الغفور الرحيم
من آداب الدعاء أن يدعو العبد ربه بالاسم الذي يناسب موضوع الدعاء، يقول تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ} (الأعراف: 180)، ولو تدبر أحدنا كتاب الله عز وجل، ولاسيما خواتيم الآيات التي تنتهي بالأسماء الحسنى، لوجد أن الاسم دائماً يناسب الآية، كيف لا وهو كلام الله عز وجل؟
- هل لك أن توضح الأمر بأمثلة من كتاب الله؟
- نعم، مثلا (الغفور الرحيم)، و(غفور رحيم).
وهما اسمان من أسماء الله الحسنى، وردا متلازمين في (49) آية من كتاب الله (غفور رحيم) (42) مرة، و(الغفور الرحيم) (7) مرات، ولم ترد (الرحيم الغفور) إلا مرة واحدة في سورة (سبأ).
كنت وصاحبي في جلسة استرخاء بعد أن انتهت محاضراتنا الصيفية، بانتظار أن تنتهي فترة الازدحام المروري، التي تستمر من الواحدة ظهراً إلى الثانية والنصف.
علق صاحبي.
- ترتيب منطقي أن الله يغفر ثم يرحم.
- تعالى نتدبر بعض الآيات، أول آية ورد فيها الاسمان في البقرة (173) {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وفي سور كثيرة يقترن الاسمان بتوبة العبد، كقوله عز وجل: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} (البقرة: 191 - 192)، ويقول تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران: 89)، هكذا معظم الآيات دعوة للاستغفار، للتوبة، للانتهاء من الذنب، للتوقف عن المعصية، ووعد بالمغفرة والرحمة.
استوقفني
- ما معنى (غفور) لغة؟
- (الغَفْرُ) التغطية، يقال: (اغفروا هذا الأمر بغفرته) أي: أصلحوه أو ينبغي أن يصلح به، و(استغفر) طلب المغفرة، أي: تغطية الذنب، وفي الحديث: عن أبي هريرة قال: سمعت النبي[ قال: «إن عبدا أصاب ذنبا، وربما قال أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب، أو أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت، أو أصبت آخر فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم ذنبا أذنب ذنبا، وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال رب أصبت أو أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء» (متفق عليه)، وفي رواية (علم) بدل (أعلم عبدي).
فمن هذا الحديث نفهم أن مغفرة الله للعبد هي: ألا يؤاخذه على ذنبه، فبعد عدم المؤاخذة يتم الله فضله على عبده، فيرحمه، فهو (الغفور) أولاً (الرحيم) بعد المغفرة.
- وماذا عن الآية التي ورد فيها (الرحيم) قبل (الغفور)؟
- نعم هي في أوائل سورة سبأ، يقول تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ
} فهو سبحانه يثني على نفسه (الحمد لله) في الدنيا والآخرة، ويبين أنه الرحيم؛ ولذلك يغفر ويتجاور عن الذنوب، أما الآيات الأخرى، فهي في حق من يطلب المغفرة، فإنه يغفر ذنبه ثم يرحمه.
والله أعلم.
اعداد: د. أمير الحداد