قد لا يُدرك أحدنا عِظَم وجلال نعمةٍ من النعمِ حتى يُسلبها ، حينها فقط يَعظُم قدرها ، ويَري تقصيره في عدم شُكرها ، ويتجلى قدر فضل الله عليه بمنحه إياها ..
وإنّ مِنْ أعظم نعمِ الله ، أن يُرزقّ العبدُ قلبًا مُوحدًا لله طاهرًا ، خاليًا مِنْ شوائب الشِّرك وآفاته ، نقيًا من آلام الهوى ومُعضلاته ..
فإنَّها من أعظم النِّعم التي تُوجب الشُّكر في كُلِّ وقتٍ وحينٍ ..
وتتجلَّى قدرُ تلك النِّعمة بدخول مُفسداتها ، فمتى ما دخلَ القلب الهوى أفسده ، واصطحب معه كُلَّ همّ وغمّ ، وبدخوله - أعني الهوى - فُتح باب المعاصي على مصراعيه ، بل إنْ شئت فقُل كُسِر! ، فتراها تنهمرُ على صاحب الهوى تترى ؛ لتحكمه به وسيطرته عليه ، إلا من رحم الله ..
فالمحبُّ - في غير طاعة الله - يُعذَّب بمحبوبه ، والعذابُ أنواع ودرجات ، يزيد وينقص على قدر التَّعلّق بالمحبوب ..
أنت القتيلُ بكلّ مَنْ أحببته ** فاختر لنفسك في الهوى مَنْ تصطفي
ومما تورثه الهموم ، فمتى ما دخلتِ الهموم القلب انعكس ذلك على إخوانه ؛ فإنّ صلاحَ الجسد قد قُيّض بصلاح سيد الأعضاء ..
" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب " رواه البخاري و مسلم
وإنَّ في كلام الحبيب لدُرر ، لمَنْ أبصر وأمعن النظر ، واعتبر ..
فيا مَنْ أشرب قلبه كؤوس الهوى ، حتى صار عبدًا لها من دون الله ، أما آن الأوان لتفيق من سكرتك؟! ، وتتهيأ للقاء محبوبك الحقّ وآخرتك ؟!
يقول الإمام ابن القيم في الفوائد (يا بائعًا نفسه بهوى مَنْ حبُّه ضنى ، ووصلُه أذى ، وحسنُه إلى فناءٍ ، لقد بعت أنفس الأشياء بثمنٍ بخسٍ ، كأنَّك لم تعرف قدر السِّلعة ولا خِسَّة الثَّمن)
خلِّ قلبك ممن سواه ، فـ "التّخلية قبل التَّحلية" ، يقول ابن القيِّم في الفوائد (قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده) إلى أن قال : (والقلب المشغول بمحبة غير الله وإرادته والشوق إليه لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلّقه بغيره) اهـ
وإنِّما تكون التَّخلية بالمجاهدة والصبر ، مع لزوم فعل الأمر ، واجتناب ما نهى عنه وزجر ، والتحبب إليه بالطاعات و النوافل والقربات ، "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"
وأفرض الجهاد جهاد الهوى والنفس كما صرّح بذلك العلماء ..
فإن خُلّيَ القلب من دنس الهوى ، صار متهيئًا لاستقبال المحبة العظمى ، إلا وهي محبة الحق الأعلى ..
أما مَنْ رزق هذه النّعمة ، نعمة القلب الموحِّد الطَّاهر مِنْ دنسِ الهوى ، فاحمد الله على نعمه ، وتفانى في عبادته وشكره ، فشكرك مُوجبٌ للزيادة ، مُستجلبٌ لعطاء الذي خزائنه لا تنفذ ، ونعمه لا تُعد ..
أختكم / ربوع الإسلام
سُطِّر في :
22/12/2009
والله المستعان ..