(حذفتها ولم أندم إلا على الأصدقاء الأنقياء الذين كانوا فيها)
قال أحدهم مرّة: حذفت صفحتي في الواجوه (الفيس بوك) غير نادم.
أمّا أنا فقد كان ندمي على بعض من كان فيها من الطيّبين الأنقياء كما أحسبهم والله حسيبهم، ولا أزكّي على الله أحدا.
في الواجوه (الفيس بوك) كان عندي صفحة تعجّ بالأصدقاء، تنهال عليّ الإعجابات بالمئات والتعليقات بالعشرات وفي أحيانٍ تتجاوز المائة، هؤلاء الأصدقاء بعضهم كالغذاء، وبعضهم كالدواء، وبعضهم كالداء، ولكن بعد مدّةٍ تبيّن لي أنّ الغذاء لو خُلط بالداء والدواء لغلب الداء، هذا الداء أثّر في أغلب أهل الواجوه إلا من رحم ربي.
-رأيت فيه من يصف الرجل التافه بالأديب، رأيت فيه من ينادي من هو أقل منه علمًا بالعلّامة أو الفقيه، فلا أدري أأعماه الله أم هو تواضعٌ مذمومٌ ليس في محلّه؟
-رأيت فيه البغاث يستنسر، والهرّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد الهصور؛ بسبب مدح الجهّال لهما، وربّما ظنّ بعضهم نفسه الشافعي فتراه يحلل ويحرّم للجهّال الذين ظنّوه عالمًا وصدّق هو ظنّهم فيه.
-رأيت فيه من ينصب شَرَكه للإناث بكلماتٍ معسولةٍ دسّ فيها سمّه القاتل؛ لعلمه أنّ الأنثى قد تعشق من الكلمات ولو لم تشاهد الكاتب، فتارةً تجده يدافع عن حقوقها الضائعة -كما يزعم- ، وأحيانًا أخرى يذمّ أبناء جنسه من الذكور؛ كلّ هذا ليجرها إلى حواراتٍ تافهةٍ تمدحه من خلالها، وربّما لحديثٍ عبر الخاصّ ثمّ ... فموعدٌ فلقاء.
-رأيت فيه لصوص الأدب قد لبسوا أقنعة الزور، يسرقون الشعر والكلام الرصين ثمّ ينسبونه لأنفسهم لكسب الإعجابات والتعليقات وخاصّة الناعمة منها، ومن ذلك أنّي قلتُ مرّةً عندما رأيت تلك المحجبة تخرج من تحت الركام في حلب:
قل للجريحة بالخمار الأغبرِ ... علّمتنا درس العفاف الأطهرِ
فسرقه ثمّ نسبه لنفسه أكثر من عشرين شخصًا انهالت عليهم عبارات المدح والثناء ولم يقل أحدٌ منهم أنّ هذا البيت ليس من تأليفه.
-رأيت فيه حبّ المدح قد استولى على قلوب كثيرٍ من الناس، وخاصّةً المدح الناعم من النساء، فتجد الرجل يستحل لنفسه مالا يرضاه في عرضه، فيقبل المدح وأحيانًا المدح الذي يشبه الغزل من النساء، ولا يرضى أن تعلق زوجته أو أخته ... مثله عند غيره من الرجال.
-أما الذي لم أشاهده إلا نادرًا وكنت أتمنّى رؤيته فهو الانقياد للحقّ، فقد كانت أغلب النقاشات أو قل الجدالات في الواجوه تبدأ بالحوار اللطيف وفي دقائق معدودةٍ يتحوّل الحوار إلى جدالٍ أو مراءٍ ثمّ يبدأ الشتم والسبّ والخوض في النيّات وينتهي الجدال بلا نتيجة ثمّ يغلق كلّ طرفٍ حقيبته التي امتلأت غلّا، ويدير ظهره لأخيه وقد حمل كلّ واحدٍ منهم في صدره حقدًا على صاحبه.
أتدرون عند من كنت أشاهد هذا (غالبا)؟
للأسف عند من يُحْسب أو يَحْسب نفسه على الملتزمين.