الزكاة والودائع الاستثمارية
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد





شاعت بين الناس إفادة من بعض الهيئات، تفيد بأن الاستثمار في جميع الصناديق التي تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية يخضع لزكاة المستثمر، وذلك بدفع 10٪ من الأرباح الموزعة سنوياً لكل صندوق من هذه الصناديق، على اعتبار أن المستثمر في الصندوق قد خصص هذا المبلغ لا للاتجار في وحدات الصندوق، بل للحصول على عائد دوري متجدد، مثل زكاة الخارج من الأرض، وهنا العشر هو الواجب لعدم وجود مصاريف يدفعها المستثمر في الصندوق، ويتم حساب الزكاة على أساس الربح المجمع لكل الأرباح خلال السنة.



فقلت: قد طرح هذا الرأي سابقا، وقد راجعنا الجهة المعنية، وبينا لها ملاحظتنا عليه، وأن هذا القول ليس له أصل صريح ولا قياس صحيح، واتفقنا على ذلك، والتزمت بتغيير تلك الإفادة للمشتركين في هذه الصناديق إلى ما يتعين أن تكون الزكاة فيه، وهي 2.5٪ على المبالغ المودعة في الصناديق وعلى أرباحها المكتسبة إن وجدت. وتوضيح ذلك:



إن الصناديق الاستثمارية هي أموال نقدية توضع لدى بنك ما؛ ليقوم بالمضاربة بها في التجارة أو الصناعة ونحوهما من المضاربات الشرعية، التي تعود بأرباح لا بأس بها للمساهمين، وليست مقتنيات أو آلات ومعدات حتى لا يزكى منها إلا غلتها، ولا هي حبوب وثمار فتزكى بنسبة العشر أو نصفه، بل هي تمثل عروضا تجارية أو مبالغ نقدية، فتزكى زكاة عروض التجارة أو زكاة النقد التي دل عليها كتاب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في الصدقات الذي بعث به إلى أنس رضي الله عنه، لما ولاه البحرين، وبين فيه فريضة الزكاة ومقاديرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مخرج في الصحيح، وقد أجمع العلماء على أنه أصل في الزكاة، وبه أخذ عامة أهل العلم، فلا تخرج هذه الصناديق عن ذلك الوضع.



ولو أنها حولت إلى بساتين زراعية لخرجت عن مجال البحث، وكان المتعين أن يبحث عما استثمرت فيه من محاصيل زراعية: هل هي حبوب وثمار؟ فتزكى زكاة الحبوب والثمار؛ بنصف العشر إن سقيت بآلة، أو بالعشر كله إن سقيت بماء المطر والنهر، وهل يزرع بها زكوي من حبوب وثمار مما يقتات عادة ويدخر فتزكى اتفاقا؟ أم خضراوات وفواكه؟ فلا تزكى عند الجمهور، وكان المتعين على الجهة المعنية أن تقوم بدورها في هذا البيان لو أنه كان كذلك، لكن الأمر لم يعدُ ما بيناه، وهو ما يراه الأعضاء الآخرون في تلك الهيئة، وكان المتعين أن يؤخذ بقولهم.



وأيا ما كان الأمر، فإن على أصحاب المحافظ الاستثمارية من مؤسسين ومشتركين أن يتحروا لأمر الزكاة ويعلموا أن أمرها جد خطير، لئلا يكونوا كانزين فيصيبهم ذلك الوعيد المترتب على من يكنز، والكنز وهو المال المدخر الذي لم تخرج زكاته، وما أُدي زكاته فليس بكنز، كما ورد. والله ولي الهداية والتوفيق.