تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: ما العلاقة بين التقوى وطالب العلم الشرعي ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,545

    Exclamation ما العلاقة بين التقوى وطالب العلم الشرعي ؟

    شاهدنا بعض طلاب وطالبات أكاديميين في العلوم الشرعية ولكن دون عمل بالعلم؟! بل يخالفون النصوص والتساهل في بعض الأمور…
    وهل يسمى الشخص طالب علم لأنه يملك شهادة جامعية أو درس عند الشيخ الفلاني والشيخ الفلاني.. وإن لم يكن ممن يتقي الله ويخافه؟


    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما العلاقة بين التقوى وطالب العلم الشرعي ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    شاهدنا بعض طلاب وطالبات أكاديميين في العلوم الشرعية ولكن دون عمل بالعلم؟! بل يخالفون النصوص والتساهل في بعض الأمور…
    وهل يسمى الشخص طالب علم لأنه يملك شهادة جامعية أو درس عند الشيخ الفلاني والشيخ الفلاني.. وإن لم يكن ممن يتقي الله ويخافه؟


    بارك الله فيك
    العلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة، فإذا كان العمل قاصرًا عن العلم كان العلم كلاً على العالم، ونعوذ بالله من علم عاد كلاً، وأورث ذلاً، وصار في رقبة صاحبة غلاً.
    قال بعض الحكماء: العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب العلم، ولولا العلم لم يطلب العمل، ولأن أدع الحق جهلاً به أحب إليّ من أن أدعه زهدًا فيه؛
    وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح
    وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضا بالميسور وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟
    وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب؟ وهل الملهو بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟
    وهل المغرم بحبهما إلا ككانزهما، وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها،
    فلينظر امرؤ نفسه وليغتنم وقته، فإن الثواء قليل، المقام في هذه الدنيا قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والناقد بصير، والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمعاد: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7 - 8] [اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 14- 16].

    التحذير من ترك العمل بالعلم فإن الله  قال: فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ[آل عمران: 187].
    قال بعض السلف: معنى: فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ يعني تركوا العمل به.
    وأول من تسعر به النار يوم القيامة الذين لا يعملون بعلمهم، عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة، فقال له ناتل أخو أهل الشام: يا أبا هريرة حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله ﷺ، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ذكر منهم: ورجل تعلم العلم والقرآن فأتى به الله فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وقرأت القرآن، وعلمته فيك، فقال: كذبت إنما أردت أن يقال: فلان عالم، وفلان قارئ.
    وفي رواية: فقد قيل ما دام أخذت أجرك في الدنيا، وقد قيل عنك: عالم وقارئ فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النارحديث صحيح [رواه مسلم: 1905].

    وعن أنس عن رسول الله ﷺ: أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرضهم شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت، يعني عادت كما كانت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك الذين يقولون ولا يفعلون، ويقرأون كتاب الله ولا يعملون حديث حسن [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 1637].
    وقد قال الله  معاتبًا المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ۝ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[الصف: 2- 3].
    وقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح أيضاً: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه[رواه الترمذي: 2417، وقال: "حديث حسن صحيح"، وقال الألباني: "حسن صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب: :3592].
    وقال النبي ﷺ: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه يعني أمعاؤه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه[رواه البخاري: 3267، ومسلم: 2989].


