السلام عليكم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد

في خلال العشر سنين التي قضيتها على الانترنت، مررت على عدد من الفتاوى التي طعن فيها الكثير من الناس وطعنوا حتى في أصحابها الذين هم من أهل العلم والصلاح، وهي مصيبة أيما مصيبة عندما يأتي الجاهل أو نصف المتعلم فيطعن في العالم لأجل أن الفتوى لم تنل رضاه ولم توافق هواه أو لاستنكار نفسه لها فلأجل ذلك حكم عليها بالبطلان ولصاحبها بالضلال، والحقيقة خلاف ذلك !
وفي كثير من الأحيان أكتشف بأن الخلل لم يكن في العالم أو فتواه، بل فيمن طعن فيها. فإذا قرأت فتوى لشخص ما فعليك بالتالي:

أولا: التثبت والتعرف:
- التثبت من الفتوى؛ أي: هل ذلك الشخص أفتى بها أم أنها مُفترية عليه؟
- بعد التثبت والتأكد من صحة نسبة تلك الفتوى إليه من غير أدنى شك، فحينها انظر من هو هذا المفتي، هل هو عالم أم صاحب هوى أم جاهل ليس له من العلم نصيب، فإذا كان صاحب هوى أو جاهل أو نصف متعلم يدعي أنه عالم برميه للفتاوى هنا وهناك وهو لا يفقه من الدين إلا القليل، فارمي بتلك "الفتوى" في "الزبالة".



ثانيا: إذا كان المفتي عالما، ووجدت نفسك تستنكر فتواه، فتوقف قبل أن تعلق عليها أو تطعن فيها أو في صاحبها، راجع نفسك فلعل الخلل من طرفك وليس من طرف المفتي:

- فلعل سبب استنكارك هو أنك تجهل الحكم وتظن أنك تعرفه، وذلك بأن يكون ما تعلمته في حكم المسألة خطأ، فكثير من العوام وحتى طلبة العلم المبتدئين يحكمون على الفتاوى بناءً على ما تعلموه في صغيرهم من أمهاتهم أو أبائهم وفعل الناس في المجتمع الذي حوله أو غيرهم.؛ فيجب عليك قبل الحكم على الفتوى أن تقوم بالبحث وسؤال أهل العلم عن حكم المسألة للتأكد من أن الخلل ليس في علمك

- أو يكون السبب هو أنك فهمت الفتوى خطأ، فبعضنا يقرأ باستعجال فيفهم من الفتوى شيئا مخالفا لما تحويه الفتوى، ويفسرها تفسيرًا خاطئا مخالفا لمقصود الشيخ، وفي هذه الحالة عليك بقراءة الفتوى مرة أخرى بتأني، وحتى الاستعانة بآخرين ممن لديهم علم إذا لزم الأمر، وذلك لأجل التأكد من الفهم الصحيح للفتوى.

- أو يكون السبب هو عدم اطلاعك على الحدث أو القضية، أو أن المعلومات التي لديك عن الحدث أو القضية أو الشخص خاطئة أو ناقصة، وأن إطلاع الشيخ ومعلوماته عنها أكثر مما عندك وأصح منها، فبناها الشيخ على معلومات صحيحة بخلافك، فأنت بنيت حكمك على فتواه على معلومات خاطئة أو ناقصة.


ثالثا: بعد البحث والمراجعة والتثبت، إذا وجدت أن الفتوى خاطئة ومنكرة ، فلا تستعجل وتحكم على صاحبها بالجهل والضلال، فلعل الذي استفتاه أعطاه معلومات خاطئة عن الحادثة أو الشخص أو القضية التي أفتى فيها، فكانت فتواه بناءً على المعلومات التي وصلته، فحُكم الشيء فرع عن تصوره، وعندها يجب سؤال الشيخ مرة أخرى مع إطلاعه على الحقائق.


رابعا: إذا كان المفتي الذي وقع في الخطأ من العلماء الصالحين الثقات المتبعين للسنة فإننا لا نطعن فيه ولا نقلل احترامنا له، والواجب اتجاه فتواه الخاطئة هو عدم العمل بها ولا نشرها، أما شخصه فلا يجوز الطعن فيه ولا في علمه.


وما يلي نموذج لكيفية التعامل مع أهل العلم الصالحين:
قال أبو موسى المديني (ت. 581هـ) : سمعته (أي الحافظ أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني) يقول: ((أخطأ ابن خزيمة -من أئمة الحديث- في حديث الصورة، ولا يُطعن عليه بذلك، بل لا يُؤخذ عنه هذا فحسب))
قال أبو موسى -معلقا-: أشار بذلك إلى أنه قلَّ من إمام إلا وله زلة، فإذا تُرك ذلك الإمام لأجل زلته، تُرك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يُفعل.