الدعوات المخالفة لدعوة الرسل
الاستشراق
بعد المقدمة التمهيدية السابقة في بيان أهمية العلم بالدعوات المخالفة لدعوة الرسل، وقد ذكرنا هناك أن من أهم تلك الدعوات التنصير، نتحدث في هذه الحلقة عن دعوة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها ألا وهي الاستشراق، ويعتبر هذا الأخير من أهم الخطط التي استعملها الصليبيون في دراسة العالم الإسلامي وإعطاء فكرة عامة عنه تخص جميع المستويات سواء الدينية أوالاقتصادية أوالسياسية أوالثقافية... وكل ذلك يندرج في إطار الحرب الفكرية والثقافية التي يشنها المخربون الصليبيون بعد فشلهم في الحروب العسكرية، والقصد منها تشويه تاريخ الإسلام، وبث الشبه والافتراءات لبلبلة أفكار المسلمين، وتشكيكهم في دينهم، وصد غيرهم عن مورده الصافي، وقد استعملوا لذلك عدة وسائل تدل على خبثهم وسوء طويتهم إلا القيل منهم، ولا تفوتني الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن المستشرقين ليسوا على وثيرة واحدة، فمنهم الصادق الذي يدرس الإسلام بتجرد وإنصاف، فيسلم عندما تظهر له الحقيقة، ومنهم المنصف الذي درس الإسلام، وعرف حقيقتة وكان له منه موقفا إيجابيا، وإن كان باقيا على دينه، ومنهم الحاقد الذي درس الإسلام وقصده تشويه صورته، وبث الشك بين صفوف إهله. ولبيان خطورة الاستشراق وأهدافه ومراميه، جاءت هذه الدراسة المختصرة على الشكل التالي: تعريف الإستشراق_بدايت _أهدافه _ أهم مؤلفات المستشرقين.
_تعريف الاستشراق:
تيار فكري تمثل في الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي والتي شملت حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته.
وقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن العالم الإسلامي.
_بداية الإستشراق:
من الصعب تحديد بداية الاستشراق إذ أن بعض المؤرخين يعودون به إلى أيام الدولة الإسلامية في الأندلس، في حين يعود به آخرون إلى أيام الصلبيين.
أما الاستشراق اللاهوتي فقد بدأ وجوده بشكل رسمي حين صدور قرار مجمع فينا الكنسي عام 1312 م وذلك بإنشاء عدد من كراسي اللغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية، ولم يظهر مفهوم الاستشراق إلا مع نهاية القرن الثامن عشر فقد ظهر أولا في إنكلترا عام 1779 م وفي فرنسا عام 1799 م.
ويعتبر الغرب هو المسرح الذي يتحرك على أرضه المستشرقون فمنهم الألمان ومنهم البريطانينون والفرنسيون والهلنديون والمجريون، وظهر بعضهم في إيطاليا وفي إسبانيا، وقد علا نجم الاستشراق في أمريكا وصار له فيها مراكز كثيرة، ولم تبخل الحكومات ولا الهيئات ولا الشركات ولا المؤسسات ولا الكنائس في يوم من الأيام في دعم حركة الاستشراق ومدها بما تحتاج إليه من مال، وفسح المجال أمامها حتى بلغ عدد المستشرقين آلاف كثيرة.
_أهداف الإستشراق:
أ_ الهدف الديني:
كان هذا الهدف وراء نشأة فكرة الاستشراق، وصاحبه طيلة مراحله، ويمكن أن نجمل ما يصبون إليه فيما يلي:
_التشكيك في صحة القرآن والطعن فيه:
قال جورج سيل: "القرآن إنما هو من اختراع محمد وتأليفه وهذا أمر لا يقبل الجدل".
وقد زعم ريدشارد بيل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استمد القرآن من مصادر يهودية، ومن العهد القديم بشكل خاص، وكذلك من المصادر النصرانية".
وقد زعم دوزي: "أن القرآن ذو ذوق رديء للغاية ولا جديد فيه إلا القليل، وأن فيه إطنابا بالغا ومملا إلى حد بعيد".
_التشكيك في صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم:
وأن الحديث النبوي إنما هو من عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى.
_التقليل من قيمة الفقه الإسلامي:
واعتباره مستمدا من الفكر الروماني، قال سلدوم أموس: "إن الشرع المحمدي ليس إلا القانون الروماني للإنبراطورية الشرقية معدلا وفق الأحوال السياسية في المملكات العربية".
_إرجاع الإسلام إلى مصادر يهودية ونصرانية.
_مساندة التنصير ومحاولة نشره بين المسلمين.
_الطعن في اللغة العربية والتقليل من قدرتها على مسايرة ركب التطور.
_الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمنكرة كحجة في تشكيكاتهم ودعم نظرياتهم.
ب_ الهدف السياسي:
_إضعاف روح الإيخاء بين المسلمين وتفريقهم بإحكام السيطرة عليهم.
_العناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة.
ج_ الأهداف العلمية:
لقد اتجه قلة قليلة من المستشرقين إلى البحث عن الحقيقة الخالصة، وقد وصل المطاف بهؤلاء إلى الإسلام، ودخولهم فيه، ومن هؤلاء المستشرق الفرنسي دينتي، أسلم وعاش في الجزائر، وله كتاب: أشعة خاصة لنور الإسلام.
ومما لا شك فيه أن بعض المستشرقين فضلا كبيرا لإخراج كتب التراث وإخراجها محققة مفهرسة، كما أن كثيرا منهم يمتلكون منهجية علمية تعينهم على البحث، وصبرا وجلدا ودأبا في التحقيق والتمحيص وتتبع المسائل، وكل ذلك لخدمة أغراضهم الفاسدة، فما على المسلم إلا أن يلتقط الخير من مؤلفاتهم، متنبها إلى مواطن الدس والتحريف حتى يتجنبها، أو يكشفها ويرد عليها.
_من أهم مؤلفاتهم:
المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف: الذي يشمل الكتب الستة المشهورة بالإضافة إلى مسند الدارمي، وموطأ مالك، ومسند أحمد بن حنبل. ويتألف هذا المعجم من سبع مجلدات نشرت ابتداء من عام: 1936 م.
_دائرة المعارف الإسلامية: وهو من أبرز الكتب التي تفتقد الأمانة العلمية، والبحث العلمي الرصين، فهو من الكتب التي ينبغي الحذر منها.
_تاريخ الأدب العربي: تأليف كارل بروكلمان.
_قصة الحضارة: تأليف وولت يورانت.
وبلغ ما ألفوا في قرن ونصف منذ أوائل القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين، ستين ألف كتاب.
للتوسع يرجع إلى كتاب: سلسلة ماذا تعرف عن..الإستشراق.