    وعن منصور بن شاذان قال: "نبئت أن بعض من يلقى في النار فيتأذى أهل النار بريحه، فيقال له: ويلك ما كنت تعمل ما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك ونتن ريحك؟ فيقول: إني كنت عالمًا فلم انتفع بعلمي" الزهد لأحمد، ص: 306].
    وعن عبد الله بن عكيم قال: "سمعت ابن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث" يعني حلف قبل أن يتكلم بالكلام، فقال: "ما منكم أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، ثم يقول: ابن آدم، ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟" [الزهد والرقائق، لابن المبارك/، ص: 13، والتوحيد، لابن خزيمة: 2/420].
    وقال أبو الدرداء: إنما أخاف أن يكون ما يسألني عنه ربي أن يقول قد علمت فما عملت فيما علمت حسن موقوف على أبي الدرداء قد علمت فما عملت فيما علمت" [اقتضاء العلم العمل، ص: 41].
    وكان بعض السلف يقول: أخشى ألا تبقى آية في كتاب الله -تعالى- آمرة أو زاجرة إلا جاءتني تسألني فريضتها، فتسألني الآمرة هل ائتمرت؟ والزاجرة هل ازدجرت؟ فأعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع [جامع بيان العلم وفضله، ص: 683].
    ********
    حصلت البركة عند الأولين لأنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعملوا بما فيها كما سيأتينا حتى يعملوا بما فيها، وهذا العلم إذا لم يعمل به يذهب، ولذلك قال الخطيب -رحمه الله-: "أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي من حفظه، قال: سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي، سمعت علي بن أبي طالب يقول: هتف العلم بالعمل فإن إجابه وإلا ارتحل، عدد الآباء تسعة [اقتضاء العلم العمل، ص: 36].
    وقالت أم الدرداء لرجل: "هل علمت بما علمت؟ قال: لا، قالت: فلم تستكثر من حجة الله عليك؟" [صيد الخاطر، ص: 57].
    وهذا من معنى كلام بعض السلف: أنه يغفر للجاهل سبعون ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد؛ لأنه قد قامت عليه الحجة فلم يعمل، وذاك قد يؤاخذ بسبب جهله، لكن هذا الذي علم وترك العمل.
    وقيل في بعض المواعظ: أنزل الله في بعض الكتب: قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش، وقلوبهم كقلوب الذئاب، وألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر: إياي يخادعون؟ وبي يستهزئون؟ لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران؟" [جامع بيان العلم وفضله: 1/656، والفقيه والمتفقه: 2/342].
    فهؤلاء الذين يتعلمون لغير العمل.


    وقال أبو زيد: "حدثني خلاد بن يزيد الأرقط، وكان أبو زيد، إذا ذكر خلاداً وصف جلالته ونبله، وقال: كان من الجبال الرواسي نبلاً، قال: " أتيت سفيان بن عيينة، فقال: "إنما يأتي بك الجهل لا ابتغاء العلم، لو اقتصر جيرانك على علمك كفاهم، ثم كوم كومة من بطحاء، ثم شقها بأصبعه، ثم قال: هذا العلم أخذت نصفه ثم جئت تبتغي النصف الباقي، فلو قيل: أرأيت ما أخذت هل استعملته؟ فإذا صدقت، قلت: لا، فيقال لك: ما حاجتك إلى ما تزيد به نفسك وقراً على وقر، استعمل ما أخذت أولاً" [اقتضاء العلم العمل، ص: 84].
    فإذًا، الإنسان لا ينهى عن التعلم والازدياد من العلم، لكن ينهى عن ترك العمل بالعلم، فإذا علم شيئًا سعى إلى تطبيقه وتنفيذه، وهذه سمات المخلصين الصادقين.

    من أسباب رفع العلم: ترك العمل.
    ترك العمل شين، عن عوف بن مالك الأشجعي: أن رسول الله ﷺ نظر إلى السماء يومًا، فقال: هذا أوان يرفع العلم، فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيب: يا رسول الله يرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب؟ فقال له رسول الله ﷺ: إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله" من أسباب التحريف الذي أصابهم ورفع العلم من بين أظهرهم: أنه لم يعملوا بما علموا، وبما آتاهم الله، "ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله، فلقيت شداد بن أوس فحدثته بحديث عوف بن مالك فقال: صدق عوف ألا أخبرك بأول ذلك يرفع؟ قلت: بلى، قال: الخشوع حتى لا ترى خاشعًا" [رواه أحمد: 23990، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد قوي"].
    فإذًا، من ضمن الأشياء التي ترفع العلم، وبعضه الذي يقر في القلب يرفع بسبب ترك العمل به.
    وجاء في بعض المواعظ: "ويلكم يا عبيد الدنيا ماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها، كذلك لا يغني عن العالم كثرة علمه إذا لم يعمل به، ما أكثر أثمار الشجر وليس كلها ينفع ولا يؤكل، وما أكثر العلماء وليس كلكم ينتفع بما علم فاحتفظوا" يعني انتبهوا "من العلماء الكذبة الذين عليهم لباس الصوف، منكسين رؤوسهم إلى الأرض، قولهم مخالف لفعلهم، متى يجتنى من الشوك العنب، ومن الحنظل التين، كذلك لا يثمر قول العالم الكذاب إلا زورًا، إن البعير إذا لم يوثقه صاحبه في البرية لم يوثقه، يربطه صاحبه في البرية، نزع إلى وطنه وأصله ورجع وذهب، وإن العلم إذا لم يعمل به صاحبه خرج من صدره، وتخلى منه وعطله، وإن الزرع لا يصلح إلا بالماء والتراب، وكذلك لا يصلح الإيمان إلا بالعلم والعمل، ويلكم يا عبيد الدنيا إن لكل شيء علامة يعرف بها وتشهد له أو عليه، وإن للدين ثلاث علامات يعرف بهن: الإيمان والعلم والعمل" [اقتضاء العلم العمل، ص: 106].
    وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: إن الله -تعالى- يقول: ادعوني أستجب لكم فما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال له إبراهيم: من أجل خمسة أشياء، قال: وما هي؟ قال: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، وقرأتم القرآن فلم تعملوا بما فيه، وقلتم نحب الرسول ﷺ وتركتم سنته، وقلتم نلعن إبليس وأطعتموه، والخامسة: تركتم عيوبكم وأخذتم في عيوب الناس" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 692].

    ما مثل العالم بغير عمل؟


    يقول النبي ﷺ في هذا: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه هذه الفتيلة، هذا المصباح الذي فيه هذا النور الذي في المصباح، مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه حديث صحيح [رواه الطبراني في الكبير: 1681].
    وعن أبي هريرة موقوفًا عليه: مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله[اقتضاء العلم العمل، ص: 24].
    وعن سهل بن عبد الله التستري قال: "الناس كلهم سكارى إلا العلماء، والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه".
    وقال: "العلم أحد لذات الدنيا، فإذا عمل به صار للآخرة" [اقتضاء العلم العمل، ص: 28 - 29].
    وكان بعض الحكماء يقول: "نفعنا الله وإياكم بالعلم، ولا جعل حظنا منه الاستماع والتعجب" [جامع بين العلم وفضله، ص: 709] بعض الناس حظه من العلم إذا جلسوا في مجالس العلم، الاستماع والتعجب فقط، يتعجبون، وربما سبح الواحد منهم وحوقل أو هلل، لكن بعد ذلك لا شيء، لا يتعدى إلى عمل، لا ينتفع بما سمع.
    كم إلى كم أغدو إلى طلب العلـ ـم مجدا في جمع ذاك حفيا
    طالبا منه كل نوع وفن وغريب ولست أعمل شيا
    وإذا كان طالب العلم لا يعمل بالعلم كان عبدا شقيا
    إنما تنفع العلوم لمن كا ن بها عاملا وكان تقيا
    [جامع بيان العلم وفضله، ص: 57].
    وقال حفص بن حميد: دخلت على داود الطائي أسأله مسألة وكان كريمًا، فقال: أرأيت المحارب؟ هذه كلها صور للعلم الذي بلا عمل، ما مثل العلم بلا عمل؟ قال: "أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب، أليس يجمع آلته، فإذا أفنى عمره في الآلة فمتى يحارب؟" [اقتضاء العلم العمل، ص: 45].
    إن العلم آلة العمل فإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟
    فإذًا، الذين يحصلون ويقرأون ويحفظون ويجمعون ثم لا يعملون كمثل المقاتل يجمع للحرب ثم لا يحارب.
    والذي لا يعمل موعظته لا تؤثر في الناس، قال الأصمعي: "سمعت أعرابيًا يقول: إذا دخلت الموعظة أذن الجاهل مرقت من الأذن الأخرى" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 702] الذي لا يعمل لا تؤثر فيه الموعظة، ولذلك يسمع الكلام ويخرج من الأذن الأخرى، قال الحسن: "لا ينتفع بالموعظة من تمر على أذنيه صفحًا، كما أن المطر إذا وقع في أرض سبخة لم تنبت" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 702].
    والعلم ليس بنافع أربابه ما لم يفد عملا وحسن تبصر
    سيان عندي علم من لم يستفد عملا به وصلاة من لم يطهر
    فاعمل بعلمك توف نفسك وزنها لا ترض بالتضييع وزن المخسر
    [جامع بيان العلم، ص: 706].
    الذي يصلي بغير وضوء كذلك الذي يتعلم بلا عمل.
    وعن مطر قال: خير العمل ما نفع، وإنما ينفع الله بالعلم من عمله ثم عمل به، ولا ينفع به من علمه ثم تركه.
    وقال عبد الله بن المعتز: "علم بلا علم كشجرة بلا ثمرة، علم المنافق في قوله وعلم المؤمن في عمله" [اقتضاء العلم العمل، ص: 39].
    وقال الخواص: "ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العلم من اتبع العلم واستعمله، واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم" [شعب الإيمان: 3/293].
    وهذا ما يفسر لنا: لماذا يكون بعض الناس مؤثرين ويهتدي على أيديهم أشخاص، وعلمهم أقل من علم أناس آخرين، أناس آخرين عندهم علم كثير لكن لا يتأثر الناس من كلامهم ولا يتبعونهم، ولا تنفتح لهم مغاليق القلوب بسبب أنهم لا يعملون بالعلم، هذا عنده علم قليل وعمل فيؤثر، وهذا عنده علم كثير بلا عمل فماذا يؤثر؟
    وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: قال لي عبد الله بن إدريس: "يا أبا عبيد مهما فاتك من العلم فلا يفوتنك العمل" [اقتضاء العلم العمل، ص: 47].
    ولذلك كان بعض السلف إذا رأى رجلاً من تلاميذه يتأسف على فلان وفلان، يقول: فاتني الشيخ فلان مات وما سمعت منه ولا حديث، فاتني الشيخ فلان وما سمعت منه شيء، قال: لا تتأسف على فوات هؤلاء لكن اعمل بالعلم الذي قالوه تنتفع.
    والعلم من غير عمل مثله أيضاً كالطعام الذي يرمى بلا فائدة، قال إسحاق بن إبراهيم الطبري سمعت الفضيل يقول: لو طلبت مني الدينار كان أيسر إليّ من أن تطلب مني الأحاديث" اطلب مني مالاً ولا تطلب مني أحاديث، "فقلت له: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي كان أحب إليّ من أن تهب لي عددها من الدنانير، فقال: إنك مفتون، أما والله لو علمت بما قد سمعت لكان لك في ذلك شغلاً عما لم تسمع، ثم قال سمعت سليمان بن مهران يقول الأعمش: إذا كان بين يديك طعام تأكله فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك، كلما أخذت اللقمة ترمي بها خلف ظهرك فمتى تشبع؟ [اقتضاء العلم العمل، ص: 84] هذا حال الذي لا يعمل بعلمه.


    وهذا المعنى هو تفسير كلام بعض السلف الذين ورد في كلامهم شيء من الندم على التطواف في جمع الحديث، وأنهم رحلوا وكتبوا وجمعوا، فما نقل عنهم في الندم في هذا: القصد منه أنهم قالوا: ليتنا كنا شغلنا الوقت بالعمل، وإلا فهم مأجورون على جمعه والرحلة فيه وحفظه وكتابته ونقله، وهم بصدق نيتهم يكون لهم أجر من عمل بهذا العلم الذي نقلوه.
    وقال بعضهم: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعده شرًا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل" [اقتضاء العلم العمل، ص: 84]، ولذلك من علامات الذين لا يعملون أنهم كثيري الجدال، إذا رأيت شخصاً كثير الجدال والمماراة فاعلم أنه قليل عمل، إذا رأيت الشخص كثير الجدال والمماراة ليس مناقشات مفيدة ولا أسئلة يريد أجوبة عليها، وإنما يماري ويجادل، إذا رأيته يماري ويجادل فاعلم أن عمله قليل، هذا كلام بعض السلف على آية الذين لا يعملون؛ لأن الله يفتح عليهم باب الجدل ويغلق عنهم باب العمل، فينشغلون بالجدال والمناقشات والمجادلات، ضاعت الأوقات فيها، ولذلك لا يعملون.
    ونقل عن ابن مسعود  قوله: "إن الناس أحسنوا القول كله" كلهم كلامهم طيب تجد الكلام حسن "فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصابه حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه" [الزهد، لأحمد، ص: 134].
    الذي يعلم ثم يخالف عمله قوله فإنما يوبخ نفسه أمام الناس وعند الله.
    وقال علي بن أبي طالب: "إنما زهد الناس في طلب العلم لما يرونه من قلة انتفاع من علم بما علم" [أدب الدنيا والدين، ص: 76].
    فإذًا، لو قال واحد: ما هي أضرار ترك العمل بالعلم؟
    نقول: من أضرار ترك العمل بالعلم: صد الناس عن تعلم العلم؛ لأن الناس يقولون: هذا فلان، ما شاء الله كم يحفظ؟ وكم عنده؟ لكن أخلاقه سيئة! وتعامله سيئاً! ويتأخر عن الصلاة! ونحو ذلك! فإذًا، لماذا نتعلم إذا كان هؤلاء الذين يتعلمون هذا مصيرهم رأينا تجارب ونماذج من الذين تعلموا فلماذا نتعلم؟
    فإذًا، الذي لا يعمل بالعلم يصد غيره عن التعلم، هذا معنى كلام علي بن أبي طالب : "إنما زهد الناس في طلب العلم لما يرونه من قلة انتفاع من علم بما علم" [أدب الدنيا والدين، ص: 76].
    وكذلك فإن الإنسان إذا لم يعمل بعلمه صار قدوة سيئة، فينبغي على طالب العلم أن لا يقول ما لا يفعل، يجتنب أن يقول ما لا يفعل، أو يأمر بما لا يأتمر، أو يسر غير ما ظهر، قال الماوردي -رحمه الله- في كتاب: "آداب الدنيا والدين" في هذا الفصل: ولا يجعل قول الشاعر:

    اعمل بقولي وإن قصرت في عملي ينفعك قولي ولا يضرك تقصيري
    [أدب الدنيا والدين، ص: 77].
    الحث على العمل بالعلم


    وأما بالنسبة للحث على العمل بالعلم فإن في ذلك أخبارًا وآثارًا، يقول الله : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا[العنكبوت: 69] الذين يعملون بما يعلمون نهديهم إلى ما لا يعلمون.
    وقال الماوردي -رحمه الله-: وليكن من شيمته العمل بعلمه وحث النفس على أن تأتمر بما يأمر به، ولا يكن ممن قال الله -تعالى- فيهم: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[الجمعة: 5] الذي لا يعمل بعلمه كمثل الحمار يحمل أسفارًا، وكلما زاد على ظهره حزمة أخرى ووقر أخرى وهو لا يستفيد شيئًا.
    وقال قتادة في قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ [يوسف: 68] قال: إنه العامل بما علم.
    وكان دأب السلف الصالح العمل بالعلم.
    ولذلك قلنا حصلت البركة في علمهم، قال أبو عبد الرحمن السلمي -رحمه الله-: حدثنا الذين كانوا يقرأون أنهم كانوا يستقرئون النبي ﷺ، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا.
    إذًا، كانت طريقتهم التعلم والتطبيق، ما يتجاوزون آيات إلا ويعملون بها، فإذا عملوا تعلموا أخرى جديدة، وهكذا..
    وقال ابن مسعود: "تعلموا فإذا علمتم فاعملوا" حسن موقوف عليه  [مصنف بن أبي شيبة: 34547، وسنن الدارمي: 378].
    وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه قال: يا إخوتي اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة، وإن يكن الأمر شديدًا كما نخاف ونحاذر، يعني لو عملنا ثم ظهرت النتيجة يوم القيامة وبال، لم نقل: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر: 37].
    إذا كان عملنا إذا جاءت سليمة الحمد لله، وإذا كان حصل لنا غير ذلك على الأقل من الفائدة أننا لا نقول كأهل النار: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، وإنما نقول: يا ربنا قد عملنا فلم ينفعنا" [ اقتضاء العلم العمل، ص: 95].
    والعمل والإيمان قرينان لا يصلح كل واحد منهما إلا مع صاحبه، وقال بعض السلف: "تعلموا العلم واعملوا به ولا تتعلموه لتتجملوا به فإنه يوشك إن طال بكم زمان أن يتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه" [الزهد والرقائق، لابن المبارك، ص: 475، وجامع بيان العلم وفضله، ص: 695].
    ونقل عن علي  قوله: "يا حملة العلم اعملوا به فإن العالم من علم ثم عمل، ووافق عمله علمه، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يقعدون حلقًا فيباهي بعضهم بعضًا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعدوا أعمالهم في مجالسهم إلى الله " [جامع بيان العلم وفضله، ص: 698].
    هذا الشخص الذي طالبه إذا جلس إلى غيره زعل عليه وقال: لماذا تجلس إلى غيري؟ لا بدّ تجلس عندي، ويخاصمه إذا جلس إلى غيره، صار العلم مباهاة، صار تفاخراً، تكثير أتباع ومريدين أو طلبة، وليس المقصود وجه الله، لو صار المقصود وجه الله كان يفرح لو ذهب إلى شيخ آخر يستفيد منه.
    أما أن يقول: تجلس عندي ولا تجلس عند غيري، ولو كان عند غيره فائدة، هذا إنسان صاحب دنيا وهوى، هذا صاحب شهوة يريد أن يجمع الناس حوله ولا يريد أن ينفضوا من عنده.
    ولو أن طالبًا من الطلاب الذين عنده ذهب إلى غيره قاطعه وتركه.
    وقال ابن مسعود: "كونوا للعلم وعاة" تعونه تجمعونه، "ولا تكونوا له رواة" كونوا كالوعاء للعلم يجمعه ينتفع به، "ولا تكونوا له رواة، فإنه قد يرعوي ولا يروي" ممكن واحد ما روى ولا حديث، ولا سمع حديثاً عن فلان عن فلان، ما نقله ولكنه لما سمعه من محدث ارعوى وانتفع، "فإنه قد يرعوي ولا يروي، ويروي ولا يرعوي" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 699] وشخص آخر يروي عن فلان وعن فلان ولا يستفيد.
    وقال بعض الأدباء: ثمرة العلوم العلم بالمعلوم.

    وقال بعض البلغاء: من تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله.
    ما معنى: "استقلاله"؟
    يعني أن يراه قليلاً، يقول: "من تمام العمل استعماله، ومن تمام العمل استقلاله فمن استعمل عمله لم يخلو من رشاد، ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد" [أدب الدنيا والدين، ص: 76 - 77]؛ لأنه إذ رأى عمله قليلاً صار يريد أن يعمل أكثر ليعوض.
    وقال الشاعر البليغ في الحث على العمل بالعلم:
    اعمل بعلمك تغنم أيها الرجل لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل
    والعلم زين وتقوى الله زينته والمتقون لهم في علمهم شغل
    وحجة الله يا ذا العلم بالغة لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل
    تعلم العلم واعمل ما استطعت به لا يلهينك عنه اللهو والجدل
    وعلم الناس واقصد نفعهم أبدا إياك إياك أن يعتادك الملل
    وعظ أخاك برفق عند زلته فالعلم يعطف من يعتاده الزلل
    وإن تكن بين قوم لا خلاق لهم فأمر عليهم بمعروف إذا جهلوا
    فإن عصوك فراجعهم بلا ضجر واصبر وصابر ولا يحزنك ما فعلوا
    فكل شاة برجليها معلقة عليك نفسك إن جاروا وإن عدلوا
    [اقتضاء العلم العمل، ص: 39 - 30].
    وينبغي على المسلم أن يحث نفسه على العلم وأن يعاتب نفسه، قال ابن الجوزي -رحمه الله- في "صيد الخاطر": "لما رأيت نفسي في العلم حسنًا" يعني نظريًا استحسنت نفسي نظريًا "فهي تقدمه على كل شيء، وتعتقد الدليل، وتفضل ساعة التشاغل به على ساعة النوافل"، وفعلاً كلام العلماء كالإمام أحمد وغيره -رحمه الله- أن تعلم العلم أفضل من النوافل، وتقول أقوى دليل على فضله على النوافل أني رأيت كثيرًا ممن شغلتهم نوافل الصلاة والصوم عن نوافل العلم قد عاد ذلك بالقدح بالأصول، "فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السليمة والرأي الصحيح إلا أني رأيتها مع صورة التشاغل بالعلم فصحت بها: فما الذي أفادك العلم؟ أين الخوف؟ أين القلق؟ أين الحذر؟
    أو ما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم؟
    أما كان رسول الله ﷺ سيد الكل ثم إنه قام حتى ورمت قدماه؟
    أما كان أبو بكر شديد النشيج كثير البكاء؟
    أما كان في خد عمر خطان من آثار الدموع؟
    أما كان عثمان يختم القرآن دائمًا؟
    أما كان علي يبكي بالليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع، ويقول: يا دنيا غري غيري؟
    أما كان الحسن البصري يحيا على قوة القلق؟
    أما كان سعيد بن المسيب ملازمًا للمسجد فلم تفته صلاة في جامعه أربعين سنة؟
    أما صام الأسود بن يزيد حتى اخضر واصفر؟
    أما قالت بنت الربيع بن خيثم له: ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام، قال: إن أباك يخاف عذاب البيات؟
    أما كان أبو مسلم الخولاني يعلق السوط في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر؟
    أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة، وكان يقول: ولهفاه سبقني العابدون وقطع بي؟
    أما كان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف؟
    أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف؟
    أما تعلمين أخيار الأئمة الأربعة زهدهم وتعبدهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد؟
    احذري من الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به فإنها حالة الكسالى الزمنى
    [صيد الخاطر، ص: 84 - 86].
    فوائد العمل بالعلم


    أن يقي الإنسان الطغيان، قال يوسف بن الحسين: "في الدنيا طغيانان: طغيان العلم، وطغيان المال، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه" [اقتضاء العلم العمل، ص: 34].
    ومن فائدة العمل بالعلم كذلك: النجاة يوم القيامة، أن يرى الإنسان الأعمال الصالحة، الثمرات يوم القيامة، عن الحسن قال: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، من قال حسنًا وعمل غير صالح رده الله على قوله، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا رفعه العمل، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا[فصلت: 30]، وذلك لأن الله –تعالى- يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] [شعب الإيمان: 1/161].
    وقال الأصمعي: أنشد رجل من أهل البصرة:

    فما لك يوم الحشر شيء سوى الذي تزودته قبل الممات إلى الحشر
    إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا ندمت على التفريط في زمن البذر
    [اقتضاء العلم العمل، ص: 105].

    من فوائد العمل بالعلم: أن يكسب الإنسان التواضع، وقال مالك بن دينار: "إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد فيه فجورًا أو فخرًا".
    وقال الجنيد: "العلم يشير إلى استعماله فإذا لم تستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته" [اقتضاء العلم العمل، ص: 34].
    إذًا، العمل بالعلم يجلب البركة، هذه من الفوائد.
    وكذلك من فوائد العمل بالعلم: أن الداعي العامل بعلمه يكون مؤثراً في الناس، كلماته مؤثرة في الناس، قال زياد بن أبي سفيان: "إذا خرج الكلام من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الآذان".
    وكان سوار يقول: "كلام القلب يقرع القلب، وكلام اللسان يمر على القلب صفحًا" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 703].
    فإذًا، الإنسان متى يقع كلامه في قلوب الآخرين؟


    إذا خرج من قلب صادق.
    وكيف يكون قلبه صادقًا؟
    إذا كان بعلمه عاملاً.

    أَيُّهَا الطَّالِبُ الْحَرِيصُ تَعَلَّمْ أَنَّ لِلْحَقِّ مَذْهَبًا قَدْ ضَلَلْتَهُ
    لَيْسَ يُجْدِي عَلَيْكَ عِلْمُكَ إِنْ لَمْ تَكُ مُسْتَعْمِلًا لِمَا قَدْ عَلِمْتَهُ
    قَدْ لَعَمْرِي اغْتَرَبْتَ فِي طَلَبِ الْ عِلْمِ وَحَاوَلْتَ جَمْعَهُ فَجَمَعْتَهُ
    وَلَقِيتَ الرِّجَالَ فِيهِ وَزَاحَمْتَ عَلَيْهِ الْجَمِيعَ حَتَّى سَمِعْتَهُ
    ثُمَّ ضَيَّعْتَ أَوْ نَسِيتَ وَمَا يَنْفَعُ عِلْمٌ نَسِيتَهُ أَوْ أَضَعْتَهُ
    تَصِفُ الْحَقَّ وَالطَّرِيقَ إِلَيْهِ فَإِذَا مَا عَلِمْتَ خَالَفْتَ سَمْتَهُ
    [جامع بيان العلم وفضله، ص: 705].
    وقال ابن الجوزي -رحمه الله- في ذكر فائدة في العمل بالعلم، قال: "إنما ينال معناه من تعلمه للعمل به، ليس العلم بمجرد صورته هو النافع، إنما ينال معناه من تعلمه للعمل به" [صيد الخاطر، ص: 172].
    تتبع سيرة العلماء الربانيين من الأمور المهمة الذين كانوا يعملون بالعلم، العلماء العاملون هذه مهمة جداً في اكتساب العمل بالعلم، تتبع سير العلماء العاملين، قال الثوري -رحمه الله-: "العلماء إذا علموا عملوا فإذا عملوا شغلوا" شغلوا بهذا العمل، "فإذا شغلوا فقدوا" ما رآهم الناس، "فإذا فقدوا طلبوا" بحث الناس عنهم وسألوا ودقوا الأبواب، "فإذا طلبوا هربوا" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 701] إخلاصًا لله .
    وعن الحسن قال: "اعتبروا الناس بأعمالهم ودعوا أقوالهم، فإن الله لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه أو يكذبه، فإذا سمعت قولاً حسناً فرويداً بصاحبه فإن وافق قوله عمله فنعم، ونعمت عين" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 698].
    والعلماء هؤلاء العالمون الربانيون الذين وافق علمهم عملهم، هؤلاء هم الذين يطلبون.
    وينبغي على الإنسان إذا فاق الناس بالعلم أن يفوقهم بالعمل؛ كما قال الحسن: الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 707].

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما العلاقة بين التقوى وطالب العلم الشرعي ؟

    وجوب العمل بالعلم
    والعمل بالعلم شأنه عظيم، فثواب العاملين بالعلم ثواب عظيم كريم، كما قال الله تعالى:
    {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين}، وعقوبة تارك العمل عظيمة شنيعة، والقوارع عليهم في الكتاب والسنة شديدة، كما قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
    - وقال تعالى:
    {مثل الذين حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين}.
    - وقال تعالى:
    {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
    - وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    ((يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار، فَتَنْدَلِقُ أَقتابُ بطْنِهِ، فَيَدُورُ بها كما يدُور الحمار في الرَّحَى، فيجتمع إليه أهلُ النار، فيقولون: يا فلانُ ما لك؟ أَلم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول: بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهَى عن المنكر وآتيه)) والعياذ بالله.
    - وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدّم - في أول من تسعر بهم النار - أنه يُقال لقارئ القران:
    ((مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟)).
    - وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
    ((لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ ما عَمِلَ بهِ، وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبهُ وفيم أنفقَهُ، وعن جسمهِ فيما أبلاهُ)). رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
    - وعن أبي برزة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    ((مَثَلُ الذي يُعلِّمُ النَّاسَ الخيرَ ويَنسَى نفسَهُ مثلُ الفتيلةِ تُضِيءُ للنَّاسِ وتُحرِقُ نفسَها)). رواه البزار و صححه الألباني.
    - وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت، يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا: سنبلغ، وإن أساءوا قالوا: سيغفر لنا، إنا لا نشرك بالله شيئا). رواه الدارمي موقوفاً على معاذ، وله شواهد.
    - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «ما استغنى أحد بالله إلا احتاج الناس إليه، وما عمل أحد بما علمه الله عز وجل إلا احتاج الناس إلى ما عنده» رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.

    حكم العمل بالعلم
    والأصل في العمل بالعلم أنه واجب، وأن من لا يعمل بعلمه مذموم، وعند التفصيل نجد أن العمل بالعلم على ثلاث درجات:
    الدرجة الأولى: ما يلزم منه البقاء على دين الإسلام وهو التوحيد واجتناب نواقض الإسلام، والمخالف في هذه الدرجة كافر غير مسلم؛ فإن ادّعى الإسلام فهو منافقٌ النفاق الأكبر، وإن كان يتعاطى العلم ويعلّمه، فإنّ من يرتكب ناقضاً من نواقض الإسلام من غير عذر إكراه ولا جهل ولا تأويل يعذر بمثله فإنّه خارج عن دين الإسلام، فالمخالف في العمل بهذه الدرجة من العلم ليس من أهل الإسلام والعياذ بالله.
    وهذه المخالفة قد وقع فيها بعض المنتسبين إلى العلم من أصحاب البدع المكفّرة، والذين نافقوا بارتكاب بعض أعمال النفاق الأكبر بعدما كان لهم حظّ من العلم.
    والدرجة الثانية: ما يجب العمل به من أداء الواجبات واجتناب المحرمات؛ والقائم بهذه الدرجة من عباد الله المتّقين، والمخالف فيها فاسق من عصاة الموحّدين، لا يحكم بكفره لقيامه بما تقتضيه الدرجة الأولى، ولكن يخشى عليه من العقوبة على ما ترك من العمل الواجب.
    والدرجة الثالثة: ما يُستحبّ العمل به وهو نوافل العبادات، واجتناب المكروهات، والقائم بهذه الدرجة على ما يستطيع من عباد الله المحسنين، ومن ترك العمل بالمستحبات فلا يأثم على تركه إيّاها، إذ لا يعذّب الله أحداً على ترك غير الواجب، لكن من التفريط البيّن أن يَدَعَ العبدُ ما تيسَّر له من النوافل التي فيها جبرٌ لتقصيره في الواجبات، ورفعة في درجاته، وتكفير لسيّئاته، ولا سيّما فضائل الأعمال التي رتّب عليها ثواب عظيم.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: ما العلاقة بين التقوى وطالب العلم الشرعي ؟

    قال الله تعالى ذامًّا اليهود الذين علِموا ولم يعملوا:
    ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾،
    فحظُّ مَن لم يعمل بعلمه كحظ الحمار من الكتب التي أثقلت ظهره.
    قال ابن القيم رحمه الله عن هذه الآية: "فقاس مَن حمَّله سبحانه كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب؛ فقراءتُه بغير تدبُّر ولا تفهُّم ولا اتباع ولا تحكيم له وعمل بموجبه - كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا؛ فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره".
    ومما ورد في ذمِّ ترك العمل بالعلم قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]،
    قال القرطبي: "وخرَّج أبو نعيمٍ الحافظ من حديث مالك بن دينار عن ثمامة أن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتيت ليلة أسري بي على قوم تُقرَض شِفاهُهم بمقاريضَ من نار، كلما قُرِضت وَفَتْ، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ولا يفعلون، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون))، وعن بعض السلف أنه قيل له: حدثنا، فسكت، ثم قيل له: حدثنا، فقال: أترونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مَقْتَ الله"
    عن أبي بَرزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن عِلمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟))
    إذا العلم لم يعمل به كان حجةً
    عليك، ولم تُعذَرْ بما أنت حامل



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,545

    افتراضي رد: ما العلاقة بين التقوى وطالب العلم الشرعي ؟

    جزاكم الله خيرا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •