تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: القارئ محمد صديق المنشاوي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي القارئ محمد صديق المنشاوي

    تجويد المنشاوي (دراسة وتحليل)
    ملخص البحث
    تناولت في هذا البحث سيرةَ المقرئ الشَّيخ محمَّد صدّيق المنشاوي وتلاوته لكتاب الله، ولم يكن القصد هو السَّرد التقليدي؛ بل لأجْل الاعتبار والتذْكِرة، وجعل الشيخ - رحمه الله - أنموذجًا للقارئ المثالي المرتِّل لكتاب الله حقَّ تلاوته، وقد تناولت ضِمْن البحث منهجَ الشيخ في تلاوته لكتاب الله - الترتيل والتجويد، والأداء والأسلوب - وتوسَّعت فيه؛ إذ كان هذا هو المقصود من هذا البحث، وقد قسمت البحث إلى أحدَ عشرَ فصلاً، تناولتُ في كلِّ فصلٍ موضوعًا مستقلاًّ، ومن ذلك: طريقة وأسلوب الشَّيخ في تلاوته للقرآن، وبعده عن أسلوب التِّلاوة عن طريق تعلُّم النَّغَم والموسيقى ممَّا لا يليق وعظمةَ كِتاب الله، وهو الفصْل السَّابع والثَّامن، وقبل ذلك تناولتُ بداية الشَّيخ ونبوغه، ثمَّ تربيته المثالية لأبنائِه، ثم أقاربه إلى العالم أجمع من خِلال تجويده للقرآن، وتناولت صبرَه على حسَّاده، ثمَّ صرامته في الحق، ثمَّ رحلته وتطْوافه في العالم الإسلامي، وهو الفصل التَّاسع، وختمت البحث بِجملة آداب ووصايا تنفع العالِم والمتعلِّم، إلى غير ذلك من المواضيع والفوائِد التي تخلَّلت البحث، أرجو من الله أن يتقبَّلها منِّي، ويجعلَها خالصةً لوجهِه الكريم، ولا يجعل لأحدٍ فيها شيئًا، وبالله التوفيق ومنْه نستمدُّ العوْن والمدَد.
    المقدمة
    الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على خاتَم الأنبِياء والمرسلين محمَّد بن عبدالله، وعلى آله وصحْبِه إلى يوم الدّين.
    وبعد:
    كنتُ قدِ اقترحتُ على روَّاد أحد المنتديات الإسلاميَّة أن يتبنَّى أحدٌ منهم الكِتابةَ عن تُراث الشَّيخ المقرئ محمَّد صدِّيق المنشاوي - رحمه الله -وقبل ذلك أن يتبنَّى أحدٌ من طلاب الجامعات ممَّن له اهتِمام بعلوم القرآن والقراءات، أو علم التَّاريخ وما يتعلَّق به من تراجم لأعلامِ الفكر والأدَب والثَّقافة والدين - الكتابةَ عن حياة القرَّاء، أمثال المنشاوي والحصري[1] وغيرهما، على شكْل أطروحة أو رسالة، ووفق خطَّة واضحة المعايير، تتوفَّر فيها كلّ متطلَّبات الرَّسائل الجامعيَّة، فطال انتظاري ولم أرَ أيَّ إجابة!
    بيْنما الأقلام تتبارى وتتنافس في الكتابة عن الفنَّانين والفنَّانات - أهل الطرَب والغناء - وتفاصيل حياتِهم، أقلُّ ما يقال فيها أنَّها تافهة، لاتُسمن ولا تغني من جوع، بل ضرُّها أكثر من نفعِها، ممَّن لا يستحقُّون أن يسطر فيهم قلم، أو يكتب لهم ترجمة على ورق، وهذا لعمري ممَّا يُدْمِي القلب ويُحْزِن النَّفس، وذلك ممَّا دفعني إلى خوْض هذا المضمار، والدُّخول في تلكم الحلبة، ومع ما في جعْبتي من معلومات عن الشَّيخ المنشاوي - رحمه الله- جمعتُها من محبِّيه، كنت قد دوَّنتُ بعضًا منها في مجموعة من المنتديات، يُضاف إلى ذلك حبِّي للشَّيخ منذ الصِّغَر، فعزمت على الشُّروع في المقصود، والدُّخول في التَّفاصيل تَحت عدَّة عناوين ومسمَّيات متنوِّعة، وبِما يتناسب مع الموضوع، مع جُملةٍ من الفوائد والفرائد تنفع العالم والمتعلِّم، كلّها أدخلْتُها تحت عنوان كبير أسميته "منهج المنشاوي في تلاوته للقُرآن - الأسلوب والأداء"، ليس المقصود منها السَّرد التاريخي التقليدي المجرَّد، بل لأجل العبرة والعِظة، ولم أتناول حياة مقرئٍ آخر لأن القصد جعل الشَّيخ المنشاوي - رحِمه الله - أنموذجًا للقارئ المثالي يُحتذى به، مع أنِّي متأكِّد أنَّ هناك قرَّاء مثل المنشاوي - كالبنَّا والحصري والبهتيمي وغيرهم- هم في مستواه أو دونه، وقد أدْرجت هذه الومضات ضمن فصول، كل فصل تناول موضوعًا مستقلاًّ، وقد تناولت في تلك الفصول: منهجَ الشَّيخ في تلاوته للقرآن، وطريقة أسلوبِه وأدائه في تلاوتِه لكتاب الله - التَّجويد والتَّرتيل[2] - وبُعْده عن أسلوب التلاوة عن طريق النغَم والموسيقى ممَّا لا يتَّفق مع عظمة كتاب الله وإجْلاله.
    وقبل ذلك تناولتُ بداية الشيخ ونبوغه، ثم تربيته المثالية لأبناءِ أسرته ثم أقاربِه إلى العالم أجمع، وتناولت كذلِك صبرَه على حسَّاده ومُناوئيه، ثم صرامته في الحق، ثم رحلته وتطوافه إلى العالم الإسلامي، وشهرته وصيته، وأخيرًا آداب ووصايا لحمَلَة كتاب الله، ومن يتْلون كتاب الله ويرتِّلونه، إلى غير ذلك من المواضيع الهامَّة قد لا تَجِدها مدوَّنة في كتاب أو مجموعة في بَحث، وبالله التَّوفيق وأرجو أن يكون عملي ذلك خالصًا لله - تعالى سبحانه - وأن ينفع به مَن شاء من عباد الله، إنَّه وليُّ التَّوفيق.
    الفصل الأوَّل
    (التربية والنشأة)
    تتَّفق المؤسَّسات التربوية على اختِلاف مناهجها وطرُقِها على أهميَّة دور الأسرة[3] في التَّربية وتنشئة الأجيال، فهي المحضن الأوَّل في تكْوين شخصيَّة الإنسان؛ ولذا أوْلى الإسلامُ عنايةً خاصَّة بتكوين الأُسرة على أساس معرِفة المبادئ الإسلاميَّة التي تكون الأسرة الصَّالِحة، ولا تُعَدُّ الأسرة مؤسَّسة تربويَّة إلاَّ إذا روعي في أبنائِها التَّوجيهات التِي حدَّدها الإسلام، ومن ضِمْنِها أن يكون نواة الأسرة وما يتفرَّع منهما - وهما الأب والأم -على المنهج القويم، والثاني: أن تكون الأسرة على معرِفة ودراية بالتَّربية الحقَّة، والتي من خلالها يُمكن صياغة المسلم الصَّالح؛ ولذا اهتمَّ دينُنا الحنيف بمراحل بناء الأسرة اهتِمامًا بالغًا؛ لأنَّها هي عماد المجتمع وأساس بنائه، ومن تَماسُكها يستمد المجتمع قوَّته، وفي ظلالها يتربَّى الفرد الصَّالح، وتنمو المَشاعر الصَّالحة، مشاعر الأبوَّة والأمومة والبنوَّة والأخوَّة، ويتعلَّم النَّاس التعاوُن على الخير وعلى البِرِّ.
    وهذا ينطبق تمامًا على الشَّيخ محمَّد المنشاوي وأسرته، فهي ابتداءً أسرة تربَّت على رسالة الإسلام وتعاليمه وحدوده، وأخذت على عاتِقها حَمْلَ رسالة القرآن وتعاليمه إلى النَّاس كافَّة، فوالد الشَّيخ صدّيق المنشاوي[4] - رحمه الله - كان قارئًا ذاع صِيته في مصر معلِّمًا ومربِّيًا وموجِّهًا قبل أن يكون قارئًا، وأنت تقرأ سيرة العائِلة المباركة فلا تجِد أحدًا ممَّن له صلةٌ بهذه الشَّجرة إلاَّ وله نصيبٌ وحظٌّ من العلم والفقه والدين والتَّقوى، وفي هذا الجوِّ والمحيط خرجت تلكم النَّبتة المباركة، والَّتي أضحتْ فيما بعد لها الرِّيادة والدَّور البارز في تَخريج الأجْيال على هدي القرآن وتعاليمه، والتأثُّر بالقرآن الكريم من خلال الاستِماع إلى تلاوته وتجويده.
    بداية نبوغ الشيخ:
    تبدأ القصَّة من حين التِحاق الشيخ محمد صديق المنشاوي بكتَّاب القرية، والتي يتولاَّها عادة معلِّم يقوم بتعليم الصِّبْيان تعاليم الإسلام وتلْقينهم سور القرآن وآياته، ليتمكَّنوا بعدها من الالتِحاق بالمدارس الدينيَّة، والتي تعلِّمهم العلوم الإسلاميَّة المختلفة، كالفِقْه والنَّحْو وعلوم الحديث والقرآن، التحق الشَّيخ في سنٍّ مبكِّرة وعمره أرْبع سنين، فرأى شيخُه أبو مسلم[5] مَخايل الذَّكاء والموهبة من سُرْعة الحفظ، وحلاوة الصَّوت، والجدّ والمثابرة على حضور الدَّرس، فكان يقوم بتشْجيعه ويهتمُّ به كثيرًا، وهذا يذكِّرنا بالعلماء الربَّانين الَّذين شهِد لهم معلِّموهم بالذَّكاء والتفوُّق أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد كان أعجوبة زمانِه في الحفظ، وقد حُكِي أنَّ بعض مشايخ حلب قدِم دمشق لينظُر إلى حفظ الشَّيخ، فسأل عنه فقيل: الآن يَحضُر، فلمَّا حضر ذَكَرَ له أحاديثَ فحفِظَها من ساعتِه، ثمَّ أملى عليْه عدَّة أسانيد انتخَبَها ثمَّ قال: اقرأ هذا، فنظر فيه كما فعل أوَّل مرَّة، فقام الشَّيخ الحلبي وهو يقول: إن عاش هذا الفتى ليكوننَّ له شأن عظيم، فإنَّ هذا لم يُرَ مثله، وقال الشَّيخ شرف الدّين: أنا أرْجو بَرَكَتَه ودُعاه وهو صاحبي وأخي، ذكر ذلك البرزالى في تاريخه[6]، مع الفرْق بين العالِم والمقرئ.
    والمنشاوي هو معلّم وموجّه لكن من خلال تلاوتِه لكتاب الله، والموهبة لا تقتصِر على نوع معيَّن من العلوم، بل تشمل التَّفكير والصَّوت والكلام، والمسائل المعنويَّة، من صبرٍ وحِلْمٍ وشجاعةٍ وأدبٍ وبيان وغير ذلك، والموْهِبة - كما يقولون - عبارةٌ عن: تفوُّق في قدُرات الشَّخص الذهنيَّة والعقليَّة.
    لقد ظهرتْ مواهب جمَّة في الإسلام بفضْل تعاليم الإسلام وتوْجيهات الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-والَّذي كان يقوم بنفسِه باكتشاف المواهب ورعايتِها وتوجيهها، فقدِ اكتشف الرَّسولُ موْهِبة الأشعري في الصَّوت وهو يترنَّم بالقرآن ويتغنَّى به، وكان -صلى الله عليه وسلم- يُصْغي إليه بل ويشجِّعه، فقد روى أبو موسى الأشعري - رضي الله عنْه - أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((لوْ رأيتَني وأنا أستمِع لقراءتِك البارحة، لقد أوتيتَ مزمارًا من مزامير آل داود))[7]،وينصت إلى قراءة أبي موسى؛ لأنَّه كان حسن الصَّوت، جيِّد التلاوة، وفي بعض الرِّوايات قال أبو موسى: "أما إنّي لو علِمت أنَّك تسمعني لحبَّرته لك تَحبيرًا"[8]؛ أي: لزدت في الإتْقان وفي حسن الصَّوت وجَمال التِّلاوة.
    وما ذلك إلاَّ إقرارٌ من الرَّسول على أهميَّة موهبة الصَّوت في النفوس، وأنَّ لها تأثيرًا بالغًا ومؤثِّرًا في النَّفس.
    لقد كان والِد الشَّيخ المنشاوي ومعلِّمه - الأسرة والمدرسة - لهما الأثر في رِعاية موهبة الشَّيخ الصَّوتيَّة، بل في التفوُّق والحفظ، حتَّى أتمَّ حِفْظ القرآن كاملاً وهو في سنّ الثَّامنة من عمرِه، وهذا يدلُّنا على أنَّ الأب والأسرة لهم القُدرة على تفجير الطَّاقة الكامنة في الطّفل، والموهبة كما يقولون[9] كالنبْتة والبرعم الصَّغير الذي يجب رعايتُه بحذَر مرَّة بالسقاية والرِّعاية، ومرَّة بِحفظه وحمايتِه من غوائل الرياح والآفات، وإلاَّ ذبلت تلْكم الأزْهار، ومن هُنا يَجب على الأسرة أن تتعرَّف على مواهب أبنائِها، ثمَّ دراستِها محاوِلةً توْجيهها وفهمها، ومن هُنا بدأَ والِد المنشاوي -رحمه الله - بعد أن عرف موهِبته يوجِّهه للسَّفر بصحبة عمِّه إلى القاهرة لاستِكْمال بقيَّة الدَّرب، من خلال تعلُّم العلوم والمعارف الإسلاميَّة، من فقهٍ وتفْسيرٍ ولغة، وغير ذلك.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل الثاني
    (الرحلة إلى الأزْهر لطلب العلم)
    بعد أن أتمَّ الشَّيخ حفظ القرآن كاملاً، ذهب إلى الأزْهر بصحبة عمِّه[10] لينهل من القرآن وعلومه في باحات الأزْهر الذي كان بمثابة الجبَل الشَّامخ الذي تتطلَّع إليه أفئِدة المسلمين من شتَّى البقاع للتعلُّم والتفقُّه، وكان أمل الآباء والأمَّهات أن يكون لهم أبناء يدْرسون على يد المشايخ هناك، وكانت طبيعة الدِّراسة في الأزهر على الأسلوب القديم، وهو أن يَجلِس العالم إلى عمود ويتحلَّق حولَه التلاميذ في باحات الأزهر، وبالتَّأكيد أنَّ المنشاوي - رحِمه الله - كان من بين هؤلاء، ومن بيْن العلماء الذين تأثَّر بهم المنشاوي بخلُقه وسلوكه، بل وبعلمه- ليس هناك من المراجع الَّتي بين يديَّ ما يؤكِّد التِقاء الشَّيخ في صِغره بالشَّيخ عامر، ومؤكَّد جدًّا أنَّه التقى به كثيرًا بعد ذلك، ورأيتُ التِقاء الشَّيخ محمَّد مسعود بالشَّيخ المنشاوي والشَّيخ عامر كثيرًا جدًّا - الشيخ عامر السيّد عثمان (1900 - 1988)[11] وهو من أصْحاب الأصوات الندية الشجية، وحين يقرأ القرآن يتوقَّف الجميع عن العمل، وتدمع العيون وتَخشع القلوب، وقد تخرج على يديْه عددٌ من قرَّاء مصر، منهم البهتيمي[12] صاحب المنشاوي- رحمه الله -ورفيقه في الدرب، والحصري وكبارة ومحمود عمران وغيرهم كثير، وسبب ضياع شهْرته بالقراءة أنَّ صوته توقَّف فجأة في شبابِه، فعوّض عن ذلك بتعليم القرآن وتجويده والعمل في لجان تصْحيح المصاحف، والإشراف على تسجيلات القرَّاء في الإذاعة، وقد أشرف على تسجيل المنشاوي - رحمه الله -الترتيل والتَّجويد، وراجع تسْجيل الحذيفي[13] - مقرئ المسجد النبوي وإمامه– المرتَّل؛ فلقد كان للشَّيخ حسٌّ دقيق جدًّا في تقويم الأصوات والحكم عليها، ومن أعماله أنَّه قام بتحقيق العديد[14] من الكتب الأثرية مثل: كتاب "فتح القدير" وغيره، ومن تحقيقاتِه شرح منظومة السمنودي وغيرها، وهو كتاب نفيس تلقَّاه أهل الاختِصاص بالقبول والثناء؛ لما حوى من نفائِس المسائِل العلميَّة في القرآن، وممَّا يذكر عن الشيخ عامر عثمان - رحِمه الله - أنَّه في مرضه، في المستشفى كان يدَنْدِن بالقرآن مع أنَّه فاقد الحبال الصوتية، وفوجئ به الأطبَّاء وهو يتلو القُرآن بصوت جهْوري لمدَّة ثلاثة أيَّام، حتَّى ختم القرآن، ثمَّ أسلمت الروح إلى باريها[15].

    ولاشكَّ أنَّ الشَّجر الطيِّب لا ينبت إلاَّ طيِّبًا، ومن هذه الشجرة الطيبة والتي شرب من رياضها القرَّاء والعلماء تخرَّج محمد صديق المنشاوي، والتي كان لها عظيم الأثر على المنشاوي في رحلتِه مع كتاب الله وترتيله، فاشتهر الشَّيخ وذاع صِيته في وقت مبكّر وهو بعدُ لم يتجاوز العشْرين من عمره، بل دعاه ذلك إلى إن يستقلَّ عن شيخه محمَّد سعودي الَّذي هو الآخَر كان له الأثر الواضح على الشَّيخ - رحِمه الله.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل الثالث
    (تربية المنشاوي الروحيَّة والعلميَّة)
    بعد أن أتقنَ المنشاوي دراسة علْم القراءات، إضافةً إلى إتْقانه لمقامات القراءة دِراسة متْقنة -وعلم القراءات: علم بكيفيَّة أداء كلِمات القرآن، واختلافها معزوًّا لناقله[16] - انتقل إلى دراسة العلوم الإسلاميَّة مثل: الفقْه والتفْسير والنَّحو والصَّرف وغيرها (العلوم العقلية والنقلية)، وقد انبهر معلِّمُه ومدرِّسه السيّد أحمد مسعود من فرط ذكائه، وقوَّة حفظه وبيانه، وفي وقت مبكّر من عمره، ممَّا دعاه إلى المزيد من الاعتناء به والاهتمام بشخْصِه.

