سأل أحد متابعي هذه الصفحة هذا السؤال :
اغتناما لسعة صدر فضيلتكم لم أفهم هذا الأثر وهل يستدل به على جواز القراءة يالمقامات الموسيقة أو استعمال أدواتها أيضا في المصنف (عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْغِنَاءِ؟ قَالَ: مَا بَأْسَ بِذَلِكَ، سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنِ عُمَيْرٍ يَقُولُ: «كَانَ دَاوُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ الْمِعْزَفَةَ فَيَعْزِفُ بِهَا عَلَيْهِ، يُرَدِّدُ عَلَيْهِ صَوْتَهُ، يُرِيدُ أَنْ يَبْكِيَ بِذَلِكَ وَيُبْكِي»)
فقلت له :
سألني أحد فضلاء الطلبة عن هذا الأثر سابقا : على ماذا يدل ؟
فقلت له مجيبا :
((يدل على أن استعمال المعازف في تلاوة الزبور كانت مشروعة لبني إسرائيل ، عند عطاء ، ولا يرى مانعا من أن تكون مشروعة لهم )) .
فقال : وعطاء يرى جواز ذلك ألا يدل على رأيه في جواز المعازف ؟!
فقلت :
فيه إشارة إلى جواز المعازف ؛ لكن يمكن أن يقال جاء في شرعنا ما يدل على التحريم ، خاصة في تلاوة القرآن وفي التعبد بالمعازف ، مما يدل على نسخه بشرعنا .
لكن هذا يدل على أنه ليس هناك تنافر حقيقي بين المعازف وكلام الله ، خلافا لابن القيم في دعواه أنهما لا يجتمعان :
(( حب الكتاب وحب ألحان الغنا *** في قلب عبد ليس يجتمعان)) .
ويجب أن يكون تحريم من يقول بالتحريم لا لعلة هذه المنافرة المزعومة ، وإنما لعلة أخرى ، أو أنه يقرر يرى التحريم تعبدا ، وهو أولى ما قيل فيه .
فأعاد سائلا : كنت أقصد أنه حتى لو لم يكن الاستدلال صحيحا
لكنه يدل على رأي عطاء في المعازف
كإثبات للخلاف عن عطاء ؟!
هل يصح ؟؟
فقلت مجيبا :
لا ؛ لأنه قد يقال : رواه على أنه شرع منسوخ بشرعنا .
أو رواه غير مثبت ، لأنه من الإسرائليات . فذكره على الاحتمال في ثبوته ، ومثله لا يكون للاستدلال ، وإنما للاعتبار .
ولذلك أرى أن إيراده على احتمال الثبوت يفيد في قبوله لفكرة أن المعازف لا تعارض تلاوة الزبور .
فعاد سائلا : عذرا ياشيخنا !
ما أفهمه كالتالي:
هو سئل عن حكم القراءة على الغناء فقال: ما بأس بذلك.
فهذه رأي له أنه لا بأس به.
ثم بعد ذلك استدل على رأيه بأثر من الاسرائيليات
وسواء صح استدلاله أم لم يصح فيبقى رأيه أنه لا بأس به وبالتالي فهو يرى جواز المعازف ؟
فقلت له :
السؤال (فيما يظهر) كان عن قراءة القرآن بالتغني ، لا عن قراءة القرآن بالمعازف ، فهذه هي المسألة المطروحة في الساحة العلمية ( من لم يتغن بالقرآن فليس منا ) ، وما هو المقصود بالتغني ؟ فهذا هو الخلاف المنقول .
فهذا هو ما أجاب عنه عطاء بالجواز ، واستدل لذلك بما هو أشد ، وهو تلاوة داود الزبور بالمعازف . وكأنه يقول : إذا لم تناف المعازف خشوع التلاوة ، فمن باب أولى أن لا ينافيها التغني .
أما لو جعلناه استدلالا على جواز المعازف ، فإتمام الفهم سيكون : جواز قراءة القرآن بالمعازف ، وهذا ثقيل جدا ، ولا فعله أحد ، ولا جرؤ أحد على القول به ، مما يدل على أنه ليس مرادا لعطاء ، ولا للسائل .
فانتهى السؤال بقول السائل :
جميل جداً جداً .
هذا المعنى بالفعل هو الأليق.
د. حاتم العوني.