تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: النبوغ

  1. #1

    افتراضي النبوغ

    النبوغ


    مصطفى لطفي المنفلوطي


    من العجز أن يزدري المرء نفسه فلا يقيم لها وزناً، وأن ينظر إلى من فوقه من الناس نظر الحيوان الأعجم إلى الحيوان الناطق، وعندي أن من يخطئ في تقدير قيمته مستعلياً خير ممن يخطئ في تقديرها متدنياً؛ فإن الرجل إذا صغرت نفسه في عين نفسه يأبى لها من أعماله وأطواره إلا ما يشاكل منزلتها عنده؛ فتراه صغيراً في علمه، صغيراً في أدبه، صغيراً في مروءته وهمته، صغيراً في ميوله وأهوائه، صغيراً في جميع شؤونه وأعماله؛ فإن عظمت نفسه عظم بجانبها كل ما كان صغيراً في جانب النفس الصغيرة.
    ولقد سأل أحدُ الأئمة العظماء ولدَه - وكان نجيباً -: أيُّ غاية تطلب في حياتك يا بني؟ وأي رجل من عظماء الرجال تحب أن تكون ؟
    فأجابه: أحب أن أكون مثلك، فقال: ويحك يا بني لقد صغرت نفسك، وسقطت همتك؛ فلتبك على عقلك البواكي، لقد قدّرت لنفسي يا بني في مبدأ نشأتي أن أكون كعلي بن أبي طالب؛ فما زلت أجدُّ، وأكدح حتى بلغتُ تلك المنزلة التي تراها، وبيني وبين علي ما تعلم، من الشأو البعيد والمدى الشاسع؛ فهل يسرك، وقد طلبت منزلتي أن يكون ما بينك وبيني من المدى مثل ما بيني وبين عليّ ؟
    كثيراً ما يخطئ الناس في التفريق بين التواضع وصغر النفس، وبين الكبر وعلو الهمة، فيحسبون المتذلل المتملق الدنيء متواضعاً، ويسمون الرجل إذا رفع بنفسه عن الدنايا، وعرف حقيقة منزلته من المجتمع الإنساني متكبراً.
    وما التواضع إلا الأدب، ولا الكبر إلا سوء الأدب؛ فالرجل الذي يلقاك متبسماً متهللاً، ويقبل عليك بوجهه، ويصغي إليك إذا حدثته ويزورك مهنئاً ومعزيا- ليس صغير النفس كما يظنون، بل هو عظيمها؛ لأنه وجد التواضع أليق بعظمة نفسه؛ فتواضع، والأدبَ أرفعَ لشأنه؛ فتأدب.
    فتى كان عذب الروح لا من غضاضة ولكنَّ كبراً أن يقال به كبر
    فإذا بلغ الذل بالرجل ذي الفضل أن ينكس رأسه للكبراء، ويتهافت على أيديهم وأقدامهم لثماً وتقبيلاً، و يتبذل بمخالطة السوقة والغوغاء بلا ضرورة ولا سبب، ويكثر من شتم نفسه، وتحقيرها، ورميها بالجهل والغباوة، ويبصبص برأسه، وهو سائر في طريقة بصبصة الكلب بذنبه، ويجلس في مدارج الطرق، وعلى أفواه الدروب جلسة البائس المسكين- فاعلم أنه صغير النفس، ساقط الهمة، لا متواضع، ولا متأدب.
    إن علو الهمة إذا لم يخالطه كبر يزري به، ويدعو صاحبه إلى التنطع وسوء العشرة - كان أحسنَ ذريعة يتذرع بها الإنسان إلى النبوغ في هذه الحياة، وليس في الناس من هو أحوج إلى علو الهمة من طالب العلم؛ لأن حاجة الأمة إلى نبوغه أكثر من حاجتها إلى نبوغ سواه من الصانعين والمحترفين، وهل الصانعون والمحترفون إلا حسنة من حسناته، وأثر من آثاره؟

    بل هو البحر الزاخر الذي تستقي منه الجداول والغدران.

    فيا طالب العلم كن عالي الهمة، ولا يكن نظرك في تاريخ عظماء الرجال نظراً يبعث في قلبك الرهبة والهيبة؛ فتتضاءل وتتصاغر كما يفعل الجبان المستطار حينما يسمع قصة من قصص الحروب، أو خرافة من خرافات الجان، وحذار أن يملك اليأس عليك قوتك وشجاعتك؛ فتستسلم استسلام العاجز الضعيف، وتقول: من لي بِسُلَّم أصعد فيها إلى السماء حتى أصل إلى قبة الفلك؛ فأجالس فيها عظماء الرجال؟
    يا طالب العلم، أنت لا تحتاج في بلوغك الغاية التي بلغها النابغون من قبلك إلى خلق غير خلقك، وجو غير جوك، وسماء وأرض غير سمائك وأرضك، وعقل وأداة غير عقلك وأداتك.

    ولكنك في حاجة إلى نفس عالية كنفوسهم، وهمة عالية كهممهم، وأمل أوسع من رقعة الأرض، وأرحب من صدر الحليم، ولا يقعدن بك عن ذلك ما يهمس به حاسدوك في خلواتهم من وصفك بالوقاحة أو بالسماجة؛ فنعم الخلق هي إن كانت السبيل إلى بلوغ الغاية؛ فامض على وجهك، ودعهم في غيهم يعمهون.
    جناحان عظيمان يطير بهما المتعلم إلى سماء المجد والشرف: علو الهمة والفهم في العلم، أما علو الهمة فقد عرفته، وأما الفهم في العلم، فإليك الكلمة الآتية:
    العلم علمان: علم محفوظ وعلم مفهوم، أما العلم المحفوظ؛ فيستوي صاحبه فيه مع الكتاب المرقوم، ولا فرق بين أن تسمع من الحافظ كلمة، أو تقرأ في الكتاب صفحة؛ فإن أشكل عليك شيء مما تسمع، فانظر إن نطق الكتاب بشرح مشكلاته، نطق الحافظ بتفسير كلماته.
    الحافظ يحفظ ما يسمع؛ لأنه قوي الذاكرة، وقوة الذاكرة قدر مشترك بين الذكي والغبي والنابه والخامل؛ لأنَّ الحفظ ملكة مستقلة بنفسها عن بقية الملكات: وإنك لترى الشيخ الفاني الذي لا يميز بين الطفولة والهرم، والذي يبكي على الحلوى بكاء الطفل عليها، ويرتعد فرقاً حينما يسمع ابنته تخيف طفلها بأسماء الجن والشياطين، ويسرد ذلك من تواريخ شبيبته وكهولته ما لو دوَّنته لكان تاريخاً صحيحاً ضخماً مملوءاً بالغرائب والنوادر؛ وقيل لأحد العلماء: إن فلاناً حفظ متن البخاري، فقال: لقد زادت نسخة في البلد
    ذلك هو السر العظيم في كثرة المتعلمين وقلة العاملين؛ لأن من فهم معلوماً من المعلومات حق الفهم أُشْرِبَتْه روحه، وخالط لحمه ودمه، ووصل من قلبه إلى سويدائه، وكان إحدى غرائزه، فلا يرى له أبداً من العمل به رضي أم أبى
    لولا أن العلم الديني قد أصبح اليوم علماً محفوظاً لما وجدت في العلماء من يجمع بين اعتقاد الوحدانية وبين التردد على أبواب الأحياء والأموات في مزاراتهم وفي مقابرهم يسألهم المعونة والمساعدة على قضاء الله وقدره، ولا وجدت بين الذين يحفظون قوله -تعالى-[قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ]الأعراف: 188.

    مَنْ يُسْنِد النفع والضر إلى كل من سال لعابه، وتمزق إهابه، ولا وجدت في الناس كثيراً من ضعفاء العزيمة الذين يحفظون ما ورد على ألسنة الأنبياء والحكماء من مدح الفضائل وذم الرذائل، ثم لا تجد فرقاً بينهم وبين العامة في ارتكاب المنكرات والنفور من الصالحات.
    لو كان العلم المحفوظ علماً - وهو على ما نشاهد ونعلم من سوء الأثر وقلة الجدوى - ما مدح العلم في كتاب ولا سنة، ولا قدَّسه كاتب، أو ترنم بمدحه شاعر، فإذا سمعت ذكر العلم فاعلم أنه العلم المفهوم لا المحفوظ، وآية فهم المعلوم تأثر العالم به، وظهوره في حركاته وسكناته، وترقرقه في شمائله، ولا تثق بالحافظ فيما ينقل إليك، فربما مرَّ بالمعلوم مُحَرَّفاً فأخذه على علاته.

    وأقبح ما عرفنا من أطواره أنه يجمع في حافظته بين النقيض ونقيضه، والغث والسمين، والجيِّد والزائف، فكأن ذاكرته حانوت عطَّار اختلطت فيها الأدوية الشافية، بالعقاقير السامة.