    وهذه الدراسة للعلوم والفنون المختلفة وخاصَّة علم القراءات وما يتفرَّع منها، كان لها الأثر البالغ على الشَّيخ المنشاوي في تلاوتِه وأدائه المتميِّز الرائع، فأورثتْه الانفعال الصَّادق بألْفاظ القرآن وآياته -سيأتي توْضيح ذلك في تجويد المنشاوي دراسة وتحليل - وقد كانت طبيعة الدِّراسة عند القرَّاء أنَّها تشمل دراسة العلوم الإسلاميَّة إلى وقت قريب، ليتخرَّج القارئ وهو على دراية تامَّة بما يتْلوه، وما قرَّاء الأمصار السَّبعة[17] الذين اشتهروا بالعلم والفقْه والمعرفة إلاَّ دليلٌ واضحٌ على هذا المنهج السَّديد، فكان القارئ يَجمع بين الصوت والأداء المتقِن المتميز، مع دراسة العلوم الإسلاميَّة، وخاصَّة علوم التَّفسير، وممَّن اشتهر بالعِلْم إلى وقتٍ قريبٍ عالم القِراءات المقْرئ: عبدالفتَّاح المرْصفي[18] - رحمه الله - (1927 - 1989) حفظ أمَّهات المتون في القراءات والنحو الصرف وغيرها، قام بتحقيق العديد من كتب القراءات، مثل: "فتح القدير في شرح تنقيح التحرير"، و "شرح منظومة الإمام إبراهيم علي السمنودي"، و "لطائف الإشارات في شرح القراءات" للإمام القسْطلاني شارح البخاري، وقد توفِّي عندما كان بعْض تلامذته يقرأ عليه الختْمة، ومنهم القارئ محمود الحصري قارئ المقارئ المصريَّة سابقًا، له أكثرُ من عشر مؤلَّفات في علوم القُرآن[19]، وسجَّل كذلِك القرآن مرتَّلاً عشْر مرَّات وبروايات مختلِفة.
    لقد كان المنشاوي على غرار مَن سبقوه في العلم والفقْه والدراية التامَّة، إلاَّ أنَّ المنشاوي لم يتفرَّغ للتَّأليف والكتابة[20] - وقد اطَّلعت له على رسالة بخطِّ يده تدلُّ على أسلوب رائق بديع، وقدرة فائقة على التَّصوير والتَّوضيح - ولكنَّه تفرَّغ طوال حياتِه إلى التَّربية والتوجيه لأفْراد أسرته ولمجتمعه ولمستمعيه، من خلال ترْتيله وتَجْويده الَّذي حظِي بالقبول من لدُن جَميع الشَّرائح.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل الرابع
    (مواقف إيمانية للشيخ المنشاوي، رحمه الله)
    لقد ضرب الشَّيخ المنشاوي أمثلةً رائعة في الورع والزُّهد والصبر، سطرت بأحرُفٍ من نور، لتدلَّ دلالة واضحة على أنَّ الشَّيخ لم يكُن قارئًا للقُرآن في المحافل فحسب، بل كان مربِّيًا من الطراز الأوَّل، ترْجم ما يتْلوه إلى واقع عملي ملموس في الحياة - هذا هو المطْلوب ممَّن يتلو كتاب الله - ومن خلال مواقف عدَّة، وهذا يفسِّر لنا أنَّ تسجيلاتِه - التَّرتيل والتَّجويد - لاقتْ صدًى واسعًا من مختلف الشَّرائح، وقد شهد لصوتِه أنَّ له تأثيرًا في القلوب والنُّفوس علماءُ ربَّانيُّون وقرَّاء محترفون، وفقهاء شرعيُّون[21]، فضلاً عن عوامّ النَّاس والذين أقبلوا على الإسلام من خلال الاستِماع إلى ترتيله وتجويده، وسيأتي توضيح ذلك، ومن المواقف المؤثّرة للمنشاوي -رحمه الله- والَّتي تدلّ على عزَّة نفسه وتقْواه ما يلي:
    أوَّلاً: في بداية نبوغِه وشهرته طلبت الإذاعة منْه، وهو في أحد المحافل أن يسجِّل ما يتلوه في الإذاعة، ولكن رفض؛ طلبًا للسَّلامة وبعدًا عن الشُّبهات، وابتعادًا عمَّا يَشين، كما فعل عمُّه[22] بالضَّبط؛ لأنَّ القرآن يبثُّ إلى عموم الأماكن والأجواء، فربَّما كان هناك مَن لا يصْغي إلى القرآن، وربَّما كان في دار الإذاعة من الأمور والمنكرات ما لا يُمكن إزالته، وقد ورِث المنشاوي - رحِمه الله - ذلك عن أسرته ومشايخِه، ولو كان المنشاوي يسْعى إلى الشُّهرة والمنصِب والمال أو إلى اعتباراتٍ دنيويَّة أخرى، لما كان لتلاوتِه ذلك التَّأثير الواضح على القلوب.
    وقد سعتْ إدارة الإذاعة بِمهندسيها وكوادِرها إليه، فقال قولته المشْهورة: "لستُ بِحاجة إلى الشُّهْرة"[23] عبارة تدلُّ دلالة واضحة على الإخلاص، وأنَّه يقرأ لا لأجل أن يُطْرِب الجمهور ويبغي الشهرة، بل لأجل أن يوصّل صوت الحقّ إلى جميع النَّاس؛ عسى أن يوقظ بصوتِه وتلاوتِه النفوس الغافلة، ويُحيي بتلاوتِه القلوب الميِّتة، والجزاء من جنس العمل والله يُعامل عبده بمثل ما يعامله عبده، فقد كان هذا الرَّفض منه سببًا لشهرته في الآفاق والأمصار، وقد بدأت الإذاعة بعد ذلك تتنقَّل بكادِرِها الكامل لتسْجيل تلاوتِه الَّتي يمتع بها الحاضرين، وكثيرًا ما كنت وأنا أستمع إلى تلاوته الخارجيَّة بكاء الحاضرين، وعلى سبيل المثال تلاوتُه لقوله تعالى من سورة الإسراء[24]: ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ ﴾ [الإسراء: 12]، فإنَّك لوِ استمعت بشكل مركَّز، لسمِعْت بكاء الحاضرين، بل كان المنشاوي - رحِمه الله - نفسه يبكي في مواضع مؤثِّرة من تلاواتِه، وفي أجواء تصْفو فيها النفس، ويفتح فيها عليه من الفيوضات الربَّانية على قلب الشَّيخ، ومن ذلك قراءة نادِرة يقرأ فيها آياتٍ من سورة التوبة، وعندما يصِل إلى قوله تعالى: ﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40] تخنقه العَبْرة فيجهش بالبكاء، ويتأثَّر بصوتِه السَّامعون.
    الموقف الثاني: بعد أن علا نجم الشَّيخ وذاع صيته في الآفاق، وفي وقت مبكِّر أثار ذلك ضغينة بعض الحسَّاد، ومرْضى النفوس الذين اعتقدوا أنَّ التلاوة - تلاوة كتاب الله في المحافِل والمساجد - ما هي إلاَّ حلبة مصارعة وتنافُس على الشهرة والمنصب، ومحاولة لكسْب ودّ الجمهور؛ ولهذا تسبَّبوا له ببعْض المتاعب يودي بعضُها إلى الموت، لولا لطف الله بالشَّيخ، ودفاع الله عنه وحمايته له من كل ما يؤذيه؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38]، ومن ذلك محاولة بعض القرَّاء من المتعصِّبين على الشَّيخ من محاولةٍ يائسةٍ من قتله، ومن خلال وضْع السّمّ في الطَّعام[25]، وكان يُفترض بالمقرئ أن يفرَح بِمن يذكِّر النَّاس بالله لا أن يسعى إلى مُحاربة مَن يتلو كتابَ الله من أجل مصالِح شخصيَّة، ولكنَّه الحسد الأعْمى، والقصَّة معروفة، وليس العجب مِن صفح الشَّيخ عن المذنب وحِلْمه عنه، بل الأعجب من ذلك كلّه هو أنَّ الشَّيخ ستر عليه ولم يفضحْه، بل لم يذكر أهل صاحب التَّرجمة اسم ذلك المقرِئ ولا حتَّى كنيته أو مكانه، إنَّها فعلاً أخلاق ورثة الأنبِياء وأهل القرآن حقًّا، والأعجب من ذلك والد الشيخ -صديق المنشاوي، رحمه الله -كان هو الآخَر يوجِّه الأسرة المثاليَّة نحو الصفح والعفو[26]، يُوصيهم بعدَم ذكر اسم الشَّخص حفاظًا على سمعتِه من الضياع، واكتفى بقولِه: كيف يصدر ذلك من مقرئ؟!
    فعلاً كيف تصْدر مثل هذه الأخلاق الذَّميمة من محبٍّ للقرآن، وهو يتْلوه على الملأ؟! فحال الجُهلاء والعصاة ربَّما يكون أحسنَ حالاً منْه.
    الموقف الثَّالث: الصَّبر على الأذى والحلم وكظْم الغيظ من صفات المؤمنين المخْلصين لهذا الدين، ولحمَلة القرآن، والله يَمتحِن عبده بأنواعٍ من الأذَى ليمتحِن عبوديَّته لله، فإن ترْجم ما يتْلوه إلى واقعٍ عملي - وإن لَم يرزقه الله جَمال الصَّوت وحسْنه -رفعَه الله إلى درجات عالية وفي المقام الأعْلى في الجنان، كما جاءت بذلِك النُّصوص الصَّحيحة[27]، وإن جعَلَه وراء ظهْرِه وابتغى منه الاعتِبارات الدنيويَّة والمصالح التَّافهة من عرَض الحياة الدنيا، وضَعه الله، وإن كان صوتُه جميلاً والأداء متْقنًا، بل وإن كان صوته من أجْمل أصوات العالمين، وإن جَمع بين الصَّوت الجميل والأخلاق السامية، وتحلَّى بفضائل وآداب القرآن، فلا تسألْ عن فضله، وعمَّا يفتح الله على يديه من الفتوحات الربانيَّة، والنعم العظيمة، كما فتح الله على قلوب الصَّحابة والتَّابعين، ومن بعدهم إلى يومِنا هذا، والخير ماضٍ إلى يوم القيامة.
    لقد كان حال الشَّيخ المنشاوي - ولا نزكِّي على الله أحدًا - هو من ذلك الصِّنف الَّذين جَمعوا بين القوْل والعمل، بين التِّلاوة الجميلة والأخلاق السَّامية، والآداب الفاضلة، ومن ذلك أيضًا عندما قام أحد الحسَّاد أيضًا بعمل حيلةٍ في أحد المحافل، لما رأى من إقبال الجمهور للاستماع إلى تلاوته وهم ما يقرب من 10 آلاف مستمع، فأوصى صاحبَ الجهاز بتعطيل المايكروفون، والقصَّة معروفة[28] في ترجمة الشيخ، فما كان من الشَّيخ إلاَّ أن قام من أجْل الهدف الَّذي يبغي إليْه من إيصال صوْت الحقِّ إلى النَّاس كافَّة، فبدأ يقرأ وهو يَمشي بين الجمهور، حتَّى بهر الحضور بصوْتِه العذْب، وأدائه المتميِّز، فانصرف ذلك الحاسِد مغمومًا، وكان الأوْلى به أن يَجلس للاستماع إلى كلام الله الَّذي به شفاء القلوب والأرْواح، فكان صبر الشَّيخ وحِلْمه عنه وعدم الإفصاح عن اسْم الشَّخص من الأسباب التي رفعتِ اسم الشَّيخ عاليًا في سماء القرَّاء في العالم الإسلامي، وأسألُ الله أن يُسامح ذلك الحاسدَ لأنَّه حرمَنا نحن من الاستِماع إلى تلك التِّلاوة التي قيل عنها: من روائع تلاوات الشَّيخ[29] في تلك اللَّيلة.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل الخامس
    (الأسرة المثالية)
    تتَّفق المؤسَّسات التَّربويَّة على اختِلاف مناهجِها ومذاهبها في أنَّ الأسرة هي الحصن الأوَّل للتَّربية والتَّعليم، وفي أنَّ صلاح المجتمع منوطٌ بِصلاحِها؛ لأنَّها تُعدُّ هي اللَّبنة الأولى في بناء المجتمعات، وأنَّ أيَّ خللٍ أو قصور في التَّربية يظهر أثرُه جليًّا وواضحًا على إفْراد المُجتمع الذي يَعيشون فيه؛ ولذا حثَّت تِلْكُم المؤسَّسات على الاهتِمام والعناية بالأُسْرة كلّ حسب منظورِه وتفكيره، والأمر في دينِنا الحنيف فاق كلَّ تلك الأيدلوجيات والنظم والدساتير الأرضيَّة، فقد اهتمَّ الإسلام بالأسرة اهتمامًا بالغًا، وتَجِد في كتُب الفُقَهاء وأئمَّة الهُدى أدقَّ التفاصيل مِمَّا يتعلَّق بشان الأسرة ابتداءً من اختِيار الزَّوجة، وانتهاءً بتربِية الأبناء إلى أمور يطول شرحها في هذه العجالة[30]، كلّ ذلك يدفع إلى اهتِمام المربِّي بالأسرة وتنشئتها على معاني الإسلام والأخلاق السَّامية، ونَجد بعض المربّين يقع في المغالطة حينما يوجِّه اهتمامه إلى تربية الأفراد خارج نطاق الأسرة على معالي الأمور -وهُو شيءٌ حسن- ويُهْمل أو يَتَناسى ترْبِية من يمتُّون إليْه بصِلة وهم أبناؤُه وأسرته، وهذا الصِّنف غالبًا ما يفشل في دعوته، ولا يكون لكلامه التأثير في مَن يدعوهم ويرشدهم.
    لقد أثبتَ المنشاوي - رحِمه الله - ومن خلال تربيتِه لأسرته الحقَّة على معاني الإيمان والإسلام، أنَّه ليس مقرئًا فحسْب بل هو مربٍّ وموجِّه من الطِّراز الأمثل، لا أقول ذلك جُزافًا أو ادِّعاءً بل هو حقيقة، فقد كان تعامله وتربيته لأبنائِه وزوْجاته ثمَّ لأقْربائه، وانتقالاً إلى أبناء محلَّته، بل ومجتمعه، ومَن يتعاملون معه في أنَّه القمَّة في الآداب والأخلاق المرعيَّة الإسلاميَّة، التي إن دلَّت على شيء فإنَّها تدلُّ على أنَّ الرَّجل صاحب رسالة وهدف، يريد أن يُبين أنَّ حامل القرآن يجب أن يكون ذلك ديدنه وخلقه.
    وإليك لمحاتٍ تربويَّةً نقلاً من كلام أبنائه:
    • ترْويض الأبناء على أداء الفرائض: يقول الشَّافعي محمَّد صديق، أكبر أولاد الشَّيخ: "كان أبي حريصًا على أن نؤدِّي الفرائض، وكثيرًا ما اصطحبَنا للمساجد التي يقرأ فيها القرآن، وكان ذلك فرصةً لي لزيارة مساجد مصر[31].
    • الاختِيار الأمثل للأصدقاء: لقد كان ذلك من أولويَّات اهتِمام الشيخ، وكان يقوم بمتابعة الأمر بنفسِه حفاظًا على أولاده من الضَّياع، يتابع الشَّافعي فيقول: كما كان - رحِمه الله - يُراقبنا ونحن نَختار الأصدقاء ويصرُّ على أن يكونوا من الأُسر الملتزمة خلقًا ودينًا"[32].
    • المشاركة الفعَّالة في اللهو المباح: "وكان – أي: الشَّيخ المنشاوي، رحمه الله - يشارك أبناءَه في المذاكرة ويساعدهم على أداء الواجِبات ويَحضر مجالس الآباء"[33].
    • العدْل بين الزَّوجات: لقد تزوَّج عام 1938م من ابنةِ عمِّه، وكان ذلك هو زواجَه الأوَّل، وأنْجب منها أربعة أولادٍ: ولدين وبنتين، ثمَّ تزوَّج الثَّانية، وكان عمرُه قد تجاوَز الأرْبعين، وكانت من مركز أحميم محافظة سوهاج، وأنْجب منها تِسعة أبناء: خَمسة ذكور وأرْبع إناث، وكانت زوْجتاه تعيشان معًا في مسكن واحد يَجمعهما الحبُّ والمودَّة، وكان يقول: النَّاس يحبُّونَني ويتمنَّون مصاهرتي، وقد توفيتْ زوجتُه الثَّانية أثناء تأدِيتها فريضة الحجّ قبل وفاتِه بعام واحد[34]، والعجيب أنَّ هذه الأسرة المكوَّنة من هذا العدد كانت تعيش في أجواءٍ مفْعَمة من الألفة والمحبَّة، قلَّ أن تَجِد لها نظيرًا حتَّى إنَّ أولاد الزَّوجة كانوا ينادُون الزَّوجة الثَّانية - التي تسمَّى بتعْبير العوامّ: الضرَّة - "ماما ماما!"؛ ليدل ذلك أنَّ الرَّجُل استطاع أن يَبني أُسرة متينة الأخْلاق محصَّنة من غوائل الفِتَن.
    الاهتِمام بتحفيظ الأوْلاد كتاب الله:
    يُضيف ابن الشَّيخ المنشاوي قائلاً: "وكلّ أولادِه يَحفظون القرآن - والحمدُ لله - كاملاً، ولكن لم يتمتَّع أحدٌ منَّا بِحلاوة الصَّوت باستثناء ولديْه صلاح وعمر، الأوَّل يعمل محاسبًا، والثَّاني معيدًا بِجامعة الأزْهر، وهُما دون الثَّلاثين من عمرِهِما، ويتميَّزان بصوتٍ طيّب جميل، وقد شهِد لهما الكثير من المتخصِّصين في علوم القراءات بالتفوُّق، وهُما يدرسان الآن علوم القراءات استعدادًا لاحتراف هذه المِهْنة - إن صحَّ التَّعبير -فيما بعد إن شاء الله.
    • والأمر لا يقتصِر على الأولاد فحسب، بل إنَّ بناتِه كنَّ من حفظة كِتاب الله، وقد أوصى الشَّيخ والده أن يقوم بالمهمَّة في حال إذا أصابه مكروه، وقد تمَّ له ما أراد[35].
    • علاقته بأهل بلدتِه وأقربائه: وهذا موقفٌ من المواقف التي تدلّ على تواضع الشَّيخ وعلاقته بأهل بلدته، فقد كانت علاقتُه بأهل بلدته لا تنقطِع، وهذه عادات أهْل الصَّعيد، فكان عطوفًا بهم محبًّا لفقرائِهم، وأذكُر أنَّه قال لنا - الكلام لابن الشَّيخ رحِمه الله - ذاتَ مرَّة: إنَّه يريد عمل وليمةٍ كبيرة لحضور بعض الوُزراء وكبار المسؤولين على العشاء، فتمَّ عمل اللّزوم ولكنَّنا فوجئْنا بأنَّ ضيوفه كانوا جميعًا من الفقراء والمساكين من أهل البلدة، وممَّن يعرِفُهم من فقراء الحيّ الذي كنَّا نعيش فيه[36].
    • بهذه التربية المثلى والأسلوب الأمثل استطاع الشَّيخ المنشاوي أن يدخُل إلى قلوب النَّاس، ومن أوسع الأبواب، ورزقه الله محبَّة النَّاس له، وأصبح بعدَها بحق رائدًا من أعْلام القراءة بِمصر بل والعالم الإسلامي كلّه.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل السَّادس
    (تلاوة الشَّيخ - الأداء والأسلوب - دراسة وتحليل)
    هذا الفصل هو المقْصود من البحث، والمعقود من أجله؛ لأن الشَّيخ - رحِمه الله - إنَّما تَميَّز وعرف من خلال تلاوته وتَجويده، إنَّ قارئ القرآن هو من يذكِّرنا بالله، وإنَّ الإحساس بحلاوة كلام الله إنَّما يمرُّ عبر الحناجر الصوتيَّة التي وهبها الله لِمن شاء من خلقه وعباده، وإن الملاحظ من تلاوات الشَّيخ - رحمه الله - أنَّها تتضمَّن دروسا في التَّفسير، ودروسًا في التَّربية الإيمانية، ودروسًا في القراءات والوقْف والابتداء، ودرسًا في المقامات المتنوِّعة، بل ودروسًا في تصوير المعاني وإحالتها إلى مشاهد متحرّكة تلمس من خلالها عذوبة وحلاوة القرآن، ومنها تحسّ فعلاً بعظمة كلام الله وشرفه، وأنَّ القرآن هو دستور الحياة جاء لإسعاد البشريَّة جمعاء وإنقاذِهِم ممَّا هم فيه من حيرة وشكّ وقلَق، وإنَّك تلاحظ أنَّك حين الاستِماع إلى تلاوة المنشاوي من يشدُّك إلى الاستِماع إلى آخِر ما يتْلوه، وأنَّها لا تمس الأذُن فحسب، بل تدْخل إلى أعْماق القلْب مباشرة، لتورِثَه الخشوع والرَّهبة والمحبَّة لله الصَّادقة، وتدْفعه إلى بذْل المزيد من الاجتِهاد والعمل الصَّالح لله، بل إلى بذْل نفسه رخيصة في جنبِ الله، وتُلينه قسوة قلبه كما يلين الحديد.
    لقد تميَّزت تلاوة المنشاوي - الخارجيَّة والمسجَّلة بالإذاعة - والَّتي بلغتْ 150 تسجيلاً[37] بِجملة ميزات جعلتْها القمَّة في المهابة والرَّوعة والتَّأثير[38]، مع اختلافٍ في الأداء بين محفل وآخر، والملاحظ هنا عدم وجود تلاوتين متشابهتين من كل وجه، من ناحية الأداء المتميِّز والجمال الصَّوتي، فتلاوتُه لسورة الزُّخْرف تَختلف عن تلاوتِه لسورة ق، وتلاوته لسورة التَّوبة تختلف عن الإسْراء، وكأنَّك تتنقل بين زهور ذات ألوان مختلفة، وروائح عطرة متباينة متناثرة في رياض حديقة جَميلة غنَّاء، والكلُّ ينبع من مشكاة واحدة.
    إنَّ من الميزات العامَّة التي أعطت تلاوة المنشاوي هذه المهابة والرَّوعة ما يلي:
    أوَّلاً: الإحساس اليقِظ بعلوم التَّجويد وما يتْبعه من علوم القراءات، والتي تَجعل من الآيات المتلوَّة سيمفونية - إن صحَّ التَّعبير - بيانيَّة، وتترْجِم المشاعر والحركات والأصْوات والشّخوص، وتُحيل المفردات والألفاظ إلى مشاهد وكائناتٍ متحرِّكة.
    ثانيًا: تأثُّره البالغ بما يتلوه؛ لكونه عاملاً بالقُرآن - نَحسبه كذلك ولا نزكِّي على الله أحدًا -والتي كست الصَّوت خشوعًا وهدوءًا بالغ الرَّوعة، مما أثَّر ذلك في الأسماع بَلْهَ القلوب، إنَّ التَّرتيل ليس مجرَّد قواعد وأصول يتعلَّمها المقرئ ليصبح بعدها من القرَّاء المشْهورين، كما يتخيَّل البعض، بل هي عمليَّة بالغة التَّعقيد تحتاج إلى دراسة متْقنة في اللُّغة والقراءات، وعلْم الأصول والنَّغمات - لَم يتعلَّم المنشاوي النَّغم[39] والمقام من أحد وإنَّما هو موهبة من الله، ولما كان يتمتَّع به من حسٍّ مُرْهف، وإيمانٍ عميق وأُفُق واسع، وتربية صارمة على معاني الإيمان -وتَحتاج إلى صوت ذي طبيعة حساسية تُعْطي التّلاوة مهابة وخشوعًا، وفوق ذلك أن يكون لديْه هدف سامٍ يتجاوز المكان والزَّمان إلى أفق رحبة، بحيثُ يتعلَّق قلبُه بالله حبًّا ورجاءً وخوفًا، يتمثَّل ذلك في دعوة الخلْق، ومن خلال التِّلاوة إلى الطَّاعة لله، وقد لخَّصت السيّدة عائشة - رضِي الله عنها - دعْوة الرَّسول وما ينبغي أن يتحلَّى به المسلم[40] وبالأخصّ حامل القُرآن بقولها: "كان خلقه القرآن"، وبالجملة كما قال المقرئ الحصري[41]: "لا يُعْتَبر القارئ مجوِّدًا إلاَّ إذا علم القسمين - أي: التَّجويد العلمي والعمَلي - فعرف القواعد والضَّوابط، وأتقن النُّطْق بكلمات القرآن وحروفه".
    وقدِ اعتمد المنشاوي - رحِمه الله - في ترْتيله للقُرآن على جُملة مؤثِّرات صوتيَّة ونفسيَّة، وهي:
    أوَّلاً: التَّنويع في النغمات، وتوْظيف المقامات، وبما يُلائم ظِلال الآيات المتلوَّة بناء على ما يملكه من قدرات فائقة في التَّصوير والإيضاح،، ويفعل ذلك كلَّه في إطار خدمة المعنى، وإيصاله إلى أذْهان السَّامعين.
    ما هي المقامات؟
    المقام[42] عبارة عن: مَجموعة من الأصوات المتآلِفة مع بعضها البعض، لتشكّل في النهاية لوحةً فنّيَّة، تعبّر عن حالة فرَح أو حزن أو غضب أو حنين.. إلخ.
    ويعرف أيضًا:
    أنَّه تتابع الدَّرجات الموسيقيَّة بنسب معيَّنة.
    والمقامات[43]: مَجموعةٌ في قول العرب "صنع بسحرك"- يُضيفون مقام الكرد إليْه -وكلّ مقام يتجزَّأ إلى ثلاث طبقات: القرار والجواب وجواب الجواب كما يقولون.... إلخ.
    وأهمّيَّة هذه المقامات وفائدتها[44] تكمن في أنَّها تعلّم كيفيَّة الانتِقال من نغمةٍ إلى أُخرى، وكيفيَّة أداء هذه النَّغمات حتَّى لا يصْدر ما يسمَّى بالنَّشاز، والموضوع يجرُّنا حتمًا إلى رأْي الشَّرع الكريم وأقوال العُلماء في حكم تعلُّم المقامات[45]، وكلامُنا هنا منصبٌّ على قرَّاء القُرْآنأ ومقرئي الإذاعة لا علماء القراءات[46]، فهؤلاء لم يتعلَّموا هذه المقامات، وهم لا يقرؤون بمقتضاها، وهؤلاء في العادة لا يقرؤون في الإذاعات، وإنَّما يعلّمون القراءات في المساجد والمعاهد وفي بيوتِهم.
    ونُحاول أن نَختصِر الموضوع فنقول: لا شكَّ أن تَحسين الصَّوت بالقرآن لا نِزاع فيه بين العلماء، لكنَّ الاختلاف بينهم على القدر الزَّائد وهو الاستِعانة بالألْحان في تَحسين الصَّوت، وفي كتاب "سنن القرَّاء ومناهج المجوّدين" فصلٌ كامل عن القراءة بالألحان، قال فيه[47]: "الَّذي نَختاره بعد دراسة النّصوص وأقوال السَّلف أنَّ الاستِعانة بالألْحان وقانونِها لتحسين الصَّوت بالقرآن لا بأس به بشروط أربعة:
    1-ألاَّ يطْغى ذلك على صحَّة الأداء، ولا على سلامة أحْكام التَّجْويد.
    2-ألاَّ يتعارض التلْحين والتَّنغيم مع وقارِ القرآن وجلالِه، ومع الخشوع والأدَب معه.
    3- أن يَميل عند القراءة إلى التَّحزين، فإنَّه اللَّحن المناسب لمقام القُرْآن.
    4- أن يأخذ من الألحان ويستعين بها على قدْر حاجته إلى تَحسين صوته[48].
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل السابع
    (الأمر بتحسين الصَّوت بالقرآن لا يَعْني الاستعانة بالألحان)
    ذكر العلاَّمة ابن القيّم فصلاً نافعًا جدًّا في هذا الباب، وأوْرد جَميع النُّصوص الشرعيَّة والعقليَّة المتعلّقة بتحسين الصَّوت بالقُرآن، وأوْرَد حُجَج المانعين من القراءة بالألْحان - لا تعلّم المقام والسلم الموسيقي على الملحنين والمطربين وتطبيقه على القرآن وبيْنهما فرق - وحُجَج مَن أَجاز ذلك، ونُحن نُورِد هنا من الكلام ما يوضِّح المقصود ويُجلي المبهم ويُزيل اللَّبس، يَقول ابنُ القيِّم - رحِمه الله -:في هدْيِه - صلى الله عليه وسلم - في قراءة القُرآن، واستِماعه، وخشوعه، وبكائه عند قراءته، واستماعه وتحسين صوته به وتوابع ذلك، ثم قال: وكان يُحبُّ - صلى الله عليه وسلم -أن يسمع القرآنَ مِن غيرِه، وأمر عبداللَّه بن مسعود، فقرأ عليْه وهو يسمع، وخَشَع - صلى الله عليه وسلم - لسماع القُرآن مِنه، حتَّى ذرفت عيْناه.
    وكان يقرأ القرآن قائمًا، وقاعدًا، ومضطجعا ومتوضِّئا، ومُحْدِثا، ولم يكُن يَمنعه من قِراءته إلاَّ الجنابة.
    وكان - صلى الله عليه وسلم - يتغنَّى به، ويُرجِّع صوتَه به أحيانا كما رجَّع يومَ الفتح في قراءته: ﴿ إنَّا فتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ﴾ [الفتح: 1]،وحكى عبدالله بن مغفَّل ترجِيعَه، آ ا آ ثلاث مرات، ذكره البخاري.
    وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله: ((زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم))، وقوله: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن))، وقوله: ((ما أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ ما أَذِنَ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرآن))، علِمت أنَّ هذا التَّرجيعَ منه - صلى الله عليه وسلم - كان اختيارًا لا اضطِرارًا لهزِّ النَّاقة له، فإنَّ هذا لو كان لأجل هزِّ الناقة، لما كان داخلاً تحت الاختيار، فلم يكن عبدالله بن مغفَّل يَحكيه ويفعلُه اختيارًا لِيُؤتسى به، وهو يرى هزَّ الرَّاحلة له حتَّى ينقطع صوتُه، ثم يقول: كان يُرجِّعُ في قراءته، فنسب التَّرجيع إلى فعله، ولو كان مِن هزِّ الراحلة، لم يكن منه فعل يسمَّى ترجيعا.
    وقد استمع ليلةً لقراءة أبي مُوسى الأشعري، فلمَّا أخبره بذلك، قال: لوْ كنتُ أعْلم أنَّك تسْمعه، لحبَّرْته لَكَ تَحْبِيرًا؛ أي: حسَّنته وزيَّنته بصوتي تزيينًا، وروى أبو داود في سننه عن عبدالجبار بن الورد، قال: سمعتُ ابنَ أبي مُليْكة يقول: قال عبداللّه بن أبي يزيد: مرَّ بنا أبو لُبابة، فاتَّبعْناه حتَّى دخل بيتَه، فإذا رجلٌ رثُّ الهيئة، فسمعتُه يقول: سمعتُ رسولَ اللّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرآنِ))، قال: فقلتُ لابن أبي مُليكة: يا أبا محمَّد، أرأيتَ إذا لم يكُن حسنَ الصَّوت؟ قال: يُحسِّنُه ما استطاع.
    ثمَّ أورد ابن القيم النّصوص عن الإمام أحمد والشَّافعي وتوجيهها بِما يوافِقُ الكِتاب والسنَّة، في كراهية القِراءة بالألْحان، ثم أتْبعه بأدلَّة مَن أجاز ذلك وأوْرد بعض النُّصوص، منها: وكان عقبة بن عامر من أحْسن النَّاس صوتًا بالقرآن، فقال له عمر: اعْرِضْ عليَّ سورة كذا، فعَرض عليه، فبكى عمر، وقال: ما كنتُ أظنُّ أنَّها نزلت، قال: وأجازَه ابنُ عبَّاس، وابن مسعود، وروي عن عطاء بن أبي رباح، قال: وكان عبدالرَّحمن بن الأسود بن يزيد، يتتبَّع الصوتَ الحسن في المساجد في شهر رمضان، وذكر الطَّحاوي عن أبي حَنيفة وأصحابِه أنَّهم كانوا يستمِعون القرآن بالألحان، وقال محمد بن عبدالحكم: رأيت أبي والشَّافعي ويوسف بن عمر يستمِعون القُرآن بالألحان، وهذا اختيارُ ابن جريرٍ الطَّبري.
    ثم ذكر الخلاف في معنى يتغنَّى بالقُرآن وأنَّ المقْصود منه تَحسين الصَّوت، وفنَّد باقي الأقوال فقال: وروي في هذا الحديث: ((ما أذِنَ اللَّه لشيءٍ ما أذن لنبيٍّ حسنِ الصَّوت يتغنَّى بالقُرآن يَجهرُ به))، قال الطَّبري: وهذا الحديث من أبيَن البيان أنَّ ذلك كما قلْنا، قال: ولو كان كما قال ابنُ عيينة؛ يعني: يستغني به عن غيره، لم يكن لذكر حُسن الصوت والجهر به معنى، والمعروف في كلام العرب أنَّ التغنِّي إنَّما هو الغناء الَّذي هو حسنُ الصَّوت بالتَّرجيع، قال الشَّاعر[49]:
    تَغَنَّ بِالشِّعْرِ إِمَّا كُنْتَ قَائِلَهُ
    إِنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ
    وكعادة ابن القيم في إيراد الأدلَّة النقليَّة ثم العقليَّة والمواجهة بينَهُما، أتى ما يسند قوْل مَن أجاز القراءة بالألحان وفْق الشُّروط التي سيذكُرها بأدلَّة عقلية، فقال: ولأن تزيينَه وتَحسين الصَّوت به، والتَّطريب بقراءتِه أوقعُ في النّفوس، وأدْعى إلى الاستِماع والإِصغاء إليْه، ففيه تنفيذٌ للفظه إلى الأسماع، ومعانيه إلى القلوب، وذلك عونٌ على المقْصود، وهو بمنزلة الحلاوة التي تُجعل في الدَّواء لتنفذه إلى موضع الداء، وبمنزلة الأفاويه والطِّيب الذي يُجعل في الطَّعام، لتكون الطَّبيعة أدعى له قبولاً، وبمنزلة الطِّيب والتحكِّي، وتجمُّل المرأة لبعلِها، ليكون أدعى إلى مقاصد النكاح، قالوا: ولا بدَّ للنَّفس من طرب واشتياق إلى الغناء، فعُوِّضت عن طرب الغِناء بطرب القرآن، كما عُوِّضت عن كل محرَّم ومكروه بما هو خيرٌ لها منه، وكما عوِّضت عن الاستِقْسام بالأزلام بالاستِخارة التي هي محضُ التَّوحيد والتوكّل، وعن السِّفاح بالنّكاح، وعن القِمار بالمُراهنة بالنِّصال وسباق الخيل، وعن السَّماع الشَّيطاني بالسَّماع الرَّحماني القُرآني، ونظائره كثيرة جدًّا. ثمَّ أوْرد حديث حُذَيْفة بن اليمان والذي فيه عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((اقرؤُوا القُرْآن بِلحُونِ العَرَبِ وأصْوَاتِها، وإيَّاكُم ولُحُونَ أهْلِ الكِتابِ والفِسْق، فإنَّهُ سيَجيء في منْ بَعْدي أقوامٌ يُرَجِّعُونَ بِالقُرْآنِ تَرْجيعَ الغِناءِ والنَّوْحِ، لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم، مَفتونَةً قُلوبُهم، وقُلوبُ الَّذِينَ يُعْجِبُهم شَأْنُهم))، فقال حول معنى التَّرجيع: والتَّرجيع والتَّطريب يتضمَّن همزَ ما ليس بِمهموز، ومدَّ ما ليس بِممدود، وترجيعَ الألف الواحد ألفات، والواوَ واوات، والياء ياءاتٍ، فيؤدِّي ذلك إلى زيادة في القُرآن، وذلك غير جائز.
    وهو كما يفعله القرَّاء اليوم من إيقاع كلام الله على وفْق النغمات والألحان، ثمَّ خلص ابن القيّم[50] في نهاية بحثه القيّم والذي تضمَّن مسائل شرعيَّة ولغويَّة وبلاغيَّة نافعة إلى ما يلي:
    1- أنَّ التغنِّي والتَّطريب إذا اقتضتْه الطَّبيعة وسمحت به من غيرِ تكلُّف ولا تَمرين ولا تعْليم، فهو جائز.
    2- إذا كان صناعة من الصَّنائع، وليس في الطَّبع السَّماحة به بل لا يَحصل إلاَّ بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلّم أصوات الغناء بأنواع الألْحان البسيطة والمركَّبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تَحصل إلاَّ بالتعلّم والتكلُّف[51]، فهذه هي التي كرِهَها السَّلف وعابوها وذمُّوها وكرِهوا القراءة بِها، ثمَّ قال - رحِمه الله -: "وبِهذا التَّفصيل يزول الاشتِباه" اهـ. باختصار.
    لقد كان المنشاوي - رحِمه الله - من النَّوع الَّذي لم يتكلَّف في استِعْمال المقامات في تلاوتِه، ولم يعهد أنَّه درس في معهد موسيقي أو جلس بين يدَي ملحِّن أو مغنٍّ كما يفعل بعض القرَّاء[52]؛ لأنَّ قارئ القرآن وحامله أجلُّ وأعظم من أن ينزل نفسه إلى هذا المستوى، كيف وحامل كتاب الله قدوة للنَّاس يتأثَّرون بعملِه وعلْمِه وسلوكه وتصرُّفه، بل إنَّ حامل كتاب الله صاحب هدَف وهداية للخلق أجْمعين، لا يليق به أبدًا أن يتعلَّم السلَّم الموسيقي، ويَجلس بين يدي ملحِّن بحجَّة صقل الموهبة الصوْتيَّة فيضرّ نفسه، ويكون معرَّضًا لسخط الجبَّار سبحانَه.
    لقد كان الشَّيخ يتْلو كلام الله، وبِما يُوافق ما ذكرْنا دون أن يتعلَّم من أحد السُّلَّم الموسيقي، بل كان ينساب منه انسِياب الماء الجاري في الأوْدِية السَّهلة، لقد وهبه الله صوتًا حزينًا لا مثيل له، وقد فسَّر أهل العلم حديثَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذي فيه: ((اقرؤوا القُرآن بلحون العرب[53] وأصواتِها، وإيَّاكم ولحون أهل الكِتابين وأهل الفِسق، فإنَّه سيجيء بعدي قومٌ يُرَجِّعون بالقرآن ترْجيع الغناء والرهبانيَّة والنَّوح، لا يُجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبُهم وقلوب مَن يُعجبهم شأنُهم))[54] *بأنَّ المراد بلُحون العرب: القراءة التي تأْتي على سجيَّة الإنسان وطبيعتِه من غير تصنُّع ولا تعمُّل، ولا قصْد إلى الأنغام المستَحْدثة والألْحان التي تذْهَب بِرَوْعة القرآن وجلالِه[55] وسنذكر أمثِلة تطبيقيَّة على ذلك في نهاية الفصْل، وبالله التَّوفيق.
    ثانيًا: التلاوة التفسيريَّة[56] - إن صحَّ القوْل - فالمنشاوي - رحمه الله - يقرأ قِراءة تفسيريَّة بالمعنى، ويقرِّب المعاني الجليلة لكتاب الله إلى أذْهان السَّامعين، بما يملكُه من إبْداع في الوقْف والابتِداء، وجمالٍ في الأداء والصَّوت، وتوظيف حسنٍ للمقام بما يخدم المعنى الذي سيقت الآيةُ لبيانه، مما يجعل المستمِع يحلق بروحِه وقلبه إلى أجواء رحبة من سعة عفْو الله ورحمته تارة، وفي جوٍّ من الخشوع والرَّهبة والإجلال والخوف من عقاب الله تارة أخرى، وله إبداعات تأمُّليَّة يقف فيها عند الآية طويلاً من خلال تكْراره لها يتفاعَل فيها مع معاني كلام الله، فيشدُّ المستمع إلى المعنى شدًّا، يتذوَّق من خلالها حقيقة حلاوة القُرْآن العظيم، فتُنْسيه مرارة وحزْن الدُّنيا بأسرها، لقد كان مِنْ هدْي رسولِنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - في التِّلاوة أن يقطِّع قراءتَه ويقف عند كلِّ آية فيقول: الحمد لله ربّ العالمين، ويقِف: الرحمن الرحيم، ويقف: مالك يوم الدين[57]، وكان - صلى الله عليه وسلم - يرتِّل السُّورة حتَّى تكون أطْول من أطْول منها، وقام بآيةٍ يردِّدُها حتَّى الصَّباح[58].
    ثالثًا: يعتمد المنشاوي - رحِمه الله - في الغالب على أسلوب التكْرار[59] وهو أسلوب ثبتَ ورودُه في السنَّة؛ فقد قام النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بآيةٍ حتَّى أصبحَ يُردِّدها ويُكرِّرها، والآية: ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾[60]، وكان من هدْي الصَّحابة - رضِي الله عنهم - التَّأسِّي برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في ترْديد آيات الله، وقد ثبت أنَّ عائشة - رضِي الله عنْها - كانت تُردِّد قولَه تعالى: ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 27].
    إنَّ الغرض من ترْديد الآيات إنَّما هو لأجْل التدبُّر والتفكُّر في المعنى، والحصول على الخشوع، ليتمكَّن من وراء ذلك القارئ إلى إيصال المعنى المطْلوب من الآيات، واستحضار المعاني[61]، وكلَّما كثر التكْرار كلَّما زادت المعاني التي تفهم من النَّصّ، والتكْرار أيضًا قد يحصل لا إراديًّا تعظيمًا أو إعجابًا بما قرأ.
    لقد تميَّزت تلاوات المنشاوي - رحمه الله - وخاصَّة التي في المحافل بِهذا الأسلوب في تلاوة الآيات، مثل تلاوته لسورة الإسراء والتَّوبة وغافر وغيرها كثير، وبعد أن يتيقَّن أنَّ تلاوته تمكَّنت في النفوس واستقرَّ تأثيرها في القلوب، وأخذت حظَّها من التدبُّر والخشوع وربَّما البكاء، ينتقِل الشَّيخ المقرئ لتلاوة بقيَّة الآيات الكريمات.
    رابعًا: التَّنويع في القِراءات القرآنيَّة: فأنت تَسمعُه يتلو آيةً بقراءة أحد الأئمَّة السَّبعة أو العشرة مثلاً يقرأ برواية الدّوري ثم يُتْبِعها برواية السّوسي - وكلاهُما راويا الإمام أبي عمرو البصري - أو ورش وقالون عن نافع، أو يتلو آيةً واحدة بكل القِراءات قراءة بعد قِراءة؛ حتَّى تتمكَّن أنت أخي المستمع من استيعاب المعنى، وتارةً يَجمع في آية واحدة كلّ القِراءات الواردة في الآية وخصوصًا أصول الأئمَّة المختلفة، مثل تلاوة سورة الإسراء المشْهورة في المسجِد الأقصى، وسورة التوبة في بلاد الشام في المسجِد الأموي، كل ذلك مع البعد إن أمكن عن القِراءات الشَّاذَّة لم يقرأ بها المنشاوي - رحمه الله - حسب علمي القاصر[62] خدمة للمعنى لا لأجل التَّطريب، أو إظْهار المقدرة والبراعة، بل لأجْل توضيح المعنى، واكتمال الصّورة، ووضوح المشهد، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا، أكتفي بمثال واحدٍ جَميل، وهو عند قراءتِه لسورة غافر في قوله: ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾[63] فقد كرَّر تلاوة تلك الآية وما بعدها أكْثر من خمسة مرَّات، وفي كلّ مرة يأْتي بمعنى جديدٍ من خلال التَّنويع في القِراءات والنغمات، مصحوبة بتأثُّر بالغ وخشوع عظيم، وسيأتي توضيح ذلك أكثر في كلامِنا على تلاوات المنشاوي الدراسة والتطبيق.
    خامسًا: يرتِّل المنشاوي القُرآن على أنَّه هو المخاطَب المعنيّ من الآيات المتلوَّة[64]، بل هو المقصود منها لا غيْره، فعند تلاوته للآيات التي تحذّر من العذاب أو الَّتي تدعو إلى التَّوبة والرجوع إلى الله، أو التي تدْعو إلى محبَّة الله والشَّوق إلى لقائه وبذْل النَّفس رخيصة في جنْب الله، يوقن بأنَّه هو المخاطب بها، فيتْلوها على أنَّه هو المعنيّ من الآيات فيورِثه ذلك ندمًا وخشوعًا وذلاًّ وانكسارًا وتواضعًا وحبًّا لله، وإجلالاً وخوفًا ورجاءً، ممَّا يكون لتلاوتِه أثرُها الفعَّال العميق في النفوس، قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: "إذا سمعت الله - عزَّ وجلَّ - يقول كذا وكذا، فأصغ لها سمعك، فإنَّما هو خير تؤمَر به أو شر تنهى عنه"[65]، إنَّ السَّبب في بُعْد النَّاس عن تعاليم الإسلام هو اعتِقادهم أنَّ الآيات المندِّدة بالمشْرِكين، وأنَّ آيات العذاب في القُرآن هي خاصَّة بِمن نزلت بِهم، ممَّا يؤدِّي إلى فصْل المسلمين عن قرائِنهم، ويصير كلّ وعيد باليهود والنَّصارى والمشركين منصرِفًا إلى مَن نزلت عليهِم لا تتناول غيرهم[66]، فيفقِد المسلمون الاتِّعاظ بكتاب الله والاعتِبار بآياته؛ ولهذا نرى بعض المسلمين لا يتَّعظون بالقرآن وأحكامه ووعيدِه، ويحسبون أنَّ كلَّ من تلفَّظ بلا إلَه إلاَّ الله من غير قيامٍ بِحقوقِها، فهي كافية لنجاتِه من عذاب الله ولو مارس الشرك الواضح، مثل عبادة القبور أو التوسُّل بالأموات، والله المستعان.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل الثَّامن
    (ميزات تلاوة المنشاوي دراسة وتطبيق)
    في هذا الفصْل دراسة وتَحليل لبعض الميزات والمؤثِّرات في تَجويد المنشاوي وتَرتيله، والَّتي جعلتْها في القمَّة والرَّوعة والمهابة في الأداء والتَّأثير، مع أمثِلة تطبيقيَّة من تلاواتِه في المحافل والمساجد.
    أوَّلاً: الوقْف والابتِداء:
    الوقف[67] معناه: قطْع الصَّوت على الكلِمة القُرآنيَّة زمنًا يتنفَّس فيه عادة مع قصد الرجوع إلى القراءة، إمَّا بما يلي الحرف الموقوف عليْه إن صلح الابتداء به، أو بالحرف الموقوف عليْه، أو بِما قبله مما يصلح الابتِداء به، ولا بدَّ في الوقف من التنفُّس معه، وينقسم الوقف إلى الوقف الاضطِراري، والوقف الاختِباري، والوقف الانتِظاري، والوقف الاختِياري، وهذا الأخير ينقسم إلى خمسة أنْواع: اللاَّزم والتَّام والكافي والحسن والقبيح.
    يقول الحصري[68] - رحِمه الله - في بيان صفات القارئ المجيد: "وهو أن يكون له معرفة بالقواعِد والضَّوابط التي وضعها عُلماء التَّجويد، ودوَّنَها أئمَّة القرَّاء، من مَخارج الحروف وصفاتها، وبيان المثلين والمُتقاربين والمتجانسَين، وأحكام النُّون السَّاكنة والتَّنوين، وأحْكام الميم السَّاكنة، والمدّ وأقْسامه وأحكامه، وأقسام الوقْف والابتداء....".
    لقد كان المنشاوي - رحِمه الله - أُستاذًا بارعًا في هذه الأقْسام كلِّها، يُحسن استخدامها في غاية الإتقان مع ما أُوتي من جمال الصَّوت وعذوبته، وبراعة في توْظيف المقام مع خشوع وتأثُّر بِما يتلوه، وقد ورِث هذا الإحساس والتذوُّق للقرآن على يد الشَّيخ محمَّد النمكي[69] قبل أن يدرس أحكام التِّلاوة على يد الشَّيخ محمد أبو العلا والشَّيخ محمد سعودي بالقاهرة.
    وقد اخترت من التِّلاوات المحْفلية تلاوته لسورة القصص[70] والتي تلاها في خَمسة محافل منها في الكويت، ونتوقَّف عند قوله - سبحانه -:
    ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79]، وما تلاها من آيات، وما فيها من إبْداع في التَّلاوة للشَّيخ - رحِمه الله -.
    ونُحاول أن نسْتجلي ما في تِلاوة الشَّيخ من دروس على شكْل نقاط:
    • وقف الشَّيخ عند قوله "في زينته"، وهو ما يسمَّى بالوقْف الاختياري وهو: وقف جائز، يَجوزُ استِئْناف ما بعده والوصْل فيه أوْلى، والشَّيخ هنا ينبِّه إلى توخِّي الحذَر في الوقف والابتِداء[71]، فالآية تصوّر حالة من إعْجاب قوم موسى بما أوتي قارون من سُلطة ومتاع في الدُّنيا، بل وصل إعجابُهم إلى حدِّ التحسُّر وتَمنَّوا أن يكونوا مكانَه، وممَّا يدلّ على براعة الشَّيخ في الوقف أنَّه تلا الآية من قوله: ﴿ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ ﴾ [القصص: 79]، ثمَّ عاد الشَّيخ واستأنفَ الكلام من قولِه: ﴿ مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾؛ لأنَّه لو قرأ واستأنَفَ من قوله: "يا ليت لنا مثل ما.." إلى آخِر الآية لوقَع في المعنى المغايِر للآية تمامًا، وهو تَمنِّي حال قارون والَّذي سِيق الآية لذمِّه والتَّحذير ممَّا وقع فيه.
    • تلا الشَّيخ الآية السَّابقة ومرَّ عليْها سريعًا وتلاها بالقرار، وبدون تكْرار، وكأنَّه يلمّح إلى أنَّ المقام مقام غضب وسخط من الله على قومٍ غرَّتْهم الحياة الدنيا، وتنكَّروا لنعمة الله وفضله، وأنَّه لا ينبغي لِمَن أوتي عقْلاً أن يغترَّ بزينة الدّنيا.
    • عندما يصِل الشَّيخ إلى قولِه تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 80]، هنا يرْفَع الشَّيخ من وتيرة صوتِه وبِمقام رست قويّ، وجواب للقرار، وانفِعال مؤثِّر ليدلَّ على المقصود ممَّا سيقت له الآيات السَّابقة، وأنَّ الناس على مفترق طُرُق بين مَن يُريد الحياةَ الزَّائلة، وبين مَن يُريد ثوابَ الله والدَّار الآخرة ويبغي النعيم السرمدي الَّذي لا ينقطع، وأنه يجب الاستِعْداد بالعلم النَّافع والعمل الصَّالح، وهُنا يُكرِّر الشَّيخ الآية - كعادته في الآيات التي تتضمَّن التَّذكير والوعْد - ثلاث مرَّات، كما كرَّر قولَه تعالى: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ ﴾ [القصص: 80]، وبأداءٍ يدلُّ على شيءٍ فات ومضى، وأنَّ الَّذين تمنَّوا مكان قارون وغناه والَّذي خسف الله به الأرض، اليوم هُم يعلنون التَّوبة والرّجوع إلى الله وبقفلة رائعة عند قوله: ﴿ لِمَن يَّشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾؛ لِلدَّلالة على أنَّ كلَّ شيء عند الله مقدَّر، وأنَّ الرّزق بيد الله، وعند قولِه تعالى: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً ﴾ [القصص: 83]، يُعْلِنها الشَّيخ مدوِّية ليرفع صوتَه في أُفُق السَّماء ليبيِّن سنَّة الله في خلقه وقدره في كونِه الشَّرعي، وأنَّ الدَّار الآخِرة خالصة للَّذين لا يبغون علوًّا في الأرض ولا فسادًا.
    • قرار الشَّيخ المنخفِض في كلّ من قولِه تعالى: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾ وقوله تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ ﴾ وبنبْرة حزينة مؤثِّرة للدّلالة على الشَّفقة على حال مَن غرَّه علمه أو ثروته أو سلطانه، وما آل إليْه من مصير رهيب، والشَّيخ تخنقه العَبرة عند قوله: ﴿ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ﴾ [القصص: 82]، والخوف من أن يكون حال المسلم مثلَ مصيرِ ما جرى لقارون وأمثالِه، فهو لهذا يسألُ الله التَّثبيت والهداية على الصِّراط المستقيم.
    وفي موضوع الوقْف أيضًا: الوقف على الهمز؛ فللمنشاوي - رحمه الله - هنا إبداعات هي الرَّوعة والحلاوة، فإنَّه كما هو معلوم كلّ القرَّاء يقِفون على لفظ "اقرأ" على الهمز إلاَّ حمزة براوِيَيه، وهشام عن ابن عامِر من أحد طرقيْه، وحمزة وهشام بِخلف عنه يقِفان على لفظ "اقرأ" بإسقاط الهمز وفي حالة الوصل التَّحقيق لكل القرَّاء[72].
    وكذلك لام التَّعريف الَّذي بعده الهمز مثل الأكرم والإنسان، هناك ثلاثة أقْسام:
    • قرَّاء يسكتون سكتةً لطيفة على السَّاكن قبل الهمزة لبيانِها وهُم حمزة براوِيَيه.
    • قراء ينقلون حركة الهمزة إلى السَّاكن قبلها وهُم ورش من طرُقه وصلاً ووقفًا، وحمزة عند الوقف فقط.
    • وقراء ليس لهم السَّكت على السَّاكن قبل الهمزة وهم باقي القرَّاء.
    • وهنا الشَّيخ - رحمه الله - يبدأ تلاوته من سورة العلَق بدرْس في مجال علم القِراءات، ودرس في المقامات، ودرسٍ آخر في تفسير الكلِمات، بل بدرسٍ يهزّ المشاعر يدلُّك على طريق الآخِرة وينكشف للقارئ معانٍ جليلة في فهْم القرآن وتدبُّره.
    • الشَّيخ يرتّل الآيات من سورة العلق على مقام السيكاه[73] - وهو مقام يَمتاز بالبطْء والتَّرسُّل ويدخل في عمق القلب ليفتح آفاقَه للنَّظر في أحكام الآيات القُرْآنيَّة - ويُحلِّق بنا في أجواء رحْبة من فضْل الله على الإنسان الَّذي خلقه من علقةٍ ميتة لم يكن شيئًا قبل ذلك، ثم تدرَّج به في النّعم حتَّى أرسل إليه الرُّسل وعرَّفه بأعظم النعم على الإطلاق، ألا وهي نعمة العِلم والقلم والكتابة، ثم علَّمه علم القرآن والبيان، فكيف يَجوز للمخلوق الضَّعيف أن يَجحد ذلك كلَّه ويتنكَّر للنعمة ويقابِلها بالإساءة والجحود، والشَّيخ يجوّد الآيات على وفق التَّذكير لأنَّ المقام مقام فرَح واستِبْشار، وبقفلة قلَّ مَن يُجيدها عند قوله: ﴿ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]، ويقسم القِراءات إلى أُصول يرجع كلُّ أصْلٍ إلى قارئ، ويبدأ بالقرَّاء: ورش ثمَّ حَمزة، وفي المقطع الأخير يَجمع كلَّ أصول القرَّاء كنموذج لبيان خلاصة ما تقدَّم.
    وهذه عادة الشَّيخ في تلاواتِه كلّها تقريبًا[74]، فعندما تلا قولَه -تعالى- من سورة الرّوم: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ ﴾ [الروم: 20][75]،أحبَّ أن يتدبَّر معناها وأن يذكِّر النَّاس بِما حوتْه الآية من معانٍ، فوقف عندها طويلاً، فشرع تلاوتَها خَمس مرَّات تقريبًا وبِمختلف القراءات: برواية ورْش عن نافع، وبرواية حفْصٍ بقصْر المد، وبرواية الدُّوري، وشعبة عن عاصم - حفص بالتوسّط -والكسائي، وبرواية السّوسي عن أبي عمرو البصري، وبرواية المكّي ابن كثير، وختَم الآية برواية حمْزة الزيات، وبذلك فسَّر الآية وبصوته العذْب من جميع وجوهِها، والَّتي تدلّ على نعمة الله على الإنسان، وأنه تكون من نسله جَميع الأمم والحضارات مختلِفة الطّباع والتَّقاليد والعادات، وإنَّه لآيةٌ من آيات الله التي تدلُّ على أنَّه المستحقُّ للعبادة والطَّاعة، والخضوع الكامِل من جَميع الوجوه، وأنَّه ربّ العالمين.
    عندما ينتهي الشَّيخ ويبدأ بقولِه: ﴿ كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6] تتغيَّر نبرته، وتتبدَّل مشاعِره، وكأنَّه ليس المنشاوي الَّذي كان يحدِّثنا عن الفرح والاستِبْشار، إنَّه الآن ينتقِل إلى أجْواء أخرى من معاني كلام الله، وبنبْرة حزينة يتخلَّلها ما يسمَّى بـ (البنتاية)[76] للدلالة على حال الإنسان الَّذي إذا تجرَّد عن الإيمان ورأى نفسَه أنَّه استغنى فإنَّه يطغى، ويغلِبُه هواه ويقوده طمعه، ويشْعُر أنَّه غير مُحتاج إلى رازِقِه وخالقِه لاستِغْنائه بالمال أوِ السُّلطان، ونتيجةً للتَّصوُّر الخاطئ يَجحد ويفخر وينسُب النِّعمة إلى نفسِه، لكن مهْما طالت الحياة فإنَّ مصيرَه إلى الله، ﴿ كَلاَّ ﴾.... ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق: 8].
    ثانيًا: تصوير المعنى:
    من خصائِص أسلوب القُرآن الكريم التي عُرِف بها: تصْوير المعاني، ويراد بها إظهار المعاني بكلماتٍ تَكاد أن تَجعلَها بصورة المحْسوس، حتَّى كأنَّك تلْمَسها بيديْك، فتجدها مترابطة متكامِلة لا تحس بأي مشقَّة في تركيب معانيها التي تشكّل الصورة المتكاملة، بل هي حاضرة الصّورة والمشهد في ذِهْنِك[77] - رحِمه الله تعالى - له عناية خاصة بهذا المعنى من ناحية توضيحه وبيانه واستجلائه، والَّذي تميَّز فيه من بين سائر المفسرين، فإنَّ تَجويد المنشاوي - رحِمه الله - من ناحية تطبيقيَّة تَجعلك تعيش في أجواء الآيات كأنَّك تراها رأْي عين، وتجعلك تتذوَّق معانيَها وتنقلك إلى عوالم غير علم المادّيَّات، وتجعل مَن يستمِع إلى التّلاوة يتفاعَل معها بقلبِه وعقلِه ووِجْدانه.
    وعلى ذلك أمثِلة لا حصر لها منْها:
    أوَّلاً: تلاوته لقولِه -تعالى- من سورة الفجر[78] - وهي من أكثر السور التي تلاها في المحافل والمناسبات -: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴾ [الفجر: 23]، وهو من روائع الآيات التي يتْلوها[79]، ويستعمِل المقرئُ ما يناسب أجْواء الآية من المقام وهو الحجاز - هذا المقام من أحْزن وأخْشع المقامات، وأصلُه يرجع إلى بلاد الحجاز - وهو الثَّاني في الرَّوعة بعد الصَّبا.
    والمنشاوي - رحِمه الله - في تلاوته يقطع القلب، وتخنقه العَبرة، وهو يذكر الإنسان الغافِل بما فات من عمره في غير طاعةِ الله بعد رؤيته لجهنَّم بنارِها وحَميمِها وزقُّومها، وهي تُقاد بالسَّلاسل، ليُقْذَف فيها العصاة من خلْق الله، ويصوِّر لك الحالة تمامًا وكأنَّ جهنَّم مرْبوطة بالحِبال، وتجرُّ إلى ساحة الحساب فيَراها جَميع خلْق الله، هناك في ساحات العرْض والحِساب، هناك تبلغ القلوب الحناجر، ويَشيب الوِلْدان من هوْل الموقِف والمطلع، حينئذٍ يصرُخ الإنسان بأعلى صوتِه نادمًا: ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 24]، والمقرئ في المقطع يرفَع صوتَه مناديًا على الخلق أن هلمّوا إلى طاعة الله قبل فواتِ الأوان، واستجيبوا نداء ربِّكم قبل حلول الموْت، إنَّها لحظاتٌ حاسِمة في عمر الإنسان، بل في عمْر البشريَّة جَمعاء، إنَّ الآية تختصِر عمر الدُّنيا لتوضح صورة عن قصر عُمر الدُّنيا مقارنة بِحال الآخرة، وإنَّ الإنسان على مفترق طرق إمَّا إلى نعيم سرمدي، أو عذاب أليم دائم.
    إنَّ الَّذين يفهمون بالمقامات والدَّرجات والأصْوات يقولون: إنَّ المنشاوي - رحمه الله - لا نظيرَ له في التَّصوير المعنوي، فهو من أوائل مَن قرأ القُرآن بالتَّصوير للمعاني - وقبله الشَّيخ محمَّد رفعت[80] - وهو يتفاعل مع القُرآن بطريقةٍ عجيبة رائِعة، تأخُذ بالألباب، حتَّى في تلاوته بأسلوب الحدْر[81] يبدع فيه، فمثلاً المنشاوي في سورة آل عِمْران يَجْعلُك تعيشُ غزْوة أُحُد تَمامًا بِمشاعرها وأحاسيسها، والحالة التي كان عليْها المسلمون خاصَّة عندما يقرأُ: ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ﴾ [آل عمران: 140] إلى ما بعدها من الآيات الكريمات، ومن هُنا يتبيَّن لنا السَّبب والسِّرَّ في النَّاس، تتأثَّر وتعيش مع تلاوته ذلك التَّأثير العميق الذي تنقاد إليه القلوب قبل الأسْماع.
    والمثال الثاني: تِلاوته من سورة ق[82] من قولِه تعالى: ﴿ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴾ [ق: 28]، ويستعمل الشَّيخ في تلاوتِه للآية هنا مقام النَّهاوند - وهو من أجْمل المقامات وأكثرِها عاطفة وفرحًا وحزنًا معًا، وإن كان الحزنُ يغْلِب كثيرًا - وهو بارِع فيه حتَّى إنَّه عرف به، والمقرئ في تلاوته يوضِّح ويجسِّد حال الإنسان مع قرينِه الَّذي أغْواه وأضلَّه، ثمَّ تخلَّى عنه في أحرج موقِف بل يتبرَّأ منه هناك، يوم لا ينفَعُ مال ولا بنونَ إلاَّ من أتى الله بقلب سليم، وأصبح الإنسان مرهونًا بعمله لا غير، وأصبح ماثلاً أمام عدْل الله وقضائه ولا يظلم ربُّك أحدًا، وعند قراءتِه لقولِه تعالى: ﴿ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ ﴾ [ق: 29] يمدُّ المنفصل للدّلالة على تعْميق المشْهد وإيضاحه بقوَّة، إنَّ الوقت انتهى وإنه ليس هناك سبب للتَّخاصم بين الإنسان وقرينِه وبين الأتْباع والمتبوعين، فقد قُضِي الأمر وانقضى الوقْت، يقول الله قد أعذرت إليْكم على ألسنة الرسُل، وأنزلت الكتُب، وقامت عليْكم الحجج والبينات والبراهين[83]، إنَّ الاستماع إلى الآيات تدْفَع الإنسان إلى التأثُّر والاستِعداد التَّامّ والتزوُّد للآخِرة.
    ثمَّ تأمَّل الانفِتاح في قوله: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 31 - 35]، على مقام الرست - يَمتاز بالفخامة والأبهة - الَّذي يدلُّ على الاستِبْشار والفرَح بفضْل الله ورحمتِه، ولنا هنا إشارات:
    الأولى: المقرئ يُعيد تلاوة الآية أكثر من مرَّة من أجل إيصال المعنى المطْلوب؛ لأنَّ ترْديد الآية له فائدة؛ فهو يؤدِّي إلى التدبّر، وأيضًا فالقلوب أنواع فإذا لم يؤثِّر هذا النوع من النَّغم أثَّر غيرُه، والقُلوب المطمئنَّة يَكْفيها أدنى إشارة.
    الثانية: التَّنويع في القراءات كي تتعدَّد المعاني وتتنوع الدلالات، وتصبّ في مقصد واحد وهو الدّلالة على عظيم وعْد الله للمتَّقين، ثمَّ التَّنويع في المقامات، فقد بدأ الشَّيخ السورة بمقام البيات، ثم انتقل إلى البيات شوري، ثمَّ إلى الصَّبا، ثمَّ إلى الحِجاز، بعدها إلى النهاوند، ثمَّ إلى الرست ثم السيكاه.
    والمنشاوي ينقلك إلى أجْواء رحبة من عطاء الله للمتَّقين، ويكشِف في تلاوته عن مشْهد عظيم من مشاهد يوم القيامة الدَّالّ على دقَّة التَّصوير لأهل الجنَّة، وهم يدخلونَها إخوةً متحابّين، كما جاء في الحديث: ((أوَّل زمرة يدخُلون الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر، ثمَّ الذين يلونَهم على أشدّ كوكب دُرّي في السَّماء إضاءة: لا يَبولون، ولا يتغوَّطون، ولا يتفلون، ولا يمتخِطون، أمشاطهم الذَّهب، ورشحُهم المسك، ومجامِرُهم الألوَّة - عود الطِّيب - أزواجُهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدمَ ستّون ذراعًا في السَّماء))[84]،هذا التَّصوير العجيب لأهل الجنَّة وهم يدخُلونَها بهذه الصّفة، يدلّك على منهج قرآني عظيم في تربية النَّفس البشريَّة على معاني الإيمان بالغيْب، والَّذي يُثْمِر الأعمال الصَّالحة من الخوف من الجليل والمُحافظة على أوامر الله وإن كنت خاليًا، وسلامة القلب من الأمراض القلبيَّة، فما أعظم سَعة رحمة الله! وما أحلم الله على خلْقِه وهم يبارزونَه بالعظائِم من الذنوب، وهو مع ذلك يدْعوهم إلى التَّوبة ويعرِض عليْهم الجنَّة، التي فيها ما لا عين رأَتْ، ولكن الخلق والحال والعرض من ربّ العباد معرضون ساهون غافلون! ربَّاه رحْماك ما أعظمك! ربَّاه ما أعظمك وأرْحَمك بِخلقك!
    كلّ ذلك يصوِّره المقرئ من خلال تلاوتِه للسورة، فيدْعوك إلى الاستِعْداد وشدّ العزْم إلى التَّوبة والعمل الصَّالح وتحقر حينئذٍ الدّنيا وزخرفتها، وتتيقَّن فعلاً بعد سَماعِك للتّلاوة أنَّها - الدّنيا - لا تُساوي في ميزان الله شيئًا، وأنَّ موضعًا في الجنَّة هو أثْمن من الدنيا وما عليها، والتّلاوة فوق ما تتصوَّره الأذهان وفوق ما أسطره بقلمي، وتأمَّل معي - رحمك الله - كيف أن المقرئ يستعمل في تلاوته ما يعرف (بالبنتاية) أو بالمصطلح العِلْمي الترقيص، ولكنَّ المنشاوي ينساب منه بخشوع عجيب، وهو معروف به.
    واستمع إلى المقطع الأخير من التّلاوة وهو يقرأ قوله: ﴿ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ في سورة الرحمن، حاول أن تستمِع لها بتدبّر، لتصل إلى المقصود من تلاوة القرآن؛ ألا وهو التدبّر والخشوع، ما أحوَجَنا في هذه الأيَّام حيث الفتنُ - فتن الشَّهوات والشّبهات - ترِد على القلوب فتجعلها مظلمة قاسية، بعيدة عن الله، بعيدة عن معاني الآخرة، ما أحْوجَنا إلى أن نتواصِل على مائِدة القرآن الكريم! إنَّ القرآن الكريم بِمعانيه وآياته يفتح أبوابَه على القلوب والأرواح، فيورِثها الأُنس والشَّوق والحياة المطمئنَّة والسَّعادة الحقَّة، مائدة القرآن مبسوطةٌ للجميع، وفواكِهُه البديعة معروضة للخلْق، لكن مَن يأْتي إلى فضل الله ورحمته؟! اللَّهُمَّ لطفَك بنا يا أرْحَم الرَّاحمين.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    ثالثًا: علم القراءات السَّبع والعشر:
    هناك قرَّاء مشهورون وهبهم الله حلاوةً في الصَّوت، وطولاً في النَّفَس، ومقدِرة في التفنُّن في التّلاوة بالمقامات المتوارَثة، ومعرفة قويَّة بأحكام التَّجويد والقِراءات السَّبع والعشْر، ومنهم الشيخ الحصري[85] - رحمه الله - وهو من أشهر القرَّاء الذين ستبقى تلاواتُهم خالدةً ومرجعًا للقرَّاء في الأجيال القادِمة.

    أمَّا المنشاوي - رحمه الله - صاحب الصوْت الحسن، فله الأسلوب الخاصّ في التّلاوة، والَّذي يجعل - بمهارته ومعرفته - السَّامع يتدبَّر القرآن أكثر فأكثر، وهو أُستاذ في فنّ القِراءات السَّبع والعشْر، وترْتيله بالتَّحقيق منتشِر في العالم الإسلامي، أمَّا تَجويده فهو يُعْطِي فيه لنا دروسًا ومُحاضرات[86] من خِلاله، وهذه أمثلة على ذلك:
    ففي تلاوتِه - وبِمقام بيات شوري - لسورة الحديد في أحد المحافل بأسيوط اختار - رحِمه الله - كلِمة قرأَها بمختلف الأوجُه من طرُق الأئمَّة العشرة - رحِمهم الله أجمعين - وهي لفْظ "فيضعفه"، ومعْناها: إن كانت بحذف الألف التي بعد الضَّاد، وتشديد العين على أنَّه مشتقٌّ من ضعَّف مشدَّد العين؛ للدّلالة على التَّكثير، وبإثبات الألف وتَخفيف العين على أنَّه مشتقّ من ضاعف[87].

    فأعاد الشَّيخ - رحمه الله - تلاوة الآية الكريمة خمسَ مرَّات تقريبًا متتالية، يبين فيها أوجه الاختلاف بين القرَّاء العشرة، والآية هي قوله تعالى: ﴿ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد: 11].
    • قراءة ابن كثيرٍ براوييه: البزي وقنبل.

    • وقراءة أبي جعفر عاشِر القرَّاء براويَيْه: ابن وردان وابن جمَّاز، (فيُضَعِّفُهُ) بتشْديد العين وضمّ الفاء.

    • قراءة ابن عامر الشَّامي براويَيْه: ابن ذكوان وهشام.

    • قراءة يعقوب الحضرمي براوييه: روح ورُويس، (فيُضَعِّفَه) بتشديد العَين وكسرِها وفتْح الفاء، واختار الشَّيخ هنا مدَّ التوسّط المنفصل: ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ لِلزومِه عند ابن ذكوان.

    وجعل كذلك التوسُّط ليعقوب كوجه من أوجُه المدِّ الثَّلاثة على غرار باقي القرَّاء، مع العلم أنَّ يعقوب يفضِّل القصْر كذلك.

    • قراءة حمزة براوِيَيه: خلاد وخلف، من طريق السَّكت على المدود (فيُضاعِفُهُ) بالألف قبل العين وكسر العين وضمِّ الفاء.

    • قراءة عاصم براوييه: حفص وشعبة، وهنا ملاحظة لماذا اختار الشَّيخ محمَّد المدَّ المتوسط ﴿ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾، فرواية حفص لها يَجوز فيها المدّ: إمَّا بالقصر، وإمَّا بالتوسّط، وإمَّا بالمدّ، ولكنَّه اختار التوسُّط لاحترام وجوبه في رواية شُعبة، وهو: أبو بكر؛ وذلك ليجمع بينهما، (فيُضاعِفَهُ) بألف وكسر العين وفتح الفاء.

    • قراءة الباقين؛ يعْني: كلاًّ من نافعٍ المدني: قالون وورش، والكسائي الكوفي: الدوري والليث، - الدّوري هو كذلِك راوٍ لِلإمام أبي عمرو -وأبي عمرو البصري: الدوري والسوسي، وأدْرج معهم قراءة خلَفٍ عن نفسِه، وهو تاسِع القرَّاء العشَرة - ونفسه راوي حمزة - لموافقتهم في المد المتوسّط دون سكْت، وهذا من أصوله فيُضاعِفُهُ بالألِف وكسْر العَين وضمِّ الفاء[88].

    ملاحظة:
    في قراءة بقيَّة القرَّاء – أي: الباقين - الشَّيخ محمَّد صديق المنشاوي احترم حتَّى أصول القرَّاء العشْر في المدود، بِحيث إنَّه رغم أنَّ الإمام حمزة اتَّفق مع الباقين في (فيضاعفُه) بألف ثمَّ ضم الفاء، أعاد الآية ليقرأها بقراءة حمزة خالصةً وبطريق السَّكت على المدود، وفي قراءة الباقين اكتفى - عن اختيارٍ - بالتوسُّط في المدِّ المنفصِل عند كلِمة "فله أجرٌ كريم"؛ لأنَّ هؤلاء القرَّاء يَجوز عندَهم الأوجُه الثَّلاثة في المدود - القصْر والتوسُّط والمد - إذًا اختار التوسّط لأنَّ في قراءة الكسائيّ وأحد رُواة أبي عمرٍو البصْري وهو الدّوري المدُّ المتوسّط إلزامي.

