سعد بن الربيع (رضي الله عنه) شهيد عبق من رحيق الجنة
طارق عدي
مقالنا في هذا العدد عن صحابي أنصاري خزرجي عُقبيّ بدري ومن شهداء غزوة أحد، مناقبه كثيرة، ومواقفه محمودة، وأقواله مأثورة، وفعاله كريمة عظيمة مشهورة، وكفى به أنه أنصاري خزرجي، وأنعم وأكرم بالأنصار من قوم قال الله فيهم: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في أنفسهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). سورة الحشر 8 – 9
فحسبك بسعدٍ من قومٍ أثنى الله عليهم هذا الثناء، وامتدحهم هذا المدح الجميل، وختم لهم بهذه الخاتمة السعيدة. قوم سكنوا طيبة المنورة، وسكن الإيمان قلوبهم فاتخذها دارًا له، كما اتخذوا طيبة مدينة لهم وعمر قلوبهم الحب لمن هاجر إليهم، وآثروا إخوانهم من المهاجرين على أنفسهم بدورهم وأرضهم وزروعهم وأموالهم بل حتى بزوجاتهم، ولم يكن ذلك كله عن سعة وغنى وكثرة مال ومتاع، بل هو إيثار وعطاء وكرم كان عن فقر وحاجة في بعض الأحيان، وهو ما ذكرته الآية: (ولو كان بهم خصاصة) أي فقر وحاجة. وهذا الكرم هو شأن من وقاه الله آفة البخل وداء الشح ، فكانوا بذلك وكما وصفتهم الآية الكريمة من المفلحين. وشهيدنا رضي الله عنه في هذا المقال هو من هؤلاء القوم، بل من ساداتهم وأعيانهم، ولذلك اختاروه ليكون النقيب عنهم يوم بيعة العقبة .
إنه الصحابي الجليل أحد النقباء الذين حضروا البيعة الأولى والثانية، وكان نقيبا عن بني الحارث بن الخزرج هو وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما، وعلى ذلك أجمع أهل السير، وهو قول عروة وابن شهاب، وموسى بن عقبة. وكان من القلة القليلة التي تحسن الكتابة في ذلك الزمان، وقتل يوم أحد شهيداً.
وقد تبدى لنا نبله وسطعت مروءته من اليوم الأول لدخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة، فكان رضي الله عنه أحد الذين تعلقوا بخطام الناقة التي حملت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته حين مر بحيهم، واستحثوه على أن ينزل بضيافتهم، فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناقة فإنها مأمورة) .
وكان هذا شأنه صلى الله عليه وسلم وهذا قوله كلما مر بدار قوم من الأنصار، حتى بركت بنفسها في المكان المعروف، حيث مسجده صلى الله عليه وسلم .
وأما المشهد الثاني العظيم والرائع من مواقفه رضي الله عنه فذاك يوم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، تلك المؤاخاة التي كانت على غير نسب ودم، ولكنها أخوة إسلام وأخوة إيمان، إنها أخوة لم تعرف البشرية لها مثالاً لا من قبل ولا من بعد، ولا أرى أن التاريخ سيجود بأخٍ مثل سعد بن الربيع رضي الله عنه في تمثله وتنفيذه وقيامه بحقوق الأخوة ومعاني الأخوة ومشاعرها.
وهاكم القصة بأحداثها وآثارها وما استنبطه واستخلصه الدارسون والباحثون منها.
روى البخاري في البيوع ( 2048) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: ( لما قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتيّ هويت نزلت لك عنها فإذا حلّت تزوجتها. فقال عبد الرحمن له بارك الله لك في أهلك ومالك) وفي رواية أخرى عند غيره زاد : (دلوني على السوق).
هكذا هو مبدأ التآخي الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وهذا هو الفهم العميق والدقيق للتآخي كما فهم سعد بن الربيع رضي الله عنه، إنه قسمة وبذل وعطاء وإيثار، ولم يكن مجرد شعار يرفع أو كلمة تجري على الألسنة دون إعمال لها وقيام بحقوقها.
إنما كانت واقعا عمليا مارسوه في حياتهم، وعبر عن مدى صدقهم وولائهم في أخوتهم العامة التي أنشأتها العقيدة الصحيحة، وأخوتهم الخاصة التي عقدها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا). وقوله الآخر صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
لقد ظهرت في سعد رضي الله عنه في هذه المؤاخاة صفات الأخوة في أسمى تطبيقاتها، والإيثار في أبهى صوره وأجمل معانيه، وكذلك الجود والكرم والبذل والعطاء، وأكرم بها من شمائل ترتفع بصاحبها إلى أعلى الدرجات، فكيف بها إذا أضيفت لها مرتبة الشهادة في سبيل الله، وبذل النفس في الدفاع عن الرسالة المحمدية وعن نبي الرحمة. وفي هذا الموقف فوائد جميلة ومعاني رائعة، لا بد من الوقوف عليها، وإعطائها حقها من التأمل والتفكير.
جاء في موسوعة المفاهيم التربوية في أسر الآل والأصحاب التي أصدرتها اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية تعليق جميل على هذه القصة يقول: إن إعجاب المرء بسماحة سيدنا سعد بن الربيع لا يعدله إعجاب، إلا إعجاب بنبل سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، فسيدنا سعد رضي الله عنه عرض على سيدنا عبد الرحمن رضي الله عنه أن يناصفه أهله وماله، وهذا إيثار ما بعده إيثار وتضحية لم يعرف التاريخ القديم ولا الحديث لها مثيلا، ومؤانسة ومواساة تتبدى في تلك الأخوة التي تمت بين كل من المهاجرين والأنصار، فملأت المجتمع الجديد بأروع الأمثال، هذا المجتمع الذي ارتقى أهله إلى دين الله وحده، هذا الدين الذي نشأهم على أن يقولوا ويفعلوا، وعلمهم الإيمان والعمل جميعا، حتى أضحوا أبعد ما يكون عن الشعارات التي لا تتجاوز أطراف الألسنة، وكان المجتمع كله على النحو الذي حكاه الله عز وجل عنهم في قوله سبحانه: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) النور الآية 51
وسيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لم يستغل حفاوة سعد بن الربيع به ليعيش كلاً عليه، بل قال : (دلني على السوق)، وأخذ يسعى ويكد في سبيل العيش الكريم، واللقمة الحلال، والحياة العزيزة البعيدة عن التسول والسؤال، وعن الفوز بالعطايا والهبات من غير جهد مبذول ونشاط مبارك، وعرق طاهر.
وتاجر وزاحم اليهود في سوقهم، فبزّهم في ميدانهم، حتى استطاع بعد أيام قليلة من هجرته أن يكسب ما يكف به نفسه، ويحصن به فرجه، روى البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب مناقب الأنصار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ميهم يا عبد الرحمن. قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار، قال: وما سقت فيها؟ فقال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة.
نعم إن علو الهمة من أخلاق الإسلام وعلامة على صدق الإيمان، وقبح الله وجوه أقوام انتسبوا للإسلام فأكلوه وأكلوا به حتى أضاعوا كرامة الحق وأساؤوا لهذا الدين فاشتروا دنياهم بآخرتهم.
ولقد خلد القرآن الكريم هذه الوقفة الرائعة, وأمثالها بين المهاجرين والأنصار, وما فيها من صدق الإخاء, وصدق الوفاء, فقال تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا, وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون, والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في انفسهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) . الحشر 9-8
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى في كتابة السيرة النبوية: كان هذا الإخاء أساسا لإخاء إنساني عالمي فريد من نوعه، ومقدمة لنهضة أمة ذات دعوة ورسالة، تنطلق لصياغة عالم جديد، قائم على عقائد صحيحة معينة، وأهداف صالحة منقذة للعالم من الشقاء والتناحر والانتحار، وكان هذا الإخاء المحدود بين المهاجرين والأنصار طليعة وشريطة لاستئناف حياة جديدة للعالم والإنسانية، لذلك خاطب الله هذه الحفنة البشرية في مدينة صغيرة بقوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). الأنفال
لولا هذه المشاعر الأخوية الصادقة، والحب المتبادل، والتوفيق من الله تعالى، ثم المتابعة والإشراف النبوي المبارك لما تمكنت هذه الأمة من إقامة حضارة عالمية نعمت بها الإنسانية قروناً عديدة وستنعم بها من جديد إن شاء الله تعالى عندما يعود المسلمون إلى السيادة والريادة ويأخذون بأصول هذا الدين العظيم، وعندها سيعم الإخاء البشري, والتعاون العالمي, والروح الإسلامية الراقية, وعندها سيتخلص العالم من فلسفة شريرة مدمرة سموها (صراع الحضارات) فلسفة عززت الأنانية, ونشرت البغضاء, وأضرت بالأمم والشعوب أيما إضرار, فأهلكت الحرث والنسل. ولكن لابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر, لأن المحبة أقوى من البغضاء, والسلام أنفع للبشرية من الحرب, والتعاون والتآخي أفضل للأمة, وأجلب للسعادة والهناءة التي يسعى إليها الجميع.
كما كان سعد رضي الله عنه موضع ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذي يؤتمن على الأسرار العسكرية والأخبار الهامة, وهو ممن يُستطلعُ رأيه, ويستفاد من فكره النير وحكمته, وقد روت كتب السيرة أن العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رسالة سرية إلى ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رجل من بني غفار, يحيطه علما بتحركات قريش, وكانت الرسالة بالغة الخطورة _بين يدي غزوة أحد _ مما استدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرك إلى قباء ليلقى مبعوث عمه بعيدا عن أعين اليهود والمنافقين والجواسيس, فقرأ عليه الرسالة أُبَيُّ بن كعب رضي الله عنه, واستكتمه على ما فيها من أخبار ومعلومات, ثم قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل سعد بن الربيع رضي الله عنه, وكان كاتبا, فأخبره بكتاب العباس رضي الله عنه, فقال سعد: والله إني لأرجو أن يكون في ذلك خير. يقول الدكتور فاروق بطل في كتابه موكب النبوة الخالد, هذا الخبر إن دل على شيء, فإنما يدل على أن سعد بن الربيع رضي الله عنه كان في موقع المستشار العسكري لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان محل ثقته, وموضع سره صلى الله عليه وسلم .
نعم إنه كان المستشار الأمين لرجاحة عقله, والصاحب الصدوق لحفظ السر, ومن الثلة القليلة التي كانت تحسن الكتابة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سعد بن الربيع واليوم المشهود.
يوم أحد يوم تبدت فيه بطولة سعد رضي الله عنه، وظهرت فيه شجاعته وإقدامه وبسالته، يوم أحد هو يوم سعد الذي فعل فيه الأفاعيل دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فر الناس، وثبت القلة وكان سعد من أبرزهم وأشجعهم، وأنبلهم وأصدقهم، يوم لم تهمه فيه نفسه، ولا حياته، ولا بناته، بل كان همه الوفاء بالبيعة التي قطعها على نفسه وعن قومه قبل سنوات من هذا اليوم المشهود، كان همه أن يَسلَمَ الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ينتشر الدين، وأن تنتشل البشرية من عبادة الأوثان والرضوخ للاستبداد والطغيان.
روى ابن الأثير في كتابه أسد الغابة عند ترجمته لسعد بن الربيع رضي الله عنه قال: عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد قال: لما كان يوم أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: من يأتيني بخبر سعد بن الربيع، فإني رأيت الأسنة قد أشرعت إليه؟ فقال أبيّ: أنا يا رسول الله, فذهب يطوف في القتلى، فقال له سعد وبه رقق، ما شأنك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام وقد بعثني لآتيه بخبرك، قال: فاذهب إليه فأقرئه مني السلام، وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة، وإني قد أنفذت مقاتلي، وفي رواية وأخبر قومك أنهم لا عذر لهم إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد منهم حي، وقال له: قل لقومك يقول لكم سعد بن الربيع: الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، فوالله مالكم عند الله عذر، إن خُلصَ إلى نبيكم وفيكم عين تطرف، قال أبيّ: فلم أبرح حتى مات. فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته. فقال صلى الله عليه وسلم: رحمه الله نصح لله ورسوله حيًا وميتَا. ودفن هو وخارجة ابن زيد بن أبي زهير في قبر واحد.
إن من يقرأ هذه القصة وهذه الأخبار في استشهاد سعد بن الربيع رضي الله عنه يحق له أن ينعته بالشهيد الصادق الوفي المخلص، وأن يصفه بالشهيد الكبير الذي يذكر البيعة ومستلزماتها، ويذكر العهد والوفاء به، والثبات على الحق، ويحث على التمسك به، وهو بين الموت والحياة، وفي أصعب الظروف وأشد المواقف، فالجراح تنزف، والدماء تسيل، إنها لم تكن جرحًا ولا جرحين ولا ثلاثة إنها اثنتا عشرة، إما طعنة برمح أو ضربة بسيف، وهي في الوقت نفسه، طعنات نافذة، وجراح غائرة فائرة، أصابت مقتلاً لا مفر منه، ومع ذلك فهو يرسل التحية لنبيه، ويذكر قومه وأصحابه ويرسل رسالة شديدة اللهجة، واضحة العبارات، يوصيهم بها بالدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبلغهم أنه لا عذر لهم إن وصل إليه، أو خُلصَ إلى رسول الله وفيهم عين تطرف، أو عرق ينبض.
لله درك أيها الصحابي الجليل، والنقيب النقي التقي الذي لم تنسه الجراح القاتلة، المهمة السامية التي يحملها، والأمانة العظيمة التي تحملها يوم العقبة الأولى والثانية، وكم كان قومك ورهطك وعشيرتك موفقين وفالحين يوم اختاروك لتكون نقيبهم وممثلهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكم نحن في هذه الظروف الصعبة والأهوال المدلهمة بحاجة إلى مثل هؤلاء النقباء، وهؤلاء النواب، وهؤلاء الممثلين للشعب، ممن يكون الحق رائدهم، والصدق خلقهم، والحفاظ على الأمانة ديدنهم، والوفاء بالوعد، والبر بما أقسموا عليه شغلهم الشاغل وهدفهم الذي لا يغيب عنهم.
شهادة تقدير ووسام استحسان
إن ما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب عندما جاءه بخبر استشهاد سعد: (رحمه الله لقد نصح لله ورسوله حيًا وميتًا) هو شهادة تقدير وثناء يوضع على صدر سعد بن الربيع وهو يزف في موكب الشهداء، وفيه إشارة وإشادة بأنه كان مخلصًا في إسلامه، مخلصًا في دعوته، مخلصًا في جهاده، وأنه ثبت على ذلك طيلة حياته إلى أن لقي ربه.
وأما وسام الاستحسان الآخر، فهو ما ذكر من تقدير سعد واحترامه وشكره حتى بعد استشهاده، من الخليفتين الراشدين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما. فقد دخلت على الصديق ذات يوم أم سعد بنت سعد بن الربيع رضي الله عنه فقام لها أبو بكر واحتفى بها ووضع لها رداءه لتجلس عليه، فدخل عليه عمر بن الخطاب وهو على هذه الحال فسأله عنها ومن تكون هذه المرأة (البنت) المحتفى بها؟ فقال له أبو بكر: هذه ابنة من هو خير مني ومنك، فقال عمر: ومن هو يا خليفة رسول الله؟ فقال أبو بكر هي ابنة رجل تبوأ مقعده من الجنة، وبقيت أنا وأنت، هذه ابنة سعد بنت الربيع، فرحب عمر بها وعرف لها مع أبي بكر قدرها ومقامها.
وهذا هو شأن المجتمع المسلم، يعرف للشهداء حقهم ويقدر مقامهم ومقام أبنائهم وأحفادهم، ألم يقل الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم في سورة الكهف: (وكان أبوهما صالحا).
ومن خصائصه رضي الله عنه أنه خلّف بنتين وهما أول من طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما الآية الكريمة (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) فأعطاهما الثلثين، فكان ذلك أول بيانه للآية، وبذلك عُلم مراد الله منها أنه أراد فوق اثنتين اثنتين فما فوقهما.
فرحمك الله يا بن الربيع من نقيب وشهيد، وصحابي جليل كريم شجاع, وفّى ببيعته وأدى واجبه فكان رضي الله عنه محل ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدير صاحبيه له من بعده.