تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    496

    افتراضي تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني

    تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    إن الحمدلله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
    إن القران الكريم نزل على سبعة أحرف كما هو معلوم و الدليل على ذلك ما روى البخاري و مسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف"
    وورد أيضا من حديث عمر وأبي بن كعب رضى الله عنهما
    فهذه الاحاديث تدل دلالة صريحة على أن القراءات كلها على اختلافها منزلة من عند الله تعالى مأخوذة بالتلقي والمشافهه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دخل لاحد من البشر فيها فليس لاحد كائنا من كان أن يقرأ حسب هواه فيغير عبارة بعبارة أو يأتي فى مكان اللفظ بمرادفه أو مساويه يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في قرءاة المختلفين } كذلك أنزلت{ وقول المخالف لصاحبه }أقرأنيها رسول الله{فإذا تقرر هذا فما الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف؟
    هذا ما سأفتح به طرف النقاش مع الاخوة لكي يشاركوا في هذا الموضوع المفيد إن شاء الله وهو أن من أهم الحكم التي من اجلها نزل القرآن على سبعة أحرف هى
    الجمع بين حكمين مختلفين ومعنين متغايرين بمجموع القرءاتين
    وسأضرب على ذلك مثالا يفيد ان مجموع قرءاتين يفيد معنين مختلفين وهذا من أوجه بلاغة القرآن الكريم المبهرة
    قال الله سبحانه وتعالى ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما
    معنى أف هو كل مستقذر من وسخ وقلامة ظفر وما يجري مجراهما ويقال ذلك لكل مستخف استقذارا له قاله الراغب
    وقال الالوسي اسم صوت ينبئ عن التضجر أو اسم فعل مضارع هو اتضجر.
    وهى من أسماء الافعال التى لا تقبل ال التعريف لذلك هى تنكر وتعرف بإضافة التنوين وتعرف بعدمه.
    وفيه نحو من أربعين لغة . والوارد من ذلك فى القراءات السبع ثلاث متواترة ، وأربعة شاذة .
    فقرأ نافع وحفص بالكسر والتنوين ، وهو للتنكير : فالمعنى : فلا تقل أتضجر تضجرًا ما .
    وقرأ ابن كثير وابن عامر بالفتح دون تنوين ، والباقون بالكسر بدون تنوين.
    والحاصل ان أف وردت بقرءاتين قراءة منكرة و قرءاة معرفة فمعنى القرءاة المنكرة هو لا تتضجر امامهما لا بسببهما ولا بسبب غيرهما .والقرءاة الاخرى من غير تنوين يعني لا تتضجر بسببهما .
    والخلاصة :أن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الايات وذلك ضرب من ضروب البلاغة يبتدئ من جمال هذا الايجاز وينتهى إلى كمال الاعجاز.
    من لديه إضافة حول هذا الموضوع وهو أن تنوع القراءات يفيد بزيادة المعاني والاحكام فلا يبخل بها لزيادة الفائدة.

    إذا استفدت من مشاركتي أو لم تستفد منها فادع الله أن يغفر لي

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    19

    افتراضي رد: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني

    السلام عليكم و رحمة الله
    حبذا يا اخي لو قيدت قولك(فهذه الاحاديث تدل دلالة صريحة على أن القراءات كلها على اختلافها منزلة من عند الله تعالى مأخوذة بالتلقي والمشافهه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم)بقولك القراءات الصحيحة لانه -ولا اظن هذا يخفى عليك -هناك قراءات شاذة لم تصح عن النبي صلى الله عليه و سلم أو اختل فيها شرط من شروط صحة القراءة .على ان العلماء اختلفوا في حجية القراءة الشاذة يرجع في ذلك الى كتب اصول الفقه .ثم ان ورود قراءة اخرى ليس بالضرورة مفيدا لزيادة في المعنى فقد تأتي القراءة لبيان المعنى او توسيعه او ازالة الاشكال عنه وقدتأتي القراءة لبيان العموم او للتخصيص و قد تأتي كذلك لبيان اطلاق الحكم أو تقييده و قد تختلف القراءات تخفيفا على الامة و مراعاة للغاتها الى اغراض اخرى من اغراض تنوع القراءات تكلم عنها العلماء و على كل ماذكرت امثلة من القرءان الكريم اسال الله ان يوفق الجميع

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    496

    افتراضي رد: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني

    كلامك صحيح يا أخي ولكن موضوع الدراسة هنا هو حكمة زيادة المعاني باختلاف القراءات وإلا فنحن نعلم أن هناك حكم اخرى منها ماذكرت من التخفيف على الامة وغير ذلك .
    جزاك الله خيرا.
    إذا استفدت من مشاركتي أو لم تستفد منها فادع الله أن يغفر لي

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    2,858

    افتراضي رد: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني

    جزاك الله خيرًا ونفع بك.
    وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا
    ـــــــــــــــ ـــــــــــ( سورة النساء: الآية 83 )ــــــــــــــ

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    496

    افتراضي رد: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني

    بارك الله فيك يا أخي أسامة .
    جزاك الله خيرا.
    إذا استفدت من مشاركتي أو لم تستفد منها فادع الله أن يغفر لي

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    189

    افتراضي رد: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني


    من المعلوم أن الهدف الرئيس من تعدد القراءات واختلافها هو التيسير ورفع الحرج عن الأمة في قراءة كتاب ربها عز وجل ، ولكن إلى جانب هذا الهدف احتوت ظاهرة التنوع في القراءات جوانب أخرى أعطت للنص القرآني تميزه وسموه على الكتب السماوية الأخرى وعلى النصوص البشرية النثرية والشعرية على حدٍ سواء ، مما استحق أن يتصف هذا القرآن بالإعجاز .
    وكان من بين هذه الجوانب جانب تعدد المعاني بتعدد القراءات ،إذ كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه أو توضحه القراءة الأخرى ، وبهذا اتسعت المعاني بتعدد القراءات ، إذ تعدد القراءات يقوم مقام تعدد الآيات القرآنية .

    والاختلاف والتنوع في القراءات القرآنية يشبه إلى حدٍ كبير ظاهرة تكرار القصص القرآني ، فكل آية أو واقعة تبين معنى جديداً لم تبينه الآية أو الواقعة السابقة ، ففي قصة سيدنا إبراهيم مع ضيوفه ما يجلي هذا المقصد ، فقد ذكر الله عز وجل في سورة هود رسله وأنهم قدموا على إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى : وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * [ هود : 69] ، وقال في سورة الذاريات : هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ [ الذاريات : 24-26] .*
    فنلحظ أن الله يخبر في سورة هود أنه أرسل رسله إلى إبراهيم ، بينما نرى في سورة الذاريات أنه* يبين جنس هؤلاء الرسل وهم الملائكة وأنهم منكرون لدى إبراهيم عليه السلام ، كما نرى في المشهد الأول أن إبراهيم عليه السلام يقدم لهم عجلاً يصفه الله بالحنيذ ، والحنيذ هو العجل المشوي على الرَّصف بحر الحجارة من غير أن تمسه النار مما يجعل شحمه يتقاطر حتى تنضجها *45* ، بينما نرى المشهد الثاني الذي صورته سورة الذاريات يبين أن العجل كان سميناً فهو ليس بالهزيل ، وهذا قمة إكرام الضيف ، فكل آية أعطت معنى جديداً لم تبينه الآية الأخرى .
    وكذلك الأمر في قصة سيدنا موسى ، فقد *ذُكِرَت في مواطن كثيرة من القرآن ، ومن هذه المواطن قوله تعالى : فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ [الأعراف : 107]، وفي موطن آخر قال :

    * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ * [ النمل : 10]، فالجان الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ، فهل تعارضت هاتان الآيتان ؟

    لقد ذكر العلماء تفسيراً لهذا مما قد يظنه بعض المشككين أنه اختلاف وتعارض في آيات القرآن ، يقول الزركشي : ** وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .** *46*
    فآية الأعراف بينت شكلها وهيئتها وخلقتها ، وآية النمل بينت حال تحركها واهتزازها ، فكل آية أعطت معنى جديداً لم تبينه الآية الأخرى ،وعلى هذا كثير من الآيات والقصص القرآني ،لا اختلاف ولا تناقض بين الآيات ، إنما لكل آية مقصد وهدف وغاية يقتضيه السياق وجو السورة العام .
    والاختلاف في القراءات القرآنية لا يختلف عن هذا المقصد ، إذ كل قراءة توضح وتبين معنى جديداً لم تبينه القراءة السابقة ، وبذلك تتسع المعاني وتتعدد بتعدد القراءات ، إذ كل قراءة بمقام آية ، وفي ذلك يقول ابن عاشور * ت 1393هـ* : ** على أنه لا مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل تلك الوجوه مراداً لله تعالى ، ليقرأ القراء بوجوه فتكثر من ذلك المعاني ، فيكون وجود الوجهين فأكثر في مختلف القراءات مجزءاً عن آيتين فاكثر ، وهذا نظير التضمين في استعمال العرب ، ونظير التورية والتوجيه في البديع ... ** *47* ، وبهذا يكون من مقاصد الاختلاف في القراءات القرآنية تكثير المعاني واتساعها ، ولكن من غير تناقض أو تباين في المعاني ، وسوف ندلل على هذا الأمر بما سنعرضه من بعض القراءات ، لأن هذا المقام لا يتسع لذكر القراءات جميعها ، فالأمر يتطلب دراسة أشمل وأكبر من هذا البحث ، ولكن هذه القراءات التي سنختارها ونبين المعاني التي تضمنتها سوف ترسم ملامح واضحة للموضوع يكون الدارس معها على ركيزة ثابتة يمكن أن ينطلق من خلالها ويوجه جميع الاختلاف في القراءات القرآنية من غير تناقض أو تضاد .
    - قوله تعالى : * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ *1[ البقرة :10].

    فقرأ عاصم وحمزة والكسائي * يَكْذِبُونَ * بفتح الياء وتسكين الكاف وتخفيف الذال ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر * يُكَذِّبونَ * بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الذال . *48*
    فالقراءة بالتخفيف معناها أنهم استحقوا العذاب الأليم بسبب كَذِبَهم في إظهار الإسلام والإيمان وهم في باطنهم كافرون ، فهم كاذبون في قولهم : * آمنا بالله وباليوم الآخر * .
    والقراءة بالتشديد معناها أنهم استحقوا العذاب الأليم بسبب .*تكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم
    يقول الزجاج * ت 311 هـ * : ** ويقرأ * يُكَذِّبونَ * ، فمن قرأ * يَكْذِبُونَ * بالتخفيف فإنَّ كَذِبَهُم قولهم أنهم مؤمنون ، قال عز وجل : * .** *49**وما هم بمؤمنين * ، وأما يُكَذِّبونَ بالتثقيل فمعناه بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم

    فحاصل القراءتين أن المنافقين سيعذبون العذاب الأليم بسبب كذبهم وتكذيبهم ، ففي القراءتين تنوع في المعاني ، إذ بينت إحدى القراءتين أنهم كاذبون في أخبارهم ، وبينت القراءة الأخرى بأنهم يُكَذِّبون النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله تعالى ، ومع هذا لا يقتضي هذا الاختلاف التضاد في المعنى ، لأن المراد بهما هم المنافقون ، يقول مكي ابن أبي طالب القيسي : ** والقراءتان متداخلتان ترجع إلى معنى واحد ، لأنَّ من كذب رسالة الرسل وحجة النبوة فهو كاذب على الله ، ومن كذب الله وجحد تنزيله فهو مكذب بما أنزل الله . ** *50* ، ونحو هذا ذهب الداني في باب اختلاف اللفظ والمعنى جميعاً مع جواز اجتماع القراءتين في شيء واحد من اجل عدم تضاد اجتماعهما فيه ، إذ يقول * وكذا * بما كانوا يكذبون * بتخفيف الذال وبتشديدها ، لأنَّ المراد بهاتين القراءتين جميعاً هم المنافقون ، وذلك أنهم كانوا يَكذِبون في أخبارهم ، ويُكذِّبون النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من عند الله تعالى ، فالأمران جميعاً مجتمعان لهم ، فأخبر الله تعالى بذلك عنهم وأعلمنا أنه معذبهم بهما .** *51*،وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ** في *يكذبون * قراءتان مشهورتان ، فإنهم كذبوا في قولهم * آمنا بالله وباليوم الآخر * وكذبوا الرسول في الباطن وإن صدقوه في الظاهر . ** *52* بما كانوا يَكذِبون * وقرىء **، ويقول ابن كثير * ت 774 هـ * : **وقولهم يُكَذِّبون * وقد كانوا متصفين بهذا وهذا ، فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا.** *53*
    وبهذا فإن كل قراءة زادت معنى جديداً لم تبينه القراءة الأخرى مع عدم التناقض والتضاد بينهما.

    *2- قوله تعالى : يسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [ البقرة : 219].
    فقرأ حمزة والكسائي * فيهما إثم كثير * بالثاء ، وقرأ الباقون *إثم كبير * بالباء . *54*
    فمعنى قراءة حمزة والكسائي * إثم كثير * من الكثرة ، وذلك لأن شرب الخمر يحدث معه آثام كثيرة من لغط وتخليط وسب وأيمان وعداوة وخيانة *وتفريط في الفرائض وفي غير ذلك ، فوصف بالكثرة ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [ المائدة :91]، فذكر أشياء من الإثم . *55**
    يقول أبو حيان * ت 745 هـ * : ** ووصف الإثم بالكثرة إما باعتبار الآثمين فكأنه قيل فيه : للناس آثام ، أي كل واحد من متعاطيها آثم ، أو باعتبار ما يترتب على شربها مما يصدر من شاربها من الأفعال والأقوال المحرفة ، أو باعتبار من زاولها من لدن كانت *إلى أن بيعت وشريت فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر ولعن معها عشرة بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها ومعتصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له وآكل ثمنها ، فناسب وصف الإثم بالكثرة بهذا الاعتبار . ** *56*

    أما معنى قراءة * إثم كبير * فهو من الكبر والعظم أ ي: فيها إثم عظيم ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ *: [ الشورى : 37] ، فكذلك ينبغي أن يكون * إثم كبير ** لأنَّ شرب الخمر والميسر من الكبر ، وفي هذا يقول الزجاج : ** فأما الإثم الكبير الذي في الخمر فبين ، لأنها توقع العداوة والبغضاء ، وتحول بين المرءٍ وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه . ** *57* ، ويقول مكي : ** أجمعوا على أن شرب الخمر من الكبائر فوجب أن يوصف لإثمه بالكبر .** *58*
    فحاصل القراءتين هو التأكيد على تحريم الخمر وذمها لعظيم إثمها وعقوبتها ، وكذلك لكثرة آثامها ، فلا تناقض بين القراءتين ، لأنهما في ذم الخمر وتقبيح شاربها ، فكل قراءة بينت أمراً هو فيها ، وهو من باب الاتساع في المعاني الذي لا يقتضي التضاد والتباين ، وكلتا القراءتين مراد الله عز وجل ، وفي ذلك يقول أبو حيان : ** ذكر بعض الناس ترجيحاً لكل قراءة من هاتين القراءتين على الأخرى وهذا خطأ ، لأنَّ كلاً من القراءتين كلام الله تعالى ، فلا يجوز تفضيل شيء منه على شيء من قبل أنفسنا إذ كله كلام الله تعالى . ** *59*

    *3- قوله تعالى : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ البقرة: 259 ] .*

    فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو * ننشرها * بالراء ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي * ننشزها * بالزاي . *60*
    فمعنى قراءة * ننشرها * أي : إحياؤها وبعثها بعد موتها ، أما قراءة * ننشزها * فمعناها نرفعها والإنشاز نقلها إلى موضعها برفع بعضها إلى بعض وتركبه على حالته الأولى ، فترفع العظام وتركب للإحياء ، ومنه نشوز المرأة وهو ارتفاعها على زوجها * ، ومنه قوله تعالى : * وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [ المجادلة:11] أي ارتفعوا .
    يقول الفراء : ** الإنشاز نقلها إلى موضعها ، وقرأها ابن عباس * ننشرها * ،* ثُمَّ إِذَا شَاء إنشاءها : إحياؤها ، واحتجَّ بقوله : أَنشَرَهُ [ عبس : 22] .** *61**
    وقال الزجاج : ** يقرا * نٌنْشِزُها * بالزاي و* نُنْشِرُها ، ونَنْشُرُها * بالراء فمن قرأ نُنشزها كان معناه نجعلها بعد بِلاها وهجودها ناشزة ينشز بعضها إلى بعض ، أي يرتفع ، والنشز في اللغة ما أرتفع عن الأرض ، ومن قرأ * نُنْشِرُها ، ونَنْشُرُها * فهو من أنشر الله الموتى ونشرهم ، وقد يقال وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ? [ الملك : 18 ]. ** **نَشَرهم الله أي بعثهم ، كما قال : 62*
    فحاصل القراءتين أن الله بين كيفية إحياء الموتى ، وذلك بإحياء العظام وبعثها من موتها التي كانت فيها كما دلت عليه القراءة بالراء ، وبينت القراءة بالزاي كيفية إحياء العظام ، وذلك برفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فضمن الله تعالى المعنيين في القراءتين ، وفي هذا يقول الداني : ** المراد بهاتين القراءتين جميعاً هي العظم ، وذلك أن الله تعالى أنشرها أي أحياها ، وأنشزها أي رفع بعضها إلى بعض حتى التأمت فأخبر سبحانه أنه جمع لها هذين الأمرين من إحيائها بعد الممات ورفع بعضها إلى بعض لتلتئم فضمن تعالى المعنيين في القراءتين تنبيهاً على عظيم قدرته . ** *63*

    فدل بالقراءتين على عظيم قدرته سبحانه في البعث والإحياء والتركيب من غير تناقضٍ أو تباينٍ أو تضادٍ فيهما.
    *4- قوله تعالى : وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ . [ الأنعام : 61]*
    قرأ عامة العشرة * وهم لا يُفَرِّطُون * بتشديد الراء ، وقرأ الأعرج * وهم لا يُفْرِطُون * بتخفيف الراء وسكون الفاء . *64*
    فمعنى قراءة العامة أن الملائكة لا يقصرون فيما يؤمرون به من توفي من تحضره المنية ولا يغفلون ولا يتوانون ، أما قراءة الأعرج * لا يُفْرِطُون * فهو من الإفراط أي الزيادة ، فهم لا يزيدون ولا يتوفون إلاَّ من أمروا بتوفيه لا يتجاوزن الحد في ذلك ، قال ابن جني * ت 392 هـ * : ** يقال أفرط في الأمر إذا زاد فيه ، وفرَّط فيه إذا قصَّر، فكما أن قراءة العامة * لا يُفَرِّطُون *لا يقصرون فيما يؤمرون به من توفِّي من تحضر منيته ، فكذلك أيضاً لا يزيدون ، ولا يَتَوَفَّون إلاَّ من أُمِرُوا بتَوَفِّيه ، ونظيره قوله جل وعز : * وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * [ الرعد : 8 ] . ** *65*
    فدل بالقراءتين على أن الملائكة يفعلون ما يؤمرون به دون زيادة أو نقصان فكل قراءة وضحت معنى هو من مراد الله عز وجل دون تضاد أو تناقض ، وهو من باب التوسع في المعاني من غير تباين في معاني القراءات . *66* ، وفي هذا يقول الزمخشري * ت538 هـ * : ** و * يفرطون * بالتشديد والتخفيف ، فالتفريط التواني والتأخير عن الحدِّ ، والإفراط مجاوزة الحدِّ ، أي لا ينقصون مما أمروا به ولا يزيدون فيه .** *67*
    *5- قوله تعالى : وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ، وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ، وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ [ التكوير :* 22-25] .

    قرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة * بِضنين * بالضاد ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس * بظنين * بالظاء . *68*
    فالقراءة بالضاد * بضنين * فمن الضنة وهي البخل ، أي معناها ما هو على الغيب ببخيل ، أما القراءة بالظاء * بظنين * فمن الظنة وهي الاتهام ، أي ما هو على الغيب بمتهم .
    يقول الفراء : ** حدثني قيس بن الربيع عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال : أنتم تقرءون * بضنين * ببخيل ، ونحن تقرأ * بظنين * بمتهم ، وقرأ عاصم وأهل الحجاز وزيد بن ثابت * بضنين * وهو حسن ، يقول : يأتيه غيب السماء وهو منفوس فيه فلا يضن به عنكم ، فلو كان مكان على ، عن صلح أو الباء كما تقول : ما هو بضنين بالغيب ، والذين قالوا : بظنين احتجوا بأن على تقوي قولهم ، كما تقول : ما أنت على فلان بمتهم . ** *69* ، ونحو هذا ذهب الزجاج بقوله : **فمن قرأ بظنين فمعناه ما هو على الغيب بمتهم وهو الثقة فيما أداه عن الله جل وعز ، يقال ظننت زيداً في معنى اتهمت زيداً ، ومن قرأ * يؤدي عن الله ويُعَلِّمُ كتاب الله*بضنين * فمعناه ما هو على الغيب ببخيل ، أي هو . ** *70*
    ويقول ابن خالويه * ت 370 هـ * : ** قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي * بظنين * بالظاء ، أي : بمتهم ، يقال : بئرٌ ظنينٌ ، إذا كان لا يُوثَقُ بها .
    وقرأ الباقون * بضنين * بالضاد ، أي : ببخيل ، أي ليس بخيل بالوحي بما أنزل الله من القرآن فلا يكتمه أحداً ، تقول العرب : ضننت بالشيء أضن به : إذا بخلت به ، ويُنشد :
    مَهْلاً أعَاذِلُ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي إنِّي أجُوْدُ لأقوامٍ وإنْ ضَنَنُوا. ** *71*

    ولم يشذ عن هذه المعاني جمهور المفسرين وأصحاب كتب علل القراءات *72* ،كما أورد أصحاب كتب النظائر بين الظاء والضاد ما يؤكد ما ذهب إليه أصحاب كتب التفسير ، ومعاني القرآن، وعلل القراءات ، لكن المفيد في الكتب التي اختصت بالحديث عن الظاء والضاد هو انفرادها برواية النظائر بشيء من التوسع والشمول والاعتماد على ما قرره علماء اللغة في معجماتهم ، كما أنها أصبحت مضان الدارسين في هذا الباب ، لأنها عالجت ما أصاب بعض المتأخرين من الخلط بين الحرفين في النطق مع أن معناهما مختلف في بناء الكلمة ، فوضعت هذه الكتب الضوابط للتفريق بين الحرفين مع ذكر المعاني التي تدل عليها هذه الألفاظ .
    يقول السرقوسي * ت نهاية القرن السادس ** ويكون الظَّنُّ بمعنى الشكَ والتهمة ، قال الله تعالى : مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ [ النساء:157 ] مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً * [ الجاثية : 32 ] واختلف في سورة التكوير في قوله : وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ، فقُرىء بالظاء على معنى التهمة ، وقُرىء بالضاد على*
    معنى البخيل * وما هو على الغيب بضنين * أي : ببخيل . ** *73*
    ويقول ابن مالك * ت 672 هـ * : ** فأما * الضنُّ * بالضاد فمصدرُ ضنَّ بالشيء ضَنّاً وضِنّاً وضَنَانَةً إذا بَخِلَ به وشَحَّ ، واضنينُ : البخيلُ ، وقُرِىء : * وما هو على الغيب بضنين * ...
    وأما * الظنُّ * بالظاء : التُهمةُ ، وقُرىء * وما هو على الغيب ، لأنه ليس*بظنين * أي بمتهم ، وكلاهما بالظاء والضاد متوجهان في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم ببخيل ولا بمتهم . ** *74*

    وبهذا يتحصل أن القراءتين وإن اختلف لفظهما فلم يتناقض أو يتضاد معناهما ، بل تصدق بعضهما بعضاً ، وكل قراءة تزيد معنى جديداً تكمل به القراءة الأخرى ، فالمراد بهاتين القراءتين جميعاً هو النبي صلى الله عليه وسلم غير متهم فيما أخبر به عن الله تعالى وغير بخيل بتعليم ما علمه الله وأنزله إليه فقد انتفى عنه الأمران جميعاً ، فأخبر الله تعالى عنه بهما في القراءتين . *75*
    من خلال ما تقدم يتبين بشكل جلي أن الاختلاف في القراءات القرآنية هو اختلاف تنوع وتغاير ، وليس اختلاف تناقض أو تضاد ، إذ ليس في شيء من القراءات تنافٍ ولا تضاد ولا تناقض ولا تباين ، وإن من مقاصد هذا الاختلاف هو التكثير من المعاني في الآية الواحدة ، فكانت كل قراءة تلقي الضوء على جانب معين لم تبينه القراءة الأخرى ، وكأن الموضوع مجموعة صور لمسجد أو بيت كل صورة تبين أو تزيد شياً جديداً لم تبينه الصورة الأخرى ، مع أن جميع الصور هي لمكانٍ واحد .



    من بحث الأستاذ إياد بن سالم بن صالح السامرائي
    مدرس بكلية التربية بسامراء – قسم علوم القرآن
    [ الاختلاف في القراءات القرآنية وأثره في اتساع المَعاني ]
    المبحث الثالث .. القراءات والمعنى ..


    { وإذا الدَّعَاوَى لَم تَقُمْ بِدَلِيلِهَا بالنَّصِّ فَهِِيَ عَلَى السِّفَاهِ دَلِيلُ ..

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    المشاركات
    496

    افتراضي رد: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني

    أختنا الكريمة الفاضلة أم تميم
    جزاك الله خير الجزاء و أسدل لك العطاء وأسبغ عليك النعم بسخاء وجمعنا وإياك مع النبيين والصديقين والشهداء.
    هذه هى المباني بحق بارك الله فيك .
    هلا تكرمت ورفعت لنا البحث كاملا
    إذا استفدت من مشاركتي أو لم تستفد منها فادع الله أن يغفر لي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    المشاركات
    189

    افتراضي رد: تشييد المباني لبيان أن اختلاف القراءات يفيد زيادة فى المعاني


    اللهم آمين ، وإياكم

    تفضلوا البحثَ كاملًا ..
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة
    { وإذا الدَّعَاوَى لَم تَقُمْ بِدَلِيلِهَا بالنَّصِّ فَهِِيَ عَلَى السِّفَاهِ دَلِيلُ ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •