تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

  1. #1

    افتراضي جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أيها الإخوة وقع بين يدي جواباً للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، قد جمعه أحد إخواننا جزاه الله خيراً قبل سنين من كلام الشيخ في أكثر من مؤلف وشريط من مؤلفاته وأشرطته المباركة، ونسقه، وبذل فيه جهداً مشكوراً، وقد استأذنته في وضعه على المنتدى؛ لكي يستفيد الجميع منه فأذن لي، فجزاه الله خيراً، هاهو بين يديك.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    مسألة مهمة من مسائل الأسماء والصفات:
    قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) متفق عليه، هل يناقض قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]، حيث في الآية نفي للمماثلة، وفي الحديث إثبات للصورة؟.
    هناك جوابان: مجمل، ومفصل:
    أ*) الجواب المجمل:
    إن هذا الحديث من الأحاديث المتشابهة، التي يخفى معناها، ويشتبه على بعض الناس دون بعض، فمن كان في قلبه زيغ وميل عن الحق اتبع المتشابه واطرح المحكم، وتوهم ما لا يليق بالله عز وجل، وقال: إن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يقول: (إن الله خلق آدم على صورته)، فيضرب القرآن بالسنة، ويجعل ذلك تناقضاً، وأما الراسخون في العلم فيردون هذا المتشابه الخفي المعنى إلى المحكم الواضح، فيفتح الله عليهم ويعرفون وجه الجمع بين النصوص، وبهذا تكون النصوص كلها محكمة متفقة غير متنافية ولا متناقضة، كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) [آل عمران:7]، فإيمانهم به يقتضي أن يردوا المتشابه إلى المحكم حتى يكون محكماً لا تناقض فيه أو تعارض؛ لأنه كله من عند الله، لقول الله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) [النساء:82].
    وعلى هذا فليس هناك تناقض بين الآية والحديث، حيث لا يراد بالحديث صورة تماثل صورة الرب عز وجل، وهذا بإجماع المسلمين والعقلاء، لأن الله عز وجل وسع كرسيه السماوات والأرض، والسماوات والأرض كلها بالنسبة للكرسي -موضع القدمين- كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة; فما ظنك برب العالمين؟!.
    فلا أحد يحيط به وصفاً ولا تخييلاً، ومن هذا وصفه لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعاً، قال الله تعالى: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:74]، فلا يحل لأحد أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى مماثل لأحد من المخلوقين، ولا أن أحداً مماثل لله تعالى.
    فإن يسر الله لك الجمع بين الحديث والآية، فاجمع، وقل: إن الله ليس كمثله شيء، وإن الله خلق آدم على صورته؛ لأن هذا كلام الله عز وجل، وهذا كلام رسوله أعلم، وأصدق، وأنصح، وأفصح الخلق عليه الصلاة والسلام، والكل حق يجب علينا الإيمان والتصديق به، ولا يمكن أن يكذب بعضه بعضًا؛ لأنه كله خبر وليس حكمًا كي ينسخ.
    وإن لم يتيسر لك ذلك، فقل: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، ونسكت، وهذا هو غاية ما نستطيع، وعقيدتنا أن الله لا مثيل له، بهذا تسلم أما الله عز وجل.
    ب*) الجواب المفصل: وفيه وجهان:
    الأول: أن الحديث على ظاهره، أي: أن الله خلق آدم على صورته حقيقة، فالضمير في (صورته) يعود على الله عز وجل كما جاء ذلك مفسراً في الرواية الأخرى الصحيحة (على صورة الرحمن) التي صححها الإمام أحمد وابن راهويه وشيخ الإسلام ابن تيمية، ولا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته، أن يكون مماثلاً له، وهذا ليس بغريب، لأن الله تعالى قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11]، ولأنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء، أن يكون مماثلاً له من وجه.
    وبيانه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال : «إن الله خلق آدم على صورته»، هو الذي قال: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر» متفق عليه، فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه، أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه!.
    فإن قلت بالأول؛ فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أناف وليس لهم أفواه!، وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار!، وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلًا له من كل وجه.
    فأهل الجنة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر بدون مماثلة؛ لأن القمر أكبر من أهل الجنة بكثير، فإنهم يدخلون الجنة طولهم ستون ذراعاً، فليسوا مثل القمر لكن على صورة القمر من حيث العموم إضاءةً وابتهاجاً ونوراً، فإذا جاز هذا بين المخلوقين، فبين الخالق والمخلوق من باب أولى.
    فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون أدم عليها؟
    قلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: (على صورته) أي على صورته التي هي صفته، فإن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أنالزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
    الثاني: أن الله خلق آدم على الصورة التي اختارها واجتباها وأتمها وأحسن خلقها؛ ولهذا أضافها الله إلى نفسه، من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، إضافة تشريف وتكريم، كما في قوله تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [الحج:26]، ومعلوم أن الكعبة ليست بيت الله التي يسكنه، بل هو بيته الذي يعظم، وكقوله تعالى: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) [الشمس:13]، ومعلوم أن هذه الناقة ليست ناقة الله التي يركبها سبحانه وتعالى، حاشاه من ذلك بل أضافها نبي الله صالح عليه السلام إلى ربه لتشريف هذه الناقة وتعظيمها، وكقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ) [البقرة:114]، ومعلوم أن المساجد هي للناس يصلون فيها، لكن أضاف الله المساجد إليه؛ لأنها محل عبادته، وأهل للتشريف والتكريم، وما أشبه ذلك من الآيات، وهذا وارد في القرآن، ولا يمتنع على الله عز وجل.
    فقوله: (خلق آدم على صورته) يعني: على الصورة التي صورها الله عزَّ وجلَّ، فصورة آدم ليست كصورة غيره من البشر، ولهذا استحقت أن تضاف إلى الرب عزَّ وجلَّ تشريفاً وتكريماً، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) [الأعراف: 11]، والمصور أدم ، فآدم على صورة الله، يعني: أن الله هو الذي صورهعلى هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات، ولهذا لا يقبح الوجه، ولا يضرب، فتتغير هذه الصورة التي خلقها الله عز وجل، وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً.
    ومثله قوله عز وجل للملائكة عن آدم عليه السلام: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) [ص:72]، ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد الروح التي خلقها الله عز وجل، لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف والتكريم.
    ولكن إذا قال قائل: أيُّ الوجهين السابقين أسلم، الأول، أم الثاني؟.
    قلنا: كلا الوجهين السابقين صحيح، ولكن الأول أسلم من الثاني؛ لأنه أبعد عن التأويل، وهو متماش مع ظاهر النص، ونجد له مساغاً في اللغة العربية، وإمكاناً في العقل؛ وحينئذ يكون الواجب حمل الكلام عليه.
    · واعلم أنه قد قيل في هذا الحديث أقوالاً لا تقبل، منها:
    قال بعض أهل العلم: المراد بقوله: (على صورته); أي: صورة آدم، فالضمير يكون عائداً إلى آدم نفسه، فيكون معنى الحديث: أن الله خلق آدم أول مره على هذه الصورة، وليس كبنيه يتدرج في الإنشاء نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم... إلخ. لكن الإمام أحمد رحمه الله أنكر هذا التأويل، وقال: هذا تأويل الجهمية؛ لأنه يعارضه اللفظ الآخر المفسر للضمير وهو بلفظ: (على صورة الرحمن)، ولأنه يفقد الحديث معناه، فيبقى الحديث لا فائدة منه، فإذا كان المعنى: إن الله خلق آدم على صورة آدم، فما هي الفائدة؟، وأيضاً لا يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر صلى الله عليه وسلم أن يريد بالضمير ضمير المخلوق، لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لا فضل لآدم على غيره.
    ومن قال بهذا التأويل المشين المستكره قالوا به؛ لأنهم يعتقدوالله،لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقة له، وهذا تمثيل.
    ونحن نقول: لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله ، لكن ليس كمثل الله شيء.
    · واعلم أن باب الصفات باب عظيم، وخطره جسيم، ولا يمكن أن ينفك الإنسان من الورطات، والهلكات التي يقع فيها، إلا بإتباع النص، والأخذ بظاهره، وإتباع السلف الصالح في هذا، وبأن يقف في هذا الباب موقف المُسَلِّم لا المعترض؛ لأن العقول ليس لها مجال في هذا الباب.
    فيثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وينفي ما نفى الله عن نفسه، ويجري ما ورد في الكتاب والسنة على ظاهره بدون تمثيل، وبذلك يسلم من الشر، ومن تحريف الكلم عن مواضعه، وليحذر أن يخوض في شيء لم يتكلم فيه السلف الصالح، يقول بعض العلماء: (من لم يسعه ما وسع الصحابة، والتابعين ، فلا وسَّع الله عليه). انتهى.

  2. #2

    افتراضي رد: جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

    والآن هذا الجواب الثمين على وورد انظر المرفقات
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

  3. #3

    افتراضي رد: جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

    تصحيح:
    ومن قال بهذا التأويل المشين المستكره قالوا به؛ لأنهم يعتقدوالله،لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه،
    ومن قال بهذا التأويل المشين المستكره قالوا به؛ لأنهم يعتقدون أنك لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه،

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    450

    افتراضي رد: جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

    جزاكم الله خيرا نقلكم للفائدة القيّمة

    و رحم الله شيخنا و أسكنه الفردوس .. ما أحسن قوله :

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو القاسم المحمادي مشاهدة المشاركة


    · واعلم أن باب الصفات باب عظيم، وخطره جسيم، ولا يمكن أن ينفك الإنسان من الورطات، والهلكات التي يقع فيها، إلا بإتباع النص، والأخذ بظاهره، وإتباع السلف الصالح في هذا، وبأن يقف في هذا الباب موقف المُسَلِّم لا المعترض؛ لأن العقول ليس لها مجال في هذا الباب.
    فيثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وينفي ما نفى الله عن نفسه، ويجري ما ورد في الكتاب والسنة على ظاهره بدون تمثيل، وبذلك يسلم من الشر، ومن تحريف الكلم عن مواضعه، وليحذر أن يخوض في شيء لم يتكلم فيه السلف الصالح، يقول بعض العلماء: (من لم يسعه ما وسع الصحابة، والتابعين ، فلا وسَّع الله عليه). انتهى.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    450

