وحدة الصف ليست بالتمني ولا بالتحلي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فمقولة الحسن البصري الرائعة التي يكثر بعضنا ذكرها في حديث شريف، لكنها من كلامه -رحمه الله-: «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن أناسًا خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم يقولون: نحسن الظن بالله؛ كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل».
تنطبق هذه المقولة على قضية وحدة الصف الإسلامي، فالوحدة وعدم التفرق من الإيمان، ولابد إذاً أن نعلم أن مجرد أحلام الوحدة وأمانيها لا تحقق الوحدة، فالذي يركب سيارة تسير على طريق مرسى مطروح وطوال المسافة يدعو: «يا رب أوصلني إلى القاهرة!»، ويمني نفسه أنه سوف يفعل ويفعل في القاهرة عند وصوله! لن يصل إلى القاهرة وإنما إلى مطروح؛ هو مغرور!
وإنما الراجي حقيقة هو مَن سلك الطريق الموصلة إلى غايته، ثم دعا الله وتوكل عليه في الوصول إلى غايته التي أخذ أسباب الوصول إليها.
وكذلك لا يكفي في تحقيق الوحدة التحلي ورفع الشعارات والادعاءات، وإظهار الأسف على المتفرقين المتخاصمين على الدنيا ومراكزها، وربما كان الذي يتهمهم ممن لا يرى العمل الجماعي أصلاً!
وربما افتخر وتشرف بأنه لا ينتسب ولا ينتمي إلى جماعة ولا إلى حزب وكأنها مسبة ومطعن! ومع ذلك يرفع شعارات الوحدة ونبذ الفرقة، وهو في حقيقته أهم هادم للوحدة الإسلامية، ويفرِّق الإمكانات الدعوية، في حين أنه هو الذي يرفع شعار وحدة الصف!
ونحب أن نلخص جملة من الأمور التي لابد من تحققها لتحصيل الوحدة المنشودة:
1- وحدة المنهج على أهداف أهل السنة والجماعة هي أصل وحدة الصف، قال الله -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران:103)، فكلمة التوحيد أساس توحيد الكلمة، وليس كل اجتماع مأمور به، وإنما هو ما كان اعتصامًا بحبل الله -تعالى-.
2- الدعوة إلى الله أصل الاجتماع لإعلاء كلمة الله في الأرض، فلا يعد اجتماعًا مشروعًا إذا كانت تضيع فيه قضايا الدعوة الأساسية التي أصلها التوحيد والاتباع والتزكية.
3- الحذر من البدع وأهلها؛ لأنهم هم سبب الفرقة والضلال، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
4- الحذر من البغي وتجاوز الحدود مع الآخرين، ولاسيما عند الخصومة والاختلاف؛ فإن سبب الفرقة فيما كان قبلنا البغي، قال الله -تعالى-: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (البقرة:213).
ومن صور البغي الخطِرة: الكذب في الحديث عن الآخرين، وعدم التثبت في نقل الكلام عنهم، وعدم الوفاء بالوعود، ونقض العهود، والفجور في الخصومة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (متفق عليه).
5- العمل على نشر العلم والتحذير من الجهل؛ فإنه من أعظم أسباب الفرقة ولاسيما في أصول الدين ومسائله الكبرى، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ» (متفق عليه).
6- إن مراعاة فقه الخلاف، ومعرفة حدود السائغ منه وغير السائغ، وتقديم القدوة الصالحة في التعامل مع المخالف المجتهد، وكف الأذى عنه، من أعظم أسباب ظاهرة الاختلاف في الصف الإسلامي، قال الله -تعالى- في أمر الخلاف السائغ: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (الأنبياء:78-79)، فبيًّن القول الراجح وغير الصائب، وأثنى على الجميع بالحكمة والعلم.
7- إمساك الألسنة عن الخوض في أعراض الناس «وخصوصًا العلماء والدعاة»، وتجنب السخرية والاستهزاء والبذاء بالألفاظ، حتى لو استعملها غيرنا؛ لأننا ملتزمون بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).
نسأل الله -عز وجل- أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والخير، وأن يؤلف بين قلوبنا، وأن ينصرنا على عدوه وعدونا.
اعداد: ياسر برهامي