    وجملة الأمر أن الحافظ البحت لا رأي له في مبحث فيسأل عن مذهب، ولا أثر لمعلوماته في نفسه فيقتدى به، ولا ذوق له في الفهم فيعتمد على شرحه وتأويله.
    أما العلم المفهوم فهو الواسطة التي إذا جمع المتعلم بينها وبين علو الهمة طار إلى المجد بجناحين، وكان له سبيل مختصر إلى منزلة العظماء ودرجة النابغين.
    والعلم سلسلة طويلة طرفاها في يدي آدم أبي البشر وإسرافيل صاحب الصور[2]، ومسائله حلقات يصنع كل نابغة من النوابغ في كل عصر من العصور واحدة منها، ولن يبلغ المتعلم درجة النبوغ إلا إذا وضع في العلم الذي مارسه مسألة، أو كشف حقيقة، أو أصلح هفوة، أو اخترع طريقة، ولن يسلس له ذلك إلا إذا كان علمه مفهوماً لا محفوظاً، ولا يكون مفهوماً إلا إذا أخلص المتعلم إليه، ولم ينظر إليه نظر التاجر لسلعته، والمحترف لحرفته؛ فالتاجر يجمع من السلع ما يتفق سوقه، لا ما يغلو جوهره، والمحترف لا يهمه من حرفته إلا لقمة الخبز وجرعة الماء، أحسن أم أساء.
    لا يزور العلم قلباً مشغولاً بترقب المناصب، وحساب الرواتب، وسَوْقِ الآمال وراء الأموال، كما لا يزور قلباً مقسماً بين تصفيف الطُّرَّة، وصقل الغرَّة، وحسن القوام، وجمال الهندام، وطول الهيام بالكأسين: كأس المدام، وكأس الغرام.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: النبوغ

    كلمة جميلة......

    لكن ماذا يفعل المبدع النابغ إذا كانت أمته وقومه لا يقدرون نبوغه وإبداعه فهو ساع في استرجاع مجدهم وهم ساعون في قتل روح الإبداع في صدره؟

    قل لي بربك ماذا يفعل؟!!

    إذا كان يعيش في وسط استوى فيه الذكي والغبي والجاهل والعالم والمبدع والتافه ؟
    ماذا يفعل؟!

    هل يرحل لقوم غير قومه وأمة غير أمته ممن يقدر النبوغ ويحترم أهله؟

    أم يعتزل في مكتبته ويصحب معه نعجة الأخفش؟!
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    2,120

    افتراضي رد: النبوغ

    لكن ماذا يفعل المبدع النابغ إذا كانت أمته وقومه لا يقدرون نبوغه وإبداعه فهو ساع في استرجاع مجدهم وهم ساعون في قتل روح الإبداع في صدره؟

    قل لي بربك ماذا يفعل؟!!

    إذا كان يعيش في وسط استوى فيه الذكي والغبي والجاهل والعالم والمبدع والتافه ؟
    ماذا يفعل؟!

    هل يرحل لقوم غير قومه وأمة غير أمته ممن يقدر النبوغ ويحترم أهله؟

    أم يعتزل في مكتبته ويصحب معه نعجة الأخفش؟
    هذه مزلة أقدام المبدعين,,وهو من أسباب انحراف الكثير من العباقرة الذين لم ينالوا ما يرون أنه موجب ما يقتضيه تميزهم من احتفاء الناس بهم وتقديمهم..فهي إذن رذيلة خفية أن تتسلل إلى المبدع..فيتطلب لإبداعه إشادة , ولفكره حفاوة
    قال لي الشيخ المبدع الهدلق إنه زار المفكر العبقري النصراني الصعيدي :وديع فلسطين
    فوجد عليه سحابة من الكآبة تظلله مع ما هو عليه من شيخوخة تجلله
    وهو يشكو عدم تقدير الناس لعلمه حتى ذوي وذبل

    لاشك أن التقدير مطلوب من الناس , لكن لا يليق بطالب العلم أن يؤثر عليه ذلك
    بل يجتهد في الإخلاص دفعا للإخلاد الناشيء عن إهمال الناس لعلمه وفكره

    وفي الشهرة والانغمار أسرار لطيفة ,,بعضها قد يُعلم وبعضها قد يخفى
    والله المستعان
    وعليه التكلان

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,089

    افتراضي رد: النبوغ

    نعم صدقت وصدق الشيخ الهدلق
    لكن مرادي شيء آخر

    المراد باختصار أسوقه في مثال:
    دخل عالم ٌ أو مبدع قرية فجالس أهلها فجعل يحدثهم بما عنده من فوائد هي عند العقلاء لا تقدر بثمن فلم يكترثوا بما يقول وانفضوا من حوله وبقي وحيدا
    ثم دخل ورائه مغني فجعل يغني لهم فطربوا له وجالسوه
    ثم دخل فاسق ...
    ثم دخل جاهل...
    فلم وجد هذا العالم وأمثاله الأمر هكذا فمن استطاع الخروج من القرية خرج وبحث عن قوم غيرهم ينشر بينهم إبداعاته
    ومن لم يستطع الخروج صحب نعجة الأخفش وأدخلها في مكتبته واعتزل أهل القرية وجعل يعرض عليها إبداعاته