    افتراضي رد: جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

    ملاحظة : لو أمكن تكبير حجم الخط في المشاركة الاصلية أحسن .. و الله الموفق

  6. #6

    افتراضي رد: جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

    وهاهو الجواب الثمين مرة أخرى، ولكن مكبراً الخط:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مسألة مهمة من مسائل الأسماء والصفات:
    قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) متفق عليه، هل يناقض قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]، حيث في الآية نفي للمماثلة، وفي الحديث إثبات للصورة؟.
    هناك جوابان: مجمل، ومفصل:
    أ*) الجواب المجمل:
    إن هذا الحديث من الأحاديث المتشابهة، التي يخفى معناها، ويشتبه على بعض الناس دون بعض، فمن كان في قلبه زيغ وميل عن الحق اتبع المتشابه واطرح المحكم، وتوهم ما لا يليق بالله عز وجل، وقال: إن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يقول: (إن الله خلق آدم على صورته)، فيضرب القرآن بالسنة، ويجعل ذلك تناقضاً، وأما الراسخون في العلم فيردون هذا المتشابه الخفي المعنى إلى المحكم الواضح، فيفتح الله عليهم ويعرفون وجه الجمع بين النصوص، وبهذا تكون النصوص كلها محكمة متفقة غير متنافية ولا متناقضة، كما قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) [آل عمران:7]، فإيمانهم به يقتضي أن يردوا المتشابه إلى المحكم حتى يكون محكماً لا تناقض فيه أو تعارض؛ لأنه كله من عند الله، لقول الله تعالى: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) [النساء:82].
    وعلى هذا فليس هناك تناقض بين الآية والحديث، حيث لا يراد بالحديث صورة تماثل صورة الرب عز وجل، وهذا بإجماع المسلمين والعقلاء، لأن الله عز وجل وسع كرسيه السماوات والأرض، والسماوات والأرض كلها بالنسبة للكرسي -موضع القدمين- كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة; فما ظنك برب العالمين؟!.
    فلا أحد يحيط به وصفاً ولا تخييلاً، ومن هذا وصفه لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعاً، قال الله تعالى: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:74]، فلا يحل لأحد أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى مماثل لأحد من المخلوقين، ولا أن أحداً مماثل لله تعالى.
    فإن يسر الله لك الجمع بين الحديث والآية، فاجمع، وقل: إن الله ليس كمثله شيء، وإن الله خلق آدم على صورته؛ لأن هذا كلام الله عز وجل، وهذا كلام رسوله أعلم، وأصدق، وأنصح، وأفصح الخلق عليه الصلاة والسلام، والكل حق يجب علينا الإيمان والتصديق به، ولا يمكن أن يكذب بعضه بعضًا؛ لأنه كله خبر وليس حكمًا كي ينسخ.
    وإن لم يتيسر لك ذلك، فقل: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، ونسكت، وهذا هو غاية ما نستطيع، وعقيدتنا أن الله لا مثيل له، بهذا تسلم أما الله عز وجل.
    ب*) الجواب المفصل: وفيه وجهان:
    الأول: أن الحديث على ظاهره، أي: أن الله خلق آدم على صورته حقيقة، فالضمير في (صورته) يعود على الله عز وجل كما جاء ذلك مفسراً في الرواية الأخرى الصحيحة (على صورة الرحمن) التي صححها الإمام أحمد وابن راهويه وشيخ الإسلام ابن تيمية، ولا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته، أن يكون مماثلاً له، وهذا ليس بغريب، لأن الله تعالى قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11]، ولأنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء، أن يكون مماثلاً له من وجه.
    وبيانه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال : «إن الله خلق آدم على صورته»، هو الذي قال: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر» متفق عليه، فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه، أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال وما أشبه ذلك على صورة القمر، لا من كل وجه!.
    فإن قلت بالأول؛ فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أناف وليس لهم أفواه!، وإن شئنا قلنا: دخلوا وهم أحجار!، وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلًا له من كل وجه.
    فأهل الجنة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر بدون مماثلة؛ لأن القمر أكبر من أهل الجنة بكثير، فإنهم يدخلون الجنة طولهم ستون ذراعاً، فليسوا مثل القمر لكن على صورة القمر من حيث العموم إضاءةً وابتهاجاً ونوراً، فإذا جاز هذا بين المخلوقين، فبين الخالق والمخلوق من باب أولى.
    فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون آدم عليها؟
    قلنا: قوله صلى الله عليه وسلم: (على صورته) أي على صورته التي هي صفته، فإن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أنالزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
    الثاني: أن الله خلق آدم على الصورة التي اختارها واجتباها وأتمها وأحسن خلقها؛ ولهذا أضافها الله إلى نفسه، من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، إضافة تشريف وتكريم، كما في قوله تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [الحج:26]، ومعلوم أن الكعبة ليست بيت الله التي يسكنه، بل هو بيته الذي يعظم، وكقوله تعالى: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) [الشمس:13]، ومعلوم أن هذه الناقة ليست ناقة الله التي يركبها سبحانه وتعالى، حاشاه من ذلك بل أضافها نبي الله صالح عليه السلام إلى ربه لتشريف هذه الناقة وتعظيمها، وكقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ) [البقرة:114]، ومعلوم أن المساجد هي للناس يصلون فيها، لكن أضاف الله المساجد إليه؛ لأنها محل عبادته، وأهل للتشريف والتكريم، وما أشبه ذلك من الآيات، وهذا وارد في القرآن، ولا يمتنع على الله عز وجل.
    فقوله: (خلق آدم على صورته) يعني: على الصورة التي صورها الله عزَّ وجلَّ، فصورة آدم ليست كصورة غيره من البشر، ولهذا استحقت أن تضاف إلى الرب عزَّ وجلَّ تشريفاً وتكريماً، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) [الأعراف: 11]، والمصور آدم ، فآدم على صورة الله، يعني: أن الله هو الذي صورهعلى هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات، ولهذا لا يقبح الوجه، ولا يضرب، فتتغير هذه الصورة التي خلقها الله عز وجل، وأضافها إلى نفسه تشريفاً وتكريماً.
    ومثله قوله عز وجل للملائكة عن آدم عليه السلام: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) [ص:72]، ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد الروح التي خلقها الله عز وجل، لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف والتكريم.
    ولكن إذا قال قائل: أيُّ الوجهين السابقين أسلم، الأول، أم الثاني؟.
    قلنا: كلا الوجهين السابقين صحيح، ولكن الأول أسلم من الثاني؛ لأنه أبعد عن التأويل، وهو متماش مع ظاهر النص، ونجد له مساغاً في اللغة العربية، وإمكاناً في العقل؛ وحينئذ يكون الواجب حمل الكلام عليه.
    · واعلم أنه قد قيل في هذا الحديث أقوالاً لا تقبل، منها:
    قال بعض أهل العلم: المراد بقوله: (على صورته); أي: صورة آدم، فالضمير يكون عائداً إلى آدم نفسه، فيكون معنى الحديث: أن الله خلق آدم أول مره على هذه الصورة، وليس كبنيه يتدرج في الإنشاء نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم... إلخ. لكن الإمام أحمد رحمه الله أنكر هذا التأويل، وقال: هذا تأويل الجهمية؛ لأنه يعارضه اللفظ الآخر المفسر للضمير وهو بلفظ: (على صورة الرحمن)، ولأنه يفقد الحديث معناه، فيبقى الحديث لا فائدة منه، فإذا كان المعنى: إن الله خلق آدم على صورة آدم، فما هي الفائدة؟، وأيضاً لا يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر صلى الله عليه وسلم أن يريد بالضمير ضمير المخلوق، لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لا فضل لآدم على غيره.
    ومن قال بهذا التأويل المشين المستكره قالوا به؛ لأنهم يعتقدون أنك لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقة له، وهذا تمثيل.
    ونحن نقول: لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله ، لكن ليس كمثل الله شيء.
    · واعلم أن باب الصفات باب عظيم، وخطره جسيم، ولا يمكن أن ينفك الإنسان من الورطات، والهلكات التي يقع فيها، إلا بإتباع النص، والأخذ بظاهره، وإتباع السلف الصالح في هذا، وبأن يقف في هذا الباب موقف المُسَلِّم لا المعترض؛ لأن العقول ليس لها مجال في هذا الباب.
    فيثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وينفي ما نفى الله عن نفسه، ويجري ما ورد في الكتاب والسنة على ظاهره بدون تمثيل، وبذلك يسلم من الشر، ومن تحريف الكلم عن مواضعه، وليحذر أن يخوض في شيء لم يتكلم فيه السلف الصالح، يقول بعض العلماء: (من لم يسعه ما وسع الصحابة، والتابعين ، فلا وسَّع الله عليه).

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    57

    افتراضي رد: جوابٌ ثمينٌ من أجوبة الشيخ ابن عثيمين، تشد إليه الرحال.

    جزاك الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •