أولا : ( ( الصور والنافخ فيه ) )
(فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ
(8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ )
.
قال الله تعالى :
قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وزيد بن أسلم والحسن وقتادة والضحاك والربيع بن أنس والسدي وابن زيد :النَّاقُورِ
الصور ، قال مجاهد : ( ( وهو كهيئة القرن ) ) .
الصور : ( ( هو القرن الذي ينفخ فيه . . . عند بعث الموتى إلى المحشر . وقال بعضهم : إن الصور جمع صورة ، يريد صور الموتى ينفخ فيه الأرواح . والصحيح الأول ؛ لأن الأحاديث تعاضدت عليه تارة بالصور ، وتارة بالقرن ) ) .
القرن : ( ( هو البوق يتخذ من القرون ينفخ فيه ) ) . قال القرطبي : ( ( الصور : قرن من نور ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء وليس جمع صورة كما زعم بعضهم أي نفخ في صور الموتى ) ) . ولم يقم دليل صحيح على أن الصور من نور أو غيره من الصفات الأخرى . والصور ثابت في القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وإن قول من قال إن الصور جمع صورة ينفخ فيها روحها فتحيا ، فهذا القول لا يصح لمخالفته لما في القرآن وفي السنة المفسرة له .
قال الله تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ
.
|
(الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 170) |
|
وهنا النفخ في الأولى يؤدي إلى الصعق ثم الموت بينما رأي من قال النفخ هو في الصور فهذا لا يتناسب مع مفهوم الآية ، حيث النفخ في الصور يؤدي إلى الحياة .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن أعرابيًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الصور . قال : ( ( قرن ينفخ فيه )) .
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا .
قال ابن كثير : ( ( والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام ) ) .
وهنا نقف على صحة القول بأن الصور هو قرن - بوق - ينفخ فيه لقيام الساعة وخراب الدنيا ، وينفخ فيه بعد ذلك لقيام الناس من قبورهم للحساب وبدء اليوم الآخر - يوم الجزاء والحساب -
|
(الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 171) |
|
قال الله تعالى : وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ
.
وأما النافخ في الصور فلم أقف على آية أو حديث صحيح يذكر فيه اسم النافخ صراحة باسمه ، ولكن الوارد في الأحاديث الصحيحة أن النافخ في الصور واحد لا اثنان ، كما ورد بذلك أحاديث لا تصح بأن هناك ملكين موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان . عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن طرف صاحب الصور من وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان .
ففي هذا الحديث دلالة واضحة على أن النافخ في الصور واحد ولم يذكر باسمه ، إلا أن المشهور عند العلماء أن النافخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام .
قال القرطبي : ( ( والصحيح في الصور أنه قرن من نور ينفخ فيه إسرافيل ) ) . وقال : ( ( والأمم مجمعة على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام ) ) .
وقال ابن حجر : ( ( اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل عليه السلام ) ) .
|
(الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 172) |
|
فيكون بهذا قد وقفنا على صحة القول بثبوت الصور ، وأنه بوق ينفخ فيه بخراب الدنيا فيحصل من الأهوال الشيء العظيم ، ثم ينفخ فيه مرة أخرى فيقوم الناس من قبورهم لفصل القضاء ، وأن النافخ فيه هو إسرافيل عليه السلام ، كما اشتهر بذلك القول . والله أعلم .