سبيـل النجاة في الدعوة إلى الله


محمود عبد الحفيظ البرتاوي



الدعوة إلى الله جزء مِن حياة المسلم، تحل معه أينما حل، وتنزل معه أينما نزل، ولا أدل على ذلك مِن حال نبي الله يوسف -عليه السلام- الذي سُجِن ظلمًا وعدوانًا؛ فلم تمنعه أسوار السجن، وجدران العزل عن ممارسة الدعوة إلى الله -تعالى-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقد امتدح الله -تعالى- الداعي إليه وإلى شريعته بأنه أحسن الناس قولاً، فقال -سبحانه-: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33).
فالمسلم المعظـِّم لدين الله -تعالى-، الحريص على نفع نفسه وغيره لا يمكن إلا أن يكون داعية إلى دينه -عز وجل-؛ آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر؛ لأن:
- الدعوة إلى الله نجاة مِن الخُسر الذي أقسم الله عليه، ولم يستثنِ منه إلا مَن آمن وعمل صالحًا، وتواصى بالحق وتواصى بالصبر: قال -تعالى-: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر).
- الدعوة إلى الله نجاة مِن العذاب: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ۚ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (الجن:20-23).
- لأن صلاح الصالحين لا يكفي في نجاتهم دون إصلاحهم، ودون قيامهم بواجب الدعوة إلى الله -تعالى-: قال الله -عز وجل-: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴿١١٦﴾وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (} (هود:116- 117). ولما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : «أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟» قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» (متفق عليه).
- لأن الدعوة إلى الله حياة ونجاة للمجتمع بأسره، وتركها مِن أسباب الهلاك: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» (رواه البخاري).
- لأن الدعوة إلى الله فرقان بيْن المؤمنين والمنافقين: قال الله -تعالى- عن المنافقين والمنافقات: {الْمُنَافِقُون وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} (التوبة:67)، وقال -تعالى- عن المؤمنين والمؤمنات: {وَالْمُؤْمِنُو َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ} (التوبة:71)، ودلت الآية كذلك على أنهم يرحمون بدعوتهم إلى الله، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
- لأن الدعوة إلى الله -تعالى- يظهر بها صدق المحبة للنبيصلى الله عليه وسلم في اتباعه على ذلك: قال الله -تعالى-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران:31).

- لأن الدعوة إلى الله رحمة بالخلق: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا» (متفق عليه).