الأيتام.. حسنات خضراء تنتظر الحصاد


حفيظ الرحمن الأعظمي
الأيتام صنف من الضعفاء، والضعفاء – كما نعلم جميعا- أحوج الناس إلى الرحمة، فهم الذين فقدوا نصيرهم وفقدوا ظهيرهم وفقدوا أعطف الناس عليهم، فانطفأت الابتسامة من على وجوههم، وأحاطت بهم مصائب الحرمان واشتدت عليهم المحن والظروف العابسة.
والسؤال الذي يطرح نفسه ونحن نتكلم عن هذه الفئة من المجتمع هو: كيف كان تعامل الإسلام مع اليتيم…؟
سؤال عميق تتقاطع في الجواب عنه ألفاظ اللغة وأوامر الشرع وإرادة المجتمع المكلف.
ففي ألفاظ اللغة وعندما أطلق القرآن الكريم وصف اليتيم بصيغة الإفراد والتثنية والجمع، وكرر لفظ اليتيم ومشتقاته أكثر من عشرين مرة في الكتاب العزيز كان المقصود من ذلك بيان أن صفة اليتم ليس فيها عيب ولا تهمة، وأن فقد الآباء والأقرباء ليس سخرية من القدر أو جبت احتقارا من البشر، فاليتيم شخص كامل في شخصيته، تام في إنسانيته، وبالتالي فلا مكان للشعور بالدونية أو الإحساس بالنقص لدى اليتيم.
اليتيم كائن بشرى كريم
ولذلك فإن سلام قدم هذه الفئة إلى المجتمع في أروع صورة إنسانية شهدتها المجتمعات الحضارية، ولم يقدمهم على أنهم ضحايا القدر أو بقايا المجتمع كما هو شائع في مجتمعات أخرى، بل كان موضوعا لأية قرآنية كريمة رسمت عنهم صورة إيمانية تسمو على كل الارتباطات المادية والدنيوية: وإن تخالطوهم فإخوانكم، نعم إنهم إخواننا، ومن هنا كانت الدعوة إلى مخالطتهم، والمبادرة بذلك من أفضل أساليب التطبيع الاجتماعي والدمج داخل المؤسسة الاجتماعية بدءا من المصافحة باليد كأبسط مظهر للمخالطة وانتهاء بالتزويج كاقصى مظهر لها مروراً بمنافع أخرى كالمؤاكلة والمشاربة والمساكنة وحسن العشرة، فالكل داخل في مطلق المخالطة والكل متحد في كسر الغربة النفسية التي قد يشعر بها هؤلاء وهم داخل المجتمع.
يقول الرسول--: "من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات"، فأنظر أخي وتامل في هذا الحديث الشريف، يتيم وشعر وحسنات، فما هو الرابط المعنوي بينهما يا ترى…؟
إنه النمو.. فاليتيم ينمو والشعر ينمو والحسنات تنمو وتزيد، وكما يخشى على الحسنات من السيئات وعلى نمو الشعر من الأوساخ والآفات، كذلك يجب أن نخشى على اليتيم من الإهمال والضياع، فرجل أشعث اغبر قبيح المنظر حاله هذه من حال المجتمع الذي لا يهتم باليتيم.
اليتيم ليس عبئ على المجتمع
لقد كانت نظرة الإسلام إلى مجتمع اليتامى نظرة إيجابية واقعية فاعلة،لعب فيها عنصر الإيمان وحافز الثواب دورا أسياسيا، فهم في المجتمع الإسلامي ليسوا عالة على المجتمع ولا عبئا على أفراده وإنما هم من المنظور الشرعي حسنات مزروعة تنتظر من يحصدها ليفوز بجوار الحبيب –صلى الله عليه وسلم- ورفقته يوم القيامة، يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة – وأوما بالوسطى والسبابة- امرأة ترملت من زوجها ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا، حافز الأجر هو الذي جعل الأم الصابرة تتعلق بأطفالها بعد وفاة زوجها في صورة مشرقة من عطف الأمومة على الطفولة فهجرت الزينة والتبرج ونزعت الراحة من نهارها والنوم من ليلها تحوطهم بأنفاسها وتغذيهم بدمها قبل حليبها حتى ذهبت نظارتها، لم يهزمها الموت بل اعتبرته جزاء من استمرار الحياة، فالآن يبدأ دورها، لم تكتف هذه الأم الطيبة بدور الأمومة بل إنها قرنت إليه كفالة الأيتام أيضا فمنحت لأيتامها بصمودها هذا أمتن عروة يستمسكون بها تغنيهم عن البحث خارجا عمن يأويهم، فشكر لها النبي- صلى الله عليه وسلم- ومدحها فجاءت جائزتها مجزية وثوابها مضاعفا.
في عصرنا اليتيم ضحية المجتمع
إن مظاهر الظلم والقهر والإهمال وكل الاضطرابات النفسية التي تحتل نفوس معظم الأيتام لا علاقة لها باليتم أو بفقد النسب بل هي من صناعة المجتمع الذي يهمل يتاماه، ولهذا فإن القرآن الكريم لم يخاطب اليتيم لأنه لا دور له فى ما حصل بل اليتم قدر من الله، وإنما انصرف بخطابه إلى المجتمع مباشرة يحمله وزر التفريط في فئة من أبنائه، واضعا بذلك أسس المعاملات التى تحمي اليتيم من كل أشكال الظلم الاجتماعي والقهر النفسي.
اليتيم له الحق في حياة كريمة
لقد خلق الله الأيتام للحياة فكيف يحل لنا وأدهم بالإذلال والإهمال…؟
وإذا كان سبحانه قد جعل هذه الأغصان الخضراء للثمر فكيف نقطعها نحن ونجعلها للحطب..؟!!.
إنه لا يصح شرعا ولا عرفا أن يحرم هؤلاء مرتين، مرة من حنان الأمومة وعطف الأبوة وأخرى من رحمة المجتمع ورعايته مع علمنا اليقيني بوجود أنفس رحيمة وقلوب عطوفة في مجتمعنا تتلهف كلها لخدمة اليتيم بان تمسح شعرة على رأسه أو دمعة من خده، ولئن كان التقصير فرديا في أغلب الأحوال إلا أن الخير باق في الناس إلى يوم القيامة.
ختاما: مهما قلنا أو فعلنا فلن ندرك أبدا كيف هو شعور من يكتشف في لحظة أنه بدون أب أو أم…؟ ولن نعيش أبدا إحساس من أدرك في غفلة من المجتمع أنه مجهول الوالدين…؟ ولن نحصى مطلقا كم من الأطفال كتب عليهم ألا يروا آباءهم..؟ ولكننا قد ننجح إذا صحت منا النية واشتدت الإرادة في أن نكون ممن يمسحون دموع هؤلاء الصغار ويبلسم جروح الكبار منهم.