تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: عيش الغرباء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    105

    افتراضي عيش الغرباء

    عن أبي هريرة رضي الله عنه كان يقول:
    (( ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق» ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي» قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: «يا أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال:
    «خذ فأعطهم» قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت، فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة )).

    أخرجه البخاري (3708) و(5375) و(5432)و(6246) و(6452) و(7324)

    ولقد تقدّم تخريجه مستوفى كل طرقه وألفاظه في ( مجلس الحديث وعلومه) .

    شرح الحديث وفوائده :
    يتحدث أبو هريرة رضي الله عنه عن حالة الجوع التي كانت تبلغ منه مبلغًا لا يطاق ، فقد كان يصل به الجوع الشديد إلى أن يلصق بطنه بالأرض من شدته عليه , ولقد كان يأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه وكان يبلغ به الحال أعظم من ذلك، فقد كان في بعض الأحيان يُصرع من الجهد والجوع،فيظن المار به والناظر لحاله أنه مجنون , وما أصاب أبا هريرة رضي الله عنه من الجوع الشديد لم يكن قصراً عليه، فأهل الصفة كانوا جميعاً على مثل حاله، بل كان الجوع الشديد يصيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكبار الصحابة.
    قال الطبري : " في اختيار الشارع وخيار السلف من الصحابة والتابعين شظف العيش ، والصبر على مرارة الفقر والفاقة، ومقاساة خشونة الملابس والمطاعم ، على خفض ذلك ودعته حلاوة الغنى ونعيمه، ما أبان عن فضل الزهد في الدنيا وأخذ البلغة والقوت خاصة، وكان نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام - يطوي الأيام، ويعصب على بطنه الحجر من الجوع، إيثارًا منه شظف العيش والصبر عليه، مع علمه بأنه لو سأل ربه أن يسير له جبال تهامة ذهبًا وفضة لفعل، وعلى هذِه الطريقة جرى الصالحون , ألا ترى قول أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنه كان يشد الحجر على بطنه من الجوع، وخرج يتعرض من يمر به من الصحابة يسأله عن آي من القرآن ليحمله ويطعمه ".
    قال العيني في "عمدة القاري" 23/ 59 : " وفائدة شد الحجر على البطن المساعدة على الاعتدال والانتصاب على القيام أو المنع من كثرة التحلل من الغذاء الذي في البطن لكونها حجارة رقاقا تعدل البطن، وربما سدت طرف الأمعاء فيكون الضعف أقل، أو تقليل حرارة الجوع ببرودة الحجر، أو الإشارة إلى كسر النفس وإلقامها الحجر، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
    وقال الخطابي: اشكل الأمر في شد الحجر على قوم حتى توهموا أنه تصحيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة التي يشد بها الإنسان وسطه، لكن من أقام بالحجاز عرف عادة أهله في أن المجاعة تصيبهم كثيرا فإذا خوى البطن لم يكن معه الانتصاب فيعمد حينئذ إلى صفائح رقاق في طول الكف فيربطها على البطن فتعتدل القامة بعض الاعتدال.
    قلت: وممن أنكر ربط الحجر ابن حبان في (صحيحه) ".
    قوله : ( ألله الذي لا إله إلا هو ) الله : بالنصب قسم حذف حرف الجر منه، ويروى: والله، على الأصل .
    قوله : ( إن كنت لأعتمد بكبدي ) أي: إلصق بطني بالأرض .
    قوله : (ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه) أي: طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممن كان طريق منازلهم إلى المسجد متحدة , لعلّ أحدهم يكفيه يومه , فهو رضي الله عنه أقعده عن طلب الرزق التفرّغ لطلب
    حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , ولقد رزقه الله ميراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصبره على الجوع والحاجة , فكان أحفظ الصحابة على الإطلاق , نعم بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين .
    قوله : (فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني ) والظاهر أنهما حملا سؤال أبي هريرة على ظاهره، وهو سؤاله عن آية من القرآن، أو لم يكن
    عندهما شيء يواسيانه به ، وقد تقدّم في تخريج الحديث أن عمر رضي الله تعالى عنه قال : " والله لأن أكون أدخلتك أحب إلي من أن يكون لي مثل
    حمر النعم " .
    قوله : (فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي ) أي : عرف ما في نفس أبي هريرة من حاجته لشيء من الغذاء يتقوى به ليقيم صلبه , وعرف ما في وجهه من تغيّر لونه إلى الاصفرار من شدة الجوع , والمعنى : كأنه صلى الله عليه وآله وسلم
    عرف ما في نفسه من تغير وجهه , وتبسّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه حتى يخفّف عنه بعض الألم مما أصابه من بلاء الجوع وشدته .
    قال في "الفتح" : " التبسم يكون للتعجب ولإيناس من يتبسم إليه وحال أبي هريرة لم تكن معجبة فيترجح الحمل على الإيناس ".
    قوله : ( يا أبا هر ) ترخيم أبا هريرة والترخيم حذف أواخر الكلمة تخفيفا , ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة ( ياعائش ) رواه مسلم (974).
    قوله (الحق) في الأولى من اللحوق أي: اتبعني , وفي الثانية : (الحق) أي : انطلق إلى أهل الصفة وأدركهم في مكانهم , وأهل الصفة ناسٌ فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره كما جاء عند ابن سعد من مرسل يزيد بن عبد الله بن قسط , وذكر الحافظ أنهم سبعون نفسا , والحال كما قال أبو هريرة رضي الله عنه أهل الصفة : أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها.
    قوله : ( فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها ) ومعناه : أنه أصابه الهم لذلك فإن الجوع بلغ منه مداه فهو يريد شربة يتقوّى بها على جوعه فإنه سحقه حتى ضاقت نفسه رضي الله عنه , فحدّث نفسه , وهل يكفي هذا القدح جمعًا من الناس ؟! وأين يقع هذا اللبن منهم؟! لكن لم يكن من الصحابي الصابر إلا أن قال : " ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد " , فلقد علم رضي الله عنه وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنشط والمكره، فأبو هريرة مع شدة جوعه ومعاناته، أطاع، ودعا أهل الصفة، وصبر على جوعه، ولم يرد على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمره.
    قال أبو هريرة : ( فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم،
    فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت، فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة ) وهذا فيه من البركة التي أجراها الله على يد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد بارك الله في اللبن القليل الذي لا يكاد يكفي الواحد أو الاثنين فكفى هذا الجمع من أهل الصفة حتى كان أحدهم يروى منه ، بل إن أبا هريرة لم يجد مسلكا للزيادة فلقد تضلّع من اللبن حتى قال ( لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا) فلقد أقسم أنه لا يجد مكانا للزيادة في الشرب منه , وهذا قد جرى على يد الرسول
    صلى الله عليه وسلم مرات كثيرة , وسيأتي -إن شاء الله تعالى - ذكر بعضه في سلسلة مقالات عيش الغرباء .


    ****************

    ومن فوائد هذا الحديث :

    الأولى : كتمان الحاجة والتلويح بها أولى من إظهارها .
    الثانية :كرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإيثاره على نفسه .
    الثالثة :جواز الشبع .
    الرابعة :الشرب من قعود .
    الخامسة:ساقي القوم آخرهم شربًا.
    السادسة :استحباب الحمد على النعم .
    السابعة :التسمية عند الشرب .
    الثامنة : فيه جواز الإخبار عن شدة عيش أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحسن صبرهم.
    التاسعة : وفيه علم عظيم من أعلام النبوة؛ وذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم عرف ما في نفس أبي هريرة، ولم يعلم ذلك أبو بكر ولا عمر رضي الله عنهما وفيه: شرب العدد الكثير من اللبن القليل حتى شبعوا ببركة النبوة ، وذلك من أعلامها أيضًا.
    العاشرة : فيه جواز الإخبار عن شدة العيش على وجه شرح الحال , وتسلية المؤمن الفقير، لا على وجه الشكاية من الأقدار.
    الحادية عشر : التبسّم في وجه المكروب والمهموم لتسليته وتخفيف مصابه .
    الثانية عشر : فيه إشارة إلى أن الإمام، والعظيم في قومه، والعالم يستحب له أن يكون له بيت للضيافة .
    الثالثة عشر : استحباب سؤال الرجل عما يجده في بيت نفسه، إذا كان لا مادة لذلك الشيء من ماله يعلمها؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لما رأى اللبن سأل عنه، فيستدل أنه لم يكن له حلوبة في البيت؛ فلذلك سأل، فلما قيل له: أهداه لك فلان أو فلانة رضيه - صلى الله عليه وآله وسلم - واستطابه.
    الرابعة عشر : وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويأكل منها .
    الخامسة عشر : وفيه أنه لا حرج على ولي الأمر أو العالِم أن يكلف بعض أتباعه ببعض المهمات، كما كلّف الرسول صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بدعوة أهل الصفة، وإسقاء القوم اللبن.
    السادسة عشر : وفيه إبطال ما يدور على ألسنة الناس من أن الهدية لا تُهدى ولا تُباع , فقد ضَيَّف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهل الصفة من اللبن الذي أُهدِيَ إليه , كما أنه يجوز بيع الهدية وذلك أن المهدَى إليه بقبضه الهدية ملكها، ثم يجوز للمالك أن يتصرف فيما يملكه، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل مما تُصدق به على بريرة، وعلَّل ذلك بأنه وإن كان صدقة على بريرة، فإنه منها هدية له، فبريرة ملكت، ثم أهدت.
    السابعة عشر: جواز قول الرجل: لبيك، كما قال أبو هريرة ذلك للرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما ناداه، ويكثر قول ذلك إذا كان المنادي له سلطان أو آمر على من ناداه.
    الثامنة عشر : جواز شرب الجماعة من نفس القدح .


    كتبه
    أبو سامي العبدان
    حسن التمام
    19 صفر 1437 من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2015
    المشاركات
    105

    افتراضي

    تخريج الحديث في هذا الملتقى النافع : http://majles.alukah.net/t148562/

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2015
    المشاركات
    147

    افتراضي

    بارك الله فيكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •