سُورَةُ ص مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}[ص: 1]
{ص} تَأْوِيلُهَا تَأْوِيلُ نَظَائِرِهَا الَّتِي قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا لَهَا قَبْلُ فِيمَا مَضَى.. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: فِي مَعْنَاهَا كَقَوْلِكَ: وَجَبَ وَاللَّهِ، نَزَلَ وَاللَّهِ، وَحَقَّ وَاللَّهِ، وَهِيَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ: {وَالْقُرْآنِ} كَمَا تَقُولُ: حَقّاً وَاللَّهِ، نَزَلَ وَاللَّهِ..
{وَالْقُرْآنِ} وَهَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَذَا الْقُرْآنِ..
{ذِي الذِّكْرِ}[ص: 1] ذِي التَّذْكِيرِ لَكُمْ، أَنْزَلَهُ ذِكْراً لِعِبَادِهِ، ذَكَّرَهُمْ بِهِ..
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}[ص: 2]

{بَلِ} مَا الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ: بَلْ ..
{الَّذِينَ كَفَرُوا} بِاللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ..
{فِي عِزَّةٍ} فِي حَمِيَّةٍ..
{وَشِقَاقٍ}[ص: 2] وَمُشَاقَّةٍ وَفِرَاقٍ لِمُحَمَّدٍ وَعَدَاوَةٍ، وَمَا بِهِمْ أَنْ لَا يَكُونُوا أَهْلَ عَلْمٍ، بِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ وَلَا كَذَّابٍ.
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}[ص: 3]

{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ} كَثِيراً أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا رَسُولَنَا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِنَا مِنَ الْحَقِّ..
{مِنْ قَرْنٍ} مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِهِمْ فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ..
{فَنَادَوْا} فَعَجُّوا إِلَى رَبِّهِمْ، وَضَجُّوا وَاسْتَغَاثُوا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ حِينَ نَزَلَ بِهِمْ بَأْسُ اللَّهِ، وَعَايَنُوا بِهِ عَذَابَهُ، فِرَاراً مِنْ عِقَابِهِ، وَهَرَباً مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ..
{وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}[ص: 3] وَلَيْسَ ذَلِكَ حِينَ فِرَارٍ وَلَا هَرَبٍ مِنَ الْعَذَابِ بِالتَّوْبَةِ، وَقَدْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَتَابُوا حِينَ لَا تَنْفَعُهُمُ التَّوْبَةُ، وَاسْتَقَالُوا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْإِقَالَةِ.
{وَعَجَبُوا أَنْ جَاءَهُمُ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[ص: 4]
{وَعَجَبُوا} وَعَجِبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ..
{أَنْ جَاءَهُمُ مُنْذِرٌ} يُنْذِرُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ..
{مِنْهُمْ} مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِذَلِكَ..
{وَقَالَ الْكَافِرُونَ} وَقَالَ الْمُنْكِرُونَ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ..
{هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}[ص: 4] يَعْنُونَ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5]
{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ قَالُوا: مُحَمَّدٌ سَاحِرٌ كَذَّابٌ: أَجْعَلَ مُحَمَّدٌ الْمَعْبُودَاتِ كُلَّهَا وَاحِداً، يَسْمَعُ دُعَاءَنَا جَمِيعَنَا، وَيَعْلَمُ عِبَادَةَ كُلِّ عَابِدٍ عَبَدَهُ مِنَّا..
{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5] أَيْ إِنَّ هَذَا لِشَيْءٍ عَجِيبٌ.. وَكَانَ سَبَبُ قِيلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «أَسْأَلُكُمْ أَنْ تُجِيبُونِيَ إِلَى وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتَعْطِيكُمْ بِهَا الْخَرَاجَ الْعَجَمُ» فَقَالُوا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: تَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} تَعَجُّباً مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ.