السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فهذا الموضوع تلبية لطلب أخينا الشيخ الحمادي - نفع الله به - في إعادة نشر هذه الفوائد و التي سبق أن نشرتها في ملف ( وورد ) فهاهي مفرغة من الملف المذكور :
مجموعةُ فوائد حديثية
من كتاب
" الأنوار الكاشفة لما في كتاب ( أضواء على السُّنة ) من الزلل و التضليل و المجازفة "
للعلامة المحقق الناقد عبد الرحمن بن يحيى المُعَلِّمي اليماني
رحمه الله تعالى
جمع و ترتيب
أحمد العراقي
عفا الله تعالى عنه
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، أما بعد :
فقد وفقني اللهُ تعالى لقراءة كتاب " الأنوار الكاشفة لما في كتاب ( أضواء على السنة ) من الزلل و التضليل و المجازفة " للشيخ العلامة المحقق عبد الرحمن بن يحيى المُعَلِّمي اليماني – رحمه الله تعالى - ، فوجدتُه كتابًا قيّمًا حوى دُرَرًا نفيسة جدًا ، و حوى تقريراتٍ و تأصيلاتٍ فريدة في علم الحديث ، و هذا هو شأن كلِّ كتب العلامة المعلمي ، و كنتُ قيدتُ كثيرًا من تلك الفوائد في بعضِ كُناشاتي فرأيتُ الآن أن أنفع إخواني بها ، و أنا أدعو نفسي و إياهم إلى الإهتمام بكتب العلامة المعلمي فإنه إمام من أئمة هذا الشأن رزقه الله تعالى فهمًا ثاقبًا و ذهنًا وقادًا و إخلاصًا فيما يظهر لنا فترى كتبَه سهلةَ العبارة خاليةً من الحشو غزيرةَ الفوائد لا يمل الناظر فيها فرحمه الله رحمة واسعة .
و هذه الفوائد التي بين يديك – أخي القاريء – فوائد لا ينبغي أن يجهلها المتصدر للعناية بهذا الفن ، لكن عمت البلوى هذه الأيام فتجد كثيرًا من طلاب العلم يستدرك على أئمة الحديث أمورًا بدهية يعرفها حفاظ البيقونية ، و سبب ذلك هو الجهل بطريقتهم في التعليل ، بل الجهل بعلم العلل من أساسه ، فصار الأمر كما قيل :
و كم مِنْ عائبٍ قولا صحيحًا و آفتـُـه من الفهم السقيمِ
فالله المستعان .
و نصيحة العبد الفقير لإخوانه طلاب العلم أن يعرفوا لأولئك القوم مكانتهم ، و أن يسيروا على سَنَنهم ، و أن يطالعوا كتبَ العلامة المعلمي و كتبَ العلامة المجاهد الزاهد مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله تعالى - .
و ها هي ذي الفوائد بين يديك - أخي القاريء - وضعتُ لكل فائدة عنوانًا لتتم الفائدة ، و قد كتبت بين يديها تعريفا موجزًا بكتاب " الأنوار الكاشفة " ، أسأل اللهَ تعالى أن يرحم العلامة المعلميَّ و أن يسكنه فسيح جناته ، إنه ولي التوفيق .
1- نقدُ المتون عند أئمة الحديث :
قال ص 6 – 7 : (( و لكن هل راعوا – يعني أئمة الحديث – العقلَ في قبول الحديث و تصحيحه ؟
أقول : نعم ، راعوا ذلك في أربعة مواطن :
- عند السماع .
- و عند التحديث .
- و عند الحكم على الرواة .
- و عند الحكم على الأحاديث .
فالمُتثبتون إذا سمعوا خبرًا تمتنع صحتُه أو تبعد لم يكتبوه و لم يحفظوه ، فإن حفظوه لم يحدثوا به ، فإن ظهرت مصلحةٌ لذكره ذكروه مع القدح فيه و في الراوي الذي عليه تبعته .
قال الإمام الشافعيُّ في " الرسالة " ص 399 : ( و ذلك أن يستدل على الصدق و الكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت و أكثر دلالات بالصدق منه ) .
و قال الخطيب في " الكفاية في علم الرواية " ص 429 : ( باب وجوب إخراج المنكر و المستحيل من الأحاديث ) .
و في الرواة جماعة يتسامحون عند السماع و عند التحديث ، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة ؛ فلا تكاد تجد حديثا بيّن البطلان إلا وجدتَ في سنده واحدًا أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة . )) .
2- معنى قول الأئمة " منكر" أو " باطل " :
قال ص 7 : (( و الأئمة كثيرًا ما يجرحون الراوي بخبرٍ واحد منكر جاء به فضلا عن خبرين أو أكثر ، و يقولون للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد : " منكر " أو " باطل " ، و تجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء ، و كتب العلل ، و الموضوعات )) .
و انظر الفائدة رقم (26) مما يأتي .
3- تحسين المتأخرين :
قال ص 29 : (( و تحسين المتأخرين فيه نظر )) .
4- إطلاق كلمة ( حديث ) على ما كان عن النبي اصطلاحٌ متأخر عن عصر الصحابة :
قال ص 39 : (( و كلمةُ ( حديث ) بمعنى : كلام .
و اشتهارها فيما كان عن النبي اصطلاح متأخر )) .
5- ما رواه الشعبي عن جابر إنما أخذه من صحيفة سليمان بن قيس اليشكري عنه :
قال ص 57 : (( ... و الشعبي لم يُذكر في طبقات المدلسين ، لكنْ ذكر أبو حاتِم في ترجمة ( سليمان بن قيس اليشكري ) أن أكثر ما يرويه الشعبي عن جابر إنما أخذه الشعبي من صحيفة سليمان بن قيس اليشكري عن جابر ، و هذا تدليس )) .
6- توثيق الحافظ أبي حاتم ابن حبان و الحافظ العِجْلي :
قال ص 68 : (( و توثيقُ العِجْليِّ وجدتُه بالاستقراء كتوثيق ابنِ حبانَ أو أوسع )) .
و قال ص 108 : (( عبيد هذا لم يذكر له راو إلا أبو سنان ، و أبو سنان ضعفه الإمام أحمد نفسه و ابنُ معين و غيرهما ، و قال أبو زُرْعة : ( مخلط ، ضعيف الحديث ) ، و لا ينفعه ذِكْرُ ابنِ حبانَ في " الثقات " لما عرف من تساهل ابنِ حبان ، و لا قول العجلي : ( لا بأس به ) فإن العجليَّ قريبٌ من ابنِ حبانَ أو أشدُّ ، عرفتُ ذلك بالاستقراء )) .
7- المُعَلِّمي و الاستقراء :
الفائدة السابقة .
8- فصلٌ نفيس يتعلق بنقد الأئمة للرواة :
قال ص 79 – 81 : (( قال أبو رية : ( ثم سار على سبيلهم كلُّ من جاء من الرواة بعدهم ، فيتلقى المتأخر عن المتقدم ما يرويه عن الرسول بالمعنى ، ثم يؤديه إلى غيره بما استطاع أن يمسكه ذهنُه منه ) .
أقول : هذه حكاية من يأخذ الكلمات من هنا و هناك و يقيس بذهنه بدون خبرة بالواقع ، فإن كثيرًا من الأحاديث الصحيحة – إن لم نقُلْ غالبها – يأتي الحديث منها عن صحابيَّيْنِ فأكثر ، و كثيرًا ما يتعدد الرواة عن الصحابي ثم عن التابعي و هلم جرًا .
فأما الصحابة فقد تقدم حالهم .
و أما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يتحفظون القرآن كما جاء عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أخذه العويل و الزويل حتى يحفظه ، هذا مع قوة حفظه ، ذكروا أن صحيفة جابر – على كبرها – قُرأتْ عليه مرة واحدة و كان أعمى فحفظها بحروفها ، حتى قرأ مرة سورة البقرة فلم يخطيء حرفًا ، ثم قال : لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة .
و كان غالبهم يكتبون ثم يتحفظون ما كتبوه ، ثم منهم من يُبقي كتبَه ، و منهم من إذا أتقن المكتوب حفظًا محا الكتاب ، و هؤلاء و نفر لم يكونوا يكتبون ، غالبهم ممن رُزقوا جودة الحفظ و قوة الذاكرة كالشعبي و الزهري و قتادة ، و قد عرف منهم جماعة بالتزام رواية الحديث بتمام لفظه كالقاسم بن محمد بن أبي بكر ، و محمد بن سيرين و رجاء بن حيوة .
أما أتباع التابعين فلم يكن فيهم راو مكثر إلا كان عنده كتب بمسموعاته يراجعها و يتعاهدها و يتحفظ حديثه منها ، ثم منهم من لم يكن يحفظ ، و إنما يحدث من كتابه ،
و منهم من جرب عليه الأئمةُ أنه يحدث من حفظه فيخطيء ، فاشترطوا لصحة روايته أن يكون السماع منه من كتابه ، و منهم من عرف الأئمة أنه حافظ ، غير أنه قد يقدم كلمة أو يؤخرها و نحو ذلك مما عرفوا أنه لا يغير المعنى ، فيوثقونه و يبينون أن السماع منه من كتابه أثبت ،
فأما من بعدهم فكان المتثبتون لا يكادون يسمعون من الرجل إلا من أصل كتابه ، كان عبد الرزاق الصنعاني ثقة حافظا ، و مع ذلك لم يسمع منه أحمد بن حنبل و يحيى بن معين إلا من أصل كتابه .
هذا و كان الأئمة يعتبرون حديثَ كل راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوتة ، فإذا وجدوه يحدث مرة كذا و مرة كذا بخلافٍ لا يحتمل : ضعفوه .
و ربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة ثم يسألونه عنه ، ثم يعتبر حرف مروياته برواية من روى عن شيوخه و عن شيوخ شيوخه ، فإذا رأوا في روايته ما يخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها ، و ليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط ، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مر . و تجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطيء و يغلط و باضطرابه في حديثه ، و بمخالفته الثقات و بتفرده ، و هلم جرًا ، و نظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا .
نعم إن هناك من المحدثين من يسهل و يخفف ، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء . )) .
قلتُ : قال ص 7 مشيرًا إلى أنَّ العارف الممارس هو من يميز بين المتثبت و بين المتساهل : (( و المتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثَه و ينقدوه حديثًا حديثًا ، فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى و أشدُّ احتياطًا ، نعم ليس كل من حُكي عنه توثيق أو تصحيح متثبِّتًا ، و لكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك )) .
9- قال ص 90 : (( و كثيرًا ما كانوا – يعني أئمة الحديث – يكذبون الرجل و يتركون حديثه لخبر واحد يتهمونه فيه ، و تجد من هذا كثيرًا في ميزان الذهبي و غيره ، و كذلك إذا سمعوه حدَّث بحديثٍ ثم حدَّث به بعد مدة على وجه ينافي الوجه الأول )) .
و انظر الفائدة (2) مما سبق .
10- عجيبتان :
قال ص 91 : (( و من تتبع أخبارَهم و أحوالَهم لم يعجب من غلبة الصدق على الرواة في تلك القرون ، بل يعجب من وجود كذابين منهم ، و من تتبع تشدد الأئمة في النقد لم يعجب من كثرة من جرحوه و أسقطوا حديثه ، بل يعجب من سلامة كثيرٍ من الرواة و توثيقهم لهم مع ذلك التشدد )) .
11- طريقة متقدمي الأئمة في التوثيق ، و طريقة ابنِ حبانَ و الدارَقُطنيِّ في التوثيق :
قال ص 113-114 : (( و في مقدمة صحيح مسلم : ( الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم و الحفظ في بعض ما رووا و أمعن في ذلك على الموافقة لهم ، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه قُبل منه ... ) ، و هذا الرجل – يعني المُتَكَلَّمَ فيه – لم يمعن في المشاركة فضلا عن أن يكونَ ذلك على الموافقة .
لكن هذا الشرط لا يتقيد به بعضُ المتأخرين كابنِ حبانَ و الدارقطني ، و من ثَمَّ – و الله أعلم – وَثَّق الدارقطنيُّ عبدَ الوهاب هذا و زعم أن الخبرَ صحيحٌ عن مالكٍ )) .
12- كتابُ " العظمة " لأبي الشيخ ابنِ حيان و حالُه : قال ص 116 : (( أقول : كتاب " العظمة " تكثر فيه الرواية عن الكذابين و الساقطين و المجاهيل )) .
13- " منكر الحديث فيه نظر " عند البخاري :
قال ص 116 : (( في سنده سعيد بن مسلمة بن هشام ، قال فيه البخاريُّ : ( منكر الحديث فيه نظر ) ، و هذا من أشدِّ الجَرْح في اصطلاح البخاريِّ )) .
14- حال شيخ الإسلام ابنِ تيمية عند إيراده الأحاديث في كتبه :
قال ص 127 : (( و صاحبُ " الإقتضاء " – يعني ابنَ تيمية – يورد في مؤلفاتِه الأحاديثَ من حفظِهِ )) .
15- حالُ سبطِ ابنِ الجوزي صاحبِ " مرآة الزمان " :
قال ص 128 : (( أقول : لم يسند السبطُ هذه الحكاية ، و هو معروفٌ بالمجازفة )) .
16- رموز السيوطي في " الجامع الصغير " :
قال ص 131 : (( قال – يعني أبا رية – : ( و من أحاديث الجامع الصغير للسيوطي التي أشير عليها بالصحة ) .
أقول : ليستْ تلك الإشارة معتمدة دائمًا )) .
17- حشره أبا عبد الله الحاكم مع المتأخرين في التصحيح و غيره :
قال ص 132 : (( و ذكر – يعني أبا رية – حديث ( طوبى للشام ) الخ ، و هذا جاء من حديث زيد بن ثابت و صححه الحاكم و غيره من المتأخرين ، و في صحته نظرٌ )) .
18- حال الثعالبي صاحب " خاص الخاص " :
قال ص 150 : (( قال – يعني أبا رية - : ( و في خاص الخاص للثعالبي ..) الخ .
أقول : و من هو الثعالبي حتى يقبل قوله بغير سند ؟ )) .
19- عادة للقصاص في أحاديث المعجزات و ما أشبهها :
قال ص 208 : (( و من يؤمن بقدرة الله – عز و جل – و إجابته دعاء نبيه و خرق العادة لا يستنكر ذلك .
نعم يُتوقف عما يرويه الضعفاء و المجهولون لأن من شأن القصاص و أضرابهم أن يطولوا القضايا التي من هذا القبيل و يزيدوا فيها و يغيروا في أسانيدها ، و الله المستعان )) .
20- حال صاحب " الأغاني " و غيره من الأدباء مع المرويات :
قال ص 210 : (( أقول : عزاه – يعني خبرًا – إلى " العقد الفريد " و الحكاية فيه بلا سند .
و حاول صاحب " الأغاني " إسنادها على عادته فلم يجاوز بها المدائني ، و بين المدائني و أبي هريرة نحو قرن و نصف .
و هؤلاء سَمَريون إذا ظفروا بالنكتة لم يهمهم أصِدْقًا كانت أم كذبًا ، و العلم وراء ذلك )) .
21- العلماء الذين نفوا وجود المتواتر إنما أرادوا اللفظي :
قال ص255 : (( ثم قال أبو رية : ( ليس في الحديث متواتر ) ! .
أقول : من نفى هذا إنما نفى التواتر اللفظي ، فأما المعنوي فكثيرٌ )) .
22- ضوابط في تقوية الخبر بتعدد طرقه :
قال ص 255 : (( ثم ذكر – يعني أبا رية – شيئًا من تقسيم العلماء للحديث إلى أن قال ص 267 : ( تعدد طرق الحديث لا يقويها ، قال العلامة السيد رشيد رضا : يقول المحدثون في بعض الأحاديث حتى التي لم يصح لها سند : إن تعدد طرقها يقويها ، و هي قاعدة للمحدثين لم يشر إليها الله في كتابه و لا ثبتت في سنته عن رسوله ، و إنما هي مسألة نظرية غير مطردة . ) .
أقول أما إطلاق أبي رية في العنوان فباطلٌ قطعًا كما ترى ، و أما إشارة القرآن فيمكن إثباتها باشتراط القرآن العدد في الشهود ، و قوله تعالى : ( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ)(يّـس: من الآية14) ، و من السنة حديث ذي اليدين ، و المعقول واضح .
نعم قوله ( غير مطردة ) حقٌّ لا ريبَ فيه ، بل أزيد على ذلك أنَّ بعض الأخبار يزيده تعدّدُ الطرق وهنًا ، كأنْ يكون الخبرُ في فضل رجلٍ ، و في كلِّ طريقٍ من طرقه كذابٌ أو متهم ممن يتعصبُ له أو مغفل أو مجهول )) .
ثم قال المعلمي ص 256 : (( بل يبعد جدًا أن تتعدد طرقه – يعني الخبر المقطوع ببطلانه – تعددًا يفيده قوة قوية )) .
23- ليس من شأن يحيى بن معين النظر في الفقه :
قال ص 256 : (( و ليس من شأن ابنِ معين النظرُ في الفقه )) .
24- فصل نفيس يتعلق بالاختلاف و الاضطراب و تنبيه على طريقةٍ للبخاريِّ و مسلم في صحيحيهما :
قال ص 262 : (( أقول : الاختلاف في المتن على أضرب :
- الأول : ما لا يختلف به المعنى ، و هذا ليس باضطراب .
- الثاني : ما يختلف به معنى غير المعنى المقصود ، و هذا قريب من سابقه ، و منه القضية التي استدل بها أبو رية في عدة مواضع يحسب أنه قد ظفر بقاسمة الظهر للحديث النبوي ! و هي الاختلاف و الشك في الصلاة الرباعية التي سها فيها النبي فسلم من ركعتين فنبهه ذو اليدين ، فوقع في رواية : ( إحدى صلاتي العشي ) ، و في رواية : ( الظهر ) ، و في أخرى : ( العصر ) ، فالأخريان مختلفان ، لكن ذلك لا يوجب اختلافا في المعنى المقصود ؛ فإن حكم الصلوات في السهو واحدٌ .
- الثالث : ما يختلف به معنى مقصود ، لكن في الحديث معنى آخر مقصود لا يختلف ، كقصة المرأة التي زوجها النبيُّ رجلا بأن يعلمها ما معه من القرآن ، و قد تقدمت ص 59 .
- الرابع : ما يختلف به المعنى المقصود كله ، فهذا إن صح السند بالوجهين و أمكن الترجيح فالراجح هو الصحيح ، و إلا فالوقف .
و الغالب أن البخاريَّ و مسلمًا ينبهان على الترجيح بطرق يعرفها من مارس الصحيحين ، و كذلك كتب السنن يكثر فيها بيان الراجح ، لكن قد لا يتبين لأحدهم الرجحان فيرى أن عليه إثبات الوجهين يحفظهما لمن بعده ، فربَّ مُبَلَّغٍ أوعى من سامع )) .
قلتُ : و انظر لبيان طريقة لمسلم في الترجيح – لزامًا – الفائدة رقم (25) و (37) مما يأتي .
25- فائدة متعلقة بصحيح الإمام مسلم :
قال ص 263 : (( و ذكر – يعني أبا رية – عن السيد رشيد رضا : أن علماء الحديث قلما يعنون بغلط المتون فيما يخص معانيها و أحكامها .... و إنما يظهر معاني غلط المتون للعلماء و الباحثين في شروحها من أصول الدين و فروعها و غير ذلك .
أقول : أما الكتب التي لم تلتزم الصحة و لا الاحتجاج فنعم ، و قد يقع يسير من ذلك في صحيح مسلم ، فأما صحيح البخاري و ما يصححه الإمام أحمد و نظراؤه فإنهم يعنون بذلك )) .
26- نقد المتون عند أئمة الحديث ، و معنى (منكر) و (باطل) و (شبه موضوع) و (موضوع) و مواضع إطلاقها :
قال ص 263- 264 : (( أقول : من تتبع كتب تواريخ رجال الحديث و تراجمهم و كتب العلل وجد كثيرًا من الأحاديث يطلق الأئمة عليها : ( حديث منكر . باطل . شبه موضوع . موضوع ) ، و كثيرًا ما يقولون في الراوي : ( يحدث بالمناكير . صاحب مناكير . عنده مناكير . منكر الحديث ) ، و من أنعم النظر وجد أكثرَ ذلك من جهة المعنى .
و لما كان الأئمة قد راعوا في توثيق الرواة النظر في أحاديثهم و الطعن فيمن جاء بمنكر صار الغالب أن لا يوجد حديث منكر إلا و في سنده مجروح ، أو خلل ، فلذلك صاروا إذا استنكروا الحديث نظروا في سنده فوجدوا ما يبين وهنه فيذكرونه ، و كثيرًا ما يستغنون بذلك عن التصريح بحال المتن ، انظر موضوعات ابن الجوزي و تدبر تجده إنما يعمد إلى المتون التي يرى فيها ما ينكره ، و لكنه قلما يصرح بذلك ، بل يكتفي – غالبا – بالطعن في السند ، و كذلك كتب " العلل " و ما يعل من الأحاديث في التراجم تجد غالبَ ذلك مما ينكر متنه ، و لكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم : ( منكر ) أو نحوه ، أو الكلام في الراوي أو التنبيه على خلل في السند كقولهم : ( فلان لم يلق فلانا ) ( لم يسمع منه ) ( لم يذكر سماعا ) ( اضطرب فيه ) ( لم يتابع عليه ) ( خالفه غيره ) ( يروى هذا موقوفا و هو أصح ) و نحو ذلك )) .
27- أكثر ما أعله الأئمة و أنكروه في كتب " العلل " و " التواريخ " إنما هو من جهة المعنى .
الفائدة السابقة .
28- الأئمة إنما يحكمون على الراوي بعد سبر حديثه و استقراءه :
الفائدة السابقة .
29- إذا استنكر الأئمة متنًا تطلبوا في إسناده ما يعلونه به ، و يكتفون بذكره عن التصريح بنكارة المتن .
الفائدة السابقة .
30- ليس مقصود الأئمة بقولهم : ( لم يذكر سماعا ) أو ( لم يتابع عليه ) الإخبار ، بل مقصودهم الإعلال :
الفائدة السابقة .
31- قد يعل الأئمة ما يستنكرون متنه بعلة غير قادحة مطلقا ، لكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر ، كقولهم : ( لم يذكر سماعًا ) ، ( لم يتابع عليه ) .
الفائدة السابقة ، مع مراجعة مقدمة العلامة المعلمي على كتاب " الفوائد المجموعة " للعلامة الشوكاني .
32- لا تبلغ كلمتان في رجلٍ بحيث أن يقال فيه : ( أمير المؤمنين في الحديث ) ، و يقال فيه : ( أكذب الناس ) و لا ما يقاربهما :
قال ص 265 : (( و قال – يعني أبا رية – ص 309 : ( و قال صاحب " العلم الشامخ " : اختلفت آراء الناس و اجتهاداتهم في التعديل و التجريح ، فترى الرجلَ الواحدَ تختلف فيه الأقوال حتى يوصف بأنه : ( أمير المؤمنين ) و بأنه : ( أكذب الناس ) أو قريب من هاتين العبارتين ) .
أقول : قد تقدم ص 189 أنَّ المختلف فيهم قليل ، و لا تبلغ كلمتان في رجلٍ واحدٍ هذا التفاوت الذي ذكره و لا ما يقاربه إلا قليلا حيث يكون في إحداهما خلل ، و للخلل أسباب و علامات بسطت القول فيها بعض البسط في " التنكيل " )) .
33- الناظرون في العلم ثلاثة :
قال ص 265 – 266 : (( و الناظرون في العلم ثلاثة :
مخلص مستعجل يجأر بالشكوى ،
و متبع لهواه فأنى يهديه الله ،
و مخلص دائب فهذا ممن قال الله تعالى فيهم : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) (العنكبوت:69) . و سنة الله عز و جل في المطالب العالية و الدرجات الرفيعة أن يكون في نيلها مشقة ليتم الابتلاء و يستحق البالغُ إلى تلك الدرجة شرفَها و ثوابَها ، قال الله تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) (محمد:31) )) .
34- الرد على كلمة للحافظ الذهبي في الإمام يحيى بن معين :
قال ص 278 – 279 : (( و ذكر أبو رية كلامًا للذهبي ذكر فيه ما حكى ابنُ وضاحٍ قال : ( سألتُ يحيى بنَ معين عن الشافعي فقال : ليس بثقة ) ، ثم قال الذهبي : ( و كلام ابنِ معين في الشافعي إنما كان من فلتات اللسان بالهوى و العصبية ، فإنَّ ابنَ معين كان من الحنفية و إنْ كانَ محدثًا ) .
أقول : هذه من فلتات القلم ، و قد برّأ اللهُ ابنَ معين من اتباع الهوى و العصبية ، و إنما كان يأخذ بقول أبي حنيفة فيما لم يتضح له الدليل بخلافه ، و عدم ميله إلى الشافعي كان لسبب آخر .
و ثَمَّ علل تقدح في صحة هذه الكلمة ( ليس بثقة ) عنه ، و قد أوضحتُ ذلك في " التنكيل " )) .
35- كيف يتعامل أهل النقد مع روايات أهل التهمة أو الغفلة أو الجهالة :
قال ص 285 : (( و علماء السنة لا يستندون في التصديق و التكذيب إلى أن ذاك يروقهم و هذا لا يعجبهم ، و لكنهم ينظرون إلى الرواة فمن كان من أهل الصدق و الأمانة و الثقة لا يكذبونه ، غير أنهم إذا قام الدليل على خطأه خطّأوه ، سواء كان ذلك فيما يسوءهم أم فيما يعجبهم .
و أما من كان كذابًا أو متهمًا أو مغفلا أو مجهولا أو نحو ذلك ، فإنهم لا يحتجون بروايته ، و من هؤلاء جماعة كثير قد رووا عنهم في كتب التفسير و كثير من كتب الحديث والسير و المناقب و الفضائل و التاريخ و الأدب ، و ليست روايتُهم عنهم تصديقًا لهم ، و إنما هي على سبيل التقييد و الاعتبار ، فإذا جاء دورُ النقد جروا على ما عرفوه ، فما ثبت عما رواه هؤلاء برواية غيرهم من أهل الصدق قبلوه ، و ما لم يثبت فإن كان مما يقرب وقوعه لم يروا بذكره بأسًا و إن لم يكن حجةً ، و إن كان مما يستبعد أنكروه ، فإن اشتد البعد كذبوه .
و هذا التفصيل هو الحق المعقول ، و معلوم أن الكذوب قد يصدق ، فإذا صدقناه حيث عرفنا صدقه و استأنسنا بخبره حيث يقرب صدقه لم يكن علينا – بل لم يكن لنا – أن نصدقَه حيث لم يتبين لنا صدقه ، فكيف إذا تبين لنا كذبه ؟ )) .
36- فصل نفيس يتعلق برواية من تلبس بنوع هوى :
قال ص 289 – 290 : (( فأقول : قد عرف المحدثون هذا – يعني الكذب تشيعًا للمذاهب و تزلفاً لأصحاب المراتب – و عدةَ أسباب أخرى أشاروا إليها في البواعث على الوضع .
و إنما الفرق بينهم و بين بعض من يتعاطى النقد في عصرنا أنَّ المحدثينَ علموا أن هذين الداعيين – مثلا – لا يدعوان إلى الكذب لأنه كذب ، و إنما يدعو الأول إلى ذكر ما يؤيد المذهب ، و الثاني إلى ذكر ما يرضي ذا المرتبة ، و إنَّ كلا من التأييد و الإرضاء ليس وقفًا على الكذب ، بل يمكن أن يقع بما هو صدق ، إذن فالمخبر بما يؤيد مذهبه أو يرضي رئيسه يجوز مع صرف النظر عن الأمور الأخرى أنْ يكون صادقًا و أنْ يكون كاذبًا ، فالحكم بأحدهما لوجود الداعي غير سائغ ، بل يجب النظر في الأمور الأخرى و منها الموانع ، فإذا وجد داع و مانع و انحصر النظر فيهما تعين الأخذ بالأقوى ، و كل من الدواعي و الموانع تتفاوت قوته في الأفراد تفاوتًا عظيمًا ، فلا بد من مراعاة ذلك ، و من تدبرَ هذا علمَ أنه الحق لا ريب فيه ، و أنه يرى شواهده في نفسه و في من حواليه ، و علم أنَّ ما يسلكه بعض متعاطي النقد من أهل العصر في اتهام بعض أفاضل المتقدمين بالكذب لوجود بعض الدواعي عندهم في الجملة تهورٌ مؤسفٌ .
أما أئمة الحديث فقد عرفوا الرواة و خبروهم و عرفوا أحوالهم و أخبارهم و اعتبروا مروياتهم كما تقدم في مواضع ... فمن وثقه المتثبتون منهم فمحاولة بعض العصريين اتهامه لأنه كان – مثلا – يتشيع أو يخالط بني أمية أو نحو ذلك لغوٌ لا يرتضيه العارفُ البتة .
هذا حكم يقبله علماء السنة لهم و عليهم ، ألا ترى أنَّ مسلمًا صحح حديث أبي معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زِرٍّ قال : قال عليٌّ : ( و الذي فلق الحبة و برأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليّ أنْ لا يحبني إلا مؤمن و لا يبغضني إلا منافق ) ، و لا أعلم أحدًا طعن فيه ، مع أنََّ عدي بن ثابت معروف بالتشيع ، بل وصفه بعضهم بالغلو فيه ، و كان إمام مسجد الشيعة و قاصهم ، و البخاري و إن لم يخرج هذا الحديث فقد احتج بعدي بن ثابت في عدة أحاديث ، و لو كان يتهمه بكذب ما في الرواية لما احتج به البتة )) .
37- عادة مسلم في ترتيب روايات الحديث في صحيحه :
قال 28 – 29 : (( و ذكر – يعني أبا رية - قصة التأبير ، فدونك تحقيقها :
أخرج مسلمٌ في " صحيحه " من حديث طلحة قال : ((مررتُ مع رسول الله بقوم على رؤوس النخل فقال : ( ما يصنع هؤلاء ؟ ) فقالوا : يلقحونه ، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح ، فقال رسول الله : ( ما أظن يغني ذلك شيئًا ) . قال : فأخبروا بذلك فتركوه ، فأخبر رسول الله بذلك فقال : ( إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فإني إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن ، و لكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به فإني لنْ أكذب على اللهِ – عز و جل - ) .
ثم أخرجه عن رافع بن خديج و فيه : فقال : ( لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا ) ، فتركوه فنقضت .. فقال : ( إنما أنا بشر ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به و إذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر ) قال عكرمة : أو نحو هذا .
ثم أخرجه عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، و عن ثابت عن أنس ، و فيه : فقال : ( لو لم تفعلوا لصلح ) ، و قال في آخره : ( أنتم أعلم بأمر دنياكم ) .
عادة مسلم أنْ يرتبَ روايات الحديث بحسب قوتها : يقدم الأصح فالأصح .
قوله في حديث طلحة : ( ما أظن يغني ذلك شيئًا ) إخبار عن ظنه ، و كذلك كان ظنُّه ، فالخبر صدق قطعًا ، و خطأُ الظنِّ ليس كذبًا .
و في معناه قوله في حديث رافع : ( لعلكم ... ) و ذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد ، لأنَّ حمادًا كانَ يخطيء )) .
و قال ص 230 – 231 : (( قال – يعني أبا رية - : ( و روى مسلمٌ عن أنس بن مالك أنَّ رجلا سأل النبيَّ قال : متى تقوم الساعة ؟ قال فسكت رسول الله هنيهة ، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزْد شنوءة فقال : ( إنْ عمَّر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة ) ، قال أنسٌ : ذاك الغلام منْ أترابي يومئذٍ .......) .
أقول : من عادة مسلمٍ في " صحيحه " أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح [1] ، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمالٌ أو خطأ تبينه الرواية المقدمة .
ففي ذاك الموضع قدَّم حديثَ عائشة : كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله سألوه عن الساعة متى الساعة ؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال : ( إنْ يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم ) .
و هذا في " صحيح البخاري " بلفظ : كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبيَّ فيسألونه : متى الساعة ؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول : ( إنْ يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم ) قال هشامٌ : يعني موتهم .
ثم ذكر مسلمٌ حديثَ أنسٍ بلفظ : ( إنْ يعش هذا الغلام فعسى أنْ لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة ) ، ثم ذكره باللفظ الذي حكاه أبو رية ، و راجع " فتح الباري " 11\ 313 )) .
و قد تمت هذه الفوائد النفيسة ، فليتذكر قراؤها العلامة المعلمي – رحمه الله تعالى - و جامعها العبد الفقير بالدعاء .
هذا و الله تعالى أعلم ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم ، و الحمد لله رب العالمين .
--------------------------------
الحاشية [1] : علق العلامة المعلمي على هذا الموضع بقوله في الحاشية : (( قد مرَّ مثال لهذا ص 18 )) ، يعني ص 29 من المطبوع و هو المثال الأول هنا .