نظرات في قوله تعالى
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله والتنظر نفس ما قدمت لغد) الحشر.افتتح الحق تبارك وتعالى هذه الأية الكريمة بهذا النداء الكريم.
بهذا النداء الشيق.
بهذا النداء المحبوب لدى السامع.
إنه النداء الذي يشعر المنادى به بالرفعة (يرفع الله الذين آمنوا منكم )
انه نداء التشريف قبل التكليف.
انه نداء التخصيص لاالتعميم.
انه النداء التمهيدي الذي يسهل علينا كل تكليف.
انه النداء الذي يهون علينا كل مشقة وكلفة.
انه النداء الذي يهتف به الحق تبارك وتعالى المؤمنين قبل كل تكليف من أمر ونهي.
انه النداء الذي تكرر وروده في القرآن الكريم قرابة تسعين مرة. أيها الإخوة والأخوات في الله، إن النداء بهذا الشكل،وبهذه المكانة، يستلزم منا أن نقف عنده بعض الوقفات، من باب مالايدرك كله لايترك جله ،نقف عنده،لنتدبره ،ولنتكتشف بعض أسراره،لامن أجل أن نمر عليه مرور الكرام،سيما وأنه نداء رباني قرآني، والقرآن أنزله الله سبحانه للتدبر، ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَاب) (كتاب) هنا نون بتنوين التنكير الدال على التعظيم، كِتَابٌ أَنـزلْنَاهُ إِلَيْكَ(مُبَارَكٌ )صفة للكتاب ،و الهدف والحكمة من انزال الله الكتاب، ليدبروا آياته، أي الناس ،، لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وقرأ أبو جعفر وعاصم (لتدبروا آياته ) بالتاء بمعنى أنت وأتباعك، فالقرآن وعاء العلوم كلها ، قال تعالى (أنزله بعلمه) أي أنزله وفيه علمه، وتالى تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) لاحظ معي كلمة (للذكر) ولم يقل للحفظ،لأن حفظه هبة وعطاء لمن اصطفاه الله (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) الأية. وقال تعالى (انا نحن نزلنا الذكر ...) فسماه ذكرا،فالقرآن كتاب ذكر يرفض الغفلة بقوة،
قلنا لابد من فقه أسرار هذا النداء،
1 ـ من أسرار هذا النداء التنبيه، فهو منبه، (يا أيها) وهذا مستفاد من الهاء في (ياأيها) لأنها حرف تنبيه، إن الذي يريد أن يستيقظ لصلاة الفجر أو للعمل أوعنده موعد ما يهمه يضع منبها كي يستيقظ وكي لايفوت عليه الفرصة وهذا النداء هو أيضا ينبهك،
2ـ الإلتفات ،لأنك عندما تسمع أحدا ينادي باسم وأنت تحمل ذلك الإسم فانك بمجرد سماعك للإسم تلتفت، الى المنادي،فربنا أراد منا أن نلتفت الى نداءآته المتكررة،
3ـ التعيين،(يا أيها الذين آمنوا) فأنت حين ما تسمع مناديا ما، ينادي ياصاحب الجلباب الأبيض، فانك ترد على المنادي بنعم،
3ـ الإيقاظ من الغفلة ، لأن الياء ينادى بها البعيد أو من هو في حكمه،
4ـ الإرشاد الى اختيار الأسلوب وانتقاء العبارات في النداء والخطاب، (.......................... ) وو
لماذا المؤمن؟
لأن المؤمن حي ، ومن شأن الحي أن يستجيب،لأن الله لايخاطب الموتى،لأنهم موتى (انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ) لأن المون يعي ويعقل، والله لايخاطب المجانين ،فان التكليف عنهم قد رفع،
لأن المؤمن يسمع ويطيع ،لأن المؤمن يمتثل، (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم...) فالمؤمن يعلم أن الله اذا دعاه الى شيئ فانما يدعوه الى مافيه صلاحه،لأن الله أراد للمؤمنين أن يعيشوا حياة ،في الدنيا، من أجل أن يعيشوا الحياة الحياة الحقيقية في الآخرة، (وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) وأل هنا لبيان الحقيقة، كما في قوله تعالى (وجعلنا من الماء كل شيئ حي )،
الناس تجاه نداءآت الله فئات ثلاث
* فئة تسمع وتعصي ظاهرا وباطنا وهي فئة الكافرين، يقول سمعنا وعصينا ،وهذا صنف معاند معروف
* فئة تسمع وتطيع ظاهرا وباطنا وهي فئة المؤمنين، يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير، وهو الصنف الذي توجهت اليه تلكم الندآءآت الربانية،
* فئة تسمع وتطيع ظاهرا وتعصي وتجحد باطنا هي فئة المنافقين،
* أما في عصرنا فقد ظهرت فينا ومنا طائفة أخرى تسمع وتعترف وتفهم ، لكن مشكلتها في التنفيذ، فهذه الطائفة عندها مــعـــول الهدم وجرافة الردم في عبارة مختصرة، يهدمون بها كل شيئي يتعلق بالدين، هذه العبارة هي (لـكن) يقولون سمعنا ، نعم وهذا حق، ولـكـن،، فلو حاورت تارك الصلاة لقال لك الصلاة كذا وكذا ولكن، ولو حاورت مدخنا لقال لك نفس الكلام وهكذا دواليك، عباد الله،بعد هذه المقدمة، ذكرنا الحق سبحانه وتعالى بالجوهر المفقود، ألاوهو التقوى، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله (ولتنظر) بلام الأمر الدال على الوجوب، (نفس) بتنوين العوض،فقد حذفت لفظة (كل)على غرار قوله تعالى قل كل يعمل على شاكلته، أي كل إنسان فحذفت لفظة (إنسـان) (ما ) ماهنا موصولة بمعنى الذي وهي من صيغ العموم ،فتشمل كل أعمال الإنسان من خير أو شر، قدمت (لغد ) كنى الله يوم القيامة بالغد وإن الغد لناظره لقريب، ونكره لعظمته وابهام أمره، ويكفي أنه يوم يشيب لهوله الولدان ، فاللهم لطفك (واتقوا الله...) والوصية بالتقوى هي وصية الله لجميع الخلق ، (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم واياكم أن اتقوا الله) ووصية الله لنبيه، (يا أيها النبيئ اتق الله ..)
( ولتنظر نفس ماقدمت لغد ) (يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا ...) (وقالوا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة الا أحصاها ...) (فأما من ثقلت موازينه ......) إخوة الإسلام، نحن مقبلين على رمضان ،لذلك كان لزاما علينا أن نراجع أنفسنا، ونرتب أوراقنا ونصطلح مع خالقنا سبحانه، فالدنيا مزرعة الآخرة، فلننظر ماالذي قدمناه لأنفسنا قبل أن يقول كل واحد منا (ياليتني قدمت لحياتي ) (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن أن يأتي أحدكم الموت..) لأن يوم القيامة الإنسان يتحسر فيقول(رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت ..) (أن تقول نفس ياحسرتى على مافرطت في جنب الله وان كنت لمن الساخرين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) ولكن هيهات هيهات وحيل بينهم وبين ما يشتهون، فالدنيا مزرعة الأخرة فهنا تزرع وهنالك تجني ، سماها بالغد ،لقرب دنوها وزوالها، وان الغد لناظره لقريب، الدنيا سميت بالغد ، وسميت بالدنيا،وسميت بالدنيا لأمرين،
* قيل لدنوها وزوالها،
* قيل لدناءتها،ومن هنا قيل أخرج الله آدم من الجنة ليقضي حاجته فيها، فسميت بالدنيا، لما أكل آدم من الشجرة باغواء من الشيطان، أراد أن يستريح والجنة ليست محلا للقذورات، فأهبط الى الدنيا، وفي الحديث (لو كانت الدنيا تساوي عند الله حناح بعوضة..) ) روى جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدي ميت فقال ( أيكم يحب أن له هذا بدرهم؟فقالوا ما نحب أنه لنا بشيئ ؟ قال فوالله للدنيا أهون (أحقر) على الله من هذا عليكم )رواه مسلم
،(الدنيا ملعونة ملعون مافيها الا ذكر الله أو عالما أو متعلما ) (إن الله خبير بما تعملون )جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه آمين آمين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله ....
الله لاتخفى عليه خافية
نهانا عن نسيانه، ونهانا أن نكون كأولئك القوم فقال(ولاتكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ...)
( ..وكذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه
(.. نسوا الله فنسيهم ) التوبة
* جاء في تفسير الطبري تركوا طاعة الله فتركهم الله من ثوابه
* تركوا أمر الله فتركهم الله.
* تركوا الله أن يطيعوه ويتبعوا أمره، فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته
وأسباب نسيان الله كثيرة ومتعددة ومتشعبة،في تفاصيلها وجزئياتها، لكن مردها وأصولها الرئيسية أربعة
* فتنة الشيطان بأمانيه الخداعة،وطرقه الساحرة، ووساوسه الكاذبة، (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) (زين للناس حب الشهوات ...) وأصل الضلال الشهوات والشبهات،
*فتنة الأموال،فالأموا ل نعمة وفتنة، سلاح ذو حدين.
* فتنة الأولاد نعمة ونقمة، سلاح ذو حدين.
* فتنة الرفقة السيئة.
هذه أهم الأسباب الدافعة الى نسيان الله،أما مايتعلق بالأموال فلقوله تعالى (انما أموالكم وأولادكم فتنة) ولقوله لقوله أيضا،(ياأيها الذين آمنوا لاتلهكم أموالكم ..) الله يقول (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ) فهما زينة،وليس هما الدنيا، فالخاتم زينة الإصبع وليس هو الإصبع ،والحديقة هي زينة المنزل وليست هي المنزل،وهكذا، وفي آية أخرى من كتاب الله (وما أموالكم ولاأولادكم بالتي تقربنا الى الله زلفى)
وأما عن الرفقة السيئة ،فقد أمر الله عن الإعراض عنهم فقال (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد الا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم ) وفي الحديث عن رسول الله (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير...) وقال أيضا (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) وقال ايضا ( لاتصاحب الا مؤمنا ولايأكل طعامك الا تقي) (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين ) فالخلة إن لم تكن لله وفي الله تنقلب ضدا على أصحابها يوم القيامة، وقال الشعبي : وكان عقبة خليلا لأمية بن خلف ، فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا . وكفر وارتد لرضا أمية ، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية (ويوم يعض الظالم على يديه يقول.... ) .
فاللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ...
اللهم آت نفوسنا تقواها ...
اللهم بارك لنا في أسماعنا ...
اللهم شفنا ....
اللهم إنا نسألك العافية في الجسد والصلاح في الأهل والآولاد والأمن في البلد
اللهم قنا عذابك ...
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت ...