ربما على بعض المنابر، أو بعض الدروس، لا يجوز هذا أبدًا، حتى لو حصلت من عالم زلة أو خطأ، فإن العلاج يكون بغير هذه الطريقة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾، نسأل الله العافية والسلامة، فالواجب أن نتنبه لهذا الأمر، وأن يحترم بعضنا بعضا، ولا سيما العلماء، فإن العلماء ورثة الأنبياء، ولو كان فيهم ما فيهم).اه
- قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" (3/627): (وفيها -أي في قصة وفد دوس- أنه لا ينبغي للعاقل أن يقلد الناس في المدح والذم، ولا سيما تقليد من يمدح بهوى، ويذم بهوى، فكم حال هذا التقليد بين القلوب وبين الهدى، ولم ينج منه إلا من سبقت له من الله الحسنى).اه
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في "مدارج السالكين" (2/39-40) وقد أشار لبعض شطحات المخالفين: "وهذه الشطحات أوجبت فتنة على طائفتين من الناس:
إحداهما: حُجِبتْ بها عن محاسن هذه الطائفة، ولُطف نفوسهم، وصدقٍ معاملاتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، وأنكروها غاية الإنكار، وأساءوا الظن بهم مطلقاً، وهذا عدوان وإسراف، فلو كان كل من أخطأ أو غلط، تُرك جملةً، وأُهدرت محاسنه؛ لفسدت العلوم والصناعات والحكم، وتعطلت معالمها..." ثم ذكر -رحمه الله- الطائفة المضادة لما سبق، وسماهم معتدين معرضين، ثم قال:
والطائفة الثالثة: (وهم أهل العدل والإنصاف، والذين أعطوا كل ذي حق حقه، وأنزلوا كل ذي منـزلة منـزلته، فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول، ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح، بل قبلوا ما يُقبل، وردوا ما يُرد).اه
وقال -أيضًا- في "مدارج السالكين" (1/198) في سياق ذِكر ما أُخذ على أبي إسماعيل الهروي -رحمه الله- فقال: (ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه، وإساءة الظن به، فمحله من العلم والإمامة والمعرفة، والتقدم في طريق السلوك؛ المحل الذي لا يُجهل،وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك، إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، والكامل من عُدَّ خطؤه، ولا سميا في مثل هذا المجال الضنك، والمعترك الصعب، الذي زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام، وافترقت بالسالكين فيه الطرقات، وأشرفوا -إلا أقلهم- على أودية المهلكات،وكيف لا؛ وهو البحر الذي تجري سفينة راكبه في موج كالجبال، والمعترك الذي تضاءلت لشهوده شجاعة الأبطال، وتحيرت فيه عقول ألبّاء الرجال، ووصلت الخليقة إلى ساحله يبغون ركوبه...).الخ ما قال -رحمه الله- من كلام نفيس، فارجع إليه -إن شئت-.
(ج)-وقال في "إعلام الموقعين" (3/283): (الثاني: معرفة فضل أئمة الإسلام، ومقاديرهم، وحقوقهم، ومراتبهم، وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسوله؛ لا يوجب قبول كل ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفى عليهم فيها ما جاء به الرسول، فقالوا بمبلغ علمهم، والحق في خلافها؛ لا يوجب اطراح أقوالهم جملة، وتنقصهم، والوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السبيل بينهما، فلا نؤثّم ولا نعصم، ولا نسلك بهم مسلك الرافضة في عليّ، ولا مسلكهم في الشيخين، بل نسلك مسلكهم أنفسهم فيمن قبلهم من الصحابة، فإنهم لا يؤثمونهم،ولا يعصمونهم، ولا يقبلون كل أقوالهم، ولا يهدرونها، فكيف يُنكرون علينا في الأئمة الأربعة، مسلكًا يسلكونه هم في الخلفاء الأربعة وسائر الصحابة،ولا منافاة بين هذين الأمرين، لمن شرح الله صدره للإسلام، وإنما يتنافيان عند أحد رجلين: جاهل بمقدار الأئمة وفضلهم، أو جاهل بحقيقة الشريعة التي بعث الله بها رسوله، ومن له علم بالشرع والواقع؛ يعلم قطعًا أن الرجل الجليل، الذي له في الإسلام قدم صالح، وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان؛ قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانته وإمامته ومنـزلته من قلوب المسلمين).اه
 وقد قال الشاطبي في "الموافقات" (4/170-171): (إن زلة العالم، لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بها تقليدًا له... كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يُشنَّع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها، أو يُعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتًا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين).اه نقلاً من "فقه الائتلاف" ص(121-122).
 والذهبي -رحمه الله- قد قرر هذا في عدة مواضع:
(أ)-ففي "النبلاء" (14/374-376) ترجمة ابن خزيمة، قال -رحمه الله-: (ولابن خزيمة عظمة في النفوس، وجلالة في القلوب، لعلمه ودينه واتباعه السنة، وكتابُهُ في التوحيد مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة، فليُعذر من تأول بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا، وفَوّضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده، مع صحة إيمانه، وتوخّيه لاتباع الحق، أهدرناه، وبدعناه؛ لقلّ من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه وكرمه).اه
وفي تعليق على "التوحيد" لابن خزيمة، للدكتور الشهوان (1/90) تابع الحاشية(1).
قال الحافظ أبوموسى المديني فيما جمعه من مناقب الإمام قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن إسماعيل التيمي: (سمعته يقول: أخطأ محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة، ولا يُطعن عليه في ذلك، وقال أبوموسى: أشار بذلك إلى أنه قلّ من إمام إلا وله زلة، فإذا تُرِك الإمام لأجل زلته؛ تُرك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يُفعل).اه
(ب)-وفي "النبلاء" (14/39-40) ترجمة محمد بن نصر المروزي، ذكر الذهبي بعض المسائل التي خالف فيها أهل السنة -مع إمامته- وقد هجره بعض علماء وقته، فردّ ذلك الذهبي، ثم قال: (ولو أن كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل، خطأ مغفورًا له، قمنا عليه، وبدَّعْناه، وهجرناه؛ لما سلم معنا لا ابن نصر، ولا ابن منده، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، وهو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة).اه
وفي "النبلاء" (5/271) ترجمة قتادة، قال الذهبي -رحمه الله-: (ثم إن الكبير من أئمة العلم، إذا كثر صوابه، وعُلِم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعُرف صلاحه، وورعة، واتباعه؛ يُغفر له زلَلُهُ، ولا نضلّله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم: ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجوا له التوبة من ذلك).اه
ففي "مجموع الفتاوى" (11/15-16) قال شيخ الإسلام: (ثم الناس في الحب والبغض، والموالاة والمعاداة، هم أيضًا مجتهدون، يصيبون تارة، ويخطئون تارة، وكثير من الناس إذا علم من الرجل ما يحبه؛ أحب الرجل مطلقًا، وأعرض عن سيئاته، وإذا علم منه ما يبغضه؛ أبغضه مطلقا، وأعرض عن حسناته، وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة، وأهل السنة والجماعة يقولون ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع...).اه
 وفي "الدرر السنية" (10/57) قال شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب النجدي -رحمه الله- في رسالته إلى عبدالله بن عيسى وابن عبدالوهاب: (...ومتى لم تتبين لكم المسألة؛ لم يحل لكم الإنكار على من أفتى أو عمل، حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف، فإذا تحققتم الخطأ؛ بينتموه، ولم تهدروا جميع المحاسن، لأجل مسألة، أو مائة، أو مائتين، أخطأتُ فيهن، فإني لا أدعي العصمة).اه
 وفي "مجموعة الرسائل والمسائل النجدية" (3/162) قال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ -رحمهم الله- في رسالته إلى زيد بن محمد آل سليمان: (...فيجب حماية عِرْض من قام لله، وسعى في نصر دينه الذي شرعه وارتضاه، وتَرْك الالتفات إلى زلاته، والاعتراض على عباراته، فمحبة الله، والغيرة لدينه، ونصرة كتابه ورسوله؛ مرتَّبة عليه، محبوبة لله مرضية، يغتفر فيها العظيم من الذنوب، ولا يُنظر معها إلى تلك الاعتراضات الواهية، والمناقشات التي تفتُّ في عضد الداعي إلى الله، والملتمس لرضاه، وهَبْهُ كما قيل، فالأمر سهل في جنب تلك الحسنات،( وما يدريك: لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم).
 وقال شيخنا الوادعي رحمه الله في "قمع المعاند" ص(475): (وشخص سني، ولو أخطأ، لابد أن يُغَض الطرف عنه، والحمد لله، وأما الرجوع إلى الحق، ففضيلة، والحمد لله الذي وفقني لذلك).اه
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ -حفظه الله تعالى- في شريط (الفتوى بين مطابقة الشرع ومسايرة الأهواء) الوجه (ب): "أيضًا، إذا كانت المسألة متعلقة بالعقائد، أو كانت المسألة متعلقة بعالم من أهل العلم، في الفتوى في شأنه، في أمر من الأمور؛ فإنه هنا يجب النظر فيما يؤول إليه الأمر، من المصالح ودفع المفاسد،ولهذا ترى أئمة الدعوة -رحمهم الله تعالى- من وقت الشيخ عبدالرحمن بن عبداللطيف بن حسن -أحد الأئمة المشهورين- والشيخ محمد بن إبراهيم،إذا كان الأمر متعلقًا بعالم، أو بإمام، أو بمن له أثر في السنة؛ فإنهم يتورعون، ويبتعدون عن الدخول في ذلك: الشيخ صديق حسن خان القنوجي الهندي، المعروف، عند علماءنا له شأن، ويقدرون كتابه "الدين الخالص" مع أنه نقد الدعوة في أكثر من كتاب له، لكن يغضّون النظر عن ذلك، ولا يصعدون هذا، لأجل الانتفاع بأصل الشيء، وهو تحقيق التوحيد، ودرء الشرك.
المثال الثاني: الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني، المعروف، صاحب كتاب "سبل السلام" وغيره، له كتاب "تطهير الاعتقاد"، وله جهود كبيرة في رد الناس إلى السنة، والبُعد عن التقليد المذموم، والتعصب، وعن البدع، لكن زلّ في بعض المسائل، ومنها ما يُنسب إلية في قصيدته المشهورة، لما أثنى على الدعوة، قيل: إنه رجع عن قصيدته تلك بأخرى، يقول فيها: "رجعت عن القول الذي قد قلت في النجدي" يعني محمد بن عبدالوهاب النجدي، ويأخذ هذه القصيدة أرباب البدع، وهي تُنسب له، وتُنسب لابنه إبراهيم، وينشرونها على أن الصنعاني كان مؤيدًا للدعوة، لكنه رجع، والشوكاني أيضًا -رحمه الله تعالى- مقامه أيضًا معروف، ومع ذلك كان علماؤنا –كذا- الشوكاني له اجتهاد خاطئ في التوسل، وله اجتهاد خاطئ في الصفات، وتفسيره في بعض الآيات، له تأويل، وله كلام في عمر -رضي الله عنه- ليس بالجيد،و له كلام -أيضًا- في معاوية -رضي الله عنه- ليس بالجيد، لكن العلماء لا يذكرون ذلك، وألَّف الشيخ سليمان بن سحمان -رحمه الله- كتاب "تبرئة الشيخين الإمامين" يعني بهما الإمام الصنعاني والإمام الشوكاني، وهذا لماذا؟ لماذا فعل ذلك؟ لأن الأصل الذي يبني عليه هؤلاء العلماء هو السنة، فهؤلاء ما خالفونا في أصل الاعتقاد، وما خالفونا في التوحيد، ولا خالفونا في نصرة السنة، ولا خالفونا في رد البدع، وإنما اجتهدوا، فأخطأوا في مسائل، والعالم لا يتبع بزلته –كذا، ولعله لا يتتبع أي يفضح- كما أنه لا يُتبع في زلته،- أي لا يُقتدى به فيها،فهذه تُتْرك ويُسكت عنها، ويُنشر الحق، ويُنشر من كلامه ممايُؤَيَّد به، وعلماء السنة لما زلّ ابن خزيمة -رحمه الله- في مسألة الصورة، كما هو معلوم، ونفى صفة الصورة لله جل وعلا، ردّ عليه ابن تيمية -رحمه الله- في أكثر من مائة صفحة، مع ذلك علماء السنة يقولون عن ابن خزيمة: إنه إمام الأئمة، ولا يرضون أن أحدًا يطعن في ابن خزيمة، لأن كتاب "التوحيد"، الذي ملأه بالدفاع عن التوحيد لله رب العالمين، وبإثبات أنواع الكمالات لله جل وعلا، في أسمائه ونعوته،جل جلاله، وتقدست أسماؤه، والذهبي -رحمه الله- في "سير أعلام النبلاء" قال: "وزل ابن خزيمة في هذه المسألة"، فإذاً هنا إذا وقع زلل في مثل هذه المسائل، فما الموقف منها؟ الموقف: أنه يُنظر إلى موافقته لنا في أصل الدين، موافقته للسنة، ونصرته للتوحيد، نصرته لنشر العلم النافع، ودعوته إلى الهدى، ونحو ذلك من الأصول العامة، ويُنصح في ذلك، وربما رُدَّ عليه على حدةٍ، لكن لا يُقدح فيه قدحًا يلقيه -كذا- تمامًا، وعلى هذا كان منهج أئمة الدعوة في هذه المسائل، كما هو معروف، وقد حدثني فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان -حفظه الله تعالى- حينما ذكر قصيدة الصنعاني الأخيرة: "رجعت عن القول الذي قلت في النجدي" التي يقال: إنه رجع فيها، أو أنه كتبها، قال: سألت شيخنا محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عنها، هل هي له، أم ليست له؟ قال: فقال لي: الظاهر أنها له، والمشايخ مشايخنا يرجحون أنها له، ولكن لا يريدون أنه يقال ذلك، لأنه نصر السنة، ورد البدعة، مع أنه هجم على الدعوة، وتكلم في هذه القصيدة عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ثم الشوكاني له قصيدة أرسلها إلى الإمام سعود، ينهاه فيها عن كثير من الأفعال، من القتال، ومن التوسع في البلاد، ونحو ذلك في أشياء، لكن مقامه محفوظ، لكن ما زلُّوا فيه؛ لا يتابعون عليه، ويُنهى عن متابعته فيه":إلى أن قال حفظه الله ":
لأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها، وهذه القاعدة المتفق علها، لها أثر كبير، بل يجب أن يكون لها أثر كبير في الفتوى..."اه.
وانظر كلام الذهبي في "النبلاء" (17/41)، وفي "تذكرة الحفاظ" (1/10) ترجمة الصديق رضي الله عنه، حيث قال: (...وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي أو لمذهب؛ فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مخلّط مخبّط مهمل لحدود الله؛ فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج، وينكب الزغل، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، فقد نصحتك، فعِلم الحديث صلف، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب، أو تحت تراب).اه
جاء في "النبلاء" (17/481) قال -رحمه الله-: (وكان -أي يحيى بن عمار- متحرقًا على المبتدعة والجهمية، بحيث يؤول به ذلك إلى تجاوز طريقة السلف، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، إلا أنه كان له جلالة عجيبة بهراة، وأتباع وأنصار).اه
وانظر ما جاء في "النبلاء" (17/459-460)، فقد قال الذهبي: (قال أبوطاهر السلفي: سمعت أبا العلاء محمد بن عبدالجبار الفرساني يقول: حضرت مجلس أبي بكر بن أبي علي الذكواني المعدل -في صغري -مع أبي، فلما فرغ من إملائه، قال إنسان: من أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم؛ فليقم، وكان أبونعيم في ذلك الوقت مهجورًا، بسبب المذهب، وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة، وقيلٍ وقالٍ، وصُداع طويل، فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام، وكاد الرجل يقتل !!
قال الذهبي: قلت: ما هؤلاء بأصحاب الحديث، بل فجرة جهلة، أبعد الله شرهم).اه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في "الرد على البكري" (1/263): (وما زال أهل العلم إذا انتهى النـزاع بينهم إلى الألفاظ، مع اتفاقهم على المعاني؛ يقولون: هذا نزاع لفظي، والنـزاع اللفظي لا اعتبار به ، يستهينون بالنـزاع في الألفاظ، إذا وقع الاتفاق على المعاني، التي يعقلها الأيقاظ، ولكن من كان نزاعه لفظيًا، وأوهم الناس أن النـزاع فيما يتعلق بالأصول، ويجعل ذلك من مسائل سب الرسول؛ عُلم أنه ظلوم جهول، وإن كان مصيبًا في الإطلاق، فكيف إذا كان ضالاً مفتريًا في اللفظ والمعنى جميعًا).اه
قال شيخ الإسلام، كما في "مجموع الفتاوى" (19/123): (وتنازعوا -أي الصحابة- في مسائل علمية اعتقادية؛ كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد  ربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والألفة).اه وبنحوه في (24/172)، وانظر "الدرر السنية" (10/246).
وقال شيخ الإسلام أيضًا كما في "مجموع الفتاوى" (6/502): (وليست هذه المسألة -يعني مسألة رؤية الكفار ربهم يوم القيامة- فيما علمت مما يوجب المهاجرة والمقاطعة، فإن الذين تكلموا فيها قبلنا، عامتهم أهل سنة واتباع، وقد اختلف فيها من لم يتهاجروا ويتقاطعوا، كما اختلف الصحابة -رضي الله عنهم- والناس بعدهم في رؤية النبي  ربه في الدنيا، وقالوا فيها كلمات غليظة، كقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (من زعم أن محمدًا رأى ربه، فقد أعْظم على الله الفرية)، ومع هذا، فما أوجب هذا النـزاع تـهاجرًا ولا تقاطعًا، وكذلك ناظر الإمام أحمد أقوامًا من أهل السنة في مسألة الشهادة للعشرة بالجنة، حتى آلت المناظرة إلى ارتفاع الأصوات، وكان أحمد وغيره يرون الشهادة، ولم يهجروا من امتنع من الشهادة،إلى مسائل نظير هذه كثيرة).اه
قال شيخ الإسلام، كما في "مجموع الفتاوى" (28/213): (وكثير من أجوبة الإمام أحمد وغيره من الأئمة، خرج على سؤال سائل، قد علم المسئول حاله،أو خرج خطابًا لمعين؛قد عُلم حاله، فيكون بمنـزلة قضايا الأعيان، الصادرة عن الرسول ، إنما يثبت حكمها في نظيرها...).اه
ذكر صاحب الفضيلة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في شريط: "على طريق الدعوة "في الجواب على أسئلة العشماوي وجه (أ) أن من لم يقرا في كتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، فإنه لم يفهم كلام السلف فهما جيدًا، فارجع إليه؛لتسمعه بنصه.
جاء في "تهذيب التهذيب" (6/197) ترجمة عبدالرحمن بن صالح الأزدي العتكي أبي صالح الكوفي: (قال يعقوب بن سفيان المطوعي: كان عبدالرحمن بن صالح رافضيًا، وكان يغشى أحمد بن حنبل، فيقرِّبه، ويُدْنيه، فقيل له فيه، فقال: سبحان الله، رجل أحب قومًا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة).اه
لقد قمت بنقل معظم كلام اهل العلم في هذا الكتاب وبارك الله في الشيخ ابي الحسن على هذه النقول العلمية