الحمد لله وبه نستعين
وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى اله وصحبه اجمعين الى يوم الدين
وبعد
قَال الرَّبِيعُ : سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُول :الْعِلْمُ عِلْمَانِ : عِلْمُ الأَْدْيَانِ وَعِلْمُ الأَْبْدَانِ).
ويعني بعلم الابدان علم الطب وهو انواع كثيرة ابرزها علم العقاقير وعلم الرقية
قال شيخ الاسلام ابن تيمية:
" الْأَدْوِيَةَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْيَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِغَيْرِ الْأَدْوِيَةِ كَالدُّعَاءِ ، وَالرُّقْيَةِ ،وَهُوَ أَعْظَمُ نَوْعَيْ الدَّوَاءِ . حَتَّى قَالَ بُقْرَاطُ : نِسْبَةُ طِبِّنَا إلَى طِبِّ أَرْبَابِ الْهَيَاكِلِ ، كَنِسْبَةِ طِبِّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبِّنَا . وَقَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِغَيْرِ سَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ بَلْ بِمَايَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْجِسْمِ مِنْ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ ، وَنَحْوِذَلِكَ" المجموع (5\440)
وكما ان علم العقاقير يؤخذ من الانبياء عن طريق الوحي ويؤخذ عن طريق غيرهم بالتجربة والحدس وغيرها .
فمثال مايؤخذ عن طريق الانبياء كالعسل فيه شفاء والحبةالسوداء حيث وردت بها النصوص فعن ابن عباس t . قال رسول الله e) الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ شَرْبَةِعَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ (. رواه البخاري وغيره عن ابن عباس. [5248].
وعن ابي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ ) فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ (. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ . رواه البخاري وغيره [5256].
واما ما يؤخذ عن طريق غير الانبياء مثل الثوم .
قال الامام ابن القيم عن الثوم انه: "هَاضِمٌ لِلطّعَامِ قَاطِعٌ لِلْعَطَشِ مُطْلِقٌ لِلْبَطْنِ مُدِرّ لِلْبَوْلِ يَقُومُ فِي لَسْعِ الْهَوَامّ وَجَمِيعِ الْأَوْرَامِ الْبَارِدَةِ مَقَامَ التّرْيَاقِ وَإِذَا دُقّ وَعُمِلَ مِنْهُ ضِمَادٌ عَلَى نَهْشِ الْحَيّاتِ أَوْ عَلَى لَسْعِ الْعَقَارِبِ نَفَعَهَا وَجَذَبَ السّمُومَ مِنْهَا وَيُسَخّنُ الْبَدَنَ وَيَزِيدُ فِي حَرَارَتِهِ وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ وَيُحَلّلُ النّفْخَ وَيُصَفّي الْحَلْقَ وَيَحْفَظُ صِحّةَ أَكْثَرِ الْأَبْدَانِ وَيَنْفَعُ مَنْ تَغَيّرِالْمِيَ اهِ وَالسّعَالِ الْمُزْمِنِ وَيُؤْكَلُ نِيئًا وَمَطْبُوخًا وَمَشْوِيّا [ص 271 ] زاد المعاد - (4 / 269)
فالمقصود ان كلا الدوائين يؤخذ عن طريقين الانبياء وعن طريق غيرهم
اما الشفاء بالرقية
فانه قطعا ياخذ عن طريق الانبياء لكن هل يؤخذ عن طريقغيرهم؟
ونعني بذلك الرقية التي لا كفر فيها ولا معصية ولا بدعة.
يعني ان الفاظها لاتحوي شئ من ذلك ولكنها عبارة عن الفاظ وافعال مخصوصة تقرا على المريض.
او بعبارة اخرى هل الرقية توقيفية ام اجتهادية.
فالاصل ان الطب امر اجتهادي وما دخل فيه فهو كذلك وبما ان الرقية نوع من انواع الادوية فهي بهذا الاعتبار اجتهادية.
وقد مر سالفا قول شيخ الاسلام : » الْأَدْوِيَةَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ ، وَقَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِغَيْرِ الْأَدْوِيَةِ كَالدُّعَاءِ ،وَالرُّقْيَةِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ نَوْعَيْ الدَّوَاءِ«.
والدليل من السنة على ذلك حديث عوف بن مالك الأشجعي t قال كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك فقال )اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ( رواه مسلم [4079]
قال الحافظ:
» وَقَدْ تَمَسَّكَ قَوْم بِهَذَا الْعُمُوم فَأَجَازُواكُلّ رُقْيَة جُرِّبَتْ مَنْفَعَتهَا وَلَوْ لَمْ يُعْقَل مَعْنَاهَا ، لَكِنْدَلَّ حَدِيث عَوْف أَنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِن ْ الرُّقَى يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك يُمْنَع ، وَمَا لَا يُعْقَل مَعْنَاهُ لَا يُؤْمَن أَنْ يُؤَدِّي إِلَى الشِّرْك فَيَمْتَنِع اِحْتِيَاطًا ، وَالشَّرْط الْآخِر لَا بُدّ مِنْهُ« فتح الباري لابنحجر - (16 / 258)
وقال في موطن اخر عن الحديث : »فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ « [فتح الباري لابن حجر - (18 / 389)
يعني العلة التي تمنع لاجلها الرقية هي الشرك.
فهذا الحديث فيه ان الصحابة الكرام كانت لهم رقى يسترقون بها غير ما اخذوه عن النبي فلذلك قال لهم اعرضوا علي رقاكم . الحديث.
وقصة ابي سعيد الخدري لما قرأ سورة الفاتحة سبع مرات على الديغ فبرئ فذكر ذلك للنبي فقال » وما يدريك انها رقية« ففيه ان ابا سعيد اجتهد في الرقية فاختار سورة الفاتحة لما فيها من كبير فضل .
ولوكانت غير اجتهادية لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يدرك انها رقية « فان مقتضى الجوابان يكون بالاجتهاد. ولو كانت امر توقيفا لما اقدم الصحابة عليها برايهم ولما اشارالنبي عليه السلام الى ما يدل على ذلك.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ e فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّىنَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُ مْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍلَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْاسْتَضَفْ نَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَايَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْأَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يتبع ...