السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا هو الدرس الاول من دورة حديثية مختصرة تقوم على شرح كتاب
"التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث" للامام النووي رحمه الله ..

وبناءا على طلب عدد من الاخوة سيكون التركيز على هذه الامور الثلاثة : -
1 - محاولة الاختصار بقدر الامكان بشكل غير مخل بحيث يكون بمثابة المراجعة للاخوة

2 - الاحاطة بمواضع الخلاف المنهجية في بعض الاصطلاحات

3 - على الرغم من ان الدورة ستكون بمثابة اختصار لمصطلح الحديث الا اننا سنقترب اكثر من الامور الاكثر جدلاً في الاصطلاح وسنحاول حسمها وذكر ضوابطها بشكل ميسر

بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الاول
قال الامام النووي رحمه الله تحت عنوان ( أقسام الحديث ) :
[ الحديث: صحيح - وحسن - وضعيف ]
[النوع] الأول: الصحيح - - وفيه مسائل - الأولى: في حده
وهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة، وإذا قيل صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به،
وإذا قيل غير صحيح فمعناه لم يصح إسناده
والمختار أنه لا يجزم في إسناده أنه أصح الأسانيد مطلقاً، وقيل أصلحها الزهري عن سالم عن أبيه، وقيل ابن سيرين عن عبيدة عن علي، وقيل الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وقيل الزهري عن علي بن الحسن عن أبيه عن علي، وقيل مالك عن نافع عن ابن عمر، فعلى هذا قيل الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم " أهـ


الشرح

( اصل المتن لونه بني والشرح بالاسود )

(الحديث: صحيح - وحسن - وضعيف)
هذا تقسيم حسب درجة القبول ... وانواع الحديث كثيرة يمكن وضعها على تقسيمات كثيرة .. لكنه هنا قدم تقسيمها حسب درجة قوتها وثبوتها و ايجابها للعمل
(الصحيح وهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة)
وهو هنا اختصر شروط الحديث الصحيح وهي:
1 - الاتصال : بتيقن اثبات سماع كل راو من شيخه ... او بالقرائن القوية التي تفيد ذلك .. وبهذا يخرج كل حديث فيه انقطاع من شرط الصحيح سواء الانقطاع الظاهر ( مثل : المرسل والمنقطع والمعضل ) او الانقطاع الخفي ( مثل : التدليس والارسال الخفي ) ..
2 - عدالة الرواة : بان يسلموا من كل طاعن في عدالتهم واختصاراً ... السلامة من كل فسق وكذب والشهرة بالامانة والصدق .. ولهذا يطرح حديث الفاسق والكذاب
3 - ضبط الرواة : وهو حفظهم واتقانهم ويكون بضبط الصدر (الحفظ العقلي ) وضبط الكتاب .. وبهذا يخرج حديث الضعفاء ومن عرف عنه سوء الحفظ وكثرة الخطأ وهكذا من شرط الصحيح لعدم ضبطهم ..
4 - عدم الشذوذ : والشذوذ هو المخالفة لمن هو ارجح في الحفظ .. سواء الاقوى حفظاً او الاكثر عدداً .. فالشاذ هو حديث صحيح السند لكنه خالف الاقوى منه .. وهنا يبرز امر مهم للحاكم على صحة الحديث .. وهو عدم تسرعه في الحكم على الحديث من طريق واحدة .. فقد يكون الحديث صحيحا من طريق لكنه شاذ اذا ما عورض بالطرق الاخرى ؟
وقد يكون الحديث صحيحا من طريق لكن هناك طرق اخرى تثبت علته ؟
5 - انتفاء العلل : والعلة هي سبب غامض يقدح في صحة الحديث لا يكون في ظاهر السند كما هو حال الشروط الاربعة السابقة بل انها تظهر للباحث الذي له ملكة كبيرة وتمكن في هذا العلم وكثرة الاطلاع على الطرق وانواعها كثيرة وسياتي الكلام عنها في وقتها ان شاء الله ..

(وإذا قيل صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به ) يشير هنا الى انه حتى على فرض صحة الحديث من الجوانب المذكورة فانه يكون صحيح الحكم لكن لا يفيد العلم القطعي ...
وكانه يشير الى ان الحديث الصحيح يفيد العلم الظني لا القطعي ... وحجة من ذهب الى انه غير قطعي هو احتمال ان يطرأ الخطأ والوهم على الثقة الضابط العدل ..
والمسألة فيها خلاف بين الفقهاء والاصوليين من المذاهب الاربعة فهناك من يرى ان الحديث الصحيح قطعي الدلالة [ وهذا مروي عن احمد ومالك ] وهناك من يرى انه ظني الدلالة ..
لكن خروجاً من الخلاف ففي اضعف الاحوال الحديث الصحيح يوجب العمل وهو حجة بذاته باتفاق الفريقين ...
ولن نتعرض لتفصيل هذا الامر فان تقسيم السنة بطريقة ان جزء منها قطعي الثبوت وجزء منها ظني وهكذا ! والمتواتر والاحاد ! هذا التقسيم بهذا الشكل اول من ابتدعه هو المعتزلة ثم درج الاصطلاح وانتشر في امهات كتب الفقه ...
واختصاراً فالحديث الصحيح لذاته لا يوجب القطع بمفرده ولا يقال عن كل حديث صحيح انه يوجب القطع لكن الحق ان له قرائن ترفعه الى تلك المرتبة .. والله اعلم
(وإذا قيل غير صحيح فمعناه لم يصح إسناده ) يعني اختلال شرط من الشروط المذكورة ..
( والمختار أنه لا يجزم في إسناده أنه أصح الأسانيد مطلقاً ) ولنا هنا وقفات يسيرة
الوقفة الاولى : لماذا هو المختار والافضل ؟
ونقول لان هذه المسألة قد تدخل في باب مما لا طائل من تعيينه ! وان الجهد المبذول فيها لا يؤدي لنفع كبير !
فلطالما ان الحديث قد صح ! فقد اوجب العمل ..
ولذلك نقول ان الافضل هو عدم الخوض في ذلك بشكل مفصل لامرين : للتعذر - ولانه لا طائل ضخم من ذلك ..
الوقفة الثانية : من جزم بان هناك اسناد هو الاصح مطلقا ؟ على ماذا اعتمد ؟
اعتمد اولاً على شروط الصحيح المذكورة ...
ثم اضاف اليها قرائن اخرى متعلقة بدرجة قرب الرواة من بعضهم زمانياً ومكانياً وصلة القرابة
و اعتبار ضابط الملازمة وكثرة المخالطة .. والمسالة نسبية بين العلماء ..
الوقفة الثالثة : هل يعني هذا اهمالنا للمسألة مطلقا ؟
بالطبع لا .. قد نحتاج هذه الجزئيات في باب ترجيح الاخبار عند التعارض .. والله اعلم
ويمكنكم مراجعة الامثلة التي ذكرها الامام رحمه الله ..
انتهى الدرس الاول ويتبع ان شاء الله