    والإخلاص عزيز وأمر خفي
    بارك الله فيكم
    قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176:
    " لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض "

  5. #5

    افتراضي رد: النبوغ

    رحمك الله يا منفلوطي
    قال بعض الناس :
    نحن بحاجة لأن نفهم قبل أن نتعلم ...
    هناك فرق بين أن تجبن عن الفهم و الإستقصاء و تعبد الله بهذا الجبن و تظنه ورعا ً و طيب خلق وبين أن توقر من سبقك من الأئمة و لا تترك قولهم تعالياً و تعالماً ...
    ومن لم يتجاوز أقوال الناس لن يصل إلى قول " يوقن به " ... و الرجوع أحمد إن لم تجد وراء ما قالوا ما يحمد من القول والعلم ... و لا يزال الله يرزق و لا يزال القرآن العزيز لا تفنى عجائبه غير أن الجبناء تزينوا بقول فلان و فلان و هم لا يعون ما قال و لا لم قال ؟ غير أنها حربة يطعنون بها كل من يخالفهم ...
    من أنت كي تخالف الأئمة ؟...
    جبنوا ويدعونني إلى الجبن .... تواضعاً , زعموا ...
    نحن نعيش في عصر لا يقبل الا من يستوعب و يفهم و يقاتل عن عقيدة و يقين و فهم صحيح حاذق لنصوص الشريعه ...
    تعالوا نثق بأنفسنا ...لكي يثق بنا الناس !
    قال أحد الطلبة للشيخ عبد الكريم الخضير :
    من قال بهذا القول الذي ذكرته يا فضيلة الشيخ ؟
    فقال الشيخ : أنا ! .
    فلو لم يثق هذا الرجل بنفسه لما تعلم و لما ارتقى المرقى الذي لا يرتقيه الجبناء ...
    ولا يزال شيخنا يقول : سألت شيخنا ابن باز ...و سمعت شيخنا ابن باز ...
    و يصعب علي ترك قول الجمهور ...
    ولكن هذا لم يمنعه أن يخالف عندما يفهم و يوقن و يلمس ما لم يلمسه الآخرون !
    رحم الله الشيخ ابن عثيمين أو غيره حينما قال في مسألة ، فقيل له : لكن قول الجمهور كذا .! فقال : " لست جمهوريا!!".
    ورحم الله المحدث الألباني حينما خالف ابن حجر - رحمه الله - في حكم على راوي ، فقيل له : لكن ابن حجر يقول كذا..، فقال : لست حجريا!!.
    المشكلة في كل مقال يكتب تجد أن الرد فيه يكون هجوماً مدججاً بالتهم و تصاغرا لرأي الكاتب لمجرد أن القارئ وجد في كلامه نكهة لا تروق له ! .
    مازلنا نبتعد عن الموضوعيه و مازلنا نمارس الغضب العشوائي بل و نعبد الله به فكلمتين في تعظيم السلف و مدح علمهم كفيلة بأن تجعلك الحكيم وتجعل خصمك مجرماً أثيماً يتحذلق على أهل العلم !.
    برغم كل ما قيل كان الواجب على كل من رد أن يبحث عن المعاني الطيبه فيما قيل قبل أن يبحث عن مطاعن يعمل فيها جام " ورعه و حبه للمتقدمين " فينخر بها نية أخيه و يثلم بها شخصيته بل و يتقول عليه ! و يلبسه من شنيع الصفات ما يشاء !.
    أوليست طريقة السلف في فهم النصوص أن تفهم النص على مراد من جاء به ؟ ... فمالنا نقعّد القواعد ثم نخلع ربقتها متى شئنا ؟
    ما العيب في أن نخالف أقوال الأئمة حال التفقه و لا تقف عندها ؟
    أليس الفقه ربط للحكم من مصادره بواقع حال المكلفين ؟ فهل كان الأئمة يعانون من كل ما نعاني اليوم ؟
    قال الشيخ ابن جبرين : شاع عن السلف أن الجماعة الثانية في المسجد باطله !
    وهذا قول غير صحيح ولكنهم كانوا يشددون في ذلك لأن أهل البدع كانوا يتعمدون التأخر واقامة جماعة خاصة بهم فأراد أئمة السلف دحرهم بمثل هذا القول .
    فكل زمان له معطيات و له معان ٍ جديده نستفيد ممن سبقنا التفريع في المسائل و كيف يبنى التفريع وعلى اي أساس ثم نأتي نحن ونفرع كما فرعوا و نربط عمومات الشريعه بخصوصاتها لأن كل يوم نازله وكل يوم تطلع فيه الشمس تطلع على أمة من المعاملات الجديده ومن لم يفهم حق الفهم و لم يكن له قلب شجاع يدرك و يعي و يجتهد لن يبلغ أن يكون حجة لله على خلقه بل لن يبلغ أن يكون حجة على أي شئ .
    لو جاء رجل الآن و جمع ماءه وماء امرأة في رحم أخرى فنتج ولد !
    هل يقام حد الزنا ؟
    بأي المرأتين يلحق الولد؟
    ماذا عن الرجل ؟
    هذا يحدث و حدث ! و سيحدث اكبر منه و نحن ننقف أنوفنا ونتغنى بتعظيم السلف !
    وهل ريم للسلف جانب كي تذكرني كل ساعة بقدرهم ؟
    و هل أنا إلا خرزة في وشيهم ؟ و امتداد لعلمهم ؟ ... كيف تؤجر و أنت تجحد من نقل لك الدين و فتح عيميك على ابوابه ومنافذه ؟
    أي أحمق هذا الذي يقول : جئت فعرفتها لوحدي ؟
    ولكننا مازلنا نحفظ حتى المسائل ! تخيل رجل يحفظ مسائل العلم ؟
    فإذا جاءت مسألة جديدة لم يجد لها حل و لم يستطع أن ينظر فيها !؟
    هناك من المسائل التي تطرح في بعض المنتديات ولاتجد من يشارك مجرد المشاركة برأيه فالحذق من يأتي بفتوى من موقع اسلام نت أو اسلام سؤال و جواب أو يقطع لنا عبارتين من المغني أو الفتح و يلصقها و يختمها بدعاء بالتوفيق والسداد ! .
    لماذا لا يتكلم الناس بفهومهم ؟
    ألستم طلبة علم ؟
    أين علمكم ؟
    سائل يسأل " هل يصح الاستجمار بالأسمنت؟ "
    يقرأ الموضوع ما يزيد على 1000 متصفح ليس فيهم من يجتهد في مناقشة الموضوع؟
    أي ورع هذا ؟ ...
    ولكن الموضوع الذي يتاح فيه مجال اللصق و الترقيع يدخله الجموع و يشارك فيه المنتدى بأكمله !
    لماذا لا نحترم أنفسنا فإن جاءك أخوك برأي ناقشته فيه و رفعت لغتك في خطابه فشعر بوقار العلم و التعلم و أتى لك بحشاشة فؤاده و ثمرة علمه ؟
    لماذا نحتقر أنفسنا ثم نطالب الناس باحتقار أنفسهم ومن يرفض ذلك نصمه بالعليَة و الجهل المركب ؟
    أوليس الجهل المركب أن أكون جاهلا جباناً ثم أحسد الناس على علمهم و قدرتهم على استيعاب المسائل ؟
    كان علي بن المديني يقول : أمرني سيدي أحمد أن لا أحدث الا من كتاب !.
    نتغنى بالمديني ثم إذا خاصمنا فجرنا و فحشت ظنوننا و ألسنتنا ... و اقل ما يتصوره مناظرنا أن نقول له : يا جاهل يا فارغ ...
    لا يا أخي ليس هكذا يحفظ السلف و لا هكذا يوقر الأولون ... و إنما هي محبة ما قالوا و العلم به و حمله على محامله ...
    خرج رجل على يحيى القطان في مجلسه في المسجد وقال له : من أنت يا خوزي .. أنت خوزي ..
    فبكى يحي و قال : نعم ! و من أنا ؟ و ما أنا ؟
    و طرق رجل الباب على وكيع فأقذع له القول فسكت وكيع ودخل الى منزله ومرغ وجهه بالتراب ثم خرج وقال : زد وكيعا ً بذنبه فلولاه ما سلطك الله عليه !!.
    لا تخف على السلف فلو كان حفظهم معتمده علي وعليك لضاعوا و شبعوا ضياعا منذ عقود ولكن الله يحفظهم بورعهم وصدقهم حيث كتبوا العلم بريش النعام ومازال يطبع و ينشر و تدور به أقراص الحاسبات !.
    فان شئت أن تحفظ فاحفظ نفسك و اتعب على خويصة حالك و رم العلياء و اصدق و اخلص ...
    والله من وراء القصد و عند الله تجتمع الخصوم
    أبو محمد المصري

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •