أولا: المتن:
· "إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال".
· "لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال".
ثانيا: تخريج الحديث ودراسته:
روي من حديث كعب بن عياض الأشعري، وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى، ومن كلام عبادة بن الصامت رضي الله عنهم جميعًا:
حديث كعب بن عياض الأشعري:
أخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" (17743)، والترمذي في "جامعه" (2336)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2516)، والنسائي في "السنن الكبرى" (11795)، وابن حبان في "التقاسيم والأنواع" (4575)، عن ليث بن سعد.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبير" (9/418) معلقا، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/374) – ومن طريقه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/67) – ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/179)، وفي "المعجم الأوسط" (3295)، وفي "مسند الشاميين" (2027)، والحاكم في "المستدرك" (7977)، وأبو نعيم الأصبهاني في "معرفة الصحابة" (5826)، والقضاعي في "مسنده" (1023)، والبيهقي في "الشعب" (9827)، والضياء المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (783/ مخطوط)، عن أبي صالح عبد الله بن صالح.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" (13)، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (2021)، عن معن بن عيسى.
وأخرجه أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (2020)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4325)، وأبو الفتح الأزدي في "المخزون" (ص 146)، وتمام الرازي في "فوائده" (1112)، والقضاعي في "مسنده" (1022)، وأبو عبد الله الحميدي في "جذوة المقتبس" (ص 342)، عن عبد الله بن وهب.
# وذكره أبو شجاع الديلمي في "الفردوس بمأثور الخطاب" (5018)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (14/518) لابن مردويه.
كلهم (ليث بن سعد، وعبد الله بن صالح، ومعن بن عيسى، وابن وهب)، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن كعب بن عياض به.
أقوال العلماء:
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح".
قال أبو القاسم البغوي: "ولا أعلم روى كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث".
وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن كعب بن عياض إلا بهذا الإسناد، تفرد به معاوية بن صالح".
وقال أبو الفتح الأزدي: "كعب لا نحفظ روى عنه، إلا جبير بن نفير".
وألزم الدارقطني البخاري ومسلم إخراجه، وقال: "وكلهم خرجا عنهم"[1]، وتعقبه مقبل الوادعي، فقال: "ليس كما يقول، فإن البخاري لم يخرج لمعاوية بن صالح في الصحيح كما رمز له في تهذيب التهذيب، وكذا عبد الرحمن[2] بن جبير وأبوه لم يخرج لهما شيئا في الصحيح كما في التقريب".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وقال أيضًا: "كعب بن عياض لم يسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدًا"[3].
وقال أبو نصر السجزي: "وهذا من غرائب الحديث إسنادًا ومتنًا، حكم به لمعاوية بن صالح وحدث به عنه ليث بن سعد، وعبد الله بن وهب؛ وكعب بن عياض من المقلين"[4].
وقال ابن عبد البر: "هو حديث صحيح"[5].
وقال الذهبي: "وهذا إسناد صالح"[6].
وقال ابن حجر: "وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور عن جبير بن نفير مثله، وزاد: (ولو سيل لابن آدم واديان من مال لتمنى إليه ثالثًا) الحديث"[7].
جبير بن نفير لم يذكر سماعًا عن كعب بن عياض:
قال أحدهم: أن جبير بن نفير لم يذكر سماعًا من كعب بن عياض، إشارة لما ذكره البخاري: "كعب بن عياض، له صحبة، روى عنه جبير بن نفير"[8].
قلت: أما الانقطاع فغايته أنه محتمل ولا يُجزم به، والقرائن المحتفة بالرواية تفيد الاتصال، وهي:
1- جبير بن نفير ليس من المذكورين بتدليس أو بإرسال (في حدود بحثي).
2- العنعنة هي حالة محل السماع، ولا تكفي وحدها لاثبات عدم الاتصال، بل غاية ما تفيده في حديث المدلس هو الاحتمال أو الشبهة، وليس الجزم بتدليسه! فكيف إذا كان غير مدلس، إنما كان الرواة يستبدلون صيغ السماع بالعنعنة طلبا للاختصار لعدم الإملال.
قال ماهر الفحل في خاتمة كتابه "الجامع في العلل والفوائد"، (الفوائد والقواعد الحديثية)، رقم (12): "إن (عن) في العرف الغالب عند المتقدمين محمولة على السماع قبل شيوع التدليس، وكذا لفظة (قال) لكنها لم تشتهر اصطلاحاً للمدلسين مثل لفظة (عن)".
3- عدم العلم بالوجود، ليس علما بالعدم، وعدم الوقوف على صيغة سماع، لا يجعلنا نجزم بعدم وجودها، قال المعلمي اليماني: "قول البخاري في التراجم: (سمع فلانًا) ليس حكمًا منه بالسماع، وإنما هو إخبارٌ بأن الراوي ذكر أنه سمع"[9].
