الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري


عام 1956












"جزائرُ" يا كوكبَ المشرقَيـ**ـن دجا الشرقُ من كُربةٍ فاطلُعي






ويا عَقِبَ العـرب الْمُغْرِبين ** أعيدي صدى "عُقبةٍ" تُسمعــي






أجدّي عهوداً عفـتْ وابعثي ** نوافـــحَ من ســفرها الممتعِ





إذِ الحقُّ يغمر من بلقـــعٍ ** ربى الخلد في مسكـــه الأضوعِِ






وإذ "يثرب" تُلهب المشرقيـ ** ـنِ بالعبقـــــري وبالألمعي






وإذ يهــزأ البدويُّ الأميـ ** ـنُ من تاج قيصــــرَ أو تُبَّعِ





"جزائر" يا جدثَ الغاصبين * بوركت في الموت من مربع


ويا نبعةَ الصُّبُرِ الصامـدين * لوَتْها الرياحُ ولم تقطــعِ


تعاصت فلم تعط من نفسها ** لنكبة جزعاء من زعــزع


ثبي.. فمناط رجاء الشعوب ** وموت الطواغيت أن تفرعي


"جزائرُ" سامَكِ خسفَ الهوان ** شـرعٌ لمثلـك لم يُشـرعِ


وسفرٌ به الْمُثُلُ الصــالحا ** تُ رُدَّت إلى الخلق الأوضع


أذيلـت صحائفــه النيرا ** تُ وديست وليثت بمستنقع


مشت لك "باريس" أم الحقو ** قِ! وحشاً يدب على أربعِ


تمزق أظفـــاره أمــةً **بحق الحيــاة لهـا تدعي




"فرنسا".. وما أقبح المدعى ** كِذاباً، وما أخبـث المدعي


فداء لمقصـــلة الثائرين ** مجازر للشيب والرضــع


لك الويل من رائم أُطعمت ** دم الراضــعين ولم تشبعِ


لك الويل فاجرةً علَّقت ** "صليبَ المسيح" على المخدع


تَهدم "بستيل" في موضعٍ ** وتبني "بساتيلَ" في موضعِ
أمِنْ "مشعل النور" ما تحرقين ** أباة على الضيم لم تربعِ؟


ومن يوم "تموز" ما ترسلين ** شواظاً على هُلَّعٍ فُزَّعِ


ومن "مطبخ" الثورة المدعا ** ة ما رحت تطهين للجوَّعِ


فيا سوأة الدهر لا تطلعي ** ويا بؤرة الغدر لا تنبعي


ويا قرحة في صميم الشعو ** ب قيئي صديدك واستبضعي


تواري فإن هوان الحيا ** ء والطهر والعدل أن تطلعي


وظلي بحيث يظل الغرا ** ب يحدج في جثث وقع



ردي علقم الموت لا تجزعي ** ولا ترهبي جمرة المصرعِ


فما سُعِّرَتْ جَمَرَاتُ الكِفـا ** حِ لغَيرِ خليقٍ بِها أروعِ


ولا تَهِني إن سومَ الفَخـا ** رِ يَشُقُّ على الهيِّنِ الطيِّعِ


دعي شَفَراتِ سُيوفِ الطُّغاةِ ** تُطَبِّقُ منكِ على الْمَقطعِ


فأنشودةُ المجــد ما وُقِّعَت ** علـى غير أَوْرِدَةٍ قُطّـعِ


وخلي النفوسَ العِذابَ الصلاب ** تَسيل على الأَسَل الشُّرَّعِ


فســاريةُ العـلمِ المســـــتقلِّ بغيـر يــدِ الـمـوتِ لم تُرفـعِ


ومُدِّي يداً لِمَجَــرِّ النُّـــجُوم ** وأُخــرى إلى الْجَدَثِ البَلْقعِ


فإنك والموتُ دونَ الحيـاضِ ** صنوانِ للشـرف الأرفعِ


رِدِي علقمَ الموت بئسَ الحياةُ ** تُرَنَّقُ بالذل من مَكـرعِ