    هذا من ناحية اللَّفظ المتعلِّق بالقراءات، أمَّا من ناحية المعنى فأراد الشَّيخ أن يستوعِب جَميع المعاني المطلوبة من الآية ليوصّل السَّامع إلى المقصود من الآية، وهي الحثّ على الإنفاق في سبيل الله ويصوّر المعنى على أنه "عتابٌ من الله - سبحانه - للمؤمنين، الَّذين لم يصِلوا إلى تلك المرتبة التي يُريدها الله لهم، وتلْويحٌ لهم بما كان من أهل الكِتاب قبلَهم من قسْوةٍ في القُلوب وفسقٍ في الأعْمال، وتحذير من هذا المآل، الذي انتهى إليه أهلُ الكتاب بطول الأمد عليهم، معَ إطْماعهم في عون الله الذي يُحيي القلوب كما يُحيي الأرْض بعد موتِها" ثمَّ الدَّعوة إلى "إقْراض الله قرضا حسنا، مع بيان ما أعدَّه الله لمن يُقْرِضونه في الدُّنيا من العِوَض المضاعف والأجر الكريم"[89].
    إنَّ "قيم الدنيا كلّها في ميزان الله إلى جانب قيم الآخرة.. حيث تبدو قيم الأرض لُعبًا خفيفة الوزْن، وترجح كفَّة الآخرة ويبدو فيها الجدّ الذي يستحق الاهتمام"[90].
    ثم عندما يتلو الشَّيخ قولَه تعالى:﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].
    يهتف بهم الشَّيخ في تلاوته يستنهِض الهمم ويحثّ النّفوس ليُسابِقوا إلى قيم الآخرة، في جنَّة عرضُها كعرض السَّماء والأرض، أُعدَّت للَّذين آمنوا بالله ورسلِه.
    مثال آخر من قوله تعالى في سورة الإسراء، من قول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ﴾ [الإسراء: 7]، ونَختار كلِمة ليسوءوا؛ فقد قرأ المنشاوي الآية بِمختلف الوجوه التي تَجمع معانيها وتَحصر وجوهَ ما قاله المفسِّرون في الآية، فقد قرأ الكسائي بالنّون ونصْب الهمزة، والشَّامي وشُعبة عن عاصم وحمزة وخلف بالياءِ ونصْب الهمزة، والباقون بالياءِ وضمّ الهمزة بعدها واو الجمع، ولورْشٍ بعد ذلك ثلاثةُ البدل، ولحمزة كذلك في الوقْف عليْه، وكذا هشام النَّقل والإدْغام لأصالة الواو[91]، وقدِ استوعب الشَّيخ محمَّد جميع تلك الرّوايات في تلاوتِه للآية - رحمه الله - وبِمقام بيتا وبقفلة حِجازية في غاية الرَّوعة.
    أمَّا معاني ما قرأ من كلِمة ﴿ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ فهي: تُقرأ بفتْح الهمزة علامةً للنَّصب وبضمِّها وواو بعدها وبالياء والنون.
    فالحُجَّة لِمَن قرأ بفتْح الهمزة أنَّه جعلَه فِعلاً للوعْد وللعذاب، والحجَّة لِمن قرأَه بالضَّمِّ أنَّه جعله فعلاً للعباد في قوله ﴿ عِبَادًا لَنَا ﴾، ﴿ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ ودليله قولُه: ﴿ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ ﴾، ﴿ وَلِيُتَبِّرُوا ﴾، والقِراءة بالياء في هذَين الوجهين، فأمَّا النّون فإخبار عنِ الله - عزَّ وجلَّ - أخبر به عن نفسِه وخصَّ الوجوه وهو يُريد الوجوه والأبدان، ودليلُه قولُه تعالى: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88]، يُريد إلاَّ هو، والفعل في الإفراد والجمع منصوبٌ بلام كيْ[92].
    ومن الملاحظ:
    أنَّ التّلاوة كانت في بيت المقدس، والمنشاوي صاحب دعْوة بصوتِه لم يشأ أن يفوّت تلك الفرصة، ليوجّه نداءَه إلى اليهود، والذين ظهَر فسادُهُم وكُفْرُهم، وأعاد تلك الآيةَ بالذَّات سبْع مرَّات وبِمختلف وجوه القراءات، ليبيِّن لهم ما ذكره المفسّرون: إنَّكم يا معشر اليهود قد أفسدتُم في الأرض، وإن وقَع الإفساد الثَّاني ولَم تتَّعظوا، وجاء أعداؤكم ﴿ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ ﴾؛ أي: يُهينوكم ويقْهَروكم، ﴿ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ ﴾؛ أي: بيت المقدس، ﴿ كَمَا دَخَلُوهُ أوَّل مرَّة ﴾؛ أي: في الَّتي جاسوا فيها خِلال الدّيار، ﴿ وَلِيُتَبِّرُوا ﴾؛ أي: يُدمروا ويخربوا ﴿مَا عَلَوْا ﴾؛ أي: ما ظهروا عليه،﴿ تَتْبِيرًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ ﴾؛ أي: فيصْرِفهم عنكم، ﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ﴾؛ أي: متى عدتم إلى الإفسادِ ﴿عُدْنَا﴾ إلى الإدالة عليْكم في الدُّنيا مع ما ندَّخره لكم في الآخرة من العذاب والنَّكال؛ ولهذا قال: ﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ... ﴾[93].
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل التاسع
    (رحلات الشيخ في العالم الإسلامي)
    ما أن بلغ المنشاوي - رحِمه الله - مرْحلة النُّضج الفكري، وذاع صيته في أنْحاء مصر، حتَّى انهالت عليْه الدَّعوات من مختلف أرْجاء مصر، ثمَّ من مختلف أقْطار الإسلام للتِّلاوة وإحْياء ليالي رمضان والمناسبات الأُخْرى، وتعتبَر فترة الخمسينيَّات لحظة الانطِلاق إلى العالم الإسلامي، وقد طاف في دُول عدَّة يصْدح بصوت الحقّ، ويوجّه الأمَّة، ومن خلال تلاوته لآيات القُرآن إلى العوْدة إلى النَّبع الصَّافي، والعرْوة الوثقى ألا وهو كتاب الله والتمسّك به، ويبثّ الأمل تارةً في نفوس أبنائِها، وتارة يُعزِّيها بِمصابها في مقدَّساتِها، ويحثُّها على الأخذ بأسباب التَّمكين والعزّ والرّفعة، لقد كانت رحلات المنشاوي - رحِمه الله - تتميَّز بكونِها دعويَّة مثمِرة أكَّدت على ضرورة التمسّك بالإسلام، وأنَّ الحل للخروج من الأزمات والنَّكبات هو القرآن العظيم، وأنَّه هو وحده الموحِّد للشّعوب قاطبة على اختلاف لغاتِها ومذاهبِها، ومن تلك الرّحلات والبلدان التي زارَها الشَّيخ المنشاوي - رحِمه الله -:
    رحلته إلى إندونيسيا:
    وهي في نظَر المنشاوي من أوْفق الرِّحلات وأكثرها بركة؛ لسببٍ يعبّر عنه الشَّيخ المنشاوي - رحِمه الله - بتعبيرٍ صادِق نابعٍ من أعماق القلْب، وفي خطابٍ يُرْسِله إلى أكبر أوْلادِه؛ حيث يقول فيه: "لَم أر استِقْبالاً لأهل القُرآن أعْظم من استِقْبال الشَّعب الإندونيسي الَّذي يعشَق القرآن، بل ويستمِع إليْه في إنصات شديد ويظلُّ هذا الشَّعب واقفًا يبْكي طوال قراءة القرآن، ممَّا أبْكاني من هذا الإجلال الحقيقيّ من الشَّعب الإندونيسي المسلِم وتبجيله لكتاب الله"[94].
    إِنَّ جَمال الصَّوت الَّذي يَملكه المنشاوي - رحِمه الله - وتفرُّد التّلاوة بطريقتِه الخاصَّة، والإتْقان في التّلاوة، وفوق ذلك كلّه العيش والتَّفاعُل معه، وتَجسيده العَميق لمعاني كتاب الله، وترْجَمته إلى حياة وواقعٍ - هِي الَّتي تَجعل كلَّ مَن يَستمع إلى تلاوة الشَّيخ يتأثَّر به، ولقد نقِل عنه - رحِمه الله - أنَّه ربَّما أعاد التِّلاوة في الأستوديو مرَّات ومرَّات، ويتوقَّف التَّسجيل لأجل البُكاء[95].
    فإلى حَمَلة كتاب الله: هكذا يَجب أن تكون أخلاق حَمَلة كتابِه حتَّى يحيوا بتلاواتِهم القُلوب والأرْواح، تلك القُلوب التي غشيتْها الذُّنوب والآثام، وغطَّتْها الظُّلمات والمعاصي، والأمر كما قال عثمان بن عفَّان - رضِي الله عنْه -: "لو طهرت قلوبُنا لما شبعت من كلام الله"[96].
    إلى بيت المقدس:
    زار الشَّيخ المنشاوي - رحِمه الله - المسجِد الأقصى[97] المبارك وقرأ فيه، وكأنِّي بالشَّيخ - رحِمه الله - وهو يدخُل المسجِد وينظر إلى أرْوِقته وزواياه، ويتأمَّل في مسرى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فتفيض عيناه بالدّموع، ويتألَّم على مصاب الأمَّة في أعزّ ما تَملكه أُولى القبلتين وثالث الحرمَين - إنْ صحَّ القوْل، أسأل الله أن يفكَّ أسْرَه من أيدي اليهود - فينطلق بعدها بصوتِه الذي سخَّره لخدمة دينه، فيقرأ من سورة الحديد والإسراء، ومن أجْمل التِّلاوات تلك السّورة التي جَمعت في مضمونِها أسبابَ تأخُّر المسلمين وذلّهم، والأسباب المؤدّية إلى العزّ والتَّمكين، ومن أعظم أسباب الذُّلّ الَّذي أصاب أمَّتنا الإسلامية بعد أن كانت ترفُل بأثواب العزّ والسؤْدد: الانخِداع بزخرفة الدُّنيا؛ كما قال ذلك سيِّد ولَد آدم - عليْه الصَّلاة والسَّلام -: ((فوالله ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكنّي أخشى أن تُبْسَط عليْكم الدّنيا، كما بسطت على مَن كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتُهْلككم كما أهلكتْهم))[98]،وتأمَّل معي كيف يقرأ الشَّيخ المنشاوي قولَه تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [الحديد: 21]، وهو يرفَع صوْتَه ويستنهِض الهِمم، ويقوِّي العزائم لِبلوغ هذا الهدَف الأسْمى الَّذي تسابقَ من أجْلِه المتسابِقون، وتنافس فيه أهل الصَّلاح والتَّقوى، ثمَّ تلاوته واختِياره لسورة الإسراء وتِلاوته لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً ﴾ [الإسراء: 7] بِمختلف القراءات حتَّى إنَّه أعادها أكثرَ من ستِّ مرَّات كما أشرنا من قبل، وكأنَّه يشير إلى نِهاية طغيان اليهود، وأنَّه لم تنجُ أمَّة من تبعات فسادِهم، وأنَّه في هذه المرَّة سيتمّ بإذن الله دخول المسجِد الأقْصى تَماما كما حصل في المرَّة، ولكن بعد أن تنهض الأمَّة من كبوتِها وتستعْلي على شهواتِها، وتَحْمِل في نفسِها عزَّ الجهاد في سبيل الله، وتكون أهلاً لحمْل المسؤوليَّة الَّتي أناطها اللهُ بها.
    إلى بلاد الحجاز:
    قرأ المنشاوي - رحِمه الله - في موسِم الحج[99]، وله فيها ذكرياتٌ من أجْمل الذِّكْريات، لقد قرأ الشَّيخ ومن حولِه حجَّاج بيت الله، ومن سورة الحج[100] وهم يستمِعون إلى تلاوتِه وسط تجاوُب وتفاعل الحضور، وكأنَّه يفسِّر السُّورة ويشرح مقاصدَها، ويُجلي معانيَها ويوضح ألفاظَها للسَّامعين، بعدها أدَّى مناسك الحجّ بشوْقٍ وإيمان وحلاوة وراحة ويقين، وقبل مغادرتِه يَحدوه الشوق والحنين لزيارة مهبط الوحي، ومكان نزول كتاب الله الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمرُ الدّين والدّنيا، إنَّه غار حِراء، فيجْلس في داخلِه أو بِجَنبِه ويقرأ آيات -قيلَ: من سورة العلق - عطِرة ممَّا نزل على قلْب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفرٌ من النَّاس ويقرأ سورة العلق فيبْكي ويُبكي مَن حوله[101]، إنَّها لحظات من أجْمل لحظات العمر بل الدّنيا بأسرِها، إنَّها لحظات عبَّر عنها شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحِمه الله - بقولِه: "ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنَّتي وبستاني في صدْري أيْنما رحت لا تُفارقني، أنا حبسي خلْوة، وقتْلي شهادة، وإخْراجي مِن بلدي سياحة"[102].
    ما أحْوجَنَا اليوم ونحنُ نعيش في خضمَّ هذه المادّيات التي أثقلتِ النفوس وأوهنت القلوب، وأتْعبت الأرْواح حتَّى بدأت تُحسُّ بالقلق والإرْهاق، بل أبعدتْها عن الله وجعلتْها قاسية كالحِجارة! ما أحوجَنا إلى أن نُعيد للقلوب حياتَها ونورَها وإشراقَها، ومن خلال كِتاب الله الَّذي هو حياة النّفوس وإشراقُها، ونور الأبصار وضياؤها، وشفاء الأمراض ودواؤها!
    إلى بلاد الرافدين:
    في عام 66 وجَّه إليه الأخ الأستاذ حلوق في رسالة خطيَّة دعوةً للقراءةِ في مساجِد بغداد، في رسالة تَحمل مشاعر الودّ والاحتِرام، وتتضمَّن أسلوبًا رائعًا في التَّعبير والإنشاء بها، أسلوب أهل القُرآن، وتواضُع الكِبار، وفي نِهاية البحث - أخي القارئ - نصّ الرّسالتين من موقع مزامير آل داود.
    حقًّا إنَّ الشَّيخ - رحِمه الله - خادمٌ للقُرآن بكلِّ ما تَحمله الكلمة من معنى، وقدِ اعتذر الشَّيخ عن الحضور في تِلْك السَّنة لموعدٍ في دوْلة الكويْت والتِّلاوة في المسجد الكبير، وقد سجّلت للشَّيخ تلاوات في الكويْت منذ عام تُعتبر القمَّة في النقاوة والصَّفاء والمهابة؛ لتطوُّر الأجهزة في البلد، مثل سور الانفِطار والفجر، وسورة ق والقصص والروم وغيرها، وفي عام 67 استقلَّ الشَّيخ - رحِمه الله - طائرة إلى بغْداد - مدينة السَّلام - مع عددٍ من القرَّاء، وصل إلى بغداد وقد لفَّ الربطة حول عنقه من شدَّة البرد، وذهب إلى جامع أبي حنيفة - من أكْبر مساجد بغداد يومئذٍ - وقرأ سورة الأنفال - لم تسجَّل، على ما نُقِل لي - ثمَّ الشُّعراء، وقصار السور - وقد سجّلت[103].
    والتقى بعدها بكِبار المقْرئين العراقيِّين، أمثال المقرئ عبدالرحمن توفيق، والتقى بالحافظ خليل إسماعيل[104] رائِد القراءة في العِراق، ودار بينهما حديث ودِّي طويل، وعقدت للمنشاوي بعدها عدَّة جلسات في بيوتات الأعظميَّة قرأ فيها تلاواتٍ قصيرة جَميلة لا تتجاوز 10 دقائق، من سور الرَّحمن والشُّعراء[105] وقد سُجّلت - رُفِعَتْ إلى موقع مزامير آل داود - ومن المساجد الَّتي زارها المنشاوي: الأورفلي[106] حدَّثني الأخ خلوق أنَّ المنشاوي - رحِمه الله - بيْنما كان يقرأ في المسجد يقول: خيّل إليَّ أنَّ حنجرته سقطت بين يديْه، وبدأ الدَّم ينزل من حلقه، وكانت بداية الإصابة بالدَّوالي - البداية كانت عام 66 - وبقِي في بغداد 10 أيَّام من رمضان، وبعدها استأْذن للعودة إلى أرض الوطَن.
    حصيلة هذه الجوْلة المباركة - والتي شملت بلدان عدة - وهي أكثر من 150 تسجيلا[107] من مختلف الأقطار الإسلامية، هي تراث الشَّيخ إلى جيل الأمَّة من التلاوات الرَّائعة لا يزال صداها وتأثيرُها حاضرًا في النفوس ماثلاً للعيان، رغْم مرور أكثر من 35 عامًا، هذا والمنشاوي - رحِمه الله - توفّي وقد بلغ القوَّة في الأداء والجمال الصَّوتي، كيف الحال لو عاش بعدَها لكنَّا قد سمِعْنا تلاواتٍ من لون آخر، يَختلِف عمَّا سمعناه من التّلاوات المعروفة، ولعلَّ الوقْت يُسْعِفنا لنسجّل ما تلاه الشَّيخ من تلاوات خارجيَّة وإذاعيَّة، وملابساتها وتاريخها وما يتْبع ذلك.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل العاشر
    (إجلال كتاب الله وتعظيمه)
    لم يكُن الشَّيخ المنشاوي - رحِمه الله - قارئًا للقُرآن فحسب بل كان مربِّيًا، وبتعبيرٍ آخَر: ربَّانيًّا ومعلِّما يترْجِم ما يتلوه إلى واقع ملموس، انطِلاقًا من قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾ [ص: 29]، وهذا يفسَّر لنا أنَّ النَّاس ومن مختلف الشَّرائح يتأثَّرون بتلاواتِه، وأنَّ تسجيلاتِه قد لاقت صدًى واسعًا في سماء القراءة المصريَّة وغيرها، وقد شهِد له بذلك عُلماء ربَّانيُّون وفُقهاء من مختلف البلاد الإسلاميَّة، ويفسِّر لنا أيضًا الإقبال على الاستِماع إلى تجويده.
    إنَّ قارئ القرآن[108]، وحاملَ لوائِه لا ينبغي له أبدًا أن يتَّخذ كتاب الله مطيَّة لنيْل مآرب دنيويَّة دنيئة وإلاَّ فقد حلاوة القُرآن ولذَّته، والَّتي هي أثْمن من مُلْك الدُّنْيا بأسرِها، ولن تؤثِّر تلاوته في قلوب السَّامعين وإن كان جَميل الصَّوت؛ لأنَّه وباختِصار ما خرج من القلْب وصل إليْه، وما خرج من اللِّسان لم يُجاوز الآذان، إنَّها حقيقة بديهيَّة إلاَّ أنَّ بعض القرَّاء يغفلون أو يتغافلون عنها، إنَّ حامل القُرآن يَجب أن يترفَّع عن كلّ ما يَشين؛ فالقِراءة ليستْ حِرْفةً أو صنعة بل هي مسؤوليَّة كبيرة تتطلَّب من حامل القُرآن جملةً من الآداب والأخلاق، وأن يَجعل كتابَ الله المثل الأعلى في كلِّ شأن من شؤون حياتِه، لقد جعل المنشاوي ذلك نُصْبَ عينيْه وهدفه الأسمى وغايته العظمى من تلاوة كتاب الله.
    ونذْكُر هنا من المواقِف موقِفَين:
    الأوَّل: عندما وجّه إليْه أحد الوزراء من قِبَل الرَّئيس جمال عبدالنَّاصر قائلاً له: سيكون لك الشَّرف الكبير بِحضورك حفلاً يَحضره الرَّئيس عبدالناصر، ففاجأه الشَّيخ محمد صدّيق بقوله: ولماذا لا يكونُ هذا الشَّرف لعبدالناصر نفسِه أن يستمِع إلى القرآن بصوت محمد صديق المنشاوي؟! ورفض أن يلبِّي الدَّعوة قائلاً: لقد أخطأ عبدالناصر حين أرسل إليَّ أسوأ رسُله[109]، إنَّ هذا الرَّدَّ والموقف يَحمل الكثير من الدلالات ومنها:
    1- الإجلال الحقيقي لكتاب الله من أن يكون مطيَّة لرغبات الحكَّام - لم تكن علاقة المنشاوي بالرَّئيس جمال طيِّبة، ربَّما بسبب موقِف جمال من بعض العلماء - مع أنَّ العالم لو ذهَبَ إلى الحاكم بنيَّة الإرشاد والتَّوجيه والتعليم لم يكُن بذلك بأس، وهو مذهب أهل السنَّة في طاعة[110] أُولي الأمر فيما لا معصيةَ فيه، وان كان الموقف هنا يَختلف، ومن هذا الباب امتنع بعض العلماء من غشيان أبواب السَّلاطين مع طاعتهم لهم بالمعروف.
    2- إنَّ هذا الموقف يذكِّرنا بمواقف العلماء الربَّانين أمثال الأوْزاعي، والإمام مالك وغيرهم، وأنَّهم لم يكونوا ليقِفوا على أبواب السلاطين؛ لأنَّك ما أخذت شيئًا من دنياهم إلاَّ أخذوا شيئًا من دينك، ولا أعلم أحدًا من المقرئين وقف مثل هذا الموقِف الجريء الصَّارم، وردَّ مثلَ هذا الرَّدِّ القاسي، ليدلّك على الإيمان العميق، والاتّصال الوثيق بالله، وعدم الخشية إلاَّ من الله، ولو ذهب الشَّيخ لكان من الممكن أن يغدق عليه الأوْسمة والثَّناء - لَم يكُن المنشاوي يشترط أجرًا على القراءة، ولم ينَلْ حسب علمي وسامًا من مصر، وإن كان قد نال وسامًا رفيعًا من الرئيس الإندونيسي - ولكنَّه نال وسامًا من الدَّرجة الكبيرة، إنَّه وسام رضا الله ومرضاته، ونال تقدير النَّاس وحبَّهم له، ورزَقَه الله محبَّة الخلق أجْمعين.
    الموقف الثَّاني: لم يلتحِق الشَّيخ محمَّد صديق المنشاوي بأي معهد لتعلم الموسيقا، ولم يدرسها على يد أحد الموسيقيِّين، وقد طلب أحد الموسيقيين الكبار في فترة الستينيات منه، وعرض عليه أن يلحن له القُرآن قائلاً له: يا شيخ، أنت الصَّوت الوحيد الذي يقبل الموسيقا في القُرآن، فقال له الشَّيخ محمد: يا سيدي لقد أخذت الموسيقا من القُرآن، فكيف تلحِّن أنت القرآن بالموسيقا؟![111] فخجل الرَّجُل من نفسه، وهذه عادة قبيحة من بعض القرَّاء - سامحهم الله - وانتشرت في الأوْساط القرائيَّة وهي أن يذهب المقرئ إلى موسيقار أو فنَّان[112]، أو ملحِّن ليتعلم منه المقام أو النَّغم الذي يلائم صوتَه ليكون مشهورًا، وأنت ترى كل هذه المقامات باطلة، وليس لها من الشَّرع دليل، ولا من الدّين سند، أيَجوز للمقرئ أن يحرق نفسه من أجل أن ينفع غيرَه، والغالب على هؤلاء أن الله لا يَجعل لهم قبولاً، ثمَّ إنَّ الذَّهاب إلى هؤلاء الفسَّاق نوعٌ من أنواع الإقرار على ما هُم عليه، والله هو الحسيب وبه الاستعانة، على أنَّ الرَّعيل الأوَّل مثل الشَّيخ عبدالباسط والحصري ومصطفى إسماعيل كلّهم رفضوا (النوتة الموسيقيَّة) والدّخول في المعاهد الموسيقيَّة من أجْل تحسين الصَّوت، إنَّ هذا الرَّفض من المنشاوي يدلّ فعلاً على إجْلاله لكتاب الله، وأنَّ القرآن يعلو ولا يعلى عليه، وبالله التوفيق.
    مقرئ الصحوة:
    لقد مرَّت أحداث مؤلمة هزَّت العلم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه في عصر المنشاوي - رحمه الله - ولم تكن مثل هذه الأحداث لتمرّ على الشَّيخ المربِّي الدَّاعية مرور الكِرام دون أخذ العِبر واستغلالها بما يَخدم الإسلام والمسلمين، ومن تِلْكم الأحداث حدث النكبة عام 67[113] وما تبِعها من مصائب، وما أعقبَها من نتائج لازِلْنا نعاني من ويلاتها إلى اليوم، والتي من أهمّ أسبابِها تفرُّق المسلمين وانكبابُهم على حبّ الدنيا وملذَّاتها، والفرقة التي مزَّقت دولة الإسلام، وجعلتْهم أحزابًا وشيعًا كلّ منهُم يدَّعي وصلاً لليْلى وليلى لا تقرُّ لهم بذاك، والكلّ يدَّعي أنَّه حامل لواء الكتاب والسنَّة وينقد غيرَه من الجماعات، علمًا أنَّ الادِّعاء وحده لا يكفي بل لا بدَّ من التَّطبيق.
    وقد توالتْ ردود الفِعل من عُلماء الأمَّة وفقهائها والمخلصين من أبنائها من أجل الاستِنْهاض بالأمَّة والأخذ بأسباب القوَّة، والعوْدة بالمسلمين من جديدٍ إلى أسباب العزِّ والرِّفْعة والسؤدد، وإلى النَّبع الصَّافي من القُرآن والسنَّة الَّذي يوحّد ولا يفرّق، ويَجمع ولا يشتِّت، وبرز عددٌ من الدّعاة وأعلام الأمَّة كرَّسوا أقلامهم وكلامَهم من أجل هذا المبدأ العظيم، والَّذي به صلاح الأمَّة، وهنا برز دوْر المقرئ المنشاوي - رحمه الله - وبما يملكه من الطَّاقة الصوتيَّة، والموهبة الَّتي رزقه الله إيَّاها، فإنَّه - وبلا شكٍّ - تألَّم ممَّا يتألَّم منه كلُّ غيورٍ على الأمَّة، ومن هذا المنطلَق استغلَّ المناسبات العديدة، والدَّعوات التي وجِّهَت إليه ومن مختلف الأقطار والأمصار، ومن خِلال مساجدِها؛ مثل المسجد الأقْصى، والمسجد الأموي بسوريا، ومسجد أبي حنيفة بالعِراق، والمسجِد الكبير بالكويت والأردن وليبيا وغيرها، من أجْل تذْكير الأمَّة الإسلاميَّة بِمجدِها التَّليد، وتاريخها العريق المتألِّق في أفُق السَّماء، ومن خلال الصَّدح بالقُرآن الكريم وسُوره العظيمة، والتي تبثُّ في النُّفوس روح الأمل والاستِبْشار بوعْد الله، وأنَّ النَّصر آت إنْ شاء الله قريبًا لا مَحالة، وأنَّ الله لا يُخلِف وعدَه، وأنَّ وعْده يأتي حينما تأخُذ الأمَّة الإسلاميَّة بأسباب التَّمكين، والتي منها: الإيمان بالله والعمل للآخِرة، وترْك التَّنافُس على حُطام الدُّنيا ومتاعِها الزَّائل، فكان - رحمه الله - يرفع صوته مدوّيًا بالقرآن، وخاصَّة من السور التي تدعو إلى الصَّبر واليقين والتوكُّل على الله، والصَّبر على البلاء ووحْدة الصف، ومن ذلك سورة التوبة وآل عمران[114]؛ فإنَّ الشَّيخ كان يكرّر قراءَتَها في مثل تلك الظّروف، وقد قرأ الشَّيخ هذه السورة - التوبة - وخاصَّة الآيات من قوله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [التوبة: 38] مرَّات عديد وفي أكثر من ستّة مَحافل في بلاد مختلفة.
    إنَّ الآيات واضحة المعاني والدّلالات تبيِّن أنَّ "الجهاد فريضة على المسلمين حتَّى لو كان عدد أعدائِهم أضعاف عددِهم، وأنَّهم منصورون بعون الله على أعدائِهم، وأنَّ الواحد منهم كفءٌ لعشَرة من الأعداء، وكفءٌ لاثنَين في أضعف الحالات، وفريضة الجهاد إذًا لا تنتظر تكافُؤَ القوى الظَّاهرة بين المؤمنين وعدوِّهم، فحسبُ المؤمنين أن يعدّوا ما استطاعوا من القوى.. وأن يثقوا بالله.. وأن يثبُتوا في المعركة ويصبِروا عليْها.. والبقيَّة على الله؛ ذلك أنَّهم يَملكون قوَّة أخرى غير القوى المادّيَّة الظَّاهرة"[115].
    لقد قرأ الشَّيخ تلك الآيات في أكثر من سبعةِ محافل تقريبًا، وفي كلّ مرَّة يتْلوها وهو حاضر القلب متأثّر بما يَحصل حوله، متألّم على مصاب الأمَّة، مناديًا ليُسمِع الأمة الإسلاميَّة، لعلَّها تستيقظ من سُباتِها ونومِها، ويحثُّها من خلال التِّلاوة، ويذكِّرها أنَّ النصر قريب بإذن الله.
    "إنَّ العذاب الذي يتهدَّد الأمَّة ليس عذاب الآخرة وحْده - حين تترك الجهاد في سبيل الله - فهو كذلك عذاب الدّنيا، عذاب الذّلَّة التي تصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح والغلبة عليْهم للأعداء، والحرمان من الخيرات، وهُم مع ذلك كلّه يَخسرون من النّفوس والأموال أضْعَافَ ما يَخسرون في الكفاح والجهاد، ويقدّمون على مذبح الذّلّ أضعاف ما تتطلَّبه منهم الكرامة لو قدَّموا لها الفداء، وما من أمَّة تركت الجهاد إلاَّ ضرب الله عليْها الذّلَّ فدَفَعت مُرْغمةً صاغِرةً لأعدائِها أضْعاف ما كان يتطلَّبه منها كفاح الأعْداء"[116].
    الأيام الأخيرة:
    في عام (1966م) أُصيب[117] - رحِمه الله - بدوالي المريء، وقد استطاع الأطبَّاء أن يُوقِفوا هذا المرض بعض الشَّيء بالمسكّنات، ونصحوه بعدم الإجْهاد وخاصَّة إجهاد الحنجرة، إلاَّ أنَّه كان يصرُّ على الاستِمْرار في التّلاوة وبصوت مرتفِع، حتَّى إنَّه في عامِه الَّذي توفّي فيه كان يقرأ القرآن بصوت جهوري؛ الأمر الذي جعل النَّاس يَجلسون بالمسجِد الَّذي كان أسفل البيْت ليستمِعوا إلى القرآن بصوْتِه دون علمه، ولمَّا اشتدَّ عليه المرض نُقِل إلى مستشفى المعادي، ولمَّا علمت الدَّولة بشدَّة مرضه، أَمَرت بسفرِه إلى لندن للعلاج على نفقتِها إلاَّ أنَّ المنيَّة وافتْه قبل السفر، وكان ذلك سنة (1388هـ - 1969م)، ولم يتمَّ الشَّيخ الخمسين سنة، وكان آخِر تلاوة للشَّيخ - رحمه الله - هي تلاوته لسورة لقمان[118].
    إنَّ وصف شهيد القُرآن - إن صحَّ - وصفٌ ينطبق بالفعل على المنشاوي، فقد نذَر هذا الرَّجُل صوتَه لله على الرَّغْم من علمِه بأنَّ رفْع الصَّوت في القراءة يؤدِّي إلى إتْعابه، بل ربَّما يؤدِّي إلى انقطاع الصَّوت وإلى الأبد - رحمه الله - فإنَّه أحد أولئك الذين وهبوا حياتَهم للخدمة في دولة التِّلاوة، فإذا به درَّة متفرِّدة لا تكاد تَجد لها نظيرًا أو شبيهًا بين هذه الكوْكبة العظيمة من قرَّاء القرآن الكريم.
    رحِم الله الشَّيخ محمد صدّيق المنشاوي رحْمة واسعة، فلم يورِّث درهمًا ولا دينارًا، ولكنَّه ورَّث تلاوة مجوَّدة وترتيلاً خاشعًا عذبًا لكِتاب الله، يأسر القلوب ويخرج بِها كوامن الهموم، ويستجلِب بها العبرات من العيون، لقد أيْقظ المنشاوي بتلاوتِه القلوب الغافلة، وأحْيَت تلاوته النّفوس المريضة، إنَّه القارئ الَّذي لا يَملُّ من القراءة، وهو القارئ الذي استمع إليه المسلِمون في إندونيسيا فأجهشَهم البكاء على الرَّغم من عدم نُطْقِهم بالعربيَّة، إنَّه القارئ الَّذي حينما يقرأ تحس أنَّه صوت الحور العين - كما وصفه البعض[119] - وهو القارئ صاحب التَّواضُع الرَّفيع، والذي كان يقابل الإساءة بالعفْو والإحسان، وباختِصار: القارئ المثالي وحامل كتاب الله الَّذي تخلَّق بأخلاقِه وتأدَّب بآدابه، ومن المحزن أن يكون نبأ وفاة هذا العلَم وغيره من أعلام القِراءة في مصر - أمثال الحصري وعبدالباسط وغيره - غائبًا عن وسائل الإعلام، وهو القارئُ الَّذي ملأتْ شهرته الأمصار والأسماع، بيْنما تتبارى الوسائل المرئيَّة والسمعيَّة للإعلان عن وفاة مطربة الشَّرق[120]، وكوكبة الزهر - كما يزعُمون - ويعْلن الحداد وتنشغل الأمَّة الإسلاميَّة بطولها وعرضها، وتسخر الأقلام - رياء وسمعة - في مدْحِها وتأبينها، ترى ماذا قدَّمت أم كلثوم لأمَّة الإسلام؟! اللَّهم سوى العبث واللَّهو وأن يبْقوا في سُكْر لا يفيقون منه أبدًا.
    قَالَتْ[121]سَكِرْتَ بِمَنْ تَهْوَى فَقُلْتُ لها
    العِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا فِي المَجَانِينِ
    العِشْقُ لا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ
    وَإِنَّمَا يُصْرَعُ المَجْنُونُ فِي الحِينِ
    وللحقيقة فإنَّ دار الإذاعة بلندن[122] الوحيدة التي أعلن فيها عن نبأ الوفاة، إلاَّ أنَّ المذيع أخطأ في تاريخ الولادة فقال: وُلِد المنشاوي عام1921، ويكْفي المنشاوي فخرًا وعزًّا أنَّ الله رزَقَه محبَّة الخلق، وأنه يترحَّم عليه في كلّ يوم الكثير من محبِّيه وسامعيه مادام صوتُه يصدح بالقرآن، رحِم الله المنشاوي فقد وهب حياتَه لتلاوة القُرآن الكريم حقَّ تلاوته، وتَجويده أحسن ما يكون التَّجويد، فعاش بالقُرآن، وعاش مع القرآن، ثمَّ إنَّه مع هذا وذاك أحسن ترْبية أولادِه عندما حفَّظهم كتاب الله، وغرَس في نفوسِهِم حبَّه.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    الفصل الحادي عشر
    شهادة العلماء[123] بالثناء عليه
    الذين مدحوه من العلماء الأعلام وأثنَوا على تلاوته وتَجويده كثيرون، فضلاً عن العوامّ الَّذين لا يعدُّون ولا يُحْصَون، أمَّا العلماء فقد قال سماحة الشَّيخ ابن باز - رحمه الله - عنه: "إنْ أردت أن تسمع إلى القرآن كما نزل فاستمع إلى المنشاوي"، إنه صوت لا تملّ منه أبدًا كينبوع ماء طاهر متدفِّق مروٍ للعطشى، وكان الشَّيخ الألباني يبكي وهو يسمع الشَّيخ محمَّد صديق المنشاوي.
    يقول الأستاذ/ محمَّد بن أحمد (أبو ليلى الأثري) وكان عنده الحرْص على تسْجيل دروس ومحاضرات وفتاوى الإمام الألباني - رحِمه الله - رغْم قلَّة ذات اليد وصعوبة الحال في ظروفِه التي عايَشها مع الإمام الألباني - رحِمه الله - فكان أن قال عن الإمام الألباني - رحِمه الله -: كان سريعَ الدَّمعة رقيق القلب يحبُّ استِماع القرآن بصوْت الشَّيخ محمد صدّيق المنشاوي - رحِمه الله - وعند سماعِه لا ينشغِل بشيء آخَر؛ بل ينصت ويخشع.
    يقول فضيلة الأستاذ:
    ذهبتُ ذات مرَّة لبيته - رحِمه الله - فاستأذنتُ عليْه ودخلتُ غرفتَه، فوجدته جالسًا يَستمِع لقراءة التَّرتيل للشَّيخ المنشاوي - رحمه الله - والتفتُّ إليه وإذا به يبْكي - رحِمه الله.
    وأعرف من الشَّباب المسلم مَن حفِظ القرآن من خلال الاستِماع إلى تلاوته، يقول صفي الدين الأعظمي[124] - نقلاً -: كنتُ في الثَّامنة عشرة من عمري، وكنت أقرأ في أحد المحافل القرآنيَّة في العراق التي كانت منظَّمة بواسطة رئيس ديوان العراق، ويقول: وأثناء التّلاوة دخل رئيس ديوان العراق - وكان معه أحد الشّيوخ - وهمس لي بأن أخْتِم التلاوة، فاستفسرتُ فقال لي: إنَّ الشَّيخ المنشاوي قد حضر، فنظرت إلى الشَّيخ فوجدتُه شابًّا وكنتُ لَم أر المنشاوي قط، فقلت في نفسي: إنَّ هذا ليس المنشاوي فقد كنت أعتقد أنَّ المنشاوي فوق الستّين بسبب صوتِه الرَّخيم، فالمهمّ تنحَّيتُ جانبًا إلى جانب الشَّيخ وصعِد الشَّيخ، واستعاذ، فقلتُ بصوْتٍ مسموعٍ يسمعه الشَّيخ: إنَّ هذا ليس المنشاوي، فنظر إليَّ الشَّيخ ولم يقُل شيئًا ثُمَّ بسملَ فقلتُ: مستحيل أنه يكون المنشاوي! ثمَّ قرأ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ ﴾ [الأنفال: 1]، فقلتُ: والله، إنَّه المنشاوي فنظر إليَّ مبتسمًا وقال: نعم أنا المنشاوي.
    رؤيا المنام التي رُئِيَت بالشَّيخ المنشاوي - رحمه الله.
    ومن عاجل بُشْرى المؤمِن ثناء النَّاس عليْه بعد موته، ومِن العلماء الذين أثْنَوا على الشَّيخ - رحمه الله - فضيلة العالم الربَّاني الشَّيخ محيي الدين الطعمي[125] - حفِظه الله - بما نصّه: رأى له سيّدي محمَّد أبو بطانية - رحِمه الله - رؤًى صالِحة تدل على ولايتِه وصلاحه، وكان إذا قرأ القُرآن أحسَّ المستمِع أنَّ صوته كصوْت الحور العين، يؤثِّر تأثيرًا ربَّانيًّا في ذات الجالسين، وينقلهم إلى عالمٍ لا شيءَ مثيله في المادّيَّات.
    أسألُ الله أن يُحْيي قلوبَنا بالقرآن، وأن يَحشرنا مع أهل القرآن، ويَجعلنا ممَّن يتْلو القرآن حقَّ تلاوته آناء الليل وأطراف النَّهار، وأن يفكَّ أسرى المأسورين العراقيِّين وأن يرْفع الظُّلم عن المظلومين بمنِّه وكرمه، إنَّه سميع مجيب.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    خاتمة
    توصيات:
    بعد هذه الجولة المباركة مع المقْرئ الشَّيخ محمَّد صدّيق المنشاوي، أحببتُ أن أسجِّل بعض ما خطر لي من ملاحظات حوْل القرَّاء وما ينبغي لهم وعليْهم، فأقول مستعينًا بالله:
    • ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ أصوات قرَّاء القرآن الكريم لها الأثَر الطيِّب على عموم أهل الإسلام؛ لما تميَّزت به تلاواتُهم من جمال الصَّوت والأداء المتقَن، وقد صافحت أصواتُهم النديَّة آذان المسلمين في شتَّى البلاد، وخاصَّة في الجاليات الإسلاميَّة في بلاد أوربا وأمريكا وغيرها، وأعطتْهم حظًّا من النور والاطمئنان والانشراح، مثل المقرئ محمد عبدالباسط عبدالصَّمد والحصري والمنشاوي ومحمود البنا وغيرهم، والكثير من المسلمين إنَّما عرفوا طريق الإسلام والنور من خلال حناجرهم الشجيَّة، وتلاواتهم النديَّة، ومن أجل الحفاظ على هذه الكنوز والتراث القُرآني أقترح ما يلي:
    أوَّلاً: تشكيل لجنة خاصَّة من علماء القِراءة - وهم اليوم كُثْرٌ ولله الحمد بسبب النهْضة الإقرائيَّة، وانتِشار علم القِراءات - تهتمّ بتلاوات القرَّاء من خلال المتابعة الجادَّة والبحث عن المدفون منها في الإذاعات - خاصَّة أنَّ بعض هذه الإذاعات لا تهتمّ بهذا التراث، بل كانت سببًا في ضياع وإتْلاف الكثير منه - وفي البيوتات التي يهتمّ أصحابُها بتلاوات القرَّاء وإخراجها إلى النور من جديد؛ من أجل أن يتمتَّع بسماعها الجمهور.
    ثانيًا: ضرورة النَّظر - وخاصَّة بالنسبة للإعلام العربي الإسلامي المرئي والمسْموع - إلى إعطاء مساحة أوْسع لعرض تلاوات القرَّاء الذين يتميَّزون بالأداء المتقَن، والصَّوت الجميل، على أنَّ بعض القنوات الإعلاميَّة بدأت في الآونة الأخيرة تتطلَّع إلى تطبيق ذلك، فبدأت تعْرِض تلاوات القُرَّاء القدماء[126]، وهي بذلك تؤدِّي دوْرًا محوريًّا في خدمة كتاب الله، مع ما تقوم به من برامج متنوّعة تخصُّ كتاب الله تلاوةً وتفسيرًا ودعوة.
    ثالثًا: تُعتبر تلاوات القرَّاء مادَّة علميَّة يُمكن الاستفادة منها في علم القِراءات، حيث تقدّم تلك التلاوات نماذج تطبيقيَّة في علم القراءات، يُمكن أن تدرس في معاهد إقرائيَّة مخصَّصة لذلك، إضافةً إلى كوْنِها مادَّة علميَّة في تصحيح التّلاوات، والنطق بالقرآن، ولا ننسَى تلاوات الحصري وما كان لها من أثَر عظيم على عموم الأمَّة في التَّعلم والتَّربية الإيمانيَّة، وفيما يخصّ علم المقامات يُمكن للمبتدئين تعلُّمها عن طريق الاستِماع المكرَّر لآيات الذِّكْر الحكيم بالمقامات المختلفة، وعن طريق أساتِذة متخصِّصين بدلاً من تعلُّمها من وسائل غير شرعيَّة بل ومحرَّمة.
    رابعًا: محاولة الاتِّصال بالقرَّاء أو بِمَن له صِلة بِهم، وتقديم مادَّة علميَّة مدْعومة بالوثائق الصَّحيحة تتناول سيرتَهم الذَّاتيَّة باعتبارهم نجومًا يُستضاء بها في علم التلاوة، وعرْضها على النَّاس من خلال القنوات الهادفة التي تنشر تراث عُلمائنا ومفكِّرينا، ولا ننسى ما تقوم به بعض القنوات الإسلامية من عرض أفلامٍ وثائقيَّة عن حياة القرَّاء الأحْياء منهم والَّذين قضَوْا نَحبهم، وما لتلك الأفلام الوثائقيَّة من أثر طيّب على النَّاس في تصْحيح الكثير من الأخْطاء في حياة النَّاس العمليَّة.
    هذا فيما يتعلَّق بِما ينبغي عليْنا تِجاه قرَّائِنا الأجلاء، أمَّا فيما يتعلَّق بالقرَّاء وما ينبغي عليْهم من واجبات وآداب:
    أوَّلاً: على القرَّاء أن يتذكَّروا أنَّهم حمَلة كتاب الله وحفَظة القُرْآن الذي أشرقت به الظُّلُمات، وأنَّ الإسلام إنَّما وصل إلى أرْجاء المعمورة إنَّما كان من أهل القُرآن بعِلْمِهم وعملِهم، وتلاواتِهم وورعِهم وخوفِهم من الله، فلا ينبغي عليهم أن يُفَرِّطوا في هذا الشَّرف العظيم، ويكونوا من طلاب الدُّنيا، وليتذكَّروا أنَّ النَّاس ينظرون إليْهم نظرة إكْبار وإجلال واقتداء، فعليهم:
    ثانيًا: أن يتخلَّقوا بآداب القرآن ويتأدَّبوا بآدابه، وأن يُعْطُوا القُرآن حظَّه من التَّطبيق والتَّفعيل في حياتِهم العمليَّة، فليس الأمر مقصورًا على الصَّوت الجَميل والأداء المتْقَن فحسْب، بل الأمر أوْسع من ذلك بكثير، فالقُرآن هو دستور الأمَّة، ومنهج حياتِها، فعليْهم أن يبعِدوا تلك الصُّورة التي ارتسمتْ على بعض القرَّاء من المنافسة على الدِّرْهم والدينار من خلال إحْياء الحفلات بالأجور الباهِظة المثقِلة لكاهل من يتحمَّلُها.
    ثالثًا: كتاب الله لم ينزل ليُقْرَأ في المآتِم فحسب، بل ليقرأ آناء اللَّيل وأطراف النَّهار، وهو الفرج العظيم الذي به تَحيا القلوب وتسعد النفوس، لم ينزل على الأموات بل نزل ليذكّر به الأحياء؛ لأجل أن يقوموا بعمارة الأرْض بطاعة الله.
    رابعًا: أفضل ما يذكر أهل الإيمان ويوقظهم من غفلتهم هو العِلْم الشرعي، فعلى القارئ أن يتسلَّح به ليحميَه من غوائل الفِتَن ومضلاَّت البدَع والأهواء، وما أكثر البدَع التي تَملأ أجْواء القرَّاء! وخاصَّة الأماكن القبوريَّة التي يُسْتغاث فيها بغير الله، ولا تجد مَن ينكر من القرَّاء إلاَّ على استحياء؛ ولهذا عليهم أن يكونوا دعاة إلى الله بتلاوتِهم بل وبأفعالهم وأقوالِهم؛ فإنَّ النَّاس يستجيبون لهم ويُحبُّون أصواتَهم، ثمَّ ما المانع أن يعقب التّلاوة درس في الفقه والدين؟! وهذا من شأنه أن يرفع من قدرِهم ويعلي من شأنهم.
    هذا ما تيسَّر لي التَّذكير به، وأسأل الله أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلّها، ويُجيرَنا من خِزْي الدُّنيا وعذاب الآخِرة، وأن يرحَم قرَّاءنا العِظام وأنينوّر قبورَهم ويرفع من درجاتِهم، وأن يُلْحِقنا بالصَّالحين مع الَّذين أنعم الله عليْهم من النَّبيِّين والصدّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وحسُن أولئك رفيقًا، وآخر دعْوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آلِه وصحْبِه أجمعين.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    [1] كتبت عن تراث الشَّيخ الحصري - رحمه الله - ضِمْن حلقات مسلسلة، وعن المقرئ الحافِظ خليل إسماعيل، وعبدالقادر الخطيب، والملا عثمان، في موقع "المزامير" والسلسلة مستمرَّة بإذن الله.
    [2] الترتيل: هو تجويد كلماته، وتقويم حروفه، وتحسين أدائه بإعطاء كل حرف حقه، ومنحه مستحقه من الإجادة والإتقان والتحقيق والإحسان، أما التحقيق فهو كالترتيل في جميع ما ذكر غير أنه أكثر تؤدة وأشد طمأنينة وأبعد عن العجلة والإسراع، والحدْر - بسكون الدال - هو الإسراع وهو كالتَّرتيل في مراعاة جَميع الأحكام، غير أنَّه يكون مع السرعة في القراءة، ويجب التحرُّز فيه من بتْر الحروف ونقص الغنَّة، واختلاس الحركات والتَّفريط إلى حدٍّ لا تصحُّ به القراءة، فإنَّ ذلك محرَّم في الشَّرع.
    انظر: "أحكام قراءة القرآن" للشيخ الحصري ص 331، وفي كتاب: "بغية المريد" بقلم مهدي الحرازي ص 78 تفصيلٌ ممتع فراجعْه.
    [3] يراجع بتوسع كتاب "موسوعة تربية الأجيال المسلمة"، إعداد نصر الصقري، المكوَّن من 597 صفحة، وكتاب "منهج التربية في التصور الإسلامي"، د. أحمد مدكور، ص 400.
    [4]لقد نشأ الشيخ سيد صديق المنشاوي، وعاش في مديرية قنا بصعيد مصر، وذاع صِيته فيها وفي الأقاليم المجاورة، واتَّصل في شبابه بالشيخ أبو الوفا الشرقاوي، فطرب بصوته وجعله من خاصته، وعمّ الشَّيخ كذلك الشيخ أحمد السيّد من القرَّاء وهو الذي رفض القِراءة في القصر الملكي، وقد ورث الورع والتقوى عن أبيه، انظر: www.islamophile، وفيه ترجمة وافية للشيخ ووالده.
    [5] وهو الَّذي أتمَّ على يديْه حِفْظ القرآن كامِلاً قبل أن يتمَّ الثَّامِنة من عمره، ثمَّ نقله عمُّه أحمد السيِّد إلى القاهرة لدراسة علوم القرآن والقراءات، وقد تولاَّه الشَّيخ محمد سعود، فأتمَّ معرفة علوم القرآن والقراءات وهو في سنّ الثَّانية عشرة، والَّذي فجَّر ينابيع الصَّوت الجميل والخشوع من لسانه وقلبه، وكان لتربية الشَّيخ مسعود أثرُها، ممَّا دعا الشَّيخ محمَّدًا لتسمِية ولده على اسْم الشَّيخ لمحبَّته له واحترامِه لجانبه.
    [6] انظُر ترجمة شيخ الإسلام في "العقود الدرّيَّة لمناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" لابن عبد الهادي، وترجمته بتأليف ابن حجر العسقلاني كتاب "الدرر الكامنة"، الجزء 1، صفحة 168.
    والقصْد من ذلك التَّشْبيه بينهما ما يَظهر على مَن أراد الله به خيرًا من علامات القبول والموْهبة في الصغر، وإلاَّ فإنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية في عِلْمِه ومعرفته لا يصِل إليه كلُّ مَن نعرِفه من المقرئين، ويُعتبر شيخ الإسلام من العلماء الأفْذاذ الذين تركوا تراثًا ضخْمًا ثمينًا، لا يزال العلماء والباحثون ينهلون منه، والعلم عند الله.

    [7] والمراد بالمزمار هنا: الصوت الحسن، وأصل الزمر الغناء، وفي رواية أخرى، قال أبو موسى - رضي الله عنه -: "لو كنت أعلم أنَّك تسمعه، لحبَّرته لك تحبيرًا"؛ أي: حسَّنته وزينته بصوتي تزيينًا، والحديث متَّفق عليه.
    [8] أخرجه أبو يعلى 7279 من حديث أبي موسى، وقال الهيثمي في "المجمع" (7/ 171): فيه خالد بن نافع وهو ضعيف، والحديث أصلُه في البخاري (5048)، ومسلم (797).
    [9] ومن الكتب الهامَّة في هذا الموضوع كتاب "أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم" لمؤلِّفه فتحي عبدالرَّحمن جروان، الناشر دار الفكر للطباعة - عمان لسنة 1422هـ 2002م.
    [10] عمّه أحمد السيد، والذَّهاب إلى الأزهر كان شيئًا كبيرًا في أعيُن آباء أهل الصعيد، بل في عيون أهل مصر؛ لما كان يتمتَّع به الأزهر آنذاك من مكانةٍ مرموقة في العالم الإسلامي عمومًا، حيث كان يفتخر مَن كان له أبناء يدرسون فيه.
    [11] من ويكيبيديا، الموسوعة الحرَّة - وهو أستاذ علم أجيالاً فنون التَّجويد، ولد في قرية ملامس بمحافظة الشَّرقية عام 1900م، انتقل إلى جوار ربِّه في المدينة المنورة سنة 1988م، ودفن في البقيع، وله ترجمة مختصرة في الأعلام للزركلي ج1 - ص 262، وله كتاب في غاية الرَّوعة عنوانه "آداب التلاوة وأحكام التجويد" في غاية الأهمية.
    [12] انظر في ترجمته في "عمالقة القرَّاء" للكاتب شكري القاضي، ص 121، تضمَّن الكتاب مقدّمة علميَّة رائعة في كيفيَّة الاستفادة من أصوات القرَّاء، وتوصيات لحمَلة كتاب الله، وما ينبغي أن يكون عليه أهلُ القُرآن من أخلاق وآداب.
    [13] الشَّيخ الحذيفي إمام المسجد النبوي، له ختْمه برواية حفص عن عاصم، وهي الَّتي أشرف عليْها الشَّيخ عامر السيّد عثمان، ويتميَّز التَّرتيل بالتحْقيق والإتقان، وحسن الصوت، وهو من المصاحف الصوتيَّة التي تتَّخذ لتعليم التَّجويد وإحكامه.
    [14] من أهمّ آثار المؤلف - رحِمه الله - بالمكتبة الإسلاميَّة مؤلَّف بعنوان "تنقيح التحرير" في تحرير القراءات العشر، كما قام بتحقيق الجزء الأوَّل من كتاب "لطائف الإشارات في فنون القِراءات" للقسطلاني، كما شارك في تحقيق كتاب (اجتِهاد السَّبعة) لابن مجاهد، والَّذي نشرته دار المعارف عام 1972.
    [15] المصدر: جريدة القبس الكويتيَّة والموسوعة الحرَّة، وقد أهدى لموقع صوت القرآن الأخ الفاضِل إبراهيم الجوريشي تسجيلاً نادرًا للمقرئ سُجِّلت في أمسية نادرة، وهي أمسيَّة القراءات العشر بلبنان في مساء يوم الخميس 22/ صفر/ 1392هـ الموافق 6/ 4/ 1972م بمناسبة اليوبيل الذَّهبي لمؤسَّسة دار الأيتام الإسلامية بلبنان، وقد قرأ فيها كبار القرَّاء.
    [16] مناهل العرفان ج1 ص 489، والبدور الزاهرة ص 7، كتاب الضوابط والإشارات ص 19، وبغية المريد من أحكام التجويد للحرازي ص 45.
    [17] كانت في الزَّمان الأوَّل ومن بعده في زمن التَّابعين، وقبل حدوث البدَع والأهواء تعْني كلمة المقرئ: الجامع بين العِلْم والفِقْه في الدّين والرّواية عن أهل القِراءات، ولو طالعْت تراجم القرَّاء وطبقاتِهم ورواتهم لرأيت مَن يوصف بأنَّه الإمام المحدّث الفقيه المقْرئ ونَحوه من الأوصاف، حتَّى تغيَّر الحال في زمانِنا فأصبح المقرئ مَن يحترف القراءة ويَملك الصوْت الجميل فحسْب، ولو كان من أجهل خلْق الله وأبعدهم عن أخلاق حملة كتاب الله، والله المستعان، والقرَّاء السَّبعة أو العشَرة ورواتُهم وطرقهم كلّهم من أئمَّة الهدى وعلماء الدّين.
    [18] هو المقرئ الشهير، والعلامة التحرير، المحقق المدقِّق، صاحب التصانيف المفيدة، له ترجمة وافية كتبها الأخ الدكتور إبراهيم الجوريشي، راجع موقع حفَّاظ الوحْيين قسم علماء القراءات وأهل الإجازات، نشرت المقالة في (مجلة الفرقان الصَّادرة عن جمعيَّة المحافظة على القرآن الكريم) في الأردن، انظر ترجمتَه في الإعلام ج1 ص 307 نقلاً عن المجتمع ص 57 ع 912.
    [19] انظر إلى مؤلَّفات الشَّيخ الحصري في مقدّمة كتابه "أحكام قراءة القرآن" بقلم محمَّد بلال منيار ص 12، أمَّا ترتيله وتَجويده ففي القمَّة، يجمع بين حُسن المخارج والعناية بتساوي مقادير المدود والغنَّات، والاهتمام بالوقف مضافًا إليْه جمال الصَّوت - رحِمه الله.
    [20] لم يتفرَّغ للتَّأليف في علوم القرآن، بل كرَّس حياته للتَّجويد والتَّرتيل، وقدَّم للأمَّة أنموذجًا رائعًا وصادقًا للمرتّل لكتاب الله، انتفع منه عموم الأمَّة ولازالت ترْتيله يَحظى بقبول الجميع.
    [21] في نهاية البحث سنذكر شهادة العلماء للمنشاوي وثناءهم عليه.
    [22] اشترط على الملك فاروق لمَّا طلب منه التّلاوة في الإذاعة أن تَمتنع المقاهي عن تقديم المشْروبات ولعِب الطاولة، اعتبارًا من السَّاعة الثَّامنة مساء وقت إذاعة القُرآن الكريم، والذي كانت تنقله الإذاعة من القصر الملكي، قائلاً للملك: "إنَّ للقرآن جلاله؛ فهو كلام الله، ولا يجب أن ينشغل النَّاس عنْه وقت تلاوته بالسؤال عن المشروبات، والحديث واللَّهو ولعب الطاولة.
    أمَّا اليوم فقد أصبح الإعلام عاملاً أساسيًّا في نشْر الإسلام والدَّعوة إليْه، وأصبح الأمر واجبًا على كلِّ مَن له القُدْرة من أهل العِلْم أن يُساهم في الدعوة إلى الله.
    [23] والشَّيخ هو أوَّل مقرئ تنتقل إليه الإذاعة.
    [24] من تِلاوة له من المسجِد الأقصى من عام... قرأ فيها من سورة الإسراء من الآية 1 إلى الآية 14.
    [25] القصة ذكرها ابن الشيخ بنفسه راجِعْ ويكبيديا، الموسوعة الحرَّة، وعباقرة القراء في القرن العشرين ص 109، وقيل: إنَّ القصَّة برمَّتها غير صحيحة، وعلى كلّ فالشَّيخ تعرَّض لمثل هذا وقريبًا منْه، والحسد منتشِر بين القرَّاء خاصَّة لما يشتركون به من الصَّنعة ويجمعهم جَمال الصوت إلاَّ مَن سلَّمه الله من ذلك الدَّاء الخطير.
    [26] حيث تعجَّب واندهش من أفعال ذلك الرجل، وخاصَّة بعد عِلْمِه أنَّه مقرئ، وأوْصى ابنَه الشَّيخ محمَّدًا وأهله بعدم ذكر اسمه لئلاَّ يفتضح وتضيع شهرة ذلك المقرئ، وإن صحَّت القصَّة فهي تدلّ على خلق رفيع عظيم من أخلاق أهل القرآن، وهي الصَّفح والعفو والستْر، نسأل الله العظيم أن يمنَّ عليْنا ويَجعلنا من أهل القرْآن وخاصَّته.
    [27] من الأحاديث عن عائشة - رضِي اللَّه عنها - قالتْ: قال رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: ((الَّذِي يَقرأُ القُرْآنَ وهُو ماهِرٌ به معَ السَّفَرةِ الكرامِ البررَةِ، والذي يقرَأُ القُرْآنَ ويتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُو عليهِ شَاقٌّ - له أجْران))؛ متَّفقٌ عليه.
    وعن عثمانَ بن عفَّانَ - رضيَ اللَّه عنهُ - قال: قالَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((خَيركُم منْ تعلَّمَ القُرآنَ وعلَّمهُ))؛ أخرجه البخاري.
    وهي بلا شكٍّ تبيِّن فضْل حامِل القرآن والعامل به وإن لم يكن حَسَن الصَّوت، فهو خير المنازل، وإن كان جَميل الصَّوت ولم يعمل به فهو أوَّل من تسعَّر به النَّار؛ كما جاء في حديث: ((أوَّل من تسعّر بِهم جهنَّم)) ومنهم: قارئ للقرآن ((يقول: يا رب، تعلمت فيك القرآن، وعلَّمته للنَّاس، فيقال: كذبتَ، ولكنَّك تعلَّمت ليقال: عالم، فيُؤخذ به فيلقى في النَّار))؛ والحديث في صحيح مسلم.
    [28] استشْعر الشَّيخ محمد صديق بأنَّ هناك مؤامرة لإحراجه وسط هذا الجمع الغفير، فما كان منه إلاَّ أنِ استعاذ من الشَّيطان الرَّجيم، وأخذ يقرأ بين النَّاس ماشيًا على قدميْه، تاركًا دكَّة القِراءة، والنَّاس تتجاوب معه حتَّى أبْهر النَّاس بقوَّة صوته، وهو تصرُّف يدلُّ على شخصية الشَّيخ وما يتمتَّع به من ذكاء، وفوق ذلك ما يحمله في قلبِه من همّ الدَّعوة إلى الله وهداية الخلْق.
    [29] كان ذلك في سهرة في محافظة المنيا، وممَّا يدلُّ على محبَّة النَّاس للاستِماع إلى تلاوة الشَّيخ ذلك الحضور الضَّخم الذي قدّر بـ 10000آلاف مستمع، وهو يدل على أهمّيَّة مثل تلك المواسم القرآنيَّة في قُرى مصر عمومًا، على أنَّنا نُخالفهم فيما يَحصل في تلك المواسم من مُخالفات شرعيَّة وبدع وضلالات، وكوْنُها تحصل في أماكن يُعْبَد فيها غير الله ويشرك معه في الدعاء والتضرُّع، والشكوى إلى الله من غربة أهل السنة.
    [30] فقْه الأسرة المسلمة، لحسن أيّوب؛ حيث يتناول الكتاب ما يختصُّ بالأسرة المسلمة من زَواج وطلاق وعدَّة ونفقة وظهار وإيلاء وخلْع، وغير ذلك من الأمور الفقهيَّة والأحكام الشَّرعيَّة، التي تَحتاجها الأسرة المسلِمة، فالكتاب نافع أنصح بِقراته في هذا الباب.
    [31] مجلة "الفرقان" الصَّادرة عن "جمعيَّة المحافظة على القرآن"، الأردن، العدد الواحد والأربعون، جُمادى الأولى 1426هـ، حزيران 2005 م، من مقال بعنوان "مقرئ الصَّحوة الإسلاميَّة المعاصرة القارئ الشَّيخ محمد صدّيق المنشاوي".
    [32] المصدر السَّابق، وهي عادة كثير من المقرئين إلاَّ من عصمه الله فهو يهمل تربية أبنائه بيْنما تراه في المحافل القرآنية لا يشق له غبار، والله المستعان.
    [33] من موقع الشيخ محمد صديق المنشاوي من مقال بقلم الأستاذ: محمد حسين إبراهيم الرنتاوي بعنوان: "مقرئ الصحوة الإسلامية".
    [34] لقد تزوَّج عام 1938م من ابنة عمِّه، وكان ذلك هو زواجه الأوَّل، وأنْجب منها أربعة أوْلاد ثمَّ تزوَّج الثَّانية وكان عمره قد تَجاوز الأربعين، وكانت من مركز أخميم مُحافظة سوهاج، وأنْجب منها تسعة أولاد، خَمسة ذكور وأرْبع إناث، وكانت زوْجتاه تعيشان معًا في مسكن واحد يَجمعهما الحب والمودة، المصدر السابق.
    [35] من بعده بالمهمَّة التي كان يقوم بها بتحفيظ أولاده وبناته كتاب الله ورعايتهم على أكمل وجه.
    [36] الشَّيخ محمَّد كان شديد التَّواضع، وكان كثيرًا ما يتحرَّر من عمامته ويرتدي جلبابًا أبيض وطاقية بيضاء، ويجلس أمام باب بيته، فكان بعض الناس يعتقدون أنَّه بوَّاب العمارة، وخاصَّة وأن بشرته قمحيَّة، ولكن ذلك لم يكن يُضايقه، والتواضع لله من أعظم صفات حمَلة كتاب الله، وصاحب الصَّوت الجميل لا ينبغي له أبدًا أن يتكبَّر على عباد الله، وإلاَّ سلب الله حلاوة القرآن من قلبه، نسأل الله العافية.

