ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا الله وحده لاشريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:فقد أورد مسلم في صحيحه حديث جبريل عليه السلام فقال:
حَدَّثَنِى أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِىُّ - وَهَذَا حَدِيثُهُ - حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِى الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِىُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِى الْقَدَرِ فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِى أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِى سَيَكِلُ الْكَلاَمَ إِلَىَّ فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُون َ الْعِلْمَ - وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ - وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ. قَالَ فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِىءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّى وَالَّذِى يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّه.قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِى عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِى الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِى يَا عُمَرُ أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ .
وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة لأنه يشتمل على الدين كله:

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله ( وهو حديث عظيم الشأن جدا, يشتمل على شرح الدين كله, ولهذا قال النبي في آخره" هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" بعد أن شرح درجة الأسلام ودرجة الأيمان ودرجة الحسان, فجعل ذلك كله دينا ) جامع العلوم والحكم.
وقال رحمه الله ( وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله تعالى فمن تأمل ما أشرنا إليه مما دل عليه هذا الحديث العظيم على أن جميع العلوم والمعارف يرجع إلى هذا الحديث ويدخل تحته وأن جميع العلماء من فرق هذه الأمة لا تخرج علومهم التي يتكلمون فيها عن هذا الحديث وما دل عليه مجملا ومفصلا فإن الفقهاء إنما يتكلمون في العبادات التي هي من جملة خصال الإسلام ويضيفونه إلى ذلك الكلام في أحكام الأموال والأبضاع والدماء وكل ذلك من علم الإسلام كما سبق التنبيه عليه ويبقى كثير من علم الإسلام من الآداب والأخلاق وغير ذلك لا يتكلم عليه إلا القليل منهم ولا يتكلمون على معنى الشهادتين وهما أصل الإسلام كله والذين يتكلمون على أصول الديانات يتكلمون على الشهادتين وعلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر والذين يتكلمون على علم المعارف والمعاملات يتكلمون على مقام الإحسان وعلى الأعمال الباطنة التي تدخل في الإيمان أيضا كالخشية والمحبة والتوكل والرضا والصبر ونحو ذلك فانحصرت العلوم الشرعية التي يتكلم عليها فرق المسلمين في هذا الحديث ورجعت كلها إليه ففي هذا
الحديث وحده كفاية ولله الحمد والمنة ) جامع العلوم والحكم