كيف تتعامل مع النقد؟

إن دافعي في طرح هذا الموضوع؛ هو ما أعايشه حالياً في مجتمعي المحيط بي من كثرة النقد؛ وقد كنت أرتجل التعامل تجاه هذا النقد ارتجالاً، فمرة أصيب، وأخرى أخطئ، لا هم لي سوى دفع النقد عن نفسي، ولا يزيدني في كل مرة إلا هماً على هم. فقلت في نفسي: لماذا هذه المواجهة الدائمة، لعلي أقرأ في مهارات التعامل مع النقد حتى أفيد نفسي أولاً، ومن ثم أفيد غيري.

وقبل أن نبدأ بطرح هذا الموضوع يجب أن نوقن بأنه مهما فعلنا، ومهما قدمنا؛ فلن نرضي الجميع، ولن يرضى الجميع ((لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)) الأنفال:63، حقيقة خالدة قررها الله سبحانه وتعالى؛ تبعاً لاختلاف وتنوع الناس في طباعهم وتفكيرهم، وما تنطقه ألسنتهم، وما تفكر به عقولهم، ((قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)) طه: 123، فقد ذكر الصابوني في تفسير هذه الآية: "قال الله تعالى لآدم وحواء: انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين، بعض ذريتكما لبعض عدو بسبب الكسب والمعاش واختلاف الطبائع والرغبات". ((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)) الروم: 22 ، "فقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: فَجَمِيع أَهْل الْأَرْض بَلْ أَهْل الدُّنْيَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّه آدَم إِلَى قِيَام السَّاعَة كُلّ لَهُ عَيْنَانِ وَحَاجِبَانِ وَأَنْف وَجَبِين وَفَم وَخَدَّانِ وَلَيْسَ يُشْبِه وَاحِد مِنْهُمْ الْآخَر بَلْ لَا بُدّ أَنْ يُفَارِقهُ بِشَيْءٍ مِنْ السَّمْت أَوْ الْهَيْئَة أَوْ الْكَلَام ظَاهِرًا كَانَ أَوْ خَفِيًّا يَظْهَرُ عِنْد التَّأَمُّل كُلُّ وَجْه مِنْهُمْ أُسْلُوب بِذَاتِهِ وَهَيْئَة لَا تُشْبِه أُخْرَى وَلَوْ تَوَافَقَ جَمَاعَة فِي صِفَة مِنْ جَمَال أَوْ قُبْح لَا بُدّ مِنْ فَارِق بَيْن كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ وَبَيْن الْآخَر".

فمن ذاك المنطلق؛ ينبغي أن نبعث في أنفسنا عاملاً للطمأنينة، وعدم الانزعاج من النقد، مهما كان نوعه، وأسلوبه؛ لذا يكون لزاماً علينا أن نستثمر ذلك النقد - سواءً كان معاملاً للبناء، أو معولاً للهدم – لصالح أنفسنا، والعمل على استصلاح مجتمعنا.

لقد أجاد المؤلف Rural Roots (2000) في طرحه لهذه القضية، طرحاً مميزاً، فبدأ بذكر حقيقة النقد، ولماذا الناس أصلاً ينتقدون، فذهب إلى القول بأن الناس ينتقدون لأسباب كثيرة ومتعددة، فمنهم من ينتقد لمشكلة شخصية، أو ليثبت وجوده، أو لتعكر مزاجه، أو لاعتقاده بأنه على صواب والآخرين على خطأ، أو ليحط من مكانة الآخرين. ولكن علينا أن نتذكر دوماً، بأن ليس كل نقد كذلك، فقد يكون الناقد محق في كلامه، وقد نكون فعلاً قد ارتكبنا أخطاء. لذا فالمهم هو كيف يكون تعاملنا مع هذا النقد، فقد صنف المؤلف الناس في استجاباتهم وردود أفعالهم تجاه النقد إلى أربعة أقسام: 1. الرد المضاد وبشكل مباشر، 2. تجاهل النقد، 3. التريث في الرد، والمشاورة، 4. الحكمة في الحوار مع المنتقد سعياً لتوضيح وجهات النظر، والبعد عن الخلاف.

1. الرد المضاد وبشكل مباشر، وبنفس لغة الناقد؛ وهذا قد يزيد الطين "بِلة"، فهذا النوع من الجدال عقيم، ولن يزيد إلا عناداً واستكباراً؛ حتى ولو كنت تملك من الحجج والبراهين المؤيدة لوجهة نظرك؛ فإن خصمك لن يستمع ولن ينصت لما تقول. ومصداق ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((أنا زعيم بيت في ربض الجنة ، لمن ترك المراء و إن كان محقا...)) رواه الألباني بسند حسن.

2. تصميم الأذن عن سماع النقد، وكأن شيئاً لم يحصل. وهذا النوع من التصرف قد يكون ذا جدوى مع الناقد العنيد الذي لاهمَّ له إلا النقد وحسب، ولكن ذلك لا يعفينا من أن نبين حقيقة وجهات النظر التي نحوناها، فإن التجاهل المستمر لهؤلاء، قد ينفع في بعض الأحيان، ولكنه مع كثرة النقد سيسبب تأثيراً في انفعالاتنا سواءً أنفسنا وأحبابنا أو تجاه أولئك الأشخاص، وقد تكون الحكمة العربية المضروبة عن الجمل خير استشهاد لنا في ذلك؛ فإن الجمل يراكم المشاكل والأحقاد السنين تلو السنين؛ وبعد ذلك ينفجر غاضباً؛ عندها لا تسأل عن تصرف الغاضب غضباً شديداً.

3. التريث في الرد على الناقد، التفكير ملياً، وربما مشاورة الآخرين بما يمكنك أن تفعله مع الناقد؛ حتى ترى أنك قد أعددت شيئاً جيداً للرد عليه، وبشكل مناسب ومعقول؛ وربما تكتشف بتريثك أنك على خطأ فعلاً. فيمكننا مراجعة أنفسنا، واستشارة أناس حياديين تجاه الموضوع، بمعنى أنهم لا يميلون لا للمنتقد ولا للمنقود – لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء - عندها ستتضح لنا الصورة كاملة وبكل موضوعية؛ فبذلك نستطيع أن نعود أنفسنا كي نكون من الذين يتعاملون مع هذه المواقف بحكمة.

4. الحكمة في إيقاف النقد والهجوم، هادفاً بذلك إلى تلطيف الجو، والجلوس مع الناقد في جو أخوي حواري؛ الهدف منه هو الوصول إلى الحق، وبيان وجهات النظر بعيداً عن التعصب. فالحكيم هو من يجد له من رأي الطرف الآخر مدخلاً حتى ولو كان صغيراً؛ كي يتفق مع الناقد فيه، حتى يسهل وييسر للحوار الهادف. قد يكون هذا الخيار أصعبها؛ ولكنه من أفضل الخيارات في الوصول إلى الحق، وتربية النفوس على المحبة والإخاء، والبعد عن الفرقة والعداوة؛ فكل نقد نتعامل معه بهذه الطريقة؛ سيجعل منا مجتمعاً متآلفاً متحاباً.

ولقد لخص الكاتب (2007) Tejvan Pettingerسبعة طرق مفيدة للتعامل مع النقد بحكمة وروية؛ وذلك لنفع أنفسنا أولاً، ومن ثم نفع منتقدينا ثانياً، والوصول إلى مجتمع متآلف متحاب ثالثاً.

1. ما الذي أتعلمه من النقد؟ حتى وإن كان النقد جارحاً، ولكن يجب على الأقل أن أتعلم منه شيئاً، وقد يكون به شيءٌ من الحقائق؛ فأنا أدرى وأعلم بنفسي من غيري.
2. ركز على الحقيقة والمحتوى في النقد، لا لغة الخطاب ونبرة الكلام؛ فهذا كفيل بأن يجعلنا مدركين لموضوع ومغزى النقد.
3. علم نفسك دوماً بأن النقد له قيمة؛ حتى ولو بنسبة ضئيلة. فالنقد في كثيرٍ من الأحيان يعلمنا كيف نسير في الاتجاه الصحيح، فلو أننا نتبع دوماً كل مداحٍ ومصفق، فلن نتعلم أبداً، وسنقع في إخفاقات كثيرة.
4. لا تأخذ النقد بحساسية وبشكل شخصي، فغالباً ما يسبب هذا الفهم الكثير من المشاكل التي تزيد النقد تعقيداً.
5. تجاهل الكلمات والعبارات الجارحة في النقد؛ فإن هذا يساعد على فهم حقيقة النقد بوضوح، فهذا كفيلٌ بأن يبعدنا عن الهبوط إلى مستوى لا يليق بنا.
6. لا تتعجل في الرد، وخذ وقتك في التفكير، ولا تقلق ممن يستهزؤون بك أو بضعف شخصيتك، فأنت أعلم منهم بنفسك، فكن دوما واثقاً بنفسك؛ فإن الانتصار الحقيقي، ليس إسكات وإفحام الطرف الآخر؛ بل الانتصار الحقيقي هو بيان الحق.
7. تبسم، فإن تبسمك في وجه أخيك صدقة، وإن هذه الصدقة حتماً ستُساعدك على الصبر والاسترخاء، وستساعد منتقدك على الهدوء قليلاً.

ولا أنسى أن أختم بتوجيه لكل منتقد؛ بأن يقرأ كل ما سُطر أعلاه، قبل أن ينتقد، فذاك كفيل بأن يجعل نقده هادفاً. كما عليه أن يتذكر بأن المهارة الحقيقية ليس النقد بحد ذاته أو الإشارة إلى المشكلة بعينها؛ فكلنا يستطيع عمل ذلك، ولكن المهارة الحقيقية هي الإشارة إلى المشكلة، مع اقتراح حلول مناسبة لمعالجتها؛ ولا يكفي ذلك؛ بل علينا أن نسعى في إيجاد مواقع مناسبة لنا؛ للمشاركة في تنفيذ تلك الحلول.

ووفقنا الله وإياكم لكل خير وهدى وصواب
__________________________ المراجع _________________________
1. ابن كثير، تفسير القرآن الكريم.
2. محمد علي الصابوني، 1402هـ، صفوة التفاسير، المجلد الثاني، دار القرآن الكريم ببيروت.
3. الدرر السنية، الموسوعة الحديثية، تيسير الوصول إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم (http://www.dorar.net/hadith.php)
3. Rural Roots, 2000, How to deal with criticism
4. Tejvan Pettinger, 2007, 7 Effective Ways to Deal with Critiicism