    [37] والعدد يفوق ذلك بكثير، فكما هو معْروف أنَّ الشَّيخ محمد صديق المنشاوي كان قارئ مسجد الزَّمالك في القاهرة لمدَّة حوالي 14 سنة على الأرْجح، والشَّيخ كان كثير الأسفار لدرجة أنَّه يَمكث في ليبيا بالشهور.
    [38] التَّركيز على تلاوة المنشاوي لا يعْني أنَّ غيره لا يتمتَّع بهذه الصّفات أو أنَّه دونَها، بل لأجل معانٍ ذكرْتُها في المقدّمة فوجَب التَّنبيه.
    [39] وهو من البدع القبيحة، والَّتي انتشرت بين القرَّاء - وإلى الله المشتكى - يقول الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "بدع القرَّاء" ص 7: "إنَّه من الدَّعوة الإلحاديَّة، ومن المراجع المهمَّة في باب بدع القرَّاء فتاوى شيخ الإسلام 36، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص 237 وما بعدها، والسنن والمبتدعات وهو كتاب بديع في موضوعِه إلاَّ أنَّ مؤلِّفه - رحمه الله - قاسٍ في ألفاظه، انظر ص 215 إلى ص 222، والقول المفيد للأخ محمد موسى نصر ص 70، وفي كتاب بغية المُريد فصل في بيان الأساليب الممنوعة في التّلاوة ص 82.

    [40] راجِع في آداب حمَلة كتاب الله في المؤلَّفات التَّالية، منها كتاب: "أخلاق حملة القرآن" للآجرّي هذا في آداب حمَلة القرآن، وكتاب آخر للنَّووي اسمه "التِّبيان في آداب حمَلة القرآن"، وهو كتاب ميسَّر ومفيد، والإمام النَّووي من الأئمَّة المباركين الموفَّقين في العلم والإيمان.
    [41] أحكام قراءة القُرآن الكريم للشَّيخ الحصري، ص 251، وما بعدها.
    [42] موقع قطوف المرجان في ترتيل القرآن.
    [43] (قطوف المرجان في ترتيل القرآن) موقع متخصِّص بتعليم المقامات عن طريق الاستِماع المتكرر لآيات القرآن من كبار المقْرئين، وعلى من لم يُتقن أحكام التَّجويد الأفضل له ألاّ يضيّع وقته بتعلُّم المقام، بل عليه تعلُّم أحكام التَّجويد والنطق الصَّحيح بالقرآن.
    [44] موقع مزامير آل داود، الموسوعة النغميَّة للأخ والأستاذ فراس الطَّائي مطبَّقة من تلاوات الحافظ خليل إسماعيل، وضعت في ركن الرَّافدين والشَّام من الموقع نفسه.
    [45] فالمقامات مثل الصَّبا والرَّصد والنَّهاوند والبياتي وغيرها، إذا كانت تتعلَّم من دون سماع الغِناء والاختِلاط بالفسَّاق، وعدم النَّكير عليهم، فإنَّها مكروهة - وقيل غير ذلك - لأنَّها ليست ضرورة، وأمَّا إذا وجدت تلك الأشياء، فهي حرام بالاتّفاق من كلام أهل العلم وسيأْتي توضيح ذلك أكثر.
    [46] ولهم الدور الفعَّال في تعليم شباب الأمَّة علوم القرآن، وعلم القراءات، ومن طريق السَّند، وقد أقْبل عليْهِم شباب الأمَّة من مختلف المستويات لطلَب العلم، ومن هؤلاء السمنّودي والطَّرابيشي والمرْصفي وغيرُهُم.
    [47] للدكتور أبي مجاهد عبدالعزيز بن عبدالفتاح القارئ، مكتبة الدار - المدينة المنورة، ط1، 1414 هـ، وقد ذكر الدكتور أنَّ أحسن من سمعه يتقن نغمة التَّحزين من قرَّاء الإذاعات: المنشاوي - رحِمه الله - ومعْنى التَّحزين: أن يأتي على وجْه حزين يبكي مع خشوع وخضوع، انظر: الإتقان، ص 253.
    [48] وأضيف إلى تلك الشروط ما هو مكمّل متمّم لها ما يلي:
    1- ألاَّ يصرفه عن مراعاة التَّجويد - الأحكام وتحسين الصوت - تدبّر المعنى واستِحْضار الخشوع؛ لأنَّه المطلوب من التّلاوة.
    2- أن يكون للمقرئ حظٌّ من العلم بالقُرآن وعلومه، ومعرفة بِمعاني كتاب الله وخاصَّة ما يتعلَّق بالمأْثور وتصوّر المعاني، وهذا سينعكس أثرُه على تلاوتِه ويكون لها التَّأْثير في قلوب سامعيه.
    3- أن يكون له زادٌ من خلق الورَع والزُّهد عن الدنيا، وإلاَّ كان طالبًا للدُّنيا وبالتَّالي فقد حلاوة كتاب الله وتدبّر معانيه، والله أعلم.
    أمَّا إذا استعملت آلات الموسيقى مع تِلاوة القرآن فهي بدْعة مركَّبة وضلالة أبْشع وأشنع، انظر تفصيل ذلك في: "بغية المريد"، ص 83.

    [49] البيت لحسَّان وهو في ديوانه ص 410.
    [50] زاد المعاد (1/ 482) وحول القراءة بالمقامات هناك خلافٌ بين العلماء في الجواز وعدمِه، مع اتِّفاقهم أنَّ المقامات إذا طغت على أحكام التَّجويد بحيث زادت حرفًا أو نقصت حرفًا، فلا يجوز، وإذا قرأ القارئُ بأحْكام صحيحة - دون طغيان - فلا شيءَ إن قرأ بالمقامات، فهذا يساعد على خشوع القارئ.
    [51] قال الشيخ بكر أبو زيد: وتأمَّل قوله "من غير تكلّف ولا تمرين ولا تعليم" فإنَّه فقه عظيم له دلالاتُه، فرحِم الله ابن القيّم، ما أدقَّ نظرَه وفقهَه! المرجع السَّابق ص 7.
    من المراجع الهامَّة في الباب كتاب "تبين الحقائق شرح كنز الدقائق" للزَّيلعي الحنفي ج1 - 91، وبدع القرَّاء ص 12 - 15، وأضواء البيان للشنقيطي ج8 - 358.

    [52] من البدَع الخبيثة التي يرتكِبُها بعض القرَّاء - سامحهم الله - تعلّم المقامات عن طريق الدّراسة في المعاهد الموسيقيَّة من أجل صقْل الموهبة وصفاء الصوْت - زعموا.
    ولعمري إنَّها من أشدّ البدع ضررًا على الدِّين، مَن مِن السَّلف - رضوان الله عليهم - فعل ذلك؟! وأين النُّصوص الشرعيَّة التي تدلُّ على هذا الفعل الشنيع؟! وما فائدة تحسين الصَّوت بارتكاب منكر شنيع كهذا؟! ولو كان المرء صوته قبيحًا وهو يقرأ القرآن لكان أفضل من هؤلاء وأقرب عند الله، ومن هذا الباب جاء قولُه -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: ((الَّذي يقرأ القُرآن وهو ماهرٌ به مع السَّفرة الكرام البررة، والَّذي يقرأ القُرآن ويتتعْتع فيه وهو عليه شاقّ - له أجران))؛ متَّفق عليه.

    [53] الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 183، رقم 7223)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 540، رقم 2649) ومحمد بن نصر في قيام الليل كما في مختصره للمقريزي (ص 219 رقم 147) بلفظ: ((اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتِها وإيَّاكم ولحون أهل الفِسْق وأهل الكِتابين، وسيجيءُ قومٌ من بعدى يرجِّعون القُرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنَّوح، لا يجاوز حناجرَهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الَّذين يعجبهم شأنهم))؛ محمد بن نصر في الصلاة، وأبو نصر السجزي في الإبانة عن حذيفة.
    قال الهيثمي (7/ 169): فيه راوٍ لَم يسمَّ، وبقيَّة [يعنى بن الوليد أحد الضّعفاء المدلّسين] أيضًا.
    قال الذَّهبي في الميزان (2/ 313) والحافظ في اللسان (2/ 319): تفرَّد به بقيَّة ليس بمعتمد، والخبر منكر؛ فالحديث ضعيف، لا يصح ولا يحتج به.
    قال الشَّيخ الألباني: ضعيف.
    صحيح وضعيف الجامع الصغير (7/ 439).

    [54] أحكام قراءة القرآن الكريم للشَّيخ الحصري ص 29.
    وإلى ذلك أشار الرَّسول الكريم حينما قال: ((مَنْ أحبَّ أن يقْرأ القُرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأ قراءة ابنِ أمِّ عبد)).
    يقول الشَّيخ الحصري - رحِمه الله -: وكان - رضي الله عنه - قد أُعْطِي حظًّا عظيمًا في تَجويد القرآن وتحقيقِه وترْتيله، كما أنزله الله -تعالى- وناهيك برجُلٍ أحبَّ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يسمع القُرآن منه، ولمَّا قراء أبْكى رسولَ الله، كما ثبت في الصحيحين.