4- لم يعل إمام من الأئمة النقاد هذا الحديث بالانقطاع.
5- من الأئمة الذين صححوه: الترمذي، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم، وابن عبد البر، ولا شك أن التصحيح فيه اثبات الاتصال ضمنًا.
6- جبير بن نفير من التابعين المخضرمين، الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وهو من أوائل المسلمين بالشام، وقد سمع من قدماء الصحابة مثل أبي الدرداء وأبي ذر (كلاهما توفيا سنة 32).
قال جبير بن نفير: "لقد استقبلت الإسلام من أوله، فلم أزل أرى في الناس صالحًا وطالحًا".
وقال علي ابن المديني: "حدثنا زيد بن حباب، عن معاوية، سمع أبا الزاهرية، عن جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي، وكان جاهليًا إسلاميًا".
7- الحديث ليس في باب الأحكام ولا العقائد، وليس في متنه نكارة، فلا يتشدد فيه.
حديث أبي هريرة:
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/111)، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/313): حدثنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثنا علي بن قتيبة، قال: حدثنا مالك، عن موسى الأحمر، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال".
قال العقيلي: "ليس لهما أصل من حديث مالك، ولا من وجه يثبت".
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قلت: هذا إسناد باطل، آفته علي بن قتيبة، منكر الحديث، يحدث عن الثقات بالبواطيل وبما لا أصل له.
حديث عبد الله بن أبي أوفى:
أخرجه القضاعي في "مسنده" (1024): وأنا منصور بن علي الأنماطي، نا الحسن بن رشيق، نا محمد بن محمد بن الأشعث، نا خالد، نا المفضل بن المختار، عن فائد أبي الورقاء، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال".
# وعزاه السيوطي لابن مردويه في "الدر المنثور" (14/518).
قلت: وهذا إسناد باطل، فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء العطار متروك الحديث.
قال أبو حاتم الرازي: "فائد ذاهب الحديث؛ لا يكتب حديثه، وكان عند مسلم بن ابراهيم عنه، فكان لا يحدث عنه، وكنا لا نسأله عنه، وأحاديثه عن ابن أبى اوفى بواطيل لا تكاد ترى لها اصلا كأنه لا يشبه حديث ابن ابى اوفى، ولو أن رجلا حلف ان عامة حديثه كذب لم يحنث"[10].
قال ابن حبان: "كان ممن يروي المناكير عن المشاهير ويأتي عن بن أبي أوفى بالمعضلات لا يجوز الاحتجاج به"[11].
كلام عبادة بن الصامت:
أخرجه ابن مردويه في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" (14/518) للسيوطي، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال".
قلت: وما ينفرد به ابن مردويه ضعيف، لا يصح.
كلام الإمام الطحاوي رحمه الله:
قال رحمه الله (11/99): "بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)، ومن قوله: (لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال).
قال: ففي هذا الحديث أن فتنة أمته المال، فكيف يجوز أن تكون فتنة النساء أعظم من ذلك؟ فكان جوابنا له في ذلك: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من فتنة النساء) هو على الفتنة التي تلحق الرجال دون النساء، وفي ذلك ما قد دل أنه ترك صلى الله عليه وسلم في أمته فتنا سوى النساء، وكان قوله صلى الله عليه وسلم: (فتنة أمتي المال) على فتنة تعم الرجال والنساء من أمته، فكانت تلك الفتنة أوسع وأكثر أهلا من الفتنة الأخرى، وكل واحدة منهما فأهلها الأهل الذين قد دل كل واحد من هذين الحديثين عليهم من هم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من تحذيره من فتنة الدنيا ومن فتنة النساء".
ثم أسند الطحاوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل بالنساء)، وقال: " فكان في هذا الحديث ذكره فتنة النساء التي ذكرها في حديث أبي عثمان النهدي، وذكر فتنة الدنيا، وفيها الفتنة بالمال المذكورة في حديث كعب بن عياض والفتن بما سوى ذلك، والله الموفق".
ثالثا: الحكم النهائي:
الحديث صحيح من حديث كعب بن عياض الأشعري رضي الله عنه.
كتبه
أبي عبد الله الإسكندراني
أحمد بن عبد المنعم
(موسوعة رمح السنة)
https://sunnapike.wordpress.com/
[1] "الإلزامات" (ص 98).
[2] في المطبوع: "عبد الله"، والصواب ما أثبت.
[3] "مختصر الخلافيات للبيهقي" (1/500).
[4] "جذوة المقتبس" (ص 342) لأبي عبد الله الحميدي.
[5] "الاستيعاب" (3/1323).
[6] "تذكرة الحفاظ" (3/67).
[7] "فتح الباري" (11/253).
[8] "التاريخ الكبير" (7/222).
[9] تعليقه على "الموضح" (1/128) للخطيب.
[10] "الجرح والتعديل" (7/84) لابنه.
[11] "المجروحين" (2/203).