الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وبعد.
فلا يخفى أن بعض الخطباء والوعاظ ينجرّون في خطبهم ومواعظهم إلى الاستدلال بالقرآن الكريم، وهم لم يتذرَّعوا بعدُ بفهم تلك الآيات التي يستدلُّون بها.
فترى استدلالهم يذهب بمعنى الآية إلى غير ما قال به المفسرون حقًّا.
فمن التفسيرات الباطلة ما يكون بطلانه ظاهرًا واضحًا؛ لمخالفتِه أصول اللغة أو الفقه أو نحو ذلك، ولا يجملُ أن نقف عندها طويلاً بل يكفي أن ندل عليها دلالة سريعة محذرين من قائليها:
- رجلٌ ظهر منه الصلاح، وتصدى للوعظ والإرشاد، واغترَّ به بعضهم حتَّى بعض مَن يُنسب إلى العلم من الشباب، سمعتُه قبل ستّ سنوات في مجلس خاص يعظ الشباب، ويذكرهم بقدرة الله - عزَّ وجلَّ - في الخلق، وتلا: ((أفرأيتم ما تمنون))، وتلا: ((فلينظر الإنسان مم خلق))، ثم قال: فعلى الإنسان أن ينظر إلى الماء الذي خلق منه، ويراه بعينيه، ويتفكر .. قال: وقد فعلتُ ذلك.
طبعًا قوله تعالى: ((فلينظر الإنسان مم خلق)) لا يحتمل هذا النظر بالعين، وإلا لما حُذفتِ الألف من ((ما)).
والآية الأخرى - أيضًا - بعيدة عن هذا الفهم.
وآخر من العوام سمع: ((ووجدك عائلا فأغنى))، فقال: ما شاء الله لقد كان النبي عائلا [يفهمها: عاقلا] صلى الله عليه وسلم.
فمثل هذا لا يخفى بطلانه
* * *
لكن من التفسيرات الباطلة ما يكون بطلانه خفيًّا إلا على من يرجع للتفاسير المعتمدة، وإني ذاكرٌ هنا ما وقفت عليه، راجيًا من الإخوة أن يقفونا على ما مرَّ بهم من ذلك،، والله المستعان.
قال تعالى: ((نساؤُكم حرْثٌ لكُم فأْتوا حرْثَكم أنَّى شئتم وقدموا لأنفسكم)).
سمعتُ محاضرة ضخمة لأحدهم، بناها على هذه الجملة ((وقدموا لأنفسكم))، وذكر أنها تُشير إلى مقدمات الجماع، وما يجوز فيه، بل ما ينبغي.
وتكلم عن الرخصة في الكذب مع الزوج لكسب ودها ورضاها.
ثم استشفَّ - بثاقب بصره - مناسبة هذه الآية بما بعدها: ((ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم)).
فذكر أن الرجل الذي يكذب على زوجته ليتحبب إليها في مقدمات الجماع لا ينبغي أن ينجر للحلف بالله كاذبًا، وأفاض في ذلك.
طبعًا هذا الكلام لا يتضح بطلانه سريعًا، ويحتاج مبطله أن يرجع للتفاسير المعتمدة ليعلم أن: ((وقدموا لأنفسكم)) ليس فيها إشارة إلى مقدمات الجماع.
وأن الآية ((ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم)) ليست تعقيبًا على ما قبلها، بل هي تمهيد لمناسبة ((للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)).
والله - عز وجل - أعلى وأعلم.