    [55] يقول ابن الجزري كلامًا نفيسًا ينبغي أن يُنْقَش بِماء الذَّهب: "ولقد أدْركنا من شيوخنا من لَم يكُن له حسن الصَّوت ولا معرفة بالألحان إلاَّ أنَّه جيّد الأداء قيّمًا باللَّفظ، فكان إذا قرأ أطرب السَّامع، وأخذ من القلوب بالمجامع" ثم قال: "وأخبرني جماعةٌ من شيوخي وغيرُهم أخبارًا بلغتِ التَّواتُر عن شيخِهم الإمام تقي الدين أحْمد الصَّائغ المصري رحِمه الله تعالى - وكان أستاذًا في التَّجويد - أنَّه قرأ يومًا في صلاة الصّبح: ﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الهُدْهُدَ ﴾ [النمل: 20]، وكرَّر هذه الآية فنزلَ طائرٌ على رأْس الشَّيخ يسمع قراءته"، النشر (1/ 214).

    [56] الفرق واضح بين التكْرار في كتاب الله في الآيات المتشابهات، والذي ينتج من تقْديم أو تأخير أو إبْدال حرف مكان حرف من لَمسات بيانيَّة والَّذي ألَّف فيه الكرماني كتابًا سمَّاه "أسرار التكْرار في القرآن"، وبين التكْرار في التَّجويد فهذا لأجل التدبُّر وفهم المعنى، وذاك لأجل استِخْراج ما في الاختلاف من أسرار وحكم وهُما يجتمعان في أنَّ كليهِما يؤدِّيان إلى تدبّر كتاب الله.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: القارئ محمد صديق المنشاوي

    [57] الإمام الألباني - رحمه الله - كتاب صفة صلاة النبي، باب القراءة: "ثم يقرأ (الفاتحة) ويقطّعها آية آية: (بسم الله الرحمن الرحيم) [ثم يقف، ثم يقول:] (الحمد لله رب العالمين) [ثمَّ يقف، ثم يقول:] (الرحمن الرحيم) [ثمَّ يقف، ثم يقول:] (مالك يوم الدين)، وهكذا إلى آخِر السورة، وكذلك كانت قراءته كلّها، يقِف على رؤوس الآي ولا يصِلُها بما بعدها، وكان تارة يقرؤُها: (ملِك يوم الدين) وعلى هذا كان؛ أبو داود والسَّهمي (64 - 65) وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي، وهو مخرَّج في "الإرواء" (343) ورواه أبو عمرو الدَّاني في "المكتفى" (2/ 5) وقال: ولهذا الحديث طرق كثيرة، وهو أصل في هذا الباب، ثمَّ قال: وكان جماعة من الأئمَّة السَّالفين والقرَّاء الماضين يستحبُّون القطع علي الآيات؛ وإن تعلَّق بعضُهن ببعض، يقول الشَّيخ - رحمه الله -: وهذه سنَّة أعرض عنها جُمهور القرَّاء في هذه الأزْمان فضلا عن غيرهم". اهـ المقصود منه.
    [58] وهي قولُه تعالى: ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ﴾ [المائدة: 118].
    [59] جمع الشَّيخ بين دقَّة الأحكام وطول النَّفس وعذوبة الصَّوت، والتَّنويع بين المقامات وقوَّة الحنجرة، وهو بارع في الوقْف بما يساعد المستمِع على فهم المقصود، ممَّا يُعْطي الآيات أبعادًا واسعةً للفهْم والاستجابة، والأمثلة على ذلك كثيرة سيأْتِي ذِكْر أمثلة لها.
    [60] رواه أحمد (4/ 149) وفي صفة الصَّلاة للألباني ص: 102، ومن الآثار عن الصَّحابة الكرام ومن بعدهم: مرض عمر من أثر تلاوة قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴾ [الطور: 7، 8] الأثر بأسانيده في تفسير ابن كثير (7/ 406)، وسمع نشيجه من وراء الصفوف لمَّا قرأ قولَ الله عن يَعقوب - عليْه السَّلام -: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]، مناقب عمر لابن الجوزي (167).
    وقال عثمان - رضِي الله عنْه -: لَو طهرتْ قلوبُنا ما شبِعت من كلام الله، وقُتِل شهيدًا مظلومًا ودمُه على مصحفه، وأخبار الصَّحابة في هذا كثيرة.
    [61] ذكر أهلُ العلم أنَّ ذلك مستحبّ، أورد النَّووي نصوصًا وآثارًا صحيحة في اسْتِحباب ترْديد الآي ص 46 فليراجع ففيه الغُنية والكِفاية، واعلم - رعاك الله - أنَّ ترديد الآية معِين على الوصول إلى مقاصِدِها، وبه يفتح الله من ألْطافه وخزائنه ما يجلّ عن الوصف، فلا ينبغي لمسلم أن يضيِّع هذه الصفْقة الرَّابِحة، وقد كتبتُ في الموضوع كتابًا صغيرًا عنوانه "البيان في تدبّر القرآن".
    [62] كلّ قراءة وافقت اللغة العربية، ووافقت رسم أحد المصاحف العثمانيَّة، وثبتت بطريق التواتُر: هي التي يَجب قبولها ولا يحلُّ جحدُها وإنكارها، وما لَم تتحقَّق هذه الأركان كلّها أو بعضها في قراءة فهِي قراءة شاذَّة مرْدودة، انتهى مختصرًا من كتاب "القراءات الشاذَّة وتوجيهها من لغة العرب" ص 7، وبدع القرَّاء ص 13، وبغية المريد ص 67.
    [63] تلاوة سجّلت بليبيا.
    [64] ولا شكَّ أنَّ هذا الاعتقاد يُورث المسلم الخشْية والتَّوبة الصَّادقة، ويدفعه إلى بذْل مزيدٍ من المعروف، يقولُ شيخ الإسلام: "وهذا يَجِده المؤمن إذا تُلِيت عليه الآيات فزادَ في قلبه بفهْم القُرآن، ومعرفة معانيه من علم الإيمان ما لَم يكُن حتَّى كأنَّه لم يسمع الآية إلاَّ حينئذ، ويحصل في قلبه من الرَّغبة في الخير والرَّهْبة من الشَّرِّ ما لم يكُن فزاد علمه بالله ومحبَّته لطاعته"، انظُر: مجموع شيخ الإسلام ج7 ص 150.
    [65] تفسير ابن كثير ج1 ص 142، بسندٍ عن ابن أبي حاتم، وذكر بعض الآثار المشابِهة لذلك.
    [66] والسبب في هذا الاعتِقاد الفاسد ما يقوله البعض أنَّ بعض الآيات كآيات التَّنديد بالمشركين وعباداتهم أنَّها خاصَّة بالمشركين من قوم قريش، نعم هناك آيات خاصَّة في القرآن لكن من الخطأ أن يُفْهَم من هذا الكلام ما يفصل المسلمين عن قُرآنهم، ويضاف إلى ذلك حضور بعض القرَّاء لتلاوة القُرآن إلى مواسم الشّرك والَّتي يحضرها الكثير من العوامّ، فيُحْسِنون الظنَّ بهؤلاء القرَّاء الذين لا يَجدون - والله المستعان - منهم من النّصح والإرشاد والتَّوجيه ما يردَعُهم ويذكرهم بما هم فيه من ضلالة، حتّى انتشر الشَّرّ فطمَّ وعمَّ، وإلى الله المشتكى.
    [67] الإتقان ص 212، والبرهان (1/ 350)، وكتاب: "أحكام قراءة القرآن" للحصري ص 232، ومنار الهدى في بيان الوقف والابتدا ص 8، وكيف تجوّد القرآن ص 44.
    قال العلامة النكزاوي: والوقف باب عظيمُ القدر جليل الخطر؛ لأنَّه لا يتأتَّى لأحد معرفة معاني القرآن ولا استِنْباط الأدلَّة الشرعيَّة منه إلاَّ بمعرفة الفواصل.
    [68] كتاب "أحكام قراءة القرآن" للشَّيخ الحصري ص 31.
    [69] هو الشَّيخ أبو مسلم الَّذي أتمَّ على يدِه حفظ القُرآن وهو بعد لم يتمَّ الثَّامنة من عمره، بفضل عوامل ساعدتْه على ذلك، منها العامل الوراثي والتَّربية الحسنة من قِبل والديْه، ثمَّ التَّحصيل العلمي الجيّد من قِبل معلِّمِه ومُرشِده محمَّد المنكي - رحِمه الله.
    [70] تلاها الشَّيخ في عدَّة محافل وفي بلدان عدَّة، منها الكويت والمسجِد الأقصى وغيرها.
    [71] من أمثِلة الوقْف القَبيح الوقْف على قولِه: ﴿ لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ ﴾ والوقْف على قوله: ﴿ إِنِّي كَفَرْتُ ﴾ والوقف على قولِه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي ﴾، وأقبح منه الابتداء بلفظ يُغيِّر المعنى المراد، ويقْلبه إلى معنى فاسد، كالابتِداء بقوله تعالى: ﴿ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُو اللَّهَ ﴾ و ﴿ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ﴾ وقوله سبحانه: ﴿ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾ وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ﴾ وقوله: ﴿ إِنِّي إِلَهٌ مِّنْ دُونِهِ ﴾ وقوله: ﴿ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي ﴾ إلى غير ذلك، فيجِب على القارئ أن يتحرَّى الصَّواب في الابتِداء ما استطاعَ إلى ذلك سبيلاً، انظر أحكام قراءة القُرآن للشَّيخ الحصري ص 162.
    [72] البدور الزَّاهرة ص 19، الإقناع في القِراءات السَّبع لأبي جعفر الأنصاري المتوفَّى 450، ص 414 إلى ص 433.
    [73] وله أمثلة عديدة، انظر موقع" (قطوف المرجان في ترتيل القرآن)، وقد استفدتُ في هذا الفصل من موقع قراء القرآن كثيرًا.
    [74] أي المواضع التي يكرّر فيها الآيات، مثل سورة التوبة والإسراء وغافر وغيرها.
    [75] من تلاوة له من سورة الروم بأسيوط.
    [76] قال القرطبي - رحمه الله -: "اعلم أنَّ القرآن يُقرأ على عشَرة أضْرب من القراءة، خمسةٌ مِنْها نَهى أئمَّة القِراءة عن الإقْراء بها، وهي: التَّرعيد والتَّرقيص والتَّطريب والتَّلحين والتَّحزين؛ إذ ليْس فيها أثر ولا نقْل عن أحد من السَّلف - رضي الله عنهم - بل ورد عن بعضِهم أنَّه كرِه القِراءة بذلك.
    وخمسة منها أجاز الأئمَّة الإقراء بها، ونُقِلت عنهم على اختلافٍ فيها، وهي: التَّحقيق، واشتِقاق التَّحقيق، والتَّجويد، والتَّمطيط، والحدْر".
    ثم قال: "وأمَّا الترقيص فهو أن يروم السُّكوت على السَّواكن ثم ينفر مع الحركة كأنَّه في عدْوٍ وهرولة، وربَّما دخل ذلك على مَن يريد التَّجويد والتَّحقيق، وهو أدقّ معرفة من الترعيد، أمَّا التَّحزين فقد سبق الكلام عنه".
    وانظر إلى تفسير القرطبي جزء 1 - ص10 تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ- 1964م، وبدع القرَّاء بكر أبو زيد ص 7.
    [77] هذا التَّفْسير المكوَّن من ثلاثين جزءًا حيثُ يتبع السيد قطب منهجًا ثابتًا في كلّ سور القرآن، عدا بعض التغْييرات التي تفرضها طبيعة كلّ سورة، والنَّهج الذي يتْبعه هو ما يسمِّيه بالوحدة النسقيَّة المتكامِلة، وهو من كلّيات العقيدة، وهذه الوحدة تتكوَّن من مقاطع تشكّل وحدة تصويريَّة، ثمَّ البنيات وهي عبارة عن لقطات من مشهدٍ وهو الذي تميَّز به التفسير، ثمَّ العناصر الرئيسة المتضمِّنة للكلّيات الأساسيَّة، والتَّفسير محاولة لإظهار هذا التَّرابُط والتَّناسُق بين السور بأسلوب أدبي رصين أبدَع فيه السيّد غاية الإبداع.
    [78] في عام 1966في الكويت، وقد سجّلت للشَّيخ من التّلاوات في الكويت ما يلي: الحشْر والقصار، والحشْر والعلق، والإسراء، والتوبة وق والرحمن، وهود ويوسف، والواقعة والحديد، والقصص والروم، والزخرف والدخان، والروم والانفطار والفجر، والرَّعد، انظر موقع الشيخ محمَّد صديق المنشاوي.
    [79] من روائع التلاوات المنشاوية سجّلت في المسجد الكبير بدولة الكويت.
    [80] انظر ترجمته في عباقرة التّلاوة ص 21.
    [81] التَّرتيل الوحيد الذي بلغ صداه أرجاء البلاد الإسلاميَّة كلها، ولعلّي لا أكون مبالغًا إذا قُلت إنَّه من أفضل ما سمِعْت من التَّراتيل في تاريخ التّلاوة، اللَّهُمَّ إلاَّ أن يكون الحصري - رحِمه الله - من حيثُ الأداء التَّجويدي، ترتيل حقيقة يَحتاج إلى عمل دراسة، استمِعْ إلى سوره يوسف مثلاً تجِد أنَّ القارئ يتدرَّج في عرْض المشاهد والأحْداث بصوته الحزين وكأنَّه حدث حقيقي يتحرَّك أمامك، فلا تملك إزاء ذلك إلاَّ أن تبكي، فسبحان الذي يَهب ما يشاء لمن يشاء.
    [82] من تلاوة للشَّيخ من المسجِد الكبير بدولة الكويت من عام 66.
    [83] تفسير ابن كثير ج4 ص 215.
    [84] الحديث متَّفق عليه.
    [85] عباقرة التلاوة ص 101، وانظُر مقدّمة كتابه "أحكام قراءة القرآن" ص 10، مقدم الكتاب محمد طلحة بلال.
    [86] استفدت بعض الشيء من مقال كُتِب في منتدى قراء القرآن.
    [87] البدور الزَّاهرة في القِراءات العشَرة المتواتِرة ص 51، والمغني في توجيه القِراءات العشرة المتواترة تأليف الدّكتور محمد سالم محيسن ص 258.
    [88] المصدر السابق.
    [91] البدور الزاهر ص 188.
    [92] الحجة في القراءات السَّبع المنسوب لابن خالويه ص 445.
    [93] تفسير ابن كثير ج2 ص 25.
    [94] كان ذلك في عام 1955 وكان في تلك الرّحلة مرافقًا للشَّيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد بدعْوة من الرَّئيس الإندونيسي أحمد سوكارنو، انظر ترجمة المقرئ المنشاوي، عباقرة التلاوة ص 109، والكلام الصَّادق المعبّر فعلا عن الحبّ الحقيقي لكتاب الله والانفعال الصَّادق تِجاه أعظم كتابٍ على وجْه البسيطة، كيف لا وهو الذي لو أنزله على جبلٍ لتصدَّع؟! الله أكبر، ربَّنا طهِّر قلوبَنا حتى تعي وتفقه كلامَك وتتدبَّر معانيه، فتنشرح الصدور وتسعد النفوس بعد أن أصابها ركام الآثام والذنوب.
    [95] من أمثلة ذلك بكاؤه عند تلاوتِه من سورة محمَّد، واستمع للتّلاوة على الموقع مزامير آل داود، وموقع محمد صديق المنشاوي.
    [96] وخرَّجه الشَّيخ الألباني - رحِمه الله - وصحَّحه في تخريج السنَّة لابن أبي عاصم، حديث 480.
    [97] وقرأ فيه تلاوات رائعة من سور الإسراء والحديد والقصص وغيرها.
    [98] عن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - وهو متَّفق عليه.
    [99] من سورة الحج وهو تذْكير للحجَّاج بعظيم بيْت الله الحرام من خلال التلاوة.
    [100] سماع التلاوة يدلُّك على مدى تَفاعل المستمعين مع الشَّيخ وهو يتلو آيات القرآن الحكيم، وقد ذكر أحد كبار السنّ أنَّه حضر تلاوات الشَّيخ من المسجِد الحرام - قرأ كثيرًا في هذا المكان الشَّريف - وقرأ فيها من السُّور القصار ومنها الضّحى حتَّى بكى جميع الحضور ومنهم الشَّيخ نفسه.
    [101] المصدر موقع مزامير آل داود، ركن أرض الكنانة، انظر صحيفة المنشاوي.
    [102] كتاب الدرر الكامنة، الجزء 1، صفحة 168.
    والمطلع على حياة الشيخ يرى عجيبَ صبْر هذا الشَّيخ؛ فقد حورب وطورد وأُوذي وسُجِن مرَّات في سبيل الله، وقد وافتْه منيَّته مسجونًا في سجْن القلعة بدمشق، ومع ذلك تجِد حياته من أسْعد ما يكون رغْم الظروف المحيطة به، ومن أجملِ ما عبَّر عن ما يَشعر به من السَّعادة تلك العبارةُ التي أصبحت رصيدًا قويًّا لكلّ مبتلًى يتسلَّى بهذه العبارة عندما تُحيط به المخاوف.
    [103] سجّلت للشَّيخ تلاوة من سورة إبراهيم من مسجد 14 رمضان بجنْب ساحة الفردوس من نفس العام، أي: 67 أي قبل وفاته بعامين.
    [104] جرى بينهما حوار بنَّاء حدَّثني به المقرئ حافظ خليل نفسُه، ذكرت تفاصيلَه في موقع المزامير في ترجمة الحافظ خليل في ضمن تراجم قرَّاء الرَّافدين والشَّام.
    [105] تمكَّنَّا من الحصول على لقاء صوْتي للشَّيخ يُرْفَع لأوَّل مرَّة في عالم النت يتضمَّن اللّقاء حوارًا بنَّاء حول تراث العراق بِمشاركة من الشَّيخ - رحمه الله - مع تلاوتَين في غاية الرَّوعة والجمال، يراجع موقع مزامير آل داود قسم ركن أرض الكنانة.
    [106] هكذا حدَّثني الأخ الأستاذ خلوق وهو من المتابعين لأخبار الشَّيخ.
    [107] انظر جَميع تسجيلات المنشاوي مرتَّبة حسب البلدان والأقطار التي قرأ بها من موقع محمد صدّيق المنشاوي، وصوت القرآن الحكيم.
    [108] أفرد جماعة من أهل العلم في آداب حَملة كتاب الله لأهمّيَّة الموضوع تصانيف عدَّة، منها التذكار في أفضل الأذكار للقُرطبي، وأخلاق القرآن للآجرّي، والتبيان في آداب حملة القرآن، وهو من أفضل الكتُب لسهولة عباراته ووضوح معانية، وهو ينفع العالم والمتعلم والصَّغير والكبير.
    [109] ترجمة المقرئ المنشاوي، عباقرة التلاوة ص 109.
    [110] مذهب أهل السنَّة والجماعة في هذا الباب العظيم أنَّنا لا نرى الخُروج على أئمَّتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدًا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله - عزَّ وجلَّ - فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة؛ شرح العقيدة الطحاوية تحقيق أحمد شاكر، ص 327، وكتُب أهل السنَّة من أهل العلم والإيمان طافِحة بذكر هذا الأصل العظيم والتَّأكيد عليه، وواضحة لكلّ ذي لبّ إلاَّ من أعْمي الله بصيرته وخرج على أمَّة الإسلام بجهلِه يكفِّر سوادهم ويسفِّه آراءَهم، وهذا ومثاله لا يعتدّ به ولا ينظر إليْه بل هو إلى التَّأديب أوْلى، والله المستعان.
    [111] ترجمة المقرئ المنشاوي، عباقرة التلاوة ص 109، قيل: إنَّ السَّائل هو الموسيقار محمَّد عبدالوهاب، إنَّه الإجلال الحقيقي لكتاب الله من أن يُصبح غرضًا لأهل الأهواء.
    [112] مقرئو الإذاعات - عفا الله عنْهم - وهؤلاء غالبًا إلاَّ مَن رحم الله وعافاه من تلك البليَّة يُتقنون هذه المقامات الموسيقية ويقرؤون بمقتضاها، ومنهم من تعلَّم الموسيقا في المعاهد الموسيقيَّة، وأكثر الإذاعات المصريَّة حاليًّا تعقد امتحانًا في المقامات الموسيقيَّة للمقرئين المرشَّحين للقراءة في الإذاعة، ولا تعيّن إلاَّ مَن يَجتاز هذه الامتحانات، وبين المقرئين سجالات وحوارات ليست في علوم القرآن وتفسيره ولكن في الألحان والمقامات، حتَّى أصبح شغلهم الشَّاغل كما هو حال المنشِدين، وإلى الله المشتكى من غربة السنَّة حتَّى أصبح من ينتقدُهم خارجًا عن السنة.
    [113] الحديث عن نكبة 67 وما تبِعها من هزائم وويْلات أمر يدعو للسخْرية تارة وتارة للتساؤل بجدّيَّة وموضوعيَّة عن السبب، كيف انهارت منظومة متكامِلة من جيوش جرَّارة ودول يُحسب لها أَلف حساب أمام شِرْذمة لم يكونوا يومًا على مرِّ التاريخ إلاَّ أمَّة مهزومة مخذولة، واليوم وبعد مرور أكثَر من أربعة عُقود من الزَّمن يُعاد المسلسل من جديد ليحتلَّ بلد عربي أمام أنظار الجميع، وتُسْلَب خيراته وتُنهب ثرواته، وأمام أنظار الجميع ومن خِلال وسائل الإعلام المرئيَّة ليطَّلع عليها حتى ابن الصَّحراء، والأمر لله وحده، تُرى ما هي الأسباب؟ هذا ما ينبغي لكل مسلم الآن أن يُجيب عنه ويتساءل: إلى متى هذا التفرُّق والتشرذم؟! ألا يكفي ما حلَّ بنا وبديارِنا؟! ألا يدعو هذا كلُّه إلى التَّناصر والتلاحُم والتوافُق وتحمُّل المسؤوليَّة ومواجهة الأخطار التي تحدق بنا، والآتي أعظم؟!
    [114] سجلت بسوريا 1958.
    [117] عباقرة التلاوة ص 110.
    [118] عام 1969من سورة لقمان والسجدة.
    [119] من مقال بقلم الأستاذ: محمد حسين إبراهيم الرنتاوي على موقع محمد صديق المنشاوي - رحمه الله.
    [120] عام 1970، ولم تبقَ إذاعةٌ إلاَّ وأعلنتْ نبأ الوفاة، وخرج آلاف من النَّاس وأُعلن الحداد لأيَّام، وكأنَّ الأمَّة قد فقدتْ علمًا من أعلامِها ومفكِّريها، والله المستعان.
    [121] أوْرده ابن القيّم كثيرًا في كتاب إغاثة اللهفان وروضة المحبين، ص 184، في الباب الثامن والثلاثين.
    [122] نبَّه إلى تلك الملاحظة الكاتب شكري القاضي في كتابه عباقرة التلاوة، في هامش ص 110.
    [123] قالوا عن المنشاوي عن موقع محمَّد صديق المنشاوي - رحِمه الله.
    [124] المقرئ العراقي صاحب الصَّوت النَّدي، انظر ترجمته في تراجم قرَّاء الرَّافدين في موقع مزامير آل داود، بقلم أخينا الباحث هاني مكاوي - حفظه الله.
    [125] الطبقات الكبرى ج 3/ 472، وانظر مقالاً جميلاً بقلم الأستاذ: محمد حسين إبراهيم الرنتاوي، في منتديات صوت القرآن الحكيم.
    [126] جزى الله القائمين على قناة المجْد فهي القناة الوحيدة التي تهتمّ بعرْض تلاوات قرَّائِنا، خاصَّة من قرَّاء الرَّعيل الأوَّل، ولا ننسى قناة اقرأ والَّتي بدأت بعرْض أفلام وثائقيَّة مدْعومة بوثائق عن سيرة القرَّاء، وتبذل الجهود من الاتِّصال بكلّ مَن له صلة بالقرَّاء من أجل عرضها على الجمهور، فجزاهم الله كَّل خير.
    http://www.alukah.net/sharia/0/7284/
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    تعرف على الشيخ المنشاوي :
    حقائق عن الشيخ محمد صديق المنشاوي، وتقديم السم له!

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •