تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,907

    افتراضي صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

    قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "ولا نعلم أن الله أعطى أحدًا من البشر موثقًا من الغلط، وأمانًا من الخطأ، فيستنكف له منها، بل وصل عباده بالعجز، وقرنهم بالحاجة، ووصفهم بالضعف والعجلة، فقال: }خلق الإنسان من عجل{، }وخلق الإنسان ضعيفا{، }وفوق كل ذي علم عليم{. ولا نعلمه خص بالعلم قومًا دون قوم، ولا وقفه على زمن دون زمن، بل جعله مشتركًا مقسومًا بين عباده، يفتح للآخر ما أغلقه عن الأول، وينبه المقل فيه على ما أغفل عنه المكثر، ويحييه بمتأخر يتعقب قول متقدم، وتال يعتبر على ماض، وأوجب على كل من علم شيئًا من الحق أن يظهره وينشره، وجعل ذلك زكاة العلم، كما جعل الصدقة زكاة المال. وقد قيل لنا: (اتقوا زلة العالم)، وزلة العالم لا تعرف حتى تكشف، وإن لم تعرف هلك بها المقلدون، لأنهم يتلقونها من العالم بالقبول، ولا يرجعون إلا بالإظهار لها، وإقامة الدلائل عليها، وإحضار البراهين، وقد يظن أن هذا اغتياب للعلماء، وطعن على السلف، وذكر للموتى، وكان يقال: (اعف عن ذي قبر)، وليس كما ظنوا، لأن الغيبة سب الناس بلئيم الأخلاق، وذكرهم بالفواحش والشائنات، وهذا هو الأمر العظيم المشبه بأكل لحوم الميتة.. فأما هفوة في حرف، أو زلة في معنى، أو إغفال أو وهم أو نسيان، فمعاذ الله أن يكون هذا من ذلك الباب، أو أن يكون له مشاكلا أو مقاربا، أو يكون المنبه عليه آثما، بل يكون مأجورا عند الله، مشكورا عند عباده الصالحين، الذين لا يميل بهم الهوى، ولا تدخلهم عصبية، ولا يجمعهم على الباطل تحزب، ولا يلفتهم عن استبانة الحق حسد. وقد كنا زمانا نعتذر من الجهل، فقد صرنا الآن نحتاج إلى الاعتذار من العلم، وكنا نؤمل شكر الناس بالتنبيه والدلالة، فصرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال، ولا ينكر مع تغير الزمان، وفي الله خلف وهو المستعان".--- ( الفرق بين النصيحة والتعيير)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,907

    افتراضي رد: صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

    قال الشيخ صالح ال الشيخ فى كتاب المعيار --سألتَ-لا زلتَ موصولا بتوفيق الله- أن أكتبَ كلماتٍ تنبئُ البصيرَ الحاذقَ, والغُفْلَ الريِّضَ, عن
    جناية كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» على هذه الشريعةِ, فيما أصَّل وقعَّد من ردِّ السننِ الموروثة, والسخريةِ من حَمَلَةِ العلم ومحصِّليهِ, الذينَ تقادم َ العهدُ بهم, والإبانةَ عن خوضِ ذلك الكاتبِ في أمورٍ لا يحسِنُها, فقهيَّة وحديثيَّة, فَخَبَطَ فيها, وقال بُهْتًا, وأبان للناس- بما جَرَّتْهُ أنامِلُه- عَقْلَه في الشرعيات.
    ولا يخفاك- أيُّها الأخُ- أن الكاتبَ عُرِف بالخطابة, واعتزَى إلى الدعوة, ومَن اعتزى إلى ما يُحْسِنُه, لم يُلَمْ إن أخطأ في مقالة, أو كبا في مسألة, أما أنْ يَخْتَلِطَ الخاثِرُ بالزُّبادِ, والمرعيُّ بالهَمَلِ, فيدَّعي الطبيبُ بَصَرًا بتحرير الخلافيات, والمهندسُ فَصْلًا في الفقهيَّات, والرياضيُّ تصحيحًا وتوهينًا للمرويات, والخطيبُ الواعظُ قضاءً بين أهلِ الفقهِ والسُّننِ الموروثات: فتلك ثالثةُ الأثافي, وباعثةُ الموبِقات.
    وهذا الكتاب-الذي طلبتَ الكشفَ عنه- طارَ به أهلُ الفتنِ, وأعداءُ السُّنن, لجَرَيانِه مع أهلِ الأهواءِ في

    أهوائِهم, وقد ضَرَّمَ نارَه, وأشعَلَ الفتيلَ في زِنادِهِ «خضراءُ الدِّمَنِ» وما أدراكَ ما خضراءُ الدِّمَنِ, وسوءُ منبتِها, فنشرتْ منه وانتقتْ, فدخلتْ فتنتُهُ إلى بيوتٍ لم تعرف الكتابَ ولا كاتبَهُ؛ لأنه يخْدِمُ مصالحَ معلومةً في بَثِّ الخلافِ, وتفريقِ العلماء, وانتقادِ الدعاة وتطوير قلوبٍ أبطأ تطويرُها. لكنْ هذا حرِيقٌ ضُرِّمتْ نارُه, وحريقُ الأقلامِ قد يطفِئُه سيلُ المدادِ من ذوي السَّداد.
    أيُّها الأخُ: أتى الكاتبُ, فجنى على نفسه وعلى أُمَّته, فزأر زأرةَ لَيْثٍ جربٍ موتورٍ على شباب الدعوةِ وعلماء الأمة فسَبَّ وجَدَّعَ, ورشَ السهامَ وعَنَّفَ, فما رعى لعلمائِنا حرمةً, وطَفقَ يُسَفِّهُ أقوالهَم بغرور وتعالٍ, وانطلاقِ لسانٍ, وجرأة جَنانٍ.
    ألم ترَ-أيُّها الفاضلُ الودُودُ- كم أقزَّ الكاتبُ عينَ

    الرافضةِ والعلمانيِّين حين اجترأ على الفاروقِ المحَدِّث-, فخطَّأَه فيما رواه إذ خالف ما يراه ويهواه، فقال (ص17) :
    «إن الخطأَ غيرُ مُسْتَبْعَدٍ على راوٍ, ولو كان في جلالة عمر» !
    ثم ألم تَرَ كيف عَطَفَ وكرَّ على خَبَّابِ بن الأرَتِّ الذي أسلم سادسَ ستةٍ, وَرَوَّحت روحُه في جَنَّةِ الخُلْدِ قبل مجيء الغزاليِّ بثلاثةَ عَشَرَ قرنًا, فطعن في علمه إذا ساق ما رواه البخاري ومسلم (1) عن خبابٍ: «إن المسلمَ يؤجَرُ في كل شيء يُنفقهُ إلا في شيءٍ يجعَلُه في هذا التراب» . فقال الغزاليُّ (ص87) متطاولاً:
    «كلامُ خبّابٍ- رضي الله عنه - عليه مسحةُ تشاؤمٍ غلبت عليه لمرضه الذي اكْتَوى منه» .

    ثم ألمْ ترَ -أيها الأخُ- قولَه عن سلمانَ الفارسيِّ- (- (ص 116) إثْرَ سياقِ حديثٍ له, قال:
    «حديثُ سلمانَ ليس إلا تعبيرًا عن حالةٍ نفسيةٍ خاصةٍ» انتهى.
    فقلْ لي أيها الموفَّقُ: أَفَيَعِزُّ على ذي هوى أن يَرُدَّ الحُجَجَ والدلائِلَ بمثلِ ما رَدَّ به الغزالي: عمرُ مخطئٌ فيما رواه عنْ رسول الله (وخبابُ متشائمٌ, وسلمانُ ذو حالةٍ نفسيةٍ خاصة.
    أفترى هذا كلامَ رجلٍ اتَّصل من العلم بسبب وثيق, أم أنه كلامُ ذي هوى -والهوى مركبٌ يَلَذُّ للقاصر الغريق- أم أنه كلام متعالم-وقد وصفتُهم لك قبلُ- قل هذا أو ما شئتَ غيرَ ملوم.
    صدق مَن قال:
    «في تقلبِ الأحوالِ علْمُ مُخَبَّآتِ عقولِ الرجال»
    وقد تقلَّبت الأحوال, فانكشف لي ولك المخبوءُ, وعُرضت العقولُ على أطباقٍ, فرأيتَ ورأيتُ, والأيام

    حُبْلى تَلِدُ كلَّ عجيبٍ غريبٍ.
    ثم قف-أيها الودودُ- على قوله (ص 128) :
    «إنَّ مَن قال بقطع الصلاة بالثلاثة المذكورةِ في حديث أبي ذرٍّ وغيرِه هم القاصرونَ من أهل الحديث»
    أَتَدْري مَن الذين قالوا بقطع الصلاة بالثلاثة المذكورة؟ إنهم جَمْعُ خِيَرَة؛ منهم: أنسٌ, وأبو ذرٍّ، وأبو هريرةَ -رضي الله عنهم-, وابنُ عباس في رواية, والحسنُ البصريُّ, وأبو الأحوصِ, وأحمد في رواية, وغيرِهم.
    ثم سَلْ أطفال المسلمين عمَّن ذكرتُ لك أسماءَهم من الأئمةِ الأعلامِ: أقاصِرونَ هُم؟ فإذا أجابوكَ بأنَّهُم كَمَلَةٌ مُنْتَخَبون فستقاسمني القولَ بأنَّ الغزاليَّ عَظُمَ رَغَبُه في إطاحةِ مَن يخالفُه, بألفاظٍ نابياتٍ, وتحريراتٍ واهياتٍ, شأنَ أهلِ الهوى, ومَن قال ما شا لَقِيَ ما لم يشا.
    أيها الصاحِبُ:

    قرأتَ وقرأتُ الكتابَ, فألفيتُه غنيا فقيرا: غنيا من القصص (1) والسخريات, فقيرًا من عالي الكلامِ والاختيارات, نَصَبَ الكاتبُ فيه نفسه قاضيًا وحَكَمًا, وبين مَن؟ بين أهل الفقه وأهل الحديث في فهمهم للسنة, فدَلَّ بذلك على ضيق أفقه، وضعف فقهه, إذ: أهلُ الفقه المتقدمون جلُّهم محدِّثون, وأهلُ الحديثِ السالفونَ جلُّهم فقهاء.
    واعتبرْ ذلك بمالكٍ, والشافعيِّ, وأحمدُ, والأوزاعي, والليثِ, والثوري, ونحوهم... أليسوا أمراء المؤمنين في الحديث؟ ثم أليسوا هم فقهاءَ الأمة؟
    والذي يتجلَّى للمدقِّق البصيرِ أنه عنى بأهلِ الفقه نَفْسَهُ ومَن وافقه, وبأهلِ الحديث من يخالفه.
    ألم تر إلى دليل ذلك حين قال (ص19) :
    1- حكى في كتابه أكثر من ست عشرة قصة وقعت له بعضها صفحة أو أكثر, هذه صفحاتها (10, 11, 18, 26, 30, 43, 66, (....) , 75, مرتين, 93, 94, 98مرتين, 108..)

    «وأهل الحديثِ يجعلونَ دِيةَ المرأةِ على النصف من دية الرجل, وهذه سوأةُ فكريةٌ وخُلُقيَّة, رفضها الفقهاءُ المحققون» !
    وأنت تعلم - وسأفصل ذلك بعدُ- أن الأمة بفقهائها قاطبة أجمعت على (......) إلى أهل الحديث , فالفقهاء المحققون -إذن- هم الغزالي ومن وافقه!!
    وأنا أوقفك -إن شاء الله- على أن هذا الذي زكى نفسه غُفل من سمة الفقهاء, عطل من حلية العلم والعلماء، «إلا لبسة المتفضل» ولقد حاف في حكمه, وجار في قضاءه, وانتصر لرأي نفسه, وسفه علماء الأمة, وبث الخلاف, وشق الصف, مبتدئا محاكمته دون بسملة ولا حمدلة, فحق أن تنعت بالبتراء, وأن توسم بالجذماء.
    فاسمع -غير مأمور- خصال الغزالي في كتابه الذي سألت الكشف عما فيه والنظر في نواحيه.


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,907

    افتراضي رد: صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

    الخصلةُ الأولى

    (التنقُّص والسُّخرية من علماء الأمّة)

    هذه -أيُّها الأخُ- خَلَّةُ مَن تمَكنتْ منه أصابتْهُ المقاتِلُ, ولحومُ العلماءِ مسمومةٌ, وتنقُّصُ العلماءِ من شِيَمِ السفهاء, وكِلامُ الكَلامِ كجراحِ السهامِ, أفلم تَشْعُرْ بطعنٍ ينفذُ إلى حشاك كلَّما تنقَّصَ الغزاليُّ إمامًا أو عالمًا؟
    قد سمعتَ مقالَه قبلُ في عمرَ وخبابٍ وسلمانَ والقاصرينَ-عنده- من أهل الحديث, فاسمع تنقُّصَه من نافعٍ أولِ سلسلةِ الذهب عن ابن عمر:
    قال (ص103) بعد سياقِ حديثٍ وأثر:
    «ونافعٌ-غفر الله له- مخطئٌ... ورواية نافع
    هذه ليستْ أولَ خطإ يتورَّطُ فيه, بل قد حَدَّثَ بأسوأ من ذلك...» .
    ثم وصفه (ص105) بأنه: «راوٍ تائه» .
    فاسمع هذا, ثم تذكرْ قولَ الإمامِ مالكٍ: «كنتُ إذا سمعتُ نافعًا يُحَدِّثُ عن ابن عُمر لا أُبالي أن لا أسمَعَهُ من غيره»
    وتذكَّرْ قولَ الخليلي الحافظِ الإمامِ في «الإرشادِ» : «نافعٌ إمامٌ في العلم, متَّفقٌ عليه, صحيحُ الرواية» .
    لكن لا يعزُبُ عن لُبِّ مثلك - أيُّها الأخُ - أنَّ ذنبَ نافعٍ هو روايتُه ما يخالِفُ تفقهَ الغزالي, وذلك ذنبٌ يهْوي بصاحِبه!
    وعِشْ تَرَ, وتذكَّرْ قولَ ساكن المعرَّة:
    وقالَ السُّها للشمسِ أنتِ خفيةٌ ***** وقالَ الدُّجَى للصُّبْحِ لونُكَ حائِلُ
    وطاولتِ الأرضُ السماءَ سفاهةً ***** وفاخَرَتِ الشُّهْبَ الحَصَى والجَنادِلُ
    ولعلَّك-أيُّها الصاحبُ الموفقُ- أطلعتَ على نفيه صفة الله تعالى يثبتُها أهلُ السنة وردُه حديثَ البخاري -رحمه الله-, ثم قولِه (ص127) :
    «بعضُ المرضى بالتجسيم هو الذي يُشيعُ هذه المرويَّاتِ, إنَّ المسلمَ الحقَّ لَيَسْتَحي أنْ يَنْسُبَ إلى رسوله هذه الأخبار» انتهى.
    فالبخاريُّ ومَن حذا حَذْوَه فيهم خَصْلتان: مَرضى بالتجسيم, وليسوا من المسلمين حقًا!
    ولا يقولُ ذلك إلا أشعريٌّ مجازِفٌ. ولا نعجَبْ -إذن- من وصفه (ص102) أحد شرَّاح الحديث بأنه جاهلٌ جهلاً منكورًا بالقرآن.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,907

    افتراضي رد: صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

    سنتابع بقية الخصال فيما بعد ان شاء الله- وكما ترى فقد نسق الشيخ صالح الكلام بنوع من السجع مقبول ورتب النقد وبينه بترتيب فائق وعلم جمّ باصول اهل السنة فى العقيدة والحديث والفقه يستفيد منه طالب العلم فى الرد على المخالفين لمنهج السلف --وقد قصدت من الموضوع ان يستفيد طالب العلم من طريقة الشيخ فى الرد على المخالفين لاصول اهل السنه بطريقة علمية سلفية

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,907

    افتراضي رد: صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

    وتعجَبْ -إذن- من قوله (ص114) عن الحافظِ المنذري:
    «إنه ليس لديه فقهٌ صحيحٌ» .
    ولا تعجَبْ-إذن- من قولِه عن كلامٍ لابن خُزَيْمَةَ, وغيرِه من المتقدِّمين والمازَريِّ, والقاضي عِيَاضٍ, لما وَجَّهوا حديثَ فَقْءِ موسى عينَ ملكِ الموتِ توجيهًا صحيحًا وهو المعتمدُ والترجيحُ قال (ص29) عن مقالهم السديد:
    «نقول نحن (!!) : هذا الدفاعُ كلُّه خفيفُ الوزنِ, وهو دفاعٌ تافهٌ لا يُساغُ» انتهى.
    هذه حُجَجُ السُّوقَةِ والهَمَلِ: دَفْعٌ بالألفاظ المبتذلة الشوهاء في أوجه العلماء الفقهاء.
    واسمعه حين قال (ص118) :
    «مَن زعم أن السنة تنسخُ القرآن فهو مغرور» انتهى.
    وهؤلاء الذين قالوا بالنسخ جمعٌ من العلماء, منهم: حسانُ بنُ عطيةَ، وأحمدُ في روايةٍ, وابنُ حزمٍ, وجمعٌ من الظاهريةِ؛ قالوا بوقوعِ النسخِ مطلقًا, وذهب
    آخرونَ إلى وقوعِه في زمن النبيِّ (؛ منهم: القاضي في «التقريبِ» , والغزاليُّ, والباجيُّ, والقرطبيُّ... وغيرُهم.
    أفأولئك مغرورونَ؟
    ومَن استهزأَ وسَخِرَ من العلماء السابقين فلا تستَكْثِرْ منه مقالًا, أو تستغْرِبْ منه فِعالًا, لأن لحومَهم -كما أسلفتُ- مسمومةً.
    وهاهو ينفُضُ جَعبَتَهُ, ويَرِيْشُ قائلاً (ص75) لأحد طلبةِ العلم في مكةَ المكرمةِ:
    «إن لكم فقهاً بدوياً ضَيِّقَ النطاقِ» .
    وقد قال نحوَها أولَ كتابهِ (ص11) , وظاهرٌ مُرادُه, وأنَّه يعني -وإنْ تَنَصَّلَ مؤقَتًا لأجلِ الجوائِزِ والصِّلاتِ، والبِرِّ والإِكرامِ- علماءَ البلادِ السعوديةِ, الذينَ أكرمَهُم المولى بالاعتقادِ الحق، والدِّينِ المكينِ, وهم لا يتركون الحقَّ لشناعةِ المشنِّعينَ, ولهذا ضاقَ بهم ذرعَا, ووسمَهُم بقلَّة الفقه, فقال (ص22) :
    «لقد ضِقْتُ ذَرْعًا بأناسٍ قليلي الفقهِ في القرآن, كثيري النظر في الأحاديثِ, يُصْدِرونَ الأحكام, ويرسلون الفتاوى» .
    ومُرَّ معي - أيُّها الأخُ- إلى (ص98) وتكذيبِه ما وقعَ للإمام أحمدَ بنِ حنبل وشيخِ الإسلامِ ابن تيميةَ من وقائعَ ثابتةٍ مشهورةٍ في إخراجِ الجنِّ من بدنِ الإنس, فكذَّبَ ذلك, وقال:
    «أكثرُه-يعني كتابَ «آكامِ المرجان» -خرافاتٌ وخيالاتٌ، وإنْ ذكرهُ ابنُ حنبلٍ, وابنُ تيميةَ, وغيرُهما» انتهى.
    وقد بلغ هذا الرادُّ للسُّنن أطوريه حين اتَّهَم الأمةَ وعلماءَها تهمةً ما تجاسَر عليها مُسْتَشْرِقٌ أو حاقدٌ, فقال قالَةَ سوءٍ (ص46) فأَصِخْ لها, قال:
    «إنَّني أشعُرُ أنَّ أحكامًا قرآنيةً ثابتةً أُهْمِلَتْ كلَّ الإهمالِ, لأنها تتَّصل بمصلحة المرأة» !
    واسمعْ قولَه (ص33) عمَّن ذهب إلى إجازة إجبار
    البكر على الزواجِ بمَن رضِيَهُ لها والدُها, قال:
    «ولا نرى (!!) وجهةَ النظرِ هذه إلا انسياقًا مع تقاليدِ إهانةِ المرأةِ, وتحقيرِ شخصيَّتِها» انتهى.
    فالذينَ قرَّروا ترجيحَ جوازِ إجبار البكر لأدلَّة أقاموها -وإنْ كان ترجيحُهُم مرجوحًا- تركوا القرآن والنص عند الغزالي, واتَّبعوا تقاليدَ تُهينُ المرأةَ, وتُحَقِّرُ شخصيَّتَها.
    لكنْ؛ أتدري مَن أولئك؟ ! هم القاسمُ, وسالمُ-وهما من فقهاء المدينة النبوية السبعة-, وعامرٌ الشعبيُّ, وابنُ أبي ليلى, والليثُ, ومالكٌ, والشافعيُّ، وأحمدُ في روايةٍ, وإسحاقُ.
    هؤلاء الأئمةُ متَّهمون بترك القرآنِ والحكمِ به رعايةً لتقاليدَ أهانت المرأةَ!
    نعوذُ باللهِ من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ.
    إنَّه وَهَنُ الديانةِ بلسان التعالم, وتمزيقُ الأغمارِ لنسيجِ الأحرارِ, فَلَسٌ مِن الوَقارِ, وإملاقٌ من أدب الكُتَّابِ.
    وإنِّي لأعجَبُ من رأسٍ حوى تلك السخرياتِ, وأُودِعَ الظُّنونَ السيئاتِ, كيف ينْظِمُ نفسَه مع الدعاةِ, بَلْهَ القضاة.
    والكاتبُ ليس بذي عِيٍّ وحَصَر حتى يُعْذَر, ولكنه -كما أدركْتَ وأدركتُ- شَغِفٌ في كتابه هذا وغيره بالهربِ من فضائِل الألفاظِ إلى مرذولِها, ومن حُسْنِ الاعتذارِ إلى شقاشِقَ تهدِرُ كلَّ جميل.
    لكنْ؛ أليسَ اللهُ بكافٍ عباده؟ بلى واللهِ الذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبرَأَ النَّسَمَةَ

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,907

    افتراضي رد: صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

    الخصلةُ الثانية
    (ضَعْفُه العلميُّ بأصولِ الحديثِ والسنَّةِ وكتُبِها)
    تذكَّر-أيها الأخُ- قولَه (ص57) شاهدًا على نفسه:
    «الذي يدخُلُ في ميدانَ التديُّن (!) وبضاعتُه في الحديث مزجاةٌ كالذي يدخل السوق ومعه نقودٌ مزيَّفةٌ, لا يلومنَّ إلا نفسه إذا أخذَتْهُ الشرطةُ مكبَّل اليدينِ» انتهى.
    وانظرْ في أعطافِ كتابه: تَرَ ضعفًا في علمه بالحديث والسنن, وزرعًا لبلايا وإِحَن, فاسمعْه
    يقول: (ص14-15) :
    «وضع علماء السنة خمسة شروط لقبول الأحاديث النبوية؛ ثلاثة في السند, واثنان في المتن...»

    وجعلَ نفيَ الشذوذ والعلة من شروط قبول المتن وحده, وهذا غلطٌ سَبَبُه عدمُ المعرفةِ, وقلةُ العلمِ, إذ انتفاءُ الشذوذِ والعلة القادحةِ مُشْتَرَطٌ في السند والمتن معًا, فقد يكونُ المتنُ (......) ويكون المسندُ شاذًا أو مُعَلَلاًّ.
    وهذا هو الذي يقرِّرُهُ علماءُ الحديث ويؤصِّلونَه.
    ولا تعجبْ -بعدُ- من تناقضهِ، واختلافِ كَلِمِه, فتارة يقول (ص15)
    «العلَّة القادحةُ عيبٌ يبصره المحقِّقون في الحديث» .
    وتارة يقول (ص30) :
    «إن بالحديث علة قادحة.... وأهل الفقه لا أهل الحديث هم الذين يردُّون هذه المرويات» انتهى.
    والأولى من كلمتيهِ هي الحقُّ المضيءُ, ولكن يأبى ضعْفُ العلم إلا انكشافًا.

    وليس ببعيدٍ عنك _أيُّها الودودُ _ أنُّه رَدَّ و (رَفض) عددًا لا يُحصى من الأحاديثِ والسننِ عن المصطفى (, تارةً لضعفِ السندِ -حَسَبَ فَهمِهِ- وتارة لعدم موافقةِ هواهُ وتفقُّهِه, وقد قال (ص148) :
    «إن التعلُّق بالمرويَّات المعلولة إساءة بالغة للإسلام» انتهى.
    وقد أبلغ في الإساءة, وجاز المدى, وبلغ سيلُه الزبى حين رَدَّ أحاديث صَحَّتْ في وجوب احتجاب المرأة من الرجال, ثم هو يحتجُّ على بعض ما يذهب إليه بحديث منكرٍ وضعيفٍ جدًّا, فاسمع المتناقِضَ إذْ يقولُ (ص39-40) :
    لاشك أن بعض النساء في الجاهلية, وعلى عهد الإسلام, كُنَّ يغطِّينَ أحيانًا وجوههنَّ مع بقاء العيون دون غطاء, وهذا العمل كان من العادات لا من العبادات, فلا عبادة إلا بنص.
    ويدلُّ على ما ذكَرْنا أن امرأةً جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ,
    يُقال لها: «أمُّ خلاَّد» , وهي مُتَنَقِّبَةٌ, تسأل عن ابنها الذي قُتل في إحدى الغزوات, فقال لها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: جئتِ تسألين عن ابنك وأنت مُتَنَقِّبَة؟ فقالت المرأة الصالحة: إن أُرزأ ابني فلم أرزأ حيائي» .
    قال الفقيه المحدث الغزالي (!) :
    «واستغراب الأصحاب دليلٌ على أنَّ النقابَ لم يكن عبادة» . انتهى.
    وليعلم الأخُ أن هذا مِنَ اللَّعِبِ بدين الله, إذ الحديث المذكور رواه أبوا داود في «سننه» , وأبو يعلى, ومن طريقه ابنُ الأثير وغيرُهم, من طريق فَرَجِ ابن فَضَالة عن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده: (فذكره) .
    قال الأئمةُ -البخاريُّ, وأبو حاتم, وابنُ عدي, وأبو أحمدَ الحاكمُ-:
    «عبد الخبيرِ, حديثُه ليس بالقائم» .
    زاد أبو حاتم -وهو طبيبُ الحديث في علله-:
    «مُنْكر الحديث» .
    فإسناده منكر ضعيف.
    ثم إنك ترى الهوى ومُجَانَبَةَ الأمانةِ لائحًا مِن قَلَم الغزالي وفِكْرِهِ حيثُ إنَّه يستدلُ هنا بحديثِ فَرَجِ بنِ فَضَالةَ, ويجعلُه دليلاً على أصحاب الحجاب, وكونِه من العادات, وفرجٌ نفسُه لما روى حديثًا في تحريم المعازف -والغزاليُّ يسمعُها ويُبيحُها- نقل الكاتبُ (ص 68) عن ابن حزمٍ أنَّ فرجًا متروك. وهنا يستدل بحديثه على رأيه في الحجاب!
    هذا هو الهوَى, ومن ركب الهوى هوى.
    ومن ضعفه العلميِّ بالمصطلح قولُه (69) :
    «ومعلقاتُ البخاريِّ يؤخذ ُبها؛ لأنها في الغالب متصلةُ الأسانيدُ, لكن ابنُ حزمٍ يقولُ: إن السندَ هنا منقطعٌ, لم يتصلْ ما بين البخاريِّ وصَدَقَةَ بنِ خالدٍ1
    ______________
    1- الذي في البخاري قوله:" وقال هشام بن عمار: حدثني صدقة بن خالد". كما هو مشهور...
    راوي الحديث...» انتهى.
    ولا يجهلُ صغارُ متعلِّمي المصطلحِ أنَّ المعلَّقَ ما سُمِّي معلَقًا إلا لإسقاط بعضِ الرجالِ من جهة المُسْنِدِ, فالمعلَّقُ لا يجتمعُ مع كونه موصولَ الإسنادِ نفسه, فإذا الروايةُ بين الشيخ والراوي لم يُسَمَّ معلقًا.
    ومن ضعف الكاتب في الحديث قولُه (ص55) :
    «ولم يجيء في أحد «الصحيحين» ما يفيد منعَ النساءِ من الصلاة في المساجد» انتهى.
    وقد جاء في «الصحيحين» عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
    «لو أنَّ رسول الله (رأى من النساء ما رأَيْنا لمنَعَهُنَّ من المسجد» .
    ومن ضعفه العلميِّ ذكره (ص87) حديثًا لأنس, ثم فسره بما يراه, وهو قوله:
    «إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
    النفقةُ كلُّها في سبيلِ اللهِ إلا البناء, فلا خيرَ فيه»
    واستروح الغزاليُّ له, ولم يُضَعِّفْهُ, مع حملهِ الراية الراغبةَ في ردِّ أكثرِ السنةِ!
    والحديث قال المُناوي عند الكلام عليه:
    «رواه الترمذيُّ في «الزهد» عن أنسٍ, وقال: غريبٌ. قال الصَّدْرُ المُناوِيُّ: فيه محمدُ بنُ حُمَيْد الرازي, وزافرُ بنُ سلمان وشبيب بن بِشْر.
    ومحمد قال البخاريُّ: فيه نظرٌ. وكذَّبه أبو زرعة. وزافرٌ فيه ضعفٌ.
    وشبيبٌ ليِّنٌ» انتهى.
    ومن عدم تمييزه بين المرفوعات والموقوفات, وما يصح وما لا يصح: استدلاله (ص118) بما رواه الترمذي عن علي - رضي الله عنه - في نعت القرآن مرفوعًا:
    «كتاب الله, فيه نبأ ما قبلكم...» الحديثُ, مع
    أن الحفاظ على تضعيفه, وأن الأشبه أن يكون موقوفا على عليٍّ رضي الله عنه-.
    قال ابن كثير في «فضائل القرآن» :
    قال الترمذيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ, لا نعرفُه إلا من حديثِ حمزَةَ الزَّيَّات, وإسنادهُ مجهولٌ, وفي حديث الحارثِ مقالٌ.
    قلت - القائل ابنُ كثيرٍ-: لم ينفردْ بروايتِه حمزةُ بنُ حبيبٍ الزياتُ, بل قد رواه محمدُ بنُ إسحاقَ عن محمدِ بنِ كعب القُرَظِيِّ عن الحارث الأعور, فبرِىء حمزةُ من عُهْدَتِهِ, على أنه وإن كان ضعيفَ الحديثِ, فإنَّه إمامٌ في القراءةِ. والحديثُ مشهورٌ من رواية الحارثِ الأعور, وقد تكلَّموا فيه, بل قد كذَّبه بعضُهم» انتهى.
    فلقدْ رأيتَ أنَّه خَبَطَ خَبْطَ عشواءَ في أحكامه الحديثية, والحديثُ -بل العلمُ كلُّه- لا يصلح إلا لمن يعانيهِ, وقد نَصَحَني ونَصَحَكَ -أيُّها الأخُ- بديعُ الزَّمَانِ الهَمَذَاني فقال في رسالةٍ له واصفًا مجوداً:
    «العِلْمُ عِلْقٌ لا يُباعُ ممَّن زاد وصيْدُ لا يألَفه الأوغاد, وشيءٌ لا يُدْرَكُ إلا بنزعِ الروحِ, وغَرَضٌ يُصابُ إلا بافتراشِ المَدَرِ, واستنادِ الحَجَرِ, والضَّجَرِ, وركوبِ الخطرِ, وإدمانِ السهرِ, وكثرةِ النظرِ وإعمالِ الفِكَرِ... فكيفَ ينالُه مَن أنفقَ صباهُ على الفحشاءِ, وشَغَلَ سَلْوَتَهُ بالغِنى, وخَلْوَتَه بالغِناءِ؟!...انت هى.
    والكاتبُ الغزاليُّ ليس بذي إقبالٍ على كتبِ الحديثِ, ولذا لا يعرفُ مراتبها! أفلم تَرَ إلى قوله (ص16) :
    «إن هذا الحديثَ المرفوضَ (!) من عائشة ما يزال مثبتًا في الصحاح, بل إن ابن سعد في «طبقاته الكبرى» كرَّره في بِضْعَةِ أسانيد» انتهى.
    وهذا يشعِرُكَ أنَّ مرتبةَ «الطبقات» عنده أعلى من «الصحاح» , وهذه جهالةٌ علميةٌ.
    ومن هذا قولُه (ص114) عن كتاب «الترغيب
    والترهيب» للحافظ المنذري:
    «هو من أمَّهات كتب السنة» انتهى.
    وهذا تعبير عامِّيٍّ, أو مثقفٍ مطالعٍ.
    وبعدُ أيُّها الأخُ:
    فالرجال معادِنُ تُفْرَقُ بالاختبارِ, وليس الصُّفْرُ ذهبًا, ولئنْ شابهه مظهرًا؛ فلقَدْ فارقهُ مَخْبَرًا. فتوقَّ لنفسِك وأمَّتِك من انتحال المبطلين، وترؤّس الجاهلين.
    وقد جَمَعَ من سألتَ عن كتابه بين ضعف العلمِ بالحديث والسنن, وبين انتقاصِ أهلِ الحديث والسنة, فقال (ص22) :
    «لازلتُ أحذِّرُ الأمةَ من أقوامٍ بَصَرُهم بالقرآنِ كليلٌ, وحديثُهم عن الإسلامِ جريءٌ, واعتمادُهُم كلُّه على مرويَّاتٍ لا يعرفونَ مكانَها من الكيانِ الإسلاميِّ المستوعبِ لشؤون الحياة» .
    ثم قوله (ص104) عن رواية:

    «أهل الحديث -لقلة فقهِهِم (!) - روَّجوا لها» .
    وفي (ص19) يصف قول أهل الحديث في مسألةٍ عليها إجماعُ الأمة بقوله:
    «هذه سوأةٌ فكريةٌ وخلُقِيَّةٌ» !!
    إلى آخر ما سَطَّره قَلَمًا, ولَهَجَ بهِ نَفَسًا.
    وأئمةُ الحديثِ قد أجمَعَتْ أبرارُ الأمةِ على الثناءِ عليهم, ولم يبلغ الغزاليُّ مبلغَ الأدباءِ, بَلْهَ العلماء, في الشهادةِ لهم بالزكاء والمزيَّة, فهذا الباطنيُّ أبو حَيَّان التوحيديُّ يقول في «إمتاعه ومآنسته» :
    «لأصحاب الحديث أنصارِ الأثر مزيَّةٌ على أصحابِ الكلامِ وأهلِ النَّظَر, والقلبُ الخالي من الشبهةِ أسلمُ من الصَّدْرِ المحشوِّ بالشكِّ والريبة» انتهى.
    وهذا بديعُ الزمان يقول في رسالة له عن قاضٍ أشبه الغزالي:

    «ما له ولأصحابِ الحديثِ... واللهِ لَيَنْتَهِيَنَّ عن علمائِهم وهو كريم, أو لَيَنْتَهِيَنَّ وهو لئيم» .
    ولا تغفل عن أن أئمة الحديث هم أئمة الفقهاء المتبوعون.
    وأنت ترى أن الغزاليَّ لم يبلغ إلى عقل أبي حيَّان والهَمَداني في ثنائِهم على الخِيرَة, وشهادتِهم بالحق لأهله, وتلك نَصَفَةُ تَزِينُ مَن تحلَّى بها, وتَرْفَعُ مَن رفَعَها.
    ومن ضَعْفِ علمِ الكاتب أنَّه لا يفهَمُ معنى أحاديث كثيرة, ثم يردُّها ويرفضها-غيرَ متأدِّبٍ مع مَن قالها أو رواها- لأنَّها كما زعم تخالفُ ظاهِرَ القرآنِ.
    وتارةً يُفسّرُ أحاديثَ بتفسيرٍ أجمعَ أهلُ السنةِ على خلافه.
    خذ مثلا قولَه (ص14) :
    «أمَّتُنا تَعُدُّ الكَذِبَ على صاحبِ الرسالةِ طريقَ الخُلودِ في النار؛ لأنه تزويرٌ للدينِ، وافتراءٌ على الله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
    إنَّ كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على واحد, من كذبَ عليَّ متعمدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مقعَدَهُ مِنَ النار»
    انتهى.
    وتِلْكُم التي تحكمُ بالخلودِ على الكاذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي الأمة الخارجية, لا الأمة السُّنِّية ففسَّر الحديثَ بتفسير الخوارجِ والمعتزلةِ, مِن جَعْلِهِ الوعيد خُلودًا, والكبيرةَ كفرًا.
    وخذ أيضا كلامه (ص48-50) عن حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: لما بلَغَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أن فارِسَا مَلَّكوا ابنةَ كِسْرى قال:
    «لن يُفْلحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهم امرأة» .
    رواه البخاريُّ في «صحيحه» .
    فأتى الغزاليُّ, فصنع صنيعين يتنافسان في السوء والخَطَل:
    الأوَّل: أنه حَرَّف الحديث إلى «خاب قومٌ ولَّوْا أمرَهم امرأة» وفرق بين الخيبة وعدم الفلاح.
    الثاني: أنه تقدَّم بين يدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - , وأساء
    الأدبَ, فرَدَّ ورفضَ الحديثَ بعد تحريفِهِ وسوءِ فهْمِهِ, فاسمَعْ اعتراضَه (ص50) حيث يقولُ بعد سرد قصة بِلْقِيسَ:
    «هل خابَ قومٌ ولَّوْا أمرَهم امرأةً من هذا الصنف النفيس» !!
    ثم مثَّل لعدم الخيبة بكافرات خاسرات: فكتوريا ملكة بريطانيا، وأنديرا غاندي الهندوسية البوذية، وجولدا مائير اليهودية.
    النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لن يفلح...» , والغزاليُّ يعترض بقوله: «هل خابَ؟ !» .
    ثم التقى من الناقة حَلْقتا البِطَانِ حين قال:
    «ولو أنَّ الأمرَ في فارسٍ شورى, وكانت المرأةُ الحاكمةُ تشبه جولدا مائيرَ اليهوديةَ التي حكمت إسرائيل, واستبْقَتْ دفة الشؤون العسكرية في أيدي قادتها لكان هناك تعليق آخر على الأوضاع القائمة» انتهى.
    ويعني هذا اللَّسِنُ أن ابنةَ كِسْرى لو كانت مثل جولدا مائير؛ لم يقلْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال! وله من الغلط في فهم الأحاديث أمثلة فانظر (ص53, 54, 96-97) .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,907

    افتراضي رد: صرنا نرضى بالسلامة، وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،

    الخصلة الثالثة
    (ضعفه العلميُّ)
    في أصول الفقه, والفقهيات, وخلاف العلماء, ومذاهبهم.
    أيُّها الأخُ -لازلتَ موصولاً بالخيرِ-:
    هذه خصلةٌ تمكَّنت من الكاتب, حتى أَبَتْ منه انفكاكًا, وأنت بصيرٌ بأن مَن لم يَفْقَهْ حقائقَ المذهب، وأصولَ الاستدلالِ الصحيحة, ومعرفةَ أصول الفقهِ والاستنباطِ كيف يعاني الاجتهادَ, أو يرومُ حلولَ ساحته؟! كما فعل هذا الرجلُ, فتفرَّد في أصولٍ ومسائلَ ساقها, ولم يُقِمْ ساقها. فإليك بعضَ ما تستدلُّ به على ضعفه العلمي في أصول الفقه، ثم الفقهيات, ولْتَكُنْ

    على ذُكْر قوله :
    «إن مَن لا فقهَ لهم يجب أن يغلقوا أفواهَهم لئلا يسيئوا إلى الإسلام بحديث لم يفهموه...» إلخ.
    فمن ذلك: قوله (ص136) :
    «ونحن نطلبُ الشورى ونريدُ اعتبارَ الوسائلِ المؤديةِ لها فروضًا عينية, على أساس من القاعدة الفقهية: ما لا يقومُ الواجبُ إلا به فهو واجب» انتهى.
    وفي هذا الكلامِ ضعفان:
    الأول: عدُّه الوسائلَ المؤديةَ لأمرٍ كفائي فرضًا عينيًا, فمسألةُ الشورى ووسائلُها ليست في الإسلام متعلقة بكل فرد.
    الثاني: قولُه: «ما لا يقومُ الواجبُ إلا به فهو واجب» , والعلماء يعَبِّرون بقولهم: «ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب» , وفرقٌ بينهما, إذْ قولُه: «ما لا يقوم» يدخُلُ فيه ما لا يُستطاع بظهور؛ بخلاف «ما لا يتم»
    فلا يدخل فيه إلا احتمالاً تقسيميًا, وفرق بين قيام الشيء وتمامه,
    وما لا يستطاع لا يوصف بالوجوب, لا في العقليات ولا في الشرعيات, على التحقيق فيهما. ومن ضعفه في الأصول قولُه (ص65)
    «الحديثُ الصحيحُ له وزنُهُ, والعملُ به في فروع الشريعةِ لهُ مساغٌ وقَبولٌ» انتهى.
    وهنا مخالفتان بدعيتان:
    الأولى: قولُه: «العملُ به في فروع الشريعة» تنحيةٌ لمَا صَحَّ من السنن والأحاديث عن الاحتجاج بها في العقائد وأصول الدين, وتلكم نزعةٌ اعتزاليةٌ اشْتَهَرَتْ في قالَبَي الأشعرية, والماتردية، ونحوِهما مِن زَيْغِ الخَلَفِ عن مَحَجَّةِ السَّلَف.
    الثانية: قولُه: «العمل به... له مساغ وقَبول» مخالفٌ لإجماع الأمة من فقهاء, ومحدثين وأصوليين على أن الحديثَ إذا صحَّ وجب العملُ به في الفقهيات.
    وكلماتُ الأئمةِ في هذا ذائعةٌ سائرةٌ: وقد يتركُ أحدُهُم العملَ به للنظرِ في دِلالتِه بما يسوغُ النظرُ فيه,

    مما عُرِفَ في الأصول, وتجدُ بَسْطَ أعذارِ وأسباب ذلك في «رفع الملام»
    أمَّا قولُه: «له مساغ وقَبول» , فباطلٌ ورَدٌّ, والمستقيم أن يقول: «واجبٌ وحتمٌ, إن لم تكن دلالتُه محتملة» .
    ومِن ضعف النظر الأصولي عند الكاتب قوله (ص51) :
    «يجبُ علينا أن نختارَ للناسِ أقربَ الأحكامِ إلى تقاليدهم... وليست مهمَّتُنا أن نفرِضَ على الأوربيين مع أركانِ الإسلام رأيَ مالكٍ أو ابنِ حنبلٍ إذا كان رأيُ أبي حنيفةَ أقربَ إلى مشارِبِهم, فإن هذا تنطُّعًا أو صدًا (1) عن سبيل الله...» انتهى.
    وهذا -كما تعلمُ- معناهُ التلفيقُ في التقليدِ, كونَ مرجِّحٍ من نورِ الأدلةِ الصريحة, ومعناه إتباعُ الرُّخصِ,

    ولا تَنْسَ ما قيلَ في إتباع الرخصِ.
    فبلادُ الكفرِ اليومَ يشربُ أهلُها الخمورَ, فشُربها من صميم عاداتِهم, فهلْ يُفْتَى لمن أسلم منهم بحلِّ بعض أنواعه التي أفتى بحلِّها بعضُهم؟!
    وفيهم: ربا, فهل نحلُّه لهم للخلاف الضعيف في بعض أنواعه؟!
    وفيهم: سفاحٌ وزنا, فهل ندرأ عنهم الحدَّ أن دفعوا أجرةَ زنا, أو أطعموا المزنيَّ بها فشَبِعَتْ؟!
    وفيهم: رَقْصٌ, واختلاطٌ بالنساءِ العاريات, فهل يباحُ لهم ذلك لأجلِ أن زائغةً من المتصوفةِ تفعلهُ, وتجعلُه ديانةً؟!
    وفيهم: أنَّ الخاطِبَ يرى كلَّ شيءٍ من مخطوبتِه, حتى السوءةَ, فهل يباحُ لمن أسلَمَ منهم ذلك, لأنَّ بعضَ الظاهريةِ الشُّذَّاذ يراه؟!
    وفيهم: تفضيلٌ للحيوانِ على ابنِ آدم... فهل يُباحُ لهم بعضُ صورِ التفضيلِ لأجلِ تفضيلِ الحنفيةِ

    الدَّابَّةَ على الإنسان في بعض الأحكام؟!
    وهكذا... تَنْسَلخُ الدِّيانةُ, وتُتْبَعُ الأهواءُ, وتُرْفَعُ عن الانقيادِ والقَبولِ السنَّةُ.
    ثم ألم تَرَ تناقضَه؛ يريدُ إبقاءَ الأوربيين على تقاليدهم, ويَشُنُّ الغارةَ على المسلمين لتمسُّكِهم بأمورٍ هي عنده تقاليدُ؟!
    إنهُ انحسارُ الفقه, مع ضعفِ الموقفِ, يلفُّهُما رداءُ العجلةِ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •