تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: من شروط الحديث الصحيح: ضبط الرواة

  1. #1

    افتراضي من شروط الحديث الصحيح: ضبط الرواة

    يقصد بالضبط "تيقظ الراوي، وفهمه لما يسمعه فهماً دقيقاً، وثباته على ذلك من وقت التحمل إلى وقت الأداء ويعم من يترجح حفظه على نسيانه. فإن كان يحدث من كتابه اشْتْرط أن يكون محافظاً عليه من وقت أن أثبت فيه سماعه إلى أن يُؤدي منه، بأن لا يعيره من لا يثق به، ولا يمَكِّن أحداً من التصرف فيه. فإن روي بالمعنى اشترط أن يكون عالماً بدلالة الألفاظ، بحيث يُؤمَن من إبدال لفظ يختل به المعنى، فإن كان ضعيف الذاكرة، أو قليل الفهم، أو كثير الأغلاط لم يقبل خبره، لأن الحديث مما يجب الاحتياط له، فلا يقبل منه إلا ما تحقق ثبوته أو غلب على الظن؛ فخبر الذي يقع منه السهو والغفلة كثيراً لا يؤمن أن يقع في روايته من الزيادة والنقص والتغيير ما يختل به المعنى، فيجب التوقف فيه حتى يتقوى بغيره.([1])
    وينقسم الضبط إلى قسمين: ضبط صدر, وضبط كتاب. فأما ضبط الصدر فهو أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء, وأما ضبط الكتاب فهو صيانته عنده من يوم سمع ما فيه, وصححه إلى أن يؤدي منه([2])
    ونقل ابن جماعة إجماع جماهير الأئمة "علي أنه يشترط فيمن يحتج بحديثه العدالة والضبط, فالعدالة أن يكون مسلما بالغا عاقلا سليما من أسباب الفسق وخوارم المروءة, والضبط أن يكون متيقظا حافظا إن حدث من حفظه ضابطا لكتابه إن حدث منه, عارفا بما يحيل المعنى إن روي به ... ويُعرف ضبطُه بموافقة روايته روايات الثقات المتقنين غالبا ولو في المعني, ولا تضر مخالفة نادرة([3]) وثمة تفاوت بين الرواة في ضبط ألفاظ الحديث النبوي الشريف, جعله الشيخ طاهر الجزائري مراتب ثلاث : عليا ووسطى ودنيا([4])
    وقد حاولت أن أجري تطبيقا علي بعض كتب الجرح والتعديل لأقف علي حقيقة ضبط الرواة من خلال حديث نقاد الحديث عنهم, فاخترت الجزء الأول من كتاب (تهذيب التهذيب) للحافظ ابن حجر العسقلاني([5])؛ لأنه يترجم لرواة الكتب الستة المشهورة ويذكر شيئا من الجرح والتعديل الذي قيل في حق الراوي. ثم قسمت الرواة من ناحية الضبط إلى ثلاثة أقسام كما أشار لذلك الشيخ طاهر الجزائري, وكانت حصيلة بحثي:
    الرواة الذين في المرتبة العليا من الضبط والحفظ:
    -أبو مسعود الرازي: حيث قال عنه احمد بن حنبل: "ما تحت أديم السماء أحفظ لأخبار رسول الله r من أبي مسعود"([6]) وقال أبو بكر بن أبي شيبة: "أحفظ من رأيت ثلاثة: أبو مسعود, وأبو زرعة, وأبو وارة"([7]). وقال ابن معين: "ما رأيت أسود الرأس أحفظ منه"([8])
    وما قيل عن أبي إسحاق البصري بأنه كان يحفظ حديثه([9]) ومن العبارات التي قيلت عن أحد الرواة أنه " لم يكن مثله في الحفظ والورع "([10])
    وما قيل عن إسحاق بن الفرات من أنه: "قرأ الموطأ بمصر من حفظه فما أسقط منه حرفا([11])
    وكان إسرائيل بن موسي يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ السورة في القران, وكان أحمد بن حنبل يتعجب من حفظه([12])
    ومن أبرز من وجدته ضبطا وحفظا إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي نزيل نيسابور المعروف بإسحاق بن راهويه, شيخ البخاري ومسلم وغيرهما من الأئمة, قال عنه ابن خزيمة: والله لو كان في التابعين لأقروا له بحفظه وعلمه وفقهه, وقال عنه أبو داود الخفاف: سمعت إسحاق يقول: "لكأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي, وثلاثين ألف حديث أسردها". وقال عنه أيضا: "أملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه, ثم قرأها علينا فما زاد حرفا ولا نقص حرفا". وقال أبو حاتم: "ذكرت لأبي زرعة إسحاق وحفظه للأسانيد فقال أبو زرعة: "ما روى أحفظ من إسحاق". قال أبو حاتم: "والعجب من إتقانه وسلامته من الغلط مع ما رزق من الحفظ"([13]).
    أما المرتبة الوسطي: فهي التي عليها كل الرواة ما عدا المرتبة الأولى والثالثة؛ لان المرتبة العليا هي القدر الزائد عن شرط الأئمة في الضبط, فالذي حُرِمَ سعة الحفظ إما أن يستعين بالكتابة, وإما أن يروي بالمعني إن كان أهلا لها, وإما أن يقلَّ من الرواية ويكتفي بما حفظ من الأحاديث خاصة إذا كان ممن لا يرى جواز الرواية بالمعني.
    أما المرتبة الدنيا من الضبط: فيمكن التقديم لها بسؤال عبد الرحمن بن أبي حاتم لأبيه: "ما معني لا يحتج بحديثهم؟ فقال أبو حاتم: "كانوا قوما لا يحفظون فيحدثون بما لا يحفظون فيغلطون, ترى في أحاديثهم اضطرابا ما شئت"([14])
    ومن أوصاف هذه المرتبة أن صاحبها "حدث بأحاديث من حفظه فاخطأ فيها"([15]) أو أنه "سيء الحفظ له تخليط"([16]) أو أنهم "يتكلمون في حفظه"([17]) وكان من الرواة من "اتفقوا علي ضعفه لسوء حفظه"([18]), ومن "لم يرضوا حفظه"([19]) ومنهم من "كان سيء الحفظ وهو من أهل الصدق ... وليس معه كتب, فحدث من حفظه, وكان لا يحفظ"([20])
    وقد لاحظت بعض الظواهر الجديرة بالذكر؛ لأنها تنم عن مدى دقة علماء الجرح والتعديل في حكمهم علي ضبط الرواة وحفظهم واهتمامهم بذلك غاية الاهتمام.
    ـ فمن ذلك ما يحكى أن أبا معمر حدث بالموصل بنحو ألفي حديث حفظا فلما رجع إلي بغداد, كتب إليهم بالصحيح من أحاديث كان قد أخطأ فيها([21]) .
    ـ ومنها تفريقهم بين رواية الراوي في أرض دون أرض "وأما روايته عن أهل الحجاز, فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم"([22]) .
    ـ ومنها تفريقهم بين رواية الراوي في زمان دون زمان "قال ابن حبان: كان إسماعيل من الحفاظ المتقنين في حديثهم, فلما كبر تغير حفظه, فما حفظ في صباه وحداثته أتى به علي جهته, وما حفظ علي الكبر من حديث الغرباء خلط فيه, وأدخل الإسناد في الإسناد, وألزق المتن في المتن وهو لا يعلم, فمن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه بكثير خرج عن حد الاحتجاج به .([23])
    ـ وقد يكون أحد الرواة ذا جلالة ومكانة عند أهل العلم, ولكنه "إذا انفرد بحديث لم يقبل منه لسوء حفظه"([24])
    ـ ومن الرواة من ضعفه جمهور العلماء لسوء حفظه حتى قال فيه عبد الله بن المبارك: "لقد مَنَّ الله على المسلمين بسوء حفظ أبي إسرائيل"([25])


    ([1]) انظر:(أخبار الآحاد في الحديث النبوي) عبدالله بن عبدالرحمن بن عبدالله بن الجبرين

    ([2]) انظر: التقريرات السنية شرح المنظومة البيقونية, لحسن محمد المشاط [ ت 1399هـ] صـ 13, ونزهة النظر للحافظ ابن حجر صـ29, توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار, للأمير الصنعاني ج1/صـ8, فتح المغيث للسخاوي 1/16 ـ 18 وتوضيح الرغبة في توضيح النخبة للخضير 58

    ([3]) المنهل الروي صـ 63, وانظر: تدريب الراوي 1/301 ـ 304

    ([4]) انظر: توجيه النظر 1/100 ـ 105

    ([5]) نسخة الباحث تتألف من اثني عشر جزءا

    ([6]) تهذيب التهذيب ج1/صـ 58

    ([7]) السابق 1/58

    ([8]) السابق 1/58

    ([9]) السابق ج 1/صـ12

    ([10]) السابق ج 1/صـ196

    ([11]) المرجع السابق ج1/صـ215

    ([12]) السابق ج 1/صـ229

    ([13]) المرجع السابق 1/191ـ 192

    ([14]) المرجع السابق ج 1 /صـ146

    ([15]) السابق 1/197

    ([16]) السابق 1/420, وانظر أيضا 1/276, 1/324

    ([17]) السابق 1/222

    ([18]) السابق 1/307

    ([19]) السابق 1/354

    ([20]) السابق 1/357

    ([21]) السابق 1/239

    ([22]) السابق 1/282

    ([23]) السابق 1/283


    ([24]) السابق 1/283

    ([25]) السابق 1/256
    تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ ... عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: من شروط الحديث الصحيح: ضبط الرواة

    بوركت أيها الشيخ
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •