تفسير علته، وبيان الرّاجح من اختلاف وجوهه
هذا الحديثُ يرجعُ إلى شهرٍ بْنِ حوشبٍ، و هو على ضَعْفِهِ، وكثرةِ اضْطِرابِه في الحديث، لا يبلغُ إلى أنْ يَضْطَرِبَ فيهِ على الوجوهِ الخمسةِ المرويّةِ عنهُ في هذا الحديث..
فلا يُقالُ أنْ شهراً اضطربَ في حديثِهِ هذا:
- فمرّةً يرويهِ عنْ أسماءَ بنتِ يزيدٍ.
- ومرّةً عن الزبرقان عن النّوّاس.
- ومرّة عن النواس دون ذكر الزبرقان.
- و مرَّةً عن أبي هريرة.
- و مرَّةً لا يُسمّي من حدّثه ويرسله عن النبي ..
لأنّ شهراً وإنْ اختُلِفَ عنهُ .. لكنْ قدْ اختُلِفَ عَمَّنْ رواهُ عنْ شهرٍ .. واخْتُلِفَ عَمَّنْ رواهُ عَمَّنْ رواهُ عَنْ شَهْرٍ أيضاً. وهكذا بلغَ الاختلافُ إلى هذهِ الوجوهِ المذكورةِ.
فلمّا نَظَرْنَا في الْمُخْتَلِفِين َ عَنْ شَهْرٍ، وَجَدْنَاهُمْ رَجُلَيْنِ مِنَ الثِّقَاتِ؛ يُحْتَجُّ بحديثِ كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا على حِدَا، ولم يُعْرَفَا أنهما يَضْطَرِبَانِ في أَحَادِيثِهِمَا .. لكن يتفاوتان فيما بينهما في الضّبطِ و الحفظ والاتقان:
أحدُهما:
ابنُ خثيمٍِ ؛ فَنَظَرْنَا في رِوَايَتِهِ فَوَجَدْناَ
المحفوظَ عنهُ هُوَ: مَا رَوَاهُ الجمَاعَةُ عَنْهُ
:(داودُ بن عبد الرحمن ، و سفيانُ الثوري ، و أبو خيثمة زهير بن معاوية، و إسماعيل بن عياش، و عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، ويَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِي ، والْفَضْلُ بْنُ الْعَلاءِ).رووه عنه عن شهر عن أسماء عن النبي .
وقد تابعه ابن أبي حسين، وليث بن أبي سليم.فروياه عن شهر عن أسماء مما يدل على أنه محفوظ عن شهر.
وخالفهم عبدُ اللهِ بْنُ واقدٍ أبو رجاء الهرويُّ، فرواهُ عنْ ابْنِ خُثَيْمٍ، عنْ أبي الطُّفيل عامر بن واثلة. وهو غريبٌ منْ حديثِ أبي الطّفيل تَفَرَّدَ بِهِ أبُو رَجَاءٍ –كما قال الدَّارَقُطْنِي ُّ-
والآخر: ابنُ أبي هندٍ؛ فنظرنا في روايته وفي اختلاف الرواة عنه؛ فوجدنا المحفوظ عنه هو ما رواه الثّقات عنه:(ابن أبي زائدة، وعباد بن العوام، وأبو معاوية الضرير، وعبد الأعلى السّامي، ومعتمر بن سليمان)؛ رووه عنه عن شهر، مرسلاً.
أمَّا مَنْ رواهُ عنه، فأسندهُ؛ فلم يصنعْ شيئاً.
فعادَ الحديثُ إلى شهرٍ على وجهين اثنين:
- ابن خثيم عن شهر عن أسماء مسنداً
- وداود بن أبي هند عن شهر عن النبي
مرسلاً .
ولله در الإمام
التّرمذي ما أفقهه في العلل ؛ فإنه لما ذكره من رواية ابن خثيم عن أسماء، أَتْبَعَهُ برواية داود بن أبي هند المرسلة؛ كأنه-ررر- يشيرُ إلى: أنَّ الحديثَ قديمٌ عن شهرٍ على الوجهين، وما جاء عنه من الوجوه الأخرى لا تثبتُ عنه، وإنما هي من اختلاف الرواة بعده وأخطائهم عليه.. فنصبَ الخلافَ بينَ ابن خثيم، وداود بن أبي هند ، واستغرب حديثَ ابن خثيمٍ لتفرّده عنده عن شهر.
أمّا منْ ذكرَ الوجوهَ الأخرى؛كأبي زرعة، وابن عدي، فإنما ذكروها لبيان اختلاف الرواة في إسناد الحديث، وكيفية وصوله إليهم.. و لا يُستفاد منه أن شهراً كان يضطربُ فيه على كل تلك الوجوه..
ألا ترى قول
أبي زرعة : "
حديث المعتمر أصح" فهو إنما كان يرجح بين الوجوه المختلفة عن داود ، ولا ذِكر لحديث ابن خثيم في المسألة.
وعند الترجيح بين رواية ابن خثيم، وداود؛ تترجحُ رواية داود المرسلة، لزيادة ضبطه وحفظه..
وهو ما سيأتي في المرة القادمة